غسان ديبة - الاخبار
«إن الإنتاج الصناعي سيقرر من سيربح هذه الحرب» جوزيف ستالين
هاتان الخاصيتان، بالإضافة الى صلابة القيادتين السياسية والعسكرية ستلعبان دوراً كبيراً في النصر القادم. لكن العامل الحاسم سيكون القدرة السوفياتية على الإنتاج والتصنيع، بشكل مكّن الجيش السوفياتي، بعد استيعاب هجومات 1941 و1942، من أن يحسم الحرب.
كانت الحرب ضد الاتحاد السوفياتي قد بدأت في حزيران 1941، واعتقد القادة العسكريون الألمان والاستخبارات البريطانية والأميركية آنذاك أنه بحلول الخريف تكون موسكو ولينينغراد قد سقطتا، كما أكد المؤرخ تشارلز ونشستر في كتابه «حرب هتلر على روسيا». لكن موسكو ولينينغراد لم تسقطا، وسيستسلم الألمان للسوفيات في 9 أيار 1945 بعد دخول الجيش السوفياتي الى برلين وإنهاء الرايخ الثالث. الكثيرون في الغرب حاولوا ولا يزالون يحاولون حتى الآن التقليل من دور الاتحاد السوفياتي في هزيمة النازية، على الرغم من أن الاتحاد السوفياتي تكبد 27 مليون قتيل في الحرب، اي حوالى 40% من كل الضحايا. هوجمت موسكو، ودام حصار لينينغراد 900 يوم، وأُعتبر الأقسى في التاريخ البشري، حيث مات حوالى مليون مواطن سوفياتي. كما أن المعارك التي خاضها الجيش الأحمر كانت أقوى معارك الحرب وأكثرها تدميراً للقوة العسكرية النازية، إذ إن أكثر من ثلاثة أرباع القتلى والمفقودين العسكريين الألمان، البالغ عددهم 3.9 ملايين، سقطوا في الجبهة الشرقية.
تأثراً بالغرب، يتعلم البعض أن العامل الحاسم في الحرب كان «الجنرال شتاء». لا بد من إيضاح بعض الأمور حول نظرية «الجنرال شتاء». أولاً، أن الألمان هجموا في الصيف على الرغم من أن الدعاية شوشت عقول الناس، فيظن البعض اليوم أن الهجوم حصل في الشتاء. ثانياً، أن الألمان المعروفين بتخطيطهم العالي وكفاءتهم لا بد أنهم كانوا يعلمون أن الاتحاد السوفياتي في الشتاء سيشهد طقساً بارداً إن هم فشلوا في إنهاء الاتحاد السوفياتي قبل بداية الشتاء. وهنا يقول المؤرخ جيوفري جوكس بتهكم، في كتابه حول معركة ستالينغراد، «كأن ستالين في حبه للسرية لم يخف فقط القوة الحقيقية للجيش الأحمر، وإنما أيضاً قساوة الشتاء الروسي»! ثالثاً، أن البرد والثلج والصقيع كانت عند جانبي خطوط الجبهات في موسكو وستالينغراد ولينينغراد، وبالتالي فإن «الجنرال شتاء» لم يكن أبداً مع السوفيات ضد الألمان. وتجدر الإشارة أيضاً الى أن الحرب العالمية الثانية كانت بين 1941 و1943 محصورة بشكل كبير في الجبهة الشرقية، وبالتالي كان لدى الألمان الحرية الكبيرة في توجيه الموارد العسكرية والاقتصادية والبشرية للنصر في الشرق. ولكن، الأهم من التحليل التاريخي وإعطاء الحق، فإن نظرية «الجنرال شتاء» تبناها القادة الألمان آنذاك، وبالتالي اعتقدوا أنه بمجيء ربيع 1942 سيعيدون الكرة ويكون النصر حليفهم، وبالمقارنة فإن القيادة السوفياتية والجيش الأحمر كانا قد بدآ إعداد العدة في أكبر تحشيد للموارد البشربة والمادية في التاريخ، والتي بنيت على الاقتصاد السوفياتي المخطط مركزياً منذ الخطة الخمسية الأولى في 1928. في هذا الإطار، يقول المؤرخ جيوفري روبرتس إن الانتصار السوفياتي في الحرب تطلب «إنجازاً اقتصادياً وإدارياً كبيراً». عند بدء الهجوم، نقل السوفيات أكثر من 1500 مصنع الى الشرق، وفي السنوات اللاحقة أضافوا 3500 مصنع آخر ليشكلوا الآلة التي لم تقف خلال الحرب وتفوقت على الصناعة الألمانية في كل المجالات، وخصوصاً في تصنيع الدبابات والطائرات. وعندما سلمت المصانع السوفياتية إنتاجها للجيش الأحمر، تسنى للجيش أن يطلق هجوم 1944 الذي «حطم الجسم الأساسي للجيش الألماني، وبالتالي ربح فعلياً الحرب العالمية الثانية، قبل أن تطأ القوات الحليفة شاطئ النورماندي»، كما قال تشارلز ونشستر. يقول الاقتصادي الأميركي جون رومر إنه على الرغم من معارضته للنموذج السوفياتي للاشتراكية، إلا أن الثورة البلشفية كانت الدافع وراء قيام دولة الرفاه الاجتماعي والديموقراطية الاجتماعية في الغرب وانتهاء الكولونيالية. إن الحرب الوطنية العظمى لم تنقذ الشعوب السوفياتية فقط من الهلاك على يد أكثر الأنظمة وحشية في التاريخ، التي استعملت العقل في جرائم الإبادة، بل أنقذت البشرية جمعاء، ما يضيف الى ما ذكره رومر من إنجازات الحقبة السوفياتية على المستوى الإنساني والتاريخي. وهذه السنة في الذكرى السبعين للنصر على الفاشية وفي العرض العسكري يوم السبت المقبل، ستعبر وحدات من القوات الخاصة في موسكو تحت اسم «فليكس درجنسكي» البولوني، مؤسس التشيكا (Cheka)، في رمزية أن الثورة البولشفية لم ينته تأثيرها، وخصوصاً بأمميتها التي نحتاج إليها اليوم أكثر من أي وقت مضى، وأن الفاشيين الجدد في أوروبا وغيرها سيجدون أن التراث السوفياتي ليس فقط تاريخاً، بل كان دافعاً للشعوب الأوروبية ولشعوب العالم كله لمحاربتهم وللقضاء عليهم مرة أخرى، وذلك من أجل إنسانية أكثر عدلاً وسلاماً وتقدماً.