الفساد يضرب لبنان: لحوم، ألبان وأجبان... وحتى حليب الأطفال
انه الفساد الذي يضرب المواد الغذائية مجدداً. لحوم، أسماك، معلبات، وأنواع متعددة من المأكولات التي تدخل الى بيوت اللبنانيين بلا «إحم ولا دستور»، تنشر الامراض، ترفع حالات التسمم، وتقتل أحياناً. إنه الاستهتار بحياة الناس ينتشر كالطاعون الاخلاقي، يطول كل ما يمكن استهلاكه، يطول كل مستهلك، حتى الأطفال. تجار الموت في كل مكان، ترقبوا مفاجآتهم...
رشا أبو زكي
25 طناً من اللحوم المنتهية الصلاحية في مستودعين في منطقة الطريق الجديدة ــ صبرا، علمت بها مصلحة حماية المستهلك أول من أمس. على هذه اللحوم كتب أن مدة الصلاحية انتهت منذ 6 اشهر. ما يعني أن الـ25 طناً، هي ما تبقى من اللحوم المنتهية الصلاحية، والتي بيعت بالأطنان طبعاً خلال الاشهر الستة المنصرمة الى المواطنين مباشرة أو من خلال عدد كبير من المطاعم. يضاف الى هذه الكمية 3 اطنان و300 كيلو غرام من اللحوم الفاسدة تم اكتشافها أمس في منطقتي الشويفات والضاحية الجنوبية.
28 طناً من اللحوم الفاسدة، ماذا تعني؟ يمكن القول أن كل كيلوغرام من اللحوم يُطعم 3 أشخاص، وبالتالي فإن كل طن من اللحوم يستهلكه نحو 3 آلاف لبناني، وهكذا فإن 28 طناً و300 كيلو من اللحوم كان من المفترض أن يستهلكها نحو 85 ألف لبناني. يمكن القول ومن دون أي مجازفة أن عملية حسابية بسيطة توصل الى استنتاج بأن رقماً موازياً من اللبنانيين استهلك اللحوم الفاسدة من دون أن يعلم. إذ يشير رئيس نقابة مستوردي اللحوم المجلدة محمد المبسوط إلى أن لبنان كله يستهلك بين 3 آلاف و4 آلاف طن من اللحوم المجلدة شهرياً، اي انه خلال 6 اشهر، تم استهلاك مئات الاطنان من اللحوم غير الصالحة للاستهلاك. هذا ما تم اكتشافه، أما اللحوم الفاسدة المتوارية عن انظار مصلحة حماية المستهلك والوزارات المعنية والاعلام، فلا يمكن توقّع كمياتها، وتالياً لا يمكن توقع عدد اللبنانيين الذين تناولوا هذه اللحوم، تسمموا أو حتى لقوا حتفهم.
يشرح مصدر مسؤول في مصلحة حماية المستهلك أن اللحوم المنتهية الصلاحية التي تم اكتشافها حتى اليوم ذات مصادر متعددة. من البرازيل، استراليا، اوروبا وغيرها من البلدان، دخلت الى لبنان بحالة طبيعية، الا أن التجار (وفق معظم الحالات) اشتروا كميات كبيرة من اللحوم التي لم تصرف في السوق، فأكملوا بيعها رغم انتهاء صلاحيتها. يقول المصدر إن هذه الحالات تتكرر عادة خلال الاشهر الثلاثة التي تلي عيدي الميلاد ورأس السنة، وبالتالي يمكن القول ان اللحوم التي لا تُباع يعاد طرحها في السوق للبيع. يلفت المصدر الى أنه منذ مطلع العام تم اكتشاف كميات كبيرة من اللحوم والاسماك، وكذلك المواد الغذائية المعلبة المنتهية الصلاحية، وتكرار هذه الحالات يعود بالأساس الى عدم وجود رادع أخلاقي أو مادي أو جرمي يوقف التعرض لحياة المواطنين.
قضية الروادع يتحدث عنها أيضاً وزير الزراعة حسين الحاج حسن، الذي يلفت الى أن الاحكام التي تصدر بحق الفاسدين تكون بطيئة جداً، وخلال فترة ولايته في الوزارة لم يصدر حتى الآن اي حكم بأي مخالفة تم تحويلها الى القضاء. وحتى لو صدر حكم فهو لا يعتبر مكلفاً لا معنوياً ولا مادياً بالنسبة إلى المخالفين.
يؤكد الحاج حسن أنه منذ مطلع العام 2012 حتى اليوم تم اكتشاف عشرات الأطنان من الادوية الزراعية الفاسدة في الشمال، ومحل يبيع عشرات الاطنان من الالبان والاجبان الفاسدة في الشمال أيضاً، اضافة الى محل لحوم في بيروت، وأدوية زراعية فاسدة بعشرات الاطنان في الجنوب.
اما اذا تمت دراسة الاحكام القضائية التي تصدر بحق المخالفين فيمكن ملاحظة أن الفاسدين لا يواجهون أية احكام ثقيلة العيار ليتوقفوا عن فسادهم، أو ليكونوا عبرة لغيرهم، وذلك على الرغم من أن الفساد في سلامة الغذاء هو جريمة قتل بحق المواطنين، اذ على الرغم من ان الغرامات يمكن أن تصل الى 75 مليون ليرة، الا أن الغرامات المحررة كافة ضد من يسوّق مواد غذائية فاسدة لا تصل الى حدود المليونين ليرة، في حين أنه منذ سنوات حتى الآن، وعلى الرغم من التصريحات المتتالية التي تؤكد بالوثائق وجود تلاعب بالمواد الغذائية فإن أياً من المتهمين لم يُسجن.
يقول رئيس جمعية المستهلك زهير برو، إن اكتشاف حالات الفساد في المواد الغذائية هو استثناء، في حين ان القاعدة هي الفوضى وترك التجار على غاربهم. يلفت الى أن الاعلان عن الاسماك الفاسدة حصل قبل يوم من المداهمة، وهذا سيئ فعلاً. يأمل برو أن لا تكون حملة المداهمات موجة اعلامية ظرفية. يشرح أن معظم الشكاوى التي تتلقاها الجمعية هي من بيروت ومحيطها، وقد تم اكتشاف عدد من الحالات خلال الاشهر الماضية، تتراوح بين التلاعب بالصلاحيات وانتهاء الصلاحيات والمواد المغشوشة، اذ تم الكشف عن حليب للأطفال يحوي تلوثاً غذائياً، ومعكرونة فيها دود، اضافة الى حالات متكررة من المواد المعلبة الفاسدة وغير قابلة للاستهلاك.
ويمكن خلال السنوات الثلاث الماضية تبيان ازدياد عمليات الغش والفساد في ما يتعلق بالمواد الغذائية. فقد اكتشفت مصلحة حماية المستهلك أخيراً نحو طن من الأسماك منتهية الصلاحية والمشكوك بصلاحيتها وكمية متلاعباً بتواريخها. وهي بمجملها مستوردة من الصين. وقبل هذا الاعلان، كان الاعلان عن المواد الفاسدة يتوالى، من القمح الى الادوية، السمسم، الأرز، العدس، السمك وحتى البزورات، ليظهر في نهاية العام الماضي أن أحد التجار استورد نحو 15 مستوعباً من السموم الزراعية الممنوع دخولها الى لبنان، فضلاً عن اكتشاف مستودع كبير في الغازية يقوم بتصريف رقائق البطاطا الفاسدة.
وقبل ذلك، برزت قضية القمح غير الصالح للاستخدام البشري الذي كان يُعَدّ للدخول إلى السوق المحلية لصناعة الخبز. وتتبّع سلسلة «الاكتشافات» يظهر وجود كميات كبيرة من الأجبان والدواجن التي دخلت السوق اللبنانية على الرغم من انتهاء صلاحيتها.
وطبعاً يمكن العودة الى نيسان من العام 2010 الذي شهد الاعلان عن دواء الـ«بلافيكس» المزوّر (يسبب الموت لمرضى القلب) الذي اجتاح لبنان عبر مافيات دوائية مدعومة سياسياً، لتلحق هذه الحادثة فضيحة الأدوية الباكستانية التي استوردها عميل جمركي.
رجوعاً الى العام 2008 حين دخل إلى السوق اللبنانية 10 آلاف طن من اللحم الهندي السيئ النوعية، وبيع في المحالّ والسوبر ماركت على أنه لحم بلدي بأسعار مرتفعة، ليظهر أن هذا اللحم منتهي الصلاحية ومجهول المصدر والإنتاج وغير مراقب صحياً أو مخبرياً.
7 حالات
من الفساد في المواد الغذائية والزراعية تكشفها وزارة الزراعية شهرياً وفق ما يؤكد وزير الزراعة حسين الحاج حسن، ويشرح أن الوزارة لا تعلن سوى عن الحالات الضخمة والفاقعة من الفساد الغذائي
أدوية «الشنطة»
يشرح النائب السابق اسماعيل سكرية (الصورة) أن الأدوية في لبنان تعاني من استمرار غياب الرقابة وخصوصاً الادارية منها، اذ يجري تسجيل أعداد كبيرة من الادوية من دون معرفة محتوياتها. كذلك تنتشر ظاهرة رفض عدد من الاطباء للأدوية السرطانية، بحيث يتبين انها لا تحوي العناصر الصحيحة. كذلك، تدخل كميات من الادوية غير الفاعلة القادمة من الهند والصين، بحيث يتم تعبئتها في دبي وتباع على انها أصلية. تدخل هذه الادوية عبر المطار والمرفأ، كما يوجد حالات بحيث تدخل الادوية عبر «الشنطة» وخصوصاً من المطار.
الجمعة ٩ آذار ٢٠١٢