الوصل والفصل بين فلسطين والعراق

سليمان تقي الدين أعطى الرئيس الأميركي باراك أوباما إسرائيل تغطية كاملة لسلاحها النووي، معتبراً أن لديها متطلبات خاصة في الأمن بالنظر إلى موقعها وظروفها وتحدياتها. كما طمأن رئيس وزرائها نتنياهو أن أميركا لن تطلب أبداً ما يشكل مساساً بأمنها. خرج نتنياهو من لقاء الرئيس في البيت الأبيض أكثر اطمئناناً وأكثر توافقاً وأكثر قدرة على الخوض في المفاوضات السياسية موفراً لأميركا مجالاً للمناورة ومتمسكاً بشروطه للتسوية ولفكرة الدولة الفلسطينية الغامضة المنزوعة السلاح. قفز نتنياهو مباشرة إلى ضرورة الحوار المباشر مع الفلسطينيين وهو يتقدم بجرافة توسيع الاستيطان في القدس والضفة معلناً سلفاً أن على الفلسطينيين الاعتراف بيهودية الدولة، مع ما يعنيه ذلك من إسقاط الحقوق الوطنية في العودة وفي المواطنة لعرب 1948. بشكل أو بآخر الحل السياسي الذي يتصوّره نتنياهو ينطلق من الأمر الواقع الحالي ومن وجود كتل بشرية فلسطينية يمكن أن تتولى شؤونها المدنية من دون أن تكتسب هوية وطنية في دولة ذات سيادة. من حق نتنياهو أن يتصوّر ذلك طالما هو لا يواجه مشروعاً وطنياً فلسطينياً يحوي مطالب التجمعات المنفصلة في الضفة وأرض 1948 وغزة والشتات في دول الجوار. فلطالما سعى الأميركيون إلى تسويق مشروع رفض العودة والتوطين والضغط على العرب لإنشاء صندوق مالي يؤمن هذا الحل. ومنذ اتفاقية «أوسلو» وتعديل ميثاق منظمة التحرير الذي مهّد للانتخابات، التي أنتجت الرئاسة والحكومة والمجلس التشريعي، جرى إلغاء دور منظمة التحرير واستبدالها بفريق تفاوض من السلطة لا من المنظمة، ولم تلحظ الانتخابات أي شكل من أشكال استفتاء الفلسطينيين الذين يشكّلون أكثر من نصف الشعب خارج حدود السلطة في الضفة والقطاع. من الناحية الواقعية تختلف ظروف ومطالب الكتل الفلسطينية وتختلف وسائل نضالها اليومية. هنا الأهمية الاستثنائية التي كانت تمثلها منظمة التحرير كممثل شرعي لمجموع طموحات الشعب الفلسطيني والتي تشكّلت أصلاً من كل القوى والتيارات والتجمعات. وبقطع النظر عن ديموقراطية تلك التجربة، وعن فعالية مؤسساتها وتماسكها، فهي كانت المعبّر عن هوية الشعب وتفاعلت داخلها مصالحه المتنوعة. لقد كان الإجهاز على هذه المنظمة هو المدخل وهو التجسيد لمسيرة الفصل بين مصالح عموم الشعب والبرنامج السياسي الخاص بالسلطة. ومهما يكن من أمر الحاجة الأميركية الإسرائيلية لتفعيل مبادرة سياسية هدفها تبريد النزاع على هذا المسار، خدمة لتركيز الاهتمام الأميركي على المسارات الأخرى في العراق وأفغانستان والملف النووي الإيراني، إلا أن استجابة سلطة «أوسلو» السريعة لهذا المطلب الأميركي لن ينجح في هذا التحوير للأزمة المتفاقمة الناجمة عن غياب المرجعية لهذه المفاوضات، أي التصور النهائي لها، وإصرار الحكومة الإسرائيلية على التمسك بإنجازاتها الاستيطانية وتوسيعها لإخراج القدس وحدود 1967 وحق العودة من البحث. حتى هذه اللحظة ليس في جعبة نتنياهو إلا «الحل الاقتصادي الاجتماعي» مع شيء من الأمن الداخلي الذي تنوب فيه السلطة عن الاحتلال. هذا الحل لا تملك السلطة القدرة على التعامل معه حتى لو رغبت لأنه لا يطرح سلفاً ما تعلنه عن المدخل للتفاوض تحت شعار «الحدود النهائية والأمن». هكذا يصبح التفاوض أوهى من أن يستهلك الوقت الضائع، وأوهى من أن يحظى بأي دعم من النخب السياسية التي لا تتبنى برنامج «حماس» لكنها لا تستطيع تأييد مفاوضات محكومة سلفاً بعجز المفاوض الفلسطيني على اكتساب إضافات جدية لرصيده. حين تقف الولايات المتحدة الأميركية خلف مطالب إسرائيل في الأمن على النحو الذي تتصوره حكومة نتنياهو يصعب أن يرتفع السقف الإسرائيلي في التنازلات إلى الحدود التي تعطي المفاوض الفلسطيني والنظام الرسمي العربي الداعم له حججاً ومصداقية على الحل في ميزان القوى الراهن. إسرائيل لن تقدم عناصر لبناء الثقة أصلاً بدءاً من إطلاق الأسرى ورفع الحواجز في الضفة والحصار عن غزة. يكاد المشروع الأميركي الإسرائيلي يخمد قبل أن ينطلق في غياب المرجعية المعلنة للحل النهائي والقوى الضامنة لهذا الحل فلسطينياً وعربياً ودولياً. وإذا أضفنا للمشهد هذا تعقيدات الحلول السياسية في العراق ولبنان والملف النووي الإيراني، فالمراوحة الحالية لن تكون إلا تمهيداً لتفجّرات أمنية وعسكرية بهدف تغيير موازين القوى. ما يقرّر هذا الخيار هو قدرة أميركا وإسرائيل على إحداث اختراق جدي للمعادلة الحالية على مستوى المنطقة، لأن القوى المدافعة لا تملك الاستراتيجية الملائمة لأخذ المبادرة رغم صمودها ورغم تحسين وسائلها العسكرية والسياسية وتحالفاتها. ولكي تدرك اتجاه التطورات يجب التركيز على الوضع العراقي الذي فيه تشتبك كل المصالح الإقليمية والدولية ويتقرّر من خلاله مستقبل الدور الأميركي بتسوية سياسية أم بفوضى أوسع تطاول بتأثيرها مجمل النظام الإقليمي.
آخر تعديل على Tuesday, 01 September 2009 11:26

الأكثر قراءة