سامي حوّاط... يستردّ حقّه الضائع

البرنامج الموسيقي بين «بابل» و«المدينة»الأغنية الصوفيّة التقليديّة التي يؤدّيها منشدون سوريّون الليلة في ضيافة جواد الأسدي، والمتجددة مع بشار زرقان الليلة في ضيافة نضال الأشقر... والأغنية الاجتماعيّة الملتزمة، كما يقدّمها الفنّان اللبناني العائد من عزلته، غداً وبعد غد، في «بابل» مع فرقته «الرحالة»

بشير صفيرصام الفنان الملتزم سامي حوّاط فترة طويلة عن تقديم الحفلات محلياً، ليفطِر على إطلالة رمضانية تختتم موسم مسرح «بابل» البيروتي على مدى ليلتَيْن متتاليتَيْن، غداً وبعد غدٍ. بعد إطلالات معدودة في عام 2008، انكفأ حوّاط عن الساحة الفنية، ليقتصر نشاطه على أعمالٍ مخصّصة للأطفال والتأليف الموسيقي والغنائي للمسرح (آخرها عزف حيّ في مسرحية «رحلة محتار إلى شري نغار» لجلال خوري). وقام الفنان الخمسيني بجولةٍ خارج الحدود، وتحديداً في إسبانيا التي قدّم فيها سلسلة حفلات. ثم ترك الجمهور ينتظر... وها هو الموسم الرمضاني يعيد سامي حوّاط إلى دائرة الضوء، مع فرقته «الرحالة». لكن، هل تكون عودة عابرة؟ ممكن. فحوّاط ترك منطقة رأس بيروت منذ فترة، وهرب من تكاذب المجتمع المديني، إلى صِدق القرية والأرض والبيت القديم في زبدين (قضاء جبيل). هنا يسعى إلى تأسيس مشروعه الخاص بعيداً من بيروت، فهو في طور إنشاء مركز ثقافي، ومسرح صيفي للأطفال. أما «خصوصية شارع المكحول»، فلم تعد تعني له الكثير. أقله في الوقت الحاضر. وكذلك الحراك الثقافي (والنضالي إن وجِد) المحيط بهذا الشارع. قد يكون هذا الرحيل هروباً من الأوهام أو الخيبات.لكن، من دون شك، ثمة حق ضائع لسامي لم يعرف كيف (أو لم يرِد أن) يستردّه. وثمة حقوق لم يعرف كيف يحافظ عليها. هذه مسؤوليته ولو جزئياً. وجاءت بعض التعليقات الصحافيّة حول قدراته الصوتية، لتزيد «في الطين بلّة»! وهل عند سامي أكمل من صوته في كل العناصر المكوّنة لشخصيّته الموسيقية؟ مع الأسف، لقد ظلم الإعلام هذا الرجل مرتَيْن: عندما تجاهله، وعندما تناوله. ربما يكون السبب في ابتعاد سامي عن بيئته في مكانٍ آخر. لكنه كان متوقعاً. فلقد لمَّح فنان الشعب إلى حالات التعب في عددٍ من أغانيه. في «أحد الإخوان» (كلمات محمد العبد الله) مثلاً، حيث يردّد «... لأني تعبان، وإن شئتم قرفان...». ويضاف إلى ذلك، الهزائم التي مني بها اليسار بعد انهيار المعسكر الاشتراكي، وفرار رفاق سامي (مِن فنانين وغيرهم) إلى ضفاف النجاة... أينما وجدت! الكل «دبَّر حالو»، ومَن صمد ولا يزال صامداً كان أقل يأساً أو أشد مناعة وصلابة. أما سامي فرفض التنازل، في الوقت الذي تغلب فيه اليأس على رقته المعهودة، وبساطته الفطرية التي تمنعه من الوقوف في وجه الريح ومحاربتها، أو استغلالها والسير في اتجاهها.في كل هذا، يتحمل الجمهور جزءاً من المسؤولية. ففي كل حفلة يتذمّر بعضهم من الفوضى التي تنزلق إليها السهرة مع سامي، إثر حماسة مفرطة تجرّ البرنامج إلى غير المقرّر تقديمه. هذا حق للجمهور. لكن في كل مرة يحدث ذلك، يكون البادئ هو الجمهور الذي يجد بين صفوفه مَن يستغل طيبة سامي، ويقتحم المساحة الأمامية للقاعة رافعاً الأعلام الحزبية وراقصاً الدبكة، كأن السهرة يجب أن تسير وفقاً إيقاعه الخاص. مِن المؤكد أن تكرار هذه الحوادث، انعكس تذمراً دائماً لدى شريحة من الجمهور، قد يكون وصل جزءٌ منه إلى مسامع الفنان الحسّاس الذي قرّر إرضاء الجميع، قائلاً: «أنسحِب».ليس ما سبق سوى محاولة للاحتفال بخروج فناننا من عزلته الطوعية، وحثه على مواصلة نشاطه وتقديم الجديد بشكل جدّي. فبعد مرحلة أولى في كنف زياد الرحباني (مسرحاً وغناءً)، وتجربة غنائية مستقلة نتج منها ألبومات خاصة مثل «في شي ما شي» و«الرأي العام» و«رحّالة»، لا بدّ لسامي حوّاط من الاستفادة من هذه المسيرة الحافلة، للانطلاق مجدداً في مرحلة جديدة تؤمن له

سيقدّم ثلاث أغنيات من تلحينه وكلمات جلال خوري، أدرجت في العملين الأخيرين للمسرحي المذكور الاستمرارية وتجدّد علاقته بالجمهور، أو بالفن أولاً.في إطلالته الرمضانية، سيقدم سامي حوّاط بعضاً من قديمه، وثلاث أغنيات من كلمات جلال خوري، كان قدّ لحنها حوّاط لعملَيْن مسرحيّيْن للأخير هما «الطريق إلى قانا» و«رحلة محتار إلى شري نغار»، إضافة إلى أغنية «ملّا مرا» (كلمات جورج يمين) ومقطوعتَيْن موسيقيتَيْن هما «حتى ولو كان» و«ما أوّل عَ آخر»، وغيرها... هكذا إذاً، يأتي برنامج أمسيتَيْ سامي حوّاط المقبلتين، على غرار أي حفلة له، مع العلم بأنه كان من المتوقّع أن يفرد المساحة الكبرى للمقطوعات ذات الطابع الصوفي التأملي من أسطوانة «رحالة» (يقدّم منها مقطوعة واحدة). أما فرقة «الرحالة» التي سترافق حوّاط في «بابل»، فتتألف مِن وفاء البيطار (قانون)، أحمد الخطيب (رقّ وإيقاعات)، طوني جدعون (كمان)، رمزي أبو كامل (غيتار)، رائد أبو كامل (كلارينت وناي)، فؤاد أبو كامل (باص)، ويشارك في الغناء كورس مؤلف من جوليا ساموتي وريّا وفدا مراد.بين الافتتاح مع زياد سحّاب والختام مع سامي حوّاط، قُدِّر هذه السنة لنشاط مسرح «بابل» الرمضاني أن تطوّقه من الجانبَيْن اللحى... العلمانية! لكن هذه التظاهرة الفنية المنفتِحَة على الطوائف والمعتقدات، لم تمنع أحد أزقة بيروت من أن يكون له رأيٌ آخر.
آخر تعديل على Tuesday, 01 September 2009 11:26

الأكثر قراءة