Hiba Awar

Hiba Awar

بسام القنطار

سريعاً كان اتصال جورج عبد الله بشقيقه جوزيف. «المحكمة ستعقد جلسة أخرى في ٢٠ آذار المقبل، على أن يصدر القرار بعد التداول في ٢١ آذار ٢٠١٣».

وفّرت تقنية الفيديو المباشر مشقة انتقال عبد الله القابع في سجن لانميزان الى محكمة باريس، لكن قوس العدالة الفرنسية لم ينه بعد معاناة الأسير المستمرة منذ قرابة الـ ٢٨ عاماً.

وفيما غاب المحامي الثمانيني جاك فرجيس عن الجلسة بسبب المرض، ظهر عبد الله عبر الشاشة قبل ان يعلن القضاة عن مهلة جديدة تبقيه قيد الاحتجاز التعسفي.

وتؤشر جلسات الاستئناف المستمرة منذ ٢١ تشرين الثاني الماضي إلى حجم المأزق السياسي الفرنسي، المربك بين الاستماع إلى نصائح فيكتوريا نولاند (الناطقة باسم الخارجية الاميركية) وانفاذ القرار القضائي بالافراج عن عبد الله شرط ترحيله الى لبنان. ومن المعلوم ان عبد الله استوفى شروط الافراج المشروط منذ عام 1999 ما دفع السلطات القضائية الفرنسية إلى فتح ملفه مرات عدة في السنوات الماضية، ابرزها عام 2003، حين اتخذت «محكمة الإفراج المشروط»، في مقاطعة بو الفرنسية، قراراً بإطلاقه، وحددت تاريخ 15 كانون الأول 2003 موعداً لتنفيذ القرار. لكن النيابة العامة الفرنسية تقدمت باستئناف ونجحت في تعطيل الافراج.

واستمر مسلسل قرارات الإفراج عنه وتعطيلها، إلى أن قررت المحكمة في 10 كانون الثاني 2013 الافراج عن عبد الله شرط ترحيله عن الاراضي الفرنسية، وحددت 14 كانون الثاني الماضي موعدا نهائيا للترحيل، لكن وزير الداخلية رفض توقيع قرار الترحيل، ما دفع النيابة العامة الفرنسية الى التقدم بطعن جديد مثّل علامة فارقة في اصول المحاكمات الفرنسية، وأجلت محكمة تنفيذ الاحكام النظر في هذه القضية في 28 كانون الثاني، وحددت 28 شباط 2013 موعداً جديداً للنظر فيها.

وقبل يوم من انعقاد الجلسة، نظمت ثماني تظاهرات للمطالبة باطلاق عبد الله في مدن فرنسية عدة، بينها تظاهرتان في باريس، كما نظمت تظاهرات في تونس ودبلن وعمان. وفي لبنان نظمت امس اعتصامات تضامنية امام المراكز الثقافية الفرنسية في صور وصيدا وبعلبك والنبطية ودير القمر.

وفي بيروت أعلنت الحملة الدولية لاطلاق سراح جورج عبد الله ان «تسويف السلطات الفرنسية يثبت ممارسة سياسة انتقام الدولة، وانتهاك القوانين الفرنسية والشرعة الدولية لحقوق الانسان». وأكدت الحملة في بيان لها «ان هذه الوقائع تستدعي تدخلاً عاجلاً من السلطات اللبنانية واطلاق مبادرة دبلوماسية سريعة تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء بمتابعة هذه القضية»، مطالبة بالتعجيل في الإعداد لزيارة المدير العام لوزارة العدل عمر الناطور المقررة الى فرنسا. ودعت الى اوسع مشاركة في الاعتصام امام السفارة الفرنسية في بيروت الاحد المقبل عند الثانية عشرة ظهراً، على أن يليه اعتصام في ١٠ آذار.

الجمعة ١ آذار ٢٠١٣

بالتزامن مع العديد من الإعتصامات التي تقام في نفس التوقيت في عدد من دول العالم تحت شعار “27 شباط 2013 يوم للاحتجاج من أجل انتزاع حرية المناضل جورج عبدالله”، حيث سيقف مرة أخرى أمام المحكمة للنظر في إطلاق سراحه، أقامت شبيبة حزب الوحدة الشعبية اعتصاما تضامنياً مع الأسير المناضل الرفيق جورج عبداللهً أمام السفارة الفرنسية في العاصمة الأردنية عمان، وذلك في تمام الساعة السادسة من مساء اليوم الأربعاء الموافق 27 شباط 2013 للتعبير عن استنكارها ورفضها لمماطلة السلطات الفرنسية وتأجيلها المتكرر للإفراج عن الرفيق جورج عبدالله والذي أنهى محكوميته حسب القوانين الفرنسية.

ورفع المشاركون الأعلام الأردنية والفلسطينية واللبنانية ورايات الحزب، وصدحت حناجر المعتصمين بهتافات أهمها:

“جورج ضحّى لفلسطين.. ولحق العودة واللاجئين”

“جورج عبدالله ما ننساه.. اسمه في قلوبنا حفرناه”

“فرنسا هيّه هيّه.. فرنسا أمريكية.. فرنسا صهيونية”

“يا أسير الصبر الصبر.. بعد العتم بيجي الفجر.. وبتشرق شمس الحرية”

“تحيتنا بالألوفات.. لأبطال المعتقلات.. جورج عبدالله وسعدات”

وختم المشاركون اعتصامهم بنشيد موطني.

تبلغت الحملة الدولية لاطلاق سراح جورج عبد الله ان محكمة تنفيذ الاحكام الفرنسية انعقدت اليوم لمدة ساعة حيث تداولت في الاستئناف الذي تقدمت به النيابة العامة الفرنسية للاعتراض على قرار الافراج المشروط عن جورج عبد الله. وقررت المحكمة ان تعقد جلسة اخرى في ٢٠ اذار المقبل على ان يصدر القرار بعد التداول في ٢١ اذار ٢٠١٣.

وأعلنت الحملة ان مماطلة وتسويف السلطات الفرنسية في انفاذ القرار القضائي بالافراج عن جورج عبد الله وترحيله الى لبنان، يثبت ممارسة سياسة انتقام الدولة وانتهاك القوانين الفرنسية والشرعة الدولية لحقوق الانسان والاصرار على ابقاء عبد الله قيد الاحتجاز التعسفي.

وأكدت الحملة ان هذه الوقائع تستدعي تدخلاً عاجلاً من السلطات اللبنانية واطلاق مبادرة دبلوماسية سريعة تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء بمتابعة هذه القضية. وطالبت الحملة وزارة الخارجية بالتعجيل في التحضير لزيارة المدير عام لوزارة العدل عمر الناطور المقررة الى فرنسا.

وطالبت الحملة الحكومة اللبنانية بتأجيل مؤتمر رابطة القضاء العالي لمحاكم النقض الناطقة بالفرنسية المزمع عقده في بيروت في ١٣ اذار المقبل، على غرار ما قامت به السلطات الفرنسية في قضية فلورانس كاسيز التي كانت معتقلة في المكسيك، ما دفعها الى وقف فعاليات عام المكسيك الثقافي في فرنسا. ودعت نقابتي المحامين في بيروت وطرابلس التي كان لها مواقفة مشرفة من هذه القضية الى مقاطعة فعاليات هذا المؤتمر.

واهابت الحملة بالقوى السياسية اللبنانية التي اجمعت على قضية جورج عبد الله ان تواصل ضغوطها على السلطات الفرنسية من اجل حل هذه القضية.

وطالبت الحملة بتصعيد الحراك الشعبي لكشف زيف الادعاءات الفرنسية بقرب الافراج عن عبد الله،وفضح الصورة الحقيقية لفرنسا التي تمارس ارهاب الدولة، فما الارهاب غير تجاوز القوانين وتعطيل انفاذ القرارات القضائية الصادرة عن سلطة مستقلة. ودعت الى اوسع مشاركة في الاعتصام امام السفارة الفرنسية في بيروت يوم الاحد المقبل الواقع فيه ٣ اذار ٢٠١٣ عند الساعة الثانية عشرة ظهراً، على ان يليه اعتصام في ١٠ اذار ٢٠١٣ عند الساعة الثانية عشرة ظهراً.

تجدر الاشارة الى انه حكم على جورج عبد الله (61 عاما) الرئيس السابق ل"الفصائل الثورية المسلحة اللبنانية" بالسجن المؤبد في باريس في شباط 1987 وذلك بعد ان ادين بتهمة التآمر في اغتيال دبلوماسيين اثنين في باريس عام 1982 هما الاميركي تشارلز روبرت داي والاسرائيلي جاكوب بارسيمانتوف.

واستوفى عبد الله شروط الافراج المشروط منذ العام 1999 ما دفع السلطات القضائية الفرنسية إلى فتح ملفه لعدة مرات متتالية في السنوات الماضية ابرزها في العام 2003، حين اتخذت "محكمة الإفراج المشروط"، في مقاطعة بو (Pau) الفرنسية، قراراً بإطلاق سراحه، وحددت تاريخ 15 كانون الأول 2003 موعداً لتنفيذ القرار. ولكن النيابة العامة الفرنسية تقدمت باستئناف ونجحت في تعطيل الافراج.

وتقدم عبدالله في كانون الثاني 2012 بطلب جديد للإفراج عنه. وبقي ستة أسابيع (بين نيسان- أيار 2012) قيد "الفحص" في "المركز الوطني للتقييم" في سجن فرين. وخرجت هذه اللجنة، في 30 تموز 2012، بتقرير سلبي يعارض الإفراج عن الأسير جورج عبدالله، لأنه ما يزال مريضاً بمواقفه التقدمية والوطنية.

وفي 21 تشرين الثاني 2012 وافقت محكمة تطبيق الاحكام في باريس على ثامن طلب للافراج عن عبد الله مع الطلب من وزارة الداخلية الفرنسية طرده من الاراضي الفرنسية في مهلة اقصاها 14 كانون الثاني 2013. وتم تعليق هذا الحكم بعد استئناف تقدمت به وزارة العدل الفرنسية.

وفي 10 كانون الثاني 2013 قررت المحكمة رفض طلب الاستئناف واصرت على قرارها بالافراج عن عبد الله شرط ترحيله من الاراضي الفرنسية وحددت 14 كانون الثاني موعدا نهائيا للترحيل، لكن وزير الداخلية رفض التوقيع على قرار الترحيل ما دفع النيابة العامة الفرنسية الى التقدم بطعن جديد في 17 كانون الثاني 2013، واجلت محكمة تنفيذ الاحكام النظر في هذه القضية في 28 كانون الثاني، وحددت 28 شباط 2013 موعداً جديداً للنظر في هذه القضية.

لولا تصريح رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أمس، بعد تسعة أيام على إضراب هيئة التنسيق النقابية، لظن اللبنانيون أن الحكومة فقدت النطق. غير أن التصريح كان أشد وطأة عندما وصف تحرّك الهيئة بالـ«مجاني». هكذا خاطب ميقاتي آلاف المعلمين والاساتذة وموظفي الإدارة العامة الذين هتفوا بوجهه أمس في ساحة رياض الصلح مطالبين بحقوقهم

محمد وهبة

… وفي اليوم التاسع زحفوا من البربير إلى السرايا الحكوميّة. آلاف المعلمين والموظّفين في القطاع العام تجمّعوا أمس في ساحة رياض الصلح للمطالبة بحقوقهم والدفاع عن مكاسبهم. هتفوا بصوت واحد وبحناجر تغصّ بلقمة العيش: «لا تقسيط ولا تأجيل». لم يجمعهم في هذه الساحة سوى حقوقهم التي «تعلكها» الحكومة منذ أكثر من 5 أشهر، حتى أطلق عليهم عريف التظاهرة: «أصحاب الجباه السمراء والمناضلون الذين أتوا من كل المناطق ...». هؤلاء أنفسهم يعدّون العدّة لتنفيذ إضراب عام يشلّ كل الحركة في لبنان... فلتسمع الحكومة!

إنها درب أصحاب الجباه السمراء إذاً. الأساتذة والمعلّمون وموظفو الإدارات العامة، وحتى الطلاب. للمرّة الأولى تجمعهم كلمة لا خلفية سياسية لها. تناثروا على مساحات الزفت بين البربير والبسطة لبدء رحلتهم نحو ساحة رياض الصلح حيث يستعدون لمواجهة زعماء السرايا الحكومية.

هذه الكتلة الضخمة التي تراوحت التقديرات بشأن عددها بين عشرين وثلاثين ألفاً، اندفعت تحت شمس شباط العارية، لا استناداً إلى خطاب زعيم ولا بإيعاز من حزب، للمطالبة بأمر واحد: إحالة مشروع قانون سلسلة الرتب والرواتب على مجلس النواب. طيلة أشهر لم يكلّوا عن ترداد مطلب واحد، ولم تضع بوصلتهم. أتوا من كل الجنوب وصولاً إلى شبعا وحاصبيا، ومن البقاع، ومن الشمال، ومن الجبل، وحتماً من بيروت. استمرّوا بالهتاف غير آبهين بأبواب السرايا ولا بشبابيكها المقفلة، لأنه مهما كانت درجة عزل جدران الحكومة فقد بلغت أصواتهم آذان الجميع. ورغم أن ساكن السرايا تعمّد خلال الأيام الماضية إظهار لامبالاة مبالغ فيها تجاه الإضراب ومفاعيله، اضطر إلى الخروج عن صمته مرّتين: في الأولى عندما التقى رئيس الهيئات الاقتصادية عدنان القصار، وفي الثانية عندما أطلق موقفاً واضحاً وصادماً من التظاهرة وإضراب هيئة التنسيق قبل انعقاد مجلس الوزراء.

وبحسب معلومات تداولها أعضاء هيئة التنسيق النقابية، فإن القصار نقل لميقاتي «شروط» الهيئات الاقتصادية في مقابل قبولها بـ«سلسلة الرتب والرواتب ». وقد اتفق الرجلان على أن «للمتظاهرين حقوقاً لا يمكن إنكارها، لكن واقع الحال أنه ليس لدى الدولة القدرة على سدادها». وهذا الموقف يتزامن مع ما خلصت إليه الهيئات الاقتصادية في اجتماعها أول من أمس، عندما حدّدت 3 شروط أساسية للموافقة على سلسلة الرتب والرواتب، وفق ما يؤكد نائب رئيس غرفة التجارة والصناعة في بيروت وجبل لبنان نبيل فهد:

ــ على الحكومة إجراء إصلاحات أساسية في القطاع العام، منها ربط الرواتب في القطاع العام بالإنتاجية والأداء، فضلاً عن ضرورة إعادة هيكلة نظام التقاعد (ويشير بعض رجال الأعمال إلى أن أبرز الشروط التي يدفع في اتجاهها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة هو إجراء إصلاح في قطاع الكهرباء الذي يرهق الخزينة بأكثر من 2.5 مليار دولار سنوياً تدفع بالعملات الأجنبية).

ــ على الحكومة أن تكشف عن رقم واحد بالنسبة إلى كلفة سلسلة الرتب والرواتب، وتقدير الكلفة على المدى المتوسط، أي خلال السنوات الأربع المقبلة، ربطاً بزيادة عدد الموظفين في القطاع العام وبزيادة عدد المتقاعدين.

ــ على الحكومة تحديد آليات التمويل الجديّة للسلسلة واستدامة هذا التمويل من مصادر غير ضريبية «لأن كل الزيادات الضريبية غير مقبولة لتمويل السلسلة، وبالتالي يجب أن نعرف إذا كانت الإيرادات ثابتة أو غير ثابتة».

إذاً، هل يذهب النقاش أو الحل المفترض أبعد من هذه البنود الثلاثة؟ لا توحي المؤشرات الأخيرة أن هذا الأمر متاح. فالموقف المتصلّب الذي كشف عنه ميقاتي أمس، قبل جلسة مجلس الوزراء، يؤكد أنه عازم على مزيد من المماطلة، إذ وصف تحرّك الأساتذة والمعلمين وموظفي الإدارة العامة بأنه «تحرك مجاني لا يوصل إلى أي نتيجة».

وما يعزّز وجود هذه البنود كشروط تضعها الحكومة، أو على الأقل رئيس الحكومة وفريقه، أنه سبق لوزير الاقتصاد والتجارة نقولا نحاس أن قال لـ«الأخبار» إن كلفة المتقاعدين ستتضاعف خلال 10 سنوات، وإن من الصحيح أن كلفة السلسلة وأرقامها ليست نهائية بعد.

في المقابل، لا يبدو كل هذا الكلام عن الإصلاحات أكثر من زوبعة في فنجان المماطلة التي يقودها ميقاتي، ربما كسباً للمزيد من الوقت. فبحسب مصادر مطلعة، إن إعادة هيكلة نظام التقاعد، بما فيها تقليص المستفيدين من المعاش التقاعدي وزيادة المحسومات التقاعدية، ستوفّر إيرادات للخزينة العامة بقيمة 200 مليار ليرة، أما زيادة عامل الاستثمار المعروف بـ«طابق الميقاتي » فإن حدّه الأقصى 900 مليار ليرة، وبالتالي فإن 1.1 مليار ليرة تأمّنت، «فلماذا لم يُحل ميقاتي المشروع على مجلس النواب؟».

في الواقع لا أحد لديه إجابة واضحة عن أسباب مماطلة ميقاتي في إحالة السلسلة على مجلس النواب، لكن الغريب أن وزير الأشغال العامة غازي العريضي لم يحل بعد مشروع «زيادة عامل الاستثمار» أو «مشروع قانون الأبنية الخضراء»، كما سمّاه المجلس الأعلى للتنظيم المدني، على الأمانة العامة لمجلس الوزراء. فقد مضى على إقرار المجلس الأعلى هذا المشروع نحو 10 أيام، ويمكن أن تجري دراسة أرقامه التقديرية خلال أيام معدودة، فلماذا لم يرسل العريضي هذا المشروع إلى الحكومة لإقراره؟ بعض الخبيثين يؤكدون أن الأخير يتقصّد الاستمهال في هذا المشروع لإبقاء الذريعة جاهزة بين يدي ميقاتي.

على الضفّة الموازية، تقول أوساط حكومية إن هناك هجوماً واسعاً على الحكومة يجعلها مربكة بصورة كبيرة! فالصناديق العربية والأجنبية أوقفت كل التمويل للدولة اللبنانية بالتزامن مع هجوم وكالات التصنيف الدولية على التنصيف السيادي للبناني ومع التحذيرات التي تطلقها المؤسسات الاقتصادية الكبرى في العالم وتخويفها من إقرار سلسلة الرتب والرواتب، فيما هناك ضغط سيولة هائل على الخزينة العامة... فكل هذه العوامل قد تجعل من استهداف حكومة ميقاتي أمراً ضرورياً لمنعها من تقديم أي مبادرات تجاه أي شريحة في فترة ما قبل الانتخابات.

وإذا كانت مجريات يوم أمس بين زحف المتظاهرين، والاتصالات الرسمية والخاصة بموضوع السلسلة، تتراوح بين الإضراب العام الشامل وإصرار ميقاتي على اللامبالاة، فهل يمكن التأسيس على مجريات أول من أمس؟ فحتى الآن لم يبرز أي موقف مبالٍ من الحكومة ووزرائها تجاه إضراب هيئة التنسيق، سوى لقاءين بين قيادة هيئة التنسيق مع وزيري الصحة العامة علي حسن خليل والطاقة جبران باسيل. وزير الطاقة قال كلاماً عاماً عن السلسلة وموقف تكتل التغيير والإصلاح منها وتأييدها... لكنه لم يقل إلى أي مدى سيذهب التكتل في هذا التأييد. أما وزير الصحة فقد تعهد للقياديين بأنه سيتحدث مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي من أجل عقد جلسة استثنائية لمجلس الوزراء، مشدداً على أنه سيعمل على متابعة هذا الموضوع، وصولاً إلى عقد جلسات متتالية حتى إحالة السلسلة على مجلس النواب.

في الواقع، إن هيئة التنسيق النقابية لا تزال تمسك بمفاتيح كثيرة تعوّل عليها بعيداً من المواقف السياسية. فهي عادت إلى فتح أبواب مبنى الـTVA حرصاً على إيرادات الخزينة وسيولتها لا على تهديدات أصحاب العمل في لبنان، لكنه يبقى أمراً مشروعاً في مثل هذه التحرّكات، وهو أمر تحتفظ هيئة التنسيق بحقها في تنفيذه ساعة الضرورة.

الخميس ٢٨ شباط ٢٠١٣

محمد زبيب

المشهد أمس لم يكن يسمح بتجاهله أبداً. لقد جاءت الحشود في تظاهرة «الزحف الى السرايا» فوق كل التوقّعات، وضمت فئات شعبية تشارك لأول مرّة من خارج قاعدة الموظّفين والمعلمين، وبذلك وجهت رسالة بليغة إلى جميع المشتغلين في الشأن العام، في الحكومة وخارجها: إنها كرة الثلج تكبر كل يوم وتجذب المزيد من المتضررين، وقد لا يعود ممكناً بعد حين السيطرة عليها... كثر تلقّفوا هذه الرسالة، وبدأوا في إعادة ترتيب مواقفهم مجدداً. صدرت مواقف من قوى أساسية: حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر... تدعو إلى إيجاد حلّ ما سريع قبل أن تضطر الى مواجهة جماهيرها. وسارع رئيس «هيئات أصحاب العمل» عدنان القصّار الى الإقرار بوجود «قوّة» يجب التعامل معها وعدم تجاهلها، وقال في اتصال مع «الأخبار» بعد اجتماعه مع الرئيس نجيب ميقاتي قبيل جلسة مجلس الوزراء: «علينا أن نرجع جميعاً الى الحوار، نحن لا نريد أن يستمر هذا الوضع السلبي». هل هذا يعني بداية تراجع عن الموقف الرافض لأي بحث بمبدأ إحالة مشروع السلسلة الى مجلس النواب وإنهاء مقاطعة «الحوار» مع الحكومة؟ أجاب القصّار: «لهم حق لم يأخذوه طيلة 12 سنة، طيب سنعطيهم من اللحم الحي، ولكن لغاية قدّيش، نحن متخوّفين من نتائج كارثية، لذلك علينا أن نجلس على الطاولة جميعنا، وقد اتفقت مع الرئيس ميقاتي على عقد اجتماع مع الهيئات مطلع الأسبوع المقبل، وبالتالي المقاطعة كانت مجرد موقف صدر في حينه وصار وراءنا».

كلام القصّار، مهما كانت تفسيراته أو أهدافه، شكّل تعديلاً، ولو شكلياً، للموقف المتعنّت الذي أبلغته الهيئات قبل يوم من التظاهرة الى وزير السياحة فادي عبّود، فهي حمّلته موقفاً حاسماً لإبلاغه الى مجلس الوزراء برفض مشروع السلسلة جملة وتفصيلاً، واستفاضت في محاولة الابتزاز للحصول على مكاسب إضافية بدلاً من القبول بالمساهمة في تمويل الكلفة عبر اشتراطها، للعودة الى «الحوار»، البدء من تعديل نظام التقاعد وإلغاء المنح التعليمية للمعلمين والاستيداع لجنود وضباط الجيش ودعم النمو واعتماد الخصخصة في تنفيذ مشاريع البنى التحتية... إلا أن القصار أعاد أمس صياغة هذه الشروط بلغة مختلفة، قال «إن الهيئات على استعداد للبحث في ضريبة الربح العقاري إذا جاءت من ضمن إصلاحات مطلوبة لتخفيف الضغوط على الخزينة العامّة».

مجلس الوزراء لم يكن أقل قلقاً من اتساع حجم المشاركة في التظاهرة، لكنه كالعادة لم يفعل شيئاً سوى الإقرار بأن الوقت قد حان لفعل شيء ما. تمت دعوة اللجنة الوزارية المختصة إلى الاجتماع اليوم واستكمال البحث عن مصادر التمويل من أجل استهلاك المزيد من الوقت، بانتظار إيجاد صيغة حل توافق عليها هيئات أصحاب العمل. إلا أن مصدراً وزارياً قال بعد جلسة أمس: «ليس هناك أي مؤشّر على أن الحل سيأتي سريعاً، على الرغم من أن الجميع يقولون إنهم يريدونه، لكنهم ما زالوا رهينة استخفافهم بما قد يحصل في الشارع لاحقاً».

هل يكفي ما سبق لوقف المسار التصعيدي وانتظار ما قد يحمله مطلع الأسبوع المقبل؟

يدرك حنّا غريب ورفاقه في هيئة التنسيق النقابية أن هذا النوع من ردود الفعل في مجلس الوزراء أو في هيئات أصحاب العمل أصبح خلف التظاهرة وليس أمامها، وبالتالي يدركون تماماً أنهم يملأون اليوم فراغاً كبيراً في السياسة، ولو من زاوية العمل النقابي. فراغ ثقيل تراكم على مدى عقود جرى فيها «تدجين» الناس وأحزابهم ونقاباتهم وأحلامهم عبر منظومة معقّدة من آليات الضبط والاستبداد والعلاقات الزبائنية والفساد البنيوي والتشجيع على الريع والتدمير المنهجي لفكرة الدولة، وطابعها المدني تحديداً... يدركون أيضاً أن ما يقومون به بات يرتّب عليهم مسؤوليات جمّة تتجاوز كثيراً ما يفرضه موقعهم التمثيلي لقاعدة عريضة من المعلّمين والموظفين في الإدارة العامّة. فما حدث أمس في التظاهرة، وما يجري التحضير له في تظاهرة الأسبوع المقبل، لم يعد يمت بصلة الى مطلب إحالة سلسلة الرواتب الى مجلس النواب إلا بوصفه «الشرارة»... لقد رأى الكثيرون في هذا الحراك مساحة جدّية وموثوقة لخوض مواجهة مختلفة عمّا اعتادوه، شعروا بأن هناك أملاً لا يزال يلوح في الأفق، على الرغم من كل ما يحصل الآن. كانت حناجرهم تصدح: توت توت ع بيروت عنّا حقوق ما بتموت... كانت نبرتهم تحمل تهديداً جدّياً، فلينتبهوا!

الخميس ٢٨ شباط ٢٠١٣

الأخبار: صدرت العقوبات الاتحادية بحق المتلاعبين في مباريات منتخبات لبنان والأندية المحلية في البطولات الآسيوية، وكشفت لجنة التحقيق المحايدة عن معطياتها وتوصياتها ليتم توقيف 24 لاعباً وإداري، في عقوبات شكلت صدمة للجمهور اللبناني وخيبة أمل كبيرة، نظراً إلى عدم تلاؤمها مع حجم الخطأ

عبد القادر سعد

طال انتظار الجمهور والمتابعين لكرة القدم اللبنانية قبل صدور العقوبات بحق اللاعبين المتورطين في فضيحة التلاعب في نتائج مباريات المنتخبات اللبنانية الخارجية والأندية المحلية المشاركة في كأس الاتحاد الآسيوي. عقوبات جاءت مخيّبة للآمال وأقرب الى الإحباط، حيث كان يُتوقّع أن تكون بحجم الضرر الذي ألحقه عدد كبير من اللاعبين بحق الكرة اللبنانية. لكنها سقطت ضحية الحسابات والتسويات، فكانت نتيجة الانتظار توقيف لاعبين اثنين وإداري مدى الحياة مع عقوبات مالية، وإيقاف لاعبين اثنين أيضاً لثلاثة مواسم وعدم استدعائهم الى المنتخبات الوطنية مدى الحياة، وتوقيف 20 لاعباً للموسم الحالي، أي 8 مباريات فقط، وكذلك عدم استدعائهم الى المنتخبات الوطنية مدى الحياة. كذلك تم رفع توصية بإيقاف مدير نادي العهد علي زنيط موسمين كإداري، ومنعه من العمل كوكيل للاعبين. واللافت أن رئيس لجنة التحقيق فادي زريقات أشار الى أن توصية إيقاف زنيط لا تتعلّق بموضوع التلاعب بل لمخالفته لقوانين الجمع بين صفة إداري والعمل كوكيل للاعبين، إضافة الى الطلب من لاعبيه الخسارة لصالح فريق الجيش السوري ضمن مسابقة كأس الاتحاد الآسيوي، وهو ما أنكره زنيط. لكن هذه التوصية لم ترد في تعميم الاتحاد مع كلام عن رفضها من قبل أعضاء الاتحاد الذين هم غير معنيين به، كما قال عضو اللجنة العليا موسى مكي لقناة المنار.العقوبات توزعت على عدد من الأندية اللبنانية، حيث كانت «حصة الأسد» لنادي العهد مع توقيف 13 لاعباً في صفوفه، وثلاثة لاعبين من النجمة، ولاعبين اثنين من الصفاء، إضافة الى لاعبين توزعوا على أندية من الدرجة الثانية.في 26 كانون الأول، قررت اللجنة العليا للاتحاد اللبناني تشكيل لجنة محايدة برئاسة الأردني فادي زريقات للتحقيق في موضوع التلاعب الذي يتضمن مباريات منتخب لبنان في تصفيات كأس العالم وتصفيات كأس آسيا سابقاً ومباريات الأندية اللبنانية التي شاركت في كأس الاتحاد الآسيوي وهي الصفاء، النجمة، العهد، الأنصار والمبرة. فالكلام عن تورط لاعبين في تركيب نتائج مباريات لصالح مكاتب مراهنات خارجية تحوّل الى حقيقة عن وصول هذه الآفة التي تضرب كرة القدم حول العالم والتي أعلن الفيفا إزاءها ما يشبه حالة الطوارئ لمكافحتها.لجنة التحقيق بدأت عملها في 6 كانون الثاني على مدى 174 ساعة عمل واستمعت الى 65 شخصاً بين شاهد ومتهم يتوزعون على 44 لاعباً و18 إدارياً و3 حكام، وانتهى عملها في 25 شباط الجاري مع تسليم النتائج الى اللجنة العليا للاتحاد التي اتخذت عقوباتها بحق اللاعبين.الجميع كانوا في انتظار المؤتمر الصحافي الذي عقده زريقات أمس في مقر الاتحاد، حيث سيتم الكشف عن المعلومات وإعلان العقوبات وفقاً لتوصيات لجنة التحقيق. هذه العقوبات جرى تقسيمها على أربع فئات؛ «أ» وهي إيقاف مدى الحياة وغرامة مالية بقيمة 15 ألف دولار، «ب» ثلاثة مواسم و7 آلاف دولار، «ج» موسمين و5 آلاف دولار و«د» الموسم الحالي وألف دولار، لكن اتحاد الكرة كان له رأي آخر، فدمج الفئتين «د» و«ج» لتصبح العقوبات الموسم الحالي وألفي دولار.ما أن أعلنت العقوبات ونتائج التحقيق حتى ساد نوع من الصدمة أوساط الإعلاميين الذين احتشدوا في مقر الاتحاد اللبناني. خيبة أمل تجلّت في أسئلتهم ومداخلاتهم الحادة حول العقوبات التي جاءت أقل بكثير من حجم الجرم الذي قام به اللاعبون. لم تنفع تبريرات زريقات حول إغواء هؤلاء اللاعبين والتغرير بهم لتعليل تقاضيهم للرشى نتيجة قلة ثقافتهم ومستواهم التعليمي المتواضع وجهل بعضهم كما قال زريقات. فما قام به اللاعبون أصاب لبنان في الصميم على صعيد كرة القدم، و«خيانتهم» ضيّعت أحلام الجمهور اللبناني الذي آزرهم ودعمهم في مشوار التصفيات. فبعض اللاعبين تلاعبوا وباعوا لبنان ومنتخبه، ولولا تواطؤهم لكان حلم وصول لبنان الى المونديال قد تحقق.اتحاد كرة القدم لجأ الى التسويات ومراعاة الخواطر وحسابات الأندية الضيقة، تحت حجة حماية كرة القدم، وأن موضوع التلاعب جديد على الكرة اللبنانية، إضافة الى التغرير ببعض اللاعبين، وهو ما كرره زريقات في مؤتمره الصحافي. هذا التغرير قد ينطبق على لاعبين صغار، لكن لا يمكن أن ينطبق على لاعبي المنتخب الأول الذي باعوا لبنان في مباراتي كوريا، وخصوصاً التي خسر فيها لبنان 0 - 3، والتي تلت مجموعة من المكافآت المالية التي انهالت على اللاعبين بعد التأهل الى الدور النهائي. قد يكون تخاذلهم في السابق نابعاً من إهمال للمنتخبات الوطنية واللاعبين، لكن بعد الوصول الى الدور الحاسم حيث أصبح لبنان من ضمن أفضل عشر منتخبات آسيوية مع دعم جماهيري واتحادي وإعلامي كبير، من الصعب أن تنحصر عقوبة التواطؤ بثماني مباريات من الدوري المحلي. فأي لاعب يركل خصماً له في المباريات من دون كرة يتعرّض لعقوبة الإيقاف ثلاث مباريات. فهل من المعقول أن يتم إيقاف لاعبين تلاعبوا بنتائج مباريات منتخبهم لثماني مباريات فقط؟تبرير اتحادي يبرز بقوة دفاعاً عن العقوبات ويرتكز بشكل أساسي الى أن الهدف الأساس كان حماية الكرة اللبنانية عبر الاقتصاص من الرؤوس المدبرة، وإعلان أن موضوع التلاعب هذا أصبح تحت الضوء، وأن أي تكرار سيعرض المتلاعبين لعقوبات قاسية. كذلك فإن النظرة الاتحادية تراعي مصلحة الكرة اللبنانية عبر المحافظة على لاعبين يعتبرهم الاتحاد أخطأوا عن جهل أو عدم إدراك. أما النقطة الأبرز التي يصرّ عليها معظم أعضاء الاتحاد فهي أنهم لم يتدخلوا في العقوبات، لا من قريب أو من بعيد، والتزموا بتوصيات لجنة التحقيق.لكن اللافت في عقوبات الاتحاد أنها جاءت في مصلحة الأندية أكثر مما جاءت في مصلحة المنتخب، إذ إن جميع اللاعبين لن ينضموا الى المنتخب ثانية، لكنهم سيعودون الى أنديتهم، ما يعني أن منتخب لبنان هو الخاسر الأكبر مما جرى، ورغم ذلك جاءت العقوبات مخففة بحق من تلاعب بنتائجه.الأمر الإيجابي في ما نتج من عمل لجنة التحقيق هو التوصيات المتعلقة بمستقبل كرة القدم، ومنها تطبيق منظومة الاحتراف الذي يحمي اللعبة، وتشكيل لجنة قضائية تختص بشؤون اللاعبين. ومن التوصيات أيضاً استحداث دائرة تعنى بأمور المراهنات والتلاعب والتحري عن مكاتب المراهنات التي تعمل في لبنان.لكن هذه التوقيفات لن تكون ختاماً للملف، إذ إن بعض اللاعبين الموقوفين قد يتخلون عن صمتهم ويكشفون أسراراً قد تكون تداعياتها أكبر بكثير ممّا جرى كشفه، خصوصاً إذا ما راجع بعضهم حساباته. فأحد اللاعبين الموقوفين حتى نهاية الموسم الحالي لديه معلومات تطال لاعبين كباراً من أندية مختلفة، وهو شاهد بعينيه زملاء له يتقاضون مبالغ مقابل التلاعب. فالاجتماعات كانت تحصل في موقف سيارات «السبينس» على الجناح، حيث كان لاعبو فرق شاركت في كأس الاتحاد الآسيوي يلتقون بممثل مكتب المراهنات ويقومون بتركيب النتائج وقبض الأموال. أضف الى ذلك ما كان يجري من أحاديث حول الأموال المدفوعة. فلو كشف هذا اللاعب ما قاله لـ«الأخبار»، لكان هناك توقيفات بحق لاعبين أكثر مما صدرت عقوبات بحقهم. وهذا يتوقف على مدى رغبة الأندية في معرفة الحقيقة، علماً بأن نادي الأنصار هو الوحيد الذي لم يتم توقيف لاعبين فيه. إلا أن المعلومات تفيد بأن اللاعب محمد باقر يونس الذي انتقل من الأنصار الى العهد كان على خلاف مع عدد من زملائه السابقين في الأنصار نتيجة عدم التزامه بما تم الاتفاق عليه في مباريات ضمن كأس الاتحاد الآسيوي.عقوبات أمس لم ترقَ الى حجم الخطأ، لكنها قد تمثّل حافزاً لكشف ما هو أخطر وأكبر، وحينها يمكن اعتبار أن كرة القدم اللبنانية في طريقها نحو تنظيف نفسها.

بداية التطهير: وقف 24 لاعباً وإدارياً واحداً

اتخذ الاتحاد اللبناني لكرة القدم العقوبات التالية حول موضوع التلاعب:1 - شطب الإداري في نادي العهد والمترجم في عداد الجهاز الإداري لمنتخب لبنان الوطني فادي فنيش من سجلات الاتحاد وأندية كرة القدم مدى الحياة، ومنعه من مزاولة أي عمل رياضي مدى الحياة، ومنعه من دخول الملاعب وتغريمه مبلغ 15000 دولار.2 - إيقاف كل من اللاعبين: محمود العلي ورامز ديوب عن ممارسة أي نشاط يتعلق بكرة القدم مدى الحياة، وتغريم كل منهما مبلغ 15000 دولار.3 - إيقاف كل من اللاعبين: محمد جعفر (الصورة) وهادي سحمراني عن ممارسة لعبة كرة القدم لثلاثة مواسم رياضية متتالية اعتباراً من الموسم الرياضي الحالي 2012 ـــ 2013 وتغريم كل منهما مبلغ 7000 دولار وعدم استدعائهما إلى المنتخبات الوطنية مدى الحياة.4 - إيقاف كل من اللاعبين الآتية أسماؤهم عن ممارسة لعبة كرة القدم لموسم رياضي واحد اعتباراً من الموسم الرياضي الحالي 2012 ـــ 2013 وتغريم كل منهم مبلغ 2000 دولار وعدم استدعائهم إلى المنتخبات الوطنية مدى الحياة، وذلك على النحو الآتي:علي بزي، علي فاعور، أحمد زريق، حسن مزهر، عباس كنعان، محمد حمود، محمد أبو عتيق، حسين دقيق، سامر زين الدين، حسن علوية، محمد باقر يونس، علي السعدي، عمر عويضة، عيسى رمضان، طارق العلي، أكرم مغربي، نزيه أسعد، بشار المقداد، حسين شريفة، أحمد يونس.وسوف يرفع الاتحاد اللبناني لكرة القدم خلاصة التقرير وأسماء المتورطين إلى الاتحادين الدولي والآسيوي لكرة القدم لكي يقوم كل منهما بدوره في اتخاذ الإجراءات والعقوبات اللازمة في هذا الشأن.كما سيرفع الاتحاد خلاصة التقرير وأسماء المتورطين إلى وزارة الشباب والرياضة لكي تقوم بدورها باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.وأكد الاتحاد اللبناني جازماً أن هذه الخطوات ما هي إلا بداية لخطة التطهير التي سيواكبها الاتحاد من الآن فصاعداً، وأنه سوف يضرب بيد من حديد أية محاولة احتمالية مقبلة لمثل هذه الأعمال التي من شأنها أن تسيء إلى لعبة كرة القدم بشكل عام وإلى الكرة اللبنانية بشكل خاص. كما شدد على أن كل مَن يخطئ بحق الكرة اللبنانية سوف يحاسب ويُدان.وتمنى الاتحاد من جميع الأندية والإداريين واللاعبين وغيرهم أن يأخذوا العبر وأن يتحلوا بأعلى درجات المسؤولية والوعي وأن يقفوا يداً بيد وبكل وطنية مع الاتحاد من أجل مكافحة أي نوع من أنواع المراهنات ودرء أخطارها، وذلك بهدف حماية اللعبة واستمراريتها.

الاربعاء ٢٧ شباط ٢٠١٣

وفاءً لصفحة ظلّت منسية أو حبيسة الذاكرة، يقدّم المخرج العراقي توثيقاً سينمائياً لحركة مسلحة ضدّ «البعث» كانت الأكبر في التاريخ القريب لبلاد الرافدين. «سنوات الجمر والرماد» كناية عن شهادات يستذكرها الناجون من تلك التجربة القاسية والمُرة

فيصل عبد الله

لندن | لم يخف السينمائي علي رفيق قلقه أثناء عرض شريطه الوثائقي «سنوات الجمر والرماد» في لندن قبل أيام. ظلّ يرصد ردود الفعل، ويستمع الى انطباعات الحضور كأنّ لسان حاله يقول: «هذا ما تمكّنت من إنجازه وفاءً لتجربة لم يكتب لها أن تدرَّس بما فيه الكفاية. لم أنكب على مشروع سينمائي جاد منذ فترة طويلة. وقاربت موضوعاً إشكالياً يطال تاريخ الحزب الشيوعي العراقي في اختيار العمل المسلح، وبضغط من قواعده، أو ما عرف بـ«حركة الأنصار الشيوعيين» إبان ثمانينيات القرن الماضي. وكان عليّ الاعتماد في إنجاز مشروعي السينمائي على ميزانية شحيحة ومتطوعين، أغلبهم عُرف بكنيته الحزبية، ومن لون سياسي معين».

مع ذلك، فإن ما يقترحه الشريط يتجاوز رغبة البعض في تصحيح مسارات التاريخ القريب وفق نظرة متبطرة ترى أنّ حساب البيدر يجب أن يتساوى مع غلة الحقل. ما يقترحه الشريط هو تجربة سياسية ومسلّحة تستحق التوقف عند نتائجها وما أفضت إليه. صحيح أنّ الكثير من قصص العراقيين، ونضالاتهم السلمية والمسلحة ضد ديكتاتورية «البعث» ظلّت منسية أو حبيسة الذاكرة. وما تسلل الى الأدب من تلك التجارب الواقعية ظل شحيحاً، ودار جلّه حول المصير الفردي لبطله أو أبطاله. ما يتبادر الى الذهن في هذا السياق، مثالاً وليس حصراً، رواية «شرق المتوسط» للكاتب عبد الرحمن منيف، و«وليمة لأعشاب البحر» للسوري حيدر حيدر.

يستعرض «سنوات الجمر والرماد» المراحل التي مرت بها تجربة «الأنصار»؛ وقرار الالتحاق بجبال كردستان عبر المنافذ الحدودية مع سوريا وتركيا. فوجئت قيادة الحزب الشيوعي العراقي بهذا القرار كما يسرد الفيلم الذي يرصد بناء المقر الأول، وتأمين السكن والمؤونة، والتعامل مع بيئة ــ طبيعة وبشر ولغة ــ غريبة بالنسبة إلى أغلب «الأنصار»، والتعامل مع مفرداتها لا على أساس الفرجة السياحية بل كجزء منها. للحصول على السلاح واستعماله، كان عليهم صناعة رشاشات خشبية للتدريب. حملة الأنفال وجريمة حلبجة، الزواج وتأسيس عائلة في ظرف استثنائي، وإطلاق إذاعة «صوت الشعب العراقي» موجهة الى بغداد كجزء من الإعلام الحزبي، والنشاطات الثقافية والحفلات الاجتماعية... كل هذه المراحل يتابعها الشريط عبر شهادات يستذكرها الناجون من تلك التجربة القاسية والمُرة. يبدأ الشريط بواحدة من حفلات التعذيب الوحشية لنظام بهيمي، عبر مادة أرشيفية مصوّرة، ثم يفتح على ما نتابعه على مدى الدقائق الـ 68 اللاحقة. وكما يسرد الشريط، فإنّ أغلب هؤلاء «الأنصار» انتهوا لاجئين في بلدان أوروبية. ونتعرف الى أنّ قرار العمل المسلح لم يكن قراراً مركزياً في حين كانت المطالبة بزيادة حصة الشاي تحتاج الى موافقة المسؤول الحزبي.

يتوقف الشريط عند الهجوم الغادر في بشت ئاشان في الأول من أيار (مايو) 1983 من قبل قوات حزب «الاتحاد الوطني الكردستاني» وراح ضحيته حوالي 80 شهيداً من الأنصار الشيوعيين العرب. كريم أحمد، أحد قادة الحزب الشيوعي وصفه بالـ«حقد الشوفيني الضيق والعمل المخابراتي»، وآخر سماه «رصاص الغدر والخيانة». ورغم نزول قوات الأنصار الشيوعيين الى شوارع أربيل ابان انتفاضة عام 1991، وسيطرتها على المدينة، كما تقترحه الأعلام الحمراء المرفوعة، إلا أنّ تجيير الانتصار جرت لفلفته من قبل حزب آخر. يعترف عزيز محمد، السكرتير الأول السابق للحزب الشيوعي العراقي «لم يكن هناك وهم بأنّ العمل المسلح سيسقط النظام» ويقول نصير شيوعي بأنّ «هذه التجربة لن تأتي بثمار أو نتائج طيبة. ولم يتوقف عندها دارس تاريخ العراق السياسي».

لوعة اجتهد علي رفيق في الإضاءة على بعض تفاصيلها ودروسها كخطوة أولى لكتابة تجربة ظلمت، ولتاريخ مُرّ. في حين جاءت الموسيقى التصويرية لتعبّر عن شجى مكين. شريط «سنوات الجمر والرماد» توثيق سينمائي لحركة مسلحة عربية ضد النظام الديكتاتوري، كانت الأكبر بين قريناتها التي شهدها تاريخ العراق السياسي القريب. إنّه إعادة اعتبار إلى قيمة الوثيقة التاريخية ولنضال لم يكتب له النجاح في بلد اللامعنى. ورغم تعثر الشريط في بعض روابط مقاطعه، حيث لا تفضي اللقطة الى شيء، فإنّ من يبحث عن الصياغات الفنية العالية الجودة، وصرامة الحبكة الدرامية، وكتابة تاريخ جامع مانع، عليه أن يتبسط قليلاً ولو لحين.

في الأدب

لئن عُدت «شرق المتوسط» لعبد الرحمن منيف الأكثر جراءة في مقاربة المحظور السياسي عبر استلهام سيرة سجين سياسي في بلد شرق أوسطي ومحنته الأخلاقية في ترك بلده وعذابات نضاله، فإنّ حيدر حيدر استعار في «وليمة لأعشاب البحر» تجربة حقيقية خاضها شباب قرّروا في منعطف تاريخي وسياسي مهم اللجوء الى العمل المسلح، تحت تأثيرات الأفكار الماوية والغيفارية، يتقدمهم الناشط السياسي خالد أحمد زكي. فعل ذلك عبر جمع قصصهم الملحمية على لسان بعض الناجين من أتون معركة غير متكافئة كانت الأهوار مسرحها، حين التقاهم في مدينة عنابة الجزائرية.

الاثنين ٢٥ شباط ٢٠١٣

نشرت بعض وسائل الاعلام الفلسطينية واللبنانية تصريحات صحافية للفلسطينية كفاح كيال حول سمير القنطار تخللها مجموعة من الاساءات والاكاذيب. ورغم حرصنا على الابتعاد عن تناول القضايا العائلية في الاعلام، إلا انه وجب ان نوضح لمرة واحدة وأخيرة هذه القضية، نظراً للاساءة غير المسبوقة وللتشهير الذي تقوم بها كيال ظناً منها انها تستطيع ان تنال من قامة المناضلين وهامتهم، وتشويه صورة المقاومين.

وبناءً عليه يهم عائلة الاسير المحرر سمير القنطار ان توضح ما يلي:

في العام 1991 زارت كفاح كيال الاسير سمير القنطار وذلك بعدما حضرت الى المحكمة التي كانت تنظر في قضية العزل التي رفعها عدد من الاسرى بوجه ادارة السجون الاسرائيلية، وكانت هذه الزيارات تتكرر برفقة والدة سمير القنطار بالتبني المناضلة الفلسطينية ام جبر وشاح، ولقد نشأت علاقة عاطفية بين القنطار وكيال، توجت بتوقيع عقد زواج دوّن بالوكالة عن طريق ابو جبر وشاح في المحكمة الاردنية الشرعية في القدس. ولقد كان الدافع الاساسي لعقد الزواج، ضمان ان تكمل كيال برنامج الزيارات الذي تقوم به للاسرى والمعتقلين في السجون الاسرائيلية مع عدد من العائلات الفلسطينية التي بادرت مشكورة الى تبني الاسرى العرب، الذين تمنع عنهم سلطات الاحتلال ان يتلقوا زيارات من عائلاتهم.

وفي فترة لاحقة تلقى سمير القنطار رسائل من عدد من الاسرى بينهم قويقس قويقس ومنير منصور يحذرونه من خطوة ارتباطه بكيال، وافادوا بانها متورطة بقضايا امنية، ولكن سمير لم ياخذ بهذا التحذير، لا بل منحها ثقته الكاملة وكلفها ان تشكل لجنة للدفاع عن الاسرى مع عدد من عائلات اسرى القدس. وخلال عمل هذه اللجنة وصلت رسالة من الفعاليات السياسية في القدس الى اللجنة النضالية في سجن نفحة الصحراوي وتسلمها موجه حركة فتح في السجن الاسير خليل الراعي، وطالبت الرسالة بابعاد كيال عن نشاطات الاسرى لقيامها بالعديد من التحركات المشبوهة، ولقد سلمت الرسالة الى القنطار بحضور الاسير خالد محيسن، لكن سمير تعاطى مع هذا الموضوع بطريقة لا تمس بكرامة كيال، حتى وصل الامر الى ان ارسل له الاسير عامر بكر من الناصرة رساله ابلغه فيها شكوكه الامنية تجاه كيال كونها اسيرة سابقة ولا تزال تحظى بموافقة مديرية السجون على زيارة الاسرى وهو امر مثير للريبة، لان الاسيرة السابقة لا يمكنها زيارة السجون إلا باذن من المخابرات الاسرائيلية. لكن سمير تعاطى مع هذه التحذيرات بالكثير من الحذر وكان همه الاساسي حفظ كرامة كيال وعدم التعرض لها بسوء، الى ان جاء تبادل الاسرى عام 1998 مع المقاومة في لبنان، والذي رفض خلاله العدو اطلاق سراحه فقرر ان يفسخ عقد الزواج مع كيال، لان الافق مسدود ولم يعد هناك من فرصة او امل لاطلاق سراحه، فأبلغها بذلك ورغم رفضها اصر سمير على الانفصال وكان شاهداً على ذلك الاسير جبر وشاح. وبعدها طلب القنطار من رئيس جمعية اصدقاء السجين في الناصرة قدري ابو واصل ان يقوم باجراءات فسخ عقد الزواج في المحكمة، ولقد تمكن ابو واصل من اتمام هذا الامر رغم رفض كيال المثول امام القاضي الشرعي. وفي فترة لاحقة تفاجأ القنطار ان كيال تقوم بجمع التبرعات على اسمه في الضفة الغربية، فارسل بياناً الى وسائل الاعلام عبر المحامية بثينة دقماق من مؤسسة منديلا لحقوق الانسان ولقد اصر على عدم ذكر اسم كفاح كيال في البيان حفظاً لكرامتها، واكتفى بالتحذير ممن يقومون باستغلال اسمه لجمع التبرعات والمساعدات للاسرى.

في العام 2008 وبعد تحرر سمير القنطار من الاسر تفاجأ بعملية ابتزاز غير مسبوقة تقوم بها كفاح كيال من خلال مطالبتها مجدداً بفسخ عقد الزواج المفسوخ اصلاً، وبرغم المحاولات المتكررة لانهاء هذا الملف حبياً ودون اثارته في الاعلام، صدم القنطار بمحاولة كيال المتكررة اثارة هذه المسألة عبر الاعلام وعبر وسطاء تقدموا بعروض لحل هذا الموضوع.

ان سمير القنطار تجنب الحديث عن زواجه السابق والانفصال في المقابلات الاعلامية المكثفة التي اجراها بعد اطلاق سراح، من منطلق حرصه على كفاح كيال وعدم زج الامور العائلية والشخصية في النقاش العام. ورغم ذلك ومن اجل انصاف هذه المرحلة من حياته تحدث القنطار في شرح وقائع زواجه السابق من كفاح كيال في مذكراته التي صدرت في كتاب الصحافي حسان الزين بعنوان «هذه قصتي» الصادر عن دار الساقي. وقد حرص القنطار اثناء رواية مذكراته على حفظ كرامة كفاح كيال وتجاوز الكثير من الوقائع وقفز فوق العديد من محاولات كيال لاعادة اثارة هذا الملف لا شيء الا بغرض المزايدة الاعلامية وحب البروز والابتزاز المعنوي والمادي، علماً انها تقاضت على امتداد ثماني سنوات مخصصات القنطار من الشؤون الاجتماعية لمنظمة التحرير الفلسطينية. وعندما كان رفيق سمير القنطار الاسير المحرر عدنان يوسف المقيم في غزة يتصل بها للسؤال حول هذه المخصصات كانت تتهرب من الموضوع.

وحول ما تدعيه كيال اليوم من رفعها دعوى جديدة بعنوان «طلب خلع» لا اساس قانوياً له، علماً ان مقتضيات هذا الزواج مشكوك بصحتها من الناحية الشرعية والقاضي المعني يعرف ذلك جيداً، مع الاشارة الى ان رقم ملف قضية الطلاق موجود لدى الاخ قدري ابو واصل ويمكن للمعنيين الاتصال به للتقصي حول هذا الموضوع وحسم الجدل حول هذه المسالة.

اما بخصوص ما تدعيه كفاح كيال بانها انفصلت عن سمير القنطار على خلفية ارساله برقية تعزية بالمقبور اسحاق رابين، فان القاصي والداني يعرف ان هذه الاكذوبة لم تنطل على الاسرائيليين انفسهم فكيف بالاحرى على شرفاء فلسطين ولبنان والعالم. ولقد اوضح سمير هذه الأكذوبة والخديعة التي لفقها صحافي اسرائيلي لا تزال هناك دعوى مرفوعة ضده في المحاكم الاسرائيلية، علماً ان جريدة يديعوت احرنوت التي نشرت الخبر رفضت نشر تكذيب في حينه.

ويهمنا ان نوضح لمرة واحدة واخيرة أن وسائل الاعلام الاسرائيلية لا تكف عن المطالبة العلنية باغتيال سمير القنطار، ولم تطلق اسرائيل سراحه الا مرغمة بعد تبادل الاسرى عام 2008، ونحيلكم الى تصريحات وزير الدفاع شاؤول موفاز عام 2004 الذي قال «على جثتي يتحرر سمير القنطار» ورئيس وزراء العدو ارييل شارون الذي قال «ان سمير القنطار لن يتحرر ابداً»، والى الصحافي الاسرائيلي عامير راببورت مراسل معاريف العسكري الذي كرر طلبه بان يكتب سمير القنطار رسالة اعتذار الى قتلى عملية نهاريا وكان رفض القنطار المتكرر والقاطع الاعتذار او الندم الذي امتد لثلاث عقود.

وكان الاجدر بكفاح كيال ان تستعين باسير محرر غير علي مسلماني لكيل الاساءات والاتهامات الى سمير القنطار، وليسأل احرار فلسطين عن هذا المشبوه الذي كان يفصح عن الهواتف المهربة للاسرى الى داخل السجن ويسلمها الى ادارة السجون.

اما حول ادعاء كفاح كيال ان سمير طلب ان يختلي بها في السجن، فان هذا الادعاء غير صحيح رغم ان مطلب اختلاء الاسرى بزوجاتهم كان أساسياً للاسرى وما يزال. ونحيل الاعلام الى ارشيف القناة الثانية الاسرائيلية عبر برنامج الصحافي رازي بركائي الذي ناقش هذه القضية مع شمعون بيريس وكان جواب بيريس «بان القنطار لن يحظى بفرصة أن يرى ذريته».

اما ادعاء كيال انها انفصلت عن سمير القنطار على خلفية رواية التعزية برابين عام 1996 فاننا نحيل الاعلام الى ارشيف الصحف الفلسطينية في تموز 1998 عندما عقدت كيال مؤتمراً صحفياً في القدس وعرفت عن نفسها بانها زوجة القنطار فكيف يصح هذا التضارب في الأعوام، واي تلفيق وكذب ودرك اسفل وصلت اليه كيال.

ان دور القنطار القيادي في الحركة الاسيرة داخل السجون الاسرائيلية على مدى 30 عاماً يشهد عليه جبر وشاح وتوفيق ابو نعيم وعبد الرحيم الملوح وروحي مشتهى وجهاد ابو غبن ومراون الرغوثي واحمد سعدات وغيرهم العشرات من قادة الحركة الاسيرة، ونحن نسأل الاعلام الفلسطيني الذي روج لاكاذيب كفاح كيال، وتحديداً تلفزيون الوطن الذي يملكه مصطفى البرغوثي، كيف يسمح لنفسه بان ينشر هذه الاكاذيب دون العودة الى مصادر موثوقة؟ وتحديداً عائلة جبر وشاح المطالبة اليوم بفضح هذه المسألة التي تجاوزت كل الخطوط الحمراء. ونحن على يقين ان هناك من يقف وراء كيال ويحركها، وإلا ما سر ان تتعاطى السلطة الفلسطينية مع المناضل الذي افنى اجمل سنوات عمره من اجل فلسطين، بطريقة لا تليق بالمناضلين، بدءا من انكار الرئيس الفلسطيني محمود عباس امام ايهود اولمرت واقعة لقائه بالقنطار في بيروت بناء على طلب ابو مازن وبعد الحاحه، مروراً بحجب مخصصات سمير القنطار من منظمة التحرير الفلسطينية منذ ما يزيد عن عام، وصولاً الى التنسيق الامني مع سلطات الاحتلال والتقارير التي وردت في صحيفة معاريف حول ابلاغ مصادر فلسطينية بأنشطة سمير القنطار العسكرية في الضفة وغزة بعد تحرره عام 2008.

ان كل هذه الجوقة الفلسطينية التي تطعن في نضالات سمير القنطار والمعطوفة على ابواق لبنانية ممولة من السفارة الامريكية في بيروت لن تنال من سمير القنطار، وستبقى فلسطين وشرفاؤها في حدقة عينيه، وتذكروا كلماته الاولى في رحاب الحرية «انا عدت اليوم من فلسطين ولكن صدقوني لم اعد من فلسطين إلا لكي أعود الى فلسطين»

حسمت «هيئة التنسيق النقابية» أمرها أمس وقرّرت اللجوء إلى الشارع، في إضراب مفتوح، بعدما أرضت الحكومة ما يسمّى «الهيئات الاقتصادية» عبر إعلانها تأجيل جلستها الاستثنائية

لا تقيم الحكومة وزناً للقمة عيش المواطن، وهي تقدم الدليل تلو الدليل على ذلك بممارساتها غير المعهودة في تاريخ الحكومات. هكذا، علقت هيئة التنسيق النقابية على قرار تأجيل جلسة مجلس الوزراء التي كانت مقررة أمس لبحث تمويل سلسلة الرتب والرواتب وإحالتها إلى المجلس النيابي. تأجيل الجلسة، الذي لم يكن متوقعاً على الأقل في أوساط مكونات الهيئة، عزته الأخيرة إلى ضغط الهيئات الاقتصادية، محمّلة الحكومة كامل النتائج التي ستترتب على الإضراب المفتوح الذي يبدأ اليوم، الثلاثاء، في الإدارات العامّة والمدارس الرسمية والخاصة والمترافق مع اعتصام مركزي، عند الحادية عشرة من قبل الظهر أمام السرايا الحكومية.

وأعلنت الهيئة أنّها «لن تعود عن إضرابها ما لم تحل السلسلة وفق الاتفاقات المعقودة مع الحكومة من دون تقسيط أو خفض للأرقام أو أي تعديل في نظام التقاعد. مساء، انتشر خبر أنّ ميقاتي يدعو هيئة التنسيق إلى اجتماع يعقد، عند الحادية عشرة والنصف من صباح اليوم في السرايا الحكومية، وتم التداول بأنّ الدعوة جاءت بناء على طلب الهيئة. ينفي رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي حنا غريب أن تكون الهيئة طلبت هذا الموعد وهي لن تذهب إلاّ إذا كانت هناك فعلاً دعوة من الرئيس.

لماذا أرجئت الجلسة الاستثنائية؟ اكتفت رئاسة مجلس الوزراء بإعلان تأجيل الجلسة «الموعودة» من دون تحديد موعد جديد لعقدها. وبحسب مصادر على صلة بالملف، فقد أبلغ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أعضاء اللجنة الوزارية المختصّة، التي كانت تعقد اجتماعاً تمهيدياً قبل ظهر أمس، أنه يفضّل التريّث لترتيب الأوضاع مع هيئات أصحاب العمل وإقناعها بالعدول عن موقفها المعارض كلياً لمشروع السلسلة من أصله. وقال إنه على اتصال مع الوزير السابق عدنان القصّار، وأنه ينتظر عودته إلى لبنان ليقود محاولة جديدة تهدف إلى التوصّل إلى صيغة ترضي الهيئات قبل إحالة مشروع السلسلة على مجلس النواب. وأشار ميقاتي إلى أنه سيستكمل مشاوراته مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وجمعية المصارف لأنّه لن يقدم على أي خطوة من دون موافقة هذين الطرفين، إضافة إلى صندوق النقد الدولي. وكانت هيئات أصحاب العمل قد اتخذت موقفاً سلبيا «حادّاً»، السبت الماضي، ردّاً على دعوة ميقاتي مجلس الوزراء للانعقاد من أجل بتّ ملف السلسلة وسبل تمويلها، إذ أعلنت فشل الحوار الاقتصادي مع رئيس الحكومة ومقاطعتها له. وهو ما دفع بالرئيس ميقاتي أمس إلى القول أمام الصحافيين «إننا لا يمكن أن نتجاهل الأصوات التي أطلقت في نهاية الأسبوع، لأننا بحاجة الى الهيئات الاقتصادية ويجب أن نتواصل مع الجميع من أجل الوصول إلى النتائج المرجوّة». وأعلن ميقاتي من مجلس الوزراء أننا «ملتزمون بالسلسلة وننظر في الرزمة الكاملة للواردات لتغطيتها، وفي كل الانعكاسات الناجمة عنها».

ومن المقرر أن يعقد مجلس الوزراء جلسته العادية غداً الأربعاء، إلا أنّ مصدراً وزارياً مقرّباً من ميقاتي أوضح أن مشروع السلسلة وتمويل كلفته لن يكونا على جدول أعمال أي جلسة إلا بعد انتهاء المشاورات والتوصل إلى صيغة الحل المقبول. وستعقد اللجنة الوزارية المختصة اجتماعاً عند الرابعة من بعد ظهر اليوم لاستكمال التداول بالصيغ المقترحة ومواقف كل طرف منها تمهيداً لرفع توصياتها إلى المجلس حالما تصبح جاهزة. من جهتهم، لفت المعلمون والموظفون في بيان لرابطة التعليم الأساسي الرسمي إلى أن «الحكومة بتراجعها عن إحالة مشروع السلسلة اليوم (أمس) إلى المجلس النيابي إنما هي تدفع بكل أصحاب الدخل المحدود إلى التمرد والنزول إلى الشارع، وهي تخاطر بذلك بالأمن الاجتماعي الذي هو مدخل إلى الاستقرار الأمني الذي لا اقتصاد ولا اجتماع من دونه».

إذا كانت الثانويات والمدارس والمهنيات الرسمية ستلتزم بالإضراب اليوم، فهل ستلتزم به المدارس الخاصة؟

اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة الذي يضم أصحاب المدارس التابعة للجمعيات والمؤسسات الدينية استبق الإضراب بالتأكيد أنّه «غير معنيّ به، وبالتالي فهو يرفض التهديد بإضراب مفتوح، محمّلاً الداعين له مسؤولية البلبلة التي تتعرض لها الأسرة التربوية خلال العام الدراسي والضرر اللاحق بالتلامذة».

وطالب الاتحاد الدولة مجدداً «بحزم أمرها وعدم التسويف في أخذ موقف واضح وعملي وجريء وعادل من مسألة سلسلة الرواتب، واتخاذ موقف حازم من الذين يهددون بشل المرافق العامة، وخصوصاً المدارس والمؤسسات التربوية». وبينما أكد الاتحاد موقفه بأنه مع حقوق معلمي المدارس الخاصة، العادلة والمتوازنة، دعا نقابة المعلمين إلى الحوار مع أصحاب المؤسسات ولجان الأهل الذين سيتحمّلون هم، لا الدولة، تبعة انعكاس زيادات الرواتب على الأقساط المدرسية. اللافت في موقف الاتحاد هو مطالبته الحكومة بفصل التشريع بين القطاعين العام والخاص وبدعم الأهالي في اختيار المدرسة التي يريدون تعليم أولادهم فيها، خاصةً كانت أو رسمية. أما نقيب المعلمين نعمه محفوض فأشار في اتصال مع «الأخبار» الى أنّه تلقى اتصالاً من كبريات المدارس الخاصة التي أعلنت إداراتها الالتزام بالإضراب. وقال إنّ معلمي المدارس الخاصة هم الأكثر تضرراً، فهم لم يقبضوا غلاء المعيشة ويواجهون فصل التشريع بين القطاعين العام والخاص والترهيب والترغيب من أصحاب المؤسسات، معرباً عن اعتقاده بأنّ «الإضراب سيكون ناجحاً في مدارسنا».

(الأخبار)

الثلاثاء ١٩ شباط ٢٠١٣

جعفر محمد حسين فضل الله

تطرحُ إثارة مشروع قانون الزواج المدني الاختياري في لبنان في هذا التوقيت، أكثر من علامة استفهام؛ كذلك في ردود الأفعال التي أُخذ على بعضِها التطرّف في الأحكام، وعلى بعضِها الآخر المزايدة الانتخابية، وعلى بعضِها الثالث جعلُه كرةً لتسجيل النقاط وتصفية حسابات.إلّا أنّ الموضوع برمَّته موضوعٌ علميّ، شرعي ـ قانوني، لا بدّ أن يجري الحوار حوله بهدوء وموضوعية علمية، إضافةً إلى ملاحظة الآثار العملية، الاجتماعية خصوصاً، المترتّبة على إقرار القانون ولو اختيارياً.وينبغي لنا في البداية الانطلاق من نقطة أساسية، وهي أنّ هناك تعدّداً في المرجعيّات التشريعية لدى المذاهب الإسلامية؛ بل ضمن المذهب الواحد. وعلى هذا الأساس، لا يصحُّ منهجياً التعامل مع الطائفة الإسلامية في لبنان على أنّها كُتلة تشريعية واحدة، كذلك فإنّ عدم فهم هذه النقطة يُمكن أن يضعنا أمام إشكالية في فهم طبيعة الخطاب الذي يُمكن أن يبرز من هنا وهناك متناولاً هذه المسألة الفقهية الحسّاسة. كما أنّ المسألة لا تُقارب ـ على طريقة الإعلام عموماً ـ عبر رمي العناوين المثيرة، أو الاجتزاءات الكلامية، أو السجالات غير المتخصّصة، بما يُدخل الناس في ضبابية في المفاهيم، وارتباك في المواقف.أمّا النظرة الشرعية إلى الزواج المدني، فهي مسألة خاضعة لتفصيل دقيق تبعاً للشروط القانونية التي ينظر إليها كلّ تشريع، فضلاً عن الرؤية التي ينبغي أن تحكم مسار التشريع ككلّ؛ وسنحاول التعرّض لذلك ضمن الآتي:1_ عندما يُقال بأنّ الزواج في الإسلام مدنيّ، فالمراد الإشارة إلى أنّه لا يُشترط ـ في التشريع الإسلامي ـ إجراء الزواج عند رجل دين، أو في المحاكم الشرعية، بل هو مسألة قائمة بين المتعاقديْن؛ إذ يُمكن إجراؤه بينهما، ويُمكن إجراؤه أمام أيّ شخص، بغضّ النظر عن مسألة الشهود واشتراطها. وعادةً ما تُطرح مدنية الزواج في الإسلام في مقابل ما هو معروف في الزواج المسيحي، الذي هو سرٌّ من أسرار الكنيسة، فلا يصحّ إلا كهنوتياً.2_ لا يعني القول بأنّ الزواج في الإسلام مدنيّ أنّ أيّ زواجٍ يُجرى مدنياً هو زواجٌ شرعيّ؛ بل قد يكون شرعياً وقد لا يكون، تبعاً لمدى تحقّق الشروط المعتبرة في العقد؛ وهي على نوعين:أ‌. شروط بنيوية، بمعنى أنّه لا يصحُّ العقد من دونها، وتُعدّ العلاقة تبعاً لاختلال هذه الشروط علاقة غير شرعية؛ وهي المرتبطة بصيغة العقد (الإيجاب والقبول) من جهة، ومواصفات العاقدين، من جهة ثانية.ب‌. شروط غير بنيوية، بمعنى أنّها تمثّل التزامات لا تمنع من صحّة العقد إذا تحقّقت الشروط البنيويّة؛ لكن ـ مع ذلك ـ لا يجوز للمُسلم الالتزام بها ولا تطبيقها؛ لأنّها مخالفة لالتزاماته الشرعية.

الشروط البنيوية

هنا نواجه عدّة أمور: أوّلاً: لا يُمكن أن يكون هناك عقدٌ صحيح من دون صيغة تعاقدية؛ والمُشكلة المطروحة بين مشروع الزواج المدني والفقه الإسلامي هي في وجهتين:1. وجهة فقهية ترى أنّ للزواج صيغةً محدّدة، بمعنى أنّها تشترط ألفاظاً محدّدة، وأن تتمّ الصيغة لفظاً لا كتابة، إلا لمن لا يقدر على اللفظ كالأخرس مثلاً. وهذا الأمر موضع تبنٍّ من شريحة واسعة من العلماء وأئمّة المذاهب، سنياً وشيعياً. وهذا التضييق ينشأ من اعتبارات فقهية عديدة، لعلّ أبرزها أن تكون صيغة الزواج صريحة في إفادتها إنشاء الزوجية، بنحوٍ لا تحتمل الخطأ، والبعضُ يذهب إلى أنّ في الزواج نوعاً من الصفة العبادية التي تجعل الفقيه يحتاط تجاه التوسّع في الأخذ بصيغ أخرى.2. وجهة فقهية يذهب إليها المرجع السيّد محمّد حسين فضل الله (ره)، ترى أنّ الزواج يُمكن إنشاؤه بكلّ لفظ يدلُّ على الالتزام العقدي بإنشاء الزوجية، بحيث يعبّر عن حالة إرادية إلزامية للطرفين تماماً كأيّ عقد من العقود التي يعقدانها في معاملات أخرى، كالبيع والإجارة وما إلى ذلك، بل يُمكن افتراض ـ ضمن هذه الرؤية ـ أن تكون الكتابة وسيلةً لإنشاء الزوجية إذا تحوّلت في العُرف العام إلى مُبرز صريح لإنشاء الزوجية بالمعنى التعاقدي.انطلاقاً من الوجهتين السابقتين؛ فإنّ صيغة الزواج المدني المطروحة تواجه مشكلة لدى أصحاب الاتّجاه الأوّل، وتكتسبُ ـ كصيغةٍ ـ بغضِّ النظر عن الشروط الآتي ذكرُها ـ شرعية في إنشاء الزواج بها، مع تحوّلها إلى صيغة إنشاء للزوجية في العُرف العام للناس.كما أنّه، في إجراء الصيغة هناك فرقٌ أيضاً بين العقد وتوثيقه؛ ففي الشرع الإسلامي يُمكن اعتبار أيّ عقد مستوفٍ الشروط شرعياً حتّى لو لم يتمّ عند الموظّف المختصّ، مدنياً أو شرعياً، بتوثيق العقود؛ بل لو أجراه الطرفان ـ مع استيفاء الشروط الشرعية ـ نفساهما فتنشأ الزوجية بينهما ولا يُعدّ الزواج باطلاً، لكنّ المشكلة حينئذٍ في توثيقه، وهي مسألة أخرى.ثانياً: ديانة الزوجين؛ حيث يرى التشريع الإسلامي أنّ زواج المُسلمة بغير المُسلم باطلاً شرعاً، وكذلك زواج المسلم بغير المُسلمة والكتابية (اليهود والمسيحيّين خصوصاً) يُعد باطلاً، حتّى لو تمّ عقدُهُ أمام رجل دين؛ لأنّ رجل الدين أو قاضي الشرع لا يملك أن يشرّع إلا ضمن الشرع والقانون الإسلامي؛ ومع اختلال أحد الشروط البنيوية يُصبح الزواج غير قابل للقوننة شرعاً.ثالثاً: علاقة القرابة؛ وذلك بأن لا يكون بين الطرفين علاقة قرابةٍ نسبية (كالأبوّة والأمومة والأخوّة والبنوّة...)، أو بالمصاهرة (كأبّ الزوج، أو أمّ الزوج...)، أو بالرضاعة، أو بأحد الأسباب الموجبة للتحريم المؤبّد، ممّا وردت تفصيلاتُه الشرعية في الفقه الإسلامي.رابعاً: اختلاف الجنسين؛ فلا يُباح الزواج المثلي بأيّ شكل من الأشكال.خامساً: هناك شروطٌ هي محلُّ جدل في الفقه، وهو اشتراط إذن الوليّ في زواج الفتاة البكر؛ بين نظريّة تشترطه مُطلقاً، ونظريّة ـ يتبنّاها المرجع الراحل فضل الله (ره) ـ وهي عدم اشتراط إذن الوليّ إذا كانت الفتاة بالغةً راشدة. وقد يكون هناك توقّفٌ في مسألة المهر، وإن كانت هناك وجهة نظر فقهية أنّ عدم ذكره في العقد لا يمنع من صحّة العقد؛ لكن يثبت تقديرٌ معيّن للمهر بحسب المتعارف عليه.الخلاصة ممّا تقدّم، يتّضح أنّه إذا كان الطرفان مستوفيين الشروط البنيوية المُعتبرة شرعاً، وبناءً على أنّ كلَّ صيغة تكتسبُ صفةَ الدلالة العامّة على إنشاء الزواج، هي صيغة زواج شرعية، يُعدّ عقدُ الزواج مدنياً مُنشئاً للزوجية بين الطرفين، ويترتّبُ عليه كلّ الآثار الشرعيّة من حيثُ صحّة النسب خصوصاً؛ ولا يُعد زواجاً شرعياً كلّ زواج فاقد أحد الشروط البنيوية، سواء الراجعة لمواصفات الزوجين أو الصيغة (على التفصيل المتقدّم)، حتّى لو عقده رجل دين أو جهة شرعية.وعندما يُتحدّث عن أنّ الزواج في الإسلام مدنيّ، يستفاد منه في شرعنة الزواج المدني، لكن المستوفي الشروط الشرعية، إذ يعدّه الشرعُ زواجاً صحيحاً، بمعنى أنّ العلاقة المترتّبة عليه هي علاقة شرعية، لا علاقة زنى.نعم، لا تعني مدنية الزواج في الإسلام شرعنة كلّ المواد المترتبة على الزواج المدني برمّتها، في ما يؤدّي إلى التزام المُسلم بما يُناقض التزامه الشرعي؛ وذلك أمرٌ بديهيّ ينشأ من خلال مجرّد الانتماء إلى الإسلام.ونعم، نقول هنا إنّه لا تصادم كلّياً بين آثار الزواج المدني وآثار الزواج الشرعي، وهو ما نتعرّض لبعض نماذجه في العنوان الآتي.الشروط غير البنيويّة (الالتزامات)هناك قاعدةٌ عقلائيّة يتبنّاها الشرعُ الإسلامي، وهي «المؤمنون عند شروطِهِم»، وهي تشرّع الباب أمام مبدأ حرّية الالتزامات ووجوب الوفاء بها شرعاً؛ لكنّ الفقه الإسلامي أضافَ قيداً، «إلا شرطاً أحلّ حراماً أو حرّم حلالاً»، أي أن لا تكون الشروط مناقضةً لأحكام الشريعة، أو توجبُ تغيير التشريع إلى ما يخالفه. ولعلّ بإمكاننا هنا أن نميّز بين نوعين من المواد القانونية الواردة في مشروع قانون الزواج المدني:النوع الأوّل: الشروط الحُكمية؛ وهي التي لها في الإسلام حكمٌ محدّدٌ مُبرمٌ في الشريعة لا علاقة له بخيارات المكلّف، ومثالُه:1_ الإرث حيث للإرث في الإسلام نظامٌ خاصٌّ خاضعٌ لرؤية وفلسفة خاصّة، فلا يصحُّ للمُسلم الالتزام بما يناقضه، سواء من حيث طبقات الإرث، أو من حيثُ نسب توزيع التركة، وبالتالي فالتشريع الإسلامي المتعلّق بالإرث يخالفُهُ ما هو واردٌ في نظام الإرث في الزواج المدني. نعم، يفتحُ الشرعُ الإسلامي باباً للتصرُّف في حالتين؛ لكنّه تصرُّف اختياريٌّ لصاحب المال:‌أ. التمليك في حالة حياة صاحب المال، فللإنسان الحرية في أن يملِّكَ أفراد عائلته في حياته بأيّ طريقة يشاء.‌ب. حالة التمليك ما بعد الحياة، ويُصطلحُ عليه بالوصيّة، وتنفُذُ الوصية التمليكية في الشرع بنسبةِ ثُلثِ التركة حتّى إذا أوصى الميت بكلّ ورثته لشخص معيّن، ويوزّع الثلثان بحسب نظام الإرث، إلى أن يرضى الورثةُ بتنفيذ وصية الميت كما هي.2_ الطلاق، حيث يربطُ الفقه الإسلاميّ بين القوامة (الإدارة) وحقّ الطلاق، وبالتالي فهو بيد الزوج؛ ولذلك فلسفة ليس هنا مجالُ التوقّف عندها؛ إلا أنّه ـ مع ذلك ـ:‌أ. يُمكنُ أن تشترط المرأة أن يكون لها إمكانية تطليق نفسها، مطلقاً أو بشروط، ضمن عقد الزواج، أو أن يمكّنها الزوج من ذلك ابتداءً، ضمن صيغ لذلك، قد تختلف بين الفقه الإسلامي السنّي أو الشيعي.‌ب. لا يُلغي ذلك أصل المبدأ، وهو امتلاك الزوج حقّ الطلاق من جانبِه.‌ج. لو طلّق المُسلمُ العاقد مدنياً قبل مضيّ الفترة المسموح بها للطلاق في العقد المدني، لصحَّ طلاقُهُ شرعاً، ولترتّبت عليه آثارُه الشرعيّة من البينونة وغيرها.‌د. لا يحصل الطلاق إلا بصيغته المعتبرة شرعاً، والفقه الشيعي يشترط شاهدين عادلين لصحّته، وأن لا تكون الزوجة (غير اليائسة) في فترة الدورة الشهرية، وأن تكون في طُهر لم يحصل فيه جماع؛ ومع فقدان أحد الشروط، يُعدّ الطلاق باطلاً، وبالتالي تكون الزوجية باقية على حالها.‌ه. في مبرّرات الطلاق كلامٌ بين الشرع والقانون، فقد يتّفقان على بعضها وقد يختلفان؛ وفي حالة الاختلاف قد يحكم الشرعُ ببقاء الزوجية بخلاف القانون؛ وفي هذا تفاصيل كثيرةٌ لا مجال لخوضها في مقال.‌و. نُشيرُ هنا إلى أنّ للزوجة ـ في الشرع الإسلامي ـ أن ترفع أمرها إلى القضاء الشرعي في كثير من الحالات الموصوفة في مشروع الزواج المدني، ويملك القضاء حقّ تطليقها رغماً عن إرادة الرجل إذا امتنع عن الطلاق والإصلاح؛ ويُمكنها أن تختلعه إذا تحقّقت شروط الخُلع.3- سنّ الزواج. في المبدأ يُمكن لجهة ما، حتّى لو كانت شرعية، أن تشترط سنّاً معيّنة لإجراء عقد الزواج؛ كما في اشتراط إجراء العقود بإجراء الفحوص الطبّية التي فرضتها الدولةُ؛ لكنّها لا تستطيع الحُكم ببطلان زواج البالغين شرعاً ممّن هم تحت 18 سنة ميلادية (القاصرين بالمعنى القانوني) إذا حصلَ بشروطِه المعتبرة؛ بل قد لا تملك حقّ اشتراط ذلك؛ لما فيه من المفاسد قياساً بالرؤية العامّة للزواج في الإسلام.

النوع الثاني: الشروط التي هي من قبيل الحقوق الشخصيّة؛ كما في الأمثلة الآتية

1_ حقّ الحضانة؛ حيث يختلف الشرعُ عن القانون، في إتباع الحضانة للقوامة (الإدارة) التي هي بيد الزوج في غير المدة المحتاج إليها في عالم الأمومة، وهي فترة مُختلف فيها بين المذاهب الفقهية الإسلامية، فحيث يذهب ـ مثلاً ـ السيد فضل الله (ره) إلى كونها سبع سنوات في الذكر والأنثى، يذهب بعضٌ إلى كونها سنتين في الذكر وسبع سنوات في الأنثى، وهناك آراءٌ أخرى؛ لكنّ هذا الحقّ قابل للإسقاط من الطرفين، بحيث تتنازل الأم عن حضانتها لمصلحة الأب، أو بالعكس، أو يتّفقان على أمر آخر. ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ حقّ الحضانة هو أيضاً جزءٌ من فلسفة ورؤية موضوعية إسلامية، ولا تعني أبداً الفصل التام عن أحد الأبوين في حال كون الحضانة مع الآخر.2_ حقّ النفقة، حيث يجوز لمن ثبتت له أن يُسقطها ويحلّ الآخر من التزاماتها.3_ الإنفاق المُشترك على الحياة، حيث يجوز لمن لا يَلزمُه ذلك شرعاً أن يوجبه على نفسه بمقتضى التزام الشرط.4_ التعويض المالي عن العمل البيتي، حيث في الإسلام لا يجوز للزوجة أن تعمل في البيت، ويجوز لها أن تطلب أجراً مقابل عملها، بل لها ذلك أيضاً مقابل الإرضاع، وهو من واجبات الزوج ابتداءً ومُلزمٌ له إذا لم ترضَ الزوجة بالعمل مجّاناً. وهناك تفاصيلُ كثيرةٌ في هذا المجال، سواء من ناحية مشروع القانون، أو من ناحية رأي الشرع وتفصيلات الفقه، ليس هنا مجال إيرادها ولا التعليق عليها، لكنّنا أردنا أن نوضحَ الوجهة العامّة التي يُمكن أن يتحرّك فيها الجدل الشرعي والقانوني، حول بعض المسائل الأساسية، كمنحى موضوعيّ عقلانيّ هادئ في عرض وجهات النظر في المسألة، التي تحتّم على الجهات المعنيّة بالتشريع أن تفهم تعقيداتها التشريعية في الفقه الإسلامي، في المذهب الواحد فضلاً عن تعدّد المذاهب، حينما تُريد طرح مسألة من هذا النوع؛ وأنّه لا يُمكن مقاربة المسألة عبر التراشق بالكلمات الفضفاضة أو الحادّة؛ كما أنّ مدنية الزواج في الإسلام تعني أمراً محدداً، ولا تعني شرعية المشروع المطروح للزواج المدني.ونؤكّد أخيراً على أنّ ما سُقناه آنفاً، يسمح برؤية حيوية الحراك الاجتهادي ضمن المجال الفقهي الإسلامي، في ما يتعلّق بالزواج الشرعي وشروطه، الذي أنتج كثيراً من الحلول في المساحات الزمنية السابقة، لكثير من المشكلات التي كانت تبرز إشكاليات لها مع تعقيدات الحياة وتطوّر الزمن، وبما جعل الحاجة إلى نظام زواج بديل غير ذات موضوع من الناحية العمليّة والواقعيّة إلى حدّ كبير.* باحث لبناني

العدد ١٩٣٠ الاربعاء ١٣ شباط ٢٠١٣

الأكثر قراءة