المكتب الاعلامي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - لبنان، انتصار الدنان
06-04-2015
تضامناً مع الشعب الفلسطيني، استضافت منظمة الشبيبة الفلسطينية "الذراع الشبابي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" وفداً من اتحاد الشباب الديمقراطي العالمي (وفدي) في مخيم عين الحلوة، حيث كان في استقباله عبدالله الدنان مسؤول الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في منطقة صيدا، وأعضاء قيادة المنطقة، ومنظمة الشبيبة الفلسطينية.
وقد جال الوفد في الشارع الرئيسي للمخيم بمؤازرة من القوة الأمنية الفلسطينية المشتركة، قبل أن يقام حفل استقبال حاشد له في قاعة الشهيد ناجي العلي.
افتتح الحفل بكلمة ترحيب ألقاها محمد أبوسالم ومعرّفاً باتحاد الشباب الديمقراطي العالمي، ثم تحدثت سارة مصطفى باسم منظمة الشبيبة الفلسطينية حيث رحّبت بالوفد في عاصمة الشتات الفلسطينية مخيم عين الحلوة، وتطرقت إلى وضع الشباب الفلسطيني في المخيمات وما يتعرض له من ضغوط وعدم توفر فرص العمل وحرمانه من 78 مهنة، كما أنه محروم من أبسط الحقوق.
وألقى كلمة المنظمات الشبابية الفلسطينية يوسف أحمد الذي شكر تضامن وفد اتحاد الشباب الديمقراطي العالمي مع الشعب الفلسطيني، مثمناً زيارته لأكبر المخيمات الفلسطينية في لبنان للاطلاع على الأوضاع المأساوية التي يعانيها الفلسطينيون، كما أكد على عمق التعاون والارتباط الوثيق بين الشباب الفلسطيني والشباب الديمقراطي العالمي.
ثم تحدث حسان زيتوني باسم اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني وقال: لا يكفي القضية الفلسطينية أن نمطرها بالشعارات لأنها قضية كل العرب القضية الانسانية العادلة على مساحة الجغرافيا العالمية.
وأضاف، للشعب الفلسطيني الحق في البقاء والاستمرار وخلق الظروف المؤاتية للقضية كي تبقى هي القضية المركزية على حساب كل صراعات الأزقة بين الأقرباء، وعلينا تأمين الحد الأدنى من الحقوق المدنية للشعب الفلسطيني.
ثم ألقى كلمة اللقاء الشبابي اليساري هيثم عبده عضو اللجنة المركزية العامة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، مرحّباّ باسم الجبهة الشعبية وأمينها العام أحمد سعدات بالوفد الضيف في مخيم عين الحلوة وقال: المخيم هو الملاذ المؤقت الذي زرعنا فيه أحلامنا ونضالنا واصرارنا على العودة، فصار المخيم شكلاً من أشكال الوجود الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، بل هو شكل فريد من أشكال المقاومة بكل ما يعنيه تعبير المقاومة من معنى.
وأضاف، اليوم نحن في مواجهة محاولة امبريالية للقبض على منطقتنا بالكامل وتعميم نموذج الممالك والامارات وانهاء كل أشكال المقاومة والصمود والاعتراض حتى اللفظي للهيمنة الامبريالية الصهيونية، وخلق بيئة مناسبة لاستقرار المشروع الصهيوني بصيغة أكثر عنصرية يعبر عنها "بالدولة اليهودية".
وفي الختام دعا الشباب اليساري للانغماس في النضال الوطني والقومي، السياسي والاجتماعي المباشر والملموس.
وألقى رئيس اتحاد الشباب الديمقراطي العالمي "وفدي" نيكوس سبابا دمتريو كلمة حيّا فيها نضال الشعب الفلسطيني وصموده في وجه الاحتلال، مؤكداً أن الشباب الديمقراطي يقف إلى جانب الشعب الفلسطيني في نضاله ضد الصهيونية، وكفاحه من أجل استعادة أرضه المحتلة.
واختتم الحفل برقصات ودبكات فلكلورية قدمتها فرقة مركز التنمية الاجتماعية، وزيتونة، وبيت أطفال الصمود، ثم قام الوفد بزراعة ثلاث أشجار في المخيم.
تلا الحفل جولة للوفد على المعرض التراثي الذي أقيم في باحة قاعة الشهيد ناجي العلي بمشاركة جمعيات فلسطينية، وفي الختام أقيم حفل غداء من الأكلات الفلسطينية للوفد الضيف.
إجتمعت المنظمات العربية المشاركة في اجتماع المجلس العام لاتحاد الشباب الديمقراطي العالمي في بيروت وبحثت في المستجدات السياسية في المنطقة والعالم. ورأت أنه في ظل تقهقر الإمبريالية عالمياً وازدياد حدة تناقضات الرأسمالية على المستويات السياسية والاقتصادية والفكرية، ينعكس ذلك معاناة شعبية على كافة المستويات، وتحديداً في منطقتنا العربية. كما أن مطالب الشعوب العربية بالعدالة والمساواة وبالكرامة والمشاركة ظلت غائبة عن التحقق مما زاد من الاحتقان الشعبي في دول المنطقة. إن التغيير الاجتماعي والسياسي الشامل يشكل الضمانة في وجه محاولة الامبريالية وقف تراجعها عبر اشعال الحروب في العالم، من خلال جيوشها وادواتها الفاشية. تتصاعد مقاومة العديد من شعوب العالم ضد نهج السيطرة والإلحاق ما يضع أحادية القطب الامبريالي امام أفق التحول نحو نظام عالمي جديد حامل لخيارات الشعوب.
في ظل ذلك أكدت المنظمات المجتمعة على أهمية المواجهة والتصدي لمشاريع الهيمنة الهادفة إلى إضعاف دول المنطقة وتكريس السيطرة الامبريالية وضمان الأمن والاستقرار للكيان الصهيوني.
وفي هذا الإطار تؤكد المنظمات على ثوابتها الداعمة لحق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين في سجون العدو ورفع الحصار بشكل كامل عن غزة وكامل الأراضي الفلسطينية. كما ندعوا إلى عودة جميع اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم التي هجروا منها وإلغاء كافة أشكال التمييز ضد الفلسطينيين. وفي هذا الاطار نؤكد على أهمية الوحدة الوطنية الفلسطينية من أجل التصدي صفاً واحداً لكل القضايا التي يناضل من أجلها الشعب الفلسطيني.
كما تدعوا المنظمات إلى تحرير كافة الأراضي العربية المحتلة في الAffinityCMSن في سوريا ومزارع شبعا وكفرشوبا في لبنان وعلى حق كافة شعوب المنطقة بمقاومة الاحتلال والاعتداءات الصهيونية عليها.
كذلك تبرز اليوم ظاهرة خطيرة تتمثل بالمجوعات التكفيرية التي تعيث الأرض إجراماً في العديد من دول المنطقة مثل جرائم داعش وأخواتها من المنظمات التكفيرية في العديد من دول المنطقة. تدعوا المنظمات إلى التصدي بشكل قاطع لهذه المجموعات وتدعوا الدول الداعمة لها تنظيماً وتمويلاً وتسليحاً إلى التوقف عن رعاية الإجرام وتصديره إلى شعوبنا.
وفي سوريا ندعو إلى حل سياسي يضمن وحدة البلاد أرضاً وشعباً ويقطع الطريق أمام أطماع القوى الدولية والاقليمية التي تسعى لإضعاف سوريا وتدميرها على كافة المستويات، ونعلن تضامننا مع الشباب والشعب السوري في مواجهة الامبريالية وأدواتها من حكومات مرتهنة في المنطقة ومجموعات تكفيرية متسترة بالدين.
أما العراق، فيعاني ما يعانيه مع نفس المجموعات التكفيرية التي تدمر تاريخه وثقافته وآثاره وتقتل شعبه يومياً ما يحتم التضامن مع الشباب والشعب العراقي في معركته ضد هذه القوى، ونستنكر عمليات القتل والاغتصاب والسبي التي ارتكبتها هذه المواجهة ضد مكونات الشعب العراقي، وتهجير ما يزيد عن مليون مواطن نتيجة لهذه الأعمال.
وفي الأردن، تستمر الدولة في تحالفها الوثيق مع الولايات المتحدة الأميركية وتوسع مشاريع التنسيق مع العدو الصهيوني وتشارك في الأحلاف العسكرية التي تساهم في ضرب الشعوب الصديقة في الوقت الذي تتجاهل فيه مطالب الشباب والشعب الاردني.
وعانى لبنان أيضاً من انتقال المجموعات التكفيرية إليه ولجوءها إلى العنف والتفجيرات واختطاف المواطنين المدنيين والعسكريين. وهو البلد الذى عانى منذ عقود من نظامه الذي يقسم اللبنانيين ويستغل طاقاتهم ويرهن البلد للخارج. يدعم الوفدي نضالات الشباب اللبناني من أجل التغيير نحو الدولية المدنية وتحقيق العدالة الاجتماعية وحق الشعب اللبناني في المقاومة.
وفي الخليج العربي تستمر الأنظمة الحاكمة في ممارساتها القمعية ضد شعوبها فتقوم بالاعتقالات والتعذيب في السجون وتشكل التحالفات السياسية والعسكرية الفوقية من أجل قمع الشعوب الأخرى. في هذا الاطار تؤكد المنظمات وقوفها المبدئي ضد التدخل العسكري في اليمن وحق الشعب اليمني بتقرير شكل الحكم الذي يريد. كذلك نؤكد على تضامننا مع الشعب الكويتي في مطالباته المستمرة ضد الفساد والتهميش ونضال الشعب البحريني من أجل الاصلاح السياسي وإتاحة الحريات السياسية والنقابية. ومن الطبيعي أن يقف الوفدي ومنظماته إلى جانب الشباب السعودي الذي يتعرض لحملات التوقيف والاعتقال ويدعوا إلى إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين وإطلاق الفضاء السياسي أمام الشعب. أما الدول الأخرى فتغيب عنها جميع مظاهر العمل السياسي وتقوم أنظمتها على استغلال المواطنين الأجانب كما يحصل في قطر والامارات فيما هي تدعي دعم حرية الشعوب في الدول الأخرى.
وفي مصر يستمر النضال من أجل تثبيت مكتسبات الحراك الشعبي بعد عودة أركان النظام السابق إلى الحياة السياسية من باب النظام الجديد، والتضييق على الناشطين وقمع التحركات الشعبية. لذا تؤكد المنظمات على دعمها للشعب المصري في نضاله من أجل قضاياه العادلة في الحرية والمساواة خاصة في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها مصر اليوم. كما نؤكد على تضامننا مع مصر ضد الاعتداءات المجرمة المتكررة في سيناء منذ والمدن المصرية.
أما ليبيا فهي تعاني الفوضى التي تنشرها الجماعات المقاتلة المدعومة من دول إقليمية مثل تركيا وقطر والسودان ومن خلفهم الولايات المتحدة والناتو. في هذا الاطار يؤكد الوفدي على تضامنه مع الشعب الليبي ودعوته إلى وقف العنف وتحرير المناطق التي تسيطر عليها هذه الميليشيات، والاحتكام إلى ما يقرره الشعب الليبي.
وفي تونس يستمر نضال الشباب من أجل تحقيق مطالب الحراك الشعبي الذي نجح في إزاحة النظام السابق ومن بعده إخراج القوى الإسلامية من الحكم ضمن الخيار الشعبي الديمقراطي. ويستمر الشباب في نضالهم من أجل الدولة المدنية والمساواة والعدالة الاجتماعية رغم كل الصعوبات.
كذلك يناضل الشعب المغربي بوجه قوى المخزن الحاكمة والقوى الاسلامية من أجل الملكية الدستورية. أما في موريتانيا فيستمر اعتقال المناضل محمد الشيخ المهدد بالإعدام لذنب التعبير عن الرأي. تؤكد المنظات دعوتها لإطلاق سراحه فوراً ووقف هذه الممارسات ضد مناضلي الشعب الموريتاني.
إن منظماتنا تؤكد استمرار التعاون والتنسيق وستعمل على تنظيم الفعاليات حول القضايا المشتركة خلال العام الجاري كما ستعمل على إحياء ذكرى النكبة في ايار بشكل متزامن ومنسق بين دول المنطقة.
بيروت 5/4/2015
محمد زبيب - الاخبار
دعكم من كتب الاقتصاد كلّها. دعكم من آدم سميث ودافيد ريكاردو وكارل ماركس والفرد مارشال وجون مينارد كينز وجوزف ستيغلتز وتوماس بيكتي... دعكم حتى من ميلتون فريدمان. هؤلاء «مجانين»، بلا عقل، «لا يستطيعون أن يفهموا أو يميّزوا بين الأشياء». وحده فؤاد السنيورة يستطيع ذلك كـ»رجل مال ورجل اقتصاد». دعكم من أطنان الابحاث والدراسات والنماذج الرياضية وأدوات القياس والمقارنة... دعكم من النظريات والوقائع والنتائج والحسابات في المصارف والصناديق والشركات العقارية...
ركّزوا فقط على «سذاجة» المحاميين لاروشيل وقرقماز، اللذين حاولا استدراج فؤاد السنيورة في شهادته أمام «المحكمة الخاصة بلبنان» كي يستعمل عقله ويردّ على مجانين يربطون ما بين ازدياد الثروة الشخصية لرئيس الحكومة رفيق الحريري وازدياد الدين العام للدولة في عهده والاستيلاء على الاملاك العامة والخاصة في وسط بيروت والمنطقة المستحدثة من ردم البحر. هل يريدان فعلاً أن يستعمل السنيورة ما درسه في الجامعة الاميركية عن «ثروة الأمم» و»مبادئ الاقتصاد السياسي والضرائب» و»رأس المال»... من أجل ماذا؟ من أجل تأكيد أو نفي «كلام لا يستأهل حتى وضعه في سلة المهملات». «هذا أمر مستغرب» حقاً. «كلها شائعات مغرضة لم تكن صحيحة على الاطلاق». هكذا أفحم السنيورة المحاميين. اضطراه بأسئلتهما إلى العودة الى دروسه في «إدارة الأعمال والاقتصاد»، كما كان يفعل في الجامعتين الاميركية واللبنانية (1971- 1976)، قبل أن ينتقل إلى العمل لدى «رفيق النضال»، رفيق الحريري، في إدارة عملياته المصرفية في لبنان منذ عام 1983؟ صحيح أن الدين العام في تلك الفترة (1993- 2004) ازداد من نحو 3 مليارات دولار الى أكثر من 33 مليار دولار (67 ملياراً حالياً)، بحسب الارقام الرسمية، وكذلك ارتفعت قيمة الاراضي في وسط بيروت من 1.2 مليار دولار عند إنجاز التخمينات في عام 1994 الى أكثر من 5 مليارات دولار في عام 2004، على الرغم من كل البيوعات السابقة والارباح الموزّعة في 10 سنوات، بحسب إعلانات الشركة، ولكن السنيورة كان حازماً في دروسه: «هذان أمران لا علاقة ببعضهما البعض على الاطلاق (...) أنا كرجل مال وكرجل اقتصاد أجد أن خلط هذين الامرين لا يسري إلا على من... لا أستطيع أن أصف الكلام». على من يسري الخلط؟ لا يستطيع السنيورة أن يصف هذا الكلام (ربما) كي لا يتهم بأنه «تكفيري». فالخلط بين هذين الامرين يسري على «الكافر»، لأن الجواب واضح وحاسم ولا يجوز الجدال فيه، فهو قال حرفياً، ردّاً على أسئلة المحامين: «الله سبحانه وتعالى يشتّي الدنيا على الأرض، وهناك ناس يأخذون مياهاً كفاية، وناس لا يصبح لديهم مطر، وناس يصبح لديهم فيضان». كل ما في الامر أن «الله» أنعم على رفيق الحريري بفيضان من الثروة فيما حرم أكثرية الناس من الرذاذ، وترك بعضهم يموتون من العطش. المسألة كلّها ربانية. هو «توزيع إلهي للثروة»، لا يحتاج الى أي شرح أو تفسير. نعم، «رفيق الحريري كان رجلاً غنياً وثرياً جداً»، والسنيورة ليس مجنوناً كي يدحض ما كان الحريري يرسمه عن نفسه كصاحب ثروة طائلة ونفوذ هائل وعلاقات عابرة للحدود. ولكنه يستطيع أن يقدّر، مجرد تقدير، «أن ثروته نقصت ولم تزد، بسبب ما كان يدفعه من تبنّي الطلاب في الجامعات وما كان يقدّمه من دعم للمؤسسات الخيرية». إلا أن السنيورة الذي خانته الذاكرة في الحديث عن النتائج المادية الواقعة في صلب مسؤولياته الحكومية لمصلحة انتعاش ذكريات اللحظات العاطفية، يعرف تماماً أن نشاطات الحريري لم تكن تقتصر على ممارسة السلطة والتعليم والاعمال الخيرية، بل كانت تشمل المصارف ووسائل الاعلام والعقارات والمضاربات والمقاولات العامة والاتصالات... وأصنافاً كثيرة من الاستثمارات المدرّة للأرباح. وهذا ليس سرّاً. مثلاً، مجموعة «ميد» المصرفية، التي يمتلكها الحريري وكان السنيورة موظفاً في إدارتها، ارتفعت أرباحها بفضل الاكتتابات في سندات الدين وشهادات الايداع، على غرار المصارف الباقية. وهذا ليس سرّاً أيضاً. هذه المجموعة تعدّ من المصارف الخمسة الكبار، التي تستحوذ على الحصة الاكبر من الموجودات المصرفية، وكذلك من الفوائد المدفوعة على الدين العام (أكثر من 60%). وبحسب الارقام الرسمية، سددت الدولة بين عامي 1993 و2005 نحو 28.7 مليار دولار لخدمة الدين العام، وبالتالي، ذهب جزء مهم من الفوائد المسددة على دين الحكومة الى المصارف، ومنها المصارف التي يملكها مباشرة أو ساهم فيها الحريري. أيضاً وأيضاً، ليس سرّاً أن رفيق الحريري عدّ «سوليدير» جوهرة ممتلكاته. ليس هناك فخر قد يشعر به الثري أكبر من فخر امتلاك قلب مدينة. حتى السنيورة قال في شهادته إنه نصح الحريري بعدم الاستثمار مباشرة في شركة «سوليدير»، ولكن الحريري ردّ بأنه «من دونه لن يستثمر فيها أحد». طبعاً، من يستطيع أن يمنح شركة خاصة 291 ألفاً و800 متر مربع من ردم البحر على واجهة بيروت بسعر يبلغ 475 مليون دولار؟ يعرف السنيورة أن الحريري أعطى للشركة التي يساهم فيها أراضي على الواجهة البحرية بسعر 1600 دولار للمتر المربع الواحد لتبيعه بسعر 9 آلاف دولار وسطياً! هذا غير الاراضي في وسط بيروت البالغة مساحتها نحو 770 الف متر مربع، والتي أعطيت الى شركة «سوليدير»، غصباً عن أصحاب الحقوق فيها، بسعر 1522 دولاراً للمتر المربع الواحد، لتبيعه بسعر 6 آلاف دولار وسطياً، بحسب تقديرات «FFA Private Bank» المساهم في الشركة نفسها. ليس هذا فحسب، بل إن السنيورة يعرف أن حكومات الحريري منحت «سوليدير» مئات ملايين الدولارات كأرباح إضافية عبر إعفائها من الضرائب والرسوم، ومنها إعفاء الشركة من ضريبة الدخل وتوزيع الارباح لمدة 10 سنوات. في شهادته أمام «المحكمة»، قدّم فؤاد السنيورة نفسه نموذجاً، ولا أنصع، لمن تولّى إدارة المال العام في المراحل الأكثر فساداً وحراجة في تاريخ هذا النظام (من مرحلة «الإعمار» حتى الآن). دعكم من كل «الأوصاف» التي اكتسبها. وزير ماليّتنا «العاقل» جداً لا يكره شيئاً أكثر من «الحسابات المالية». فؤاد السنيورة ليس «محاسباً» كما جرى تصويره، بل يكره «الحساب»، وهو لذلك أتاح لنا «نعمة» العيش في دولة لا تمتلك موازنة منذ أكثر من عشر سنوات.
عادت هيئة التنسيق النقابية إلى نقطة الصفر. لم تستطع أن تقرّ خطة بعيدة المدى للتحرك، مكتفية في الفترة المقبلة بالدعوة الى اعتصام «خجول» ينفّذ يوم غد. لم تعد الهيئة تحمل أي موقف نقابي يحثّ الأساتذة والموظفين على متابعة نضالهم، الذي بدأ منذ ثلاث سنوات، وهي اليوم أشبه بالاتحاد العمالي العام، لا تلعب سوى دور الأداة في قمع التململ والاحتجاج والاعتراض
حسين مهدي - الاخبار
دعت هيئة التنسيق النقابية «إلى اقفال المدارس الرسمية والخاصة والإدارات العامة بدءاً من الساعة الثانية عشرة من ظهر يوم الثلاثاء (غداً)، للمشاركة في اعتصام تنظمه عند الساعة الواحدة من بعد ظهر اليوم نفسه أمام وزارة التربية والتعليم العالي في بيروت، وأمام المناطق التربوية في مراكز المحافظات والاقضية». هذه الدعوة الى تحرك خجول ومغال في رمزيته، تندرج في اطار تراجع خطاب الهيئة الى سقف لا يتجاوز «التذكير بالمطالب»، بحسب ما يؤكد أعضاء الهيئة، الذين أقروا التحرّك في اجتماعهم الأخير كعمل «اعلامي»، يحاول لملمة آثار ما حصل ويحصل في رابطة اساتذة التعليم الثانوي ونقضها الالتزام بسقف المطالب المتفق عليها في السابق.
لماذا التحرّك الآن؟ وهل عادت الهيئة عن تقييمها الذي استندت إليه لتبرير الاطاحة بحنا غريب، والذي رأت فيه ان التحرّكات في الشارع والسقف المرتفع لم يسفرا عن اي نتيجة؟ في الواقع، خسرت هيئة التنسيق النقابية أوراق ضغط عدة لديها، من دون أن تفكر بخلق أوراق ضغط جديدة، لا سيما أن خيار العودة «الجدّية» إلى الشارع بات مستبعداً، في ظل تكرار التعهّدات الحزبية بعام دراسي هادئ وابتعاد الروابط كثيراً عن قواعدها والآليات الديمقراطية لاتخاذ القرارات فيها. النقاشات داخل الهيئة لم تعد تنتج سوى المزيد من الخلافات، بعضها «مفتعل»، يهدف الى زعزعة وحدة هيئة التنسيق النقابية ومنعها من توسيع قاعدتها التمثيلية. وبعضها «أصلي»، يتصل بالطبيعة الفئوية لمطالب الهيئة وارتكازها إلى «نقابوية» ضيقة مترافقة مع «تبعية» مفرطة للأحزاب في السلطة.
ماذا بقي من هيئة التنسيق النقابية؟
الاجتماع ما قبل الأخير لهيئة التنسيق النقابية اظهر أنها لم تعد موحدة وأن مكوناتها تتخبّط. أزمة الهيئة ظهرت الى العلن في اليوم الذي عقدت فيه اللجان النيابية المشتركة جلستها المخصصة لمناقشة مشروعي قانوني سلسلة الرتب والرواتب والتعديلات الضريبية. في صباح ذلك اليوم، وقبيل دقائق من سقوط كل الاوهام بإمكانية تمرير زيادة أجور الموظفين العامين والمعلمين والعسكر كمكافأة على التفريط باستقلالية الهيئة عن احزاب السلطة، كان رئيس رابطة الاساتذة في التعليم الثانوي الرسمي عبده خاطر، الذي أخذ محل حنا غريب، يزجّ بالهيئة في نزاعات «صبيانية» بين ابناء البيت «العوني» الواحد. كانت الأوهام تشير الى «توافق» حصل مع رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة على تمرير مشروع لجنة النائب جورج عدوان. تنافس وزير التربية الياس بو صعب ورئيس لجنة المال والموازنة ابراهيم كنعان على أخذ الصورة مع قيادة الهيئة قبل دخول الجلسة. دعاها كنعان للاجتماع معه قبل ترؤوسه جلسة اللجان ومرافقته لها، فسارع بو صعب الى دعوة قيادة الهيئة الى فنجان قهوة في مقهى «اتوال» المواجه لمبنى البرلمان. اصطحب خاطر زملاءه في الرابطة إلى «اتوال» ومعهم رئيس رابطة المعلمين في التعليم الاساسي الرسمي محمود ايوب، فيما ذهب الآخرون الى مكتب كنعان. برر عدد من أعضاء الرابطة ما حصل بـ»سوء تفاهم وتنسيق»، بينما قال رئيس نقابة المعلمين في المدارس الخاصة، نعمة محفوض، إنه «لن يسمح لأحد أن يصادر قرار الهيئة»، فيما اجتمعت الهيئة مساء اليوم نفسه لتقييم ومناقشة ما حصل في محاولة منها لتدارك التصدّع الكبير في صورتها وموقعها. هذا الحادث لم يكن عابراً أو مجرد صدفة أو سوء تنسيق، وكانت هناك صعوبة في تداركه. يقول مصدر من داخل هيئة التنسيق النقابية إن الهيئة «تنشغل دائماً بأخبار رابطة التعليم الثانوي التي تفاجئنا دائماً بطروحات جديدة ومستغربة داخل الاجتماعات»، آخر هذه الطروحات بحسب المصدر كان إضافة مطالب جديدة خاصة بالرابطة تتمثل برفع الدرجة التي يتعيّن فيها الأستاذ الثانوي الى 25 درجة، بعدما اتفق سابقاً على أن تكون 21 درجة بفارق 6 درجات عن التعليم الأساسي، وسبق لرابطة الثانوي أن رفعت مذكرة بمطالب جديدة الى النواب في السابع عشر من آذار، من دون الرجوع الى الهيئة.
هذه المطالب استهلكت ساعات من النقاش داخل الهيئة في اجتماعها ما قبل الأخير بالتحديد. «فبدل أن يتركّز النقاش على كيفية صوغ خطة تحرك طويلة الأمد في حال استمر تقاعس السياسيين عن إقرار السلسلة، عادت الهيئة الى ما قبل نقطة الصفر، فهل القصد هو تضييع الوقت عمداً لتضيع بوصلة النقاش؟» يضيف المصدر، مشيراً الى أن كل هذه الممارسات كانت محط استغراب شديد من قبل أعضاء الهيئة. مصدر آخر من داخل رابطة التعليم الثانوي يقول لـ»الأخبار» إن ما تطرحه الهيئة الادارية للرابطة «إيجابي جداً في سبيل الحفاظ على موقع الأستاذ الثانوي»، إلا أن توقيته «مستغرب جداً، فلم لم تقم الهيئة الادارية للرابطة بتقديم هذا الطرح بعد تسلمها مهماتها أو على الأقل قبل انعقاد اللجان النيابية المشتركة؟»، مصدر آخر داخل هيئة التنسيق يقول: «مش عم نقدر نفهم شو بدن (رابطة الثانوي) فعلياً، ويبدو أن هناك من يقصد لعب دور سلبي داخل الهيئة بهدف تعطيلها». إلا أن عبده خاطر قال إن «الاستاذ الثانوي وجد غبناً بحقه في هذه السلسلة، ولذلك قدمنا هذه المطالب لأن الرئيس نبيه بري في اجتماعنا معه طلب منا تقديم ملاحظات على مشروع السلسلة». يجيبه باقي أعضاء هيئة التنسيق بأن إبداء الملاحظات يتعلق بالبنود الموجودة في مشروع القانون وليس تقديم مذكرة جديدة في سلة من المطالب. ويعتبر خاطر أيضاً أن له الحق في طرح المطالب التي يريد على النواب لأنهم أصحاب القرار، بصرف النظر عن رأي باقي مكونات هيئة التنسيق النقابية. يعترف عدد من أعضاء الهيئة بأن المشهد السياسي طغى على معظم مكونات الهيئة وعملها النقابي، «حتى لو ظهرت معالمه في التعليم الثانوي أكثر من غيره»، فقد بدأت المزايدات من ناحية رفع سقف المطالب الخاصة بكل قطاع، «فكل ما تقوم به الهيئة حالياً يمكن وضعه في سياق الحفاظ على ما تبقى من رصيد للهيئة عند الناس، إلا أنني أرى أن الهيئة ذاهبة باتجاه التفكك»، يقول أحد أعضاء الهيئة. عضو آخر في الهيئة أيضاً يقول «في السابق كان هناك سقف واحد للمطالب، وكانت المطالب الخاصة بكل رابطة منظّمة داخل اطار الهيئة، ولو وجدت بعض التباينات، أما اليوم فالهيئة ابتعدت عن قواعدها ولم تعد تستمد قراراتها وخطواتها من الجمعيات العمومية ومجالس المندوبين بعدما تحالفت القوى السياسية للسيطرة على قيادات الروابط بدءاً من الثانوي والمهني، لتمتد حالياً الى التعليم الأساسي، اذ انطلقت أخيراً انتخابات المندوبين الممهدة لانتخابات الهيئة الادارية». محمود حيدر، رئيس رابطة موظفي الادارة العامة، يربط بين الأدوات الضاغطة، التي يمكن للهيئة استخدامها في مواجهة السلطة، ودور الحزبيين داخلها، فيعتبر أن «الحزبيين مطالبين بأن يكونوا أكثر جرأة في مواقفهم ليكسبوا مواقف داعمة من أحزابهم في سبيل التسريع في اقرار سلسلة من دون ألغام وبنود تخريبية»، ويرى أن الأساس في هذه المرحلة هو العودة الى قواعد الروابط عبر الجمعيات العمومية ومجالس المندوبين. «ما في حدن يستمر من دون ما يحكي باسم القاعدة الشعبية، والعمل النقابي عمل معارض»، يقول نعمة محفوض، تعبيراً عن انفصال الهيئة عن قواعدها وتفريطها بآلياتها الديمقراطية، بخاصة أن عدداً من الروابط تتعمد تأجيل الدعوة الى الجمعيات العمومية ومجالس المندوبين. لكن، حتى مع وجود «مواقف نقابية» داخل هيئة التنسيق النقابية، إلا ان وزن هذه المواقف، بحسب مصدر في الهيئة، لا يبدو مؤثراً في التصدّي لفصل جديد من خطة ضرب رأس الحربة فيها، أي رابطة التعليم الثانوي.
يلتزم التيار النقابي المستقل المشاركة في الاعتصام انطلاقاً من تنفيذ القرار النقابي الموحد، رغم العديد من الملاحظات على شكل وطبيعة التحرك، الذي جاء بحسب النقابي حنّا غريب من دون العودة الى الجمعيات العمومية ومجالس المندوبين. يرى غريب ضرورة طرح خطة تصعيدية لتأكيد جدية التحرك وأهدافه. لا يظهر في كلام غريب أن هناك آمالاً من تحرك هيئة التنسيق، وبات ملحاً طرح مشروع بديل بعدما «وضعت الأحزاب يديها على الهيئة، وجرى ضرب قرارها المستقل». غريب يرى أن المكونات الموجودة حالياً كانت سابقاً تخضع لسلطة أحزابها، ولكنها بفعل النهج الذي اتبع سابقاً وضغط الشارع كانت تقف في مواجهة أحزابها، ويضيف: «الخضوع الأكبر حصل في الانتخابات حيث وقفوا في وجه من يطالب لهم بحقوقهم (...) أما اليوم فهم يريدون السلسلة المسخ ونحن نطالبهم بالتركيز على محاربة البنود التخريبية داخل مشروع السلسلة والتمسك بنسبة زيادة واحدة لكل القطاعات وهذه هي نقطة الخلاف بين هيئة التنسيق والتيار النقابي المستقل.
عطا الله السليم - السفير
أرسى وعد بلفور الشهير دعائم «الدولة الصهيونية». وتعبير بلفور في قوله: «إقامة مقام قومي في فلسطين للشعب اليهودي»، اعتراف واضح بأنّ اليهود يشكلون شعباً بلا أرض، وأنهم قومية موحدة في الوقت الذي ينتشرون فيه بالعالم مجموعات على طريقة «الغيتو». كان لتأسيس هذه الاسطورة دور مهم في تعزيز الروابط الاجتماعية بين يهود العالم وجعل اسرائيل - الفكرة تتحول الى اسرائيل - الدولة. في تلك المرحلة، سادت في أدبيات الطبقة الاسرائيلية عبارة «دولة اسرائيل» بدلاً من «دولة اليهود»، علماً أن الاسم الاخير كان قد اقترحه تيودور هرتزل. أمّا السبب الرئيسي في ذلك، فيكمن في رغبة الآباء المؤسسين للكيان الصهيوني بتغليب الطابع العنصري للدولة المزعومة على الطابع الديني، انسجاماً مع الاساطير التي نسجها بعض المؤرخين الصهاينة حول الظلم اللاحق بفئة مجتمعية. أي بمعنى آخر، أراد المؤرخون ابراز طابع اللامساواة والتفرقة العنصرية التي عانى منها اليهود، بدلاً من استخدام العامل الديني. أضف الى ذلك. فقد كان العقل الصهيوني يريد الربط بين اسم الدولة والاسم العبري لفلسطين وهو أرض إسرائيل (إيرتس يسرائيل)، لذلك غاب استخدام عبارة «الدولة اليهودية» لمصلحة عبارة «دولة اسرائيل» عند النخب السياسية والدينية. وفي مرحلة لاحقة من عمر الكيان، برزت اشكالية المواءمة بين يهودية الدولة من جهة وديموقراطية نظامها السياسي من جهة أخرى. اذ إنه ومجرد أن تكون دولة لفئة دينية محددة، يعني هذا أنها لاغية للمساواة في الحقوق المدنية والسياسية للشعب العربي في أراضي الـ48. لذلك لم يستخدم تعبير الدولة اليهودية كثيراً في أدبيات الطبقة السياسية مذاك. ولعّل تعريف وزارة الخارجية الاسرائيلية «دولة إسرائيل» بأنها «دولة يهودية وديموقراطية»، يعني عملياً إصباغ صفة الديموقراطية الى جانب يهودية الدولة في تناقض مفارق.غابت عبارة «الدولة اليهودية» عن المسرح السياسي الدولي طويلاً قبل أن تعود في الاعوام القليلة الماضية. كان رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق ايهود أولمرت أوّل من أعاد لفظ هذه العبارة العام 2007 عشية اعادة انطلاق المباحثات بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي في أنابوليس. استطاع اللوبي الصهيوني الفاعل ضمن الادارة الاميركية أن يضغط باتجاه طلب الاعتراف بيهودية الدولة مقابل فكرة استئناف المفاوضات، وكانت الادارة الاميركية الجديدة برئاسة باراك أوباما قد وضعت على رأس أولوياتها اعادة احياء مسار التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والتي كانت قد توقفت لسنوات عديدة لاسباب لا مجال لذكرها هنا. بموازاة السعي الاسرائيلي لكسب الدعم الاميركي لفكرة الاعتراف بيهودية الدولة كمدخل لاعادة إحياء ما يسمى بعملية السلام، عمل «الاستبلشمنت» السياسي في اسرائيل على استصدار عدد من القوانين والتشريعات التي تمهّد ليهودية الدولة. وفي هذا السياق، أقدمت حكومة بنيامين نتنياهو في تشرين الاوّل العام 2010 على إجراء تعديلات على «قانون المواطنة» بحيث يتضمن أداء قسم الولاء لـ «الدولة اليهودية» شرطاً لاكتساب الجنسية الإسرائيلية. وزعم نتنياهو أن هذا الطرح «استمرار لما بدأه بن غوريون أي دولة لليهود، لا دولة يعيش فيها مواطنوان من اليهود». وفي أيار 2014، عرض بنيامين نتنياهو تشريعاً جديداً أمام الكنيست من شأنه ترسيخ مكانة إسرائيل كالدولة القومية للشعب اليهودي، قائلا: «إنّ الاعتراض على اعتراف كهذا من شأنه تقويض حق الدولة في الوجود». ومن شأن قانون الأساس الجديد احترام حقوق الأقليات غير اليهودية التي تعيش في إسرائيل، وفقا لإعلان استقلال إسرائيل، بحسب ما قال نتنياهو. وبرغم عدم وجود دستور في اسرائيل، الا أن ما يسمى بقوانين الاساس لديها المكانة نفسها من حيث القوّة الدستورية.على مستوى آخر، نجم عن «الربيع العربي»، من جملة ما نجم عنه، اشتداد العنف الطائفي بين السنّة والشيعة على امتداد العالم العربي. كان فتيل العنف الطائفي قد تفجّر في العراق إبّان الغزو الاميركي العام 2003. وفّرت مناخات «الربيع العربي» المخطوف حالات تفكّك الدول العربية المركزية. فاستنزفت سوريا على مدار ثلاث سنوات ونصف من عمر الازمة فيها، ما مهّد الطريق لبروز جماعات جهادية متطرفة كان أبرزها «جبهة النصرة» في البدء، ثمّ «الدولة الاسلامية في العراق والشام» التي عرفت باسم «داعش». من الصعوبة بمكان اعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة، حتى ولو صرّح بعض قادتهم تلميحاً بقبولهم هذه الفكرة أو بصرفهم النظر عن حق الشعب الفلسطيني في الشتات بالعودة الى فلسطين. وفي هذه الحالة، تبرز الوقائع السياسية كأحد مرتكزات قيام الدولة اليهودية بعد معركة تثبيت المفهوم في الاعوام الماضية. بدأت ملامح تشكل الدولة المذهبية في المنطقة تتبلور على خلفية العنف الطائفي المفتوح. بدأ الحديث ولو بشكلٍ خافت عن حدود الدولة الشيعية - العلوية، وحدود الدولة الدرزية، والدولة السنية، وعبّر الاكراد صراحةً، عبر ممثليهم السياسيين، عن رغبة اقليمهم بالانفصال نهائياً عن الدولة العراقية. أما مسيحيو الشرق، فبــــدا مصيرهم الخـــروج من هــذه المنطقة إما طوعاً أو بفـــعل المجازر التي ترتكب ضدّهم في سوريا والعراق.إنّ السبيل الأنجع لإرساء الطابع اليهودي للدولة الاسرائيلية يمر حكماً عبر تقسيم الدول المركزية العربية وتحويلها الى كيانات مذهبية صافية. حينما توجد دول للسنّة والشيعة والدروز والاكراد العرب، سيبدو سؤال الاسرائيلي «أين دولتي الدينية أيضاً»؟، سؤالاً واقعياً جداً.
حملت الأيام الماضية تطورات متسارعة في منطقة الخليج العربي حيث تشهد هذه المنطقة تصاعداً خطيراً في الأحداث كان آخره مبادرة المملكة السعودية بهجوم عسكري واسع على دولة اليمن بمساندة عربية ودولية. إن الأنظمة المترهلة في منطقة الخليج، والتي حرمت شعوبها من أي حقوق سياسية واجتماعية، عليها أولاً أن تعالج مشاكل شعوبها وتلبي مطالبهم بالإصلاح والمشاركة السياسية. إلا أننا نراها تبادر اليوم إلى حرب على دولة عربية أخرى، وذلك بهدف تغليب طرف محلي على طرف آخر وتثبيت الرئيس الموالي لها في الحكم، وإبقاء اليمن تحت سقف التبعية الخليجية.
إن هذا التدخل العسكري الخليجي هو تصرف مدان ومرفوض وهو لا يعبر إلا عن ضعف المبادرين إليه وعن حقيقة مشروعهم القمعي الرافض لحق الشعوب بالإختيار داخل دولهم وفي الدول الجارة لهم. وإن كان ليس مستغرباً إلا أنه معيب أن تتحرك كل هذه الطائرات والأساطيل العربية فيما فلسطين تضمد جراحها وتقاوم وحيدة تحت الحصار والتآمر منذ سبعين عاماً.
أما حل المشاكل الداخلية والنزاعات الدائرة في اليمن فهو مسألة داخلية يمنية يجب أن يبقى حلها بأيدي اليمنيين أنفسهم. إن السلطة في اليمن لديها تاريخ حافل ضد شعبها تحت حكم الرئيس السابق والحالي وتحت حكم الحوثيين وكان آخرها قمع القوى المعارضة لهم في صنعاء بقوة السلاح. ورغم ذلك ظلت القوى الوطنية والتقدمية اليمنية تناضل ضد المشروعين المتفاتلين وضد التدخل الخارجي وتحديداً اليوم ضد التدخل العسكري للقوى الرجعية في المنطقة.
وعلينا أن نذكر بالقمع اليومي والمستمر للشعب البحريني من قبل حكومته منذ عام 2011 حتى اليوم، وبقمع الحراك الشعبي في شرق المملكة السعودية وسجن وتعذيب كل المبادرين إليه وهم ما زالوا في السجون حتى اليوم، وكذلك التضييق الممنهج على الناشطين السياسيين في الكويت وآخره كان القمع البوليسي للمتظاهرين السلميين في ساحة الإرادة في العاصمة الكويتية منذ بضعة أيام.
لذلك نشدد على موقفنا الرافض للحرب على اليمن لما ستولده من كوارث إنسانية وارتدادات أمنية وندين بشكل قاطع كل الدول المشاركة فيه. كما نؤكد على رفضنا للممارسات القمعية سواء أتت من الحوثيين في المدن التي دخلوها أو من الأنظمة السابقة لهم أو من أنظمة دول الخليج التي تنتمي في ممارساتها إلى عصور الظلام البائدة.
المكتب التنفيذي بيروت 26 آذار 2015
ليس مفهوما السبب الذي يمنع توحيد قوّة الضغط من اجل اقرار حق المرأة بمنح جنسيتها لابنائها. امس، انقسمت الناشطات والناشطون بين اعتصام في ساحة رياض الصلح، وآخر في المتحف، عشرات الأمهات توزعن بين المكانين احتجاجا على سلبهن حق إعطاء الجنسية لأبنائهن. قررن الاحتفال بعيدهن اعتصاما ورفضا لقانون ذكوري مجحف، ينتقص من أمومتهن ويشرعن التمييز ضدهن
هديل فرفور - الاخبار
بتوقيت شبه متزامن، أقيم اعتصامان، أمس، للمطالبة بإقرار حق المرأة منح الجنسية لأبنائها. ضمن حملة «جنسيتي كرامتي»، نظّمت جمعية المبادرة الفردية لحقوق الإنسان اعتصاما امام المتحف الوطني، فيما أقامت حملة «جنسيتي حق لي ولأسرتي» اعتصامها بالقرب من السرايا الحكومية في ساحة رياض الصلح. صرخة الأمهات التي علت في المكانين، نابعة من احساسهن بالغبن على يد نظام طائفي ذكوري يمعن في الانتقاص من كرامتهن، فكان الاحتجاج واحدا والمطلب موحدا: إقرار حق مكرس في الدستور والتزام المواثيق الدولية.
خلف شجرة صغيرة في الساحة المواجهة للمتحف، جلست أسماء (15 عاما)، تحمل الفتاة لافتة «حقوق امي مش للتفاوض»، تحدثك بانفعال بارز وبجرأة واضحة وتجاهر بمظلوميتها في «بلدها لبنان». تطمح الفتاة لدراسة المحاماة، الا انها تدرك جيدا انها لن تستطيع ان تحقق رغبتها ما لم تحصل على الجنسية. «ما فيني انتسب للنقابة ولا ممارسة اي مهنة محمية قانونا»، تقول أسماء بانفعال واضح، وتضيف «بعرف انو الدستور اللبناني يقر للمرأة حقوقها كلها، كيف فيهن ما يخلو امنا تعطينا الجنسية؟». تشكو الفتاة من مضايقات زملائها الذين لا ينفكون يلومون أم أسماء «لأنها تزوجت سوريا»، «بيقولولي الحق ع امك لانها تزوجت اجنبي، بس انا بقلن ممنوع الواحد يتجوز اللي بيحبو؟». معظم الأمهات اللواتي حضرن الى المتحف أمس، أبدين أسفهن لما اطلقن عليه «التدخل بخيار المرأة اللبنانية الشخصي»، ووضعن المقاربة التالية: يحق للرجل أن ينتقي شريكة حياته أنى كانت جنسيتها، أما المرأة اللبنانية، فتحرم حق منحها الجنسية لأولادها عقابا لها لأنها خرجت من عباءة الذكر اللبناني، «وكأن الزوج هو من يمنحها هذا الحق «، وفق ما تقول ام وسام (60 عاما). تستند الناشطات والناشطون في القضية في الحديث عن «ذكورية قانون الجنسية» الى المادة الأولى من قانون الجنسية الصادر بالقرار الرقم 15 تاريخ 19 كانون الثاني 1925 التي تنص على التالي: «يعد لبنانيا كل شخص مولود من اب لبناني (من دون الإشارة الى الأم)»، إضافة الى «كل شخص مولود في اراضي لبنان الكبير، ولم يثبت انه اكتسب بالبنوة عند الولادة تابعية اجنبية وكل شخص يولد في اراضي لبنان الكبير، من والدين مجهولين او والدين مجهولي التابعية». «أي قانون هذا الذي يمنحني الجنسية ان استطعت ان اثبت انني ابن غير شرعي (يقصد من خارج الزواج المعترف به قانونا) ولا يمنحني اياها اذا كانت والدتي لبنانية؟»، يتساءل محمد (23 عاما) ويضيف: «كنت احلم في صغري بأن أكون ضابطا في الجيش اللبناني، وعندما كبرت عرفت انني محروم انتمائي للبلد الذي ولدت فيه».
«أنا لبناني أكثر من كل اللبنانيين، وهذا لا يحتاج الى ورقة إثبات»، يجد الشاب العشريني ان المشكلة تكمن في الوعي الذكوري المستفحل في المجتمع، الذي ينص على التدخّل في خيارات المرأة الشخصية ومعاقبتها. «هم يتذرعون بالعوامل الديموغرافية والطائفية، الا ان هذا ليس الا أداة من ادوات إخضاع المرأة لسلطة الرجل». تعلّق حملة «جنسيتي حق لي ولأسرتي» على توصيات اللجنة الوزارية التي تشكلت في آذار 2012 لدراسة تعديل قانون الجنسية، والتي خلصت الى «عدم منح المرأة حقها بإعطاء جنسيتها لأسرتها»، وتقول ان قرار اللجنة يستند إلى «جملة من المغالطات والحجج غير المقنعة». من ضمن هذه المغالطات، بحسب الحملة، أن «الإحصاءات التي نشرت لا تظهر بتاتا الخلل الديموغرافي الطائفي الناتج عن تبني تعديل قانون الجنسية وبأحسن الحالات تظهر وجود نسبة 6% فقط من النساء اللبنانيات المتزوجات بفلسطينيين، وهذا يؤكد أن فزاعة التوطين لعدم إقرار الحق ضعيفة وواهية”. ورأت الحملة أن قرار اللجنة ضرب جملة من الاساسيات، أبرزها الدستور الذي نص على ان المواطنين سواسية في الحقوق المدنية والسياسية (..)، فضلا عن المعاهدات الدولية في موضوع الجنسية، بحجة الدستور والقوانين اللبنانية و»التضحية بالحقوق الفردية وحقوق المواطن لحساب حقوق الطوائف». « لمن علمتهم انا؟»، تسأل صباح (49 عاما)، المرأة الأرملة والمعيلة لثلاثة أبناء، يعز على هذه المرأة ان تُمنح امرأة أجنبية الحق في حمل الجنسية اللبنانية وفي إعطائها الى ابنائها من زيجاتها السابقة (من ازواج غير لبنانيين)، فيما تبقى المرأة اللبنانية عاجزة عن منح ابنائها من زوج اجنبي هويتها اللبنانية. تقول المحامية زينة مصري، الناشطة في حملة «جنسيتي كرامتي»، إن المفارقة تكمن في المادة الرابعة من قانون الجنسية، التي تنص على انه إذا انتهت العلاقة بين الزوج اللبناني والمرأة الأجنبية، يحق للأجنبية منح الجنسية اللبنانية لأبنائها من غير الزوج اللبناني. «يحطو قوانين وقواعد واللي بدن ياه، بس يضمنولي انو ولادي ما يتبهدلو بعد ما موت»، تقول ام وسام ردا على ما تسميه «فلسفات وتعقيدات النواب لاقرار هذا الحق». معظم الأمهات ذكرن مراسيم التجنيس التي صدرت في العامين الماضيين لاعتبارات طائفية وتساءلن «هل اجريت لهم فحوص وتبين انهم لبنانيون اكثر منا؟». في هذا الصدد، ذكرت حملة «جنسيتي حق لي ولأسرتي» بهذه المراسيم: بتاريخ ايلول 2013، اصدر رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، مرسوم التجنيس الرقم 10214، الذي قضى بتجنيس 112 شخصاً عربياً واجنبياً، بصورة سرية كشفت عنه احدى الوسائل الاعلامية، دون ان ينشر في الجريدة الرسمية. بتاريخ أيار 2014، اصدر رئيس الجمهورية مرة ثانية مرسوما، قضى بتجنيس نحو 700 شخصاً عربيا» وأجنبيا»، وايضا جرى تسريبه ونشره في الصحف. وأضافت الحملة: «تأكيداً لما سبق؛ فانه في عهد رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، جرى عبر مرسومين، آخرهما في الاسبوع الاخير من ولايته، تجنيس أكثر من الف شخص من جنسيات مختلفة، الذي جاء وفقاً لاعتبارات طائفية بحتة ومصلحية ضيقة مسقطا كل الحجج التي يرفعها المسؤولون لاعتراض تعديل القانون».
غسان ديبة - الاخبار
كلما تطورت الصناعة الكبرى أصبح خلق الثروة الحقيقية يعتمد على العلوم والتكنولوجيا... ويصبح تطور الفرد الاجتماعي أصل الثروة والإنتاج كارل ماركس
عندما اندلعت الأزمة الرأسمالية في عام 2008، نشر الأميركيون، كعادتهم، رسوماً كاريكاتورية من وحي الأزمة. في إحداها يجلس مديرون حول طاولة الاجتماعات. يقول رئيسهم، وخلفه رسم بياني لسعر سهم شركة ينهار: «من يؤيد خطة للإنقاذ المالي فليقل كارل ماركس». وفي رسم كاريكاتوري آخر، يجلس ماركس خلف بيانو وخلفه رجل يصرخ: «العبها مرة أخرى يا كارل»، في اقتباس لعبارة (Play it again Sam).
إن رد فعل الدول (لا الأسواق ولا الميكانيزمات الداخلية للاقتصادات الرأسمالية) استطاع أن ينقذ النظام الرأسمالي العالمي من الانهيار، وأبعد شبح ماركس هذه المرة، فقد استعانت الدول بكينز، الذي أقامت الرأسمالية علاقة معقدة جداً معه، بالمقارنة مع كل الاقتصاديين الكبار الآخرين، الذين أيدوها أو عارضوها منذ آدم سميث حتى الآن. لعبها كينز وأنقذ الرأسمالية مرة أخرى، ولكنْ هناك تطور يحدث الآن في بنية الرأسمالية لا علاقة له بالأزمات الدورية أو الانهيارات المالية أو حتى باتساع الفوارق في الدخل والثروة، وهذا التطورالمتمثل بالبطالة التكنولوجية كان كينز نفسه قد تكلم عنه عندما حاول النظر الى مستقبل الرأسمالية على المدى البعيد. هذه البطالة التكنولوجية لا يمكن حلها عبر السياسات المالية أو النقدية، التي تنفع للقضاء على البطالة والركود خلال الأزمات الدورية. ولكن، هل نحن أمام احتمال (إذا حدث سيكون بعيداً جداً في المستقبل) يمكننا أن نضعه في مصاف حتمية فناء البشرية، أي أننا نعلم أنه آت، ولكننا اليوم لسنا بحاجة للقلق حوله؟ كان ماركس أول من وضع نظرية الاستبدال التكنولوجي، فالرأسماليون في سعيهم للربح والتنافس في ما بينهم يستثمرون في الآلة من أجل زيادة الإنتاجية ورفع القيمة الزائدة النسبية.
الموجة الأولى من الاستبدال التكنولوجي، التي استبدلت بشكل كبير العمالة غير الماهرة في البلدان الصناعية المتقدمة، تم تلافي تأثيرها الكارثي، حسب راندال كولينز، الذي تنبأ في عام 1980 بانهيار الاتحاد السوفياتي، عبر خمسة مخارج: التوظيف والاستثمار الحكومي وتوسع التعليم والتوسع الجغرافي للأسواق وخلق التكنولوجيا نفسها لوظائف جديدة، وأخيراً الهروب الى عالم المال. أما الآن، فجميع هذه المخارج استنفدت والموجة الثانية من الاستبدال والتي تتمثل باستبدال العمالة الماهرة وما يسمى وظائف الياقات الزرقاء ستؤدي الى بطالة بنيوية كبرى في السنوات الثلاثين المقبلة قد تصل الى 50% في 2045! يؤيد اقتصاديان من جامعة أكسفورد هذا الاستنتاج. وفي بحث نشر في عام 2013 تنبآ بأن نصف الوظائف ستستبدل في السنوات العشرين المقبلة بواسطة الروبوتات والحواسيب! وفي 2014 نشر أريك برينيولفسون وأندرو ماكافي من مركز الأعمال الرقمية في جامعة MIT الأميركية كتاب «الزمن الثاني للآلة»، وفيه أهم تحليل لصعود الروبوتات والحواسيب واستبدالها الحتمي للإنسان في الوظائف التي تحتلها الطبقة الوسطى الآن في التصنيع والخدمات. في عامي1857-1858 كتب ماركس ملاحظات الغروندريسه (Grundrisse)، ومن ضمنها حوالى 20 صفحة أصبحت تعرف بالـ»الأجزاء حول الآلات»، وفيها رأى ماركس ظهور عصر الآلات المسيرة ذاتياً، حيث يصبح العامل هامشياً في الإنتاج. وما تتضمنه هذه الأجزاء ليس فقط حتمية ظهور عصر البطالة التكنولوجية الكاملة، وإنما أيضاً انتهاء تحديد قيمة السلع بواسطة وقت العمل، التي هي أساس نظريته حول طبيعة الرأسمالية، والبدء بعصر إنساني جديد اكتملت الظروف المادية له. إن الرأسمالية لا يمكن أن تكون الشكل الاقتصادي لهذا التاريخ الإنساني الجديد لأنها مبنية على العمل المأجور واستخراج القيمة الزائدة وتحقيق هذه القيم عبر دوران رأس المال والاستهلاك. بشكل أبسط، في ظل أتمتة كاملة أو شبه كاملة، كيف تنتج المداخيل وتوزع بين الأفراد والطبقات في ظل نظام رأسمالي؟ إن تناقضات الرأسمالية تندفع بشكل سريع جداً الى واجهة التاريخ ويبرز خلالها تناقض الرأسماليين وعجزهم التاريخي، إذ في الوقت الذي يدفعون فيه باتجاه الاستبدال التكنولوجي عبر الآلات والروبوتات، فإنهم يحاربون خفض ساعات العمل، التي بقيت مستقرة بعدما انخفضت كثيراً منذ بدايات الرأسمالية. والهجوم الشرس على خفض ساعات العمل في فرنسا الى 35 ساعة من قبل رأسماليي الداخل والخارج ما هو إلا التجلي الأوضح لرفض الرأسماليين التخلي عن العمل المأجور، الذي هو أصل أرباحهم وسلطتهم الاقتصادية، فعند انتهائه هم سينتهون. وهنا تكمن لعبة ماركس الأخيرة، فبينما كان العالم من حوله يتغير، و»كل شيء جامد يذوب في الهواء»، رأى ماركس محرك ومصير التطور الرأسمالي في الآلة، إذ إن «طاحونة اليد أعطتنا الإقطاعي، أما الطاحونة البخارية فتعطينا الرأسمالي». وفي قمة فكره الديالكتيكي والعلمي، رأى في الأشكال الأخيرة للآلة نهاية نظريته للقيمة، ولكن في الوقت نفسه نهاية التنظيم الرأسمالي للإنتاج والعمل وبداية تحقيق الإنسان لنفسه في مجتمع اشتراكي لا رأسمال فيه ولا رأسماليين ولا بروليتاريين، وإنما أفراد أحرار في اختيار مصيرهم في العمل الخلاق والاجتماعي والحر.
صباح جلول -السفير
وفكّرنا بس بإنّو نعبّر عن نفسنا ببساطة. نحسّ الإشيا، ولازم نقولها.. صرنا نقولها." - عاصي حسناً، لقد سمعنا على امتداد سنوات جميع أنواع التهم الجاهزة لزياد الرحباني حتى الملل. خلال السنتين الأخيرتين، لم يوفّر الرحباني فرصة لإقامة حفلة موسيقية إلا اغتنمها، وضاعف معدّل إطلالاته الإعلامية ومقابلاته مرّات، بعد انقطاع شبه تام. وجد الجميع فرصة لإعادة الرحباني إلى دائرة "الموضوعات الساخنة"، وهو غالباً لم يخرج منها أصلاً. لا يملك أحد موقفاً حيادياً منه، خاصةً بعد الموضوع السوري. الناس الذين يعرفونه، ويعرفون نتاجه الفني وأخباره الشخصية ومواقفه السياسية منقسمون دائماً بشكل حاد. فئة تراه "العبقري" الرحباني السابق لزمانه، وفئة تحاكمه على أنه "خائن" للشعب والثورة، وما بينهما فئات تجتهد أيضاً، فتراه ضحية أو أعجوبة أو ممثّلاً يسعى لدور الضحية. كل هذا معروف، لكنّنا ننتبه الآن إلى أن كلّ هذا غير مهم عندما نقف أمام باب زياد المفتوح بالكامل، والذي تدلف منه موسيقى مارفين غاي المتسائل باستمرار "What's Going On?". حقاً، ما الذي يحدث في عالمنا؟ الآن، ربما نتكلّم قليلاً عن الموسيقى، لا أكثر ولا أقل، إذا سمح لنا قضاة السّلوك والأفكار ومنظّرو التعليب بأن نكون عاطفيين قليلاً تجاه مَن منحنا الكثير في المكتبة الموسيقية والمسرحية، وفي الوعي السياسي والاجتماعي والفكري، والأهم تجاه مَن منحنا الكثير من الفرح والحب والأحلام والرفقة الطيبة في مختلف مراحل حياتنا الممجوجة الشديدة الابتذال في هذه الجمهورية العجيبة. رغم كل التعقيدات الحياتية، وبعيداً عن الفلسفات والإشكاليات، ووسط "عجقة" الأغراض و "السيديهات" والكتب والصور في غرفة صالونه، ثمّة انطباع مُلحّ بأن كلّ الأشياء في عالم زياد الرحباني، بدءاً من لحظة الإبداع الموسيقي ووصولاً إلى الأعمال اليومية العادية كصنع فنجان شاي، هي أكثر بساطة وتلقائية ممّا يعتقد أيّ منا. بساطةٌ تذكّر بقول عاصي أعلاه، بمعنى عفويّة أن نقول ما نشعر، لمجرد أنّنا شعرنا به وأن من حقّنا أن نعبر عنه، كما هو، تاماً، حقيقياً، جارحاً، جميلاً، مزعجاً، مباشراً كما هو. كلّنا نغار من زياد قليلاً، لأنه يقول ما يفكّر فيه من دون مواربة، وهذا ما جعله دائماً عرضة للهجوم والمحاكمة الرخيصة أحياناً، بعيداً عن النقد الصادق المباح. هذه حقيقة أوليّة، والحقيقة الأُخرى هي أنّه لا يشبه أبداً ما يُرسم من صور مكبّرة لرجل يائس أو مهزوم. هذا رجلٌ يحاول، يحاول فعلاً. يقيم الحفلات ويكتب المقالات ويؤلّف الموسيقى ويفتتح موقعاً إلكترونياً ويسعى للسفر من أجل العمل، ويحاول إعادة ترتيب أموره. يحاول مصالحة والدته، والتواصل مع حزب الله ومع المستقبل، ومع الناس، مع الجميع مبدئياً. يعمل من أجل الحزب الشيوعي وللجريدة وفي الأستوديو وفي المسرح وفي البيت، في لبنان وألمانيا وروسيا وأبعد، إن لزم الأمر. اليائس يكفّ عن المحاولة، لكن هذا الرجل يحاول. أكثر منّا جميعاً، يحاول. رغم كل شيء، يبدو أكثر حياةً ممّا نتوقّع نحن، وأكثر جمالاً مما يعتقد هو. المقابلة أدناه محاولة لاستعادة الموسيقي من أسلاك السجالات الشائكة إلى مربّعه الأول: الفن.
- كيفك؟ الحمدلله، بلّشت صير منيح لأنو عارف إنو قلّلو الإيام اللي باقيهن هون. رغم أن الإنسان لا يمكن أن يكون سعيداً لمغادرة بلاده، لكن ما بيكون وضع البلد هيك كذا سنة. أمارس حقّاً مارسه جميع اللبنانيين. أتغرّب وأعود عندما يتوفّر عمل هنا، لأنه لم يعد مقبولاً أن يبقى الإنسان هنا سنة كاملة يعمل خلالها شهراً أو شهرين فقط. هناك الكثير من الوقت الميت. - في أسطوانة "إلى عاصي" كتب منصور عن عاصي: "كان دائم القلق، لا يرتاح إلا حين يستغرق في التأليف، لينسى، ولو مؤقتاً ذلك الهدير الداخلي المتصاعد سؤالاً، إلى أين؟". هل ورثت هذا النوع من القلق الدائم؟ لا أعلم ماذا كان يقصد عمّي، رحمه الله، بكلمة "الهدير"، لكن هذا أمر لم نكن نلاحظه لدى والدي قبل المرض. لم يكن يتوقّف عن العمل أساساً لنلاحظه، لكن بدأ هذا الأمر بعد أن رأى الموت وعاد منه أكثر من مرّة. خضع لعمليات دقيقةٍ جدّاً وخرج منها. ما كان متل الأول، بس ما كنّا متوقعين ولا حدا كان هلقد متأمّل إنو يتحسّن. في الفترة بعد العملية كان يسأل عن الإيمان: في الله؟ ما في الله؟ شغلتو ومشغلتو، وبالفضاء الخارجي شو في؟ يعني صار عاطيه جزء من وقته. يقعد مع ناس مطّلعين بمجالات معيّنة. وكان أحياناً يؤمن وأحياناً يشكّك، وعندما يشكّك يكون ميت رعبة، يقللي "ما هيئتو فيه شي، يعني.. متل ما الله بيريد". - هل تُبقي مسافةً بينك وبين هذه الأسئلة؟ أعتقد أن كل إنسان يصل ليسأل هذه الأسئلة في مرحلة معيّنة من حياته. بس إنو ما كتير تاخد من الوقت. - لديك حاجة دائمة للتأليف؟ بالموسيقى، إي. دون أن يطلب منّي أحد شيئاً. إذا ألّفت، يكون عادةً موسيقى، وليس كلاماً. من 10 أشياء، تكون تسعة موسيقى وواحدة كلمة. لكن بسبب العمل في الصحافة، أكتب، لكن لا يكون الكلام خارجاً بسهولة الموسيقى. - متى يكون التأليف أسهل والإنتاج أغزر، في حالات الحرب أم في حالات السلم؟ وماذا يحصل في مثل حالتنا، عندما تكون الأشياء معلّقة بين الاثنين؟ لا أعرف ما هو السبب، لكنّ معظم ما اشتغلته كان في فترات ذروة التوتّر. ليس من الضروري أن تكون كلّها أشياء جيدة، لكن عندما تكون الأوضاع مائلة نحو "الرواق"، بيصير الواحد متل الوضع. هلأ عم نشتغل. منذ سنة، سنتين، نعمل في ظروف "عاطلة كتير". لكن نعمل على مشاريع صغيرة قدر الإمكان، لا تكون فيها مغامرات. نعزف في أماكن يرتادها 100 شخص، مثلاً. لكن معظم العمل في التأليف. ونلعب موسيقى فقط لنبقى قادرين أن نجمع أربعة أو خمسة موسيقيّين ونجد كل أسبوع أو اثنين مكاناً صغيراً لنعزف فيه، يعرف عنها الناس عبر الـ "sms" أحياناً، لا إعلانات حتى. - في فيلم "همسات" لمارون بغدادي، تقول بأنّ الأشياء في الحرب تكون أوضح، هل تعني الانقسامات، الصح والخطأ؟ مزبوط. الناس يكونون أكثر صراحة أيضاً. يعني عم يعبّروا عن شو حاسّين أكتر من وقت السلم والكذب.
- قمت بتأليف موسيقى تصويرية لأفلام مثل "وقائع العام المقبل"، "نهلة"، "طيارة من ورق"... من أحسن الأفلام كان "وقائع العام المقبل" لسمير ذكرى، لكنّه لم يكن شعبياً، ولم يُعرض في لبنان، لا أعرف لماذا. ليس من السهل إيجاده. فيلم "نهلة"، أقدم فيلم في الحرب. فيه خرجت أغنية "وحدن" لأوّل مرة، كان طولها دقيقة واحدة. رونزا طنب غنّت عن الممثلة. وأغنية "خدني معك يا حب" أيضاً، والتي غنّتها لطيفة لاحقاً. ستكون كل هذه الأمور مرفوعةً على الموقع الرسمي، لأنّ كميّة الأمور المطبوعة لا تشكّل أكثر من ثلاثين في المئة ممّا ألفته. كلّها طلعت أشياء لا تهمّ المنتجين ليطبعوها. موسيقى فيلم "طيارة من ورق" لرندا الشهال، الله يرحمها، وكان قد ربح جوائزاً، لا تهمّ موسيقاه أحداً. وهناك قبله فيلم "متحضّرات" لرندا، عملت على موسيقاه. لكنّه لم يُعرَض أصلاً، لأن جميل السيد منع عرضه بسبب جملة اعتبر أنّها تحوي شتائم "طائفية". عرض للصحافيين، ولم ينزل إلى الصالات. موسيقاه مشغولة بآلات قليلة، لكن بطريقةٍ جيّدة. - هل يختلف تأليف الموسيقى للصورة عن التأليف دون قيود القصة والمشهدية؟ لا يختلف كثيراً بالنسبة لي. ليش ليكذّب الواحد، أحياناً يكون هناك قطع موجودة، يعطونك فيلماً، نسمعهم الموسيقى، هل هي مناسبة؟ بيقولولك إي هيدي فظيعة معمولة ع القدّ. بتكون معمولة مش لوَلا سبب، بس بتزبط، لأنّ الموسيقى مطاطة كثيراً. مثال على ذلك، إذا استمعت إلى قطعة موسيقية اسمها "الخريف"، لكنّك لا تعرفين عنوانها، وقيل لك إنّها "الربيع"، فستعطيك انطباعاً بأنّها الربيع. لا أستطيع أن أثبت لكِ أنّها الخريف، هذا ما أقصده بأن الموسيقى مطاطة. وإذا أتينا بثلاثة أو أربعة موسيقيين وطلبنا منهم التأليف للصورة نفسها، من الممكن أن يخرجوا بنتائج قريبة أو بنتائج مختلفة بعيدة تماماً. - في أسطوانة "كيفك إنتَ" يوجد تراك عبارة عن تسجيل لبروفة الأغنية. في أغنية "سلّملي عليه" تقول فيروز: "أنا عم غنّي المذهب، ولمّا بغنّي ردّوا عليه". هل هذه الإضافات هي إضافات مقصودة، بغرض تقريب فيروز من الناس؟ بروفة "كيفك إنت" أخدت شغل قدّ الأسطوانة كلّها، لأنّ فيروز لا تتكلّم. لم تكن مقصودة كثيراً، لكن ممكن أن نقول ذلك. عم نقول عم نسجّل، وهيدي غنية مش مأساة يعني. لم يكن هناك سبب غير أن يسمع الناس فيروز قليلاً وهي على طبيعتها، لأنّها لا تطل في الإعلام. ليسمعوها تتكلّم. وهي ما معها خبر، سمّعتها ياها بس خلصت، وأخدت معي وقت منيح، كلّها قص وتلزيق لأنّو. كانت تسجّل صوتها على الأغنية، وقمت بأمور عدّة كي لا تنتبه هي، وكي تضطر للتكلّم. أسألها: "كيف سامعة حالك؟"، فتجاوب. جلست كمهندس صوت معها، وقلت لجوزف سمور، رحمه الله، خلّيك أنا بسجّلها اليوم، لأنه كان سيُتفضح، فأبقيت مسجّلة جانباً وغطّيتها. ثمّ صرت أسألها: "منيح هيك؟"، فتقول لي: "إي، إي تمام". أنا لم يكن صوتي مسموعاً في التسجيل، فأعدت تسجيل كلامي لاحقاً، عندما خرجت هي، وألصقته. شو المفاجأة، إنو بس سمّعتا ياهن، ولا كلمة هي، قاعدة، صارت تتبسّم وتجرّب تخبّي.. إنو عجبتها وما بدها تقول، بس خلصت قالت لي: "بتعرف كانت بتطلع أحسن لو عارفة". قلت لها: "والله؟"، وأنا عارفها ما بتحكي كلمة ع الميكروفون. مثلاً تقول "مرّق" مش "مرّق الشريط"، بتصير تختصر. عندها انطباع إنو حتى أنا ممكن سجّلها شي برّاني، ما بتأمّن لحدا يعني. فنفدت فيها هي وقتها. في وقت ما تقول: "في من مجاميعو"، وهي تضحك. لا أحد ولا أنا فهم ما تقصده، لكنه كان عكس صورتها عموماً. حتى قليل ما عندها صورة مبتسمة فيروز. - هذا يعطي صورةً أقرب وأكثر حميميّةً عنها أمام الناس، كأنّها تجلس معهم. نعم، وهذا كان في وقت يوجد حملة على الكلام، وعلى "كيفك إنت" تحديداً. اتّهمونا بأننا أدخلنا كلاماً مسفّاً. كلمة "كيفك إنت" عملوا عليها قصّة. كيف بتقول شي زقاقي لهالدرجة، هيك سمّوه وهيك انكتب بصحف. وبما أنّنا كنّا متهمين في كل الأحوال، اسمعوها كيف تتكلّم أيضاً. كانت هذه ممنوعات، إحدى الجرائد كتبت أنّ الأغنية تشجّع على الخيانة الزوجية. يا خيي قصّة هيدي كلها، غنيّة، وفي غنيّة تانية بتصير ملكة بترا، هي ذاتها. - دائماً ما يُقال بأنّك "مثيرٌ للجدل". بعض الأشخاص يسمعون كلمة ويبدأون بنقلها عن بعض. بدنا نشوف أول واحد قايلها ليه قايلها. جدّ، في ناس بيجي سلف بيقلّك: "إنت مثير للجدل". وين سامعها هيدي؟ - هل يكون الحب بمثالية أغنية مثل "بلا ولا شي" مثلاً، التي يحبها الناس كثيراً؟ أنا بحسّها مزبوطة. لو كانت الحياة بهذه البساطة، لكانت المشاكل أقل. بالنهاية، شخصين بدّن يعيشوا مع بعضن رح يكونوا مع بعض بتكّة، بوضع كتير حميم، رح يكونوا بلا كل شي. غريبة هذه الأغنية، عندما أدّيناها في سوريا، اشتهرت في لبنان. عندما ذهبنا في العام 2008، كانوا قد وضعوا لائحة بأغانٍ يتمنون أن نضمّنها الحفل، وكانت على رأس اللائحة. سألتهم لماذا، فقالوا إنّ هذه الأغنية يطلبها الناس في كلّ الأعراس هناك. هذا في الوقت الذي أتى إليّ أحدهم في لبنان، منذ سنتين فقط، ليقول لي: "السنة أحسن غنيتين عاملهم هنّي سلّملي عليه وبلا ولا شي". شو بدك تقوليله؟ يا ريت ما قلّلي عن هالنوع من الإعجاب. - الجمهور السوري هو الأقرب إلى أعمالك وأعمال فيروز؟ أكيد. الأقرب لشغل الرحابنة. علاقتهم بالموسيقى كلها، يوجد دولة ويوجد معهد. يسمعون فيروز في كل مكان.
زياد وبيروت
- قدمت إليها في عمر السابعة عشرة، كما قمت بنقل نفوسي إلى هنا، وانتبهت بعد 30 عاماً أنّني عشت هنا أكثر بكثير من أنطلياس. انتظرت سنتين حتى تمّ نقل النفوس، يدرسون ديموغرافياً التوازن الطائفي، وأنا شخص واحد! يعني زاد واحد روم أرثوذكس على منطقة راس بيروت، بدن يشوفوا كيف بدي أثّر ع التعايش، والله العظيم، شي ما بيتصدق. نعم، متعبة الحياة في بيروت، لكن محيط الحيّ هنا كتير لذيذ، مخلوط كتير، وفي ناس بقيت ما تركت كل الحرب. - قال زياد مرّة: "أنا ما عم جرب غيّر البلد ولا عم جرّب غيّر شي، أنا عم جرّب بس ما خلّي هالبلد يغيرني. هيدي وحدها إذا بتزبط معي يعني انتصار لنفسي أولاً". زياد لا يريد أن تغيّره البلد، ويضيف: استأجرت خارج بيروت، لأنّني شعرت أنّها ممكن أن تغيّر. حسيت إنو رح بلّش صير كذّاب، بتقولي هي الكذبة بتمرقيها، والموبايل بيعوّد عالكذب كمان. تقول هذه كذبة بيضاء، 3-4 كذبات بيض بعدين بيبلّش يغيّر لونهم. استأجرت خارج بيروت، في الجبل، أفضل بكثير. أولاً لا يوجد زحمة ناس كما هنا، ولا يأتون ليطرقوا الباب بلا موعد.
الأخلاق والحب
عن التعبير الأمثل عن الأخلاق، يقول الرحباني: آه صعبة، القاعدة الأساس. في الفلسفة يقولون لنا هناك أنا والآخرون. الأخلاق قاعدة الأساس التي لا يختلف عليها الماديون ولا الروحيون ولا غيرهم. وإلا يأكل الناس بعضهم البعض. إذا أردت أن تصفي لبنان لأجنبي، لنخبره شو إشبو البلد، كارثة إنو نخبره عن الوضع، ومن وين بدك تبلّشي، بتقوليله: "الأخلاق". لأنها مشتركة في كل المجالات. المشترك الفاشل هو الأخلاق. ناس متل سليم الحص مثلاً بتلاقيهن بيغيبوا وبيرجعوا، وإذا بدن يحكوا شي، بيبلشوا بهَي. بتحسيهن عم يوعظوا، بس مزبوط. لا يوجد شيء آخر يسبب ما نراه. يعني قليلة السيارة الوحيدة اللي بتوقّفلك إذا طالعة من صفّة هي اللي بدها تصف محلّك؟ ثم عن التعبير الأمثل عن الحبّ، يجيب تلقائياً: والله، ما فيني قلّك شي. كنت أعرف كذا تعبير، طلعوا كلّن ما بيطعموا خبز. لكن الأكيد أن الحياة بتكون أحسن بوجوده. شي بحسّه متل الخبز والمي المفروض يكون، بس أنا الحمد لله ماشي ريجيم. وبيصير ينغرم بالجملة الواحد، للحاجة لأن يحب، بيصير مين ما شاف بيقول آه هيدا هوّي. كل إنسان يعيش الوحدة أو الفراغ في مرحلة ما، يصير يُغرم بأكثر من شخص بالوقت نفسه.
البيانيست زياد الرحباني
نذكّر زياد بما قاله للجمهور في حفلة صور، بشيء من الانفعال: "أنا مش فرخ البط عوّام، ولا مسبّع القارات.. بتمنّى بس دقّ ع هالبيانو". عن أمنيته الحقّة، يقول: كان طموحي بداية الحرب أن أصبح "بيانيست"، وليس مؤلفاً. كنا نصيّف في بكفيّا، كان جارنا يعزف بيانو، كلاسيك، اسمه وليد عقل، رحمه الله. وجار آخر، اسمه وليد حوراني، درس في موسكو. فكان حلمي أن أكون مثلهما وأكمل دراستي في الخارج لأكون عازف بيانو. لم أكن أفكّر بالتأليف حينها. وبعدني لهلأ أكتر شغلة بحسّ فيا، أحسن من التأليف وأقل وجع رأس، هي أنك تعزف مع غيرك، ترافق حدا عم بيغنّي، تعزف مع فرقة. هذا الأمر الأكثر سلاسة. من الناحية العملية، جدّ، نياله اللي بيعرف آلة. لأنه مع آلة لا ينتبه المرء للوقت. أتمنى لو يعرف كل مواطن آلة، أكيد الأزمات بتكون أخفّ عليه. لأنّك تكتشفين أن هذا الأمر، الذي لا أحرف فيه، تفهمه كل الشعوب على بعضها البعض، حتى إن لم يفهموا لغوياً. شغلة منّا هينة.