Hiba Awar

Hiba Awar

 

أخرجت «الطريقة اللبنانية» الملف الكهربائي من حدوده التقنية وأهدافه. لم يعد الأمر يتعلق لا بالوسيلة التي تؤدي إلى توفير الطاقة للبنانيين على مدى 24 ساعة، مثلهم مثل معظم شعوب الكرة الأرضية، ولا بالكلفة التي تؤدي إلى حفظ المال وتخفيف فاتورة المديونية المفتوحة على مصراعيها.

كنا أمام بوارج كهربائية على طريقة «الأفلام التركية»، وفجأة «اكتشفنا» عرضاً أميركياً مفتوحاً لإنشاء محطات كهربائية. وبين هذا وذاك تأزمت العلاقات الحكومية والرئاسية والسياسية.. وصرنا أمام سؤال أي «موال» في رأس هذا أو ذاك، وهل آن أوان حكومة تصريف الأعمال؟

لا يمكن إقناع لبناني عاقل بجدوى البواخر... واللبنانيون الذين تحملوا طويلا ظلامة العتمة، بمقدورهم أن يتحملوا ظلامة مدروسة، إذا انبرى بين أهل سلطتهم من يقول لهم «هذه خطتي لتوفير الكهرباء لكم بعد فترة زمنية محددة لمدة 24 ساعة، ولو تحملنا مرحلة انتقالية صعبة، يمكن التخفيف منها عبر استجرار الطاقة أو غيرها».

كشفت «السفير» في عددها يوم السبت الماضي، تفاصيل العرض الذي حصل عليه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من شركة «جنرال الكتريك» لبناء محطة كهربائية، لكن الحقيقة، أن هذا العرض وُلد من رحم العرض الإيراني، بل يكاد يكون نسخة «طبق الأصل» ولو أن العرض الإيراني يحمل في طياته تسهيلات وحوافز لم تتوافر في أي عرض آخر.

عندما تولى سعد الحريري رئاسة الحكومة وجبران باسيل وزارة الطاقة، في العام 2010، طرح الإيرانيون على الحكومة اللبنانية، عرضاً لا يمكن مقاومته. «نحن مستعدون لتأمين نحو ألف ميغاوات لسد كل احتياجات لبنان البالغة حوالي 2500 ميغاوات» (يؤمن منها حاليا حوالي 1500 ميغاوات)، فكان ترحيب لبناني تم التعبير عنه خلال زيارات مسؤولين لبنانيين إلى طهران وأبرزهم الحريري وباسيل. فما هي تفاصيل العرض الإيراني؟

يقول مصدر لبناني واسع الاطلاع واكب الملف من ألفه إلى يائه إن الإيرانيين عرضوا عبر شركة «مبنا» الإيرانية الخاصة المشهورة ببناء محطات توليد الطاقة الكهربائية وذات الصيت العالمي، بناء محطتي إنتاج في دير عمار (في الشمال) والزهراني (في الجنوب)، بناء على دراسات جاهزة قدمها الجانب اللبناني، تنتج كل واحدة منهما 484 ميغاوات (الإجمالي يكون 968 ميغاوات)، على أن يبدأ التنفيذ من لحظة التوقيع، وخلال 12 شهراً يسلم الإيرانيون المحطة الأولى، و24 شهراً المحطة الثانية، مع فترة سماح لا تتجاوز أربعة أشهر، تحسباً لأي أمر طارئ عند أي من الجانبين، ونترك للحكومة اللبنانية أن تختار الأماكن، وأن تحدد طريقة الدفع، سواء عبر قرض ميسّر (فائدة بسيطة جدا)، يتضمن فترة سماح أو بطريقة الـ (B O T)، أي أن يستثمر القطاع الخاص بعد الترخيص له من الجهة الحكومية المختصة، وهو يتولى الدفع والتحصيل، وعندما يسدد السعر، تصبح المحطات ملك الدولة.

تضمن العرض الإيراني أسعاراً قيل للجانب اللبناني حينذاك «إنها الأرخص عالمياً ولا تتجاوز سعر الكلفة بقرش واحد». وفيما يتحفظ المصدر اللبناني على السعر، يقول وسيط لبناني شارك في الصياغة التفصيلية للعرض إن الإيرانيين طلبوا 450 مليون دولار أميركي لقاء تركيب كل محطة، وهم أضافوا إلى ذلك، التعهد بصيانة المحطتين لمدة خمس سنوات (كلفة الصيانة تصل عادة إلى مئات الملايين من الدولارات.. والدليل هو العرض الذي وافقت عليه وزارة الطاقة لصيانة معملي البداوي والزهراني)!

وقدم الايرانيون تعهدا بأن تكون معدات المحطتين ألمانية (شركة «سيمنس» مع كفالة زمنية طويلة)، وقدموا تسهيلات لا تعرّض لبنان لأي مساءلة أو إحراج في ضوء العقوبات الدولية المفروضة على ايران (منها اعتماد الدفع بالليرة اللبنانية).

لم يكتف الإيرانيون بذلك، بل أضافوا أنهم على استعداد لتقديم عرض لبناء معمل ثالث تحسباً للاحتياجات اللبنانية المستقبلية، وفي الوقت نفسه، قدموا عرضاً لاستجرار الطاقة من إيران عبر الخط الذي سيصل إلى العراق وسوريا، وأبلغوا الجانب اللبناني أن واقع شبكات التوزيع اللبنانية الحالية، لا يمكنه أن يستوعب أكثر من 50 ميغاوات (يستطيع الايرانيون توفيرها خلال شهر أو شهرين حداً أقصى من لحظة التوقيع) وهم مستعدون لتكليف شركة إيرانية بأن تتولى عملية إصلاح الشبكات وتأهيلها وتحسينها حتى تصبح قادرة في المرحلة الأولى على تحمل حوالي 200 ميغاوات عبر خطوط الجر، وهذا يعني تقديم حوالي 1200 ميغاوات (تفيض بذلك احتياجات لبنان ويصبح بمقدوره أن يوفر الكهرباء لمدة أربع وعشرين ساعة لكل مواطنيه).

وقبل يومين من زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى لبنان في منتصف تشرين الأول 2010، زار وزير الطاقة الايرانية بيروت واجتمع بالحريري وباسيل وكبار المسؤولين اللبنانيين، وأطلعهم على تفاصيل العرض الايراني وتم توقيع اتفاق بين البلدين، يشمل إقامة محطتين واستجرار الطاقة الكهربائية والتنقيب عن النفط في البحر وإقامة سدود ومشاريع تتعلق بالمياه الخ. واشترط الجانب اللبناني إقراره في مجلس الوزراء (وفي مرحلة ثانية في مجلس النواب).

لم يكتف الايرانيون بذلك، بل أبدوا عند التوقيع استعدادهم لتجاوز الروتين الاداري والقانوني في لبنان، عبر الايعاز للشركة الايرانية بأن تباشر العمل فوراً من أجل كسب عامل الوقت، لكن الجانب اللبناني رد طالباً التريث حتى إنجاز الصيغة القانونية، «ولو أن اللبنانيين قبلوا العرض الايراني لكنا قد انتهينا اليوم من تركيب أول محطة ولما كان أحد يتحدث في موضوع البواخر وغيرها» كما تقول المصادر اللبنانية.

وأشارت المصادر الى أن إقامة نوع كهذا من المعامل يحتاج عادة الى حوالي أربعة أعوام، لكن الايرانيين تعهدوا بالعمل 24 ساعة يوميا لإنجازه ضمن المهلة المحددة (سنة)، خاصة أن شركة «مبنا»، صاحبة تجربة عريقة، وهناك نماذج ناجحة، سواء في ايران أو أفغانستان أو العراق أو سوريا (بنت الشركة محطات وصل إنتاجها الى عتبة الثلاثين ألف ميغاوات).

لماذا قدم الايرانيون هذا العرض؟

تجيب المصادر أن وفوداً لبنانية عدة زارت طهران وسألت عن الهدف من التسهيلات الايرانية وكان الجواب مقتضباً «هذه تعليمات القيادة والرئيس نجاد».

وتقول المصادر ان الايرانيين فاتحوا بعض اللبنانيين في بعض المراحل أننا مستعدون ليس للقبول بسعر الكلفة، بل أكثر من ذلك، وصولا الى تقديم نوع من الهبة، «لكن المهم في الأمر، هل هناك قرار سياسي بقبول مشروع كهذا تقدمه الحكومة الايرانية أم لا»؟

واذا كان سعد الحريري قد أعطى الضوء الأخضر لهذا المشروع، فإن كل المشاورات التي جرت بين طهران وبيروت، وآخرها مع رئيسي الجمهورية ميشال سليمان (مع أحد مستشاريه المعنيين بالملف) والحكومة نجيب ميقاتي، أظهرت أن الجانب اللبناني كان مرحّباً به «ولكن عندما كنا نصل الى آليات الترجمة، تعود الأمور الى نقطة الصفر»، على حد تعبير المصادر اللبنانية.

 

70% من أجراء القطاع الخاص غير المسجلين في الضمان، و25% من الأجراء المسجلين، لا يتقاضون أي بدل للنقل. هؤلاء سيبقون بلا بدل نقل إلى أبد الآبدين. أما الذين يتقاضونه، فسيحرَمون مبلغ 10 ملايين ليرة، انتزعه «البرلمان» غصباً من تعويض نهاية الخدمة!

رشا أبو زكي

أقرّ ممثلو الشعب منذ أيام مشروع قانون جديد لبدل النقل. بنده الأول: على صاحب العمل أن يعطي الأجير بدل نقل يحدد بمرسوم في مجلس الوزراء. الثاني: يجاز للحكومة بمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء إعادة النظر ببدل النقل كلما دعت الحاجة. الثالث: يمكن صاحب العمل الذي يوفّر وسائل النقل عدم دفع البدل. الرابع: لا يدخل بدل النقل في حسابات اشتراك الصندوق الوطني الاجتماعي. لا بد من التوقف عند البند الأخير.

فقد انتهت «همروجة» بدل النقل إلى ما أرادته الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام في اتفاقها الشهير. لم يحتسب بدل النقل كعنصر من عناصر الأجر، ولم يحتسب في تعويضات نهاية الخدمة. مهرجان الإصلاح والتغيير لم يفض إلى إصلاح ولا إلى تغيير، انتهى بشعارات واهية، و«ضحك على الذقون». الضحك البهلواني هذا يطاول آلاف الأجراء، يشرعن اغتصاب حقوقهم، يؤكد صوابية مقولة «المزرعة» لا «الدولة»، يزيد فوق الأغطية غطاءً لأصحاب العمل في استغلال عمالهم. كيف؟

يشرح رئيس البحوث والاستشارات كمال حمدان أن دراسة نشرت باسم البنك الدولي (بالتعاون مع المؤسسة) عن سوق العمل في لبنان في عام 2010، تشير إلى أن 43 في المئة من أجراء القطاع الخاص لا يحصلون على بدل النقل من أصحاب العمل. تغطي هذه النسبة كافة القطاعات الاقتصادية. تتوزع هذه النسبة وفق معايير إحصائية مختلفة. بالنسبة إلى معيار الانتساب إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي: 70 في المئة من أجراء القطاع الخاص غير المسجلين في الضمان لا يتقاضون أي بدل للنقل. في المقابل، 25 في المئة من الأجراء المسجلين في الضمان لا يحصلون على بدل النقل هذا.

هذه النسب تتفاوت صعوداً في نسب المستفيدين من بدلات النقل، وذلك وفق ازدياد حجم المؤسسة. فوفق هذا المعيار، أقل من ثلث الأجراء لا يتقاضون بدل النقل في المؤسسات التي توظف أقل من 10 عمال، وتزيد نسب المستفيدين مع ارتفاع عدد العمال. وفق المعيار القطاعي: نسب المستفيدين من بدل النقل في القطاع الخاص هي متدنية جداً في قطاعات التجارة والصناعة والاتصالات، وتميل إلى الارتفاع في قطاعات التربية والصحة والتأمين والخدمات المالية ومنها المصارف، بحيث تصل في القطاع المصرفي إلى نحو 90 في المئة. وفق معيار شرائح الأجر: إن نسبة المستفيدين من بدل النقل هي الأدنى لدى أصحاب الرواتب الزهيدة التي تراوح بين 500 ألف ليرة و750 ألف ليرة، بحيث تصل إلى أقل من 10 في المئة. وترتفع تدريجاً مع ارتفاع الأجر. بذلك، يمكن الاعتبار أن آلاف الأجراء غير المستفيدين من بدلات الأجر ينتمون بمعظمهم إلى الطبقة الفقيرة. عدد كبير من هؤلاء لن يستفيد من أي إجراء لتصحيح الأجور، لأن غالبيتهم غير مصرح عنهم في الضمان الاجتماعي. أما الذين يتقاضون بدل النقل، فلن يدخل هذا العنصر ضمن احتساب تعويضات نهاية الخدمة.

وزير العمل المستقيل، شربل نحاس، يوضح الآثار السيئة التي سينتجها قانون بدل النقل الأخير على أجراء لبنان. يؤكد أن الفارق في تعويض نهاية الخدمة لأجير عمل لمدة 40 عاماً، يصل إلى 10 ملايين ليرة في حال احتساب بدل النقل من ضمن الأجر. ولأنه يوجد 300 ألف أجير في لبنان مسجلين في الضمان، وبعد عدم إدخال بدل النقل إلى صلب الأجر، يمكن القول إنه جرى «شفط» ملياري دولار من تعويضات الأجراء المضمونين، من خلال إزالة عبارة واحدة من قانون بدل النقل. من جهة أخرى، يصل تعويض نهاية الخدمة كمعدل وسطي إلى نحو 33 مليون ليرة، وبالتالي عدم احتساب بدل النقل (10 ملايين ليرة) كجزء من قيمة التعويض، يعني أنّ كل أجير حُرم زيادة بنسبة 33 في المئة على تعويضه.

أما بالنسبة إلى مقولة «زيادة بدل النقل»، فيشرح نحاس أنها عبارة تخرج عن أي منطق حسابي؛ إذ أنه خلال الأشهر الماضية، أي قبل إقرار القانون في مجلس النواب، كانت بعض المؤسسات تدفع بدل النقل لأجرائها على أنه جزء من الأجر. فقد كانت مراسيم بدل النقل منتهية الصلاحية القانونية، وقانون بدل النقل لم يكن قد أقر في مجلس النواب. وبالتالي، ما قام به مجلس النواب هو _ تحديداً _ نزع مبلغ من الأجر، وهو بدل النقل، ضمن «تخريجة» اطلقوا عليها لقب «زيادة بدل النقل»؛ إذ لا إضافة على الراتب، بل نزع عنصر من عناصر الراتب. يسأل نحاس: «الأجراء المحرومون بدل النقل، وهم بالآلاف، من سيعمل على إعطائهم هذا الحق؟ فمنذ 16 عاماً كانت المراسيم الباطلة المتعلقة ببدل النقل موجودة، وخلال هذه الفترة لم يحصل جزء كبير من الأجراء على بدل النقل. والطريقة الوحيدة للتأكد من أن الأجير يحصل على بدل النقل هو أن يكون الأجير مسجلاً في الضمان، من سيرغم المؤسسات على تسجيل عمالها في الصندوق بعد الآن؟ يستغرب نحاس المعادلات «المقلوبة» في لبنان. يشرح أن الدولة رضخت لقرار اتخذه أصحاب المؤسسات وقيادة الاتحاد العمالي؛ إذ بنت الدولة على قانون خاص لإصدار قانون عام، وعبارة «قوننة بدل النقل» هي عذر أقبح من ذنب؛ إذ كيف لدولة أن تقونن اتفاقات خاصة؟

لم تستكن المواقف الرافضة لقرار مجلس النواب، وعلى الرغم من مرور أيام على «إقفال الملف»، فقد أشار الأمين العام لاتحاد النقابات العمالية للطباعة والإعلام أديب بوحبيب إلى أن مجلس النواب بعد إقراره قانون بدل النقل يكون قد كرس بقانون يخالف القانون. وقال: «جاء في المرسوم رقم 6263 تاريخ 18 كانون الثاني 1995 ما يأتي: إذا كانت المؤسسة تدفع للأجير بدل نقل أقل من ألفي ليرة، يستفيد الأجير من الفرق، أما إذا كانت تدفع أكثر من ذلك، فتبقى حقاً مكتسباً له». ذلك يعني أن بدل النقل كان يُعَدّ جزءاً من المعاش ويدفع عنه اشتراكات للضمان، ويحتسب في تعويض نهاية الخدمة. وإثباتاً لذلك، جاء في المادة 68 من قانون الضمان ما يأتي: إن الكسب الذي يتخذ أساساً لحساب الاشتراكات، يشتمل على مجموع الدخل الناتج من العمل بما فيه جميع العناصر واللواحق، ولا سيما تعويض الساعات الإضافية المدفوع بصورة معتادة، والمبالغ المدفوعة عادة من أشخاص ثالثين (الإكراميات) وكذلك المنافع المقدمة عيناً إلى العامل.

السبت ٢٤ آذار ٢٠١٢

وُلدت هناء الشلبي في السابع من شباط عام 1982. وهي من قرية برقين قضاء جنين، شمال الضفة الغربية المحتلة. لكنها تنحدر مع عائلتها «اللاجئة» من مدينة حيفا. هي عزباء، اعتُقلت على مدار عامين ونصف في سجون الاحتلال خلال المرّة الأولى من الاعتقال. وهذه هي المرّة الثانية التي تدخل فيها الى السجن، لكن قرّرت أن هذه المرّة ستكون معركتها مختلفة تماماً عن سابقتها. خبرت هناء جيداً سجون الاحتلال، ومعنى الاعتقال، والتحقيق المتواصل لعدة أيام وأساليبه من التحرش الى كافة الوسائل الدنيئة، التي يستخدمها الاحتلال بحق الأسرى الفلسطينيين عموماً، والأسيرات خصوصاً. في الرابع عشر من أيلول عام 2009، اعتُقلت هناء شلبي للمرة الأولى، وصادف ذلك حلول شهر رمضان المبارك. وحينها خضعت لتحقيق مكثف على مدار ثمانية أيام، في مركز تحقيق «الجلمة» بمعدل عشر ساعات متواصلة. تعرضت خلالها للضرب والإهانة على أيدي الجنود والمحققين. لم تكن هناء تعرف الوقت، كذلك لم تتناول الطعام لكونها صائمة.

وكانت تكتفي فقط بشرب الماء بعد انتهاء جلسات التحقيق في ساعات متأخرة من الليل، ذلك أن طاقم التحقيق لم يراع صيامها ولم يزودها بوجبة الإفطار والسحور في مواعيدها. وخلال تلك الفترة من التحقيق، احتُجزت 17 يوماً في زنزانة صغيرة، وقذرة ومعتمة، لا تحتوي إلا على سرير ومرحاض مهين. «جان دارك» الفلسطينية، كما يسميها المتضامنون معها، أكّدت حينها أن أحد المحققين تحرش بها لفظياً بعد انتهاء إحدى جلسات التحقيق، بمناداتها «حبيبتي» قاصداً إهانتها، الأمر الذي أثار غضبها، ودفع المحقق الى إعطاء الأوامر للجنود بضربها على وجهها وجسدها، وقاموا بتكبيلها في سرير الزنزانة، قبل أن ينهالوا عليها بالشتائم النابية وتصويرها وهي مكبلة بالسرير.

أمضت هناء 25 شهراً متواصلة رهن الاعتقال الإداري، إلى أن أفرج عنها ضمن صفقة التبادل «وفاء الأحرار» في 18 تشرين الأول من العام الماضي، ضمن الدفعة الأولى. وفي 16 شباط للعام الحالي، أعادت قوات الاحتلال اعتقالها من داخل منزلها في الضفة بعد محاصرة الحي الذي تقطن فيه عائلتها ودهم بيوت أخوتها ووالديها. غادرت هناء منزلها مقيدة بالسلاسل، من دون أن يسمح لها بوداع أفراد عائلتها، ودون إبلاغ أهلها بوجهة نقلها، واقتيدت معصوبة العينين طوال الطريق، إلى أن وصلت إلى مركز توقيف سالم قرب جنين. وفي اليوم نفسه، أعلنتها معركة ضدّ الاحتلال عبر الدخول في إضراب مفتوح عن الطعام.

فادي...

3 وزراء يعلنون خطوات حكومية لمحاصرة الفساد

استنفار حكومي غير مسبوق. حدثان غذائيان أمس، الاول في بيال والآخر في وزارة السياحة. الاول، يستعرض عمل الحكومة للتصدي للمواد الغذائية الفاسدة، والدعوة الى تجميل صورة لبنان. والآخر، يعرض الخطوات التي ستنفذها الوزارات خلال الفترة المقبلة. الأهم: قانون سلامة الغذاء سيحال على مجلس النواب بعد شهرين، اما محكمة المستهلك، فخارج الاهتمام!

رشا أبو زكي

الإعلام. الإعلام. الإعلام. تضخيم. استنسابية. سوداوية. كادت آذان الاعلاميين تتهشّم أمس. ثلاثة وزراء اجتمعوا في مؤتمر صحافي ليطلقوا ميثاقاً إعلامياً جديداً: «قدموا للجمهور الأخبار التي تنقل صورة جميلة عن لبنان، في موازاة الأخبار الفضائحية التي تنشرونها. «الحفاظ على صورة لبنان هو الأساس» يضرب وزير الزراعة حسين الحاج حسن يده على الطاولة. ينظر وزير الاقتصاد نقولا نحاس الى خبطة اليد بإعجاب.

تتراقص عينا وزير السياحة فادي عبود. أما رؤساء نقابات المؤسسات السياحية فمنهم من يستغرب، ومنهم من يبتسم، ومنهم من يستعد للتصفيق، فلا يجد من يناصره. حكومة، أو سلطة أدخلت لبنان في أتون التجاذبات السياسية الدائمة والمتواصلة، دمرت صورة لبنان، يتقاذف أركانها الشتائم (من عياراتها الثقيلة) على شاشات التلفزة، لم تحقق للبنانيين ولو مطلباً اجتماعياً واحداً، وحين أجبرت على تصحيح الأجور، قامت بدعستها الناقصة. سلطة النأي بالنفس عن كل ما يهم المواطنين. سلطة صم الآذان عن مستويات الفقر والبطالة والتعاسة الاجتماعية. سلطة الكهرباء المقطوعة والمياه غير الصالحة للشرب وأسعار البنزين الملتهبة والاتصالات السيئة ووسائل النقل المهترئة والتعليم الرسمي المخنوق ومافيات المخدرات والاحتكار والكارتيلات، سلطة كهذه تطالب الإعلام «بتجميل صورة لبنان». وزير الاقتصاد يطلب من وزير الزراعة تعديل العبارة، فيصحح: «ليس تجميل الصورة، بل نقل صورة لبنان كما هي».

«نحن من يكتشف فضائح الفساد في المواد الغذائية وليس انتم» يقول الحاج حسن موبخاً الاعلاميين، «أنتم مسؤولون مثلنا عن صورة لبنان»، يتابع. «لقد تم اكتشاف العديد من الحالات المماثلة في دول كثيرة منها الولايات المتحدة، يجب عدم تصوير لبنان كأنه موبوء» يقول عبود. «نعم هناك مشكلة، لكن حالات التسمم لا تزال دون النسب الموجودة في الدول الغربية» يتابع. «نحن نعمل على حل المشكلة، وسنقوم بكل ما يلزم لوضع لبنان على السكة الصحيحة» يقول نحاس. وبعد اعطاء الدرس في التقنيات المهنية الاعلامية، اعلن الوزراء الثلاثة نتيجة اجتماع مشترك في ما بينهم اضافة الى وزير الصحة علي حسن خليل، أفضى الى الاتفاق على مجموعة من الخطوات التنسيقية لمعالجة ملف الأغذية الفاسدة:

1- لقد نتج من الاجتماع الاول الذي عقد في السرايا الحكومية الاتفاق على المرحلة الأولى من معالجة موضوع الأغذية الفاسدة، والمرتبطة بالمراحل الثلاث: الاستيراد، التوزيع والتخزين.

2- المرحلة الثانية التي تم الاتفاق عليها أمس تتعلق باجراء مسح شامل على المطاعم والمؤسسات السياحية والغذائية كافة.

3- التنسيق بين الوزارات والادارات المعنية، عبر تشكيل فريق واحد، ومن ثم اعداد اجراءات موحدة على المؤسسات السياحية والمطاعم الالتزام بها للحصول على الرخص الصحية.

4- اطلاق قانون سلامة الغذاء.

يشرح نحاس رداً على سؤال «الأخبار» أن قانون سلامة الغذاء (الذي يتنقل بين الحكومة ومجلس النواب منذ العام 2006) يخضع لتعديلات اساسية، وستنتهي عملية دراسته بين وزارتي الاقتصاد والزراعة خلال شهر، ليرسل الى وزارتي الصحة والسياحة، ثم يخرج بعد شهرين من الآن من مجلس الوزراء كمشروع قانون نحو مجلس النواب. يضيف الحاج حسن ان التعديلات هذه تتعلق بموضوع عدم خلق ادارات رديفة وبديلة من الوزارات. يلفت الى أن اللوائح التي تُنشر حول المؤسسات التي تبيع المواد الفاسدة هي «كاذبة». ويقول الحاج حسن: «في لبنان نحو 100 مستورد للحوم تقريباً ونحو 500 مستودع لحفظها. فاذا اكتشفنا واحداً أو اثنين او ثلاثة بين هؤلاء، فهذا يجب أن لا يلطّخ سمعة كل القطاع السياحي والفندقي والمطاعم وسمعة لبنان». أما نحاس فيؤكد أنه تلقى شخصياً رسالة على هاتفه بأسماء مزعومة للمؤسسات الفاسدة، وسيلاحق من يرسل هذه الرسائل امام النيابة العامة، مشدداً على أنه تقدم بدعوى في هذا الشأن.

ماذا عن قانون المستهلك؟ يشرح نحاس ان المجلس الوطني لحماية المستهلك يجمع مديريات جميع الوزارات، في حين «أن اجتماعاتنا الثنائية كوزراء تبدو أكثر اهمية، وتحقق المطلوب». الاستنتاج: نحاس لن يفعّل المجلس. ماذا عن محكمة المستهلك؟ يقول نحاس: محكمة المستهلك معنية بالقضايا التي تقل عن 3 ملايين ليرة، حتى اليوم لم نتلقّ أي شكوى بهذه الكلفة، والشكاوى الأخرى نحيلها على المحاكم المختصة». الاستنتاج: نحاس لن يفعّل محكمة المستهلك. أين المراسيم التطبيقية لقانون المستهلك؟ يقول نحاس: صدر عدد من المراسيم خلال الأعوام السابقة، ونعمل على استكمال المراسيم المتبقية...

اما عبود فيشدد على التنسيق بين الوزارات، والخروج بخطة شاملة ومتكاملة لمعالجة ملف الأمن الغذائي.

وكانت نقابة اصحاب الصناعات الغذائية قد افتتحت «اليوم الوطني للصناعات الغذائية»، قبل ظهر أمس في معرض هوريكا في البيال، وحضر الافتتاح وزراء الزراعة والاقتصاد اضافة الى وزير الصناعة فريج صابونجيان الذي أعلن انه «بعد سلسلة الفضائح التي تتوالى في قطاع الأغذية على أنواعها، «قررت الحكومة التصدي لها بيد من حديد، وأنشأت خلية متابعة، وشنت حملة واسعة لوضع حد للممارسات غير السليمة وغير المشروعة في الإنتاج والاستهلاك والتسويق الزراعي والغذائي من أجل توفير مقومات السلامة بما يساهم في المحافظة على سمعة الإنتاج الوطني، ويوفر الصحة السليمة ويقلص كلفة الفاتورة الصحية». داعياً الى إصدار قانون سلامة الغذاء وبدء تطبيق مذكرة التفاهم بين وزارتي الزراعة والصناعة من أجل الشروع في أعمال الرقابة المشتركة على مصانع الغذاء والمحددة بالقرار 950/1 تاريخ 26/10/2011. وتابع «لا أريد أن أفهم وكأنني مع لفلفة الموضوع. على العكس، لكن المطلوب الآن المساهمة في ابراز الصورة المشرقة والمضيئة عن الانتاج اللبناني الملتزم بالمعايير الدولية والمنتشر في الأسواق العالمية، فنبرهن للبنانيين أولاً وللعالم أجمع أن لدينا سلعة وطنية يمكن الوثوق بها»...

 

85 في المئة

هي نسبة السلامة في الغذاء

في لبنان، وتبقى نسبة الـ15% للفساد الغذائي، و«التي يجب اجتثاثها بالكامل»، وفق وزير الزراعة.

 

10 في المئة

هي نسبة التحسن في الصادرات الغذائية سنوياً، «وذلك بسب نوعيتها وجودتها ودور الدولة، عبر إرساء البنية التحتية للجودة»، وفق وزير الاقتصاد.

 

لماذا الحرية التجارية خط أحمر؟

رأى وزير الزراعة حسين الحاج حسن أن هناك سياسات خاطئة وقرارات سياسية كانت قائمة في الماضي. وسأل: «لماذا تعتبر حرية التجارة خطاً أحمر لا يجوز تجاوزه، فيما ممنوع علينا أن نصدّر إنتاجنا الزراعي والصناعي إلى بلدان أوروبية وعربية؟». وقال إنه خلال السنوات العشرين الماضية، تحول لبنان إلى سوق للاستهلاك وليس إلى بلد منتج.

 

الجمعة ٢٣ آذار ٢٠١٢

جهينة خالدية

قتلت السيدة الأثيوبية عاليم ديسيسا نفسها في 14 الجاري، إنما يبدو الجزم بالانتحار الذي جاء في تقرير الطبيب الشرعي غير مقنع للمجتمع اللبناني والجمعيات الأهلية والجالية الأثيوبية في لبنان. هؤلاء لا يشككون في التقرير الطبي بقدر ما يشيرون إلى عنف وعنصرية مورسا على عاليم وساهما في دفعها إلى إنهاء حياتها. علما أنه حتى اللحظة لم تظهر أي نتائج للتحقيق وفق مديرة مركز الأجانب في «كاريتاس لبنان» نجلا شهدا لـ«السفير»، موضحة أن «كاريتاس» موكلة من القنصلية متابعة قضية عاليم واتخاذ الخطوات القانونية والقضائية اللازمة بعد صدور نتائج التحقيق».

من قتلها؟

التشكيك في مصير عاليم، عرّفت عنه «جمعية أمم للتوثيق» و«دار الجديد» وجمعية «هيا بنا» بملصق يكرر «شُبِّه لنا أنها انتحرت... نحن قتلناها»، هو وفق مدير «أمم» لقمان سليم تذكير بأن هذه الجريمة لا يمكن أن تمر وكأنها لم تحصل، كما يتم العمل على تحضير نشاط خاص في قضية عاليم لأننا لا نكتفي بالبيانات المدرسية التي يكتفي بها حتى في ظل جريمة».

وهو أيضا ما عبّرت عنه «حركة مناهضة العنصرية» التي تنظم الخميس المقبل (29 الجاري) وقفة احتجاجية أمام وزارة العمل، مطالبين بحماية العمال الأجانب في لبنان. ويؤكد علي فخري من الحركة على أن «عدم حماية عاليم أدى بطريقة ما إلى موتها، وهذه الحماية من مسؤولية الدولة التي عليها وضع القوانين اللازمة التي تنظم دور الكفيل ومكاتب استقدام العاملات الأجنبيات وطريقة تعاملهم مع العمال والعاملات».

«النحن» الاتهامية توجه إلى مجتمع قاس لا يتوانى في عنصريته، ولا يخشى التصعيد في مستوياتها، و«النحن» هذه توجه إلى نظام بأكمله منذ لحظة استقدام العاملة الأجنبية من الخارج، إلى وصولها إلى مطار بيروت، إلى الانتظارات في مكاتب الاستقدام، وصولاً إلى العمل لساعات طويلة متواصلة في المنازل وحرمانها من الاتصال مع عائلتها أو ضربها أو إهانتها، إلى ما هنالك من الأفعال والانتهاكات التي ترتكبها «النحن» وتودي بطريقة أو بأخرى لأن يقرر الإنسان المتلقي لهذا التعذيب، وضع حد حياته.

قد تكون قصة عاليم مختلفة، لاسيما أن التقارير تشير إلى معاناتها من «أزمة نفسية حادة»، إنما تبقى المشكلة أن طرق التعامل مع العاملات الأجنبيات في المنازل اللواتي لا يعانين أي مشكلة صحيّة يشوبها خلل عميق، فكيف بالحال إذا بعاملة تعاني من وضع خاص (في حال ثبت ذلك).

لم ينسين

وقد يكون لعاليم وضع خاص، إلا أنها عُنِّفت وهزّت المجتمع اللبناني الذي عاد لينشغل بهمومه اليومية الصغيرة والكبيرة ونسي، إنما هؤلاء العاملات الأثيوبيات اللواتي ينتحبن ويبكين هنا في القداس الذي أقامه «مركز كاريتاس للأجانب» لراحة نفس عاليم، لم ينسين. يتمايلن مع الصلاة والتراتيل الحزينة، يضئن الشموع ويغبن في أفكارهن بعيداً إلى بلاد هجروها ليعودوا إليها ببعض المال لا جثثاً هامدة».

تقول هروتي آلباتشو، الأثيوبية العاملة في الخدمة المنزلية في لبنان منذ 13 عاماً إن «عاليم وجّهت رسالة إلى كل العالم، وبفعل الموت حكت له عن العذاب الذي تتعرض له العاملات في الخدمة المنزلية منذ اللحظة التي تدوس فيها أقدامهن التراب اللبنانية». تدرك آلباتشو أن هناك تحسينات طفيفة في المعاملة وفي غرفة الاستقبال في المطار، إنما هذا لا يخفف غضبها، «فنحن نُضرب لأننا لا نفهم لغتكم، ولا نتقن الأعمال المنزلية كما تفعلون، ولا نطبخ المأكولات اللبنانية، ولأننا نتأفف لعملنا لساعات طويلة في بيت مخدومنا ثم في بيت ابنته وبعدها في بيت ابنه ولاحقا شركته».

تشكك الناشطة والمترجمة الأثيوبية كوبيت بركات، التي زارت عاليم في مركز المعالجة في «مستشفى دير الصليب» قبل وفاتها بأيام قليلة، «في أن تكون عاليم قد قتلت نفسها». تقول: «كنت حاضرة في أثناء مقابلة الطبيب لها، وسألها عن تاريخ عائلتها والأمراض فيها وحقق معها في امكان إيذائها نفسها بأي طريقة، وكانت ترد بالنفي مؤكدة أنها لا تفكر في الانتحار أبداً».

«كانت لعاليم أحلام وطموحات، ومخططات للعمل إلا أن كل ما حصلت عليه هو الألم، وهي مثال الأم التي قدّمت التضحية الأكبر»،وفق رئيس لجنة مركز الأجانب في «كاريتاس لبنان» كمال سيوفي.

وتوجه رئيس «كاريتاس لبنان» الأب سيمون فضول إلى الدولة اللبنانية والسفارات والجهات المعنية لضرورة تنظيم عمل العمال الأجانب في لبنان ووضع قانون يحترم حقوقهم ويحدد واجباتهم. ووجه نداء إلى «أصحاب مكاتب استقدام الخدم بضرورة احترام هؤلاء العمّال»، معتبراً أن «لا شك في أن هناك بُعداً ربحياً لهذا العمل، إنما هؤلاء بشر ولهم حقوق ومشاعر ولا يمكن لهذا العمل أن يكون كتجارة الرقيق». وذكر بأن «في لبنان أسراً وأفراداً ينصفون العمّال ويجدون الطريقة الأمثل لمعاملتهم، إنما هناك في المقابل عنصرية من البعض الآخر».

«ما حصل لعاليم، لم يكن حادثة أولى من نوعها، وقد لا تكون الأخيرة»، هذا ما يخشاه الأب يوناس ديستا. ويقول: «لا بد أن يتوقف هذا النزيف، إذ لا يمكن أن نكون في القرن الواحد والعشرين ولا يملك بشر حريتهم، ولا يملكون الحق في أن يحتفظوا بجوازات سفرهم وحرية تنقلهم. هذا ظلم ولنا الحق في رفع الصوت والاعتصام ضده».

مارلين خليفة

«بعد كلام وزيرة خارجية قبرص إيراتو كوزاكز ماركوليس عبر «السفير» في الأسبوع الفائت، وإعلانها أن بلادها لن تعمد الى تعديل الاتفاقية الثنائية مع إسرائيل التي تقضم زهاء 850 كلم من المنطقة الاقتصادية الخالصة الخاصة بلبنان، وإثر زيارة المنسق الأميركي الخاص لمنطقة الشرق الأوسط فريديريك هوف الى بيروت، فإن ملف النفط بات عرضة لمفاوضات جديدة على صعيد الدول المعنية، ولكن هذه المرة بوساطة أميركية يسعى أكثر من طرف للإستعانة بها علها تغير بعضاً من البنود المبرمة بين قبرص وإسرائيل».

هذا ما تقوله أوساط متابعة لهذا الملف في معرض تفسير كلام ماركوليس من ناحيتين قانونية وسياسية.

وتلفت الأوساط المتصلة بمراجع قانونية دولية الانتباه الى أنه من الناحية القانونية وبما أن قبرص أبلغت أنها مرتبطة باتفاقيتين الأولى مع لبنان والثانية مع إسرائيل وأنها ليست دولة معنية بتصحيح الخطأ ازاء الاتفاقات المعقودة، صار يترتب على الجانب اللبناني معالجة الموضوع فورياً عبر نقض الاتفاق غير المبرم مع قبرص، ولا سيما أن ماركوليس أشارت الى أن قبرص لن تقبل بأن تعدّله إلا في ضوء اتفاق بينها وبين لبنان وإسرائيل. أما ضرورة النقض فتردها الأوساط المتابعة الى الأسباب الآتية:

- يحدد الاتفاق اللبناني القبرصي في مادته الأولى آلية ترسيم خط الفصل بما يتعارض مع المبادئ العامة للقانون الدولي وقانون البحار والأحكام الصادرة عن المحاكم الدولية ذات الصلة لمصلحة قبرص بحيث تحتسب خط الوسط من النتوءات على شاطئ كلّ دولة.

- يقتطع الاتفاق مناطق لبنانية في الجنوب والشمال.

- يشير الاتفاق الى أنه اذا وقع أي نزاع، تطبق المادة 74 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار التي تنص في فقرتها الرابعة على الالتزام بأحكام الاتفاق الثنائي عند حلّ النزاعات، وبالتالي، في ما لو اتفق الطرفان على حل النزاع أمام محكمة التحكيم أو محكمة العدل الدولية، لا يمكن أن يصدر الحكم إلا بما يتوافق مع أحكام الاتفاق الثنائي أي بتأكيد تنازل لبنان عن حقوقه في 850 كيلومتراً مربعاً لإسرائيل ومثلها لقبرص و2380 كلم2 لسوريا.

وتتابع الأوساط المتابعة لملف النفط «بما أن مجلس النواب اللبناني لم يجز للحكومة عدم إبرام الاتفاق، وبما أن الاتفاق يحتّم على قبرص إبلاغ لبنان والتشاور معه لدى الدخول باتفاق تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة مع دولة ثالثة، وبما أن قبرص تدعي بأنها أبلغت لبنان بأنها ستتفق مع إسرائيل على تحديد حدود المنطقة الاقتصادية بينهما ابتداء من النقطة (1)، وبما أن قبرص لم تتشاور مع لبنان في الموضوع، تكون قبرص بالتالي قد خالفت أحكام الاتفاق وهذا ما يعتبر أحد الأسباب التي تجيز نقضه عملاً بأحكام اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات فكم بالحري إذا كان الاتفاق غير مبرم بعد».

سياسياً، تشير الأوساط المذكورة الى ما سبق زيارة الرئيس نبيه بري الى قبرص من جولة قام بها الموفد الأميركي فريديريك هوف الذي عاد وزار لبنان بعد زيارة وزيرة خارجية قبرص، وبالتالي فإن الموضوع خاضع لمتابعة حثيثة من قبل الجانب الأميركي الذي قد يبادر الى طرح دور الوسيط بين لبنان والدول المعنية لفرض الحل الأنسب لمصلحته، لا سيما أن شركة «نوبل إنرجي» الأميركية (بالاسم فقط)، قد حصلت على عقود مشتركة من قبرص وإسرائيل في المياه المتاخمة للمنطقة الاقتصادية الخالصة الخاصة بلبنان، وقد تكون هذه الشركة أو سواها من الشركات الأميركية مهتمة بالحصول على عقود استثمار من الجانب اللبناني أو حتى مشتركة مع بقية الأطراف لاستثمار الآبار المشتركة بين الدول المعنية.

ثمة دولتان لهما كلمتهما في هذا الملف أيضاً هما تركيا وروسيا. وتشير الأوساط المتابعة الى أن تركيا قدّمت إلى الجانب اللبناني دراسة قانونية وتقنية تبيّن الأخطاء المقترفة في ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة مع قبرص والتي إذا أعيد ترسيمها تعطي لبنان أكثر من ألفي كيلومتر مربع إضافية.

وتعتبر الأوساط نفسها أن تركيا «ليست مهتمة بمصلحة لبنان بالمطلق إلا أنها مهتمة بالموارد النفطية والغازية في شرق المتوسط وإمكان نقلها إلى أوروبا من خلال المنشآت القائمة على الشاطئ التركي بدلاً من الاستثمار بمنشآت جديدة تقام في لبنان أو قبرص».

تضيف «روسيا من جهتها تبني جزءاً كبيراً من استراتيجيتها في الشرق الأوسط وأوروبا استناداً الى منظور النفط والغاز الطبيعي الذي أصبح ركيزة لأمنها القومي من الناحية الاقتصادية، والمعلوم بأن الشركات الروسية تتوسع غرباً مستفيدة من الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها أوروبا. طريقة التدخل الروسي في سوريا تذكّر بتدخلها العسكري في جورجيا للسيطرة على أنابيب توزيع النفط في أوروبا». والسؤال المطروح اليوم، تختم الأوساط المتابعة: «إذا كانت قبرص قد قامت بالمستحيل لتأمين أقصى حدّ من مصالح اقتصادية واستراتيجية على حساب لبنان، فكيف يجب أن يواجه لبنان هذه الحنكة الدبلوماسية والقانونية سواء القبرصية أم الإسرائيلية»؟

منذ العام 2009، بدت العلاقة بين الرئيس نجيب ميقاتي والوزير محمد الصفدي مبنيّة على «حلف مقدس». لكن شؤون الحكم أفسدت بعضاً مما ربط بين السياسيين الطرابلسيين. فهل هي غيمة صيف «بواخر الكهرباء» أم بداية افتراق؟

عبد الكافي الصمد

هل انكسرت الجرة بين الرئيس نجيب ميقاتي وحليفه الوزير محمد الصفدي؟ لا ينبئ التراشق الكلامي «اللطيف» بينهما بذلك، لكنه يشي بأن ثمة ما كان يجمع الرجلين وقد انكسر.

«رأس جبل» التباين بينهما برز في جلسة الحكومة أول من أمس، عندما اعترض وزير المال على رفض رئيس الحكومة «الموافقة على استئجار بواخر بهدف تأمين التيار الكهربائي»، ما جعل تأويلات عدة تحاول تفسير وشرح ما حصل.

أوساط الصفدي أوضحت لـ«الأخبار» أن الحكومة «اتخذت منذ مدّة قراراً بتشكيل لجنة وزارية، مُكوّنة من رئيس الحكومة ووزراء المال والطاقة والبيئة، تكون مهمتها متابعة الملف ودراسة الطلبات المقدمة من الشركات المعنية، إلى جانب لجنة تقنية استعين بها لهذه الغاية». وكشفت أوساط الصفدي أن «اللجنة أعدّت تقريراً حول شركتين، تركية وأميركية، وأنها كانت تعدّ تقريرها لرفعه إلى مجلس الوزراء وتوصي به بالتعاون مع إحدى الشركتين، إلى أن فوجئ أعضاء اللجنة بموقف ميقاتي الذي تراجع فيه عن الموضوع، ما اعتبر بنظر الأعضاء تخطياً لهم».

أوساط الصفدي رأت في موقف ميقاتي «تجاوزاً لدور اللجنة والحكومة معاً»، نافية أن يكون للتباين بين الرجلين «أي أبعاد سياسية»، ومعتبرة أن «تحفظ الصفدي ربما هو الذي جعل الموضوع يأخذ هذه الأهمية، لأنه جرت العادة في الحكومات السابقة أن يكون رئيس الحكومة ووزير المال متناغمين، عدا أن الرجلين حليفان طرابلسيان».

أوساط وزير المال التي أكدت أن «التباين مع ميقاتي يقف عند هذا الحد»، رأت أن «المخرج يكون بالعودة إلى مجلس الوزراء، إما للموافقة على ما وصلت إليه اللجنة، أو لتشكيل لجنة جديدة لإعادة دراسة الملف».

ولفتت الصفدي إلى أنه «يجب معالجة الموضوع بسرعة قبل فصل الصيف، لإنقاذ البلد مسبقاً من عتمة واسعة ستخيم عليه حسب تحذيرات وزارة الطاقة، إذا استمر وضع قطاع الكهرباء على حاله».

لكن الكلام الرسمي للمقربين يخفي مشكلة اعمق بين الرجلين. للصفدي ملاحظات عديدة على أداء رئيس الحكومة، وعلى طريقة تعامله معه. وبين الرجلين، ملفان اثنان عالقان غير «بواخر الكهرباء»، هما مشروع الموازنة وحسابات الدولة. وقبل ذلك، ثمة شعور لدى الصفدي بأنه وقف إلى جانب حليفه، من دون ان «ينال من طيّب الحكم نصيباً». في مشروع الموازنة، ينتقد الصفدي كيف سحب رئيس الحكومة النقاش إلى دائرته، وقرر وضع أسس الموازنة من دون أي دور لوزير المال. وكذلك الأمر في قطع الحساب. أما سياسياً، فيرى الصفدي أنه دفع ثمناً كبيراً في خيار الوقوف إلى جانب ميقاتي، من دون أن «يحرّك رئيس الحكومة عجلة الإنماء في طرابلس، باستثناء ما يمر عبر ميقاتي شخصياً». وبالتالي، لم يظهر شركاء الحكم في عاصمة الشمال شركاء في أي عمل في مدينتهم التي «تحتاج إلى كل شيء». ويحمّل الصفدي ميقاتي أسباب عدم إنجاز أي أمر في المدينة في عهد الحكومة الحالية، «التي إذا لم تغيّر الواقع السيئ لأحياء طرابلس الفقيرة، فلن يفعله أحد غيرها».

الصفدي ليس نادماً على القرار الذي اتخذه في كانون الثاني 2011، عندما خلع بيعة سعد الحريري. لكنه ينظر دوماً إلى أوضاع الحكومة الحالية بكثير من الأسى، «لأننا أضعنا فرصة تاريخية متاحة امامنا، رغم الإمكانات الضئيلة للدولة». بالتأكيد، يوزع الصفدي المسؤولية بالتساوي عن الجمود التنفيذي بين شركاء الحكومة الحاليين، إلا أنه يحمّل النصيب الأكبر لميقاتي.

في المقابل، وبعيداً عن «القفازات»، لا يكتفي المقربون من ميقاتي بنفي وجود أي خلاف مع الصفدي، وبتنظيم القصائد التي تؤكد أن «العلاقة معه على أفضل ما يرام، وأن كل الأمور نوقشت بإيجابية». فأوساط رئيس الحكومة عاتبة على وزير المال الذي خرج إلى العلن ليتحدث «من دون مبرر». تضع هذه الاوساط قاعدة رئيسية للقضية: «إذا كان البعض يريد رئيس الحكومة ساعي بريد، فهذا ما لا يقبله الرئيس ميقاتي». وقياساً على ذلك، سيعالج ميقاتي قضية بواخر الكهرباء وفقاً للآتي: دولة الرئيس يرأس اللجنة، وسيرفع تقريراً إلى مجلس الوزراء يضمنه رأي اللجنة مجتمعة، التي شارك وزير المال في كافة اجتماعاتها. كذلك فإنه سيعرض على المجلس رأيه الشخصي، وهذا حقه في أي ملف كان. اما بالنسبة إلى مشروع الموازنة، فمن حق رئيس الحكومة أن يطرح رؤيته للخطوط العامة لمالية الدولة، وهو يحترم بالتأكيد حدود دور وزارة المال. وفي قطوعات الحسابات، يرأس «دولة الرئيس لجنة تضم وزير المال الذي شارك في اجتماعاتها، وأخِذ بكل ملاحظاته. فعلامَ الاعتراض؟».

يبدو واضحاً إذاً أن المشكلة ليست في التفاصيل، بل في التوقعات المرتفعة التي كان يضعها الصفدي على الحكومة الحالية، وفي عدم شعوره بكونه شريكاً في الحكم بشكل عام، او في العمل الطرابلسي. لكن «خيبة الامل» لن تؤدي بأحد الرجلين للعودة إلى حلفه السابق مع تيار المستقبل الذي «لم يترك للصلح مطرح». إلا أن «نار الحريري» ليست دافعاً للإبقاء على حلف «ميقاتي ــ الصفدي». فمن يعلم؟ ربما سيقرر أحدهما ترك الآخر وحيداً في استحقاقات مقبلة.

الجمعة ٢٣ آذار ٢٠١٢

شهيرة سلّوم

تسريبات الحوار والوساطات الإقليمية لحلّ الأزمة في البحرين تتكاثر في المدّة الأخيرة، فبعد إعلان مستشار الملك البحريني عن بوادر انفراج وقرب حوار مع المعارضة، إثر مفاوضات في الغرف المغلقة مع أكبر جمعية معارضة «الوفاق»، ثم نفي الأخيرة لذلك وتأكيدها أنّ ما جرى مجرد لقاء يتيم مع وزير الديوان، خالد بن أحمد، تلاه إعلان مستشار آخر عن تعثر هذا الحوار، المختلف عليه قبل أن يبصر النور، ذكرت وكالة «رويترز»، أول من أمس، أنّ مصادر دبلوماسية غربية ووفاقية، أكّدت لها أنّ هناك وساطة سعودية لحلّ الأزمة.

لكنّ مصادر وفاقية نفت واستبعدت وجود مثل هذه الوساطة، وان كان هناك تحركات «فأكيد انها لا ترقى الى هذا المستوى». وقالت إن ما أوردته «رويترز» عن مصادر وفاقية هو تحليل أكثر منه أنباء مؤكّدة. وأكّد مصدر في «الوفاق» انّ هناك مبادرات خليجية منذ بداية الأزمة، وهي معروفة، اولاها الكويتية، وكانت بارزة جداً قبل اجهاضها «كما حاولت قطر التدخل لكن مُنعت». وتشير الى وجود وساطات من قبل شخصيات بارزة «كالسيد هاني فحص، المرجع الشيعي اللبناني». لكّنه يؤكّد أن «لا شيء مما ذكر عن وساطة سعودية حالية موجود أو يلوح في الأفق».

فحص، بدوره، يرفض إعطاء أي معلومات حول وساطته، التي يقول إنها ليست جديدة. لكنّه يؤكّد، في حديث لـ«الأخبار»، «قمت ببعض الجهود ولم نتوصل الى نتيجة». ويضيف أنّ «الجهود متواصلة ولا يوجد أبواب مغلقة»، رافضاً أيضاً أن ينفي أو يؤكّد وجود وساطة سعودية.

مصادر معارضة أخرى تستبعد السماح لوساطة رجل الدين الشيعي أن تمرّ. وتقول إن «الحكم تغير في البحرين ولم يعد كما كان. لقد اصبحت الجهة التي تسيطر على النظام، جهة طائفية تنطق من معاداة الشيعة». وتؤكد أن «أهل البحرين، السنة والشيعة، يتعايشون مع بعضهم البعض في جميع النواحي الاجتماعية والاقتصادية، فلا يوجد مشكلة أهلية. لكن من يتخذ القرار اليوم والمسيطر على الحكم ينطلق من مبدأ: لا تجعلوا للشيعة موطئ قدم»، وتشير بذلك تحديداً الى وزير الديوان الملكي، خالد بن أحمد، صاحب مبادرة الحوار الأخيرة، وأخيه قائد قوة الدفاع خليفة بن أحمد، قائد الحملة الأمنية على الانتفاضة.

وتتابع المصادر نفسها «السيد هاني قام بمبادرة وحمل تقريراً الى الملك، لكن المتشددين لن يسمحوا له أو لأمثاله، شأن السيد عمار الحكيم (رئيس المجلس الأعلى الإسلامي في العراق)، بأن ينجحوا في مهامهم، كي لا يسمحوا لشيعي أن يكون وسيطاً ناجحاً، وأن يؤكّدوا على رسالة مفادها: الحلّ بأيدينا فقط». وتقول بأسف «مرحلة الملك وولي العهد، اللذين حاولا ان يعطيا صورة جذابة للرأي العام العالمي، ذهبت. واولئك (المتشددون) هم الحاكمون الفعليون اليوم». وعن وساطة سعودية، تقول المصار المعارضة نفسها إن هذا «هُراء، حتى ان وجدت بعض التحركات». قبل أن يضيف «السعودية ان أرادت أن تأمر البحرين، فسترفع الهاتف وتطلب منها ما تريد. هي ليست بحاجة كي تلعب دور الوسيط في أزمة البحرين»، من دون أن يستبعد وجود مساع خليجية متواصلة لحلّ الأزمة.

وفي تقرير أوردته «رويترز» أيضاً لمراسلها نفسه أندرو هاموند، ذكرت أن البحرين بدأت بوضع كاميرات فيديو في مراكز الشرطة في اطار تحسين صورتها في مجال حقوق الإنسان. ومن بين هذه المراكز «الرمادية اللون» وعددها 33 سيتم تزويدها جميعاً بالكاميرات، مركز شرطة الحورة، حيث ستسجل دائرة تلفزيونية مغلقة التحقيقات التي تجريها الشرطة، على أن تخصص غرف بدون كاميرات للمحتجزين للتشاور مع محاميهم. كذلك ستكون مناطق أخرى في المركز خاضعة للمراقبة. لكن هذه الكاميرات لن يتم تركيبها في خمس قواعد على الأقل لشرطة مكافحة الشغب قال نشطاء إن الشبان تعرضوا للضرب فيها.

الجمعة ٢٣ آذار ٢٠١٢

غزة على موعد دائم مع المآسي. بعد العدوان والحصار الإسرائيلي، ها هي على موعد مع نوع جديد من الخنق يتمثّل بشح الوقود، الأمر الذي يهدد حياة الآلاف من سكان القطاع المحاصر، مع توقف شبه كامل للحياة، على مرأى ومسمع القريب والغريب، الذي ينتظر وقوع الكارثة للبكاء عليها

سناء كمال

غزّة | من جديد. غزّة محاصرة بالظلام. لا وقود ولا كهرباء. 1.7 مليون نسمة مهدّدون بالموت. لا طعام يمكن أن يطهى لعدم وجود الغاز. لا برادات لحفظ المأكولات. لا كهرباء في المستشفيات، وحياة المرضى في خطر، وخصوصاً مرضى غرف العناية الفائقة والفشل الكلوي. لا وقود للسيارات لنقل المواطنين الى أعمالهم. لا ولا ولا. المسؤولون في القطاع أعلنوا صراحة أنّ معركتهم مع الاحتلال والسلطة ومصر، وحمّلوا هؤلاء مسؤولية الكارثة، متوعّدين اليوم بتظاهرات حاشدة تحت اسم «جمعة انارة غزّة وكشف المؤامرة».

الغزّيون يعيشون الكارثة التي تهدّد حياتهم، بعد انقطاع «السولار» (المازوت)، بشكل شبه نهائي، سواء كان الذي يتزودون به عن طريق الأنفاق «السولار المصري» أو «السولار الاسرائيلي» الذي يدخل عبر معبر كرم أبو سالم. طوابير تنتظر على أبواب المخابز. تراقب الخبز وهو ينضج. تتأمل الحصول على أكثر من ربطة خبز للعيال. أصوات تتعالى لتوسل أصحاب المخابز. أحمد فروانة (45 عاماً) ترك أعماله وهرع لشراء الخبز، وهو ينتظر لأكثر من ساعة. لحظات تُعيد الى ذهنه أيام العدوان والساعات الطويلة، التي كان ينتظر خلالها ليحصل على عدد قليل من أرغفة الخبز، لكنه يشير الى وجود فرق بين اليوم وأيام العدوان «فخلال العدوان كانت اسرائيل هي التي سببت لنا الأزمة، لكن الآن لا أعرف من أتهم: هل هي حكومة «حماس» أم حكومة رام الله أم المصريون؟ أم أحمّل نفسي المسؤولية لأنني اعيش في غزّة؟». ويتابع «كل يوم نمر بمشكلة جديدة. مرة الحصار ومرة الأنفاق ومرة البطالة والفقر. والآن أزمة الكهرباء والسولار».

لكن المواطن سهيل شاهين (35 عاماً) حسم أمره وحمّل الحكومة الحمساوية المقالة المسؤولية الكاملة «عما يمر به القطاع من أزمات على اعتبارها المسيطرة عليه بغض النظر عن الأسباب التي تعلنها بين الحين والآخر لتخرج نفسها من نطاق المسؤولية»، على حد تعبيره. ويقول شاهين «نحن لا نريد حكومة لا تستطيع أن توفر للمواطن العادي أدنى متطلبات الحياة، وما فائدة وجودها؟ هل يريد قادتها فقط الكراسي حتى وان كانت على حساب الشعب الغلبان؟».

ولم تكن محطات الوقود أفضل حالاً من المخابز؛ فسائقو سيارات الأجرة يتجمعون عليها وينتظرون دورهم ليزوّدوا محرّكات سياراتهم بالبنزين غالي الثمن مع فقدان السولار من السوق، بحيث وصل سعر الليتر من البنزين الى 8 شيكلات بعدما كان 3,7 شيكلات. وتدور أحاديث السائقين حول مسببي الأزمة. ويرى عبد الكريم الكفارنة، وهو أحد السائقين في الطابور، أن أصحاب المحطات هم السبب لأنهم يحتكرون السولار والبنزين لمصالحهم الخاصة ولأصدقائهم أو لأفراد من الحكومة. ويؤكد أن أصحاب محطات البنزين شركاء في معاناة الناس، وخصوصاً أنه «ربما ينتظر لأكثر من 3 ساعات ليحصل على الوقود، فيما تأتي سيارة تابعة للحكومة ولا تنتظر أكثر من دقيقة وبقدرة قادر يظهر السولار ويُملأ محرك السيارة لتذهب مسرعة».

يشرح الكفارنة معاناة السائقين ويقول «ننتظر ساعات وساعات لنحصل على غالون من البنزين نظراً لانقطاع السولار ونأخذه بسعر غال، حيث يبلغ 150 شيكلاً! أشتغل على السيارة، ولكنني افاجأ في آخر النهار بأنني لم أحصل على قوت أبنائي». ويضيف «بسبب ذلك رفعنا الأجرة رغم علمنا بأن ذلك مكلف على المواطن، خاصة في ظل الفقر والبطالة التي يعيشها أهالي القطاع» .

لكن صاحب احدى محطات الوقود، الذي رفض ذكر اسمه، يؤكد أن محطته خالية من المحروقات «سوى ما يتم تزويده به من الوقود الذي يأتي عن طريق اسرائيل وبكميات محدودة جداً». وعن سبب غلاء السولار، يقول صاحب المحطة إن «قانون العرض والطلب يتحكم بالأسعار؛ فالعرض قليل والطلب كثير، وهذا ما يدفع أصحاب المحطات الى رفع الأسعار».

وقد أوجدت أزمة الكهرباء سوقاً سوداء وصل فيها سعر ليتر وقود «الديزل» إلى سبعة شيكلات (1.87 دولار) مقابل 2.50 شيكل قبل الأزمة. وتجدر الاشارة الى أن هناك نوعين من البنزين يدخلان الى القطاع، واحد عن طريق الأنفاق من مصر، والثاني عن طريق اسرائيل. الأول نوعان، رخيص يبلغ سعر الليتر الواحد منه 2 شيكل ونصف الشيكل تقريباً، ونوع ثان يبلغ سعر الليتر الواحد منه 4 شيكلات ونصف الشيكل. اما البنزين الاسرائيلي فأفضلها جودة ويبلغ سعره 7 شيكلات ونصف الشيكل.

ويدرك بعض المواطنين أن الأزمة سياسية بحتة، هذا ما يقوله أحمد جرادة، الطالب الجامعي، الذي يدعو المواطنين الى العصيان المدني في القطاع «لعل الحكومة تتنازل وتهتم بمصالحهم».

وحث منسق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ماكسويل جيلارد، الأطراف المعنية على حل مشكلات الإمدادات. وقال إن المستشفيات وخدمات الإسعاف تواجه صعوبة متزايدة في العمل مع تداعي أنظمة المياه والصرف الهشة بالفعل، في وقت خفضت فيه المستشفيات خدمة الاسعاف والطوارئ عدد سيارات الإسعاف في الشوارع، وألغى مستشفى واحد على الأقل العمليات الجراحية غير العاجلة للحفاظ على الكهرباء لمولداته.

ويبدو أن الأزمة ستأخذ مساراً تصعيدياً اليوم، بعدما دعت «حماس» بكثافة الى «جمعة انارة غزة وكشف المؤامرة»، فيما زجت الحركة الأزمة في الملعب السياسي، مشيرة إلى دوافع سياسية وراء عدم تزويد مصر للقطاع بالوقود كما وعدت.

وكانت مصر قد بدأت في الشهر الماضي الحد من تدفقات الوقود الى غزة عن طريق شبكة أنفاق تهريب تحت الحدود. ونفد الوقود من محطة الكهرباء الوحيدة في القطاع مما تسبب في انقطاع الكهرباء عن نحو ثلثي سكان القطاع البالغ عددهم 1.7 مليون نسمة. وتفضل مصر إرسال الوقود عبر منفذ كرم أبو سالم الذي تسيطر عليه إسرائيل، مشيرة إلى تفاهمات دولية قديمة تقصر استخدام معبر رفح على سفر الركاب. لكن «حماس» تعترض على ذلك، وترفض منح إسرائيل فرصة منع الإمدادات في أوقات التوتر، وتريد تجارة مباشرة مع مصر.

والعلاقات المتوترة بين مصر و«حماس» زادت من تفاقم الأزمة. واتهمت مصادر من «حماس» مصر بخلق أزمة وقود للضغط على الحركة لتنفيذ اتفاق المصالحة مع الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، وهو ما عبر عنه نائب رئيس الوزراء في الحكومة المقالة في القطاع، محمد عوض، الذي أكّد خلال مؤتمر صحافي في غزّة، أن «الأزمة سياسية ومفتعلة، وسنتغلب عليها، كما تغلبنا على كثير من الأزمات». وأضاف «المسؤول عن الأزمة هو الاحتلال وأدواته ومن أطبق الحصار على غزة». وأشار إلى أن السبب الأساسي وراء أزمة الكهرباء في غزة ناجم عن طلب السلطة في رام الله من الاتحاد الأوروبي وقف تمويل السولار الصناعي اللازم لتشغيل محطة التوليد الوحيدة في القطاع. وأضاف «السلطة طلبت من الاتحاد تحويل المبالغ المالية المخصصة لشراء السولار لرواتب الموظفين في الضفة بهدف خنق الحكومة». وشدد على أن جهود الحكومة متواصلة مع العديد من الدول والشركات لحل جذري للمشكلة. وطالب عوض مصر «بالإيفاء بوعدها والإسراع بضخ الوقود إلى قطاع غزة وزيادة كميات الكهرباء الواردة إليه بناءً على اتفاق أبرم مع المسؤولين المصريين»، مشيراً إلى قيام الحكومة بتحويل 2 مليون دولار دفعة أولى مقابل توفير الوقود.

وحول إمكانية الاستفادة من الوقود الإسرائيلي، قال عوض إن ذلك الوقود «يكرس الارتباط بالاحتلال ويقوي سيطرته ويزيد من المعاناة على كاهل المواطن الفلسطيني لارتفاع أسعاره بشكل كبير». وأشار عوض إلى اتصالات دولية لحل أزمة الوقود، والى التواصل مع قطر والجزائر لوضع ترتيبات إيصال الوقود إلى قطاع غزة، إضافة إلى كافة المؤسسات الدولية والإنسانية والتباحث مع مؤسسات محلية للتوصل إلى حلول لهذه الأزمة. وذكر أن «الحكومة تراقب توزيع الوقود الوارد بشكل منظم وتلاحق المحتكرين لمنع علميات الاحتكار»، مبدياً أمله في «الانتصار على هذه الأزمة كما انتصرنا على العدوان في السابق».

بدورها، حذّرت وزارة الزراعة في الحكومة الفلسطينية المقالة من كارثة غذائية وبيئية جرّاء انقطاع الكهرباء وشحّ الوقود. وقالت في بيان إن «أزمة الكهرباء والوقود أفرزت كارثة تهدد قطاعات هامة بغزة، أهمها القطاع الزراعي الذي يوشك أن يتوقف كلياً». وشددت على أن «استمرار الأزمة دون حل سريع وفوري لها ينذر بكارثة غذائية، نتيجة توقف الآبار الزراعية والآلات التشغيلية ومصانع التعليب والفرز عن العمل بنسبة كبيرة، إضافة إلى توقف مزارع الدواجن عن التفريخ والإنتاج، وبالتالي حرمان سكان القطاع من اللحوم البيضاء».

وذكرت أنّ القطاع الصناعي والتشغيلي تأثر هو الآخر بشكل كبير نتيجة انقطاع التيار الكهربائي، وأهمها توقف مطاحن القمح عن العمل وتعطل مصانع الأعلاف ومصانع منتجات الألبان وحلابات الأبقار عن الإنتاج، إضافة إلى تلف المحاصيل الزراعية المحفوظة في الثلاجات الكبيرة، وكذلك الأدوية البيطرية التي تحفظ في مستودعات الأدوية والثلاجات الصغيرة. كذلك أشارت وزارة الزراعة إلى أنَّ أزمة الكهرباء تلقي بظلالها على محطات الصرف الصحي ومحطات المعالجة، ما ينذر بكارثة بيئية وصحية لا تحمد عقباها نتيجة توقفها عن العمل.

450 ألف ليتر وقوداً اليوم

أكد رئيس هيئة المعابر والحدود في السلطة الفلسطينية، نظمي مهنا، أمس، أن معبر كرم أبو سالم سيفتح استثنائياً اليوم لإدخال 450 ألف ليتر سولار صناعي لمحطة توليد الكهرباء الوحيدة في القطاع. وقال مهنا إنه وبعد جهود حثيثة من الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء سلام فياض وحسين الشيخ، مدير الشؤون المدنية، وبمساعدة الأشقاء في مصر تم الاتفاق على توريد 450 ألف ليتر سولار صناعي اسرائيلي لمحطة الكهرباء.

وأوضح أن هذه الخطوة تأتي في «اطار حرص عباس على أهالي قطاع غزة الذين يعانون عدة أزمات من كهرباء ووقود وغير ذلك من الازمات التي تعصف بهم جراء الحصار الاسرائيلي المفروض على القطاع». وكان رئيس سلطة الطاقة عمر كتانة، قد أعلن أول من أمس أن «مصر وافقت على تزويد قطاع غزة بـ5 ميغاواط إضافية، ومن المتوقع أن يتم تزويد القطاع بها قريبا»، مضيفا أن «مجموع الطاقة الكهربائية الموردة من مصر لقطاع غزة سوف يصل لنحو 72 ميغاواط».

الجمعة ٢٣ آذار ٢٠١٢

تبنى مجلس الأمن الدولي بيانا رئاسيا، أمس، يطالب الحكومة السورية والمعارضة بأن تطبقا «فورا» الخطة التي عرضها المبعوث الخاص للأمم المتحدة والجامعة العربية كوفي انان لحل الأزمة، بجوانبها الامنية والسياسية والانسانية. وأعلنت موسكو وبكين أن موقفهما لم يتغير من الازمة، فيما طالبت واشنطن الرئيس السوري بشار الاسد بالالتزام بما جاء في البيان او «مواجهة المزيد من الضغوط والعزلة».

ولا يأتي البيان الرئاسي لمجلس الامن على ذكر «المبادرة العربية» التي تنص على نقل الرئيس السوري بشار الأسد صلاحياته الى نائبه، ويدعو في المقابل إلى «الالتزام بالعمل مع المبعوث (انان) في إطار عملية سياسية جامعة بقيادة سورية لمعالجة التطلعات المشروعة للشعب السوري وشواغله، والالتزام، لهذه الغاية، بتعيين محاور تخول له كل الصلاحيات عندما يدعوه المبعوث إلى القيام بذلك».

وكانت نسخة سابقة من البيان تهدد سوريا باتخاذ الأمم المتحدة «إجراءات جديدة» إذا لم تلتزم دمشق بالمطالب خلال سبعة أيام وهو ما قال دبلوماسيون إن روسيا اعتبرته إنذارا، وتم اسقاطه واستعيض عنه بعبارة اتخاذ «تدابير اخرى» التي لم يحددها في حالة عدم التزامها باقتراحات انان.

وفي باريس، كتب مراسل «السفير» محمد بلوط، ان تركيا تهدف إلى إعادة ترتيب أوضاع المعارضة السورية، ولا سيما «المجلس الوطني السوري» وإضفاء شرعية حصرية عليه، واستباق أي تغييرات قد تطرأ على مواقف الجامعة العربية، بعد حلول العراق محل قطر في رئاسة اللجنة الوزارية العربية.

وقال مصدر عربي في باريس إن الأتراك يتحركون لإنجاح مؤتمر «أصدقاء سوريا» في اسطنبول، ويجرون اتصالات واسعة، تهدف إلى تلافي تكرار الفشل الذي لقيه المؤتمر في تونس. وسيوصي المؤتمر في اسطنبول باعتبار قراراته مرجعية سياسية جديدة لحل الأزمة السورية، ونقل الثقل الدبلوماسي إليه من الجامعة العربية، التي تنتقل رئاستها من قطر إلى العراق خلال أيام، واستباقا لأي تغيير في توجهات الجامعة العربية في ظل رئاسة عراقية اقل صدامية من القطريين في مواجهة النظام السوري.

وقال المصدر العربي إن المجموعة الرائدة ستبدأ اجتماعاتها في 31 الحالي لإقرار «خريطة الطريق» العامة للمؤتمر ومقرراته. ورجح أن تجري تغييرات في عضوية الكتلة العربية المؤلفة من الأردن وقطر والسعودية وتونس والمغرب ودولة الإمارات. وكشف المصدر أن الإمارات تبدي ترددا في البقاء ضمن المجموعة. وقال إن مساعي تركية وعربية تجري مع الأردن لتسهيل إنشاء المعسكرات على أراضيه، وإدخال الأسلحة عبر الجنوب السوري.

البيان الرئاسي

وبعد مفاوضات مكثفة بين القوى الكبرى، وافقت

روسيا والصين على النص الذي قدمته فرنسا ويدعو الحكومة السورية إلى العمل في اتجاه وقف العنف وانتقال ديموقراطي. ويقدم البيان، الذي ليس له قوة قرار صادر عن مجلس الأمن، دعما قويا لأنان والخطة الواقعة في ست نقاط التي عرضها خلال محادثاته مع الأسد في دمشق.

وينص على ان مجلس الامن «سينظر في اتخاذ تدابير اخرى» اذا لم يلتزم الاسد بتطبيق خطة انان، التي تدعو الى وقف القتال وسحب القوات الحكومية والاسلحة الثقيلة من المدن التي تشهد احتجاجات وإرساء هدنة انسانية لمدة ساعتين يوميا لإفساح المجال لوصول العاملين الإنسانيين الى المناطق المتضررة من اعمال العنف، على ان يعمل انان على الحصول على ضمانات من المعارضة والمسلحين لوقف العنف.

كما دعا البيان الرئاسي «للالتزام بالعمل مع المبعوث في إطار عملية سياسية جامعة بقيادة سورية لمعالجة التطلعات المشروعة للشعب السوري وشواغله، والالتزام، لهذه الغاية، بتعيين محاور تخوله كل الصلاحيات عندما يدعوه المبعوث إلى القيام بذلك». وأهاب مجلس الأمن «بالحكومة السورية والمعارضة أن تعملا بحسن نية مع المبعوث من اجل التسوية السلمية للازمة السورية والتنفيذ الكامل والفوري لخطته ذات النقاط الست. ويطلب إلى المبعوث أن يطلع المجلس بانتظام، وفي الوقت المناسب على ما يحرزه من تقدم في مهمته. وفي ضوء هذه التقارير سينظر مجلس الأمن في اتخاذ تدابير أخرى».

كما وافق مجلس الأمن على بيان صحافي اقترحته روسيا ويدين التفجيرات في دمشق وحلب. وجاء في البيان الثاني ان «اعضاء مجلس الامن يدينون بأشد التعابير الهجمات الارهابية التي وقعت في دمشق بسوريا في 17 و19 آذار وفي حلب في 18 آذار ما تسبب بعشرات القتلى والمصابين». وأضاف «انهم يعبرون عن تعازيهم الحارة لعائلات ضحايا هذه الاعمال الشنيعة».

وأعلن دبلوماسيون ان دولا أوروبية لا تزال ترغب في استصدار قرار ملزم في مجلس الأمن حول سوريا. وقال المندوب البريطاني مارك ليال غرانت، الذي تترأس بلاده مجلس الامن لهذا الشهر، إن البيان يبعث «برسالة قوية وموحدة إلى الحكومة وكل اللاعبين الآخرين في سوريا بأنهم بحاجة إلى الاستجابة فورا» لمقترحات انان لحل الازمة.

وقال المندوب الفرنسي لدى الأمم المتحدة جيرار ارو، تعليقا على البيان، «انه خطوة صغيرة من قبل مجلس الأمن في الاتجاه الصحيح».

ونقلت وكالة انباء الصين الجديدة (شينخوا) عن مندوب الصين الدائم في الامم المتحدة لي باودونغ قوله «ندعو المجتمع الدولي الى دعم جهود الوساطة التي يقوم بها انان، وخلق ظروف مواتية لعمله». وأضاف ان «الصين تأمل في ان تقدم الحكومة السورية والاطراف المعنية الدعم الفعلي لمهمة انان والتنسيق معها، ووقف العنف فورا، وإبداء الارادة السياسية وإطلاق الحوار السياسي بالسرعة الممكنة من اجل التوصل الى تسوية سياسية مبكرة للازمة السورية». وأكد الموقف الصيني بمعارضة اي تدخل عسكري اجنبي في سوريا، مشددا على ان الشعب السوري هو الذي يجب ان يقرر إدارة شؤونه.

ودعا وزيرا خارجية الصين يانغ جيتشي ومصر محمد كامل عمرو، في بكين، إلى ضرورة الالتزام بحل سياسي للقضية السورية. وطالبا «المجتمع الدولي بضرورة احترام اختيار الشعب السوري، ودعم جهود الوساطة التي يقوم بها انان».

وأكد المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين أن موقف موسكو من الملف السوري لم يتغير، وهو يعكس «تصور روسيا للوضع السوري وتفهمها لضرورة وقف جميع أنواع العنف في أقرب وقت ممكن، وإشراك كل الأطراف في الحوار، ودعم العملية السياسية التي يقودها السوريون أنفسهم».

وأشار تشوركين إلى أهمية مضمون البيان الذي اقترحت مسودته فرنسا وهو «دعم جهود كوفي انان، الذي لا تزال روسيا على اتصال وثيق جدا معه». وأشار الى أن «محادثات مجموعة الخبراء التي بعثها انان إلى دمشق لمناقشة آلية المراقبة على وقف إطلاق النار تجري بشكل جيد جدا، حسب المعلومات المتوفرة لدى الجانب الروسي».

وأكد تشوركين أن «الجهود الرامية إلى إشراك المعارضة السورية وجماعاتها المسلحة في العملية السياسية لم تتوج بالنجاح حتى الآن»، مشددا على «أهمية تحقيق هذه المهمة لإطلاق العملية السياسية على أساس نشاط بعثة انان». وأعرب عن قلقه حيال تهريب الأسلحة إلى سوريا، مشيرا إلى أن «وقف عملية عسكرة النزاع السوري يعد أحد الشروط الرئيسية لنجاح مهمة انان». وقال «يجب وقف العنف والعمليات القتالية، وبطبيعة الحال، لا يسهم تهريب السلاح إلى سوريا في تحقيق ذلك، بل بالعكس، يجعل الأمور تتحرك إلى الوراء».

وأعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، قبيل تبني البيان، ان مشروع بيان مجلس الامن لا يتضمن تهديدات ولا إنذارات وقال «من المهم انه ليست هناك اية انذارات اخيرة وأية تهديدات وإشارات الى من يتحمل الذنب اكثر».

وأشار لافروف، في مؤتمر صحافي في برلين، الى ان نص مشروع البيان بشأن سوريا يكاد ينسخ حرفيا اقتراحات انان التي سلمها الى السلطة السورية والمعارضة. وقال «انا مرتاح جدا لكون شركائنا قد تخلوا في نهاية المطاف عن توجيه انذارات اخيرة وتهديدات والقيام بمحاولات لحل المشكلة عن طريق طرح مطالب أحادية الجانب على الحكومة السورية. ونظرا لان مجموعة كبيرة من المسلحين تقاتل ضد الحكومة السورية فمن الساذج ان نعول على ان يطلب مجلس الامن سحب القوات الحكومية من المدن الكبيرة من دون ان تتخذ خطوات مماثلة للتأثير على المعارضة».

أنان وبان كي مون

وناشد انان، في بيان، دمشق «الرد ايجابا» على دعوة مجلس الامن الدولي للسلطات السورية الى تطبيق خطة الست نقاط التي طرحها لحل الازمة. وقال المتحدث باسمه احمد فوزي ان «الدعم المتضامن لمجلس الامن في ما يتعلق بجهوده شجعه (انان) وهو يناشد السلطات السورية الرد ايجابا على خطته».

وقال فوزي ان الخبراء الذين ارسلهم انان الى سوريا التقوا مسؤولين سياسيين كبارا في دمشق الاثنين والثلاثاء، مشيرا الى ان انان لم يقرر بعد موعد عودته الى سوريا.

وذكرت وكالة الانباء السورية (سانا) ان بعثة تقييم المساعدات الانسانية الدولية في سوريا زارت مدينة ادلب التي سيطر عليها الجيش قبل اسبوع. وقالت ان «وفدا مشتركا من الامم المتحدة ومنظمة التعاون الاسلامي قام بزيارة الحي الشمالي والضبيط والناعورة في مدينة ادلب وأبدى ارتياحه لواقع المدينة حيث بدت الحياة طبيعية هادئة والخدمات متوفرة».

وأشـــارت الى ان الوفــد التقى محـــافظ ادلــــب ياسر الشوفي الذي لفت «الى اهـــمية زيارة الوفـــد في الاطلاع على حقيـــقة ما يجري على ارض الواقع وأن يســـتمع الى المواطنين المتـــضررين من ارهـــاب المجموعات الارهابية المسلــحة وممارساتها الاجرامية».

ونقلت عن رئيس الوفد بين بن هاربر قوله ان «الجولة تندرج في اطار زيارة سوريا للوقوف على الواقع في المناطق المتوترة التي شهدت ضررا في البنية الاقتصادية» اضافة الى لقاء المواطنين والاستماع لوجهات نظرهم ومقترحاتهم في هذا الجانب».

ووصف الامين العام للامم المتحدة بان كي مون البيان الرئاسي بأنه «إشارة واضحة وموحدة هدفها الوقف الفوري لجميع أنواع العنف وانتهاكات حقوق الإنسان وتوفير إمكانية تقديم المساعدات الإنسانية، وتشجيع الحوار السياسي بين الحكومة السورية وكل قوى المعارضة في البلاد».

وكان بان كي مون اعتبر، في العاصمة الاندونيسية جاكرتا، أن الأزمة السورية بالغة الخطورة ولها «تداعيات هائلة» على العالم. وقال «لا نعرف كيف ستتطور الأحداث، لكن ما نعرفه هو اننا جميعا نتحمل مسؤولية العمل من أجل حل هذه الأزمة العميقة البالغة الخطورة».

وكان يفترض ان يصرح بان كي مون في نسخة من خطابه تم توزيعها مسبقا انه يتوقع «عودة (انان) الى دمشق قريبا». لكن في النسخة التي القاها في النهاية لم يلمح الى اي امكانية من هذا القبيل. وأوضح المتحدث باسمه مارتن نيسيركي ان انان «ما زال ينتظر المزيد من التفاصيل (من فريق خبرائه في دمشق) قبل اتخاذ قرار حول برنامج زياراته الممكنة».

واشنطن

ووصف المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني البيان «بالإيجابي والمهم، إلا أنه خطوة متواضعة». وقال إنه «يدل على حقيقة أن هناك إجماعا في مجلس الأمن لدعم مهمة كوفي انان، ويدل على بناء تجمع من الأصوات على الساحة الدولية يصر على أن الرئيس بشار الأسد يجب أن يوقف حملته الوحشية ضد شعبه». وأضاف «من الواضح أن هذا شيء جيد».

وقالت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون ان «الخطوة التي اتخذها مجلس الامن المنقسم حيال الازمة في سوريا «ايجابية». وأضافت «نقول نحن والمجتمع الدولي للرئيس الاسد ونظامه، اسلك هذا الطريق والتزم به، وإلا فإنك ستواجه المزيد من الضغوط والعزلة».

ودعت كلينتون، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيرها الافغاني زلماي رسول في واشنطن، «جميع السوريين الذين يحبون بلدهم ويحترمون تاريخه ويدركون القدرات الهائلة الكامنة في العمل معا» إلى تنفيذ الخطة. وتابعت «نعتقد انه من المهم جدا اننا متحدون جميعا الآن وراء مهمة انان».

واعلنت ان «الولايات المتحدة تعمل مع المعارضة السورية على الاعداد لمرحلة انتقال السلطة المحتملة في سوريا». وأضافت «نحن ندعو الجيش السوري كذلك الى رفض الاوامر بإطلاق النار على المواطنين ابناء وطنهم، كما ندعو مجتمع الأعمال الذين ما زالوا يؤيدون النظام الى العمل على تطبيق بيان مجلس الامن ومهمة انان».

ورحب وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ بالبيان الرئاسي. وحثّ السلطات السورية على «انتهاز هذه الفرصة لوقف إراقة الدماء وإظهار التزامها بتنفيذ خطة انان ذات النقاط الست، بما في ذلك سحب الجيش من داخل المراكز السكانية وحولها».

ميدانيات

وقال المرصد السوري لحقوق الانسان، في بيانات، «قتل 23، وأصيب العشرات، في قصف على حي الخالدية في مدينة حمص، واشتباكات في حي السلطانية المجاور لحي بابا عمرو، ومحافظات ادلب وحماه ودرعا». وقال المتحدث باسم «الهيئة العامة للثورة السورية» في حمص هادي العبدالله «عثر ناشطون على 39 جثة مشوهة في حي الرفاعي».

وقال عضو «المكتب الاعلامي لمجلس قيادة الثورة في ريف دمشق» مرتضى رشيد «وقعت اشتباكات بين القوات النظامية وعناصر منشقين عند مدخل مدينة حرستا، اعقبها دخول القــوات النظامية الى المدينة». وأضاف «انسحب مقاتلو الجيش الحر الى المزارع خارج حرستا».

وذكرت وكالة الانباء السورية (سانا) «قتل وجرح عدد من المدنيين وعناصر من قوات حفظ النظام اثر تفجير انتحاري استهدف مساء الثلاثاء قوات لحفظ النظام في ريف درعا».

(«السفير»، سانا، أ ف ب، أ ب، رويترز، أ ش أ)

الأكثر قراءة