تشومسكي ضيفاً على الجنوب: إذا «تعقّلت» إسرائيل ... فلا حرب

جنان جمعاوي «السفير» - السبت ٢٢ أيار ٢٠١٠ إذا ضرب الإسرائيليون لبنان.. على إيران أن تستعد، لأنها ستكون الهدف الثاني. هكذا يختصر المفكر الأميركي نعوم تشومسكي، الذي قام أمس بجولة في الجنوب، في الذكرى العاشرة للانسحاب الإسرائيلي، أحاديث الحرب المحتملة في المنطقة. لا يقول تشومسكي إن الحرب ستقع. ولكنه لا يقول إنها لن تقع. فكل شيء منوط بأن «يحكّم الإسرائيليون عقلهم، وعندها فقط لن يفعلوا». كان تشومسكي قد استبق حديثه إلى «السفير» بوصف الدولة العبرية بأنها «غير عقلانية وهستيرية وتعاني جنون الارتياب». (تفاصيل صفحة 8) وجال تشومسكي، وابنته آفي، وصديقه الأستاذ الجامعي عساف كفوري وعقيلته أيرين، والمسؤول في «نادي اللقاء» الذي يستضيف المفكر الأميركي، الطبيب غسان عيسى، في عدد من المناطق الجنوبية، أبرزها مدينة صور، حيث التقى مسؤول المنطقة في حزب الله الشيخ نبيل قاووق. بعدها توجه تشومسكي إلى بلدة بنت جبيل، ومارون الراس، فوقفة عند بوابة فاطمة، قبل أن يتوجه إلى معتقل الخيام، فبلدة مليتا، حيث حضر حفلاً افتتح فيه حزب الله «المعلم الجهادي السياحي الأول عن المقاومة»، وذلك لمناسبة الذكرى العاشرة للانسحاب الإسرائيلي من غالبية الاراضي اللبنانية. خلال الجولة، تحدثت «السفير» مع تشومسكي، حول الأوضاع في المنطقة. لم يستبعد اندلاع حرب في المنطقة. ولكنه لم يجزم. وقال إنه «إذا ضربوا إيران، فإن حزب الله سيرد بضرب إسرائيل»، أما «إذا ضربوا لبنان أولاً، فهذه إشارة لإيران. وعليهم (الإيرانيون) أن يكونوا مستعدين». وعن الانفتاح الأميركي على سوريا، قال تشومسكي إن الولايات المتحدة «تريد أن تتحكم في الوضع (هناك على أمل) إبعادها عن طهران»، وهذا ما لن يحدث. ثم وصف تركيا وكذلك البرازيل بأنهما «قوتان ناميتان استقلتا» على الساحة الدولية، مشدداً على أن أنقرة «تتغير وتنفتح على الشرق، وهذا طبيعي»، مشيراً إلى أن «واشنطن لا تحب ذلك». وانتقد تشومسكي السعوديين والمصريين، وخاصة في ما يتعلّق «بما لا يقومون به من أجل الفلسطينيين»، واصفاً حل الدولتين، لإنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بأنه «فظيع، ولكنه الوحيد القائم»، باعتبار أن حل الدولة الواحدة (بقوميتين) يعني «إرغام الفلسطينيين عن التخلي عن الأمل وأن يُتركوا أمام خيارين: إما الفرار أو الموت». كما وصف الوساطة الأميركية لحل هذا الصراع بأنها «مزحة»، فالرئيس الأميركي باراك أوباما لا يكترث حقيقة، جل ما يهمه هو «ألا يُهان. وهو يريد من إسرائيل أن تأخذ ما تريده (التوسع الاستعماري)، ولكن عبر الخضوع لما تفرضه الولايات المتحدة» عليها. الدولة العبرية «غير عقلانية وهستيرية وتعاني جنون الارتياب» تشومسكي يجول في الجنوب «متعلّماً»: إذا فكرت إسرائيل ملياً... فلن تشن حرباً على لبنان اضغط  على الصورة لمشاهدتها بالحجم الطبيعي تشومسكي في معتقل الخيام (بلال قبلان)   «إنني أتعلّم» قال. وبالفعل، لم يتوقف المفكر الأميركي نعوم تشومسكي عن السؤال طوال الرحلة إلى الأراضي المحررة في الجنوب اللبناني. «ما اسم هذه القرية وما اسم تلك؟». تساءل مراراً عما إذا كانت نقاط التفتيش التي مررنا عبرها «لبنانية»، وليست تابعة لليونيفيل. «لمن تعود تلك الصور المشكوكة على طول الطريق الجنوبية؟» كما كان حريصاً على السؤال عن قانا، «حيث وقعت المجزرة». لم يكلّ من التعلّم... ذلك الرجل الموسوعة، المتخفف من سنواته الثمانين ونيف، بروح نكتة حاضرة، وعينين مفتوحتين على الحياة، وآذان تصغي بتمعن لسؤال السائل، وذهن جاهز ليفضي بما يُسرّ... من تحليلات. أربع سنوات على زيارته الأخيرة إلى لبنان، عاد تشومسكي إلى الجنوب. «أريد أن أعود إلى الخيام». ثم يسأل «هل تهدّم المعتقل بالكامل؟». لا ينتظر جواباً: «أعتقد أن عليهم أن يعيدوا بناءه... لأنه أثر مهم». يستذكر انه عندما قدم إلى الجنوب في أيار 2006، أي قبل نحو شهرين من العدوان الإسرائيلي «كان هناك أمل... كان هناك حماسة. لم أشعر بأن هناك أجواء حرب». فهل يشعر بذلك الآن؟ هو لا يبدي تفاؤلا ويحجم عن التشاؤم. الرحلة ـ العودة الانطلاقة كانت عند الساعة السابعة صباحاً من شارع الحمرا. جاء «متسلحاً بجينز شبابي وحذاء رياضي... عدّة الرحلة». ثم ينتبه بأن «قبعته مفقودة... لا بأس». ليس رجلاً متطلباً. وذلك سيظهر في كل محطات الرحلة الطويلة. على الدرب إلى الجنوب، كان لـ«السفير» دردشة مع تشومسكي، عن السياسة الخارجية الأميركية، والملف الإيراني، واحتمالات الحرب. يكتفي أن تلمّح إلى قلق من عدوان إسرائيلي، حتى يأخذ تشومسكي دفة الحديث ليصف إسرائيل بأنها «غير عقلانية، وهستيرية، وتعاني من جنون الارتياب». له لوصفه هذا العديد من الأسباب، أبرزها «الطريقة الولادية والمتعجرفة التي تعامل فيها الإسرائيليون مع السفير التركي (أحمد تشليكول)، ومع نائب الرئيس الأميركي (جو بادين)». وعليه، فإنه «من الصعب توقع ما إذا كانوا سيقومون بهذا (شن حرب)». يقول تشومسكي إنه «إذا استخدم الإسرائيليون عقلهم، وأطرقوا في الأمر، فإنهم لن يشنوا أي حرب»، آخذاً عليهم عدم تعلّمهم من دروس الماضي. «فقبل أن يغيروا على مفاعل تموز العراقي (حزيران 1980)، لم يكن هناك برنامج نووي عراقي». احتمالات الحرب إذاً، هو يتحدث عن احتمالات ضرب إيران، الذي سيأتي بنتائج عكسية، «لأنه، عندها فقط، سيزيد تصميم طهران على تخصيب اليورانيوم». ليس واضحاً كيف يتذكر تشومسكي في هذه اللحظة من حديثه، مصر، التي «سمحت لإسرائيل إرسال غواصات بإمكانها أن تحمل صواريخ نووية، لا يمكن رصدها (عبر الرادارات) عبر السويس»، كل ذلك «تهديد لإيران». أما عن احتمالات الحرب على لبنان، فتشومسكي «لا يراها سوى في إطار هجوم شامل على إيران»، وعندها «سيكون هناك غارات فقط، ولكن لا توغل». بالعودة إلى إيران، تُرى من أين يأتي خوف الإسرائيليين وحتى الأميركيين من طهران؟ «حتماً من النفوذ الإيراني المتنامي، ولأن إيران تشكل عقبة أمام الممارسات الأميركية» في الشرق الأوسط، يجيب تشومسكي، ففي النهاية «فإن الرابح الأكبر من الحروب الأميركية في المنطقة، سواء في أفغانستان والعراق، هم الإيرانيون»، فـ«أميركا خلّصتهم من أعدائهم»، في كلا البلدين، «لقد رأينا كيف تقاطر العراقيون إلى طهران، بعد الانتخابات. أما في أفغانستان، عليكم فقط أن تشاهدوا الازدهار في هرات»، المحاذية للجمهورية الإسلامية. يستغرب هذا الخوف من إيران، «فلا أحد يمكنه أن يتوقع منها أي عمل عدائي»، والمثل الوحيد لمثل هذا العمل يعود لسبعينيات القرن الماضي، «عندما غزا الشاه، وهو رجل الغرب، الجزر الثلاث» طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى. فلسطين وعن رأيه بالسلطة الفلسطينية. يطرق مفكراً لينتقي كلماته. يتم تذكيره بأنه وصفها في أحد مقالاته بـ«المتعاونة» مع إسرائيل. «نعم هي كذلك»... إذاً كيف كان بإمكانه لقاء رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض، لو كانت إسرائيل قد سمحت له بالعبور إلى الضفة الغربية قبل أيام؟ يبدو أن تشومسكي لا يحاسب على الماضي. ففياض «يمارس اليوم ضغوطاً على إسرائيل، بشأن المستعمرات. وهو يروج لحملة مقاطعة بضائع المستعمرات. وهو يحاول تقييد عمل الفلسطينيين في المستعمرات. وهو أعلن مؤخراً أنه سيشيد مشاريع تجارية في المنطقة جيم (في الضفة ولكن الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية)، وأنه سيعاود تشييدها كلما دمرها الإسرائيليون (بحسب تهديداتهم). فضلاً على أنه بات واعياً لما باتت عليه الحركة الصهيونية». لدى تشومسكي عتب «متكرر» على الفلسطينيين «الذين يصرّون على العمل وفق المبادئ. وأنهم يكثرون الحديث ويفتقرون إلى آليات التنفيذ». يروي كيف أنهم فوتوا على أنفسهم «فرصة بناء مجموعة ضغط داخل الولايات المتحدة»، كان يتحدث عن منظمة التحرير الفلسطينية أيام الرئيس الراحل ياسر عرفات. لو قدّر لها أن تكون، هل كان بإمكان العرب أن يدعموا مجموعة الضغط الفلسطينية؟ جواب تشومسكي كان سلبياً، فـ«السعوديون لا يهتمون بمساعدة الفلسطينيين، همهم هو تكديس المال». أما مصر فوصفها بأنها «أسوأ من إسرائيل»، راوياً كيف توصلت قطر قبل أيام إلى اتفاق مع إسرائيل، تعيد بموجبه علاقاتها الدبلوماسية مع تل أبيب، لقاء السماح بتمرير مواد للبناء إلى قطاع غزة. لكن القاهرة رفضت. لماذا؟ «لأن القاهرة تخشى من حماس. وتأثيرها في تعزيز نفوذ الأخوان المسلمين». وما الجدار الذي تبنية على حدود القطاع سوى «محاولة للسيطرة على حماس»، التي وصفها بأنها «غير فاسدة» وإن كان لديه في جعبته انتقادات يوجهها إليها، حول ممارساتها. تُرى لو كان هناك مثل هذه المجموعة، هل كان بإمكانها مواجهة أخطبوط اللوبي الصهيوني؟ «نعم»، يجيب تشومسكي، ليس من منطلق أن مجموعة الضغط الفلسطينية كانت ستصير أقوى، ولكن من منطلق أن «اللوبي الصهيوني قوي ولكنه ليس الأكثر نفوذاً»، لا بل أنه «عاجز عن مواجهة النفوذ الأميركي». ليوضّح المسألة، يعرض تشومسكي مثالاً: «بإمكان اللوبي الصهيوني الضغط على الكونغرس لإصدار قرار نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس»، ولكنه لن يتمكن قط من حمله على «إعلان القدس عاصمة لإسرائيل». قد يبدو هذا المثال افتراضياً، ولهذا يعرض تشومسكي مثالاً من التاريخ. يقول إن «إسرائيل أرادت أن تبيع أسلحة متطورة إلى الصين»، لكن واشنطن منعتها. ولم يستطع اللوبي الإسرائيلي حيال ذلك شيئاً. وفي 2005، أرادت إسرائيل تطوير مضاد للطيران لمصلحة الصين، لكن واشنطن رفضت علنا. فردت إسرائيل بانها لا تكترث لهذا الرفض. عندها أجبرها بوش الابن «لا على الإذعان فحسب، بل على تقديم اعتذار رسمي على التعنت». وبقي اللوبي «صامتاً». وفي 1933، أرادت إسرائيل أن تبرم اتفاقاً مع كوريا الشمالية، تمنحها بموجبه اعترافاً، فيما تتعهد كوريا بعدم شحن الأسلحة إلى دول الشرق الأوسط. لكن بيل كلينتون منعها. وبقي اللوبي «صامتاً». ولا يعير تشومسكي للحديث عن توتر في العلاقات بين الدولة العبرية والولايات المتحدة أي اهتمام. فالرئيس الأميركي باراك أوباما «لن يذهب إلى الحد الذي ذهب إليه جورج بوش الأب»، حيث أصرّ، في 1991، على عدم استعمال أموال قرض منحته الولايات المتحدة للدولة العبرية، في «بناء مستعمرات في الأراضي المحتلة». أما أوباما، فهو «أشبه بجورج بوش الابن»، وكل «أفعاله رمزية»، فهو «لن يفرض عقوبات على إسرائيل» لتعنتها إزاء سياسة التوسع الاستيطاني. ثم يعود إلى العتب على اللبنانيين. «كيف لهم أن يتوهموا إلى هذا الحد. أوباما لم يذكر لبنان، سوى مرة واحدة في (حملته الانتخابية)»، ومن أجل «تكرار تأييده للعدوان الإسرائيلي على لبنان... متبجحاً بأنه عندما كان عضواً في مجلس الشيوخ»، أيد قراراً مفاده أن «لا شيء يمنع إسرائيل من تحقيق اهدافها»، وانه أيد قرارات لمعاقبة سوريا وإيران لدعمهما حزب الله، وأيد حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها... ضد هجوم حزب الله»! في حضرة حزب الله كانت الرحلة، عند هذا الحد قد بلغت نقطتها الأولى: صور، في لقاء مع مسؤول حزب الله في الجنوب الشيخ نبيل قاووق. خلال اللقاء، أكد تشومسكي أن «الحروب الإسرائيلية على لبنان وطيلة المرحلة الماضية كانت تحظى بضوء اخضر أميركي، إلا أن حرب تموز وحدها كانت بقرار أميركي كامل»، متحدثاً عن «تنامي نفوذ الصهيونية المسيحية، إلى جانب اللوبي الصهيوني على القرار الأميركي وهو ما يشكل مصدر قلق ويترك تداعيات سلبية داخل واشنطن وخارجها». من جهته، قال قاووق إن «تدفق السلاح الاستراتيجي الأميركي على إسرائيل هو منبع الخطر وان التهديدات الإسرائيلية المتواصلة ترفع من درجة السخونة في لبنان والمنطقة»، مشيراً إلى أن «الدور الأمــــيركي في لبنان يتجسد في التبني المطلق للأهداف الإســــرائيلية ويشكل عائقا أمام استقرار لبنان ووحدة شعبه». وعن توقيت المناورات الإسرائيلية غداً، بالتزامن مع الانتخابات البلدية في الجنوب، «ليس صدفة ويحمل في طياته نوايا عدوانية إسرائيلية»، مشدداً على «أننا سنشارك بفاعلية في الانتخابات، من دون أن ننشغل عن أولوية الاستعداد أو الدفاع عن أرضنا وشعبنا». وأكد أن «المقاومين سيبقون على الثغور وأيديهم على الزناد بينما سيتوجه شعب المقاومة إلى صناديق الاقتراع». ثم استعاد قاووق «كلام قيادي عسكري في إسرائيل»، حذّر من أنه في الحرب المقبلة المحتملة مـــع إسرائيل، «لن يكون هناك أي مكان نهرب (الإسرائيليون) إليه في فلسطين المحتلة». في استذكار كارول شملت جولة تشومسكي أيضاً بلدات بنت جبيل ومارون الراس، ثم وقفة عند بوابة فاطمة، فزيارة إلى معتقل الخيام، حيث استمع خلالها إلى شروح عن سير المعارك التي خاضها حزب الله في عدوان تموز 2006. في الخيام، بدا على تشومسكي التأثر. هو كان قد سأل عن هذا الموقع بالذات في بداية الرحلة. «هنا، ثمة تاريخ للبنان. جزء مهم من تاريخ لبنان». وبعدها توجه إلى بلدة مليتا، لحضور حفل افتتح فيه حزب الله «المعلم الجهادي السياحي الأول عن المقاومة»، وذلك لمناسبة الذكرى العاشرة للانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان. هناك، استمع إلى كلمة الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله. حتماً ثمة من ترجم له ما قيل. في المنتزه الذي بنته إيران في مارون الراس، كان لتشومسكي وقفة مطوّلة. بين وفد مرافق يتربص به طوال الوقت، علّه يسرق منه كلمة أو موقفاً أو فكراً، أفرغ تشومسكي بقعة له، من ناسها. وأطال النظر، نحو الأراضي الفلسطينية المحتلة. «ماذا يشعر؟». يبدو أنه كان يستحضر زوجته كارول. قال: «قبل 25 عاماً، قمنا أنا وكارول بجولة على الحدود. على الضفة الثانية من الحدود. عبرناها باتجاه لبنان». كانت لحظة خاصة... خلال رحلة مثقلة بالفكر والسياسة والتحليل!
آخر تعديل على Tuesday, 01 September 2009 11:26

الأكثر قراءة