خالد صاغية يمكن القول إنّ اللبناني عامّة مشغول اليوم بأربع قضايا: الانتخابات البلديّة، الاستراتيجيّة الدفاعيّة وسلاح المقاومة، العلاقات اللبنانيّة ـــــ السوريّة والملف الاقتصادي الاجتماعي الذي يمثّل مشروع موازنة 2010 عنوانه الأخير. الغريب في الأمر أنه لا أحد من المسؤولين في البلاد يريد لهذا اللبناني أن يُشغل بأيّ من هذه القضايا. ففي ملف الاستراتيجية الدفاعية، تكاثرت الدعوات أخيراً لسحب الملف من التداول، ما دام الأمر يُبحث على طاولة الحوار. لا بل إنّ ثمّة من هدّد بالانسحاب من طاولة الحوار إن استمرّ السجال الإعلامي بشأن السلاح. وثمّة من أراد إعادة توجيه هواجس اللبنانيين من السلاح إلى... المخدّرات! وفي مشروع الموازنة، لم تعجب التعليقات القيّمين على ماليّة الدولة، فأُعلن بصرامة أنّ مجلس الوزراء وحده يمثّل الجهة الصالحة لمناقشة الموازنة واقتراح تعديلات عليها. وقد ترافقت الدعوات لترك الأمور لأصحاب الشأن مع محاولات لاستغباء المواطنين. فوزيرة المال ريّا الحسن التي تريد في مشروعها انتزاع توافق سياسي على الخصخصة تحت مسمّى «إشراك القطاع الخاص»، جاءها الدعم من الوزير عدنان القصّار الذي أعلن ببساطة أنّ «القطاع الخاص لا يبغي الربح، بل همّه مساعدة الدولة». وبالنسبة إلى العلاقات مع سوريا، ثمّة من يذكّرنا يومياً بأنّ الرئيس سعد الحريري يعرف ما يفعله، وأنّه لا أحد يستطيع المزايدة عليه. وفيما عاد زعماء الطوائف إلى عاداتهم القديمة في نسج تحالفاتهم الخاصّة مع سوريا، لا يزال الحريري ينتظر موعداً، ويوفد من حين إلى آخر وفوداً فولكلوريّة إلى دمشق. أمّا الانتخابات البلدية، فكاد الجميع يرفع راية التوافق فيها، بما يعنيه ذلك من إلغاء عمليّ للانتخابات، ولصوت الناس، بعدما جرى التآمر على الإصلاحات في القانون. الخلاصة إذاً: باتت السجالات والنقاشات والتعليقات عبئاً على الأطراف السياسية الساعية إلى إعادة التموضع والحفاظ على الحدّ الأدنى من التوافق في ما بينها. وستكون لذلك انعكاسات شديدة السلبيّة على الفضاء العام. ثمّة من يعيدنا إلى أوائل التسعينيات، مع فارق بسيط هو أنّه ما من جيش سوري أو استخبارات سورية في عنجر للتذرّع بها. القمع من الآن فصاعداً سيكون قمعاً وطنياً خالصاً. قمع باسم المصلحة الوطنيّة العليا. قمع لا يتوسّل القوّة وحدها، ولعلّ هذا أخطر ما فيه.