توجهت الهيئة الإدارية لرابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي في اجتماع عقدته اليوم لتقييم الإضراب الشامل في جميع الثانويات الرسمية ودور المعلمين، التحية بالتقدير للحشد الكبير والحضور الكثيف للأساتذة الذين أكّدوا مجدّداً وحدة الجسم التعليمي والتفافه حول أداته النقابية والتزامه الموقف النقابي المستقل، وتمسّكه بالحقوق والدفاع عنها بوضعهم المطالب والوحدة في أولويات تحرّكهم متجاوزين بذلك كافة الاعتبارات مقدّمين للشعب اللبناني عموماً وللحركة النقابية خصوصاً نموذجاً حياً وصورة حقيقية عن تطلعات شعبنا ومجتمعنا وتوقه الشديد للموقف الوحدوي التضامني.
ورأت الهيئة ان أن طرح التسوية التي يطلقها وزير التربية والتعليم العالي بين الحين والآخر عبر وسائل الإعلام ليس سوى إقرار علني ومباشر بأحقية ما تبقى من الـ60% كحق مكتسب وعدم إعادته كاملاً". واوضحت بأنها لا تطالب بزيادة غلاء معيشة كما يحاول بعض المسؤولين تصوير الأمور، بل تطالب بحق مكتسب كرّسته القوانين لا يمكن التراجع عنه مهما كانت المحاولات.
ودعت الأساتذة إلى المشاركة الكثيفة في احتفال عيد المعلم الذي سيقام في قصر الاونيسكو الساعة العاشرة والنصف من قبل ظهر يوم الثلاثاء في 9/3/2010 والذي ستعلن فيه الرابطة موقفها وخطوات تحركها في حال عدم التوصل إلى إقرار مطلبها. كما أكدت الرابطة موقفها الثابت والدائم بالتضامن النقابي والدعم المتبادل بين الهيئات النقابية، وعليه تهنئ الرابطة الزملاء في التعليم الأساسي على الانجاز الذي حققوه بإقرار الدرجات الثلاث وتدعم مطالب أساتذة الجامعة اللبنانية وتعتبر أي انجاز يحققه أي قطاع نقابي هو انجاز للقطاعات الأخرى.
استغرب رئيس رابطة التعليم الثانوي الرسمي حنا غريب عدم قبول وزير التربية والتعليم العالي حسن منيمنة بحل وسط، مشيرا الى أن الوزير متمسك بالـ4 درجات دون أن يقول ما هو أساس هذا القرار. وقال في حديث لتلفزيون "الجديد": "نحن قلنا له أننا حاضرون أن نسير بنسبة الـ20% التي عاد وسحبها". وشدد على أن الـ60% ليست "إبرة في كومة قش" لكي تدرج في صلب الراتب دون أن نشعر بها
واكد غريب أن موضوع الشهادة الرسمية وسمعتها لا يمكن الإستهانة به أو التعامل معه كيفما كان. غريب وفي حديث لـ"OTV"، أشار إلى أنه يجب على وزير التربية والتعليم العالي حسن منيمنة أن يعلم ان اللجنة التي وضعت الأسئلة يجب ان تقوم هي بالتصحيح، لافتاص إلى ان الأساتذة يريدون حقهم، وليس لديهم نية لإيذاء أحد أو خلق أي أزمة في البلد.
باريس – نضال حمادة
الانتقاد
"القضاء (الفرنسي) يخضع للضغوط ويتعامل بالمكيالين ازاء "محكومين بالارهاب". فالمنتمون لمجموعة "العمل المباشر" خرجوا جميعهم من السجن، كما أن الاسرائيليين الذي تسببوا بقتل مدنيين وروّعوا الأوروبيين صوّرهم فيلم "ميونيخ" للمخرج سبيلبرغ كأبطال"هكذا تقيّم الدكتورة فيوليت داغر رئيسة اللجنة العربية لحقوق الانسان تعاطي القضاء الفرنسي مع قضية المناضل جورج إبراهيم عبد الله الذي حكمت عليه محكمة فرنسية قبل أيام بالسجن ثلاثة أشهر إضافية بعد أن حكم ظلماً بالسجن مدى الحياة، دون أي بارقة أمل في الإفراج عنه قريباً نتيجة الضغوط الأميركية الكبيرة التي يتعرض لها الفرنسيون.: تناهى لعلمنا انك قمتِ قبل عدة أيام بزيارة لجورج عبد الله في سجنه، ماذا عنه وما هي الجريمة التي حكم بها كي يبقى بالسجن حتى اليوم؟ ـ بدأ جورج ابراهيم عبد الله حياته السياسية بالنضال في صفوف الحركة الوطنية قبل أن يلتحق بالمقاومة الفلسطينية. وكان واحداً من اولئك الذين لم يقفوا مكتوفي الأيدي أمام الاجتياح الإسرائيلي للجنوب اللبناني في 1978، ثم العدوان على لبنان ودخول بيروت في 1982. وقد ألقت السلطات الفرنسية القبض عليه في مدينة ليون الفرنسية في 24-10-1984 بعد أن استطاع عناصر من الموساد اقتفاء اثره. تم تبرير اعتقاله بوجود أوراق ثبوتية غير صحيحة معه، وحكم في 10-7-1986 بالسجن أربع سنوات على أساس حيازته أسلحة ومتفجرات بطريقة غير مشروعة. وحيث أنه كان يحمل جواز سفر جزائريا شرعيا، وعدت السلطات الفرنسية الحكومة الجزائرية بالإفراج عنه ومبادلته بابن الكاتب المعروف جيل بيرول الذي كان مختطفاً في لبنان آنذاك. لكن في حين اطلق سراح هذا الأخير، تراجعت السلطات الفرنسية عن تعهداتها. لا بل اعادت محاكمته في 1-3-1987 بحجة ملفقة وهي انها وجدت (بعد مرور سنتين) ما يؤكد تورطه في الاشتراك في استهداف المسؤولين الأمريكي والاسرائيلي، واصدرت حكمها عليه بالسجن المؤبد بتهمة التواطؤ في أعمال "إرهابية". من أبرز التهم لمؤسس "الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية" التخطيط لعمليات اغتيال ومحاولات اغتيال مسؤولين امريكيين وإسرائيليين في فرنسا خلال 1984. لا بد من الاشارة في هذا الصدد الى أن ضغوطاً كبيرة مورست من ادارة ريغان في ذلك الوقت على الفرنسيين لمناهضة اطلاق سراحه. وأن السلطات الفرنسية عزت التفجيرات التي حدثت في باريس بين العامي 1986 و1987 لجماعة جورج عبد الله، ليتبين فيما بعد انها كانت مجرد تلفيقات بعدما اعتقلت المجموعة التي قامت بها. وبالنتيجة، بقي جورج عبد الله قابعاً بين جدران السجن ليمر عليه حتى اليوم أكثر من ربع قرن.هناك ملابسات غامضة وحوادث اعترضت عدة مرات على ما يبدو عملية اطلاق سراح جورج عبد الله، ماذا تعرفين عنها؟
ـ عندما نتصفح الموقع المخصص لجورج عبد الله من طرف اصدقائه والمتعاطفين مع قضيته نجد أنه كان يفترض أن يطلق سراحه في 1999. أي حسب القانون الفرنسي الذي حكم عليه بموجبه، كان ذلك يجب أن يتم بعد انتهاء عامه الخامس عشر في السجن. وبرغم استيفائه شروط الإفراج عنه، فتحت السلطات القضائية الفرنسية ملفه مرات متتالية. كانت المرة الأولى في سياق "لجنة إعادة النظر بالأحكام" و"محكمة الإفراج المشروط"، ففي 19-11-2003 اتخذت هذه المحكمة، في مدينة "بو" (Pau) الفرنسية، قراراً بإطلاق سراحه على أن يتم تنفيذ القرار بتاريخ 15-12- 2003، لكن ما جرى هو أن النيابة العامة الفرنسية أوقفت قرار المحكمة بعدما تقدمت باستئناف فوري بناءً على طلب وزير العدل بربن Perben. أعيد النظر في الأمر مرة جديدة في "المحكمة الوطنية للإفراج المشروط" في 16-1-2004. لكن من جديد كان لهذه المحكمة أن تخضع بدورها لضغط أمريكي وإسرائيلي عبر وزير العدل، ويأتي القرار برفض الإفراج عن جورج عبد الله. ومن اللافت للنظر أنه قبل ذلك كانت السلطات الفرنسية قد ارسلت ملف جورج للحكومة اللبنانية لمعرفة رأيها بالإفراج عنه، طالبة منها إرسال جواز سفر له، ما يعني أن التوجه حينها كان بالإفراج عنه. في 6-2-2007 تقدم جورج بطلب "الإفراج المشروط" السابع. لكن تأجل النظر به لأكثر من خمسة أشهر "لأسباب تقنية"، ثم رحّل ثانية إلى 13-9-2007. وكان أن تدخلت المخابرات الفرنسية، "ديه إس تيه" DST، مباشرة في المحاكمة باخطار القضاة أن الإفراج عن جورج عبد الله سيشكل حدثاً هاماً في لبنان، وبالتالي أوعزت بعدم الافراج عنه. لكنه طلب استئناف القرار، ليؤجل النظر فيه على نفس المنوال عدة مرات. والسبب هو "قانون داتي" الذي صدر في شباط/ فبراير 2008 والقاضي بمثول جميع المحكومين المتقدمين بطلب الإفراج المشروط أمام "المركز الوطني للمراقبة" Centre National d'Observation للحصول على رأي "لجنة متعددة الاختصاصات" commission pluridisciplinaire بمدى خطورة المعتقل الجرمية.هذا القانون مخصص للمجرمين الخطرين (وليس للمعتقلين السياسيين كما في حالة جورج)، كمجرمي الاغتصاب المتكرر للأطفال والنساء ومدمني المخدرات والذين تستلزم حالتهم وضعهم في مصحات خاصة. كانت بدايات هذا القانون في 15 تشرين الثاني/ نوفمبر 2001 بعد احداث أيلول/ سبتمبر، ثم توسع في 2005 ليشمل مخالفات جديدة (اتفق القاضي مع جورج داخل المحكمة على السياق ولكن ليس على التواريخ). وقد جوبه باستنكار ورفض نقابات القضاة والمحامين و"المرصد الدولي للسجون" وجمعيات حقوق الإنسان. ذلك كونه ينتهك الحريات العامة الأساسية، ويقضي بالاعتقال دون توافر واقعة جرمية بل لمجرد الظن بإمكان الإقدام على ارتكاب جرم ما، كما ويقضي بتمديد فترة الاعتقال حتى لو توافرت شروط الإفراج عن السجين. وبناء عليه نقل جورج عبد الله في العاشر من آب/ أغسطس 2008 من سجن لانيميزان Lannemezan إلى سجن فرين Fresnes، ليخضع خلال مدة شهر في "المركز الوطني للمراقبة" لاختبارات تبيان خطورته الجرمية. وبدل أن ينتظر فقط شهرين كما هو مفترض ليتبلغ رأي اللجنة هذه، تأخر الأمر حتى بدايات 2009. وعوضاً عن البت بالإفراج المشروط خلال سنة واحدة، حسب القوانين الفرنسية، تجاوز التأخير السنتين. ما يشكل مرة أخرى مخالفة صريحة لهذه القوانين.
حضرت واحدة من هذه الجلسات في مدينة بو قبل أيام، ما ملابساتها وموضوعها؟ ـ لقد حضرت جلسة الاستئناف على حكم محكمة الجنح التي جرت في مدينة تارب Tarbes في 2 كانون الأول/ ديسمبر من السنة الماضية، وقضت بعقوبة السجن لثلاثة أشهر على جورج إبراهيم عبد الله. السبب رفضه السماح بفحص حمضه النووي DNA مرة ثانية، كونه يقول انه سبق له أن خضع لهذا الفحص في 2003. وكان حينها قد تشاور مع رفاق السجن الذين نصحوه بالتجاوب مع الاجراء. إذاً جرت جلسة الاستئناف في مدينة بو في 18 شباط/ فبراير 2010 وقد حضرتها مع بضع عشرات من أصدقاء الأسير الفرنسيين وبعض العرب الذين قطع الكثير منهم مئات الكيلومترات للتضامن معه وللمطالبة بالإفراج عنه.ألحظ هنا أن المحاكمة جرت وسط إجراءات أمنية أقل تشدداً من المرة السابقة، حيث كان هناك حشد أقل لقوى الأمن الفرنسية، كما أكد جورج لي في اليوم التالي. كذلك حضر من دون تكبيل يديه ورجليه (بقيت أرجله مكبلة بالسلاسل في المرة السابقة داخل المحكمة). حاول التحدث بهدوء واتزان، والدفاع عن نفسه بالقول انه لم ير مدعاة لاستدعاء محاميه جاك فرجيس للترافع عنه. كما أنه ندم على إعطائه الاذن بإجراء فحص لحمضه النووي، خاصة أن ذلك لم يغير في الأمر شيئاً حيث لم يستفد من اطلاق السراح المشروط لرفض وزير العدل. لذا لم يجد مبرراً لتكرار العملية في 2008. أما نتيجة الفحص فيفترض ان تكون بحوزة السلطات الفرنسية، وأيضاً "الموساد" والـ(CIA) كما أضاف. لكن ازاء اصرار القاضي على نفي وجود أي أثر للنتيجة لديهم، أجاب جورج بأن ذلك مستغرب. وتساءل إن كان ذلك يعني أن ميليشيات ما دخلت الى السجن تحت ستار الأمن الفرنسي لتحصل على حمضه النووي. ثم أضاف أنه ليس هو من يفترض به ان يثبت خضوعه لهذا الاجراء، والسجين ليس غنيمة حرب، وهذا القانون منافٍ للحريات، الخ. وبعد مرور حوالى العشرين دقيقة لوجوده في قاعة المحكمة وبعد اعلامه بتبليغه القرار النهائي في الأول من نيسان/ أبريل، (لم يضف القاضي أشهراً أخرى للحكم السابق)، التفت جورج للحاضرين وحياهم وخرج محاطاً بأفراد الشرطة.
إنه وضع سريالي لا يمكن إلا أن يستوقف الغيورين على حقوق الإنسان؟ـ بالتأكيد، لكن ليس فقط، وإنما كل الديمقراطيين وأحرار العالم والمؤمنين بحقوق الشعوب في استقلالها والدفاع عن سيادتها. أوضاع السجن ليست سهلة لكائن من كان، خاصة عندما تتعرض للظلم باسم تحقيق العدالة، وعندما يتولد لديك شعور مبني على وقائع بأن القضاء يخضع للضغوط ويتعامل بالمكيالين ازاء "محكومين بالارهاب". فالمنتمون لمجموعة "العمل المباشر" خرجوا جميعهم من السجن، كما أن الاسرائيليين الذي تسببوا بقتل مدنيين وروعوا الأوروبيين صورهم فيلم "ميونيخ" للمخرج سبيلبرغ كأبطال، كما علق أحد الحاضرين في جلسة المحكمة. بينما جورج ما زال يقبع في السجن دون وجه حق. وما زالت الصحافة الفرنسية تنعته بالارهابي، حسبما عنونت جريدة "الفيغارو" الصادرة في 19 شباط/فبراير 2010 في زاوية صغيرة خصصتها "للارهابي الذي يرفض اعطاء حمضه النووي".
فيوليت داغر من مواليد تنورين في لبنان مختصة في علم النفس الاجتماعي والباتولوجي ودرّسته. قامت بمهمات صعبة في عدد من قضايا السجناء السياسيين والسجون في مصر وإسبانيا والمغرب ورومانيا وفرنسا. وصدر لها هذا الشهر كتاب بالفرنسية بعنوان "الهجرة: إشكاليات وتحديات". كل ما اعترى ملف جورج طوال هذه السنوات يؤثر على استقلالية السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية ويعطّل العدالة ويؤثر على قيامها بواجبها بالدفاع عن حقوق السجين، لا سيما في بلد تُعتبر الديمقراطية من أركانه الأساسية. كذلك تشعر بالمقابل بالغبن أن بلده الأم قد غيبه من ذاكرته ولم يقم بما يفترض به من متابعة واهتمام ومطالبة به وضغط لاطلاق سراحه، خصوصاً بعدما تجاوز المدة العقابية المحددة. فمن المفترض بكائن من كان قام بالدفاع عن بلد وقع تحت الاحتلال أن يُحترم لمواقفه، وأن يُدافع عنه بالنظر لما قدمه من تضحيات تصب في النهاية في خدمة الصالح العام وليس المصالح الفردية. وهو لهذا السبب بالتحديد ما زال يدفع الثمن بالبقاء رهن الاعتقال. فالأسئلة التي طرحت عليه من طرف السلطات القضائية لمعرفة موقفه من المقاومة اللبنانية أبانت بأن قناعاته لم تتغير بتقديمه الجواب أن كل شعب تحتل أرضه سيقاوم الاحتلال. وأن سنوات السجن لم تبدل ايمانه بصواب مواقفه في الدفاع عن مبادئه وكرامته وقيمه، بمواجهة سلطات خاضعة للضغوط الأمريكية والصهيونية. وبالتالي، محكمة الإفراج المشروط التي جرت بتاريخ 15 آذار 2002 في قصر العدل في باريس قررت، على خلفية الإجابات التي قدمها جورج، رفض الإفراج عنه بحجة أن أجوبته غير مقنعة. وأن عودته إلى لبنان ليست سبباً كافياً للحؤول دون تكرار أفعاله. كما أنه لم يمارس جهوداً جدية كفيلة بإعادة تكيفه الاجتماعي، وكأن السجين السياسي يعاني بالضرورة من مرض نفسي.لذا، بالنظر لكل الملابسات التي رافقت ملف جورج طوال 26 سنة، هناك ما يدعو كل صاحب ضمير وقضية ومؤمن بتحرر الشعوب من الهيمنة والامبريالية أن يهب لنجدته من براثن من أرادوا أن يجعلوا منه كبش محرقة ويضحوا به على معبد مصالحهم. وما يجعله هو يقابل بالسخرية والاحتقار هذه الأحكام والمحاكمات المهزلة لبلد يرى كيف تخضع سلطاته القضائية لسلطته التنفيذية وللضغوط الخارجية كما لو أننا في واحد من بلدان العالم الثالث. لا سيما أن هذه الملهاة التي انعكست بقسوة على حياته لجأت لحجج واهية وذرائع مختلفة ضمن جو من الارهاب المعولم بحجة الحرب على الارهاب وتبرير انتصارات مزيفة. وجورج ليس بالنتيجة بالنسبة لهم سوى واحد من 66 ألف معتقل في فرنسا، منهم 20% يقبعون مثله في سجون مركزية. وفي بلد صورة سجونه تضعه في مستوى متدنّ على سلّم التصنيفات الدولية.
كيف بدا لك جورج عبد الله عندما التقيته، وما هي انطباعاتك بالنظر لملابسات القضية؟
ـ للحقيقة، لم يبدو لي جورج عند التقائي به، وهي المرة الأولى التي كنت أراه فيها، أن معاناته بادية على محياه برغم اقترابه من سن الستين. وبرغم أن اللقاء كان ودياً وعفوياً وصريحاً، لم استشف في أقواله وتعبيره عن مواقفه سوى صلابته واصراره على قناعاته الراسخة بصواب دفاعه عن سيادة بلده وضرورة مقاومة ما تعرض له من اجتياح واعتداءات اسرائيلية استهدفت أرضه وشعبه وأمنه. لا بل أكد لي أن السلطات السياسية والقضائية الفرنسية هي التي تعاني من المأزق. وذلك بابقائه حتى الساعة في سجنه، وتلفيق القضايا الكاذبة، وخاصة الخلط العمد باعتبار الاستخبارات الفرنسية له أنه اسلامي وقد اعتنق الاسلام برغم علمها أنه شيوعي. والهدف هو الاستفادة من الموجة المعادية للاسلام التي تزداد استعاراً في فرنسا. تقول هذه الاجهزة (نقلاً عن مرافعة محاميه جاك فرجيس): "لعل هذه العلاقات مع المجموعة المعتقلة من أصل مغربي، و/أو تطور وأسلمة الصراع المعادي للإمبريالية والصهيونية شكلت أسباباً دفعت بالمعتقل، المسيحي الماركسي السابق، إلى اعتناق الإسلام".كذلك دفع جورج ثمن التفجيرات التي قامت بها أطراف إيرانية على الأراضي الفرنسية، ولم يكن له علاقة بها لكنه لم يُدنها. فهل كان يفترض حينها أن تقوم مجموعة عسكرية بالتحرك للتأثير على المواقف السياسية وفرض اطلاق سراحه كما جرى في حالات أخرى معروفة؟ لقد طالت فترة اعتقال جورج بسبب تدخل السلطات الأميركية الفظ والمرفوض في القضاء الفرنسي، واهانة هذا القضاء بفرض شروطها بالاقتصاص من عبد الله بالمؤبد. خاصة بعد خروج اعترافات وتصريحات تكشف كذب وتلفيقات السلطات الأمريكية الرافضة لاطلاق سراحه. ينقل السيد فرجيس في مرافعته: يقول السيد مارسو MARSAUD من مكافحة الإرهاب، في كتاب مذكرات بعنوان "قبل أن ننسى كل شيء": "لقد تمت إدانة عبد الله أساساً على ما لم يقم به لأننا حصلنا، بعد فترة وجيزة، على أدلة وضعتنا على الطريق الصحيح واستطعنا تحديد هوية المسؤولين عن اعتداءات 1986". ويضيف فرجيس: "إن الفرنسيين والأميركيين مخطئون، الأُول لتنازلهم عن سيادتهم، والآخرون لفرط استغلالهم لامتيازات خارج بلادهم..".
ماذا فعلتم أنتم له في اللجنة العربية لحقوق الإنسان للدفاع عن جورج عبد الله؟ـ نحن دخلنا على الخط متأخرين، حيث قبل عدة أشهر تكلمت معي سيدة من المقربين من جمعيتنا عن حالة جورج عبد الله. ودون أن تطالب بموقف تضامني معه، كونها خبرت كيف نفض الكثيرون أيديهم منه، وضعت نفسها بتصرف اللجنة العربية بحال قررنا الاهتمام بملفه. منذ تلك اللحظة أخذت على عاتقي أن أتابع بنفسي ملف جورج. كما وشعرت بأني سألوم نفسي كثيراً فيما لو لم أحرز تقدماً في هذا المضمار في أجل قريب. بادرت حينها فوراً بالاتصال بمدير مكتب فخامة رئيس الجمهورية اللبنانية، السفير ناجي ابي عاصي الذي كنت أعرفه منذ كان سفيراً للبنان بباريس، وحضرت إلى مكتبه في بيروت لأتحدث معه بشأن جورج عبد الله وأطلب منه التحرك بما من شأنه أن يؤدي لحمل السلطات الفرنسية على اطلاق سراحه. فوعدني بدراسة الملف ومتابعة القضية. كذلك أجرينا في اللجنة العربية لحقوق الإنسان اتصالات بأطراف سياسية وإعلامية لبنانية وعربية لتكثيف الاهتمام بموضوع جورج والتحسيس بقضيته ورفع وتيرة التحركات المطالبة بالافراج عنه. كما وطلبت إذناً من إدارة سجن لانمزان لزيارته. فأفهموني أنه عليّ التقدم بطلب رسمي للسلطات الأمنية التي ستقرر بعد اجراء تحقيق حولي إن كانت تمنحني هذا الحق. وبالفعل استدعيت بعد ذلك للتحقيق في مكاتب البوليس في مكان اقامتي وانتظرت القرار الذي أتاني بالإيجاب بعد ثلاثة أشهر ونيف من إيداع الطلب. كذلك كان هناك سعي للاتصال بمقدم برنامج حواري على فضائية ذائعة الصيت يخصص حلقة لقضية جورج لتسليط الضوء عليها. أيضاً كانت لدي أفكار أخرى، لكن لم اشأ الخوض بها قبل أن أحصل على موافقة أو على الأقل عدم ممانعة من طرف جورج. وكنت حريصة أن لا يُفهم أي تحرك من طرفنا لفائدة جورج وكأنه على حساب تحركات الآخرين الذين سبقونا لسنوات في تضامنهم معه. وهناك أخيراً تحركات نفضل عدم الافصاح عنها حالياً.
هل ترين بصيص نور في المستقبل المنظور بخصوص هذه القضية؟ ـ بصيص النور أراه يقترب ويكبر لتضافر عوامل عديدة. لنقل على الأقل ان هناك بعض مؤشرات على ذلك يستشعرها جورج ونرجو أن تفضي لنتيجة ايجابية وتترجم بالشكل الصحيح. فرنسا تبدو في وضع حرج بإطالة أمد اعتقاله والمماطلة والتلكؤ باطلاق سراحه وعودته لبلده. جورج عبد الله ما زال يقبع في السجن، في حين أن الاجراءات التي ستفضي به للخروج باتت منذ وقت طويل إدارية وليست قضائية. وهذه اللجان والمحاكمات ليست سوى ذر رماد في العيون يكلف الدولة غالياً وتكلفته على جورج أكبر بكثير، برغم أن من شرب من البحر لا تهمه الساقية. بكل الأحوال، نحن طوال سنوات تحركاتنا في مجال حقوق الإنسان كانت قناعاتنا دوماً بأن لا شيء يقدم من السلطات الحاكمة وتجمعات المصالح على طبق من فضة، وأن مصير أي ملف هو رهن بالتحركات النضالية، وأن اي معركة يجب أن تخاض مهما كانت شائكة ومعقدة. صحيح أننا نأتي في وقت متأخر، ولكن أن تنخرط متأخراً خير من أن لا تفعل شيئاً أبداً وتكتفي بموقف المتفرج. على العموم، على كل طرف ان يقوم بما يستطيع من دون انتظار المعجزات فوراً. لكن التحركات الجدية ضمن عملية تراكمية لا بد أن تفضي في نهاية المطاف لتسريع السيرورة والوصول للنتيجة المبتغاة. فجورج هو اليوم، وبكل المعاني الحقوقية، معتقل لأسباب غير قضائية، أي تعسفية. وبالمعنى اللبناني هو مواطن من واجب دولته الدفاع عنه والمطالبة الحازمة به من دون الرضوخ للضغوط الأمريكية والفرنسية وللحسابات السياسية الداخلية. ومن واجب كل الأطراف اللبنانية، خصوصاً التي تحمل لواء المقاومة والتحرر من الاستعباد الخارجي، والتي نعوّل عليها كثيراً، أن تمد اليد له بهمة وقناعة تامة بأن ذلك يصب في مصلحتها أيضاً، إن لم يكن لمواقف مبدئية تفرض التحرك. جورج يمكن أن يخرج سريعاً حراً طليقاً، إذا ما تضافر الجهد الحقوقي مع الجهد السياسي اللبناني الوطني.لا بد من وضع حد لهذه المظلمة التي باتت مهزلة وطال أمدها كثيراً. فرنسا طالبت بمواطنين لها وأخرجتهم من سجون بلدان أخرى برغم تورطهم بعمليات جرمية. أوليس من المخزي بحق لبنان أن يقول لي مدير المخابرات الفرنسية السابق ـ الذي كلفه حينها الرئيس فرنسوا ميتيران بمتابعة ملف جورج والتوسط للافراج عنه مع السلطات الجزائرية ـ أن بقاء جورج عبد الله في السجن حتى الساعة شيء مشين، وأنه مستعد للمساعدة بالتوجه لبيروت ومقابلة من نراه مناسباً من المسؤولين اللبنانيين لاقناعهم بأنه آن الأوان لتقديم طلب للسلطات الفرنسية من أجل تسليم جورج عبد الله؟
26-02-2010
ثلاثة وعشرون عاماً على استشهاد مهدي عامل في 19 أيار 1987 في شارع الجزائر- بيروت، برصاصات الغدر التي راحت تُغرق بيروت... جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية... في يم ظلامية ظلامييها، الذين اطفأوا مشاعلَ في دروب النضال: سهيل طويلة، خليل نعوس، حسين مروة، مهدي عامل......وفي أيار المتكرر نعاود اللقاء مع مهدي عامل... نحاول الوقوع عليه في ذكرى اغتياله فلا نقع عليها، بل نجذب الى قهقهة أهازيج آتية من الأمام، أهازيج مناضل شيوعي يصر على اجهادنا في أثره... اجاد التسابق والدخول في الزمن المتقدم...دأبه المشاكسة – حتى في شعره: فضاء النون وتقاسيم على الزمان- الخروج على القوالب الجاهزة المألوفة، وبمشاكسته إجترح مكونات المعرفة والمواجهة... إجترح أدوات الثورة ومنهجها من الموقع الماركسي بالذات.وفي ذكرى استشهاد مهدي عامل، وفي ظل التحولات التي نشهدها وما حملته من ارتدادات على الماركسية نطرح على أنفسنا ما اذا كانت القضايا الفكرية التي بحثها مهدي مازالت راهنة، وطرح السؤال يضعنا أمام تحدي اثبات راهنية الفكر الماركسي اللينيني الذي به بحث مهدي القضايا الفكرية، والاثبات ليس فعلاً دغمائياً، انه فعل تفكر موقعه الموقع النقيض لفكر ينبهر باليومي وينظّر له على قاعدة الالتحاق بالايديولوجية السائدة. ليس بفكر مهزوم منبهر باليومي وايديولوجيته السائدة تنتقد الماركسية، وليس بفكر يطبق القوانين الماركسية المتكونة على واقع متميز ينتج الفكر الماركسي ويتطور،فالماركسية اللينينية فكر مادي علمي علميته في ماديته وماديته في كشفه ما يحرك الظاهر من الواقع، اي كشف ضرورته، والضرورة ليست معطى من الواقع بل تكمن في الواقع الذي يحتم ضرورة استخراجها وهذه علمية الفكر الماركسي اللينيني التي استعصت على فهم من ينقدها وينظر الى نزع، بوهم الانبهار باليومي، العلمية عنها، والاستخراج لايحدث بمفاهيم جاهزة في العقل بل العقل ينتجها وبانتاجه لها ينتج معرفة علمية بالضرورة التي يستخرج. انها العلاقة التناقضية التي اوضحها لينين بين مادية المعرفة وتاريخيتها. انه المنهج المادي العلمي يستحث النقد يثيره يكتشف التناقض في الواقع الذي التناقض فيه قائم ومنعكس في الفكر وتجاوزه يمر بتجاوز الفكر في الواقع. مؤلفات مهدي عاملحسن حمدان (مهدي عامل) 1936-1987.تعتبر فترة 1968-1976 من الفترات المهمة في حياة مهدي عامل، حيث بدأ فيها ممارسة مشروعه الفكري والكتابة باللغة العربية، ودراسة واقعه الاجتماعي في ضوء المنهج المادي الماركسي-اللينيني وتمييز كونية قوانينه، لتبدأ بحسب مهدي عامل "صيرورة الفكر العربي فكراً علمياً"، مبتعداً عن القولبة وتكرار المقولات المتكونة، ومنذ البداية أدرك مهدي خطورة ما يقوم به بقوله:"إنها لمخاطرة كبرى أن يفكر الواحد منا واقعه باللغة العربية".بدايات مهدي كانت مع مجلة "الطريق" وكانت دراسته الأولى تحت عنوان:"الاستعمار والتخلف" في العدد الثامن- أيلول 1968 التي مهدت لكتابه الأول في العام 1972:"مقدمات نظرية لدراسة أثر الفكر الاشتراكي في حركة التحرر الوطني". ولقد قسمه الى قسمين: القسم الأول:"في التناقض"، والقسم الثاني:"في نمط الانتاج الكولونيالي" الذي صدر عام 1976.كتابه الأول- الأساس الذي بحث فيه، في مجال جديد في الفكر الماركسي-اللينيني، انتاج ادوات المعرفة، تحديد طبيعة نمط الانتاج في مجتمعاتنا العربية، وهناك جزء ثالث من "مقدمات نظرية..." لم يكمله مهدي وبقي على شكل مخطوطة بعنوان:"في تمرحل التاريخ". صدر عن دار الفاربي عام 2001.عمل مهدي في "مقدمات نظرية..." على تمييز كونية القوانين الماركسية في مجتمعاتنا، وبتمييزه عمل على انتاج الاساس النظري لسيستامه الفكري الذي اعتمده في كتاباته اللاحقة جميعها.ولقد طرح مهدي في "مقدمات نظرية..." القضية الاساس التي صاغها على النحو التالي:"ما هو الشكل، أو بالأحرى ما هي الأشكال المحددة التي تتميز فيها حركة القوانين التاريخية الكونية في الحركة التاريخية للمجتمعات العربية المعاصرة؟".القسم الأول من الكتاب:"في التناقض" بحث نظري بحث فيه علاقة الفكر بالواقع وفي أزمة البنية الاجتماعية التي فيها:زمان التكون وزمان التطور وزمان القطع. وكشف ببحثه ان الفكر علاقة تناقض في صراع ايديولوجي مميزاً بين التناقض الهيغلي والتناقض الماركسي.كما عرف بأزمة الطبقة المسيطرة وبآلية تحول البرجوازية الصغيرة المسيطرة الى برجوازية كولونيالية متجددة. وحلل أشكال ترابط المستويات البنيوية في البنية الاجتماعية الشاملة وتمييز كونية الماركسية "فان القانون النظري الذي له بالضرورة طابع كوني لايوجد إلا مميزاً وما هذه الحقيقة سوى قانون تفاوت التطور".
القسم الثاني: "في نمط الانتاج الكولونيالي":عمل مهدي عامل في هذا القسم على انتاج نظرية العلاقة الكولونيالية وصاغها في"تمييز الشكل الكولونيالي لنمط الانتاج الرأسمالي" كاشفاً القانون العام لتطور نمط الانتاج الكولونيالي والاضاءة على اهمية الدور التاريخي للطبقة العاملة في حركة التحرر الوطني.كما بحث في "علاقة الفكر بالفكر" وفي "علاقة الاختلاف بين البرجوازية الامبريالية والبرجوازية الكولونيالية".في هذا القسم تكشفت اهمية عمل مهدي عامل من اعادة انتاج النظرية الثورية في ظروف الواقع الاجتماعي، على قاعدة النظرية إياها، في واقع متميز، بمعنى آخر "ان نفكر الأدوات المفهومية التي بها نفكر حتى نتمكن من ان نفكر واقع هذه الحركة التاريخية".ولقد انهى مهدي "في نمط الانتاج الكولونيالي" بقوله:"بقي علينا إذن أن نحاول تحليل التطور التاريخي لهذه العلاقات، أي أن نحدد الصيرورة الطبقية لمختلف طبقات المجتمع الكولونيالي، في الوحدة البنيوية لعلاقاتها. فتحديد البنية الطبقية الكولونيالية لابد ان يتبعه تحديد لمنطق صيرورتها التاريخية [...]. هذا ما سنقوم به في القسم الثالث من هذه الدراسة".وفي عام 1974صدر كتابه الثاني "أزمة الحضارة العربية أم أزمة البرجوازيات العربية؟" ناقش فيه أعمال الندوة الفكرية التي عقدت في الكويت تحت عنوان:"أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي" (نيسان 1974). وفي نقاشه كشف مهدي عامل أن الأزمة ليست أزمة الحضارة العربية، بل أزمة الفكر الناظر في هذه الحضارة أي فكر البرجوازيات العربية، ونقض بعض المفاهيم التي وردت في سياق أعمال الندوة من مثل:"الإغتراب"، و"الوراثة"، و "الانقطاع الحضاري"، و"العقل العربي"، و"التخلف"، و"الأصالة والحداثة" وبنقضه استنتج مهدي ان المشكلة هي مشكلة الفكر الحاضر الناظر في الماضي وفي التراث، وان مشكلة الحاضر هي مشكلة تحرره الوطني.ثم جاء كتابه " النظرية في الممارسة السياسية. بحث في اسباب الحرب الأهلية في لبنان" وذلك بعد أربع سنوات من اندلاع الحرب الأهلية (1979). والكتاب بحث في واقع يعيش حركة تحوله حرباً أهلية في لبنان. التي هي ليست بمعزل عن حركة التحرر الوطني للشعوب العربية كما لايمكن النظر الى هذه الحرب من خارج أزمة القيادة البرجوازية وأزمة النقيض الثوري. وذلك لأن الساحة اللبنانية حقل مركزي للصراع بين الخطين الأساسيين النقيضين في حركة التحرر الوطني للشعوب العربية. كما نظر مهدي في تطور البنية الاجتماعية اللبنانية وبحث في علاقة التمثيل السياسي الطائفي واسباب فشل الاصلاح الشهابي ومفهوم الطغمة المالية والعلاقة بين الحركة الوطنية والثورة الفلسطينية."مدخل الى نقض الفكر الطائفي القضية الفلسطينية في ايديولوجية البرجوازية اللبنانية" صدر عام 1980.طرح مهدي السؤال التالي:"كيف تنظر البرجوازية اللبنانية بين ايديولوجيتها الطبقية الى القضية الفلسطينية؟".والكتاب اجابة على السؤال المطروح، حدده مهدي بخطوتين منهجيتين:- الأولى: عرض لمعالم ايديولوجية البرجوازية اللبنانية، وتحديد لمفاهيمها الاساسية التي ينتظم بها بنائها الفكري.- الثانية: نقض هذه الايديولوجية.إختار مهدي في نقضه للبرجوازية اللبنانية نصوصاً لميشال شيحا الأب الروحي للبرجوازية اللبنانية، قرأ فيها تلك الأيديولوجية، واختار أيضاص نصوصاً لحزب الكتائب الذي في فاشيته هو الوليد الشرعي والطبيعي لهذه الايديولوجية.قراءة مهدي النقضية لايديولوجية البرجوازية اللبنانية عبرت عنها العناوين التالية:- تكون الطغمة المالية في اقتصاد التجارة والخدمات.- العلاقة بين الفكر الطائفي والفكر الانعزالي والفكر القومي.- سلاح الدين والتقاليد في الايديولوجية البرجوازية اللبنانية.- الايديولوجية المتوسطية، في خطر اسرائيل، في الشكل الطائفي للصراع الطبقي... وغيرها من العناوين
وفي عام 1985صدر كتاب:"في علمية الفكر الخلدوني" برز فيه الوجه الآخر لمهدي، الاستاذ المعلم، حيث اعتمد فيه اسلوباً تحليلياً تعليمياً من ممارسة إبن خلدون الفكرية نقض مفهوم للتاريخ سابق، غير علمي. والكتاب بحسب مهدي تمرين لقراءة نص تراثي بفكر مادي علمي، حيث قرأ مهدي نصاً مقتطفاً من مقدمة إبن خلدون بعنوان:"في فضل علم التاريخ"، ويقف فيه امام مفهومين نقيضين للتاريخ:-الأول: تجريبي، كان سائداً في "تاريخ" المؤرخين السابقين على إبن خلدون لايسمح بتكون التاريخ في علم.- الثاني خلدوني يقوم على نقض المفهوم التجريبي نقضاً جذرياً، فالتاريخ بمفهومه الخلدوني ليس سرداً للاخبار، بل علم يستخرج الواقع من ظاهر يحجبه.من هنا يحدد مهدي عامل علمية الفكر الخلدوني التي شكلت قفزة في حقلي الفكر الاجتماعي والفكر التاريخي.قراءة مهدي لنص إبن خلدون قراءة لنص تراثي بفكر مادي علمي يعيد فيه انتاج التراث فيميزه في حاضره ويقيم الحد المعرفي الفاصل في تاريخية هذا الفكر. و"علمية الفكر الخلدوني" قصد منه مهدي ايضاً، ، إبراز دلائل على علمية الفكر الخلدوني كمثال في مقابل علمية فكر إبن رشد التي كانت موضوع جدال واختلاف في الرأي، اغلب الظن، بين الشهيدين حسين مروة ومهدي عامل.خاض مهدي عامل معركة فكرية-سياسية في كتابه "هل القلب للشرق والعقل للغرب. ماركس في استشراق إدوارد سعيد"، ضد محاولات ادراج النظرية الماركسية في البناء النظري للفكر البرجوازي، وفي كتابه هذا ناقش مهدي عامل أربع صفحات فقط (ص170-173) من كتاب"الاستشراق" تحدث فيه ادوارد سعيد عن علاقة ماركس بالفكر الاستشراقي وبالفكر الآسيوي.لقد غيّب ادوارد سعيد الطابع التاريخي للثقافة واعتمد بدلاً منه الفكر القومي أو فكر الأمة، اي الفكر الواحد في بنيته، يؤول الكاتب نصاً لماركس فيرى فيه استثناء لقاعدة، أي خروجاً على فكر الأمة.وفي كتابه هذا وضع مهدي عامل، انطلاقاً من الأمانة العلمية، نص ماركس المؤول من قبل سعيد ووضع كذلك نص سعيد التأويلي، وقارن بينهما وصولاً الى كشف منطق الفكر الذي يؤول النص.وفي عام 1986صدر كتاب "في الدولة الطائفية" آخر كتب مهدي الصادرة قبل استشهاده، قرأ فيه مجموعة نصوص تعالج الطائفية وتقارب أزمة النظام السياسي في لبنان لتخرج من ثم بحلول هي في منطقها الداخلي واحدة. قرأ مهدي أولاً نصوصاً أربعة من موقع فكري مختلف عن الموقع الذي تحتله هذه النصوص في حقل الفكر في لبنان، والاختلاف هذا حد معرفي فاصل بين الفكر البرجوازي المسيطر والفكر الثوري النقيض.والنصوص الأربعة الأولى هي لأنطوان مسرة، وناصيف نصار، وبسام الهاشم، وإيليا حريق. عمل مهدي على تفكيك بنيتها اللغوية لابراز المفاهيم التي تحملها، ثم كشف فكر هذه المفاهيم، وانتقاده بفكر ماركسي ينتج الواقع في انتاج هذا الواقع له.ويرى مهدي ان الفكر التوافقي الكامن في هذه النصوص شكل متجدد من الفكر البرجوازي، يؤبد النظام البرجوازي كأن حرباً أهلية لم تكن.من ثم يتصدى مهدي لنصين آخرين لمسعود ضاهر وأحمد بعلبكي ينتقد فيهما ما يراه من انزلاقات في حركة انتاج الفكر الماركسي الى موقع الفكر البرجوازي في شكله الطائفي المسيطر. وفي نقده يعيد مهدي عامل التاكيد على اهمية كشف موقع الفكر المؤسس للكتابة، على القراءة بتبيانه كي تكون نقداً منتجاً للمعرفة.وآخر ما كان يعمل عليه الشهيد مهدي عامل قبل أن تغدره رصاصات الغدر الظلامية الطائفية كتاب:"نقد الفكر اليومي" الذي صدر لاحقاً ومنتقصاً في ما بعد."نقد الفكر اليومي" من الأعمال النادرة في اللغة العربية يتتبع فيه مهدي عامل الفكر المنتشر على صفحات الصحف والمجلات ليصل الى تعرية وكشف موقعه الطبقي، وبنقده للفكر اليومي وصل مهدي الى هدم الفكر اليومي، والكتاب يحتوي ايضاً على قسم بعنوان:"في عدم وجود نمط معين من الانتاج يمكن تمييزه بأنه نمط اسلامي" نقد فيه مهدي الفكر الاقتصادي الاسلامي كاشفاً تماثل بديله مع الاقتصاد البرجوزاي لتماثل موقعهما الطبقي.وفي عام 1991صدر كتاب:"في قضايا التربية والسياسة التعليمية" والكتاب عبارة عن مجموعة مقالات بحث فيها مهدي قضايا التربية والتعليم نشرت ما بين 1968-1973في مجلة "الطريق" ودوريات اخرى، حلل فيها الآلية السياسية التعليمية للدولة في لبنان، التي تعمل من خلالها على ضرب التعليم الرسمي وتعميق الانتماء للطائفة لاعادة انتاج النظام السياسي الطائفي المسيطر.والكتاب ينتظم في قسمين يحويان مجموعة مقالات منها:- دور الجامعة اللبنانية في انتاج ثقافة وطنية.- الاتجاهات الجديدة لسياسة البرجوازية اللبنانية في حقل التعليم.- حول منهجي الفلسفة العربية والفلسفة العامة.- حول منهج تاريخ الفكر.- نقل المفاهيم الاجتماعية وانتاجها باللغة العربية.
ورد الحلاجالنداء - العدد 135
"إنني لا أومن بالخلط بين الدين والسياسة "، هذا ما قاله "عامر سعيدي" 28 عاماً، الطالب بقسم العلوم السياسية بالجامعة الأميركية في بيروت، والذي انضم لما يقرب من 5000 شخص خرجوا تحت سماء زرقاء صافية في مسيرة اعتبرها الكثيرون، أول مظاهرة تنادي بالعلمانية، وبأن الدين" يجب ألا يستخدم كأداة في السياسة" بأي حال من الأحوال.
يقول "سعيدي" إنه ولد كمسلم شيعي، ولكنه يعتبر نفسه غير متدين، ويقول إنه قد تعهد بشطب ديانته من بطاقة الهوية القومية التي يحملها، وهو خيار أصبح مسموحا به بموجب إذن من وزير الداخلية اللبناني"زياد بارود" الذي يدافع في سياساته عن حقوق المنظمات غير الربحية وغيرها من المجموعات المدنية التي شاركت في المسيرة.
وقال العديد من المشاركين في المسيرة، التي انتهت بتجمع صاخب، أمام مبنى البرلمان اللبناني، إنهم تواجدوا هناك كنوع من الاحتجاج على النظام الحكومي الفريد في لبنان، الذي يقسم غنائم البلد السياسية بين زعماء الطوائف الدينية المختلفة الموجودة في البلد وفقا لنظام المحاصصة.
وكانت إحدى اللافتات التي حملها المشاركون في المسيرة تحمل عبارة أو سؤالاً بالأحرى هو"ما هي طائفتك؟" وهو سؤال كثيراً ما يسمعه اللبنانيون خلال حياتهم، في بلد تُمنح فيه الوظائف الحكومية، أو المناصب الجامعية، أو تحجب، بناء على تعليمات مؤسسات تدار من قبل زعماء طائفيين.
يقول "ياسر أنداري" مهندس معماري، وأحد أبناء الطائفة الدرزية في لبنان، الذي شارك في المسيرة حاملا على كتفيه ابنه" آدم" البالغ من العمر أربعة أعوام ونصف:" هذا النوع من النظم لم يجلب لنا سوى الحرب والفوضى" ويوضح "أنداري" ما يطالب به من خلال مشاركته في المسيرة بقوله:"نريد حكومة تتعامل مع جميع الناس كآدميين".
وعدد الأفراد المشاركين في المسيرة التي تعتبر الأولى من نوعها منذ أن وضعت الحرب الأهلية اللبنانية أوزارها عام 1990، أذهل منظميها إذ لا يزيد عدد النشطاء السياسيين المتحمسين الذين يشاركون في التظاهرات التي تخرج دفاعا عن أي قضية من القضايا التي تهم اللبنانيين، عن مئات قليلة في الكثير من الحالات.
يرجع السبب في العدد الكبير الذي شارك في تلك المسيرة إلى أنها استقطبت العديد من الجماعات اللبنانية التي تعتبر نفسها مهمشة من قبل النظام الذي تم تأسيسه عقب انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية والذي لا يزال قائما حتى الآن، ومنهم على سبيل المثال جماعات من اليساريين من المدرسة القديمة، والمدافعين عن حقوق المثليين وغيرهم.
وقد لوحظ أن معظم الذين تصدروا واجهة مشهد المسيرة كانوا من الرجال والنساء دون الثلاثين من العمر، والمراهقين. وقالت إحدى المشاركات في المسيرة وتدعى ليلى حارب( 21 عاما) وهي طالبة جامعية تنتمي للطائفة الشيعية، وكانت من ضمن قلة من المشاركات فيها ممن كن يرتدين الحجاب" أنا لست ضد الدين بالطبع، ولكني أفهم العلمانية على أنها تعني الفصل بين الدين والسياسة"
عبر الشرق الأوسط، تعني العلمانية أشياء مختلفة لأشخاص مختلفين. ومن الأشياء التي تساهم في إضافة المزيد من الغموض على معناها اختلاط هذا المعنى في كثير من الحالات بالإلحاد والكفر بالخالق في أذهان الكثير من المسلمين.
والنشطاء المشاركون في المسيرة يصفون العلمانية بأنها تعني الفصل بين المسجد والكنسية من ناحية وبين وظائف الدولة، بحيث يمكن على سبيل المثال لأي رجل وامرأة أن يتزوجا دون أن يذهبا إلى رجل الدين لتوثيق الزواج وجعله شرعيا كما هو متبع في الديانتين الإسلامية والمسيحية ـ وهو الشيء المستحيل حدوثه في الوقت الراهن في لبنان والكثير من دول الشرق الأوسط.
ويرى الكثير من المثقفين من ذوي الثقافة الغربية في الشرق الأوسط أن العلمانية هي التي ستقود العالم العربي إلى الخروج من أزماته الراهنة سواء السياسية والاقتصادية.
أما رجال الدين المتنفذون في لبنان من كافة الطوائف، فينظرون إلى العلمانية على أنها فكرة ذات أصل غربي، تهدف لإلغاء الدين، ويستشهدون في سياق التدليل على وجهة نظرهم هذه، بما فعله "أتاتورك" في تركيا، والشاه في إيران عندما منعا ارتداء الحجاب في بلديهما.. الأول في بدايات القرن الماضي، والثاني اعتبارا من العقد الأخير من النصف الأول من القرن العشرين.
"لا سوريا ولا أميركا... وإنما لبنان العلماني"، هكذا هتف اللبنانيون المشاركون في تلك المسيرة، ورأى الكثيرون ممن شاركوا في مسيرة الأحد الماضي أن النظام السياسي والديني الانقسامي في لبنان، هو السبب في ضعف الدولة والأمة اللبنانية، وبالتالي في تعرضها للاستغلال من قبل القوى الخارجية.
سيقول لنا فلاسفة الفكر الإسلاميّ إنّ أوروبا احتاجت الإصلاح الديني بسبب "الكنيسة"، المرض الذي لا وجود له في حضارتنا. وهنا بالضبط يكمن الخطأ، فلدينا كنائس لا كنيسة واحدة، إذا كان معنى الكنيسة وجود سلطة، أو سلطات، تحتكر المعنى الديني، وتكفّر كلّ من يخالف هذا المعنى. لدينا وفرة وافرة من هذه السلطات، التي تحتكر، إلى جانب المعنى الديني، المعنى الاجتماعي والمعنى الثقافي والمعني السياسي، بالإضافة إلى المعاني الأخلاقية والروحية، وكلّها معان يتمّ احتواؤها داخل المعنى الديني، الذي تنتجه هذه السلطات.مشكلة الخطاب الديني أنه يلعب على أوتار "الخصوصية"، وكأننا بدع بين البشر، ما أصلح العالم لا يصلح لنا، دون أن يدقّق المخدوعون بمفهوم "الخصوصية"- المطروح في الخطاب الديني - ليدركوا أنها خصوصية فقيرة جدّا ومغلقة؛ لأنها تختصر هوية الإنسان في بعد واحد من الأبعاد العديدة، وهو بعد "الدين".
* أسلمة الدولةليست المشكلة أنّ هناك جماعات تحتكر الإسلام، وتنسب نفسها – وحدها – إليه. هذه إحدى تجلّيات المشكلة وليست كلّ تجلياتها. لو كان الأمر مجرد انضمام لجماعة، تزعم أنها "إسلامية" على سبيل الاحتكار لهان الأمر، خاصة إذا كان المجتمع، خارج الجماعة، واعيا بأنها مجرّد جماعة. بداية المشكلة كانت في مصر 1928، حيث نشأت "جماعة الإخوان المسلمين"، وجدت "جماعة أنصار السنّة المحمدية"، وجماعات وتجمّعات كثيرة لها أسماء أخرى، ولم تكن الدولة تتبنّى زعم أيّ واحدة من هذه الجماعات. كانت هذه إرهاصات "المجتمع المدني" في مصر شبه الليبرالية، حيث تحمي الدولة حقّ الناس في التجمّع وتنظيم تجمّعاتهم في شكل قانونيّ، سواء في شكل نادٍ، أو نقابة، أو حزب، أو جمعية خيرية، أو دينية: إسلامية أو مسيحية أو يهودية.الكارثة الآن أنّ الدولة، بنظامها السياسيّ الديكتاتوريّ القمعيّ، تتبنّى نفس النهج؛ فتزعم أنها دولة إسلامية، وتحرص في صياغة قوانينها على الحصول على موافقة المؤسسة الدينية. بل وتتبنّى في نظامها الاقتصادي مفاهيم "الاقتصاد الإسلامي"، الذي يحتلّ ركنا خاصا داخل كلّ البنوك. وصار هناك الزيّ الإسلامي، والشعار الإسلامي، والبرامج الإسلامية، في الإذاعة والتليفزيون، وصار بعض الناس يحملون لقب "المفكّر الإسلامي". الخطر هنا في هذه الأسلمة، التي لا هدف وراءها سوى سحب بساط احتكار الإسلام من تحت أقدام المعارضة. يمكن القول باختصار أنّ النظام السياسيّ يسجن نفسه في خندق المعارضة الإسلامية، وهو يظنّ أنّه يحاربها. لقد انتصرت بأسلمة المجتمع والدولة، دون الوصول إلى السلطة. وهذا يفسّر حالة التراوح في تقديم برنامج سياسي لخوض الانتخابات من جانب المعارضات الإسلامية. إنّ شعار "الإسلام هو الحلّ" كاف ما دام النظام السياسي يحوّل الشعار إلى سياسة.المعضلة، في هذا الوضع، ليست فقط معضلة المسلم الذي لا يريد أن ينتمي لهذه الأسلمة الإكراهية، بل المعضلة الأكثر تعقيدا معضلة غير المسلم الذي يعيش بالإكراه والإرهاب بقوّة القانون المتأسلم في مجتمع، لا يأبه به، ولا يعير دينه أيّ قيمة، إلا بطرف اللسان والبلاغة اللفظية. وضع المرأة أنكى وأنكى، ووضع الفكر والمفكّرين، والإبداع والمبدعين لا يحتاج لمزيد من الإيضاح.
* مقدّمات الثورة العلميةإنّها "العلمانية" - التي تفصل بين الدولة ونظامها السياسي وبين الدين - هي وحدها التي يمكن أن تفتح آفاقا للحرية والعقلانية وتعدّد المعاني. الدين شأن المتديّنين، ومهمّة الدولة أن تضمن حرية الجميع، وتحمي البعض من البغي على البعض باسم الدين أو باسم هذا المعنى أو ذاك لدين بعينه. لكنّ العلمانية لا يمكن أن تتأسّس دون الإصلاح الديني، إصلاح لم يتحقّق بعد عندنا، بل تحقّق في أوروبا القرن السادس عشر. لم تحدث عندنا ثورة فلسفية كالتي أحدثها فلاسفة أوروبا، تلك الثورة التي على أساسها تحقّقت الثورة الاجتماعية والسياسية التي أرست مفهوم "المواطن"، وأحلّته محلّ مفهوم "الرعية"، المفهوم الحاكم في مجتمعاتنا، رغم بلاغة الدساتير في تأكيد "المواطنة". بعد تحرّر الإنسان من نير الطغيان السياسي، ونير التصوّر الكنسي للعالم، بفضل كلّ ما سبق - الإصلاح الديني وثورة الفكر الفلسفي والعلمانية - تحققت الثورة العلمية.كلّ شيء ولد في مجتمعاتنا مختنقا، بسبب أنّ "الحداثة" الوافدة تمّ تمزيقها أشلاء في الوعي التحديثي – ولا أقول الحداثي – فتمّ تقبّل الشلو التقني فقط، وتمّ رفض الأساس العلمي للتقنية، بكل مكوّناته من عقلانية وعلمانية … الخ. تمّ تقبّل الديمقراطية، بدون أساسها وهو حرية الفرد، تمّ تقبّل الاقتصاد الحرّ، بدون أساسه من حرية الفكر. لم يحدث الفصل بين السلطات، ولا كان ممكنا أن يحدث، لارتباط مفهوم السلطة بمفاهيم قروسطية مثل "الراعي" و"الحامي" و"الزعيم الملهم" و"الرئيس المؤمن" و"أمير المؤمنين".هناك الآن أهمية قصوى لفصل الدين عن الدولة، إذا نظرت حولك ستجد النتائج المأساوية لهذا الزواج الكاثوليكي المحرّم بين الدولة والدين في عالمنا العربي. الدين لا تستخدمه الجماعات الراديكالية أو الإسلاميون فقط، إنما تستخدمه الدولة، وهذا أمر يعود تاريخه إلى النصف الثاني من القرن العشرين، في العالم العربي كله والعالم الإسلامي كله.
* عن الدولة لا المجتمعفصل الدين عن الدولة غير فصل الدين عن المجتمع، لا يستطيع أحد أن يفصل الدين عن المجتمع، الدين تاريخيا مكوّن اجتماعي، وليس مجرّد مكوّن شخصيّ أو فرديّ. قد يبدأ الدين كذلك، أي يبدأ تجربة شخصية فردية، وقد يظلّ كذلك في بعض التجارب. لكنّ بعض التجارب الدينية الشخصية الفردية يتمّ تحويلها إلى تجربة مشتركة تخلق جماعة، تصبح مجتمعا ثمّ تتطوّر إلى "أمّة". في هذه الحالة الأخيرة يصبح الدين قوّة وشيئا لا يمكن انتزاعه من المجتمع.الدولة ليست المجتمع، بل هي الجهاز الإداري والسياسي والقانوني الذي ينظم الحياة داخل المجتمع. وإذا كان الدين قوة اجتماعية، فهو أيضا ليس المجتمع؛ إذا المجتمع جماعات وأديان. ومن حقّ هذه المجتمعات على الدولة أن تحمي بعض الجماعات من الافتئات على حقّ الجماعات الأخرى. من هنا فدور الدولة كجهاز منظّم لسير الحياة في المجتمع – المتعدّد الأديان بطبيعته – يجب أن يكون محايدا، بأن لا يكون للدولة دين تتبنّاه وتدافع عنه وتحميه. إنّ دورها حماية الناس لا حماية العقائد.لم يحدث في التاريخ كله - رغم كلّ الادعاءات الأوهام - مثل هذا الفصل بين الدين والمجتمعات. الدولة ليس لها دين، ولا يصحّ أن يكون لها دين. "دين الدولة الإسلام"، عبارة يجب أن تكون مضحكة؛ فالدولة لا تذهب إلى الجامع ولا تصلي، والدولة لا تذهب إلى الحجّ، ولا تصوم، ولا تدفع الزكاة. الدولة ممثلة في النظام السياسي مسؤولة عن المجتمع بكل أطيافه بما فيها الأديان. معظم الدول العربية والإسلامية موزاييك من الأديان. وهذا يعني أنّ الدولة التي لها دين تلغي حقوق المواطنين الذين لا ينتمون لهذا الدين، بل الأدهى من ذلك أن هذه الدولة تضطهد أبناء نفس الدين الذين يفهمون الدين بشكل يختلف عن المؤسسات الرسمية للدولة. هكذا تصبح مفاهيم مثل "المواطنة" و"المساواة" و"القانون" مفاهيم خاوية المعنى.الحاجة الثانية: هي الدساتير، من العبث القول أن المواطنة هي أساس الانتماء، ويقال في نفس الدستور "الشريعة – أو مبادئ الشريعة - هي المصدر الرئيسي للتشريع"، هذا تناقض حدّيّ جدّا بين مادّتين في الدستور تلغي إحداهما الأخرى. يزداد الأمر تناقضا حين يحرِّم نفس الدستور في مادة أخرى قيام أحزاب على أساس ديني، لا اله إلا الله!!الحزب الديني يقول نفس الكلام (الدستوري)، يقول "الإسلام دين الدولة والشريعة هي مصدر التشريع"، كيف تحرّم قيام حزب يتبنّى نفس القيم الدستورية التي يتبنّاها، ويدافع عنها بضراوة، الحزب الوطني الحاكم في مصر. إمّا أنّ الدستور "لعب عيال" أو أنّ الحزب الوطني حزب غير شرعيّ مثل الجماعة غير الشرعية إياها.
* ممارسات قروسطيةماذا يعني أن يكون للدولة دين؟ وماذا يعني أن يتنازع المتنازعان – الحزب الوطني والجماعة "غير الشرعية" - على أحقية الحكم على أساس مرجعية "الشريعة"؟ هذا يعني ببساطة تهميش غير المسلمين في المجتمع، وانظر حولك وتأمّل حال الأقباط والبهائيين في مصر، وما حدث لغالبية الأقباط من اعتبار "الكنيسة" وطنهم. حدث أيضا باسم الشريعة تهميش دور المرأة في المؤسسات السياسية والتعليمية والإعلامية. لا يصرخنّ أحد في وجهي بأنّ ذلك غير صحيح، فأنا أعلم أنّ ثمّة ديكورات للتجمّل في عالم تضغط فيه المنظمات العالمية لحقوق الإنسان وحقوق المرأة على الأنظمة والأحزاب السياسية. الذي يعانيه المواطن المسلم غير المتفق مع الدولة في تفسيرها وتفسير مؤسساتها للدين أنكى وأمرّ؛ فهناك الاتهامات الجاهزة بالردّة والخروج على الثوابت، وهناك المطاردات البوليسية بالاعتقال، بل وصل الأمر مع من يسمّون أنفسهم "القرآنيين" أو "أهل القرآن" باضطهاد أهلهم وذويهم. كلّ هذا يجعل من ادّعاء "عدم وجود كنيسة في الإسلام" محض بلاغة لفظية فارغة من المعنى؛ فالكنيسة لم تفعل بمخالفيها في العصور الوسطى أكثر من ذلك.في العقد الحالي – العقد الأوّل من القرن الواحد العشرين والذي يوشك على النهاية – صارت الدولة أكثر راديكالية في تحديد دينها وفي ملاحقة خصومها، وإن لم تنصّ على ذلك في دساتير أو قوانين. صارت الدولة ذات الأغلبية السنّية تضطهد الشيعة، والعكس صحيح، وتزايد الاحتقان بفعل الخطابات الإعلامية غير المسئولة، فتمّ تصنيف البشر داخل الدين الواحد إلى طوائف تكفّر كلّ منها الأخرى. العراق حالة محزنة بحكم تاريخه الطويل في العيش المشترك والتزاوج والمشاركة الكاملة في الوطن. في لبنان – هايد بارك العرب – صار التأزّم الطائفي بيّنا في الواجهة السياسية. كلّ هذا يرشح حلا وحيدا: أن تتخلّى الدولة عن امتلاك الدين. الدولة لا دين لها. تحكي قصة لجنة إعداد دستور 1923 في مصر أنّ أعضاء اللجنة تردّدوا في مسألة هذه المادة التي تنص أنّ "دين الدولة الإسلام"، هل هي ضرورية أم يمكن الاستغناء عنها. والغريب في القصة أنّ أعضاء اللجنة الأقباط عبّروا بوضوح عن رأيهم بأنّه "لا ضرر" من النص على ذلك في الدستور. وقد كان، علّق طه حسين فيما بعد "وقد وجدنا فيها الضرر كلّ الضرر". المعنى هنا أنّ التجربة كشفت عن ضررها. وفي تقديري أنّ أعضاء اللجنة الأقباط مغمورين بمناخ شعارات ثورة 1919 "الدين لله والوطن للجميع" أرادوا أن يعبروا لإخوانهم المسلمين عن ثقتهم وفخرهم بالانتماء للفضاء الثقافي العربي الإسلامي. أمّا وقد ظهر الضرر، فعلى المسلمين أن يردّوا الدين ويسترجعوا ثقة إخوانهم الأقباط بإلغاء هذه المادة من الدستور، فهل هم فاعلون؟!
نصر حامد أبو زيدحدادة: فليحاسب الحريري من خدعه وإلا فليرحل
الى المكان عينه توجه مئات الشيوعيين مساء امس لاحياء الذكرى الـ 28 لاطلاق "جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية". هناك قبالة صيدلية بسترس – الصنائع كان الموعد المسائي السنوي ولكن هذا العام تميّز بكثافة الحضور وسط طغيان عنصر الشباب وهو احتفال لاحياء ذكرى الشهيدين جورج قصابلي ومحمد مغنية الذين سقطا في مواجهة قوات الاحتلال الاسرائيلي في محلة الوردية والى الاحتفال توجهت قيادة الحزب الشيوعي اللبناني على رأسها الامين العام خالد حدادة وممثلون للاحزاب اليسارية اللبنانية واليسار الفلسطيني" في غياب اي ممثلين عن "حزب الله" وكذلك "تلفزيون المقاومة" على حد تعبير بعض المشاركين.بعد النشيدين الوطني والحزبي دعا عريف الاحتفال خليل سليم الى دقيقة تصفيق حار تحية لشهداء "جبهة المقاومة الوطنية" وعلى وقع التصفيق صدحت الحناجر بـ"شيوعي شيوعي" وسط تلويح بالرايات الحزبية والاعلام اللبنانية والفلسطينية وكان لافتاً حمل عدد من الشبان "اعلام جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية". وعلى وقع الهتافات استهل النائب في البرلمان الاوروبي ورئيس تحرير جريدة "الانسانية" التابعة للحزب الشيوعي الفرنسي باتريك لو رياريك الاحتفال بتوجيه تحية من الشيوعيين الفرنسيين الى رفاقهم في لبنان "الذين دفعوا ثمناً كبيراً من اجل تحرير الارض مشيداً بتضحيات الشيوعيين في المقاومة. ثم تحدث السفير الكوبي في لبنان مانويل سيرانو اكوستا عن حق الشعوب في اختيار النظام السياسي المناسب لقناعاتها واشاد بـ"نضال المقاومة في لبنان في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي وتحقيق الحرية والسلام".وانتقد عضو المكتب السياسي لـ"الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" مروان عبد العال المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية داعياً الى مواصلة المقاومة. وختاماً تحدث حدادة عن انجازات المقاومة الوطنية، وطالب بإزالة صورة الامين العام للحزب الشيوعي السابق الشهيد جورج حاوي من اللوحات التي رفعتها "القوات اللبنانية" وقال: "لن نقبل ان تكون صورة جورج حاوي على هذه اللوحات وباسم حزبنا وباسم عائلة الشهيد حاوي ندعو وزير الداخلية الى التحرك وازالة هذه الصورة ونقول لهم ان على الدولة مسؤولية في هذا المجال وفي حال لم تبادر وزارة الداخلية الى ازالتها فلن يمنع احد الشيوعيين واليساريين والديموقراطيين من القيام بذلك".ودعا حدادة رئيس الحكومة سعد الحريري الى محاسبة من "تسبب بخداعه لخمس سنوات وكبّد البلد الخسائر وفي حال عدم محاسبة هؤلاء ندعو الحريري الى الرحيل، وطالب بـ"اعادة النظر في فضيحة المحكمة الدولية وعلاقة لبنان بها"، وختم: "ان النظام السياسي هو البيئة الحاضنة للفساد وللتبعية الاقتصادية ونطالب قوى المعارضة السابقة اما وقف حالة الفصام واما ان تبقى في الحكومة وعندها يحق لشعبنا محاسبتها او ان تترك هذه الحكومة". ثم توجه المحازبون في مسيرة الى مكان اول عملية حيث سقط الشهيدان قصابلي ومغنية واضاؤوا الشموع وعرض فيلم قصير عن عمليات المقاومة.عباس الصباغ
خلال اسبوع واحد، ربح كل من العدوين اللدودين، إسرائيل وإيران، رهاناً مزمناً. إسرائيل كسبت رهانها على رضوخ السلطة الفلسطينية لاجراء مفاوضات مباشرة معها دونما شروط مسبقة. وإيران كسبت رهانها النووي بتدشين مفاعل بوشهر الكهروذري بعد صراع مع عالم معادٍ تقوده الولايات المتحدة دام نحو ثلاثة عقود. غير ان اذعان فلسطينيي محمود عباس لن ينهي قضية فلسطين وان كان سيظلل مركزيتها في الحياة السياسية العربية ويعطل اولويتها في عالم الاسلام. كذلك فإن نجاح إيران في زرع "شوكة في خاصرة الحاقدين" متوّجةً سلسلة من الانجازات العلمية والتكنولوجية في وجه ضغوط اميركا والغرب الاطلسي والتذبذب الروسي لا يجعلها بمأمن من ضربة عسكرية محتملة، اميركية او إسرائيلية، في الحاضر المأزوم او المستقبل المنظور. من الواضح ان السلطة الفلسطينية ما كانت لترضخ لشروط حكومة نتانياهو باجراء مفاوضات مباشرة بلا شروط مسبقة لولا ضغوط قوية مورست عليها من جهتين: الاولى، باراك اوباما الذي تكشفت قيادته الضعيفة للادارة الاميركية عن استعداد دائم للتراجع كرما لعيون اركان الكيان الصهيوني. الثانية، دول الاعتدال العربية التي باتت مقتنعة بأن "الخطر الاول" الذي يواجهها حالياً ليس إسرائيل بل إيران ! هل ثمة احتمال جدّي بأن تتعرض إيران الى ضربة عسكرية في الحاضر او المستقبل؟ ظاهر الحال يشير الى ان إسرائيل هي المرشحة للقيام بهذه المغامرة. مصداق ذلك التصريحات المفاجئة التي ادلى بها السفير الاميركي السابق لدى الامم المتحدة جون بولتون منتصفَ الاسبوع الماضي ومفادها ان امام إسرائيل ثلاثة ايام فقط لضرب مفاعل بوشهر قبل ان تبدأ روسيا عملية تزويده وقوداً نووياً، اذ ان اي هجوم بعد ذلك ربما يتسبب باطلاق مواد مشعة. ولم يتوانَ بولتون عن التحذير من انه بمجرد ان تدخل منشأة بوشهر قيد الاستخدام العملاني، فإن الاوان سيكون قد فات على توجيه ضربة جوية عسكرية ضد إيران مخافة انتشار مواد مشعة والحاق الضرر بالمدنيين. تصريحات بولتن تحمل مدلولين متناقضين. فهي، ظاهراً، تحمل معنى تحريض إسرائيل على ضرب مفاعل بوشهر قبل تزويده وقوداً نووياً "مثلما فعلت مع المفاعل النووي العراقي اوزيراك في سنة 1 8 9 1، ومع المفاعل النووي الذي بنته كوريا الشمالية في سوريا في سنة 7 0 0 2". غير ان تصريحات بولتن تحمل معنى آخر وهي استحالة توجيه اي ضربة عسكرية الى منشآت إيران النووية بعد تدشين مفاعل بوشهر النووي لأنها جميعاً مزودة وقوداً نووياً ما يتسبب في اطلاق مواد مشعة تُلحق ضرراً بالمدنيين. يبدو ان ثمة اسباباً اخرى، غير خطر اطلاق مواد مشعة، حملت إسرائيل على الاحجام عن ضرب إيران في هذه الآونة. اولاها، ان اميركا غير مستعدة في الوقت الحاضر للتورط في حرب جديدة بسبب متاعبها الاقتصادية وبلوغ دينها العام مبلغ 3 1 تريليون دولار من جهة، وتعثر حروبها في العراق وافغانستان وباكستان من جهة اخرى. ثانيها، ان واشنطن اكدت لتل ابيب، بحسب صحيفة "نيويورك تايمز" (0 2/8/0 1 0 2) ان إيران بحاجة الى اكثر من عام من اجل انتاج سلاحها النووي. ربما لهذا السبب سارع وزير المال الإسرائيلي يوفال شطاينيتس الى التصريح بأن على إيران ألا تستنتج ان الوقت قد فات على توجيه ضربة عسكرية لها، داعياً واشنطن الى تهديدها بأنها "اذا لم تغيّر تصرفاتها خلال اسابيع، فسيأخذ الخيار العسكري الموضوع على الطاولة اهمية حقيقية". ثالثها، ان اوساطاً اميركية متعددة واثقة بأن العقوبات الدولية والاميركية المفروضة على إيران ستلحق أضرراً بالغة بالاقتصاد الإيراني ما يحمل طهران على تقليص برنامجها النووي. هذه الأسباب الثلاثة كافية، بحد ذاتها، لردع إسرائيل عن التورط في مغامرة عسكرية ضد إيران. لكن ثمة سبباً رابعاً لعله الاكثر جدية في ردع الكيان الصهيوني. انه قدرات إيران العسكرية المتنامية وتصميمها على استخدامها بشكل يمنحها قوة رادعة ليس ضد إسرائيل فحسب بل ضد اميركا ايضا. ها هو وزير الدفاع الإيراني احمد وحيدي يعلن، بالصوت والصورة، عشية تدشين مفاعل بوشهر، اختبار الصاروخ " قيام - أ " من طراز ارض- ارض الذي يتمتع بمجموعة من الخصائص الفنية الجديدة والقدرات الفنية العالية اذ " ليست فيه أجنحة توجيه مما يعطيه تفوقاً فنياً ولاسيما لجهة تفادي فعالية الرادار، وفيه اجهزة تتبع وتوجيه ذاتي، وفي امكانه تجنب استهدافه من الانظمة المضادة للصواريخ". هذا الانجاز الصاروخي الجديد يعزز فعالية إيران الدفاعية وقدراتها الهجومية كما صدقية التهديدات التي يطلقها قادتها العسكريون. ذلك ان رئيس دائرة العمليات في القيادة العامة للقوات المسلحة الإيرانية العميد علي شدماني كان اعلن قبل ايام انه "لمواجهة العدوان المحتمل، خططنا لثلاث اجراءات وفي مقدمها السيطرة بشكل تام على مضيق هرمز حيث لن يسمح لأحد بالحركة"، مؤكداً "نحن نراقب بدقة جميع القواعد الاميركية في افغانستان والعراق، واستناداً الى ذلك فإن ادنى محاولة ضد إيران، ستجعل القوات الموجودة في هذه القواعد تصاب بالشلل، ولن يسمح لها بالقيام بأي عمليات". اكثر من ذلك، هدد العميد شدماني الكيان الصهيوني بقوله "ان إسرائيل هي الحديقة الخلفية لاميركا، وعلى هذا الاساس، فاننا سندمر هذه الحديقة الخلفية ". وكان المرشد الاعلى للجمهورية الإيرانية الاسلامية علي خامنئي صرح بأن رد إيران على اي هجوم يُشن عليها لن ينحصر في المنطقة بل سيتجاوزها الى أبعد منها. ان قدرة إيران على اغلاق مضيق هرمز وعلى اصابة قواعد عسكرية اميركية داخل المنطقة وخارجها سيكون لها تأثير كبير في تحديد شكل الضربة الإسرائيلية (والاميركية) لإيران في حال اقرارها. فاغلاق مضيق هرمز قد يؤدي الى تعطيل مرور نحو 02 في المائة من انتاج النفط في العالم . كما ان قدرة إيران على اصابة القواعد العسكرية الاميركية داخل المنطقة وخارجها قد يحمل الدول العربية والاسلامية المضيفة على مطالبة واشنطن بالاحجام عن استعمالها في مجهودها الحربي. مع ذلك يرى بعض الخبراء والمحللين الاستراتيجيين ان التحديات والعوائق والخسائر المحتملة المشار اليها قد لا تثني إسرائيل (واميركا) عن محاولة ضرب إيران لأن الاخطار والخسائر المحققة التي تنجم عن بقائها قوة اقليمية مركزية بأنياب نووية وبأسلحة دمار شامل اخرى تفوق بمراحل التكلفة والخسائر الناجمة عن ضربها وتدميرها. يزداد هذا التقدير الاستراتيجي وروداً مع التقاء العديد من أصحاب القرار في إسرائيل مع نظرائهم في اميركا على اعتبار الاسلام الراديكالي هو العدو المشترك للبلدين. اصحاب القرار هؤلاء ينظرون الى إيران الاسلامية بصيغة المستقبل ويتحسبون للتحديات التي يمور بها الاسلام الراديكالي. ولعل عيّنة من هذا التفكير تتمثل بما كتبه الكاتب السياسي نداف هَعَتسيني في صحيفة "معاريف" (9 1/8/0 1 0 2) اذ وصف الرئيس اوباما بأنه " يبدو أشبه بالاعمى ازاء العدو الحقيقي الماثل الآن امام بلده وامام العالم الحر كله، وهو الاسلام المتطرف. ان هذا العدو لا يمكن التوصل الى سلام معه. واذا لم يستفق اوباما من احلامه، اواذا لم يتمّ استبداله على وجه السرعة، فإن العالم كله سيدفع ثمناً باهظاً. في اطار التحسب لمواجهة إيران بما هي رأس حربة الاسلام الراديكالي، يخطط العقل الاستراتيجي الإسرائيلي لمحاولة ضربها وازالة خطرها. الضربة المحتملة قد لا تستهدف بالضرورة منشآت إيران النووية المحصنة. فإيران لم تتوصل بعد الى صنع قنبلة ذرية واحدة، وقد لا تكون معنية بهذا الامر. ومع ذلك فهي، في نظر اهل القرار في إسرائيل، خطر ماثل ومتفاقم. وعليه، فإن الضربة المحتمل تسديدها لها قد تتركز، بالدرجة الاولى، على قاعدتها الصناعية وبنيتها التحتية بكل انواعها واشكالها. ذلك ان الهدف الاستراتيجي المطلوب هو تدمير إيران بقصد تحجيمها واعادتها الى الوراء عشر سنوات على الاقل. هذا يفسر قرار إسرائيل شراء 0 2 طائرة من طراز "اف- 53" او "الشبح" التي تعتبر الطائرة الاكثر تطوراً في العالم. فهي تمنح تل ابيب امتياز المحافظة على تفوقها العسكري على جميع دول المنطقة الى جانب منحها القدرة على معالجة ما اسماه عاموس هرئيل في صحيفة "هآرتس" (9 1/8/0 1 0 2) القدرة على معالجة "كل ما يتعلق بدائرة الأخطار البعيدة المدى التي تهددها". غير ان قدرة إسرائيل على بلوغ اجواء إيران بطائرات "اف - 53" (التي لن توضع في الخدمة قبل 7 1 0 2) او بغيرها لا تمنع إيران من بلوغ إسرائيل وايذائها بصواريخها بعيدة المدى. اكثر من ذلك، في مقدور إيران ردع إسرائيل من خلال تحالفاتها مع سوريا والمقاومة اللبنانية والمقاومة الفلسطينية (حماس). في هذا المجال، يسترعي الاهتمام التقرير الذي صدر مؤخراً عن "مجموعة الازمات الدولية" (ICG)، اذ تؤكد مجموعة الباحثين التي كتبت التقرير، بعد لقاءات مع كبار المسؤولين في كل من حزب الله وسوريا وإسرائيل، ان السبب الرئيس الذي يمنع الحرب هو خشية الاطراف كلها من ان تكون المواجهة العسكرية المقبلة اكثر شمولاً وتدميراً من المواجهات السابقة كلها. وقد جاء في التقرير ان مسؤولا إسرائيلياً رفيع المستوى قال لمجموعة الباحثين "ان السكان المدنيين سيكونون في المواجهة المقبلة اكثر عرضةً للمساس، وان حزب الله سيُنزل بنا ضربة مؤلمة وازاء ذلك، من المتوقع ان ترد إسرائيل الصاع صاعين". غير ان مسؤولين كباراً في حزب الله اكدوا لمجموعة الباحثين ان الصواريخ التي في حيازتهم ستردع إسرائيل عن خوض مواجهة اخرى لأنها تجعلها تدرك الثمن الباهظ الذي ستتكبده في حال اقدامها على شن هجوم عسكري على لبنان. كما اكد مصدر رفيع في الحزب لمجموعة الباحثين ان اي هجوم إسرائيلي، حتى لو كان محدوداً، سيجرّ ردة فعل قوية من طرف حزب الله. وقد اوصت مجموعة الباحثين بعدم التعامل مع هذه التحديات على انها جوفاء، معيدةً الى الاذهان ان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله برهن طيلة الاعوام الماضية على انه ينفذ وعوده. هل تنجرّ سوريا الى المواجهة المقبلة؟ تنسب مجموعة الباحثين الى مصادر اميركية رفيعة المستوى عن خشيتها من انجرار سوريا الى المواجهة المقبلة نتيجةَ "التلاحم غير المسبوق" القائم بين المنظومات العسكرية لدى كل من سوريا وحزب الله وإيران. غير ان مجموعة الباحثين حذرت إسرائيل من ارتكاب خطأ برؤيتها حزب الله مجرد اداة في يد إيران تحركها متى تشاء. هذا ما هو متوقع في المشهد الشرق اوسطي المثير. ماذا عن المشهد الآخر في واشنطن حيث ستبدأ المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية؟ لن يكون المشهد في واشنطن مثيراً على الاطلاق. فالمفاوضات، المباشرة وغير المباشرة، بين إسرائيل وبعض الفلسطينيين ناشطة منذ نحو عشرين عاماً من دون ان تسفر الاّ عن مزيد من التلهي بمعسول الكلام من طرف محترفي تذوّق حلاوة الاوهام.
عصام نعمان - الوطن القطرية
المستقبلآمنة منصورتظاهرات، اعتصامات وحملات جمع تواقيع في مختلف الجامعات، سنون نضالات شبابية لدفع مطلب، لا يتوانى الجميع عن الاعتراف بأحقيته وضرورة اقراره، عل تعديل المادة 21 من الدستور يسلك "اجراءات الروتين البرلماني" فيتم تخفيض سن الاقتراع من 21 الى 18.وبعد أن دنا الشباب من نهاية رحلة الألف ميل بادراج التعديل المنشود في سلة الاصلاح البلدي، أرخت أشهر من سيول الاقتراحات والاقتراحات المضادة بظلالها على مجلسي الوزراء والنواب، لينتهى السجال الى ترحيل التعديل الى مناسبة أخرى ويعود المطلب أدراجه الى الأدراج، فالاجماع الذي أبداه النواب في الجلسة الاشتراعية في التاسع عشر من آذار الفائت على وجوب منح من بلغ الثامنة عشر حق الاقتراع, بددته على أحقيته، هواجس الخوف من الغبن والتهميش، فآثرت غالبية النواب الامتناع عن التصويت حتى عودة الاجماع تحقيقاً لرغبة الطرف المسيحي باشراك المغتربين، وحفاظاً على الجو التوافقي العام وعدم تمرير أي تعديل دون الاتفاق والتوافق.على التزامهم بمواقف تياراتهم وأحزابهم من خفض السن، بالتأييد المطلق أو التأييد المشروط، يعنى الشباب الحزبي قبل غيره بالحكم السياسي الذي أعلنته مطرقة البرلمان بحق "خفض السن"، فيعرب هؤلاء الشباب عن تفاؤل متفاوت في امكانية استئناف الحكم يوما ونصرة الحق وانتصار "القضية"؛ اذ تعكس قراءاتهم لعدم اشراك شباب ولج عالم الراشدين بحقوق مدنية وسياسية منقوصة في الانتخابات البلدية المقبلة، صمود الأمل، اهتزازه وحتى فقدانه، ففي حين يؤكد مسؤول مكتب الجامعات في قطاع الشباب في "تيار المستقبل" طارق الحجار أن "شباب المستقبل الذين يدعون قبل غيرهم الى خفض سن الاقتراع، لم يفقدوا الأمل بعد من الوصول الى مبتغاهم، فالعقبات التي أدت الى تطييره لا بد من أن تذلل يوما ما ليسير لبنان في ركب الدول التي اعتمدت سن الثامنة عشر سنا للأهلية القانونية والسياسية معا"يؤيده في ذلك العضو القيادي في "اليسار الديموقراطي" أيمن أبو شقرا مؤكداً أن لديهم من صلابة الموقف والتشبث بشعاراتهم حتى تحويلها واقعاً، ما يجدد مناعتهم في وجه ما يعترضهم من صعوبات ويتعرضون له من صدمات. في المقابل ينعى عضو اللجنة المركزية لـ"الحزب الشيوعي اللبناني" رباح شحرور الثقة بالمسؤولين نوابا ووزراء، "لما أبدوه في التعامل مع الشباب على اختلاف المراحل وأمام مختلف القضايا".من جانبها، وعلى ما اشترطته من اصلاح مواز للسير بالتعديل الدستوري، بطرح اشراك المغتربين بالعملية الانتخابية في بلاد المهجر، لا تتردد القوى المسيحية في الحديث عن أسفها لعدم خفض سن الاقتراع.فمسؤول مصلحة الطلاب في "القوات اللبنانية" شربل عيد يلفت الى أن مقابلة القوات خفض السن باشراك المغتربين، لا ينتقص من أهميته ووجوبه، مشددا على أن لبنان بلد مبني على التوازنات، والخروج عنها سيعيق الاصلاح مهما بلغ حجم الجهود لتحقيقه، "لذلك نحن كشباب لبناني مسيحي نضع أملنا بجهود ممثلينا في البرلمان للتسريع في ايجاد آلية اشراك المغتربين اللبنانيين في بلاد الاغتراب في الانتخابات، ليكون ذلك بوابة الى خفض السن، فتتجلى مواطنية الشباب المقيم والمغترب معا بأبهى صورتها نهار الاستحقاق الانتخابي."الكتائب أعدت وتعد شباباً واعداً وواعياً، جديراً بالمشاركة في رسم مستقبل بلاده عبر الانتخاب" بهذه العبارة يؤكد رئيس مجلس الشباب والطلاب في حزب الكتائب باتريك ريشا على اهتمام الكتائب بهذه الفئة العمرية التي تسهر على اعدادها لتلج الحياة السياسية بخطى كتائبية متزنة وثابتة، ويوضح أن طرح الموضوع من باب المزايدات، وبشكل استفزازي وضعه في خانة الأمور الخلافية وحدا بالحزب الى رفضه.
بدوره يأسف رئيس لجنة الشباب والشؤون الطالبية في التيار "الوطني الحر" ماريو شمعون، الناشط في احدى الجمعيات الساعية الى شحذ الهمم لخفض السن، لكون لبنان في عداد الدول القليلة التي لا تعنى بمواقف شبابها وآرائهم في الأمور المصيرية، ويبرر الموقف العوني المعارض للتعديل بـ"غلبة التطرف والعصبية على المنطق والعقل، ناهيك عن الشرخ الحاد بين الشباب اللبناني الذي أفرزته الاصطفافات على مدى السنوات الخمس المنصرمة"..فيدعو الى العدول عن سياسة "الفرز والضم"، وابعاد الشباب عن تجارة السياسة وزرع الفتن وصناعة الموت، كي يعود "الوطني الحر" الى الصفوف الأمامية في المطالبة بخفض سن الاقتراع.ومع علو أصوات الشباب تشجب ما يتعرضون له من اجحاف وظلم، واستنسابية غير منطقية بالتعامل معهم، تارة كراشدين جزائياً، وتارة أخرى كقاصرين سياسياً، يوجه بعضهم أصابع الاتهام محملاً المسؤولية في ايصال الاصلاحات وعلى رأسها خفض السن الى حائط مسدود، اذ يتهم شحرور الطبقة السياسية بأكملها بـ"زرع العصي في دواليب الاصلاح والتطوير" فيحملها تبعة اغفال مطالب الشباب وحقوقه، وفي الاطار عينه يتهم عميد قطاع التربية والشباب في الحزب "القومي السوري الاجتماعي" صبحي ياغي الكتل المناوئة لهذا المطلب بالوقوف وراء تطييره، فيريميها بتقديم مصالحها السياسية على تحقيق هذا المطلب "الوطني بامتياز".من جهته يعزو رئيس منظمة "الشباب التقدمي" ريان الأشقر المشكلة الأساسية الى نظرة الطبقة السياسية الطائفية لهذا المطلب، فيجد أن الحديث عن الفروقات الديموغرافية بين الطوائف، والتهويل المنظم من نمو الهرم العمري بشكل متفاوت عند كل منها، قد أدى الى حرمان الشباب من المشاركة في الانتخابات البلدية المرتقبة، مؤكدا أن "نظرة تقدمية في خفض سن الاقتراع ما كانت لتؤخر اقراره".أبو شقرا لم ير على طول أشهر الجدال الذي رافق طرح الاصلاحات أية نية في التعطيل، أو مسعا للتهرب، أو تبدية لمصالح فئوية على حقوق الشباب، فهو يتفهم مشاعر الغبن والخوف التي حجبت أصوات أغلبية النواب عن مشروع التعديل..لذلك يقول "ان القينا اللوم نلقيه على الظروف، علها تتحسن يوما ما ويمشي الحال.."على النكسة التي تعرضت لها مساعيهم، والانهيار الذي شهدته آمالهم بعد أن طاول بناؤها تحقيق الحلم، يلتقي المطالبون بخفض سن الاقتراع الى 18 على أن التخفيض قادم لا محالة فنضال الشباب مستمر ولا يضيع حق وراءه مطالب.فساحة النضال ستذخر دائما بجهود شبابها لتستمر..وتنتصر، هكذا يطمئن أبو شقرا شباب اليسار وغيرهم من الداعين والمناضلين، ويدعوهم الى تكثيف الجهود عبر منظماتهم الشبابية وحملات المجتمع المدني وخاصة الحملة المدنية للاصلاح الانتخابي، لتوعية الشباب حول حقهم في الاقتراع من جهة، والضغط على المسؤولين للعدول والتعديل من جهة ثانية.وعلى الرغم من غياب برنامج واضح في الأفق، يؤكد رئيس دائرة الخريجين في "حركة أمل" قاسم الجشي على نية شباب "أمل" بالتحرك، لتنجلي تباعا الرؤية وتتضح مسارات النضال وتتوضح هويات سالكي طريقه وتتحدد أخيرا الخطوات. وسط تعبئة الحزبيين والمناصرين لاستئناف المساعي لانجاز الخفض كرها أو طواعية، يعلن الحجار عن احجام شباب المستقبل عن المشاركة في أي تحرك للضغط على المشترعين اجراء التعديل، احتراماً لمواقف أي معارض وطمأنة لهواجسه. وأهاب بالبرلمانيين كتلاً ومستقلين دراسة الاصلاحات بصورة متأنية وجدية، والأخذ بها ضمن جو توافقي بعيدا عن الكيدية والاستفزاز، حفاظاً على المناخ الهادئ والمستقر الذي تنعم به البلاد بعد تشكيل حكومة الوفاق الوطني بقيادة الرئيس سعد الحريري..لبنانيون منذ أكثر من عشر سنوات، لم يبلغوا الحادية والعشرين، لكنهم بلغوا من عقوبات القوانين أقصاها. هم مؤهلون لقيادة سيارة، لقيادة دفة عائلة، لاقتياد أحلامهم عنوة نحو المهجر، هم مؤهلون لمواجهة الأزمات السياسية والاقتصادية، لمواجهة الاحتلال والوصاية والظلم، لمواجهة الأقدار المستعجلة والتكييف معها..هم مؤهلون قانونياً فقد بلغوا الثامنة عشر..حق هؤلاء، بالمشاركة السياسية عبر الانتخاب، أخضع هذه المرة، للجمع مع الاصلاحات فالضرب بالهواجس حتى تم طرحه من تعديلات قانون الانتخابات؛ ليبقوا بنظر الدستور، ومهما اشتد ساعدهم وازداد وعيهم وعظمت الأسباب التي استبعدتهم عن القوائم الانتخابية، غير مؤهلين لمواجهة الذات واختيار ورقتهم لصندوق الاقتراع... حتى إشعار اخر.