ما بعد شربل نحّاس (2)

محمد زبيب

5

فقد الخطاب العوني مضمونه الذي صبغه عليه شربل نحاس. لم يعد لكلمتي «التغيير والإصلاح» الوقع نفسه لدى «العونيين». لم يعد معناهما هو نفسه الذي تراكم في أذهانهم حتى لحظة إعلان قبول استقالة «بطلهم». صارتا بلا معنى محدد، ككلمة «المستقبل» مثلاً، أو «التنمية والتحرير» أو «النضال الوطني» أو ربما «زحلة في القلب»... من الآن وصاعداً لن تستخدما إلّا للدلالة على حجم الكتلة النيابية التي يقودها «النائب» ميشال عون، والتي بيّنت التجارب انها تضمّ في صفوفها وزراء ونواباً اشدّ عداءً من غيرهم لكل ما يمتّ بصلة الى فكرة «العونيّة» وجوهرها، اي فكرة الاحتماء بالدولة في مواجهة الميليشيات، وجوهرها المتمثل بمعاداة «الحريرية» التي نشأت وترعرعت وترسخت في كنف الوصاية السورية وعلى حساب الدولة ومشروعها! صحيح أن البعض من غير «العونيين» لا يوافق على أن ميشال عون كان يحمل هذه الفكرة اصلاً، او يتبنّى جوهرها حقّاً، الا أن شريحة واسعة كانت تنظر الى خطابه بوصفه خطاب الضرورة، بمعنى ان ميشال عون لم يكن يمتلك فرصة اخرى للفوز في السباق نحو جنّة الحكم الا من خلال انتسابه الى مشروع «الدولة»، فهو ليس زعيم ميليشيا طائفية يمكنه فرض امر واقع على ارض طائفته، وهو ليس من اصحاب المليارات يستطيع من خلالها ان يشتري حصّة له من «الناس» و«البلاد»... لم يكن ميشال عون في مخيّلة «مريديه» سوى ذاك «القائد» الذي هتف مرّة «يستطيع العالم ان يسحقني لكنه لن يأخذ توقيعي»، مذّاك طوّبوه قائدا عليهم، حتى اللحظة التي طلب فيها ان يأخذ من شربل نحّاس توقيعه والا يسحقه!

 

6

كان «العونيون» يتوقّعون من «قائدهم» ان يفعل فعلاً اكبر بكثير من مجرد قبول الاستقالة بوصفها بنداً ثانياً، بعد بند «مدام طعمة»، على جدول اعمال «تكتل التغيير والاصلاح» في اجتماعه «العادي» يوم الثلاثاء في 21 شباط الماضي. يومها انصتوا بانشداد الى الجنرال ميشال عون وهو يردد «لا نريد أن تتكرّر هذه المأساة»، مأساة تلك المتعاقدة في وزارة الخارجية التي امضت 28 عاما في الخدمة ولم تُثبّت في وظيفتها وحُرمت من حقوقها الاساسية»، كانوا يعتقدون ان عون اختار هذا المدخل تحديداً ليعلن ان معركة شربل نحاس لم تنته ما دامت «مأساة» العمّال والموظفين والفقراء عموماً متواصلة، ولها كل يوم فصل جديد وضحايا كثر. الا أن ظن «العونيين» خاب كثيراً، فقائدهم قدّم لهم استقالة «بطلهم» بوصفها مجرّد «مسألة داخلية»، اي مسألة تنظيمية بلغة الاحزاب، استدعت اجراءً تأديبياً. فاستقالة شربل نحاس، حسبما قال بعد ظهر ذلك اليوم المشؤوم، «لم تأت في سياق التهديدات التي أُطلقت (ضده)، بل بسبب رفض الوزير التزام ما قرره التكتل مجتمعاً».

بدت هذه النهاية محبطة جداً، لقد تمّ القفز فوق الاسباب والوقائع التي شغلت «العونيين» (وأترابهم) طوال الاشهر الخمسة الماضية. تلك الاسباب والوقائع التي حوّلت شربل نحّاس الى «رجل شجاع» في نظرهم يستحق احترام اكثريتهم ويعزز فيهم الشعور بالقدرة على مواصلة التحدّي. هذا ما جعل معظمهم غير متفهّم للدوافع الكامنة وراء قبول الاستقالة بهذه السرعة وبهذه الطريقة. اسئلة كثيرة لم يجدوا لها اجوبة شافية حتى الآن: لماذا انقلب على «بطلهم» اول مرّة بعد العشاء مع نجيب ميقاتي على مأدبة جبران باسيل؟ ولماذا انقلب عليه مرّة ثانية بعد الغداء على مأدبة نبيه بري؟ ما الذي وضعوه له في الطعام؟ معظم «العونيين» يتصرفون وكأن هناك سراً ما في ذاك الطعام! لكن بعضهم بات مقتنعاً بأن هناك من دس فيه «السم»!

7

يحاول «العونيون» ان يحتفظوا قدر الامكان بصورة ميشال عون «الرمز»، في حين ان المحيطين به لم يتركوا فرصة الا وحاولوا استدراجه الى مواقع الآخرين في السلطة التي يسعون الى التنعّم بمنافعها... اقنعوه في نهاية حياته السياسية بألّا يورثهم «وجع الرأس»، فطريق «التغيير والاصلاح» وعرة جداً وهي أبعد من انتخابات عام 2013، في حين ان «الواقعية السياسية» وحدها تُطعم خبزاً... اقنعوه بأن شربل نحاس يُكسبه الناس الضعفاء في حين ان السلطة لا تُمنح الا عبر ايجاد نقاط لقاء مع نبيه بري ونجيب ميقاتي ووليد جنبلاط. لقد دار العونيون «البراغماتيون» دورتهم الكاملة، ونجحوا أخيراً في تحويل «الرمز» الى واحد من هؤلاء... فمن يصدّق انه سيحصل على حصته من اسهم «الشركة» ما لم يكن الشركاء الآخرون مطمئنين الى انه حريص مثلهم على مصالحها. لقد خسر «العونيون» ميزتهم امام الملل الاخرى وقواعد القوى التي يتهمونها بالاستيلاء على الدولة والسطو على مقدراتها، لم يعودوا يشعرون بالعناد الذي طبع تجربتهم السابقة، او هكذا خُيّل لهم. بعضهم بات مضطر الى الاستنجاد بـ«الميكيافيلية» ليبرر «الوسيلة» حتى ولو بقيت «الغاية» غير واضحة امامه.

8

منذ الآن سيسود التجانس، او عفواً «التضامن»، في مجلس الوزراء... لن يعود وزراء تكتل «التغيير والاصلاح» محرجين امام زميلهم شربل نحّاس، بمعنى آخر، عادت الامور الى طبيعتها، وصارت الحاجة الى اجتماعات الخليلين مع جبران باسيل اقل الحاحاً، وبالتالي فإن مشاريع تملّك الاجانب وسلّة الحوافز للمستثمرين واعفاء شركة «سوليدير» من ملياري دولار ضرائب مستحقة على اعادة تقييم اصولها... ستسير بيسر اكبر مع غيرها من المشاريع التي وقف شربل نحاس في وجهها وحاول عرقلتها او تعطيلها!

ملاحظة اضافية: عندما أُطيحت حكومة سعد الحريري، عقد الوزراء المستقيلون يومها: جبران باسيل، فادي عبّود، وشربل نحّاس مؤتمراً صحافياً لتبرير استقالتهم. وأطلقوا على الحكومة السابقة لقب «حامية فساد السين، سين، سين: سوليدير، سوكلين، والسوق الحرّة في مطار بيروت». لكن عندما سمّى عون وزراءه للحكومة البديلة اختار لوزارة العدل محامي شركة «سوليدير» نفسها، شكيب قرطباوي!

الجمعة ٩ آذار ٢٠١٢

آخر تعديل على Thursday, 22 March 2012 08:32

الأكثر قراءة