حسمت «هيئة التنسيق النقابية» أمرها أمس وقرّرت اللجوء إلى الشارع، في إضراب مفتوح، بعدما أرضت الحكومة ما يسمّى «الهيئات الاقتصادية» عبر إعلانها تأجيل جلستها الاستثنائية
لا تقيم الحكومة وزناً للقمة عيش المواطن، وهي تقدم الدليل تلو الدليل على ذلك بممارساتها غير المعهودة في تاريخ الحكومات. هكذا، علقت هيئة التنسيق النقابية على قرار تأجيل جلسة مجلس الوزراء التي كانت مقررة أمس لبحث تمويل سلسلة الرتب والرواتب وإحالتها إلى المجلس النيابي. تأجيل الجلسة، الذي لم يكن متوقعاً على الأقل في أوساط مكونات الهيئة، عزته الأخيرة إلى ضغط الهيئات الاقتصادية، محمّلة الحكومة كامل النتائج التي ستترتب على الإضراب المفتوح الذي يبدأ اليوم، الثلاثاء، في الإدارات العامّة والمدارس الرسمية والخاصة والمترافق مع اعتصام مركزي، عند الحادية عشرة من قبل الظهر أمام السرايا الحكومية.
وأعلنت الهيئة أنّها «لن تعود عن إضرابها ما لم تحل السلسلة وفق الاتفاقات المعقودة مع الحكومة من دون تقسيط أو خفض للأرقام أو أي تعديل في نظام التقاعد. مساء، انتشر خبر أنّ ميقاتي يدعو هيئة التنسيق إلى اجتماع يعقد، عند الحادية عشرة والنصف من صباح اليوم في السرايا الحكومية، وتم التداول بأنّ الدعوة جاءت بناء على طلب الهيئة. ينفي رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي حنا غريب أن تكون الهيئة طلبت هذا الموعد وهي لن تذهب إلاّ إذا كانت هناك فعلاً دعوة من الرئيس.
لماذا أرجئت الجلسة الاستثنائية؟ اكتفت رئاسة مجلس الوزراء بإعلان تأجيل الجلسة «الموعودة» من دون تحديد موعد جديد لعقدها. وبحسب مصادر على صلة بالملف، فقد أبلغ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أعضاء اللجنة الوزارية المختصّة، التي كانت تعقد اجتماعاً تمهيدياً قبل ظهر أمس، أنه يفضّل التريّث لترتيب الأوضاع مع هيئات أصحاب العمل وإقناعها بالعدول عن موقفها المعارض كلياً لمشروع السلسلة من أصله. وقال إنه على اتصال مع الوزير السابق عدنان القصّار، وأنه ينتظر عودته إلى لبنان ليقود محاولة جديدة تهدف إلى التوصّل إلى صيغة ترضي الهيئات قبل إحالة مشروع السلسلة على مجلس النواب. وأشار ميقاتي إلى أنه سيستكمل مشاوراته مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وجمعية المصارف لأنّه لن يقدم على أي خطوة من دون موافقة هذين الطرفين، إضافة إلى صندوق النقد الدولي. وكانت هيئات أصحاب العمل قد اتخذت موقفاً سلبيا «حادّاً»، السبت الماضي، ردّاً على دعوة ميقاتي مجلس الوزراء للانعقاد من أجل بتّ ملف السلسلة وسبل تمويلها، إذ أعلنت فشل الحوار الاقتصادي مع رئيس الحكومة ومقاطعتها له. وهو ما دفع بالرئيس ميقاتي أمس إلى القول أمام الصحافيين «إننا لا يمكن أن نتجاهل الأصوات التي أطلقت في نهاية الأسبوع، لأننا بحاجة الى الهيئات الاقتصادية ويجب أن نتواصل مع الجميع من أجل الوصول إلى النتائج المرجوّة». وأعلن ميقاتي من مجلس الوزراء أننا «ملتزمون بالسلسلة وننظر في الرزمة الكاملة للواردات لتغطيتها، وفي كل الانعكاسات الناجمة عنها».
ومن المقرر أن يعقد مجلس الوزراء جلسته العادية غداً الأربعاء، إلا أنّ مصدراً وزارياً مقرّباً من ميقاتي أوضح أن مشروع السلسلة وتمويل كلفته لن يكونا على جدول أعمال أي جلسة إلا بعد انتهاء المشاورات والتوصل إلى صيغة الحل المقبول. وستعقد اللجنة الوزارية المختصة اجتماعاً عند الرابعة من بعد ظهر اليوم لاستكمال التداول بالصيغ المقترحة ومواقف كل طرف منها تمهيداً لرفع توصياتها إلى المجلس حالما تصبح جاهزة. من جهتهم، لفت المعلمون والموظفون في بيان لرابطة التعليم الأساسي الرسمي إلى أن «الحكومة بتراجعها عن إحالة مشروع السلسلة اليوم (أمس) إلى المجلس النيابي إنما هي تدفع بكل أصحاب الدخل المحدود إلى التمرد والنزول إلى الشارع، وهي تخاطر بذلك بالأمن الاجتماعي الذي هو مدخل إلى الاستقرار الأمني الذي لا اقتصاد ولا اجتماع من دونه».
إذا كانت الثانويات والمدارس والمهنيات الرسمية ستلتزم بالإضراب اليوم، فهل ستلتزم به المدارس الخاصة؟
اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة الذي يضم أصحاب المدارس التابعة للجمعيات والمؤسسات الدينية استبق الإضراب بالتأكيد أنّه «غير معنيّ به، وبالتالي فهو يرفض التهديد بإضراب مفتوح، محمّلاً الداعين له مسؤولية البلبلة التي تتعرض لها الأسرة التربوية خلال العام الدراسي والضرر اللاحق بالتلامذة».
وطالب الاتحاد الدولة مجدداً «بحزم أمرها وعدم التسويف في أخذ موقف واضح وعملي وجريء وعادل من مسألة سلسلة الرواتب، واتخاذ موقف حازم من الذين يهددون بشل المرافق العامة، وخصوصاً المدارس والمؤسسات التربوية». وبينما أكد الاتحاد موقفه بأنه مع حقوق معلمي المدارس الخاصة، العادلة والمتوازنة، دعا نقابة المعلمين إلى الحوار مع أصحاب المؤسسات ولجان الأهل الذين سيتحمّلون هم، لا الدولة، تبعة انعكاس زيادات الرواتب على الأقساط المدرسية. اللافت في موقف الاتحاد هو مطالبته الحكومة بفصل التشريع بين القطاعين العام والخاص وبدعم الأهالي في اختيار المدرسة التي يريدون تعليم أولادهم فيها، خاصةً كانت أو رسمية. أما نقيب المعلمين نعمه محفوض فأشار في اتصال مع «الأخبار» الى أنّه تلقى اتصالاً من كبريات المدارس الخاصة التي أعلنت إداراتها الالتزام بالإضراب. وقال إنّ معلمي المدارس الخاصة هم الأكثر تضرراً، فهم لم يقبضوا غلاء المعيشة ويواجهون فصل التشريع بين القطاعين العام والخاص والترهيب والترغيب من أصحاب المؤسسات، معرباً عن اعتقاده بأنّ «الإضراب سيكون ناجحاً في مدارسنا».
(الأخبار)
الثلاثاء ١٩ شباط ٢٠١٣