سليمان تقي الدين
ليست مسؤولية أي فريق لبناني أن يصوغ قراراً ظنياً في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، لو أن نظام العدالة عندنا بخير، ولو أن العدالة الدولية أيضاً بخير. هذه الجريمة ما كانت لتحصل إلا لأنها في إطار مشروع سياسي وحقيقتها ستظل كذلك. أعقبت الجريمة سلسلة أحداث وإجراءات أوهنت أي دليل قضائي لصالح الاتهام السياسي. هكذا حققت الجريمة وظيفتها منذ اللحظة الأولى وما زالت قيد الاستثمار. ولو شاءت السياسات الدولية اليوم يمكن لها أن تضعها في مسؤولية أي جهة تريد، وهي فعلت وتفعل. لو كانت العدالة الدولية بخير، لما كانت قضية فلسطين والعراق، ولا ما هو أدنى من ذلك. فلم يسبق لنا ان عرفنا على وجه اليقين كيف صيغت قرارات الاغتيال السياسي حتى لو عرفنا من نفّذها. الجريمة السياسية لها فاعل معنوي هو الاساس وهو الطرف الذي لا تطاله أي إجراءات. لا عدالة في هذا العالم ما دامت القوى التي تدير آلة القتل خارج سلطة المحاسبة. عبثاً نعتقد اننا نستوفي العدالة أصلاً من أدواتها التنفيذية فقط. وهل يمكن ذلك حتى في الجرائم المكشوفة كاغتيال القيادي الفلسطيني (المبحوح) في الامارات، أو في الاغتيال المفتوح على كوادر «حماس» و«حزب الله»، وقبلهما كل قوى المقاومة. وماذا عن قادة لبنان، قادة السياسة والرأي، وعشرات الآلاف من ضحايا الحرب الأميركية الإسرائيلية المستمرة منذ أربعة عقود. منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري أخذ فريق سياسي البلد رهينة لشعار «الحقيقة والعدالة». اختار قضية واحدة مثقلة بطاقة التحريض السياسي. لم ينتظر نظام العدالة لأنه متورط في مشروع، ومنخرط في حبك روايته. فاقت الغيرة على «الشخص» كل حدود، حتى ان هذا الفريق باع كل قضية أخرى تخصه. رؤساء جمهورية وحكومات وزعماء أحزاب وتيارات ومجازر جماعية، ذلك كله اختُصر في شخص له عزوة، ولدى المدافعين المستجدين مدد مالي واعلامي ووظيفة سياسية. لكن «الشخص» ليس إلا المفتاح لأقفال أخرى على الحقيقة: سوريا ودورها، المقاومة ودورها، ولبنان في نهاية المطاف. كيف يقيمون في لبنان صدعاً جغرافياً فينفلق عن تاريخه ويتحول إلى محمية أميركية تعيد تقديمه لإسرائيل مستسلماً متنازلاً عن القوة ليبرر تنازله عن الحقوق الوطنية في بعض الأرض والماء والنفط والتوطين وحريته وسيادته. يقولون: هذه لغة «تخوين». عفواً. إذاً هذا مشروع غباء وخطأ وخطيئة واستهتار بما تعنيه تلك الادوار التي طلبت الحماية للبنان من أميركا، والعدالة من مجتمع الجريمة الدولية المنظمة، والاستقرار من الإرهاب العالمي الأعظم. تبدلت الحقيقة عند هذا الفريق بين ليلة وضحايا، وصار هذا الرهط من السياسيين يقول ما يلقّن، وهو لا يخفي أبداً الترابط بين «الحقيقة» و«العدالة»: الحقيقة سياسية والعدالة سياسية، وكلتاهما تصب في أمن إسرائيل المقدس لدى الغرب. نحن أيضاً «نتهم بالسياسة» أي دولة بنوا وأي فساد وأي مديونية وأي جيش وأي عدالة وأي اقتصاد. من الواضح ان منظومة هذا الفريق السياسي مترابطة في هذه الحلقات جميعها. استثمروا البلد وشلّعوه، بقصد أو بغير قصد. هم طبقة سياسية فاسدة وفاشلة وقد أنتجوا دولة فاشلة. جميعهم جاؤوا من رحم العلاقات الخارجية ونفوذ الخارج بوجه عربي أو افرنجي. هذه طبقة سياسية مستوردة تتجدد منذ تاريخ قديم لأنها أعطيت وطناً لم تكن تسعى إليه أو تبحث عنه. وطنها الحقيقي مصالحها، ومشروعها السياسي طوائفها، ودولتها سلطتها، ومستقبلها حقيبتها. لو ان هذه الطبقة السياسية تناضل في سبيل لبنان كما تستبسل اليوم وتبذل كل ما تستطيع لإنتاج غلبة داخلية مرتبطة بالغرب، لكانت أعطت لبنان الكثير. قد يوثق اتهام إسرائيل بآلاف القرائن، فهي الطرف المباشر المعني بالفوضى اللبنانية وبإسقاط مناعة هذا البلد وكسر انجازاته، لكن هذا لا يشفي غليل أولئك الذين يريدون شيئاً آخر من الحقيقة ونسخة منقحة عن السيناريو السابق بوجه سوريا. هناك مخرج واحد ليس دفاعاً أو تبرئة، وليس تلاعباً بمخيلة الجمهور وعواطفه. انه التحقيق الذي يبدأ بالوقائع لا بالدوافع المعنوية. وكي يصحح مسار التحقيق عليه ان يبدأ من الطرف الذي حاول تشويهه وأخذه إلى الجريمة الأكبر التي تستهدف كل لبنان وسلمه الأهلي وموقعه العربي والوطني. هذه الخفّة التي يتعامل بها هذا الفريق تفرض ان يقال له: إلى أين يذهب بالبلد. نعرف أنه يتبرّأ من الفتنة، ويتظاهر بالعجز عنها، ويتذرع بأن مشكلة من يطاوله الاتهام هي مع المجتمع الدولي. ليس قرار المحكمة ما يخيف ولا سلطانها، بل التأسيس على ذاك القرار قرارات دولية وانكشاف أكبر أمام الضغوط واسقاط شرعية المقاومة هذه المرة من باب اتهامها بالإرهاب والتشكيك بشرعية سلاحها. إذا كان هؤلاء يعتقدون ان هذه النتيجة مرضية لهم، فهم إذاً يريدون هذه «الحقيقة» بالذات وهذه «العدالة»، كي يضعوا البلاد في هذه المواجهة. سمع يا شباب: هذه اللعنة لن ترحم أحداً. خطر المحكمة انها مدخل لقرارات دولية جديدة تبدأ بحصار المقاومة وتمتد إلى كل لبنان والمنطقة.
مخابرات الجيش توقف موظفاً ثانياً ... ومصدر أمني يعتبره «أخطر من شربل»
في الوقت الذي قامت فيه قيامة الدولة ولم تقعد بعد، ردا على فعل مستنكر في مطار بيروت الدولي، ولو أن «بطله» شخص فاقد الأهلية، فان هذه الدولة نفسها، لم تكلّف نفسها عناء اجتماع عمل حكومي واحد يخصص فقط لمعرفة حدود الخرق الاسرائيلي لمرفق حيوي، اقتصاديا وأمنيا وخدماتيا، كشبكة الاتصالات الخلوية، لا بل انبرى فريق محلي للتشكيك في ما يقوم به الجيش اللبناني، تماما كما حصل بعد توقيف أحد رموز العمالة لإسرائيل في البقاع قبل نحو سنة. وفي الوقت الذي لم تجد الدولة نفسها ما يستدعي أن تحيل المعاهدة الأمنية مع الولايات المتحدة قبل سنوات الى المجلس النيابي، مع ما تضمنته من منح اعفاءات جمركية ومنح حصانات لموظفين مدنيين أجانب، فضلا عن اعتماد المفاهيم الأميركية للارهاب، فان الدولة نفسها، استفاقت متأخرة، لتطعن بمشروعية وشرعية كل مضمون المعاهدة الأولى من خلال احالة الاتفاقية الأمنية بين لبنان وفرنسا، الى مجلس النواب! وفي الوقت الذي كان ينتظر أن يكون مجلس النواب الجديد، خلية عمل حقيقية بالمعنى التشريعي والانتاجي، فانه بسلوك بعض الأعضاء فيه، سيحطم رقما قياسيا، في اطلاق المواقف العنصرية، خاصة ازاء الشريحة الفلسطينية التي تسببت الجريمة الاسرائيلية باقتلاعها من أرضها الى لبنان قبل أكثر من ستين سنة، لتجد نفسها، أمام مأساة يومية متجددة. وفيما احيل «جاسوس الالفا» شربل ق. الى القضاء العسكري لاستكمال التحقيق معه، بدأ فصل آخر من الاختراق الاسرائيلي للهاتف الخلوي في لبنان مع تمكن مخابرات الجيش اللبناني من القاء القبض على موظف كبير في الشركة نفسها مشتبه بتعامله مع العدو الاسرائيلي. وحسب مصادر امنية واسعة الاطلاع فان المشتبه به يدعى (طارق ر.)، في العقد الرابع من العمر من سكان عرمون حاليا وقبلها في الطريق الجديدة، متأهل من دون اولاد، وهو مهندس اتصالات يعمل في الشركة منذ العام 1996، ووظيفته تحديد المحطات ونمط عمل الارسال، ويعد من المتميزين في هذا الاختصاص. ولم تؤكد المصادر الامنية او تنفي ان يكون المشتبه فيه قد تمّ اكتشافه بالاستناد الى الاعترافات التي ادلى بها «جاسوس الالفا»، الا انها اكتفت بالاشارة الى ان القاء القبض عليه تمّ ظهر يوم الاثنين الماضي، وقد بوشر التحقيق معه في اطار من السرية البالغة. وفي موازاة، احالة «جاسوس الالفا» على قاضي التحقيق العسكري الاول رياض ابو غيدا، اكدت مصادر مطلعة لـ«السفير» ان محضر استجوابه لدى مخابرات الجيش اللبناني تضمن اعترافات يروي فيها مسيرة تعامله مع العدو وصولا الى الخدمات التي قدمها للعدو الاسرائيلي وذلك حتى ما قبل ساعات قليلة من القاء القبض عليه... وأبرزها قدرته على ادخال الاسرائيليين على كل أقسام «الفا» بعدما تبين أنه يملك «مفتاح الدخول»(password) لكل العاملين في الشركة بما في ذلك الأعلى رتبة وظيفية منه. واكتفت المصادر بالقول ان «اخطر الخدمات وفـّرها شربل للعدو»، بحيث اعترف بأنه اعطى «مفتاح الدخول» للاسرائيليين وسهـّل لهم «دخولا مزدوجا» الى الشبكة الخلوية، بحيث يتيح الدخول الاول، للاسرائيليين من ناحية التحكم بالخطوط والمخابرات سواء بالتنصت الكامل وبحرية مطلقة على المكالمات الخلوية او تعقب المشترك وتحديد اماكن المشتركين، وقد نصب العدو مجموعة من الصحون اللاقطة وأعمدة الارسال والالتقاط على الجانب الآخر من السياج الحدودي وبالقرب من المستوطنات الاسرائيلية قرب الحدود مع لبنان لهذه الغاية. أما الدخول الثاني فهو الاخطر، تضيف المصادر، اذ ان قدرة الاسرائيلي الى دخول الشبكة عبر التسهيلات التي اتاحها شربل، يمكنه من تدمير الشبكة تدميرًا كاملا، عبر إرسال «فيروس» يمحو من خلاله كلّ شيء في الاجهزة، وبالتالي وقف الاتصالات في لبنان خلال دقائق قليلة جدا. وفيما كان وزير الاتصالات شربل نحاس يعقد سلسلة من الاجتماعات المتواصلة مع موظفي الوزارة وشركتي «الفا» و«ام تي سي» لاتخاذ اجراءات تحول دون تكرار ما حصل، فان رئيس لجنة الاعلام والاتصالات النائب حسن فضل الله واكب ذلك أيضا عبر سلسلة مشاورات تحت عنوان «تحديد حجم الاضرار الناجمة عن هذا التجسس والاجراءات الواجب اتخاذها لتأمين السلامة الامنية وتحصين هذا القطاع». وقالت مصادر متابعة لـ«السفير» ان تحرك نحاس وفضل الله بالتنسيق مع قيادة الجيش جاء بعدما أكد اختصاصيون وخبراء في مجال الاتصالات ومن بينهم من يتولى مسؤوليات في قطاع الخلوي حاليا، ان حجم الخرق الذي قام به شربل «كبير جدا ويفترض استنفارا سريعا لاحتوائه». واوجز الاختصاصيون والخبراء الخرق في مجموعة نقاط ابرزها: ـ ان طبيعة عمله تخوله الدخول اينما اراد في الشركة، حيث لا توجد ضوابط او عوائق امامه. ـ انه يستطيع ان يقدم معلومات عن كل مشترك في الهاتف، ويستطيع ان يدخل الى الـ«سيرفير» المركزي، على اساس ان كل الشفيرة بين يديه، من موقعه في الصيانة. ـ يستطيع ان يحدد مكان أي متصل او مشترك ضمن شركة الفا وفي أي نقطة في لبنان. ـ يمتلك كلمات المرور العائدة لحواسيب الشركة ويستطيع الدخول بحرية مطلقة وان يفسح المجال للتحكم بالشركة عن بعد. ـ يستطيع ان يتلاعب بالداتا والقاعدة المعلوماتية. ـ يستطيع ان يكشف الشبكة بالكامل لاية جهة خارجية بحيث يتيح لتلك الجهة حرية ان ترى كل شيء وان تتصرّف بكل شيء وان تتنصت وتتعقب بكل حرية. ـ يمتلك القدرة على برمجة خط اضافي على أية بطاقة «سيم كارت»، أي ان يضع خطا ثانيا عليها. والمعروف انه لكل بطاقة «سيم كارت» رقم سري، وبمجرّد ان يفتح هذا الرقم السري يستطيع ان يدخل الى بنك المعلومات الخاص بصاحب البطاقة ووصول هذه الخدمة للاسرائيلي تضع كل شيء امام عينيه. وعلم أنه قد عقدت سلسلة اجتماعات لهذه الغاية بين النائب حسن فضل الله ووزير الاتصالات شربل نحاس اعقبه اجتماع بين رئيس لجنة الاتصالات وممثلي الشركات، ومن ثم مع الهيئة الناظمة للاتصالات، التي وضعت برنامج «عمل سريع» لمعالجة ما يمكن معالجته وتفادي حصول امر مماثل في المستقبل، واتخاذ اجراءات تحصينية لهذا القطاع من الداخل والخارج. وسلمت نسخا منه الى كل من رئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الاتصالات والنائب فضل الله وقيادة الجيش اللبناني. وعلم ان الهيئة اقترحت في برنامجها ان تبادر شركات الاتصالات واوجيرو، وشركتي الخلوي وشبكات الانترنيت والمصارف، الى اعتماد سياسة امان كاملة وشاملة تهدف الى ضمان عدم انتهاك الشبكة او التسلل اليها من قبل أي كان، وهذا يوجب على تلك المؤسسات والشركات ان تجري سريعا عملية تدقيق شاملة للتأكد مما اذا كانت تعرّضت لعمليات تسلل او اختراق في الماضي. وترتكز سياسة الامان التي تدعو اليها الهيئة الناظمة الى ان تنشىء كل شركة او مؤسسة وحدة امان، وضبط سياسة والدخول الى الشبكة، وحماية كلمات الدخول والمعلومات الشخصية، وضبط الدخول المادي الى المواقع، واعتماد قيود صارمة حيال سياسة التعامل مع الاطراف الخارجيين من مصنعين او متعاقدين... واجراء مراقبة حثيثة ودورية لعمل الشركات المشغلة، وتحديد وسيلة واضحة للتأكد من ضبط وصوابية وحسن اختيار الشركة المشغلة والموردة لأي من عناصر واقسام الشبكات، والمقصود هنا التدقيق في الموظفين وجنسياتهم وخلفياتهم والى من يتبعون واين يصبون في نهاية الامر، كما التدقيق في الشركات الاجنبية وضمان الا تكون مخترقة من جهات معادية للبنان. نصرالله ـ عون: مواجهة كل الاحتمالات سياسيا، تقدم اللقاء الذي جمع الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله ورئيس تكتل الاصلاح والتغيير النائب ميشال عون، على سائر العناوين السياسية الداخلية. وافاد بيان مشترك ان البحث تناول الوضع الحكومي ومختلف القضايا والمستجدات السياسية على مستوى لبنان والمنطقة. وتضمن البيان اشارة لافتة للانتباه الى ان موضوع المحكمة الدولية كان محل نقاش بين نصرالله وعون ولاسيما من زاوية ما يحضّر للبنان على هذا الصعيد. وأكد الجانبان على استمرار التفاهم والتنسيق الكاملين لمواجهة كل الاحتمالات بما يخدم المصالح الوطنية. من جهة ثانية، انعقد مجلس الوزراء في السرايا الكبيرة برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري، الذي أعرب عن استيائه من النقاشات النيابية التي أحاطت الاتفاقية الأمنية الفرنسية اللبنانية، مستغربا كيف ان مجلس الوزراء اقر تلك الاتفاقية بينما تشن حملة من جهة ثانية عليها في مجلس النواب، وشدد على حماية التعاون الوزاري لتمكين الحكومة من مواجهة التحديات، مشيرا إلى أن تعريف الإرهاب مشترك لدى كافة الاطراف السياسية والتعريف الوحيد ورد في الاتفاقية العربية ومتوافق عليه. ورد بعض وزراء المعارضة على رئيس الحكومة بالتذكير بالتحفظ الذي ابدوه في مجلس الوزراء خلال درس تلك الاتفاقية. ولم يبت مجلس الوزراء في البند المتعلق بـ«حزب التحرير» على اساس انه لم يرد في جدول الأعمال، واما بالنسبة الى ما حصل في المطار، فقد كلف مجلس الوزراء لجنة مشتركة خاصة لإجراء دراسة شاملة حول كافة الأمور. وفيما دعا الحريري الى اتخاذ الاجراءات الضرورية لتحسين سير العمل فيه، عرض وزير الداخلية زياد بارود قضية رئيس جهاز امن المطار العميد وفيق شقير، مؤكدا ان المسؤولية في المطار متشعبة وموزعة، وجهاز امن المطار ليس مسؤولا عن كل شيء، وهناك ثغرات، مشيرا الى ان شقير هو من اكفأ الضباط الذين عمل معهم.بعدما ناقش مجلس الوزراء المسودة الثانية المعدّلة لمشروع قانون الانتخابات البلدية والاختيارية التي وضعها الوزير زياد بارود، أرجأ الغوص في ملف هيئة الإشراف على الحملة الانتخابية الى جلسة اليوم، بعدما كانت قد تضاربت المواقف حول مصير الهيئة، في ضوء تجربة دورها في الانتخابات النيابية الأخيرة، خاصة أن بارود اتخذ موقفاً نسبيا قبل أن يعود لتبنيها. وبينما الأنظار متجهة نحو هذه الهيئة وإمكان تشكيلها، عادت الى الواجهة حملة الاعتراض على مبدأ النسبية، الأمر الذي يفتح الباب أمام طرح أسئلة من نوع هل سينفجر الوضع داخل جلسة اليوم وما هو موقف رئيسي الجمهورية والحكومة النهائي من هذا الاستحقاق وهل هذه الجلسة ستكون الأخيرة للبحث في هذا الموضوع كما جرى الاتفاق السبت الفائت؟ وهل نكون اعتباراً من اليوم أمام أمر واقع اسمه الانتخابات البلدية غداً وفق القانون القديم أم يصار للتأجيل على اساس أولوية الاصلاحات؟ يقول وزير سيادي إن رئيس الجمهورية «كان حاسماً في الجلسة الأخيرة لناحية أن جلسة اليوم ستكون الأخيرة متمسكاً بموقفه القائل باحترام المواعيد الدستورية وإبقاء الانتخابات في موعدها، وبالتالي، يقود ذلك للسير بتشكيل هيئة الإشراف على أن يأخذ الوزير بارود المهمة على عاتقه متحدياً الجميع. وترفض شخصية مقربة من رئيس الجمهورية تحميل مجلس النواب أي مسؤولية لناحية التأخير في دراسة ملف الانتخابات البلدية معتبرة ان القضية وضعت على طاولة مجلس الوزراء منذ أشهر وحتى اليوم لا قرار سياسياً بشأنها. في المقابل، وبينما يصر «تيار المستقبل» على تشكيل الهيئة، يعبّر نائب في كتلة المستقبل عن تخوفه من عدم قدرة الوزير بارود على تشكيل هيئة الإشراف في الوقت المناسب، مشدداً على أن التيار يريد الانتخابات البلدية بأي طريقة كانت، مع إصلاحات وهيئة إشراف أو من دونهما... اما الاعتراض الكتائبي الذي عبّر عنه النائب سامي الجميل على الصيغة التي طرح فيها مبدأ النسبية، فمنسق بالكامل، وبحسب مصدر كتائبي مطلع، مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي سيرفض النسبية أيضاً، وهو أكّد لسامي الجميل خلال اللقاء الذي جمعهما في المجلس النيابي أنه يؤيد طرحه الرافض للنسبية وأن وزراءه سيعبرون عن ذلك من خلال صيغة مدروسة ومنطقية مبنية على الحجج والبراهين. ويقول أحد وزراء «اللقاء الديموقراطي» الحزبيين أن «اللقاء» تحفظ على النسبية، وطرح علامات استفهام حول هيئة الاشراف، لكنه في المضمون أبلغ الجميع أنه يؤيد اجراء الانتخابات وأنه لا يجوز أن يسجل للحكومة أنها فقط أقدمت على تطيير الانتخابات البلدية وأن انجازها اليتيم الوحيد هو اعلان عيد بشارة العذراء مريم عيداً وطنياً، مع التقدير لكل المناسبات الدينية والوطنية. وتقول مصادر في وزارة الداخلية أن اللجنة الوزارية المؤلفة من الوزراء زياد بارود، محمد جواد خليفة، جان أوغاسابيان، جبران باسيل، والمعنية بتأليف هيئة الاشراف، عقدت اجتماعها الأخير، أمس الأول، ووضعت لمساتها الأخيرة على التقرير، الذي ستعرضه على مجلس الوزراء. أما تكتل التغيير والإصلاح الذي وافق في السابق على مبدأ النسبية التي تؤمن المشاركة الحقيقية بنظره، فسيبقى بحسب ما كشفه أحد وزرائه على موقفه السابق مع طرحه بعض الملاحظات المتعلقة بالأمور التطبيقية لمبدأ النسبية. السيناريو المتوقع اليوم، يشير الى استعمال مبدأ النسبية مجدداً كصاعق لتفجير النقاشات وإعادتها مجدداً الى نقطة الصفر في ظل رفض رئيس الجمهورية تحديد أي موعد آخر للبحث في الإصلاحات وتأرجح المواقف السياسية الأخرى بين داعمة لإجراء الانتخابات البلدية في العلن ورافضة في السر، الأمر الذي قد يؤدي الى حرمان الناخبين من حق ديموقراطي آخر كفله لهم الدستور قبل أن يقع ضحية الحسابات السياسية الضيقة القائمة على الربح هنا والخسارة هناك
مارون ناصيف.
بدأ الاهتمام الجدي بمشروع موازنة العام 2010 مؤخراً، علماً بأنه كان يفترض بحكومة منبثقة عن انتخابات نيابية عامة وتأخر قيامها بضعة أشهر، وبالتالي لم تتمكن من تقديم الموازنة ضمن المهلة الدستورية، كان يفترض بهكذا حكومة أن يكون تقديم الموازنة أولى أولوياتها، خاصة أن الدولة تعيش من دون موازنات منذ سنة 2005، وأيضاً لأن رئيس الحكومة الجديد يدخل امتحانه الأول والأهم والأصعب في المجال الاقتصادي، والسياسي على حد سواء. وهنا، يلفت نظرنا ما بدا من جانب فريق السلطة من عودة إلى مقولات سابقة، وإن صيغت بقوالب وتعابير جديدة. ومنها أنه لا يجوز العودة إلى زيادة الدين العام! وأنه لا يجوز القبول بنفقات جديدة (يطلبها بعض الوزراء الجدد) إلا إذا ترافق ذلك مع القبول بواردات جديدة تؤمن المبالغ نفسها كحد أدنى! كل هذا لأنه سيؤثر سلباً على الفائض الأولي (!) ويزيد من نسبة العجز... إلخ، ولنا على هذا الكلام الملاحظات التالية: «تعقيم السيولة»!). ثم أيضاً، هل عبء الدين هو المهم أم أن نسبة هذا العبء إلى الدخل (دخل الخزينة و/أو الدخل الوطني) هو الأهم؟ وإذا كانت نسبة العبء إلى الدخل هي الأهم، فإنه يمكن تخفيضها طبعاً بزيادة الواردات مباشرة، وأيضاً بزيادة الدخل الوطني (وبالتالي زيادة الواردات) عن طريق النفقات الجديدة! (وهنا لا بد من أن نشير إلى السهولة والمرونة العالية التي يبديها المسؤولون في تحديد حجم الناتج المحلي القائم!). لكل ذلك وجب تحديد المقصود بمقولة عدم زيادة الدين العام حتى يكون النقاش جدياً وهادفاً. هكذا، فالمطلوب اليوم، أكثر من أي وقت سبق، أن نعيد النظر في تفاصيل النفقات العامة، وأن نعيد ترتيبها وفق سلم أولويات يتوافق مع «أولويات الناس» وليس مع أولويات ورغبات وجشع ونهم القليل القليل منهم، وبما يُنتج أعلى نسبة من النفع العام (وليس المنفعة الخاصة). ومن غير المقبول بعد اليوم أن نستغل أي ذريعة ممكنة للإمعان في زيادة بعض الضرائب ذات التأثير التراجعي، خاصة الضريبة على القيمة المضافة وبعض الرسوم وأسعار السلع والخدمات العامة. 1 ـ نبدأ بمقولة عدم جواز العودة إلى زيادة الدين العام. ونسأل: هل يعني ذلك عدم جواز زيادة حجم الدين العام بالمطلق؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب، فهل يعني ذلك عدم جواز زيادة حجم الدين العام بالليرة أو بالعملات الأجنبية أو بالعملات جميعاً؟ وهل انه لا فرق في حجم الدين بالليرة وحجمه بالعملات؟ ثم، هل حجم الدين العام هو الأساس والمهم، أم عبؤه (أي الفائدة المترتبة عليه) هو الأهم؟ وإذا كان العبء هو الأهم فبالإمكان تخفيفه عن طريق تخفيض الفائدة، إضافة إلى تخفيض حجم الدين. (وهنا نسجل أن الخزينة تستمر في دفع نسب فائدة مرتفعة تحت ذريعة
2 ـ أما مقولة إنه لا يجوز القبول بنفقات جديدة ما لم يتم القبول بواردات جديدة والمبالغ نفسها على الأقل، فهي مقولة لا تصمد أمام التحليل المنطقي، وتستخف بعقول من يسمعها. ذلك أنها تفترض أن جميع النفقات القائمة عند البحث بنفقات جديدة هي نفقات لها أولوية مطلقة، وغير قابلة للبحث في شطبها أو على الأقل تخفيضها، وأنها شبه مقدسة لا تمس!!! فهل هذا صحيح؟ ومن قال إن القبول بنفقات جديدة يعني حكماً زيادة في مجموع النفقات؟ ألا يمكن أن تخفض بعض النفقات القائمة حالياً ويعاد تحويل بعضها الآخر لتفسح المجال لأولويات إنفاق جديدة؟ وهل صحيح أن النفقات الحالية لها جميعها أولوية على أي نفقة جديدة؟ نحن موقنون بأنه بالإمكان تأمين المال اللازم لنفقات جديدة تكون لها أولوية على نفقات قائمة عديدة من دون أن يؤدي ذلك إلى زيادة في مجموع حجم النفقات العامة (وهذا ما قمنا به خلال فترة ولايتنا القصيرة في وزارة المالية 2004 ـ 2005). أي أن موضوع النفقات الجديدة المطلوبة يجب أن يبحث من باب مفاضلة أولوياتها مع أولويات النفقات القائمة التي يفتقر العديد منها لأي أولوية اقتصادية أو اجتماعية، وليس من باب ضرورة فرض ضرائب ورسوم جديدة! 3 ـ والأمر نفسه ينطبق على موضوع الواردات، أي الضرائب على مختلف أنواعها والرسوم وأسعار السلع والخدمات العامة. إذ انه حتى لو لم نكن بحاجة إلى موارد إضافية (ونحن هنا نجزم بأنه لا حاجة اليوم للخزينة لها)، فإنه من الملح والمطلوب إعادة النظر بهيكلية الواردات العامة وذلك بغرض تأمين عدالة اجتماعية أعلى وتأمين إعادة توزيع للدخل والثروة بين المواطنين والمناطق أكثر عدالة، ومن أجل خدمة الأهداف الاقتصادية العامة كالتنمية والتثبيت الاقتصادي (وليس النقدي المشوّه). ذلك أنه لا أحد يُقر بأن هيكلية الواردات العامة القائمة اليوم هي الأفضل، وأنه لا يمكن الاستفادة من إعادة النظر بها جذرياً خاصة لجهة تحميل المُكلفين بالنسبة إلى قدرتهم على الدفع. إلا أن مثل هذه الورشة يصعب الدخول فيها الآن ونحن على أبواب تحضير الموازنة العامة، المتأخر تحضيرها أصلاً
الياس سابا - "السفير".