وصف الرئيس السابق للاستخبارات الفرنسية ايف بونيه السلوك الفرنسي في قضية المناضل اللبناني جورج عبدالله بـ»سلوك الرعاع»، مبدياً استعداده للإدلاء بشهادته أمام كل المحاكم لإطلاق عبدالله بعدما كان شريكاً في اعتقاله
بسام القنطار - الاخبار
جنيف | «عندما أغمض عينيّ إلى الأبد لن يكون هناك أحد ليحدثكم عن جورج عبدالله». دعوة صريحة من الرئيس السابق للاستخبارات الفرنسية ايف بونيه للتحرك من أجل تحرير الأسير اللبناني القابع في سجون فرنسا منذ ما يزيد على ثلاثين عاماً، مؤكّداً استعداده للإدلاء بشهادته أمام محكمة العدل الاوروبية، وواصفاً سلوك الدولة الفرنسية في هذه القضية بأنه «سلوك رعاع».
الرجل الذي لعب أدواراً أمنية وسياسية عديدة في بلاده، يقدم «خدماته» من أجل العمل لحرية المناضل اللبناني، بعد أن كان شريكاً أساسياً في اعتقاله ومن ثم الحكم عليه بالسجن المؤبد بتهمة التآمر لاغتيال الدبلوماسيَين الأميركي تشارلز روبرت راي والإسرائيلي ياكوف بارسيمنتوف في باريس عام 1982، ومحاولة اغتيال القنصل العام الاميركي روبرت هوم في ستراسبورغ في 1984. كلام بونيه جاء في ندوة نظمها مركز الخيام لتأهيل ضحايا التعذيب والحملة الدولية لإطلاق سراح جورج عبدالله، في مقر الأمم المتحدة في جنيف، عقدت بالتزامن مع أعمال الدورة الـ29 لمجلس حقوق الإنسان.
واستعاد بونيه مرحلة التفاوض للتوصل الى صفقة تبادل كانت تقضي بإطلاق عبدالله عام ١٩٨٥، مقابل إطلاق الملحق الثقافي الفرنسي في طرابلس جيل سيدني بيرول. وقال: «ذهبت الى الجزائر وخضنا مفاوضات صعبة للغاية، وتعهّدت باسم الحكومة الفرنسية لرئيس الأمن العسكري الجزائري العقيد لكحل عياط بالإفراج عن عبدالله بعد الافراج عن بيرول، بعدما حصلت على تعهد سياسي بذلك من وزيري الداخلية والخارجية الفرنسيين. ولكن، للأسف، أخلّت فرنسا بتعهدها ولم تطلق سراح عبدالله. ولاحقاً أثقل ملفه القضائي بأدلة تدينه، ما أدى الى محاكمته وصدور حكم بسجنه مدى الحياة». وأضاف: «عندما تقرر فرنسا أن تعقد صفقة سياسية فإنها تضع المسألة الجنائية جانباً. وهذا ما حصل في قضية إطلاق من أقدم على اغتيال رئيس وزراء إيران السابق شهبور بختيار في باريس»، لافتاً الى أن الضغوطات الايرانية على الحكومة الفرنسية كان لها وزن أكبر من الضغوطات اللبنانية. وأكّد أنه سعى مع نقابة القضاة من أجل إقناعهم بالتحرك لإطلاق عبدالله، وقدّم شهادة أمام قاضي تطبيق الاحكام الفرنسية بالتعاون مع محامي جورج عبدالله الراحل جاك فرجيس. وشدّد على «انني منخرط وعازم على حل هذه القضية. ولا أزال متفاجئاً من ردّ فعل السلطات الفرنسية تجاه جورج عبدالله، خصوصاً بعدما أمضى ثلاثين عاماً في السجن. أنا على استعداد للتحدث مجدداً، وبصوت مرتفع، من أجل ضمان إطلاقه». واقترح بونيه رفع القضية الى محكمة العدل الاوروبية التي لا تتردّد أبداً في إدانة فرنسا، وستكون الأخيرة مجبرة على الأخذ برأي هذه المحكمة، «وأنا مستعد للذهاب الى هذه المحكمة وتقديم شهادتي في القضية والتأكيد أن باريس تعهدت بإطلاقه عام ١٩٨٥ قبل أن تخلّ به، وأنه في عام ٢٠١٥، وبعد مرور كل هذه السنوات، على الحكومة الفرنسية إطلاقه من دون تردد وبمعزل عن الضغوط الخارجية».
بدوره محمد صفا، الأمين العام لمركز الخيام لتأهيل ضحايا التعذيب، حثّ الحكومة اللبنانية على القيام بواجباتها تجاه هذه القضية. ودعا بونيه إلى زيارة لبنان وتقديم شهادته من أجل الضغط على الحكومتين اللبنانية والفرنسية لاتخاذ مبادرة عاجلة بإطلاق عبدالله. وذكّر بأن مركز الخيام الذي يمتلك الصفة الاستشارية في الامم المتحدة سبق أن تقدم بشكوى أمام فريق العمل المعني بالاعتقال التعسفي حول القضية، وهو في صدد تقديم شكوى ضد فرنسا أمام البروتوكول الاختياري للعهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية، كونها دولة طرفاً في العهد الدولي وقبلت اختصاص البروتوكول الاختياري في بحث الشكاوى الفردية. تجدر الاشارة الى أن جورج عبدالله البالغ ٦٣ عاماً قدّم تسعة طلبات إفراج مشروط رفضت كلها، وآخرها في في ٢٧ شباط الماضي عندما نقضت محكمة الاستئناف في باريس قراراً سابقاً للمحكمة نفسها وافق على إطلاقه بداية عام ٢٠١٣، قبل أن يتم إلغاء مفاعيل هذا القرار بحكم صادر عن محكمة التمييز الجنائية في نيسان ٢٠١٣. ويشير ذلك الى أن النيابة العامة الفرنسية، بضغط واضح من الحكومة الفرنسية، سعت بكل الوسائل الى تعطيل كل القرارات القضائية التي حسمت مسألة إطلاقه وترحيله الى لبنان.
تحية إلی جورج عبدالله
يدعوكم اتحاد الشباب الديمقراطي اللبنانيللمشاركة في مهرجان سياسي فني يتضمن:
عرض فيلم وثائقي قصيركلمة الأسری المحررينكلمة الحملة الدولية وعائلة جورج عبداللهكلمة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطينكلمة اتحاد الشباب الديمقراطي اللبنانيقصائد شعريةحفل موسيقي غنائي
الأحد 28 حزيران الساعة 12 ظهراًالمركز الثقافي الروسي - فردان
السفير
مئات الشيوعيين وضعوا خلافاتهم جانبا واجتمعوا ساعة واحدة في وطى المصيطبة في بيروت، قبل أن يتفرقوا في انتظار مناسبة جديدة تجمعهم، على ندرة المناسبات الجامعة. الذكرى العاشرة لاستشهاد جورج حاوي هي العنوان، أما المبادرة، فقد أتت هذه السنة على يد ابنته نارا حاوي، وهي كبيرة البنات، ولعلها كانت الأقرب إلى قلب الأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني منذ صغرها حتى لحظة استشهاده. تلقف الحزب الشيوعي المبادرة وأرادها أن تكون جامعة. أطلقت نارا حاوي لجنة لإحياء الذكرى تضم مؤسسة جورج حاوي وشبيبة جورج حاوي والحزب الشيوعي وعشرات الشخصيات اللبنانية والفلسطينية. معظم هؤلاء لبوا الدعوة، باستثناء قلة قليلة قررت الانسحاب في آخر لحظة بسبب غلبة العقل العشائري الانتقامي على سلوكياتهم، فما إن عرفوا أن ثمة كلمة للحزب الشيوعي سيلقيها خالد حدادة، حتى قرروا الانسحاب، لكأن الرسالة كانت موجهة ليس لمن قرروا إحياء الذكرى، بل لإرضاء المعترضين على سياسات الحزب الشيوعي وخياراته اللبنانية والعربية. وقد ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بالكثير من المواقف عشية الذكرى وبعدها، كما جرى التفاعل مع الصور التي أعقبت الاحتفال، في مشهد كان مختلفا عن مشهد أولئك الذين كانوا يلتقطون الصور على أرض الاحتفال ويتصافحون ويتعانقون ويسألون بعضهم البعض: «هل عرفتني؟». ولم يغب مشهد تقديم الأولاد والأحفاد لكأن الشيوعيين صاروا عائلة صغيرة، ولو أن ميزتها أنها عابرة لكل الطوائف والمناطق. ويسجل لنارا حاوي أنها أنصفت تاريخ والدها وحزبه وكل مسيرة المقاومة الوطنية بقولها: «إن من أفتى بقتل جورج حاوي ليس سوى حاخام إسرائيلي وإن كان يتكلم اللغة العربية». الاحتفاء بسنوية جورج حاوي العاشرة بدأ بالنشيدين اللبناني والشيوعي ثم إضاءة شعلة جورج حاوي أمام النصب الذي أقيم في الساحة التي سقط فيها في وطى المصيطبة. إكليلا زهر «من كل الوطن إلى جورج حاوي» وضعهما شيوعيان قديمان، قبل أن يختفيا بين الجمهور وغابة الإعلام والأناشيد. كان لافتا للانتباه وجود من قدم لتوه من جرود رأس بعلبك حاملا معه «خيار» إعلان الحزب الشيوعي عن وجود مقاتلين له يحملون السلاح في قرى البقاع الشمالي، وآخرون قدموا من عرسال وغيرها للتضامن.. وربما العتب والتحذير من «دعسات ناقصة»! اصطف الحضور بصورة نصف دائرية وألقت رئيس مؤسسة جورج حاوي نارا حاوي كلمة أعلنت فيها رفضها اختزال الشهيد حاوي في أي اصطفاف بين ٨ أو ١٤ آذار، معتبرة أن «الأقرب إلى قلب حاوي الأول من أيار» لكونها مناسبة عابرة للطوائف والمذاهب، قبل أن تغمز من قناة «ظلم ذوي القربى» الذين قالت عنهم مخاطبة والدها: «لو عدت اليوم لحاربك بعض الداعين إليك وسمّوك شيوعيا». ثم اعتلى المنبر الأمين العام للحزب الشيوعي خالد حدادة معتبرا أن الخطر الإرهابي مكمل للخطر الصهيوني، وقال إن المواجهة مع الإرهاب مفتوحة «وبكل الوسائل العسكرية والشعبية»، مشددا على ضرورة إقامة تواصل بين قرى المواجهة، وتحديدا في منطقة البقاع الشمالي «لمنع اللعب على الوتر المذهبي والطائفي». حدادة شدد في كلمته على ضرورة تأمين الصمود الشعبي في ظل تقاعس الدولة عن القيام بواجبها على سائر الصعد لدرء الخطر الإرهابي بما فيها «تركها للجيش اللبناني دون غطاء في مواجهة الإرهاب».
ورد كاسوحة - الاخبار
الصراع الآن بين حكومة سيريزا وترويكا الدائنين (صندوق النقد الدولي، المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي) أصبح على أشدّه ولم يعد مجرّد خلاف على الأولويات الاقتصادية لكلّ طرف. هو بالأساس لم يكن خلافاً عادياً بقدر ما كان افتراقاً جذرياً في التصوّر الذي يحمله كلّ طرف للمسار الاقتصادي الذي يجب اتباعه في اليونان وأوروبا عموماً. وبعد AffinityCMSت طويلة من التفاوض والأخذ والردّ وصل الطرفان إلى حائط مسدود وانتقل الخلاف على طريقة إدارة ديون اليونان إلى داخل الصف الممثّل للرأسمالية الدولية، إلى درجة أصبح يشكّل معها تهديداً لوحدة المسار التفاوضي الذي يخوضه هذا الصفّ ضدّ حكومة اليكسيس تسيبراس اليسارية. وقد أشار رئيس الوزراء الشابّ إلى الأمر في معرض تطرّقه لسير المفاوضات، حيث قال إنّ العقبة الرئيسية أمام التوصّل لاتفاق هي الخلافات بين مقرضي اليونان في الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي بشأن إعادة هيكلة الدين.
وتتلخّص المشكلة التي أوضحها تسيبراس في رغبة صندوق النقد «بتيسير عملية الإقراض» عبر إعادة جدولة ديون اليونان، وهو ما ترفضه تماماً الأطراف الأوروبية بدعم من ألمانيا، إذ تفضّل هذه المؤسّسات (المفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي) تطبيق «الإصلاحات» بحذافيرها لقاء الإفراج عن باقي المساعدات المقرّرة لأثينا بموجب اتفاق عام 2012. ورغم أنّ المسألة كانت قد بحثت طويلاً أثناء AffinityCMSت التفاوض إلا أنّ أحداً من الطرفين الأساسيين المعنيين بالعملية التفاوضية لم يتراجع عن رأيه، وبقيت الخلافات قائمة، لا بل تفاقمت أكثر مع خشية صندوق النقد من عدم قدرة اليونان على سداد الدفعات المستحقّة عليه لمصلحة الصندوق في نهاية حزيران الجاري (يبلغ إجمالي الدفعات 1.6 مليار يورو).
في النهاية قد يكون الخروج من منطقة اليورو هو الحلّ بالفعل وتضاف إلى هذه المشكلة جملة من المسائل العالقة التي تخشى اليونان من حلّها على حساب أصحاب الأجور والمعاشات وخصوصاً من المتقاعدين الذين يريد صندوق النقد والمؤسسات الأوروبية الدائنة الاقتطاع من مستحقّاتهم لمصلحة تحقيق فائض أولي في الموازنة العامة، وهو ما ترفضه حكومة تسيبراس باستمرار على أساس أنها قادرة على تحقيق فائض ولكن من غير المساس بمعاشات التقاعد وأجور موظّفي الدولة. وهذه النقطة بالذات هي التي دفعت بالحكومة اليونانية إلى تصعيد خطابها في مواجهة ترويكا الدائنين، إذ بعدما فرّق تسيبراس صورياً بين صندوق النقد الدولي والمؤسّسات الأوروبية (المفوضية والمصرف المركزي) محمّلاً هذه الأخيرة مسؤولية عدم الوصول إلى اتفاق عاد ليضعهما في السلّة ذاتها، معتبراً أنهما «مسؤولان جنائياً» عن الحال التي وصلت إليها البلاد. حصل ذلك أثناء الخطاب الذي ألقاه الرجل أمام الكتلة النيابية للائتلاف الحاكم قبل أيام، حيث أوضح عبره جملة من المسائل التي بقيت عالقة أثناء التفاوض والتي تتحمّل الجهات الدائنة المسؤولية الكاملة عن تعليقها.
كلفة عدم الرضوخ
ويبدو أنّ المفاوضات التي يقودها تسيبراس وفريقه كانت تسير إلى جانب تحقيق اقتصادي يقوده فريق من الخبراء الدوليين، في محاولة لاستكشاف البنية المالية الفعلية التي تقوم عليها ديون اليونان، ما يعني أنّ التفاوض كان مرتبطاً منذ البداية بآلية رقابية خاضعة لسلطة الشعب ومطالبة من جانبه بعرض نتائج تحقيقها وتوصياتها على البرلمان. وبالفعل حصلت هذه المراجعة قبل أيام، حيث استمع البرلمان اليوناني، بحضور تسيبراس، إلى الخلاصات الأولى لمداولات الخبراء الدوليين المشاركين في «لجنة حقيقة الدين العام»، والتي رأت أنّ «على اليونان ألا تسدّد دينها لأنه غير شرعي وحقير». ثمّ أضافت خلاصة أخرى أكثر تفصيلاً تقول: «بأن البلاد تعرّضت لهجوم منسّق من دائنيها، يرمي إلى نقل الدين الذي يثقل كاهل المصارف الخاصة، ولا سيما الفرنسية والألمانية واليونانية، إلى القطاع العام، وبالتالي إلى أكتاف المواطنين اليونانيين». وإذا أضفنا إلى هذه الخلاصات كلام تسيبراس نفسه أمام الكتلة النيابية لائتلاف اليسار الحاكم والذي أكّد فيه مسؤولية الجهات الدائنة عن الأزمة فسنصل إلى نتيجة تقول بأنّ اليونان لم تعد متمسكة بالبقاء في منطقة اليورو إلا من خلال الشروط التي تسمح بها الخطّة الموضوعة من قبله لتفادي الإفلاس ومعاودة ملء الخزينة بأموال المقرضين. وقد أوضح تسيبراس في كلمته الأخيرة أمام البرلمان الخطوط العامّة لهذه السياسة، واضعاً أمام الدائنين سقفاً للتفاوض لا يمكن التراجع عنه. وهو إذ يفعل ذلك يعلم أنه «لا يملك بدائل كثيرة» لكنه على ما يبدو مستعدّ لتحمّل كلفة سياسة عدم الرضوخ التي أعلنها في البرلمان. وفحوى هذه السياسة هو الرفض التامّ للبرنامج الذي وضعه صندوق النقد الدولي بالشراكة مع المؤسّسات الأوروبية الدائنة، على اعتبار أنه موضوع لتحقيق فائض - لخدمة الدين - من جيوب الموظّفين وأصحاب المعاشات ومحدودي الدخل، بينما الحكومة تريد الحفاظ على هذه الفئات التي تشكّل عماد الطبقة الوسطى اليونانية ولا تريد لها أن تذوي وتندثر كما حصل في كثير من الدول التي رهنت خدمة ديونها لصندوق النقد والمؤسّسات المالية الدولية بسياسات التقشّف والحدّ من الإنفاق الاجتماعي. وفي هذا الصدد يقول تسيبراس: «التفويض الذي منحنا إياه الشعب اليوناني يتمثل في إنهاء سياسة التقشّف، ولتحقيق ذلك علينا أن نسعى لإبرام اتفاق تتوزع فيه الأعباء بالتساوي ولا يضرّ أصحاب الأجور والمعاشات». وما يقصده تسيبراس هنا بتوزيع الأعباء هو الآلية الموضوعة من جانب الحكومة «لضبط الموازنة» بما يحفظ حقوق أصحاب المعاشات ويحقّق في الوقت ذاته فائضاً معقولاً تستطيع الحكومة من خلاله أن «تعاود الاستدانة» بشروطها. وهذه الشروط تتمثل في تجنب القروض ذات الفائدة المرتفعة، وعدم فرض تدابير تقشّف إضافية، وإعادة هيكلة الديون، وزيادة الاستثمار بشكل قوي.
التفاوض ليس تنازلاً
والحال أنّ الشروط هذه هي التي تسمح للتفاوض بالمضي قدماً وليس العكس، لأن الأصل في التفاوض ليس ما تريده المؤسّسات النقدية الدولية لليونان وإنما ما يسمح به الشعب اليوناني الذي انتخب حكومة سيريزا للحدّ من هيمنة هذه المؤسسات على القرار المالي لليونان. وما تفعله الحكومة حالياً يصبّ في هذا الاتجاه تحديداً، حيث تقوم بتنفيذ رغبة الأكثرية في تصحيح السياسات الاقتصادية التي قادت البلاد إلى حافة الإفلاس والعجز عن السداد، ومن جملة ما تفعله الاستمرار في التفاوض مع المؤسّسات الدائنة على قاعدة عدم الرضوخ لما يريده هؤلاء. وفي هذا السياق، يأتي البيان الذي أصدرته الحكومة اليونانية قبل أيام مبديةً من خلاله «استعدادها للعودة إلى طاولة المفاوضات مع دائنيها في أيّ وقت، لكن مع اعتبار العرض اليوناني الأساس الوحيد الممكن للتفاوض». وقد أتى هذا العرض بعد استنفاد كلّ الوسائل الممكنة للحفاظ على وتيرة الإنفاق الحالية، فمع انتهاء هذا الشهر يستحقّ على الحكومة دفع أكثر من مليار يورو لصندوق النقد الدولي. هذا إن لم نتحدّث عن الرواتب والأجور التي يتعيّن على الدولة دفعها لموظفيها، وبالتالي يصبح الاستمرار على النسق نفسه من الإنفاق مكلفاً جداً بالنسبة إلى الحكومة. ومع ذلك، فهي لم تتنازل لترويكا الدائنين واستثنت من الاقتطاعات التي يتضمّنها العرض أصحاب الأجور والمعاشات وكذا الضرائب المباشرة على الاستهلاك، إذ خلا هذا الأخير من أيّ ضريبة على القيمة المضافة. وباستثناء رفعه - أي العرض - «بالاتفاق مع الدائنين» فائض الموازنة من 0.6 % إلى 1% (لهذه السنة) فإنه لم يَعِد باستئناف سياسات التقشّف وحافظ على وتائر الإنفاق الخاصّة الطبقة الوسطى، رافضاً مزيداً من الاقتطاعات من الموازنة، وواعداً بتعويض ما اقتُطع منها عبر زيادة حجم الاستثمارات وعدم السماح للدائنين بفرض أولوياتهم على الشعب اليوناني. البعض اعتبر العرض «تنازلاً» من جانب الحكومة للدائنين وهذا صحيح جزئياً، لأن التنازل المزعوم ليس منفصلاً عن المسار التفاوضي الذي تخوضه الحكومة في سياق صراعها مع ترويكا الدائنين. وفي هذا الصراع، ثمّة محطات يمكن «المساومة عليها» لتحسين شروط التفاوض ريثما يقوى موقعك وتصبح قادراً على إملاء ما تريد على خصمك الذي يمتلك في الحالة اليونانية تحديداً كلّ شيء باستثناء الإرادة الشعبية وقواعد الديمقراطية المباشرة.
خاتمة
أمام تسيبراس الآن تحدّيات كثيرة، فبعد اعتراض ترويكا الدائنين على العرض الذي تقدّمت به الحكومة أوائل حزيران الجاري واعتبارها إياه غير كافٍ للوفاء بالتزامات اليونان أمام دائنيها أصبحت خياراته محصورة جداً، وهذا أفضل ربما للحكومة اليسارية التي تعتمد شعبيتها على الوضوح الإيديولوجي الذي رافق مرحلة الانتخابات وإطلاق الوعود، ولكنه قد لا يكون أفضل بالنسبة إلى الحالة الاقتصادية للبلاد. حالياً يتعيّن عليه وعلى حكومته القيام باختيارات صعبة ومكلفة، فإما أن يرفض المزيد من التنازلات وحينها قد يفشل الاتفاق وتعلن الحكومة عجزها عن السداد وبالتالي خروجها من منطقة اليورو، أو أن يذعن لرغبة الدائنين في «إصلاح نظام التقاعد» وفرض مزيد من الضرائب على الاستهلاك والشروع في خصخصة المرافق الحكومية، وعندها ستتوافر لديه السيولة اللازمة للدفع، ولكن بعد أن يكون قد خسر كلّ شيء بما في ذلك احترام ناخبيه وولاء الطبقات الاجتماعية التي آمنت بقدرته على إيجاد مسار جديد للبلاد لا يكون فيه الناس مُجبَرين على الدفع للمصارف التي نهبتهم وأفرغت جيوبهم. حتى الآن هو متمسّك بالخيار الأول وعلى الأغلب أنه سيمضي فيه حتى النهاية رغم كلّ الضغوط التي يتعرّض لها لإثنائه عن قراره. في النهاية قد يكون الخروج من منطقة اليورو هو الحلّ بالفعل، طالما أنّ الخيار الآخر هو البقاء فيها على حساب القضية الاجتماعية التي حملت سيريزا وسواه من الأحزاب اليسارية الراديكالية إلى السلطة. المصارف لا تريد بقاءهم هناك وناخبوهم الذين يتزايدون في أنحاء أوروبا كافّة يريدون العكس، فمن ينتصر على الآخر؟ إنه سؤال المرحلة. * كاتب سوري
غسان ديبة - الاخبار
«إن المصارف قد تؤدي دورا بدعم نظام سياسي توافقي يعكس على نحو افضل التوازنات الديموغرافية» كلمنت هنري مور (1987)
ما لا شك فيه ان بعض القوى السياسية في لبنان تعتقد ان اتفاق الطائف إما انتهى، وإما يجب تعديله على نحو جذري، على الرغم من تغليف المطالب حول تغيير الاتفاق بامور مثل تطبيق بنوده الاصلاحية، كما تطالب بعض القوى العلمانية، او بالبنود المتعلقة بالشراكة وتقاسم السلطة، كما تدفع باتجاهه بعض القوى الطائفية.
كان اتفاق الطائف، الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان، مثالاً لنموذج تحاصص اقتصادي ـ سياسي، فالحاجة إلى إعادة الإعمار السياسي، والبعد التوزيعي الاقتصادي لاتفاق الطائف المُكمل لإعادة التوزيع على مستوى السلطة السياسية، مثّلا البيئة الاقتصادية ـ السياسية لسياسات إعادة الإعمار والاستقرار النقدي والسياسات المالية. وقد مثلت تسويات ما بعد الحرب صيغة لملامسة مشاكل عدم المساواة، التي كانت مصدراً أساسياً للنزاع منذ الاستقلال في عام 1943، وأدت دوراً أساسياً في اندلاع الحرب الأهلية، كما يمكن رؤيتها على أنها «عقد اجتماعي» أنهت الحرب الأهلية، وعقد اجتماعي كهذا يعدّ ضرورياً لنجاح إعادة الإعمار في مجتمعات ما بعد النزاع. فالجمهورية الثانية، أعادت رسم خريطة الانقسامات الطائفية من خلال التركيز على إعادة تكوين تقاسم السلطة، وإعادة التوزيع، أكثر من تركيزها على صياغة نظام علماني ديمقراطي. إعادة تكوين السلطة هذا نتج من تفوق طوائف على أخرى في الحرب، إضافة إلى التغيرات الديموغرافية، وحتى التغيّر في توزع الثروة الاقتصادية، ومثالٌ على التغيّر الأخير حصل تبدل في التوزع الطائفي لملكية المصارف التجارية خلال الثمانينيات، اذ انه في عام 1974 كان المسيحيون يتحكمون في 62% من مجموع رأس المال لأول 15 مصرفا، والمسلمون يتحكمون في 18%، وفي عام 1982 تبدلت بنية الملكية لتصبح 32% للمسيحيين مقابل 33% للمسلمين. وعلى الرغم من عدم وجود دليل على حصص الملكية في نهاية الحرب الأهلية، وخلال فترة إعادة الإعمار، كان الاحتمال الراجح أن هذا المنحى استمر. وفي عام 2002، أُرسِل مشروع قانون الغاء الحماية عن الوكالات الحصرية التجارية لدراسته في مجلس النواب اللبناني، وهذه الحماية مثّلت السمة المميزة للرأسمال اللبناني منذ ما قبل الحرب. عارض التجار الذين لا يزالون يسيطرون على الاحتكار في قطاع الواردات، خطوة كهذه، ما أحدث ردود فعل على أن هؤلاء يتغافلون عن التحولات التي جرت في التوزيع الطائفي للثروة، كما حدث توزيعٌ طائفيٌّ لأموال الدولة أو للسيطرة على توزيعها، من خلال مجلس الجنوب، وتمويل إعادة المهجرين، ومجلس المشاريع الكبرى لمدينة بيروت، الذي أُلغي لاحقاً في حقبة الرئيس اميل لحود، وحُوّلت أعماله لمجلس الإنماء والإعمار. لقد كان لهذا الصراع على التوزيع بين الطوائف في فترة ما بعد الحرب وقع سلبيّ على النمو الاقتصادي، وذلك أدى إلى خلق تحالفات توزيعية اعاقت النمو الاقتصادي. بمعنى آخر، فإن اتفاق الطائف أدى إلى تشكيلة اقتصادية ـ سياسية كان فيها الانحياز إلى التوزيع وإعادة التوزيع بين الطوائف اكبر منه من التوجه إلى خلق اقتصاد ديناميكي محفز للنمو. لقد برهن مانكور اولسون أن أحد الأسباب الرئيسية للنمو الاقتصادي السريع في فترات ما بعد الحرب هو أن الحروب تدمر معوّقات النمو السياسية، ومثال على ذلك جمهورية فايمر (Weimar Republic) في المانيا حيث نسب النمو الضعيفة التي شهدتها المانيا بعد الحرب العالمية الأولى خلال جمهورية فايمر نتجت عن تأثيرات الصراع الطبقي. هذا النزاع قاد إلى نسب نمو واستثمار منخفضة إذا ما قورنت بفترة ما قبل الحرب وفترة إعادة إعمار ما بعد الحرب العالمية الثانية. في دراسة لمحددات النمو الاقتصادي في سياق ما بعد الحرب في 79 بلداً، وجد دليل غير مباشر لنظرية اولسون أن كثافة وفترة الحرب مرتبطتان ايجابياً بالنمو الاقتصادي، اذ إن كثافة وطول الحروب يدمران التحالفات الراسخة المانعة للنمو. أما في لبنان، فقد نتج عن الحرب الأهلية عكس هذا النسق، إذ إن اتفاق الطائف أنتج تحالفات راسخة بين الطوائف المانعة للنمو الاقتصادي. إن البحث في اتفاق الطائف يجب ان يتجه باتجاه تخليص لبنان من الطائفية والمحاصصة، لأن في ذلك ليس فقط المدخل الى التقدم السياسي والاجتماعي والحضاري، بل ايضا لاطلاق القوى الكامنة في الاقتصاد اللبناني وتحريرها من السلاسل التي تطبق عليها، وتمنعها من الانعتاق.
نبيه عواضة - السفير
حزم الشيوعيون، بكل تلاوينهم، أمتعة مواقفهم المتنافرة، وقرروا وضعها جانبا بعد نقاشات أفضت إلى ذهابهم «متحدين» لإحياء الذكرى العاشرة لاستشهاد الأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني الشهيد جورج حاوي. وبعد أخذ ورد حول تشكيل لجنة مهمتها التحضير لإحياء المناسبة، وقد تخلل النقاشَ خلافٌ حول بعض الأسماء وطريقة مشاركة الحزب الشيوعي ممثلا بأمينه العام الدكتور خالد حدادة، رست الأمور على الصيغة الآتية: تدعو منظمة الحزب الشيوعي في بيروت للمشاركة بإحياء المناسبة صباح يوم الأحد القادم عند النصب التذكاري للشهيد حاوي في محلة وطى المصيطبة على أن يلقي كلمة الحزب أمينه العام خالد حدادة، كما تلقي نارا جورج حاوي كلمة باسم اللجنة التحضيرية لإحياء المناسبة في المكان والزمان نفسيهما. وأوضح عضو المكتب السياسي في «الشيوعي» سمير دياب أن قيادة الحزب تركت الخيار للمنظمات الحزبية في المناطق لإحياء «يوم الشهيد الشيوعي» وفق ما تراه مناسبا. وقال إن الشهيد جورج حاوي رمز وقائد وطني وشعبي كبير سقط في منطقة بيروت ومن الطبيعي أن تكون منظمة الحزب في العاصمة سبّاقة لإحياء المناسبة، مؤكدا أن كلمة الحزب سيلقيها أمينه العام. بدورها، أكدت نارا حاوي أن الموضوع حسم لمصلحة الإعلان عن اللجنة التحضيرية لإحياء الذكرى العاشرة لاستشهاد والدها؛ وقالت إن اللجنة الداعية تضم حوالي ١١٧ عضوا بينهم أعضاء في الحزب وقيادته حاليا، وهناك معارضون ينتمون إلى تيارات شيوعية داخل الحزب وخارجه إضافة إلى «مؤسسة جورج حاوي» و»شبيبة جورج حاوي» (رافي مادايان)، وأشارت إلى أنها ستلقي كلمة باسم اللجنة التحضيرية. وتضم اللجنة في صفوفها أسماء يسارية ووطنية من رفاق الشهيد حاوي كمحسن إبراهيم ومحسن دلول وفؤاد شبقلو ومحمود طبو وألبير منصور وجورج بطل وفاروق دحروج وفواز طرابلسي، بالإضافة إلى وجوه ثقافية وفنية أبرزها مرسيل خليفة وشربل روحانا وشربل فارس وشوقي بزيع، وشخصيات فلسطينية مثل صلاح صلاح وفتحي أبو العردات ومروان عبد العال وعلي فيصل. كما تضم اللجنة وجوها نقابية وأسرى محررين ووجوها تاريخية في المقاومة وعددا من الإعلاميين والناشطين في مجالات مختلفة. هل يمكن أن تكون الذكرى مناسبة لتفعيل المبادرات الهادفة إلى لم شمل الشيوعيين؟ يجيب مصدر متابع أن الذكرى العاشرة «لن تكون بمستوى التشييع الحاشد للشهيد حاوي يوم زحف الشيوعيون عن بكرة أبيهم لتوديع قائدهم»، مشددا على أن أزمة الشيوعي لم تبدأ من مناسبة لتنتهي عندها، بل المسألة أعمق من ذلك بكثير وتطال خيارات سياسية وتنظيمية أساسية.
اقبال سابا - النداءهو أحمد الأيوبي ابن حارة الجديدة- ميناء طرابلس، حارة الكادحين من عمال المرفأ وعمال البلدية والصيادين والمشتغلين بأكثر المهن شقاء وبؤساً.أواسط الستينيات جئت إلى طرابلس، بل عدت إليها آتياً من كلية العلوم في الجامعة اللبنانية حيث أمضيت سنوات الدراسة في هذه الكلية- المدرسة في النضال- زمن حسن مشرفية وبديع تقي الدين ورفيق بدّورة وبارعة عادلي وجلبير عاقل ونزيه عكاري وباقة جميلة من أعلام الثقافة والعلم والنضال، لن تمحو بصماتها كل الأزمنة الصعبة التي تلت تلك المرحلة.عدت إلى طرابلس – مدينتي- لأمارس التعليم، هذه المرة في ثانوية الحدادين (أيضاً)، وفي مدرسة البنات الوطنية للروم الأرثوذكس – الزاهرية.عدت من كلية العلوم تلك إلى المدينة التي كانت تضج بالحراك والنضال والحيوية، زمن العروبة والتحرر ضد الاستعمار. زمن عبد الناصر ونهرو وتيتو وسوكارنو... زمن الاتحاد السوفياتي الداعم القوي لحركات التحرر من كوبا كاسترو وغيفارا إلى لومومبا وكل حركات الاستقلال والتحرر في أفريقيا.هذه المدينة التي كانت تضج بالمناضلين من نقابيين ومثقفين وكادحين، دعاة العروبة والتحرر والاشتراكية.ذلك الزمن كان له مذاق خاص وايقاع خاص في مدينة طرابلس، هي التي كانت مركزاً سياسياً وثقافياً واقتصادياً لكل أقضية الشمال وبقيت كذلك حتى مطلع تسعينيات القرن الماضي.في هذه المدينة وفي ذاك الزمن كان للحزب الشيوعي طعم خاص ووجوه جميلة وعريقة في حاراتها ومعالمها الثقافية والنقابية والتربوية.كان أحمد المير الأيوبي جزءاً حقيقياً من هذه الصورة بل كان أفضل تعبير عن شكلها وتجلياتها وتعابيرها.كان مع باقة من المناضلين في مجالات العمل كافة، في المدينة بدءاً من مرافقها العامة: كهرباء، مرفأ، مياه، صحة... مروراً بمؤسساتها التعليمية وصولاً إلى هيئاتها النقابية والثقافية، كانوا جميعاً عنواناً لتلك المرحلة الزاخرة والزاهية لأعرق مدينة على شاطىء المتوسط.كان أبو حسن قائداً حقيقياً ليس فقط لمنظمة الحزب الشيوعي في الشمال، بل حقيقة لأهم مفاصل الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المدينة. هذا العامل الكادح، رفيق الصيادين وزميل الكادحين ونصير المظلومين، كانت له مفاهيمه ومدرسته في العمل القيادي، يمارس قيادته بزخم الموقف الذي يتشكل لديه من خلال مشاركته الناس أوجاعها وهمومها وتطلعاتها.لم يمارس القيادة بقوة القرار الآتي من القيادة (من الداخل)، كان الموقف – القناعة يتشكل من (الخارج) من الناس من أصحاب العلاقة، ثم يصاغ، يتبلور يأخذ صياغته وتقنيات طريقه للتنفيذ في "الداخل". أذكر دوره في تشكيل وعمل قيادة "مؤتمر الأحزاب والشخصيات الوطنية والتقدمية في الشمال". مطلع السبعينيات كان مصراً وحريصاً على أن تضم هذه القيادة كل الفعاليات الطرابلسية على اختلاف مشاربها من بعثيين وناصريين وشيوعيين وزعماء (تقليديين) ومستقلين وإسلاميين...كان يتشكل قراره وقرارنا بعد نقاشات ودردشات تبدأ في حلقات ضيقة مع أصدقاء أو نشطاء من خلال جلسات يسعى لها تمهيداً لبلورة قرارنا الحزبي.استعيد اليوم وبإدراك أعمق كم كان متعصباً لدور"التجمع الوطني للعمل الاجتماعي" الذي كان يضم اتحاد نقابات عمال الشمال، النقابات المهنية (مهندسون، أطباء، محامون)، نقابة معلمي المدارس الخاصة، هيئات تنسيق قطاعات التعليم في الشمال (أيضاً في ذلك الزمان كان لنا هيئة تنسيق..)، الرابطة الثقافية (الصرح الثقافي الأبرز في الشمال بل في لبنان، تلك الفترة)، جمعيات كشفية وخيرية فاعلة...ففي الوقت الذي كانت تسعى فيه بعض الأحزاب والتنظيمات للعمل الاجتماعي والسياسي والمالي، كان إصراره على منح هذا التجمع كل الصلاحيات في ما يمكن تسميته إدارة مدنية لذاك الظرف الاستثنائي.في المقلب الآخر لا أزال أذكر عدم حماسه للاندفاع في الحرب الأهلية، مستعيداً بعض النقاشات الحادة أحياناً التي كنت مع بعض الرفاق نشارك بها بمواجهة مواقف كان يصر عليها ويدافع عنها "أبو حسن". أذكر تلك النقاشات التي جرت قبيل مشاركتنا في معارك شكا- حامات- الكورة بداية الحرب الأهلية. كان يطالبنا بأقصى درجات الحذر والحيطة والخوف على حياتنا وحياة الرفاق، بينما كان حماس الانتصار أو الحسم أو تقدم الصفوف يطغى على سلوك عدد من المسؤولين بيننا.أذكر كيف اشتركنا – بعض الرفاق- بحملة تهدف الى التصريح ببعض المواقف التي كان يخالفنا الرأي فيها. للأسف بعض من بقي حيّاً من هؤلاء الرفاق خرجوا من الحزب في أزماته الأخيرة.كان مبادراً وأهلاً للمسؤولية كان يحمل نصيب الآخرين من المسؤولية، إذا شعر بوجود مخاطرة أو سلوك طريق غير مضمون، كان يتصدى بصدره لمهام من المفترض أن يتحملها آخرون.بقدر ما هو ثابت في مواقفه وتقدمه، كما مشيته وخطواته، كان يبادر بل يخاطر في بعض المواقف، استذكر ذاك العام 1965، عام عودتي إلى طرابلس من كلية العلوم للمشاركة في الهيئة القيادية لمنظمة الحزب في الشمال، طلب مني أبو حسن أن أعمل مع "هيئة المثقفين" في الشمال التي كانت تضم وجوهاً وقامات كبيرة في المدينة والحزب، منها النقيب المهندس عبد الغني مسقاوي، ود. نزيه مظلوم، والنقيب صلاح خياط، ود. محمد علم الدين، والأستاذ هشام مطرجي، والأستاذ فارق خوري، والشخصية الاستثنائية مخائيل فرح، والأديب المهندس حسيب غالب، والشاعر كامل درويش، ومعظمهم صار في دنيا الحق وأطال الله عمر من بقي منهم على قيد الحياة، أقول عندما دعيت إلى ذلك استهولت المشاركة والانضمام الى هذه القامات الكبيرة، والمفاجأة كانت أكبر عندما قال لي "أبو حسن" انضم وأنا لم أكمل النصف الأول من العقد الثالث من العمر وسنوات خمس من عمري الحزبي.بعدها لمست مدى مسؤولية هذا القائد من خلال المساعدة التي كان يقدمها في اللحظات الضرورية من أجل إنجاح عمل تلك الهيئة وتذليل العديد من الصعوبات التي واجهتنا.لا أزال أذكر ذاك المساء الذي جاء فيه إلى منزلي - وكان مقرراً تلك الفترة أن ينام في أماكن مختلفة- سألته أين محمود (وهو السائق الذي قررنا أن يرافقه منذ حوالي الشهر)، أجابني أنه أوصله إلى بيته وأتى وحيداً لعندي!.أبو حسن ذكرى جميلة لزمن جميل..أبو حسن قائد أعطى القيادة كل حلاوتها وتخلى عن كل ما هو بشع فيها.نستذكرك في هذا الزمن الصعب الذي يمر به وطننا وحزبنا.شكراً للرفاق الذين منحوني متعة استذكار ذاك الزمن.
رحيل دندش - الاخبار
لا شك أن انهيار الاتحاد السوفياتي خلق وضعاً وتوازناً جديدين في العالم، أديا إلى تراجع أحزاب شيوعية عدّة، وخصوصاً في العالم العربي، وتالياً لانكفاء الفكر. اليوم، وفي ظل اشتداد الأزمة الاقتصادية العالمية وما يعصف في سائر الدول العربية ولبنان، ثمة مهام صعبة أمام الشعوب وأمام القوى الاشتراكية لمواجهة الأوضاع القائمة، فهل يستعيد هذا الفكر وهجه؟
هل يواكب المتغيرات الحاصلة؟ وماذا عن الإنتاج الفكري الاشتراكي عموماً؟ لا يرى لوركا رضا ـ وهو الاسم الحركي لأحد المناضلين في الحزب الشيوعي ـ أن العلاقة جدلية بين الخطاب والوجود، إذ يمكن أن تنهار الدولة ويستمر الفكر. فبرأيه: «لا شك أن الاتحاد السوفياتي كان الحاضن الأكبر للبيئة الفكرية، لكن انهياره لا يعني أن الفكر الشيوعي انتهى». يقارن رضا بين الإنتاج الفكري الشيوعي اليوم وما كان عليه في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته، حيث كان هناك دور نشر خاصة باليسار الماوي والسوفياتي، وكان يصرف على هذا المنتوج بغزارة. ويذكر مثلاً دار التقدم في موسكو كنموذج. تلك الدار «التي ستجد حتماً من يموّلها ويدعمها، فيما لو قررت طبع 100 مليون نسخة كتاب دفعة واحدة، على عكس ما قد يحصل مع دار الفارابي مثلاً، فإذا ما أرادت طبع 200 نسخة من الكتاب نفسه»، علماً أن دور النشر «المختصة» بالمذاهب والطوائف هي الفاعلة، فـ»كل مذهب وطائفة لهما دور للنشر تطبع الكتب وتوزّعها مجاناً، في حين أن اليسار بالكاد يصرف على نفسه المأكل والمشرب». هكذا، تسير المعادلة. كتب «المذاهب» تسير نحو القمة، والإنتاج الفكري الشيوعي يتراجع، حتى يكاد يكون معدوماً في لبنان، والسبب؟ الظروف التي يمر بها البلد، فالخطاب اليساري لم يعد جاذباً بسبب الانقسام العامودي المذهبي الحاصل، وأيضاً بفعل العوامل الذاتية الداخلية. يوضح رضا أن الرؤية الفكرية موجودة لدى الحزب، ولكن بلورتها للجماهير هو الذي يشكل الركيزة لإعادة إنتاج هذا الفكر من جديد. أما السبيل لتجديد الخطاب الماركسي على ضوء الراهن يحتاج، بحسب رضا، إلى توجه أكاديمي وتخصصي في العلوم السياسية والاجتماعية لأشخاص يحملون الفكر الماركسي، وإلى إعادة المدرسة الحزبية الشيوعية، وإنشاء مراكز أبحاث وتثقيف، وهذا يقع على عاتق الحزب الشيوعي. على عكس رضا، يرى الكاتب عباس الحسيني أن أزمة الفكر والإنتاج مردها ضياع الرؤية لدى قيادة الحزب الشيوعي، ويُحمل الحزب مسؤولية تشرذم اليسار حتى «صرنا أمام شيوعي سني، وشيوعي شيعي، وشيوعي 14 آذار وآخر 8 آذار». مع ذلك، يؤكد الحسيني أن اليسار أمام فرصة تاريخية في ظل استفحال المذهبية، «وهذا وقته ليقدم خطاباً وطنياً علمانياً إنسانياً جامعاً، بعيداً عن الإلحاد ومتخطياً الحسابات الضيقة»، إلا أنه يستدرك «ليس بهذه القيادة الحالية، التي نحب ونحترم». المقولة معكوسة تماماً على الأقل بالنسبة لدار الفارابي، هذا ما يقوله مدير عام الدار حسن خليل، فالإنتاج الفكري الشيوعي متقدم، «فالكتب الماركسية وتحديداً أمهات الكتب الماركسية هي الأكثر مبيعاً، تأتي في المرتبة الثانية بعد روايات أمين معلوف». أعادت دار الفارابي إنتاج كل الكتب الكلاسيكية، والتي تعتبر الأساس الفلسفي والنظري للفكر الماركسي من سنتين حتى اليوم ضمن برنامج إعادة الانتاج. «السنة الماضية أنتجنا كتاب (رأس المال) بنسخة جديدة منقحة ومطوّرة، ويكاد يكون من الكتب الأكثر مبيعاً في أكثر المعارض التي نقوم بها، وخصوصاً خارج لبنان». ولكن، كما يشير خليل الانتاج الحديث في هذا المجال ليس كبيراً وخصوصاً بالنظر إلى حجم القضايا الراهنة والتحديات المطروحة. فإلى اليوم لم ينتج إصدار حقيقي قادر على شرح ما يجري في الوطن العربي. من جهته، لا ينفي رئيس الهيئة الدستورية في الحزب الشيوعي موريس نهرا أن الحركة الاشتراكية وخصوصاً بمنطلقاتها الماركسية لا تزال تمر بحالة أزمة تؤثر في فكرها. برأيه أن انهيار التجربة الأولى لهذا الفكر الاشتراكي لم يكن للفكر بذاته وإنما للفهم والتطبيق السوفياتي الذي تبعه ضرب متواصل لحركة التحرّر العربية وبالتالي العالمية. لكنه يرى أنه بعد مرور أكثر من 20 عاماً، صار هناك إمكانية لتفكير واع وإمكانية استخلاص العبر، مشيراً إلى أن الحزب الشيوعي اللبناني بلور فهمه للماركسية في خصوصية الوضع اللبناني والعربي قبل انهيار الاتحاد السوفياتي، ولكن الحرب الأهلية ومواجهة الاحتلال الاسرائيلي جعلت الهم متركّزاً على تشكيل جبهة المقاومة الوطنية ومواجهة النظام الطائفي. لا يزعم نهرا أن هناك انتاجات فكرية كافية. وبرأيه يعود السبب إلى 3 عوامل: أولها أن قسماً كبيراً من الشيوعيين هم من جيل الحرب، والذي لم يتأسس على قاعدة فكرية ثقافية وسياسية بالماركسية، لأن المهمات العملانية السياسة والميدانية لها الأولوية. وثانياً الظروف العامة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وضرب حركة التحرر الوطني العربية وأحادية القطب سبب نوعاً من التراجع، وثالثاً إن القيادات الموجودة الآن بمعظمها غير متفرغة للعمل الحزبي كلياً، ولديها وظائف مهنية بسبب مواجهة أعباء اقتصادية. وعن موضوع رؤية الحزب الشيوعي، يؤكد نهرا أن هناك وضوحاً في الرؤية السياسية، موجودة في الوثائق والبرامج ولكن النقاش فيها غير معمم كما ينبغي، على أن أهم معضلات الحزب الشيوعي تكمن في ضعف العمل الإعلامي، «فليس لدى الحزب إمكانات تمويل تسمح بإيصال الفكر والطروحات الحزبية إلى الناس، فيظن الناس أن الحزب لا يعمل». يبقى السؤال عما يمكن أن يفعله الحزب لإعادة بلورة فكره. لكن، متى يحين الوقت؟ متى يحين الوقت الذي لا نعود نردّد فيه أغنية «شو بدي قلك يا أسامة تعترنا وصرنا يتامى».
قاسم س. قاسم - الاخبار
من غير المستغرب دفن الفدائي الإيطالي فرانكو فونتانا «جوزيف إبراهيم» في جبانة الشهداء في شاتيلا، اذ يمكن لزوار الجبانة، بمجرد قراءة اسماء بعض اصحاب القبور، ملاحظة أن عددا كبيرا من المناضلين الأجانب دفنوا الى جانب رفاقهم الفلسطينيين واللبنانيين. في ذلك الزمن كان النضال أممياً، ولم تكن القضية الفلسطينية وقفاً على الفلسطينيين او العرب فقط.
فهنا في شاتيلا دفن أعضاء الجيش الأحمر الياباني، ومنفذو عملية مطار اللد عام 1972: تسويوشي أوكودايرا (باسم) وياسويوكي ياسودا (صلاح). فرانكو أو جوزيف كان من الفدائيين الأجانب الذين تركوا كل شيء خلفهم وانضموا الى فصائل الثورة الفلسطينية. في ذلك الزمن، كان النضال أممياً وكانت القضية الفلسطينية مركز اهتمام شرفاء العالم. فضمت صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عدداً من المقاتلين الأجانب، فمن ألمانيا أتى مناضلو الجيش الأحمر (بادر ماينهوف)، ومن اليابان أتى عناصر الجيش الأحمر الياباني (الذي أسسته المناضلة فوساكو شيغينوبو)، ومن إيرلندا اتى مقاومو الجيش الجمهوري الإيرلندي، إضافة الى المناضل الأممي كارلوس، حمل هؤلاء الهوية الفلسطينية قبل هويتهم الأم، وقاتلوا وقتلوا لأجلها. كان فرانكو ابن ذلك الزمن. ترك إيطاليا وأتى الى لبنان مقاتلاً في صفوف الجبهة الديموقراطية. في تلك الفترة لم يوصف المقاتلون العابرون للقارات بالمرتزقة، فهم كانوا مقاتلين مؤمنين بالقضية التي حملوها، واستشهد بعضهم دفاعاً عنها، وكانت جميع بلدان العالم ساحة قتالهم. حينذاك كان هؤلاء مقاتلين أمميين يريدون نصرة قضية حقّة، قضية الخير فيها واضح والشر فيها واضح، قضية لا شُبهة عليها. وببساطة يمكن لمن يريد التأكد الذهاب الى جبانة شاتيلا، فهنا المسيحي مدفون الى جانب المسلم، والياباني الى جانب العربي، والايطالي الى جانب اللبناني. هنا في جبانة الشهداء يجب على من نسي او تناسى، أو أضاع البوصلة الحقيقية وهي فلسطين تأمل أسماء المدفونين جيداً، ليتأكد أن الزمن الذي كانت فيه القضية المركزية فلسطين، كان جميع شرفاء العالم على استعداد للموت من أجلها، وفرانكو أحد هؤلاء. في يومنا هذا نرى مقاتلين أجانب لقبوا أنفسهم بالثوار، اتوا من مختلف أصقاع الأرض ودمروا حضارات بأكملها، ونهبوا ثروات بلاد كانت مركز العالم القديم. هؤلاء شوّهوا صفة «الثائر» فهم لم يساهموا في إغناء المجتمعات التي سكنوها، وبقوا كغرباء بين أهلها الأصليين، وكانوا أشبه بالمستوطنين الصهاينة بداية وصولهم الى فلسطين، عندما سكنوا بين العرب بسطوة السلاح. في زمن فرانكو كان الأجانب من أهل البيت، ولا يُخاف منهم، والدليل على ذلك الحفاوة التي استقبل بها جوزيف في المخيمات، والجنازة التي خرجت لأجله. في يومنا هذا تغيّر كل شيء، لم تعد فلسطين القضية الأولى، بل أصبح «الله القضية» (شعار رفعته حماس في السابق)، اليوم لم يعد «الله القضية» فقط، فهناك «الجنة القضية» و«النار القضية»، وأصبح لكل شيء قضية، الا فلسطين. الأسبوع الماضي دفن الإيطالي الجميل فرانكو فونتانا في شاتيلا، ملتحقاً برفاقه وقائده ممدوح نوفل (القائد العام السابق لقوات الجبهة الديموقراطية). هكذا، ومع دفن الرفيق فرانكو دُفن ما بقي من الزمن الجميل، عندما كانت فلسطين القضية.