تشومسكي للعرب والفلسطينيين: كفاكم شعارات.. حان وقت العمل

إســرائيل «انعــكاس» أميــركا «الاســتعماريـة» جنان جمعاوي لا يساير المفكر الأميركي نعوم تشومسكي أحداً، عندما يقول إنه ليس هناك من طريقة واحدة لتحقيق هدف ما. هو لا يكنّ للشعارات عداء، ولكنها لا تنفع، سوى «لتجعلنا نشعر بالرضى». فلنتخل عنها إذاً، لصالح «آليات توصلنا إلى الهدف». هنا، قد يجدر التعلّم من.. التجربة الإسرائيلية ذاتها في إنجاز ما أرادت. إحدى الخطوات التي اقترحها تشومسكي، خلال «المحاضرة السنوية الأولى» التي ألقاها أمس الأول في الأونيسكو، في ذكرى رحيل «الرفيق» جوزيف سماحة، من أجل حمل الولايات المتحدة على «الانضمام إلى الإجماع الدولي»، والعمل «فعلاً» على التوصل إلى تسوية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تكمن في «استغلال نقاط الضعف في النظام الأميركي». تشومسكي لا يمنحك سمكة، وإنما يعلّمك كيف تصطاد. فيشرح أن «الولايات المتحدة هُزمت في الحرب على العراق»، لأن تلك الحرب «جوبهت بمعارضة عارمة، داخل الولايات المتحدة وخارجها، منذ بداية الحرب». هنا، «الرأي العام الناشط» نقطة في النظام الأميركي يمكن استغلالها. خلال المحاضرة، استعرض تشومسكي «مسألتين في السياسة الأميركية» تمسّان الشرق الأوسط، أولاهما الملف الإيراني، «وهنا يجدر السؤال عن الخطر الذي تمثله طهران»، وثانيتهما الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، «وهنا يجدر السؤال عن سبب عدم حلّه حتى اليوم». أجوبة تشومسكي معروفة: الخطر الإيراني بالنسبة لواشنطن يكمن في أن «طهران لا تطيع أوامر عراب المافيا»، ويقصد الولايات المتحدة. سخر من فكرة وردت في تقرير أميركي شبه حكومي، جاء فيها أن «إيران متورطة في زعزعة استقرار جيرانها وبأنها تبسط نفوذها بينها». غريب، «فالولايات المتحدة متورطة في ذلك أيضاً، ولكن يبدو أن تورطها العسكري» واحتلالها للعراق وأفغانستان، «يأتي في سياق إرساء الاستقرار»، قال تشومسكي متهكماً، ليخلص إلى أن «الاستقرار، بالمفهوم الأميركي، هو إذاً بسط السيطرة». أما في ما يتعلّق بفلسطين، استعرض تشومسكي الادّعاء الأميركي بـ«أداء دور الوسيط الصادق». وقال إن العالم لم يتوصل إلى حل حتى الآن «لأن الإسرائيليين والأميركيين لطالما كانوا يواصلون ما يقومون به.. وهو أن تأخذ إسرائيل كل شيء: الموارد والأراضي المهمة والقدس وغور الأردن... وتترك للفلسطينيين ودياناً تالفة وإذا أرادوا تسميتها دولة فليكن، وبإمكانهم تسميتها: دجاج مقلي»، التعبير لسياسيين إسرائيليين. ثم استعرض تشومسكي تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأبرز محطاته، ليخلص إلى أن إسرائيل ليست سوى «انعكاس» للولايات المتحدة. كلاهما «استعمرا الأراضي. وكلاهما أبادا الشعوب الأصلية. وكلاهما استخدما الخطاب الديني لتبرير غزواتهما». ورأى أن القاسم الوحيد المشترك بين نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وإسرائيل هو «أن إسرائيل تراهن على أن واشنطن معها وهي لهذا لن تُهزم»، تماماً مثلما كان «وزير خارجية جنوب أفريقيا عام 1967، الذي قال للسفير الأميركي: إننا نفهم أننا معزولون عن دول العالم. كما نفهم أنه لا يوجد إلا صوت واحد في الأمم المتحدة هو صوت اميركا». ثم تحدث تشومسكي عن أن اهتمام الولايات المتحدة بالشرق الأوسط بدأ في عشرينيات القرن الماضي، بعدما تبين «للأمبراطورية الطفل»، كما كان يسميها مؤسس الولايات المتحدة جورج واشنطن، أن «النفط سيكون السلعة الأهم خلال القرن»، فمن يسيطر عليه يسيطر على العالم. وهكذا، منذ الخمسينيات، باتت الولايات المتحدة تملك نصف ثروة العالم. وبحلول السبعينيات انخفضت النسبة إلى 25 في المئة، نتيجة استعادة الدول الصناعية الأخرى بعض أمجادها، وصعود ما أسماه تشومسكي «العالم الثلاثي القوى: الولايات المتحدة، أوروبا وآسيا». وضع العالم اليوم بات أكثر تعقيداً، مع صعود قوى أكثر، «اميركا الجنوبية مثالاً، والتي باتت أكثر ميلاً للاستقلالية ولممارسة سيادتها بعيداً» عن الجار الشمالي. بعد هذا الاستعراض، بدا أن همّ الحاضرين، محصور بالقضية الفلسطينية، وكيفية هزيمة الإمبريالية، وكيفية حمل واشنطن على حل الصراع. لهؤلاء أجاب تشومسكي أن «الوسيلة الأفضل لمحاربة الإمبريالية، تعتمد على ما تريد إنجازه». فإذا أردت أن تكتفي «بالشعور بالرضى» عن نفسك، عليك بالشعارات وإقامة الندوات. أما إذا أردت «تحقيق نتائج تساعد الناس، عليك أن تنتبه إلى الوقائع في العالم. أين هي نقاط الضعف في النظام. ثم تفكر بما يتعين القيام به لاستغلالها وتحقيق المكاسب على الأرض». دربان مختلفان تماماً. وهما ميّزا، خلال القرن الماضي، «الحركة الصهيونية والحركات الفلسطينية والعربية». لا يقول تشومسكي إن العرب اختاروا ما أسماه في موقع آخر «الكلام الفارغ». واكتفى بالحديث عن «الحركة الصهيونية التي اتخذت الطريق الثاني. وقالت: فلنؤجل النقاشات والحديث عن المبادئ، ولنبني الوقائع من أجل المستقبل»، لدرجة أنه «حتى الحركة الصهيونية لم تقبل بمفهوم الدولة اليهودية حتى عام 1942، خلال اجتماع في نيويورك». بالطبع كان الإسرائيليون «يفكرون بالأمر، ولكنهم توقفوا عندما لم يحققوا شيئاً، وركزوا على بناء الهياكل التي تؤدي في النهاية إلى إقامة الدولة اليهودية وهم لا يزالون يقومون بذلك... بناء (المستعمرات) ومواصلة أخذ ما يريدونه». وهذه طريقة «ناجحة جداً». في المقابل، فإن الطريق الآخر يدعو إلى «مأسسة المبادئ التي نريد تحقيقها». والمبادئ هي إقامة دولة ديموقراطية واحدة حيث الجميع يتمتع بالحرية.. وربما الحديث إلى العودة إلى عام 1948». هي شعارات وصفها تشومسكي بـ«الجميلة ولكنها في الواقع لن تحقق شيئاً. والدليل يكمن في التاريخ». وعليه، إن «كنتَ جدياً، عليك أن تسلك طريقاً توصلك إلى تحقيق هذه الشعارات. علينا أن نميّز بين الاقتراحات وبين الترويج، إذا بدأت تسأل نفسك كيف نصل إلى الهدف، عندها تكون قد تخليت عن الكلام الفارغ». في ما يتعلّق بفلسطين، تشومسكي «لم يسمع سوى بآلية ترويج واحدة لحل الصراع، وهي تلك التي تبدأ بتسوية بناء على حل الدولتين. وهو حل قد لا يكون جميلاً ولكنه ممكن. قد يؤدي إلى عدائية وعنف، وقد يؤدي إلى مزيد من التبادل التجاري والثقافي، وقد يمضي قدماً نحو شكل من الاندماج وقد ينتهي بنوع من الفدرالية». والمسألة ذاتها تنطبق على «حق العودة» فـ«آلية الترويج الوحيدة التي سمعتُ عنها هي محادثات طابا» في 2001. هنا، كان لتشومسكي انتقاد للبنان «الذي قد يعد الأسوأ في ما يتعلق بحقوق اللاجئين الفلسطينيين». قال إن «الفلسطينيين في لبنان يعيشون في قفص. زرت المخيمات، ورأيت الأطفال مأسورين في قفص، بالكاد يرون نور الشمس، وسيبقون كذلك وأحفادهم سيبقون كذلك. لا يمكنهم الاندماج مع المجتمع، لا يرون ضرورة لتلقي التعليم بما أنهم لن يستفيدوا من هذا العلم (الوظائف). هذه مسألة يمكن مناقشتها والقيام بشيء حيالها. ولا علاقة لها بحق العودة، وإنما بأن نكون إنسانيين». أما في ما يتعلق بحملات المقاطعة «البناءة»، اقترح تشومسكي «مقاطعة جامعة هارفرد» إذا اخترنا المقاطعة الأكاديمية فـ«حتماً، جامعة هارفرد متورطة في أمور وحشية أكثر بكثير من جامعة تل أبيب»، أو حتى «مقاطعة الشركات الأميركية العاملة في الأراضي المحتلة، قد يكون اقتراحاً جيداً جداً. حتى أن هذه المقاطعة تتوافق مع القانون الأميركي؛ أو حتى الدعوة لحظر الأسلحة إلى إسرائيل، ذلك سيكون تأثيره أسوأ (على إسرائيل) من حملات المقاطعة». وختم تشومسكي بالدعوة إلى «العودة إلى التاريخ، لنرى الطريق الذي سلكته إسرائيل للوصول إلى ما وصلت إليه، ولنر الأطراف التي سلكت طريق المبادئ وماذا حققت. ونسأل أنفسنا: لماذا؟».
آخر تعديل على Tuesday, 01 September 2009 11:26

الأكثر قراءة