Ihsan Masri

Ihsan Masri

أخيراً، وُضع مؤتمر الحزب الشيوعي على سكة الانعقاد. مؤتمر قد يحرّك مياه الحزب الراكدة. السيناريوات الكثيرة، تبدأ بأمل بنهضة الحد الأدنى وتنتهي بقيادة جديدة ـــ قديمة تُجدّد الأزمة وتزيد من الترهّل

إيلي حنا - الاخبار

لم يكن ينقص الشيوعيين اللبنانيين سوى مارك زوكربرغ وموقعه الأزرق. الحزب الذي عرف العمل السري لعشرات السنين، وبيانات و«أفكاراً» كانت تنشر في الخفاء، أصبح «فيسبوك» الراعي الرسمي لها. ماذا يحدث في الحزب الشيوعي؟ سؤال يطرحه الحرصاء والشامتون والمستغربون. يبدو اليوم أنّ المشكلة في سبب السؤال، لا في طرحه. الجميع لم يرَ نشاطاً أو حركة مستدامة للحزب سوى في «طلّات» تقليدية، كان آخرها تظاهرة الأول من أيار. صورة الشيوعيين اليوم يختصرها: فلان شتم القيادة على مواقع التواصل الاجتماعي. فلان خاصم علّان بسبب الحزب.

الانتقال إلى ساحة «الافتراضي» أغوى بعض «الرفاق» ليضيفوا إلى «سيَرهم» المستجدة واقعاً نضالياً، بما أنهم انتقدوا هنا وأبدوا حرصاً هناك. «الحيطان» المجانية استقبلت من هو في التنظيم أو خارجه أو في «منظمات رديفة» (اتحاد الشباب الديموقراطي مثالاً). وليزيد «الحيط» «طرشة»، أفرزت أزمة الحزب الشيوعي أفراداً يعتبرون أنفسهم في الحزب، بينما مسؤولوهم المفترضون يقولون إنهم خارج التنظيم. اليوم، ما «يميّز» حال الحزب الشيوعي منذ سنوات، الحالة الاعتراضية الكبيرة. حالة تنقسم بين حزبيين «ممارسين» وآخرين خارج التنظيم أو «إلى جانبه» على ما أفرز «الضياع التنظيمي». الحزب المفترض أنّ أحد أهدافه تسلّم السلطة لم يجرِ مؤتمره الحادي عشر منذ 3 سنوات. حالة التململ بين الشيوعيين يعيدها أحد أعضاء اللجنة المركزية إلى غياب البرنامج. «الحزب عايش على ردّة الفعل»، يقول. «يطرح إيلي الفرزلي مشروعه لقانون انتخابي، يردّ الحزب ببيان. تبدأ الحرب في اليمن، فيظهر أيضاً بيان»، يضيف المسؤول. أمثلة القيادي الشاب و«المناخ الحزبي» تجعله يعوّل على المؤتمر الحزبي المقبل الذي من المتوقّع أن يجري نهاية الصيف المقبل. الأسبوع المقبل، تبدأ «اللجنة المركزية» بنقاش الوثائق قبل أن توزّع على القواعد الحزبية في المحافظات في مرحلة تستمرّ ثلاثة أشهر يجري خلالها انتخاب مندوبي المؤتمر.

المادة الخامسة

تعتبر الورقة التنظيمية (الورقة الأخيرة لاستكمال وثائق المؤتمر) الوحيدة بين أيدي أعضاء المكتب السياسي لنقاشها. وتختلف الآراء داخل القيادة الحزبية حول المادة الخامسة من النظام الداخلي التي تفرض دورتين متتاليتين كحد أقصى للأمين العام ونائبه، و3 دورات لعضو المكتب السياسي واللجنة المركزية ومواقع قيادية أخرى. هذه النقطة أوجدت اقتراحات وآراء مختلفة داخل «المكتب»، مثل رفض التعديل أو التعديل الجزئي (يشمل الأمانة العامة فقط مثلاً أو تعديل في شكل النظام الانتخابي) أو تعديل في هيكلية الحزب لتكون على شكل وحدات (وحدة تنظيمية، وحدة إعلامية، وحدة مالية...) مع إلغاء اللجنة المركزية والمكتب السياسي. هذه المادة التي قد «يفصل» فيها في المؤتمر، تحيلنا إلى واقع رديء في حزب يفقد منذ أكثر من 20 سنة كادره الوسطي، أي المنتسبين في أواخر العشرينيات والأربعينيات من العمر. «انقطاع جيل 1990 - 2000»، كما يسميه مسؤول التنظيم في الحزب نديم علاء الدين، أفرز ترهلاً في بنية الحزب وانقطاعاً أكبر بين الفئات العمرية. نمو الكادر البطيء يجعل حكماً من تطبيق المادة الخامسة «تصيب» نحو 27 عضواً في اللجنة المركزية (نحو 70% من المشاركين في الاجتماعات)، وعدداً كبيراً من مسؤولي المحافظات والمنطقيات، وبالتالي إفراغ الحزب «ضربة واحدة» من دون وجود بديل حاضر يسدّ فراغاً هائلاً. عضو المكتب السياسي علاء الدين، يرى أنّ الأزمة ليست أزمة القيادة فقط، بل «الجميع مأزوم»، من معارضين إلى حزبيين. ويعطي أمثلة على نشاطات في بعض القرى «تغني عن مئة اجتماع ونقاش فكري». وعلى الأرض، بعض نشاط الشيوعيين في بعض المناطق حافظ على «نَفَس» شيوعي واستمرارية بين حزبيي تلك المنظمات. الحزب «الواقع في ورطة» منذ أواخر الثمانينيات يراكم الأزمات وتسرّب الكادر الوسطي من قيادة إلى أخرى. وزر أكثر من 20 سنة يحمله «مداومو الوتوات (المركز الرئيسي)» اليوم، وستحمله القيادة المقبلة من أي طرف كانت. «معظم المنظمات في حالة مراوحة تنتظر القيادة... تنتظر الخطة. ضعوا أنتم خطة والأمثلة كثيرة. كيف يتبيّن حضور الحزب دون الشغل تحت»، يضيف علاء الدين. جزء من الشيوعيين يعوّل على «مبادرة حسن إسماعيل» (مبادرة أطلقها الأمين العام خالد حدادة في ذكرى أسبوع المناضل إسماعيل)، لأنها تطرح عودة الشيوعيين ليشاركوا في الإعداد للمؤتمر. لكن أعضاءً في اللجنة المركزية يقولون إن «المبادرة أجهضت» وأصبحت «خلفنا»، أما علاء الدين فيؤكد «فصل الإعداد للمؤتمر عن لجان إعادة الشيوعيين وباقي المبادرات، فعملية إعادة الرفاق عملية لا تتوقف، ووضع المبادرة قبل المؤتمر يعني مزيد من التأجيل». عضو اللجنة المركزية المعارض رباح شحرور، يرى في «مبادرة إسماعيل» بنوداً ممتازة، لكن العمل فيها يوضح أنها ماتت لحظة ولادتها. شحرور يرى أن المهمة اليوم التوحّد حول عقد المؤتمر في أسرع وقت، مطالباً بإشراك جميع الشيوعيين خارج التنظيم «ممّن لم يأخذوا خيارات سياسية أخرى». بدوره، يرى مسؤول قطاع الشباب والطلاب أدهم السيد، أنّ تظاهرة أول أيار «ردّ واضح من الشباب يبيّن حجمهم الفعلي من حيث نسبة مشاركتهم، بالإضافة إلى نشاط الزرارية (حفل سياسي فني أقيم أيضاً بمناسبة عيد العمال)». السيد يعتقد أنّ من الأجدى اليوم التزام النظام الداخلي، ثمّ المؤتمر يفصل في الخلافات. «صحيح أنّه قد تظهر مشكلة في مسألة إفراغ الجسم القيادي، لكن الشيوعيين يحسمون ذلك، وبالحد الأدنى الأمانة العام يجري فيها التغيير»، يضيف. شهور حاسمة سيمضيها الشيوعيون اللبنانيون. «الأمل» باستنهاض القواعد الحزبية يتجدّد قبل كل مؤتمر، لكن المفاجآت السلبية اعتادت الظهور منذ سقوط الاتحاد السوفياتي.

امام انعدام أي أمل في تسجيل كتاب تاريخ رسمي يذكّر بإنجازاتها، يوثّق «وجدت لتنتصر ــ جبهة المقاومة الوطنية» (الفارابي) سنوات القتال العسكري للمقاومة الوطنية ضد الاحتلال الإسرائيلي. المؤلّف الذي أنجزته مجموعة من أسرة «دار الفارابي»، يستند بشكل أساسي إلى وثائق وشهادات لمن شاركوا فيها، خصوصاً كوادر ومقاتلي «الحزب الشيوعي اللبناني»، مستعيداً تاريخاً طويلاً من المقاومة كاد مرور الوقت أن يمحي أثره حتى من الذاكرة

محمد همدر - الاخبار

 

 

يوثّق «وجدت لتنتصر ــ جبهة المقاومة الوطنية» (الفارابي) لسنوات المقاومة العسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي، خصوصاً عمليات «جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية» (جمّول) التي انطلقت خلال اجتياح الــ 82. أمام انعدام أي أمل في تسجيل كتاب تاريخ رسمي يذكّر بإنجازات الجبهة، يكاد يختفي أثر تلك السنوات حتى من الذاكرة، خصوصاً أن المقاومة الحالية (الإسلامية) توثّق عملياتها منذ انطلاقتها وعبارة «نكمل الطريق» التي يردّدها قادتها لن تفرج عن الحقيقة الكاملة لبدايات المقاومة الوطنية. دور توثيقي بحت يؤديه الكتاب لحفظ ذلك التاريخ، مستهلاً برواية حركة المقاومة الوطنية لهذا الاحتلال منذ نشأته وقبل أن تطأ قدمه الأرض على الحدود اللبنانية المعترف بها بعد الاستقلال إلى عام 2006.

 

المؤلّف الذي أنجزته مجموعة من أسرة «دار الفارابي» بإشراف مدير الدار حسن خليل، وقدّم له أمين عام «الحزب الشيوعي اللبناني» خالد حدادة، يستند بشكل أساسي إلى وثائق وشهادات من عاش تلك الحقبة، ومن شارك فيها بشكل مباشر وغير مباشر، خصوصاً كوادر ومقاتلي «الحزب الشيوعي اللبناني». لا تكمن أهميّة الكتاب في استحضاره لماضي المقاومة فحسب، بل أيضاً في توثيقه لجميع العمليات بالتفاصيل والتواريخ. عمليات نوعية لا تعدّ ولا تحصى، خلّفت تأثيراً هائلاً على جيشي الاحتلال الإسرائيلي واللحدي في جنوب لبنان، وأفقدت الإسرائيلي صوابه. أما الردّ فجاء كعادته هائجاً ومنتقماً من القرى والمدنيين حتى وصل عدوانه الى مناطق قريبة من العاصمة كما فعل مرّة في كانون الأول عام 1989 حين استهدف مقر قيادة «الحزب الشيوعي» في منطقة الرميلة. كان المقاومون يشتبكون من أماكن قريبة وكانوا يبقون في ساحة المعركة لساعات وأيام يحاصرهم الإسرائيلي ولا يتمكن من هزيمتهم. وفي بعض المواجهات، استعمل السلاح الأبيض كما في عملية جبل الشيخ التي نفذتها مجموعة الشهيد جمال ساطي في أيلول 1987 التي أُسر خلالها أنور ياسين.

استشهد ثمانية شيوعيين أثناء تصديهم للإنزال الإسرائيلي في عدوان تموز تحضر أيضاً مرحلة المقاومة التي انطلقت بعد «اجتياح 82» من بيروت الى صيدا والجبل والبقاع، وكانت مختلفة باختلاف طبيعة المدن عن القرى الحدودية. لاحقت المقاومة الجيش الإسرائيلي إلى الجنوب بعد انسحابه واستعادت دور الفلسطيني الذي كان قد غادر بعد الاتفاقية التي ضمنت رحيله. مراسلات بين المُخطط والمنفذ، خرائط، ووثائق تم الحصول عليها بعد أسر جنود اسرائيليين أو قتلهم، ووصايا الشهداء وسيرهم الذاتية وأسماؤهم (مع الإبقاء على سرّية أسماء الأحياء من المقاومين) وغيرها من الوثائق المهمة، نقرأها أيضاً ضمن الكتاب. كانت بيانات المقاومة الوطنية تتحدث ببطولة عن عمليات يقوم بها «حزب الله» الذي كان حديث الظهور على الساحة الجنوبية أواسط الثمانينيات، وتسمّي معتقليه وتشيد بعملياته الاستشهادية التي كانت «جمول» تتبعها أيضاً. يذكّر الكتاب بتلك الحقبة التي اختار فيها «الحزب الشيوعي» تنفيذ هذا النوع من العمليات، متسلحاً بأسبابه العقائدية الخاصة غير الدينية، مقدماً نماذج كلولا عبود ووفاء نورالدين وجمال ساطي الذي ركب الحمار وفجّر نفسه في مقرّ الحاكم العسكري الإسرائيلي في زغلة (حاصبيا) في آب عام 1985. ورغم حصة المرأة الكبيرة في المقاومة العسكرية (عبود، نور الدين وسهى بشارة)، ومهمّاتها الاستخباراتية واللوجستية، إلا أن الكتاب لم يذكر الّا نموذجاً واحداً لمشاركة المرأة في التحضير والمساعدة في إنجاز الضربات العسكرية. هناك مساحة للمقاومة الشعبية، نقرأ فيها قصصاً من المقاومة المدنية التي خاضها الناس في القرى المحتلة، عبر المواجهات والإضرابات والاحتجاجات، بالإضافة الى حركة النضال والدعم من داخل السجون والمعتقلات الإسرائيلية. الكتاب عبارة عن فهرس بالعمليات، ومكان وزمان تنفيذها والخسائر البشرية والعسكرية التي ألحقتها بالاحتلال. وثيقة كان يمكن لها تتخذ شكلاً مختلفاً، تمكنها من الوصول إلى شريحة أكبر من الناس، لو أنها تجنبت الأسلوب الدعائي، واتبعت طريقة سرد مختلفة. في نهاية المطاف، وبعد الذروة التي حققتها «جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية» يتقلّص عدد العمليات تدريجاً مع التقدّم في الزمن، خصوصاً بعد اتفاق الطائف. يتوقّف الكتاب عند أسباب هذا التراجع، متناولاً بخجل الأسباب الداخلية التي أدّت إلى ظهور مقاومة عقائدية من لون واحد على الحدود. هكذا يختصر الحديث عن اغتيال مقاومين شيوعيين على الشريط الحدودي، وعن عزل القيادات العسكرية والسياسية العلمانية في الداخل. النقد الذاتي مطلوب طبعاً، لكن عملية الإلغاء والانفراد بالقرار العسكري على الحدود حقيقة أيضاً، لا يمكن لمرور الزمن التقليل من أهميتها. خلال عدوان تموز 2006، خرج شيوعيون ببنادقهم للتصدّي للإنزالات الإسرائيلية من دون أي خطة أو قيادة، لينضم الى القافلة ثماني شهداء، مؤكدين أن الهدف كان ولا يزال مقاومة إسرائيل. حقيقة يؤكدها الكتاب أيضاً، مختتماً فصوله بهذه الحادثة.

عماد الدين رائف - السفير

يتم تداول فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي لبرلين في أيار 1945، بعد دخول جيوش الحلفاء إليها. يظهر الشريط الدمار وحركة الناس والجنود في شوارع برلين، التي كان يفترض أنها ستحكم العالم بعد حرب باهظة الأثمان بشرياً واقتصادياً على مستوى أوروبا أولاً والمعمورة بشكل عام. ذلك فيما تقام اليوم احتفالات كبرى في العاصمة الروسية تكرّم قدامى المحاربين. أما في لبنان الذي دفع ثمن الحرب كذلك، والمثقلة ذاكرته بحروب لاحقة، فتقتصر الاحتفالات فيه على زيارات لمدافن قدامى المحاربين في جيوش الحلفاء، وعلى ما درج على تنظيمه متخرجو معاهد وجامعات الاتحاد السوفياتي من فعاليات. العام 1945، كان عاماً استثنائياً في لبنان الواقع تحت الانتداب. كان الإرهاق بلغ مداه، واللبنانيون ينتظرون لحظة سقوط النازية. وكانوا يقدرون آنذاك بمليون ومئة ألف شخص، ويعيشون ضائقة معيشية مع تدهور القيمة الشرائية لليرة. وتظهر الوثائق أن أسعار الجملة ارتفعت بين العامين 1939 و1945 إلى 1019 في المئة، وأسعار المفرق إلى نحو 730، وغلاء المعيشة وصل إلى حدود قياسية حيث تجاوز خمسة أضعاف، 562 في المئة. ذلك فيما كان نحو خمسين ألف شخص يعملون بشكل شبه دائم خلال الحرب، لمدة أربع سنوات، في خدمة الجيوش الحليفة وفي المؤسسات العاملة للمصلحة العسكرية، وكان أهاليهم ينتظرون انتهاء المعارك كي يعودوا سالمين. ذلك العام، شهد من ناحية أخرى مسعى جدياً إلى الاستقلال التام. فمطلع العام 1945 شهد تطبيق تقرير فرنسي سرّي صادر في آب 1944، فرض عقوبات تأديبية بحق ضباط لبنانيين بسبب «مواقفهم الاستقلالية»، وفي 29 كانون الثاني عمّت بيروت تظاهرات مطالبة بتسليم الجيش إلى الدولة اللبنانية. وهتف طلاب لبنان للجيش رمز الاستقلال وسياج الكرامة، داعين الحكومة إلى التحرك بكل الوسائل لتسلّم جيشها. إلا أن التعامل الفوقي للانتداب مع اللبنانيين أرجأ تلك العملية إلى 12 تموز حيث تم الاتفاق في شتورا، على تسليم المنشآت والثكنات في 20 تموز، والوحدات العسكرية في 25 تموز، وتسليم قيادة وإدارة هذه القوات في الأول من آب. الاحتفالات الكبرى التي اجتاحت لبنان بين 25 نيسان وآخر أيار 1945، على عفوية الجماهير فيها، لم تكن عفوية بالنسبة إلى منظميها. فالحركة المناهضة للفاشية في لبنان كانت قد تأسست قبل الحرب بسنوات، منذ مطلع الثلاثينيات. ولعل أول تحرك علني ضد الفاشية، وثقته جريدة «القبس» الدمشقية بخبر لمراسلها في بيروت، في 9 نيسان 1933، حين هاجم بعض الشيوعيين القنصلية الألمانية فنزعوا اللوحة الحاملة لشعار الدولة وداسوها بأرجلهم ثم رموها من فوق سور حديقة القنصلية، وكتبوا على السور: فليسقط الفاشيست والاستعمار...». ذلك الحادث يليه تأسيس «جمعية المساعدة الحمراء»، من أجل جمع الأموال للدفاع عن المعتقلين في السجون النازية. ويبرز الكاتب سليم خياطة في تلك المرحلة كمناهض شرس للفاشية، فيفضحها في كتابه «حميات في الغرب»، المطبوع في بيروت أواخر 1933. في المقابل، تم رصد مظاهر للتأثر بالفاشية في لبنان وسوريا، من تأسيس «الشباب الوطني» صيف 1936 لفرق «القمصان الحديدية» التي تأثرت بالشكل فقط، فكان التنظيم وأخذ التحية مقتبسين عن النازية. وقد ذكر بعضها أنور العشي في كتابه «في طريق الحرية». وأهم ما كتب في هذا المجال دراسة الباحث الألماني غوتز نوردبروخ «النازية في سوريا ولبنان: تناقض الخيار الألماني 1933 ـ 1945». وقد لاقى الكتاب ردوداً من باحثين، لعل أبرزهم المؤرخ الأوسترالي عادل بشارة الذي نشر في مجلة «المشرق» الناطقة بالإنكليزية في كانون الأول 2009، حيث دافع بشارة عن القوميين وفند مزاعم تأثرهم بالنازية، ففتح بذلك سجالاً مع نوردبروخ استمر إلى صيف العام التالي. لكن على كل حال، بالإضافة إلى الماركسيين، شهدت الثلاثينيات تيارات مناهضة للفاشية لمصالح مختلفة، رصدها الباحث عبدالله حنا في كتابه «الحركة المناهضة للفاشية في سوريا ولبنان 1933 ـ 1945»، وهي تتمثل في التيار الإسلامي، والتيار الشرقي الإنساني الوطني، والتيار القومي العربي، إلى جانب المنتفعين من الاستعمارين الفرنسي والبريطاني. وشهد ذلك العقد صدور جريدة «صوت الشعب» في 15 ايار 1937، ورأس تحريرها نقولا الشاوي، وأخذت على عاتقها مهمة كشف مؤامرات الفاشية والاستعمار ومحاربتهما. كما شهد صدور مجلة «الطليعة» الدمشقية حاملة لواء مناهضة الفاشية، في التاريخ نفسه. ومهدت الصحيفتان والمنشورات والكراريس لمؤتمر مكافحة الفاشية السوري اللبناني الأول في 6 و7 أيار 1939. وذلك بعد اربع سنوات على تأسيس «عصبة مكافحة الفاشستية» التي كان أمين سرها المهندس انطوان ثابت. وعندما اندلعت الحرب في أيلول من العام نفسه، أغلق الفرنسيون «صوت الشعب» وزجوا بالمناهضين للفاشية من المثقفين والعمال في السجون. وبقيت تلك الحركة في صراع يومي مع سلطات الاستعمار حتى دخول الحلفاء إلى لبنان في العام 1941. حينذاك ازدادت الحركة ونشاطها برغم عدم حدوث تغيير على بنيتها المؤلفة أساسا من الحزب الشيوعي اللبناني والتيار الديموقراطي الثوري والمثقفين. وقد انضم الأديب عمر فاخوري إلى الحركة في سني الحرب وبرز كأحد أعلامها، وأسس إلى جانب يوسف يزبك، ورئيف خوري، وكامل عياد، وأنطون ثابت، وقدري قلعجي «لجنة مكافحة النازية والفاشية في سوريا ولبنان»، التي أصدرت في 20 كانون الأول 1941 مجلة «الطريق» الثقافية، وريثة مجلة «الطليعة (1935 ـ 1939). وتوجت «الطريق» عامها الأول بالاجتماع الموسع للعصبة في بيروت، من 18 إلى 20 كانون الأول 1942. وحضره مثقفون من بيروت ودمشق وحمص وطرابلس والشوف وحلب ومنطقة العلويين والبقاع ومرجعيون. وقادهم الاجتماع الموسع إلى نضال سنوات لدحر الفاشية وصولاً إلى النصر الكبير في أيار 1945. في ظل تلك الأجواء، حمل 24 نيسان خبر دخول الجيش الأحمر إلى برلين. وقد عنونت «صوت الشعب» صفحتها المحلية بـ «الاستعدادات الكبرى لسقوط عاصمة ألمانيا ـ تظاهرات الابتهاج والفرح بدخول الجيش الأحمر إلى برلين». ولفتت مقدمة الخبر إلى أن المحرر أخرّ طبع الجريدة (عدد 25 نيسان) والسبب: «بعد أن وضعت الجريدة ليلة أمس على الآلة الطابعة قام مندوبنا بجولة بالسيارة في أحياء العاصمة، وكانت الساعة قد تجاوزت الحادية عشرة. ولكن المدينة كانت تبدو في تلك الساعة كأنها في أول ساعة من ساعات الليل. وكانت المظاهر في ساحة البرج وفي ساحات الأحياء وشوارع المدينة تدل على أن المدينة في عيد فريد غير عادي، عيد الفرح الأكبر بانتصار الحرية على الطغيان، وبقرب انتهاء الحرب باندحار موقدي نارها». بعد تلك الليلة، كانت المناطق اللبنانية تعيش الانتصار ساعة تلو أخرى. وحلّ الأول من أيار في تلك الأجواء، حيث أقامت «عصبة مكافحة الفاشية» و «الحزب الشيوعي اللبناني» احتفالاً كبيراً في محلة الدورة. وفي التاسع من أيار 1945، ومع إعلان هزيمة النازيين، ورفع العلم السوفياتي على الرايخستاغ الألماني، دعا «الحزب الشيوعي اللبناني» و «عصبة مكافحة الفاشية» إلى تظاهرة شعبية كبرى في ساحة النجمة في اليوم التالي، في بيروت، احتفالاً بيوم النصر. وأراد من التظاهرة، كما تظهر الدعوة، توجيه «تحية إلى جيوش الأمم المتحدة وشعوبها التي ناضلت وبذلت دماء أبنائها من أجل قضية الحرية، وتحية للمتطوعين اللبنانيين والعرب في الوطن والمهجر جميعاً، الذين حاربوا في جيوش الأمم المتحدة وساهموا في إحراز النصر على الفاشية وعززوا حق أوطانهم في الحرية والاستقلال». وحملت الصحف البيروتية على صفحاتها الأولى خطاب رئيس الجمهورية بشارة الخوري بعنوان «إعلان يوم النصر في لبنان»، لعل اللافت فيه إعلان يوم النصر عيداً لبنانياً وطنياً. ومما جاء فيه: «في هذا اليوم العظيم يطيب لنا أن نحيي جيوش الأمم المتحدة المظفرة، وأن نحيي كذلك جنودنا الذين قاموا، إلى جانب تلك الجيوش بقسطهم من الواجب في سبيل النصر... يسعدنا، نحن رئيس الجمهورية اللبنانية، أن نعلن يوم النصر في أوروبا عيداً وطنياً في هذه البلاد... فيوم النصر الذي نحتفل به بداية تأريخ لعالم خليق بالتضحيات التي بذلتها الشعوب، والآلام التي تحملتها الأمم. عالم سلم تسوده الحرية والأمن والعدالة، نعمل له نحن مع العالمين، لأننا جميعاً مسؤولون عن مصير الإنسانية، أمام الله وأمام التاريخ».

الاخبار

«أغانيه القديمة أحلى»، قالت السيّدة الخمسينيّة. «لأنك معتادة عليها»، رد على الفور الشاب الجالس إلى جانبها. وربّما كان الاثنان محقين، لكن، في كل الأحوال، خالد الهبر هو دائماً خالد الهبر. بنقائه السياسي، وكنزته الكحلية البلا أكمام، وطريقته بلفظ الراء، وألحانه وغنائه وكلماته، والغيتار الذي يلجأ إليه أحياناً فيستعيد المخضرمون عندذاك صورة أيّام العزّ والنضال والتفاؤل الثوري. خالد الهبر نفسه، هو الذي لا يخلف موعداً مع العمّال في عيدهم. بالأمس على خشبة «قصر الأونيسكو» في بيروت، مع تأخير طفيف على الروزنامة، استعاد الفنان اللبناني اليساري حيويّته وسط المستنقع السياسي الآسن الذي نعيش، أمام جمهور استثنائي، هو عيّنة معبّرة عمّا يمكن أن تكونه في هذا الزمن العبثي، نواة وطن بديل، ورأي عام بديل. قدّم الهبر مع أوركسترا تجمع آلات النفخ والايقاع على أنواعها، مع القانون (غسان سحاب) والبيانو والغيتار والجوقة طبعاً بالفولارات وربطات العنق الحمراء، برنامجاً منوّعاً يجمع بين اللون الشعبي والجاز، بين أغنيات قديمة مثل «ابنك يا سعيدة» (جوزف حرب) أو «حالة الاحتضار الطويلة» التجريبيّة النفَس (محمود درويش)، وأخرى أحدث نسبياً مثل «ما تنسوا فلسطين» في مستنقع الربيع العربي الذي لم يغلب الاستبداد بل شرّع علينا أبواب جهنّم التكفير والمذهبية واسرائيل… وأخرى تقدم للمرّة الأولى مثل تحيّته إلى دمشق الجريح: «بالشام كنّا نلتقي بالشام». ولم يفت المغنّي الشجاع أن يوجّه تحيّة إلى كرمى خيّاط و«الجديد»، وإبراهيم الأمين و«الأخبار» في مواجه قمع محكمة الفتنة الدولية: «قالولي ممنوع تحكي وتتخطّى الحدود».

 

غسان ديبة - الاخبار

 

 

«إن الإنتاج الصناعي سيقرر من سيربح هذه الحرب» جوزيف ستالين

 

هاتان الخاصيتان، بالإضافة الى صلابة القيادتين السياسية والعسكرية ستلعبان دوراً كبيراً في النصر القادم. لكن العامل الحاسم سيكون القدرة السوفياتية على الإنتاج والتصنيع، بشكل مكّن الجيش السوفياتي، بعد استيعاب هجومات 1941 و1942، من أن يحسم الحرب.

 

كانت الحرب ضد الاتحاد السوفياتي قد بدأت في حزيران 1941، واعتقد القادة العسكريون الألمان والاستخبارات البريطانية والأميركية آنذاك أنه بحلول الخريف تكون موسكو ولينينغراد قد سقطتا، كما أكد المؤرخ تشارلز ونشستر في كتابه «حرب هتلر على روسيا». لكن موسكو ولينينغراد لم تسقطا، وسيستسلم الألمان للسوفيات في 9 أيار 1945 بعد دخول الجيش السوفياتي الى برلين وإنهاء الرايخ الثالث. الكثيرون في الغرب حاولوا ولا يزالون يحاولون حتى الآن التقليل من دور الاتحاد السوفياتي في هزيمة النازية، على الرغم من أن الاتحاد السوفياتي تكبد 27 مليون قتيل في الحرب، اي حوالى 40% من كل الضحايا. هوجمت موسكو، ودام حصار لينينغراد 900 يوم، وأُعتبر الأقسى في التاريخ البشري، حيث مات حوالى مليون مواطن سوفياتي. كما أن المعارك التي خاضها الجيش الأحمر كانت أقوى معارك الحرب وأكثرها تدميراً للقوة العسكرية النازية، إذ إن أكثر من ثلاثة أرباع القتلى والمفقودين العسكريين الألمان، البالغ عددهم 3.9 ملايين، سقطوا في الجبهة الشرقية.

تأثراً بالغرب، يتعلم البعض أن العامل الحاسم في الحرب كان «الجنرال شتاء». لا بد من إيضاح بعض الأمور حول نظرية «الجنرال شتاء». أولاً، أن الألمان هجموا في الصيف على الرغم من أن الدعاية شوشت عقول الناس، فيظن البعض اليوم أن الهجوم حصل في الشتاء. ثانياً، أن الألمان المعروفين بتخطيطهم العالي وكفاءتهم لا بد أنهم كانوا يعلمون أن الاتحاد السوفياتي في الشتاء سيشهد طقساً بارداً إن هم فشلوا في إنهاء الاتحاد السوفياتي قبل بداية الشتاء. وهنا يقول المؤرخ جيوفري جوكس بتهكم، في كتابه حول معركة ستالينغراد، «كأن ستالين في حبه للسرية لم يخف فقط القوة الحقيقية للجيش الأحمر، وإنما أيضاً قساوة الشتاء الروسي»! ثالثاً، أن البرد والثلج والصقيع كانت عند جانبي خطوط الجبهات في موسكو وستالينغراد ولينينغراد، وبالتالي فإن «الجنرال شتاء» لم يكن أبداً مع السوفيات ضد الألمان. وتجدر الإشارة أيضاً الى أن الحرب العالمية الثانية كانت بين 1941 و1943 محصورة بشكل كبير في الجبهة الشرقية، وبالتالي كان لدى الألمان الحرية الكبيرة في توجيه الموارد العسكرية والاقتصادية والبشرية للنصر في الشرق. ولكن، الأهم من التحليل التاريخي وإعطاء الحق، فإن نظرية «الجنرال شتاء» تبناها القادة الألمان آنذاك، وبالتالي اعتقدوا أنه بمجيء ربيع 1942 سيعيدون الكرة ويكون النصر حليفهم، وبالمقارنة فإن القيادة السوفياتية والجيش الأحمر كانا قد بدآ إعداد العدة في أكبر تحشيد للموارد البشربة والمادية في التاريخ، والتي بنيت على الاقتصاد السوفياتي المخطط مركزياً منذ الخطة الخمسية الأولى في 1928. في هذا الإطار، يقول المؤرخ جيوفري روبرتس إن الانتصار السوفياتي في الحرب تطلب «إنجازاً اقتصادياً وإدارياً كبيراً». عند بدء الهجوم، نقل السوفيات أكثر من 1500 مصنع الى الشرق، وفي السنوات اللاحقة أضافوا 3500 مصنع آخر ليشكلوا الآلة التي لم تقف خلال الحرب وتفوقت على الصناعة الألمانية في كل المجالات، وخصوصاً في تصنيع الدبابات والطائرات. وعندما سلمت المصانع السوفياتية إنتاجها للجيش الأحمر، تسنى للجيش أن يطلق هجوم 1944 الذي «حطم الجسم الأساسي للجيش الألماني، وبالتالي ربح فعلياً الحرب العالمية الثانية، قبل أن تطأ القوات الحليفة شاطئ النورماندي»، كما قال تشارلز ونشستر. يقول الاقتصادي الأميركي جون رومر إنه على الرغم من معارضته للنموذج السوفياتي للاشتراكية، إلا أن الثورة البلشفية كانت الدافع وراء قيام دولة الرفاه الاجتماعي والديموقراطية الاجتماعية في الغرب وانتهاء الكولونيالية. إن الحرب الوطنية العظمى لم تنقذ الشعوب السوفياتية فقط من الهلاك على يد أكثر الأنظمة وحشية في التاريخ، التي استعملت العقل في جرائم الإبادة، بل أنقذت البشرية جمعاء، ما يضيف الى ما ذكره رومر من إنجازات الحقبة السوفياتية على المستوى الإنساني والتاريخي. وهذه السنة في الذكرى السبعين للنصر على الفاشية وفي العرض العسكري يوم السبت المقبل، ستعبر وحدات من القوات الخاصة في موسكو تحت اسم «فليكس درجنسكي» البولوني، مؤسس التشيكا (Cheka)، في رمزية أن الثورة البولشفية لم ينته تأثيرها، وخصوصاً بأمميتها التي نحتاج إليها اليوم أكثر من أي وقت مضى، وأن الفاشيين الجدد في أوروبا وغيرها سيجدون أن التراث السوفياتي ليس فقط تاريخاً، بل كان دافعاً للشعوب الأوروبية ولشعوب العالم كله لمحاربتهم وللقضاء عليهم مرة أخرى، وذلك من أجل إنسانية أكثر عدلاً وسلاماً وتقدماً.

السادس من أيار، يوم عادي؛ لا إضراب ولا تظاهرة ولا اعتصام ولا حتى بيان أو موقف يواجه السلطة وأحزابها الممعنة في التنكّر لحقوق الاساتذة والمعلمين والموظفين والجنود والمتعاقدين والمتقاعدين. هيئة التنسيق النقابية، التي أُخضعت كلياً للمصالح المتعارضة مع مصالح من تدّعي تمثيلهم، قررت البقاء في «الكوما»؛ فبعد دعوتها الى تظاهرة تعيد ضخ الدم في عروق العمل النقابي المجمّد، تراجعت من دون أن تعلن تراجعها أمام قواعدها، مرسّخة بذلك انعدام الثقة بالقيادة الجديدة وكاشفة عن موقعها الحقيقي كأداة بيد السلطة

فاتن الحاج - الاخبار

شو عاملين الأربعاء؟ هذا السؤال الذي طرحه الأساتذة والموظفون عشية تظاهرة 6 أيار بقي بلا جواب. فهيئة التنسيق النقابية قررت في اجتماعها أمس إلغاء الإضراب والتظاهر المقررين غداً الأربعاء، إلا أنها لم تصدر بياناً بذلك، وفضّلت إعلانه قبل 24 ساعة فقط، بعد لقاء تعقده ظهر اليوم مع البطريرك بشارة الراعي.

التخبّط في صفوف الهيئة حلّ محل تعبئة قواعد المعلمين والموظفين في الأيام الفاصلة بين إضراب 23 نيسان وتظاهرة 6 أيار. بعض مكونات الهيئة أبدى حماسة للعودة الى الضغط، بل طالب بتسريع الخطى باتجاه رفع سقف المواجهة مع السلطة السياسية، إلا أن مكونات أساسية، ومنها رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي، أحبطت هذه الحماسة وأعادت الهيئة الى «الكوما» الارادية. لا يخفي رئيس نقابة المعلمين في المدارس الخاصة نعمة محفوض أنّ «جو الأساتذة الثانويين يؤخر هذا الضغط، باعتبار أنّهم يتذرعون بأخذ رأي مجالس المندوبين، فيما كان يمكن أن يفعلوا ذلك قبل المؤتمر الصحافي الذي أعلن فيه رئيس رابطتهم الإضراب والتظاهر في 6 أيار». وقال إننا «لن نسمح لأحد بأن يصرّح باسم هيئة التنسيق، فنحن أصحاب القرار في ما يخص الامتحانات الرسمية هذا العام والعام الماضي»، وذلك في ردّ مباشر على وزير التربية وبعض المتحدثين باسم الهيئة الذين أعطوا ضمانات علنية بعدم تعليق الدروس أو الامتحانات. كيف توزعت مواقف المكوّنات من تحرك 6 أيار؟ رابطة موظفي الإدارة العامة أيّدت في اجتماع هيئة التنسيق النقابية أمس المضي في الإضراب الرمزي والاستعاضة عن التظاهرة بتحديد مكان للاعتصام المركزي. ولفت نائب رئيس الرابطة وليد الشعار إلى أننا «أعجز من أن ننفذ تظاهرة كبيرة، إلاّ أن ذلك يجب ألا يعني انكفاءً أو تراجعاً، بل البحث عن عناوين مطلبية تكون السلسلة أحدها، لتبديد الملل والإحباط الذي أصاب القواعد وإعادتها إلى العمل النقابي».

مكوّنات أخرى بررت التراجع عن تحرك 6 أيار بسقوط الرهان على حلحلة سياسية مثل تحديد جلسة تشريعية تعطي للتحرك معنى وتضمن مشاركة كثيفة للقواعد، على حدّ تعبير مسؤول الدراسات في رابطة التعليم الأساسي الرسمي عدنان برجي. قال إنّنا «لا نريد أن نكرر تجربة الاعتصامات الخجولة في 23 نيسان الماضي، ونحن غير ميالين إلى تنفيذ إضراب يكون بمثابة يوم عطلة ولا يترافق مع خطوة ميدانية كبيرة». وشرح كيف أن «التحركات الحاشدة لهيئة التنسيق تزامنت في كل مرة مع توقعات بإجراءات كنا ننتظرها من السلطة السياسية؛ فتظاهرة 21 آذار 2013 تزامنت مع جلسة لمجلس الوزراء لإحالة السلسلة على المجلس النيابي، وتظاهرة 14 أيار 2014 نفذت في اليوم نفسه الذي انعقدت فيه الهيئة العامة لمجلس النواب بهدف إقرار السلسلة». في ما عدا ذلك، رأى برجي أن التحرك هو استنزاف للوقت والجهد والمال بالنظر إلى التكاليف التي تتكبّدها الروابط في انتقال الأساتذة من المناطق إلى العاصمة. الرغبة في عدم الاستمرار في تظاهرة 6 أيار عبّر عنها أيضاً رئيس رابطة أساتذة التعليم المهني والتقني عبد برجاوي. قال إنّ «المصلحة العامة تقتضي منا مساعدة الطلاب وعدم اللجوء إلى الإضراب، وخصوصاً أننا بتنا على أبواب نهاية العام الدراسي، فيما تبدأ الامتحانات الرسمية العملية في التعليم المهني في 11 الجاري، ولا تلوح في الأفق أي حلول سياسية». رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي عبدو خاطر بدا مستاءً لاتهام الرابطة بفرط التحرك. «هذا افتراء»، يقول، مشيراً الى «أننا لم نتفق مع أحد ولم نعد أي مسؤول بعدم اللجوء إلى التصعيد، فنحن أصحاب القرار». وقال إن «الهيئة الإدارية للرابطة لم تتفرد بأي قرار، وكل ما يصدر عنها نابع من استمزاجها لآراء الجمعيات العمومية ومجالس المندوبين». ولفت إلى أنّه جال شخصياً على الأساتذة في كل المحافظات ولمس حالة القرف التي وصل إليها الأساتذة الثانويون. هؤلاء يشعرون، بحسب خاطر، بأنهم يتعاطون مع هياكل عظمية وليس مع مسؤولين، ويتساءلون ما الجدوى من التظاهر من أجل سلسلة تضرب الحقوق، لا سيما أن الغبن لحق بهم بصورة خاصة أكثر من المكونات الأخرى لهيئة التنسيق؟ وأقرّ خاطر بأن «الأساتذة منقسمون بين مؤيد ومعارض لاستمرار التحرك، وسوف نجوجل من يريد ومن لا يريد ونخرج بالقرار النهائي». لكن نصّ البيان الأخير للرابطة جاء محبطاً للأساتذة الثانويين، فهي دعتهم إلى إعطاء آرائهم الواضحة بالمشاركة في التظاهرة ليبنى على الشيء مقتضاه! ثم أرفقت هذه الدعوة بكلام من نوع «إننا لسنا هواة الإضراب أو التظاهر، بل نحن حريصون على الطلاب وعامهم الدراسي والشهادة الرسمية». لم يكن هذا هو الموقف قبل 25 يوماً عندما انعقد مجلس المندوبين المركزي للرابطة، وأصدر توصية تدعو الى «العودة إلى الجمعيات العمومية لإقرار مختلف أشكال التحرك النقابي المشروع (إضرابات، اعتصامات، تظاهرات، وصولاً إلى مقاطعة تصحيح الامتحانات الرسمية)، إذا استمر تمادي المسؤولين في سياسة التسويف والمماطلة وتجاهل المطالب وعدم إقرار حقوقنا في السلسلة». المفارقة أن البيان المذكور صدر بعد ساعات على تصريحين لوزير التربية الياس بو صعب في مناسبتين مختلفتين، هدّد فيهما بأنّ «ما حصل العام الماضي في الامتحانات الرسمية لن يتكرر ولمن يهدد بعرقلتها أقول له القرار ليس لك... وهذه السنة تفاهمنا مع الاساتذة لتصحيح الامتحانات ونتابع مع المسؤولين المطالب المحقة، ولا أحد يستطيع أن يوقف العام الدراسي الحالي، وما حصل السنة الماضية كان درساً لنا، لذلك سوف نكون جاهزين للامتحانات الرسمية، والجامعات في لبنان سوف تستقبل الطلاب في الموعد المحدد». هذه الوقائع وضعها التيار النقابي المستقل في إطار «التراجع الخطير والانقلاب غير المسبوق على أصول العمل النقابي». ورأى أن «ما يحصل هو ترجمة عملية للاتفاق على عدم التحرك الذي أعلنه وزير التربية أمام وسائل الاعلإم مراراً وأنكرته الهيئة». وتحدث التيار في بيان له عن تسييس التحرك الذي لا يتم إلا بإيعاز من قيادات الأحزاب السلطوية، وسأل: «لمَ أعلنتم التظاهرة إذا كنتم تعلمون أنكم ستتراجعون عنها؟ وهل هذا هو الغيث الذي وعدتونا به في خطبة 23 نيسان؟ وكيف للمشاركة أن تتحقق في ظل هذا التخبط والتراجع المتكررين، وفي ظل سوء الإعداد؟ وإذا لم تكن هناك سلسلة، لمَ لا تتحرك الهيئة للضغط على وزير التربية كي يرفع مشروع قانون خاص الى مجلس الوزراء يحفظ الموقع الوظيفي لأستاذ التعليم الثانوي، ويعمل على إقراره؟». لم تطرح الرابطة، بحسب التيار، أي خطة تحرك بديلة سوى الفراغ والتيئيس والمزيد من إحباط الأساتذة الثانويين، كأن المطلوب إلغاء العمل النقابي من ذاكرة الناس والاستخفاف بجدواه، واستبداله بثقافة استجداء المكرُمات.

 

ليا القزي - الاخبار

 

هاجم موقع القوات اللبنانية الأمين العام للحزب الشيوعي خالد حدادة، داعياً إياه الى الاهتمام «بعلمانيتك المذهبية»، بعد نعي الأخير، خلال تظاهرة الأول من أيار، «صيغة اتفاق الطائف»، مُعتبراً أن «مصلحة البلد تقتضي عقد مؤتمر تأسيسي لبناء لبنان جديد يكون للعمال والمنتجين فيه الحق بالشراكة وبنظام ديمقراطي يختارونه ولا جنرال أو مدّعي حكيم يؤمنها». لم يحتمل القواتيون كلام حدادة، فقرروا فتح الجبهة الباردة بين معراب والوتوات. افتتحوا بيانهم بالتهكّم على «الحزب الشيوعي الذي يكاد ينقرض من الكرة الأرضية، فيما أطلّ علينا فارسه الأحمر خالد حدادة ممتطياً حصان العمّال. نفض الغبار عن المنجل والمطرقة، تسلّح بهما واعتلى المنبر، ليبشرنا بموت الطائف على غرار صيغة الـ43 ويدعو إلى مؤتمر تأسيسي». موقع القوات وضع نفسه في منزلة الواعظ وهو يُذكّر حدادة بأن «حزب الله منعك من أن تُكرّم شهدائك وأنت اليوم تتغنى بأمجاد شهدائه...».

«الشيوعي» ردّ ببيان برر «فورة دم» الموقع الزيتي بأنه «ضاق ذرعاً من خطاب حدادة لأنهم يخافون الحقيقة، ويخافون مشاركة العمال في عيدهم. هذا العيد الذي حاولوا ويحاولون اغتياله كما اغتالوا الوطن وأسروا شعبه بقيودهم الطائفية ومواقفهم التقسيمية»، وختم بأن «الخائن يبقى خائناً والعميل يبقى عميلاً». يعتقد حدادة أن القوات مستاءة «لأننا رفضنا نسج علاقات معها، خاصة أنها لم تُقدم نقداً ذاتياً لعلاقتها مع إسرائيل، إضافة الى انتقادي السعودية في أحد مقالاتي، وهي المموّل الأساسي للقوات». في ردّها، سخرت القوات من الحزب، «وإذا كنا فعلاً لا نمثل شيئاً، لمَ هذا الرد الذي لم يكن أخلاقياً؟». وفي ما خص العلاقة مع حزب الله، أكّد أن الحزب «يتقاطع مع أي قوى تعادي إسرائيل، ونحن نفتخر بجميع الشهداء الذين سقطوا دفاعاً عن لبنان انطلاقاً من جمول وصولاً الى حزب الله». هذا الملف لا يمنع «الشيوعي» من انتقاد فريقَي 8 و14 آذار «الحليفين في ما خص المصالح الاقتصادية الداخلية». انطلاقاً من ذلك، المطلوب من القوات «تلاوة فعل الندامة عن موقف الخيانة خلال اجتياح الـ1982 وشماتتهم بشهداء حرب الـ2006». ولا يُمكن لها أن تزعم أنها تمثل «حقوق المسيحيين لأنها هي التي وقفت ضد مصالحهم في سلسلة الرتب والرواتب، في حين أننا نُمثل مصالح كل الفقراء». مدير تحرير موقع القوات جورج عاقوري قال إن «الرفيق خالد تهكم على جعجع فرددنا عليه بالأسلوب نفسه». توقيت طرح عقد مؤتمر تأسيسي في هذه المرحلة يثير تساؤلات لدى القوات، «قبل ذلك ربما الأجدر أن ينظم حدادة مؤتمراً تأسيسياً للشيوعي». يُذكّر عاقوري بالأمين العام السابق جورج حاوي، الذي كان أول من نظّم حواراً مع القوات في التسعينيات و«هو نقل الصورة الإيجابية للحزب. حدادة يعيش في عالم آخر».

شوكت اشتي- السفير

الاحتفال الأول الذي أقيم بمناسبة عيد العمال، في لبنان والمنطقة العربية، بشكل علني ومنظم، هو الاحتفال الذي أقامه «حزب الشعب اللبناني» في قاعة «سينما الكريستال» في بيروت العام 1925. وبرغم أن لهذا الاحتفال أهمية خاصة في تاريخ الحركة النقابية، فإن له وقعاً خاصاً بالنسبة لـ «الحزب الشيوعي اللبناني»، باعتباره كان نقلة نوعية في مسار تأسيس الحزب. غير ان الفضل في هذا العمل يعود الى النقابي - المناضل فؤاد الشمالي بالدرجة الأولى والاخيرة. قد يكون من الصعوبة تحديد «رقم» هذا الاحتفال الذي أقامه «حزب الشعب» في مسلسل الاحتفالات بعيد العمال. غير ان ما يمكن توضيحه، انه قد يكون الاحتفال الثالث في التراتبية الشكلية، لكنه الأهم في المضمون والأبعاد. اشار محمد دكروب في «جذور السنديانة الحمراء» إلى أن الاحتفالات بعيد العمال في بلادنا كانت عبارة عن مبادرات فردية وسرية وتقام في أماكن «نائية»، خوفاً من رقابة السلطات. وقد يكون أول احتفال على هذا المنوال جرى العام 1907 في محلة الروشة في بيروت، وفي مكان بعيد عن عيون الرقباء، وقد ضم مصطفى الغلاييني (بيروت) وفليكس فارس (صليما) وداود مجاعص (الشوير) وجرجي نقولا باز (بيروت) وخير الله خير الله (جران - البترون) الذي أصبح، بعد ثمانية عشر عاماً أحد خطباء مهرجان «سينما الكريستال» العام 1925. يشير فؤاد الشمالي في كتابه «أساس الحركة الشيوعية في البلاد السورية ـ اللبنانية» (كتابات مجهولة جمع فيها محمد كامل الخطيب بعضاً من كتابات الشمالي)، الى ان اللجنة المركزية لـ «حزب الشعب اللبناني»، الذي كان الشمالي سكرتيره العام، قررت في نيسان من العام 1925 الاحتفال بيوم أول ايار ـ يوم العمال الأممي. وتنفيذاً لهذا القرار قامت تظاهرات في الشوير والخنشارة وبتغرين، وقد تجمع بعض من هذا الحشد في بكفيا، حيث أقيم اجتماع كبير، ومن هناك توجه المحتفلون الى بيروت للمشاركة في احتفال «الكريستال». كما اقيمت تظاهرة في الشياح تنفيذاً لهذا القرار. أهمية احتفال بيروت ليس في كونه الأول كمهرجان شعبي وعلني فقط، بل لاختلافه شكلاً ومضموناً عن غيره من جهة، ولأبعاده السياسية والاجتماعية في مسار الحركة العمالية من جهة اخرى. فقد انتخب المحتفلون في بيروت عشرين شخصاً، وهؤلاء انتخبوا بدورهم سبعة أعضاء، لمقابلة حاكم لبنان (ليون كابلا) وتقديم عريضة بمطالب العمال. وهذا ما حصل ظهر اليوم ذاته. نشرت «جريدة الإنسانية» في عددها الأول يوم الجمعة في 15 أيار العام 1925 نداء «حزب الشعب اللبناني» الى العمال والفلاحين، والمطالب التي رفعتها «لجنة العمال» التي انتدبها مهرجان «الكريستال» الى السلطات الرسمية، وبينت ان الحكومة في حينه وعدت بأنها ستنظر في المطلب الأول في لائحة المطالب، المتعلقة بتحديد أوقات العمل 8 ساعات في اليوم. اما بقية المطالب (تحديد الحد الأدنى للأجور، نظام حماية للعمال، ضمانات للعمال الذين يصابون أثناء العمل، منع الشغل الليلي، إحياء مشاريع اقتصادية) فقد أيدتها الحكومة و «ستدعو فريقاً من العمال للاشتراك في سن قانون يحميهم». وتابعت الجريدة في العدد الثاني (الأحد 24 أيار 1925) في افتتاحيتها الرئيسية للكاتب يوسف ابراهيم يزبك، توضيح مبرر تحديد أوقات العمل وضرورته. فؤاد الشمالي (1894-1939) ابن بلدة السهيلة في كسروان، تلقى دروسه الابتدائية في بيسان بفلسطين. وبعد وفاة والده انتقل مع والدته الى مصر واستقرا بها. وبدأ العمل وهو في العاشرة من العمر. وقد انتسب الى الحركة النقابية في العام 1916. حيث تكونت لدى عمال التبغ والسجائر في مصر تقاليد نضالية عريقة، كما يشير جاك كولان. نذر الشمالي نفسه لقضايا العمال والفلاحين والتزم خطاً سياسياً كان أميناً له وأميناً عليه. ويعرف عن نفسه بأنه عامل منذ نعومة أظافره، تعرض في سبيل التزامه وانتمائه الطبقي الى الكثير من أنواع الضغط والإكراه والعنف والسجن والجوع والبطالة.. ويبدو ان كل هذه المعاناة كانت أرحم مما تعرض له من الحزب الذي أسسه («حزب الشعب اللبناني» الذي اصبح لاحقاً «الحزب الشيوعي»)، فقد تم تهميش دوره ومحاصرة حضوره ثم فُصل من الحزب، وعمدت قيادة الحزب في تلك المرحلة الى تشويه سمعته وصورته. لم يقتصر دور فؤاد الشمالي على هذا المستوى. بل هو من الرواد الأوائل، اذا لم يكن الأول، الذين اهتموا بجدية ومثابرة بتنظيم جهود العمال وحثهم على توحيد طاقاتهم وتشجيعهم على الانخراط في العمل النقابي كإطار تنظيمي لحماية حقوقهم والدفاع عنها. ويبدو ان هذا التوجه في العمل النقابي ترافق مع مجيء الشمالي الى لبنان العام 1923. فسواء كان قدومه الى لبنان نتيجة لتكليفه من قيادة «الحزب الشيوعي المصري» (كان الشمالي مساعد سكرتير الحزب العام) لتأسيس حزب شيوعي في لبنان، أم نتيجة لملاحقته من السلطات البريطانية بسبب نشاطاته السياسية والعمالية وميوله البولشيفية، فإن ما يمكن تأكيده ان استقراره في لبنان أحدث تحولاً نوعياً في مسار الحركة النقابية في لبنان، لدرجة يمكن القول معها إنه أرسى اللبنات الاساسية في العمل النقابي في الدولة الناشئة. لقد اكتسب قبل قدومه الى لبنان الكثير من الخبرات ومر بالعديد من التجارب واستند الى نظرية فكرية متينة، الأمر الذي جعله بحق مناضلاً مميزاً برغم صغر سنه. فقد كان عضواً في «الاتحاد العمالي العام» الذي تأسس في الاسكندرية سنة 1921، وعضواً في «الحزب الشيوعي المصري»، وواحداً من الذين حاولوا في الاسكندرية، تأسيس «الحزب الاشتراكي السوري اللبناني» في نيسان العام 1923. وعند وصوله الى لبنان، أسس في بلدة بكفيا العام 1924 «نقابة عمال التبغ» التي يمكن اعتبارها اول إطار نقابي يستند الى أسس تنظيمية واضحة وخلفية «ايديولوجية» وفكرية محددة. بل يمكن القول إنها اول نقابة مستقلة في لبنان. لم يقتصر دور فؤاد الشمالي على تركيز الاطار التنظيمي للعمل النقابي فقط. بل انه رسخ هذا التوجه من خلال التنظير للفكرة، والكتابة عنها. فقد أصدر العام 1929 كتاباً بعنوان «نقابات العمال» بيَّن فيه وضعية العمال، وكيفية تأسيس النقابات، وكتابة محاضر الاجتماعات، ومهمة السكرتير في النقابة، ومسار العمل التنظيمي، وغاية النقابات، وقانونها، وأهمية اتحاد النقابات العام ومسار قيامه، وضرورة انحسار كل مهنة بنقابة خاصة بها. وفي الإطار ذاته ولخدمة هذه التوجه، ساهم في العمل الصحافي. ووظف كتاباته لإثارة قضايا العمال وحشد طاقاتهم وحمل همومهم وحثهم على الانتظام في الأطر النقابية لتحقيق مطالبهم. من هنا أصدر جريدة «صوت العمال» الاسبوعية التي حصرت اهتمامها بالقضايا النقابية. وبعد توقفها (صدر منها اربعة أعداد)، اتفق مع سجيع الأسمر في 2 تشرين الثاني على ان يعهد اليه بتحرير جريدة «العمال». غير انها لم تستمر طويلا. أهمية فؤاد الشمالي تكمن في انه من أوائل، اذا لم نقل الأول، الذي أكد على اهمية العمل النقابي وضرورته كإطار منظم لنضال العمال، وأعطى للعمل النقابي في بلادنا، إطاره النظري ـ الفكري، وأكد على ضرورة الدعم «الحزبي» للنضال النقابي. إن مسار حياته النضالية لم يزل يجسد نموذجاً للمناضل المتفاني البعيد عن أي مكاسب ذاتية ومصالح خاصة وفئوية. وبالتالي لم تزل تجربته مع حزبه («حزب الشعب اللبناني») الذي اصبح يعرف باسم «الحزب الشيوعي اللبناني» مأساة تقض مضاجع المناضلين. بمعنى ان الاختلاف بالرأي في الإطار التنظيمي الواحد يتحول الى «خلافات» حادة وقاسية ومؤلمة، مما يترك آثاره السلبية على مسار العمل السياسي والنقابي والحزبي. فالآخر في الحزب (رأياً، شخصاً..) لم يزل مرذولاً ومطروداً ومشكوكاً في ولائه ومتهماً في انتمائه. وهذا ما حصل مع فؤاد الشمالي بعد ان أحكم خالد بكداش قبضته الحديدية وصنميته الفكرية على «الحزب الشيوعي»، فأدت الى طرده واتهامه وتبخيس حقه ومحاربته في لقمة عيشه. مات فؤاد الشمالي مريضاً، فقيراً مادياً، كما عاش حياته كلها، يقول البعض إنه لم يكن معه نفقة للعلاج، لكنه كان غنياً بإنجازاته وطموحاته وتفاؤله بغد مشرق وشعب سعيد. قد يكون ومن الضروري إعادة الاعتبار الى مثل هؤلاء الرموز في الحركة النقابية، كما السياسية، بعدما غدت هذه الحركة مطيعة للبعض وسلَّماً للبعض الآخر، وبعدما تصادرت قضايا العمال وغدت قضاياهم شعارات معلبة للمناسبات. فإلى أي مدى تحضر اليوم تجربة فؤاد الشمالي كنموذج في العمل النقابي ـ السياسي؟ وإلى أي مدى يمكن الاقتداء بتجربته لتجديد العمل النقابي وتحريره من قيوده المتمثلة في بعض الذين يدَّعون تمثيل العمال، وفي بعض الأحزاب المستقيلة من دورها والمتنكرة لقواعدها ومبرر وجودها، وفي بعض رموز السلطة الغائبة أو المغيبة عن هموم الناس وشؤونهم كافة؟

بشير صفير - الاخبار

 

 

«ليس لدى العمال ما يخسرونه سوى قيودهم. ولديهم عالمٌ ليربحوه»… بهذه الجملة ينهي الثنائي الثوري إنغلز/ ماركس «بيان الحزب الشيوعي». ثم يضيفان، بأحرف نافرة كبيرة (هكذا توردها بعض الترجمات للدلالة على الإلحاح والحالة الطارئة) جملةً مستقلة تَختتِم «البيان»: «يا عمّال العالم، اتّحدوا!». رغم بساطة هذه الدعوة وشرحها المبسَّط وتبيان ضرورتها وحتمية فوائدها، تلاشى حضورها والتذكير بها عالمياً، بفعل عوامل كثيرة، على رأسها التعطيل شبه الكامل للوعي الاجتماعي، من خلال أفيون خاص بالشعوب، اسمه — ودائماً بحسب ماركس — الدين.

 

في ظل هذه الأوضاع غير المطمئنة، لا تزال بعض الأصوات تذكّر بالمسلّمات، مثل الفنان خالد الهبر الذي لا يغيب عن روزنامته عيد العمّال العالمي الذي يصادف في الأول من أيار (مايو). إنه موعد ثابت يضربه الهبر مع الجمهور للاحتفال بمناسبة باتت من آخر هموم الإعلام، خصوصاً المحلي (الذي انشغل أمس بانطلاق الشهر المريمي، كأن المسيح كان ستهمّه قضية أكثر من استغلال الضعفاء). مساء الغد، ومن «قصر الأونيسكو» كالعادة، يطل خالد الهبر ليغنّي مجموعة من القضايا ذات البعد الإنساني أو الاجتماعي، بعضها أممي وبعضها الآخر محلّي أو إقليمي. بعضها قديم ومستمر، وبعضها الآخر مستجِد. بعضها شخصي وبعضها الآخر عام. هكذا نجد على برنامج الأمسية «إلى جمال» (مهداة إلى صديق خالد، الشهيد جمال عيّاش)، و«قانا» و«غنّية عاطفية» و»أصنام العرب» و«رئيس الجمهورية» و«بشارة» وغيرها من الكلاسيكيات الحاضرة في حفلات الهبر. إلى هذه العناوين يضاف الجديد الذي ينتجه هذا الفنان الملتزم المتفاعل مع محيطه والأحداث الكبيرة في لبنان والوطن العربي. في هذا السياق، وبعدما أُعدِمت الثورة السورية ودُمِّر البلد الجميل وشعبه الطيب، راح كلّ منّا، في لبنان وسوريا، يحصي الخسارات. الهبر كانت له ردّة فعل سابقة بعنوان «ما تنسوا فلسطين»، بعدما غيّبَ الربيع العربي الحار والعاصف القضية الفلسطينية. اليوم، في أغنية جديدة، يستعيد الهبر ذكريات جميلة عاشها في الشام وولّت إلى غير رجعة (قريبة على الأقل)، من خلال أغنية «بالشام» (كلماته وألحانه). من جهة ثانية، نسمع في الحفلة مقطوعتين موسيقيتين بعنوان «برج أبي حيدر» و«VHS» يُفتتح بهما الفصلان الأول والثاني، وهما من تأليف ريان الهبر، نجل خالد وشريكه في المشروع الفنّي منذ سنوات. لريّان أيضاً مساهمة في التوزيع وإعادة التوزيع، بالإضافة إلى كتابة بعض نصوص أغنيات والده الجديدة مثل «الله موجود».

مايكل عادل - الاخبار

 

القاهرة | ليست المشاريع الفنيّة مجرد لقاء بشري لمجموعة من الموهوبين حول فكرة ما، وليست بالضرورة مشاريع ذات هدف محدد بعيد عن فكرة «الفن للفن». تلك المشاريع، خصوصاً الموسيقيّة والغنائية، هي تكامل بنيوي بين مجموعة من البشر يمتلك كل منهم موهبة وقدرات تتكامل في ما بينها، لتسفر عن مُنتج يفترض به أن لا يكون مسبوقاً، أو على الأقل يمتلك شيئاً جديداً يقدّمه لجمهور اعتاد الصور التقليدية.

 

وحين نتحدّث عن «إسكندريلا»، فإننا لا نقصد حازم شاهين عازف العود والمؤدي الصوتي والملحّن فقط، بل إننا نتحدث عن تجمّع متكامل طرأت عليه تعديلات عدة منذ تأسيسه حتى اليوم. منذ تأسيس «إسكندريلا» عام 2005، شكّلت صورة حديثة لفنون قديمة وأصيلة، بدأت بأشعار نبيّ العاميّة المصريّة فؤاد حداد وفيلسوف الرباعيّات صلاح جاهين، وقدّمت أيضاً أغنيات الشيخ إمام التي كتبها العبقري البسيط خالد الذِكر أحمد فؤاد نجم، بالإضافة إلى نجيب شهاب الدين وزين العابدين فؤاد. يبدو في بداية الحفلة، لمن يحضر للمرة الأولى أنّ هناك خطاً مستقيماً يضم مجموعة من الموسيقيين والمغنين، يتوسطهم حازم الذي يحمل العود ويعزف عليه بطريقة تبدو حماسية تصل إلى حد العنف، وينتج عنها نغم صارخ يصل إلى قلوب الآلاف من الحاضرين. ذلك الجمهور الذي يحفظ أغانيهم ويرددها معهم بصوت عالٍ يتماشى مع صوت عود شاهين. شارك الفرقة في بداياتها الملحن المصري شادي مؤنس قبل أن يطلق فرقته «حكايات». وإلى جوار أنشطتها، تقوم «إسكندريلا» بتقديم حفلات تحت مسمّى «فرقة الشارع» لتطعّم من خلالها الغناء والموسيقى بأشعار أمين وأحمد وفؤاد حدّاد، وأشعار صلاح جاهين. أنتجت «إسكندريلا» أغنيات جديدة خاصة بالفرقة من كلمات أمين وأحمد حداد مثل «صفحة جديدة» و«ده جنب ده» وغيرهما، وكذلك قام شاهين بتلحين قصائد قديمة للراحل فؤاد حداد مثل «مصر جميلة». وفي العام الماضي، قدّمت الفرقة أول ألبوم لها بعنوان «صفحة جديدة» (إنتاج شركة «مقام» والفنان العراقي سيف عريبي). شاركت «إسكندريلا» في فعاليات فنية متعددة لعل أبرزها تلك الفعاليات المتعلّقة بالثورة المصريّة في يناير 2011، و«الفن ميدان» التي كانت تهدف إلى تقديم الفنون المختلفة للمواطنين في الشوارع بلا كلفة ومن دون تذاكر دخول. كما شاركت أيضاً في فعاليات فنيّة في تونس عقب الثورة، وقدّمت أغنيات مصرية يحفظها الشعب التونسي عن ظهر قلب، أبرزها أغاني الشيخ إمام عيسى لأشعار الفاجومي. وبينما كان الفريق يقدم أغانيه ضمن فعالية «الفن ميدان»، فوجئ الجمهور بتقسيم ودخول على نغمات العود، بدا مألوفاً لآذان السامعين، ليدخل صوت شاهين قائلاً: «أنا مش كافر، بس الجوع كافر». أتت الصيحات صاخبة في تعبير عن فرحة لسماعهم أغنية العبقري زياد الرحباني، بأداء فرقتهم المحبوبة. وقد كانت «أنا مش كافر» بمثابة تأشيرة لدخول شاهين إلى منصة حفلة الرحباني في القاهرة عام 2013، ليجلس إلى جوار زياد مؤدياً «شو هالإيّام» و«أنا مش كافر» مطعّماً تركيبة الموسيقى الرحبانيّة بضرباته على العود إلى جوارها. وقد شاركت «إسكندريلا» كفرقة كاملة في فعاليات الذكرى التسعين لتأسيس «الحزب الشيوعي اللبناني»، إلى جانب فقرتي زياد الرحباني والفنانة الفلسطينيّة ريم بنّا، وكأننا في صدد «ندّاهة» لبنانية للفرقة المصريّة. وفيما يبدو أن هذه الندّاهة كررت نداءها مرّة جديدة، فقد أحيت الفرقة المصرية حفلة الحزب الشيوعي لمناسبة عيد العمّال أخيراً في بلدة الزرارية (جنوب لبنان). لم تنته المحطة اللبنانية لـ «اسكندريلا» هنا. عند الثامنة والنصف من مساء الليلة، تقدّم حفلة في «المركز الثقافي الروسي»، بدعوة من «نادي لكل الناس» و»تاء مربوطة». في الأمسية، سنستمع إلى مجموعة من أغنيات الشيخ إمام عيسى من أشعار أحمد فؤاد نجم، وزين العابدين فؤاد، ونجيب شهاب الدين، وعدد من أغنيات سيد درويش من كلمات بديع خيري، وبيرم التونسي، ويونس القاضي وأخرى لزياد الرحباني. كذلك، تقدم الفرقة أغنياتها الخاصة التي اشتهرت لدى تقديمها خلال الثورة المصرية، من كلمات أحمد وأمين حداد وألحان حازم شاهين.

* «فرقة إسكندريلا»: 20:30 مساء اليوم ــ «المركز الثقافي الروسي» (فردان ــ بيروت).

الأكثر قراءة