تعقد لجنة المال والموازنة النيابية جلسة مغلقة عند الساعة العاشرة والنصف من قبل ظهر اليوم الثلاثاء، هي الأولى من نوعها، إذ دعا رئيسها النائب إبراهيم كنعان كلاً من وزيرة المال ريا الحسن وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة إلى حضورها لإطلاع النواب على أهداف السياسة النقدية وأدواتها وتوضيح الأسباب التي دفعت الطرفين إلى مراكمة فائض هائل في حساب الخزينة... كذلك سيجري البحث في إصدارات سندات الخزينة وشهادات الإيداع وأسعار الفوائد المدفوعة عليها. وبات معروفاً أن ودائع القطاع العام لدى مصرف لبنان والمصارف المحلية أصبحت تبلغ نحو 11700 مليار ليرة، منها نحو 8700 مليار ليرة في حساب الخزينة، وقد نتج هذا الفائض من إصدارات متتالية لسندات الخزينة بما يفوق الحاجات التمويلية لتغطية العجز، بهدف امتصاص فائض السيولة لدى المصارف، وهذا يخالف أحكام الدستور والإجازة الممنوحة من المجلس النيابي للاقتراض ضمن سقف لا يتجاوز قيمة العجز في الموازنة. وجلسة المال والموازنة استثنائية في موضوعها، ولا سيما أن المجلس النيابي لم يستدع حاكم مصرف لبنان طوال السنوات الماضية لاستيضاحه أو مساءلته، ما ترك انطباعاً عن أن المجلس لا يقوم بواجباته الدستورية في مواجهة مسائل تنامي الدين العام وارتفاع أسعار الفائدة وعدم وجود أي سقف لتدفقات الودائع، فضلاً عن طغيان الأولويات النقدية على كل الأولويات الأخرى التي تتبناها الحكومة والتي أعطى المجلس النيابي ثقته للحكومة على أساسها. وتزداد أهمية هذه الجلسة في ظل المساعي المستمرة للتوصل إلى توافق سياسي يستبق تقديم مشروع الموازنة إلى مجلس الوزراء، هذا المشروع الذي تأخّر تقديمه وإحالته على المجلس النيابي أكثر من شهر عن الموعد المحدد في البيان الوزاري، وأكثر من 4 أشهر عن موعد تقديمه الدستوري... كذلك تزداد أهميتها الآن بعد الجلسة التي عقدتها اللجنة منذ فترة وجرى فيها إسقاط اقتراح النائب كنعان بوضع منهجية مكتوبة لعمل هذه اللجنة في إطار مناقشة مشروع الموازنة المنتظر، إذ أصر أعضاء اللجنة على اعتماد التزامات شفهية من وزير المال تقضي بإحالة المشروع بصيغة منسجمة مع أحكام الدستور وقانون المحاسبة العمومية لجهة التزام شمولية الموازنة وسنويتها وعدم تضمينها أي بنود إدارية أو ضريبية أو تعديلات قانونية تحتاج إلى مشاريع قوانين منفصلة. على أي حال، انقضى يوم أمس من دون أن يسلّم الوزراء أي دعوة لجلسة استثنائية للحكومة مخصصة لمناقشة مشروع الموازنة، علماً بأن الوزيرة ريا الحسن كانت قد أعلنت في الأسبوع الماضي أنها سترفع المشروع إلى رئاسة مجلس الوزراء في مطلع هذا الأسبوع في حد أقصى. وبحسب المعلومات المتاحة، فقد تواصلت الاجتماعات بين فريق الرئيس سعد الحريري وممثلين عن حزب الله وحركة أمل للاتفاق على صيغة للمشروع تسمح بإمراره، وقالت مصادر مطّلعة إن النقاش بات في مراحله الأخيرة، من دون أن يعني ذلك أنه جرى التوصّل إلى توافق شامل، إذ إن الرئيس الحريري وضع خيارات محددة: زيادة الضرائب على الاستهلاك أو السير بخصخصة الاتصالات والكهرباء! وهو لا يزال يرفض إخضاع مشروعه للتصويت في مجلس الوزراء، على الرغم من أنه سيحظى بأكثرية الثلثين، بذريعة أن ذلك سيُظهره مع بعض القوى السياسية كأنهم ضد مصالح الفقراء ومتوسطي الحال، فيما سيسمح لبعض القوى بإطلاق حملات «مزايدة» على الحريري قد تصل إلى حد النزول إلى الشارع لإحراجه. وأشارت هذه المصادر إلى أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري لا يزال عند موقفه الداعي إلى مسايرة سعد الحريري وإمرار مشروع الموازنة بهدوء، ولو تطلب ذلك التصويت لمصلحة زيادة الضريبة على القيمة المضافة من 10% إلى 12% لا إلى 15%. وفيما حزب الله لا يزال يرفض مثل هذا الإجراء الضريبي، إلا أنه لا يريد أن يذهب إلى معركة مفتوحة مع تيار المستقبل تحت هذا العنوان، أي إنه قد يصوّت إلى جانب وزراء التيار الوطني الحر ضد زيادة الضريبة على القيمة المضافة من دون أن يعمل على عرقلة إقرارها إذا توافرت الأكثرية المطلوبة في مجلسي الوزراء والنواب، تماماً كالموقف الذي اتخذه في شأن التعيينات الأخيرة، إذ عارضها وزراء التيار جبران باسيل وشربل نحاس وفادي عبّود وامتنع عن التصويت وزيرا الحزب محمد فنيش وحسين الحاج الحسن، فيما توافرت أكثرية الثلثين لإمرار هذه التعيينات بواسطة وزراء حركة أمل ووزير حزب الطاشناق، وقد بدا الجميع غير مفاجَئين بكيفية توزيع الأصوات، ما أوحى أن الأمر كان مدروساً ومنسّقاً بهدف زرع الطمأنينة في نفس الرئيس الحريري