في الذكرى ال 25 لاستشهاد المفكر حسن حمدان (مهدي عامل)
واحتفالاً بيوم الانتصار لحرية الكلمة والبحث العلمي في العالم العربي
يدعوكم
اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني
ومركز مهدي عامل الثقافي
إلى
لقاء فكري ثقافي تضامني
وذلك نهار الأحد 20 أيار 2012
في قصر الأونيسكو – القاعة الجانبية – الطابق الثاني
البرنامج:
10.30 – 12.30: الندوة الأولى
كلمة اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني (5 دقائق)ـ
كلمة مركز مهدي عامل الثقافي (5 دقائق)
كيف نقرأ مهدي عامل: حسان زيتوني (30 دقيقة)
نص مهدي عامل وما يواجهه راهناً: مصطفى حجازي (30 دقيقة)
منشط وميسر النقاش: د. حسان حمدان
نقاش ومداخلات (40 دقيقة)
1 – 2: زيارة إلى الضريح وإكليل من الورد
3.00 – 5.00: الندوة الثانية
قراءات شعرية لمهدي عامل: سعيد ملاعب (10 دقائق)
الثورات العربية الراهنة ونظرية حركة التحرر الوطني: ألكسندر عمار (30 دقيقة)
مشروع مهدي عامل في عصر جديد: د. مفيد قطيش (30 دقيقة)
نقاش ومداخلات (50 دقيقة)
طرابلس «مدينة المسلمين» أولاً. و«مدينة الثورة السورية» ثانياً. «شاء من شاء وأبى من أبى». على الأجهزة الكفّ عن إيقاف سفينة سلاح هنا، أو ناشط جهادي، هنا أيضاً. فإما أن تكون المدينة منطقة عازلة خدمةً لـ«الثورة» السورية أو لا تكون
غسان سعود
الساعة الواحدة بدأت العملية. خلال ثلاث ساعات تحقّق الهدف: سقطت طرابلس في قبضة من يوصفون في عاصمة الشمال بالسلفيين. لا يتجاوز عدد الإسلاميين المتشددين عشرين في المئة من المقيمين في عاصمة الشمال. لكن، في لحظة تخلٍّ رسمي عن طرابلس، يمكن من يوصفون بالسلفيين أن يفوزوا بكل المدينة. ابن طرابلس، المدير العام للأمن الداخلي، يكرّر منذ عام 2007 عبارة تلخّص الوضع: إذا غابت الدولة، فلن يحتاج أي فريق مسلح إلى أكثر من 70 رجلاً للسيطرة على عاصمة الشمال. هذا ما جرى في الثمانينيات مع حركة التوحيد.
فهمُ ما يحصل هناك يستوجب مقارنة البيان الصادر عن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وبيان وزير الشباب والرياضة فيصل كرامي. دعا الأول إلى «التشدد في ضبط الوضع الأمني وإعادة الهدوء الى المدينة»، بينما ذكّر الثاني بتحذيره منذ «6 أشهر من تردي الوضع الأمني في طرابلس»، مطالباً الحكومة بـ«تغطية الأجهزة الأمنية لتتمكن من القيام بواجباتها»، ليتبين بالتالي أن ميقاتي يود إعادة عقارب الساعة 48 ساعة فقط إلى الوراء، أما كرامي فملّ الهروب الميقاتي إلى الأمام؛ هو المدرك أن التعبئة المذهبية والأمنية التي تشهدها المدينة منذ ستة أشهر ستدفعها إلى الانفجار «إذا مش اليوم بكرا، وإذا مش بكرا اللي بعدو أكيد».
من أحاديث الطرابلسيين يتبين أن النأي الأمني (الفريد من نوعه) بالنفس أسقط القانون وهيبته في المدينة: بإمكانك أن تقتل هنا قتيلاً وتمشي علانية حراً طليقاً في جنازته، إذا سارعت عائلتك إلى التظاهر قبالة محكمة المدينة، أو زارت المدير العام للأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، أو ضمّتك إلى لوائح تيار المستقبل لـ«المستضعفين المستهدفين». العصابات التي تسلب الناس سياراتهم وأشياء أخرى انتشرت. أما المقاتلون السوريون، فيسرحون في المدينة بأموال كثيرة ويمرحون على شاطئها وفي جارتها القلمون. حلّت الأسلحة الرشاشة محل الأمواس في الإشكالات الفردية اليومية. سقطت هيبة القانون ومعه غالبية المؤسسات، ليبقى الجيش الذي يواظب على التذكير بـ«هيبته» كل بضعة أيام، والأمن العام الذي خرج إلى سطح العمل الأمني قبل أسابيع.
وهنا بقية الرواية: «شادي المولوي كان مجرد ذريعة لإيصال رسالة (أذاعتها منسقية تيار المستقبل في المدينة بوضوح لاحقاً)»، يقول أحد المطلعين على ما تشهده المدينة. ويروي المصدر عن تحرك خمس مجموعات انطلاقاً من الواحدة ظهراً بطريقة منظّمة: الأولى تخص الشيخ سالم الرافعي الذي انتقل من العمل الإسلامي في ظل تيار المستقبل إلى قيادة واحدة من أكبر المجموعات الإسلامية في طرابلس وأشدها تأييداً ودعماً (معنوياً أقله) لـ«الجيش السوري الحر». مجموعة الشيخ حسين صباغ. مجموعة عميد حمود التي باتت تضم غالبية المقاتلين المحسوبين على النائب محمد كبارة. مجموعة خالد ضاهر وفيها غالبية المقاتلين العكاريين الإسلاميين المقيمين في طرابلس. ومجموعة «الجيش السوري الحر» التي تتألف من عشرات المقاتلين السوريين الذين تكرر أخيراً ظهورهم علانية مدججين بالأسلحة في شوارع المدينة وخصوصاً في منطقة أبو سمرا.
كان «الاحتجاج» على توقيف المولوي «حضارياً بامتياز» بحسب وصف عضو كتلة المستقبل النائب خالد ضاهر. تعني الـ«حضاري» هنا انتشار مئات المسلحين في مختلف أنحاء المدينة مدججين بالأسلحة الحديثة وأجهزة الاتصال. أما الـ«سلمي» عند النائب العكاري فيبدأ باستعراض الشباب جهوزيتهم العالية من أكياس الرمل التي تمترسوا خلفها في نقاط تماس جديدة، إلى الإطارات في شوارع المدينة، والدراجات النارية التي أتاحت للمسلحين التنقل بين الشوارع التي عزلت عن بعضها البعض بالإطارات المحروقة. (وتأتي صورة المؤسسة اللبنانية للإرسال للطفل الحامل سلاحه لتزيد من رمزية «الحضارية» و«السلمية»). وما يثير شك بعض فاعليات المدينة بالتحضير المسبق لـ«يوم الغضب الطارئ» هو ساحة الاعتصام التي جهزت مسبقاً هي الأخرى بخيمة نصبها الشيخ عمر بكري فستق قبل نحو أسبوع بحجة المطالبة بتسوية أوضاع الإسلاميين الموقوفين الذين لم يحاكموا بعد. هكذا، قبل مغيب الشمس، كان يمكن أهالي المدينة أن يشاهدوا من نوافذ شققهم تحول مدينتهم إلى ملعب، «نظيف» نسبياً، للمسلحين وبالتالي للمعارضة السورية، بعد فشل مساعي إيجاد مناطق عازلة في مكان آخر.
بعد إحكام المسلحين سيطرتهم على المدينة، مترفّعين عن ملاحقة البعثيين والقوميين والعلويين كما جرت العادة، تناسوا أن توقيف الأمن العام للمولوي هو سبب احتجاجهم «العفوي». بدأوا، يتابع أحد الطرابلسيين، معركتهم الحقيقية، مع الجيش، محاولين ضرب آخر من يقف أمام استيلائهم الكامل على المدينة. هكذا بدأت المناوشات التي، رغم تنقلها بين عدة أحياء، حافظت على هويتها: جيش ضد مسلحين يوصفون في طرابلس بالسلفيين (مع العلم بأن بين السلفيين من يدين بشدة ممارسات كهذه). يذكر هنا أن لا علاقة للجيش بالموقوفين الإسلاميين الذين يشكل حقهم بالمحاكمة العادلة جزءاً أساسياً في تعبئة الرأي العام. فالمحكمة العسكرية بتّت غالبية ملفاتها العائدة لهؤلاء. أما المشكلة فتكاد تقتصر على ملفات من أوقفوا في عهدي فؤاد السنيورة وسعد الحريري، الموجودة لدى قاضي التحقيق العدلي، والتي يفترض بالقاضي سعيد ميرزا أن يسرّع آلية بتّها.
وبالتالي، فإن المبررات الجدية التي تجمعت لدى بعض المتابعين الطرابلسيين لما شهدته المدينة تقتصر على نقطتين فقط: الأولى، ترى أن قتال الإسلاميين للجيش هو «نوع من الجهاد». والثانية، تعتبر أن المناوئين للنظام السوري انطلاقاً من لبنان أرادوا إيصال رسالة واضحة لمختلف المعنيين بعد «لطف الله 2» تُفهِمهم أن الأمر في مدينة طرابلس لهم هم، وليس لأي طرف آخر.
يذكر هنا أنه في وقت كان فيه نفير التعبئة يشتد لقتال «الكفار والمرتدين»، وتعلو عبر مكبرات الصوت السيّارة الدعوات إلى أبناء الطائفة السنية من العسكريين ليخلعوا عنهم بزات «الجيش الصليبيّ»، كان بعض مسؤولي تيار المستقبل يقرّون بعجزهم عن التأثير بأي شكل من الأشكال اليوم في التسونامي الإسلامي الذي يجتاح المدينة، مع تأكيد أحد ناشطي المستقبل في دردشة خاصة أن «أصغر شيخ سلفي» موصول جدياً بـ«أخ كريم» في الكويت أو قطر أو السعودية، يملك في جيبه اليوم مالاً أكثر مما في خزنة تيار الحريري بكثير، فضلاً عن أن «أصغر شيخ سلفي» هو من دون شك أكثر ثقافة وطلاقة في الكلام وإتقاناً لتقنيات الحوار وقدرة على الإقناع، من أكبر مفكر في تيار المستقبل. لم تعد طرابلس هي طرابلس منذ أكثر من ستة أشهر. الناس هنا يستيقظون في درعا، يفطرون في بابا عمرو، يصلّون الظهر في حماه، يتغدّون في دمشق، يصلّون المغرب في جبل الزاوية وينامون على موسيقى «وصال» وغيرها من قنوات التعبئة المذهبية.
طال السبت. لم يفض الاجتماع الذي عقد عند المفتي مالك الشعار إلى نتيجة. انتقل ضيوف الشعار إلى منزل النائب محمد كبارة، فاتفق على ذهاب الأخير والنائبين خالد ضاهر ومعين المرعبي إلى ساحة النور ليطلبوا فض الاعتصام. لكن فور وصولهم، اكتشفوا عجزهم عن طلب أي شيء لأن القضية أكبر منهم بكثير، فباركوا المعتصمين وخلع أحد النواب حذاءه لينام في خيمة الاعتصام.
بنتيجة الاتصالات، عادت الأمور إلى حيث الرئيس نجيب ميقاتي يريد، لا كرامي. لن يداهم الجيش منازل من أطلقوا النار عليه، واستخباراته تعرفهم واحداً واحداً. سيبقى السلاح بين الأيادي حراً وطليقاً. لا يريد ميقاتي صداماً يخسّره مجموعة تؤثر اليوم في الرأي العام، ولو كان الحسم يربّحه طرابلسيين كثيرين ملّوا تعطيل التوتر لاقتصاد مدينتهم واستقرارها.
الاثنين ١٤ أيار ٢٠١٢
لن يكون هناك بعد الآن أطفالٌ متسوّلون. القرار اتُّخذ والتساهل ممنوع. لقد عقدت القوى الأمنية العزم لوضع حدّ للظاهرة المجرَّمة قانوناً. تلقت أمر العمليات من وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور، لكن نياتها اصطدمت بحائط الواقع. لا يوجد متّسعٌ من المكان لـ«المجرمين الصغار» في دور رعاية الأطفال!
نانسي رزوق
اعتاد اللبنانيون المشهد. زحمة سير أو إشارة ضوئية حمراء. إذاً، هناك متسوّلون صغار. يرصد هؤلاء تقاطعات الطرق. وما إن يتوقف السير حتى يتحلّق العشرات منهم حول السيارات. يعرضون على سائقيها مسح الزجاج الذي تلتصق وجوههم به. يُتمتمون بعبارات غير مفهومة، لكنهم يبدون كمن حفظها عن ظهر قلب. يرافقون السيارة مع دوران عجلاتها. يُسرعون الخطى كلما ازدادت سرعتها.
وهكذا يظلون يتبعونها حتى تتوارى.
لا يمتهن هؤلاء الصغار التسوّل فقط؛ إذ يبيع بعضهم العلكة والسجائر، الورود وأوراق اليانصيب واللوتو، ويتاجرون بماركات العطور المقلّدة. يتسوّلون حيناً، ويسرقون أحياناً. تصادف بعضهم يبكي، لكن معظمهم يركض هرباً ما إن يلمح عدسة كاميرا أو رجل أمن يقترب من بعيد.
ينشئ أطفال الشوارع ما يشبه الصداقة مع الأرصفة؛ فعلى تقاطع «الشالوحي»، على سبيل المثال، تجلس زينب، ابنة الأحد عشر ربيعاً. تعمل في بيع حلوى «السمسمية». تتسوّل وتبيع السكاكر منذ عدة أعوام. ترافق أخواتها الأربعة في «عملهم» الذي يبدأ من الثامنة صباحاً حتى مغيب الشمس، وتجني يومياً مبلغاً يراوح بين 50 ألفاً و150 ألف ليرة. لا تعلم زينب لماذا لم تقصد المدرسة يوماً. تسمع عنها أحياناً، لكنها تقول إن «العمل أهم». على الجانب المقابل من الطريق، يقف شاب عند نافذة سيارة بتهذيب. يحمل بيده حافظات الطعام وقطع قماش. يدّعي أنه طالب في الجامعة اللبنانية، وأنه ناشط في «حملة الوقوف في وجه البائع السوري». لا اسم للشركة التي يعمل لحسابها طبعاً، وكذلك بالنسبة إلى مصدر بضاعته التي يعرض عليك شراءها بحسم قد يصل إلى 90%.
الشاب والصبية نموذجان لكثيرين يجوبون الشوارع متنقلين من سيارة إلى أخرى. يسعى بعضهم إلى الكسب تحصيلاً لقوت أسرته. وربما، لكسب رضى «الوالد» الذي يراقب عن كثب. القاسم المشترك بينهم واحد: «جميعهم مجبرون على التسول».
في المقلب الآخر، يقف رجل الأمن يترصّد؛ فقد أصدر المدير العام لقوى الأمن الداخلي، اللواء أشرف ريفي، بناءً على توجيهات وزير الداخلية والبلديات العميد مروان شربل، أمراً يقضي بمكافحة تسوّل القاصرين والباعة المتجولين. طلب ريفي من مفارز الاستقصاء التشدّد في التوقيف وإيداعهم المؤسسات الاجتماعية والجمعيات الأهلية المعنية. لكن المشكلة تكمن في صعوبة الانتقال من الجانب النظري إلى التطبيقي. وفي هذا السياق، يكشف مصدر أمني عقبة تحول دون إتمام رجل الأمن لمهمته. يؤكد المصدر أن «عناصر قوى الأمن بدأت بإلقاء القبض على المتسوّلين، لكن لا أمكنة تتسع لهؤلاء أو حتى لجزء قليل منهم». ويروي أن «عناصر أمن أوقفوا سبعة متسولين صغاراً اضطروا إلى أن يحتجزوهم مع البالغين، علماً بأن القانون يحظر ذلك». المسألة لم تنته عند هذا الحد، يكمل قائلاً: «اضطررت إلى إطلاق سراح خمسة منهم بعدما أخبرتني الموظفة في وزارة الشؤون بأن لا أمكنة تتسع لهم».
موقف المصدر الأمني يتقاطع مع رؤية ضابط آخر عمل على مكافحة التسوّل أيضاً. يؤكد الأخير أن «الحل سلّة متكاملة لا يُمكن تجزئته؛ فمسؤولية قوى الأمن تقتصر على سحب الأطفال من الشوارع، لتبدأ مسؤولية وزارة الشؤوون الاجتماعية». ويحمّل الضابط وزارتي الداخلية والشؤون الاجتماعية المسؤولية لإصدار «قرار عشوائي بجمع الأولاد من الشارع من دون دراسة جدية لما قد يترتب عن هذا القرار». وفي سياق تأكيد ما سبق، يتحدث محامون وقضاة عن عقبة تواجههم في قضايا تسول الأطفال بالتحديد تتمثّل بعدم وجود «دار التشغيل» التي نص عليها القانون ليستفيد منها الفقراء من المتشرّدين والمتسولين بعد محاكمتهم.
وزير الشؤون الاجتماعية وائل أبو فاعور، نفى في اتصال مع «الأخبار»، أن يكون لكلام ضابط قوى الأمن أي صلة بالواقع. وأشار إلى أنّ ظاهرة التسوّل «انخفضت بنحو ملحوظ وتراجعت معها نسبة أطفال الشوارع»، لافتاً إلى أن الجمعيات «تقوم بواجبها، رغم أن بعضها غير مجهز لاحتواء هذه الأعداد الهائلة من الأطفال». أبو فاعور تطرّق إلى مشكلة أخرى تبرز لدى التعامل مع أطفال مجهولي الهوية لا يجدون من يسأل عنهم، مشدّداً على أن العمل الأمني والاستقصائي يمثّلان بداية حل المشكلة. ويشير إلى أن «الحل الشافي يكون بمعاقبة البالغين وتجريم المافيا التي تقف وراء هذه الظاهرة»؛ إذ تنص المادتان617 و618 ق.ع.ل. على عقوبة السجن بما لا يقل عن 7 سنوات لكل من دفع قاصراً إلى التسول.
خلاصة أبو فاعور تنحو إلى القول بأن الدولة غير قادرة على استيعاب جميع الأطفال، ولا سيما مع تزايد أعداد النازحين السوريين، مناشداً كلّ مواطن «عدم إعطاء المتسولين المال»، كاشفاً عن «حملة إعلانية ستطلقها الوزارة قريباً لتوعية الأفراد على أن مساعداتهم لهؤلاء الأطفال تصبّ في مصلحة المشغّل والعصابات المنظمة، لا في مصلحة الطفل».
من جهته، يؤكد الأمين العام للمجلس الأعلى للطفولة إيلي مخايل لـ«الأخبار» أن «مكافحة ظاهرة أطفال الشوارع تندرج ضمن سياسة اجتماعية متكاملة»، ويذكر بأن حقوق الطفل لا تقبل الخيار المؤسساتي لأن «إيداع الطفل في مؤسسة وفصله عن أهله هو خيار خاطئ إلا في حالات استثنائية». ويكشف كذلك أنه «رغم وجود قرابة11 مؤسسة تعمل مع الشؤون الاجتماعية، إلا أنها غالباً ما تعاني أزمات مادية، نظراً إلى انخفاض المخصّصات المرصودة لها»، مشيراً إلى أن العمل جارٍ على مشروع كامل لعلاج المشكلة، «ونحن في صدد إرسال خطة وقائية للوزارة ستُعلَن قريباً». وتطمح الخطة إلى وضع المشكلة ضمن الأطر القانونية، مع الارتكاز على نقاط محدّدة كالتدريب المهني وإلزامية التعليم والتأهيل، وتتطرّق كذلك إلى إعادة ضبط الحدود.
الاثنين ١٤ أيار ٢٠١٢
منذ ٦٤ عاماً وفلسطين تعلّمنا كيف نثابر، كيف نجعل من الانتفاضة والمقاومة خبزنا اليومي، علّمتنا ان لا نثق بحكامنا، علمتنا ان الحرية لا تنتجها سوى الشعوب، علمتنا قبل ان نعلم، كيف نقول "الشعب يريد".
ولما بدأت الشعوب العربية بتردادها، عرفنا حينها ان حرية فلسطين هي من حرية الشعوب العربية، عرفنا حينها ان معركتنا مع الاحتلال والامبريالية، هي معركتنا ضد انظمتنا، ضد البؤس والانهزام، ضد العمالة والفقر وضد الاستبداد والديكتاتورية.
فمن المحيط الى الخليج، نرى كيف تخرج النساء والرجال، والاطفال والكهول، يبنون/نين الحرية، يوماً بعد يوم، من المعتقل، الى الساحات، وفي المظاهرات، وفي شهدائهم/ن يبنون تراثاً آخر، تراثاً يتكلّم عن الحرية والعدالة والنضال.
ومن تونس الى مصر وسوريا، الى البحرين واليمن والسعودية، ومن فلسطين الى كل مدينة عربية، المعركة واحدة، معركة الشعوب ضد حكامها وضد الاحتلال والصهيونية.
فما يجمع بين سلامة كيلة ورزان غزاوي وعبد الهادي الخواجة وجميع معتقلي/ات الرأي في السجون العربية، وبين احمد سعدات وبلال دياب وثائر حلاحلة في سجون الاحتلال الاسرائيلي، هو اكبر من السجون التي تحتجزهم/ن، هو مسيرة حرية جميع الشعوب العربية ضد الاستبداد والاحتلال، ما يجمعهم هو النضال، هو عدم المساومة على حق الشعوب بالمقاومة والثورة.
لذا ومن بيروت، نوجه تضامننا مع جميع معتقلي/ات الرأي في سجون انظمة الاستبداد العربي، ومع جميع الاسرى/الاسيرات في سجون الاحتلال الاسرائيلي، لنقول لهم/ن ان حريتنا هي من حريتكم/ن، وندعو جميع الناشطين والناشطات والقوى الى المشاركة في الاعتصام والتحرّك، وذلك نهار الاربعاء ١٦ ايار ٢٠١٢ الساعة الخامسة والنصف بعد الظهر، من امام مبنى المتحف الوطني في بيروت.
الموقعون/ات حسب التسلسل الألفبائي:
اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني - التجمع الديمقراطي العلماني - مجلة الآداب - المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين - مركز الخيام لتأهيل ضحايا التعذيب - المنتدى الاشتراكي – نسوية - ناشطين وناشطات مستقلين/ات.
النسبية..بتستاهل نتحرّك!
إبتدعوا .. هندسوا .. صمّموا .. وصاغوا قوانين انتخابات على أشكال مُتنوّعة طوال عقود من الزمن! أخذوا بعين الاعتبار الألوان والقياسات والأحجام، وقدّموا للشعب اللبناني في كل مرّة، وعلى دفعات، بِدَعاً تنوّعت بتنوع اصطفافاتهم!
حَمَلَ المواطن همّهم وانشغل - رغم واقعه المُترَدِّي - بخلافاتهم، بدل أن يحملوا هُم عنه همومه الكثيرة، فيصيغوا له قوانين تحفظ حريته وتصون حقوقه وتُبعدهُ عن الطائفية وتُمتِّن شعور المواطنية لديه!
حاولوا أن يعالجوا الواقع بحُلولٍ موضعية ذات مُواصفات سياسية فئويّة ضيقة، فظلّ المواطن يدور في فلك كل منهم وفي دائرة مُفرغة عنوانها الترقيع، والترقيع فقط!
انتظرنا، على أمل أن تصبح اختياراتهم أكثر عِلميّة، فتأخذ بعين الاعتبار مصلحة الناخب "المواطن في الدولة"، لا الناخب صاحب المصلحة الفرديّة، فكان انتظارنا بغير جدوى!
نحن مجموعة من القوى المدنية والتقدمية، من المستقلين والناشطين وجمعيات المجتمع المدني ، جئنا اليوم لنطالب بضرورة اقرار نظام التمثيل النسبي ونرفض متابعة العبث بشؤون المواطن باقتراح مشاريع قوانين انتخابات ترقيعيّة.
جئنا نرفع الصوت لنؤكد أنّ قانون الانتخاب هو من أهم القوانين التي تساهم في تطوير أي مجتمع في العالم، فهو المدخل الطبيعي للاصلاح السياسي، اذ انه يؤدي الى تحسين التمثيل الشعبي في الانتخابات العامة. فالشعب هو مصدر السلطات، ولن يكون مصدرا حقيقيا لهذه السلطات من دون آليات فاعلة تضمن له ذلك. فالسلطة التشريعية هي السلطة التي تنتخب رئيس للجمهورية وهي السلطة التي تمنح الثقة للحكومة وتراقب عملها وهي التي تقر الموازنة العامة، التي تختصر الخطة العامة للدولة، وهي السلطة التي تصدر القوانين والتشريعات. فالخلل في تكوين السلطة التشريعية يؤدي الى خلل في كل السلطات لاحقا، ما يؤدي الى خلل عام في البلاد، وهذا ما نشهده منذ عقود يجري في لبنان .
جئنا، ومن خارج البازارات السياسية، لنؤكد أنّ النظام النسبي مع لبنان دائرة واحدة خارج القيد الطائفي ومع إستحداث مجلس للشيوخ هو النظام الأفضل للبنان، وهو النظام الذي يحقق العدالة بين المواطنين اللبنانيين فلا يكون هناك تمييز بين لبناني واخر الا على صعيد الكفاءة والخبرة. ولكن، وللوصول الى هذا الطرح، نقترح مرحلياً إعتماد النظام النسبي مع دوائر متوسطة تشجّع الناخب على أن يختار ممثليه على أساس برامج وليس على أساس المصلحة الفردية الضيقة.
جئنا نؤكد أن النظام النسبي على عكس النظام الأكثري، لا يُلغي صوت أحد بل يمثّل صوت الناخب أفضل تمثيل. ويعطي ممثلي الشعب شرعية التمثيل الحقيقي ما يجعلهم اقوى وقادرين على تجاوز الصعوبات التي تواجههم اثناء قيامهم بواجبهم بشكل افضل.
جئنا لنؤكد أنّ سبب طرحنا للنظام النسبي هو إيماننا بعدالة هذا النظام وإيماننا بأهميّته على صعيد بناء المواطن الفعال الذي ينتخب البرنامج الذي يمثل توجهاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، لا مصلحته الفردية/الزبائنية. نريد نظاما يمكننا من انتقاء ممثلينا ويمكننا من محاسبتهم على الدور الذي قاموا به وعلى احترامهم للتفويض الذي حصلوا عليه من المواطنين الذين انتخبوهم.
نحن مجموعة من المواطنين والمواطنات والجمعيات والحركات المدنية، نرى من واجبنا الدفاع عن مواطنيتنا والمطالبة بعدالة التمثيل خارج المزايدات الطائفية والاصطفافات السياسية.
نلتقي لنؤكد أننا نريد قانونا انتخابيا عصريا:
- يَحترم حقوق المواطن السياسية
- يَمنح الشباب اللبناني بمن هم بين ال 18 وال 21 حق الاقتراع
- يضمن للمغترب اللبناني أمكانية تطبيق حقه في الاقتراع في مكان تواجده
- يَحترم أصحاب الحاجات الإضافية وحقهم بأن يقترعوا باستقلالية وكرامة
- يَضمن سرية الاقتراع
- يحدّ من سطوة المال الانتخابي
- يَمنح جميع المُرشحين مساحات متساوية في الاعلام.
- يُشجع المرأة على الترشح للإنتخابات
وعليه نطالب القوى السياسية بالعمل بجدية من اجل اقرار القانون الافضل ومن دون تسويف وتأجيل، فهُم على معرفة بميزات نظام التمثيل النسبي واننا على تمام اليقين انهم يفصّلون القانون على قياسهم الذي اصبح صغيرا جدا قياسا باحتياجات الوطن والمواطنين.
نحن نلتقي قبل انتهاء المهلة القانونية لتحديد قانون الانتخابات لعام 2013، لنطالب معاً بقانونٍ نسبيٍ عصري وباصلاحات انتخابية بمستوى طموحاتنا.
ولكل هذه الأسباب ندعوكم لمشاركتنا في مسيرة الأحد 13 أيار عند الساعة 12 ظهراً من قرب وزارة الداخلية - الصنائع، مُرورا بالسراي الحكومي نحو البرلمان.
الى الملتقى
بيروت في 08/05/2012
في ندوة نظمها اتحاد الشباب الديموقراطي الأردني، بمناسبة عيد العمال هذا العام، تحدّثتُ عن التحولات الهيكلية التي شهدتها قوة العمل في البلاد، خلال عقد ونيف من النيوليبرالية، مما يطرح، نظرياً ونضالياً، مهمات استراتيجية جديدة على اليسار، وعلى رأسها إحداث وتفعيل منظمات عمالية ملائمة لتلك التحوّلات، مناضلة، ومسيّسة، وتمتلك القدرة على المبادرة الوطنية من خلال استعادة مركزية الهدف الاشتراكي. وقد طالبني مناضلو الاتحاد بتوسيع إطروحتي. وها أنذا أفعل.أعالج هنا، كما هو واضح، الحالة الأردنية، لكن استنتاجاتي، من حيث المبدأ، لا تقتصر على بلدي، على الأقل تلك التي تتعلق بالجوانب النظرية.
لقد شغلت العلاقة بين الطبقة العاملة واليسار والحق في الاشتراكية المساحة التأسيسية في فكر الشهيد مهدي عامل الذي كانت له ميزة رفض الخنوع للمسلمات، والسعي القلق الدائب إلى تأصيل الفكر والحركة والمهمات في سياق نقده للشيوعية العربية. كان مهدي مهجوساً بالأسئلة الجوهرية حول الشرعية التاريخية لقيام حزب شيوعي في بلد لا تتوفر فيه طبقة عاملة حديثة تشكّل الأغلبية والطليعة المجتمعية؛ حزب مَن، إذن، هذا الحزب الشيوعي، ولماذا يوجد إن لم يكن هدفه إقامة الاشتراكية؟ وهل له الحق، في مجتمع فسيفسائي طبقياً، أن يسير نحو الهدف الاشتراكي المرتبط، نظرياً، بالدولة العمالية التي لا بد، وفق ناقد الأنظمة التقدمية الجسور في كتابه الافتتاحي «نمط الإنتاج الكولونيالي»، أن يقودها الحزب الشيوعي؟لن أستعرض، هنا، إجابات مهدي على تلك الأسئلة، ولا نقدي لها. (فعلت ذلك في بحث سبق نشره في العدد الثاني من مجلة الطريق في 1989)، لكنّني أؤكد على المهمة الفكرية الضرورية التي تصدى لها الشهيد، وهي سعيه لتأصيل حق بلداننا التاريخي في الاشتراكية تحت قيادة عمالية.هذا النوع من الكدح الفكري، كان أساسياً في أوساط اليسار في سبعينيات القرن العشرين، على خلفية فشل الأنظمة القومية التقدمية لحقبة الخمسينيات والستينيات، لكنّه انطوى مذ ذاك. مهدي عامل نفسه انشغل، لاحقاً، ببحث «أسباب الحرب الأهلية في لبنان»، ومحاولة فهم «الدولة الطائفية».اليوم، وسط أشكال متصاعدة من التململ العمالي ومساعي اليسار لإعادة تأسيس نفسه ولعب دوره من جديد في خضم انفجار أزمة النظام العربي، تعود الأسئلة النظرية لتطرح نفسها، وإنْ في صيغ وظروف جديدة؛ هل هناك أي شرعية لليسار خارج تمثيل قوة العمل، وخارج الهدف الاشتراكي أو الاشتراكي الديموقراطي؟ والسؤال مطروح، نقضيّاً، على اليسار الليبرالي الباحث عن شرعيته في أولوية الدعم غير المشروط للديموقراطية الليبرالية، كما هو مطروح، نقدياً، على اليسار الماركسي التقليدي الحائر الذي لا يزال في اكتشاف موقعه في الحركة الشعبية العربية الجديدة المنطلقة من انتفاضات 2011.تقودنا التجارب الاشتراكية العديدة والمتنوعة والمجهضة للقرن العشرين، إلى وعي الهدف الاشتراكي كصيرورة نضالية مديدة، تاريخية، مستبعدين النزعات الانقلابية والتعجّل والتجريب، من دون أن نتخلى، لحظة واحدة، عن ذلك الهدف. تفيدنا مركزية الهدف التاريخي، سياسياً، هنا والآن، من خلال استعادة نظرة واقعية للديموقراطية الليبرالية كمنبر نضالي لا كهدف ومثال أعلى.لا أتحدث، هنا، عما يمكن تسميته يساراً ثورياً، بل عن الحركة اليسارية بعامة، بما فيها اليسار القومي واليسار الاشتراكي الديموقراطي. هل يوجد أي مبرر اجتماعي تاريخي ليسار لا يمثّل مصالح العمل في مواجهة الرأسمال، ولا ينطوي برنامجه على مهمات تراكمية نحو صيغة اشتراكية؟بالطبع، يمكن أن نبرّر وجود يساريين في حركة ديموقراطية، لكن ليس وجود اليسار كحزب، كتيار، كمنبر، أو حتى كرؤية، إلا ارتباطاً بحامله الاجتماعي، وهو، هنا، العاملون بأجر، وإلا ارتباطاً بالحق في حكومة تمثلهم، وببرنامج مجتمعي يمثّل مصالحهم، وإلا ارتباطاً بصيرورة تمنح القوة المجتمعية العمالية، الشرعية التاريخية، هي، هنا، الصيرورة الاشتراكية التي تتضمن لحظات مرحلية ومفصلية من مقاومة الكمبرادورية والرأسمالية وكل أشكال الاستغلال والقهر والاستلاب. ولعلّ التشابكات الجيوسياسية لرأس المال المالي في شروط السوق المعولَم، تغنينا عن الكثير من السجال حول ارتباط الصيرورة المجتمعية المعادية للكمبرادورية بصيرورة التحرر الوطني؛ التحرير والاستقلال والسيطرة على الموارد الوطنية والعلاقات الخارجية الخ.نحن، إذن، بصدد الكلام على المرحلة الثانية من حركة التحرر الوطني، والتي سنضيف إليها تواً صفة الاجتماعي. وهي حركة تضم، بالطبع، فئات مجتمعية متنوعة، لكن قلبها يظل عمالياً، وأداتها وقيادتها بالتالي يسارية.لا يمثل اليسار، قوة العمل، بعامة، بل، تحديداً، العمل المأجور مطروحاً منه المستويات الإدارية العليا وما يسمى أرستقراطية العمال. وإلى أواسط التسعينيات، كان الوزن الكمي والنوعي للعمل المأجور الحر في الاقتصاد الأردني، هو الأضعف بين أنماط العمل التي غلب عليها النمط البرجوازي الصغير من المالكين ـ العاملين. وتفسر هذه الواقعة، الشخصية التقليدية لليساري العربي الخاضع لمتلازمة التصلب العقائدي والجمود السياسي. وفيما بعد الاتحاد السوفياتي، بقيت هذه المتلازمة شغّالة، لكن حلت الليبرالية محل «الماركسية اللينينية»، كعقيدة ثابتة.نلاحظ، في المثال الأردني، أنّ حقبة النيوليبرالية التي لم تزد بعد على 15 عاماً، كان لها الفضل في إحداث تغييرات هيكلية في قوة العمل التي أصبح العاملون بأجر يشكلون نحو 84 بالمئة منها (إحصاء 2009)، أي أغلبيتها الساحقة. ويتقاضى هؤلاء أجراً شهرياً بمعدل نحو 600 دولار في القطاع العام، و500 دولار في القطاع الخاص، في حين أنّ معدل خط الفقر يدور حول 700 دولار، ولا يتقاضى سوى نحو 10 بالمئة من العاملين بأجر، أجراً يزيد على خط الفقر هذا.ويواجه جمهور العاملين بأجر هذه المعادلة المضنية من خلال التضامن الأسري بين الزوجين أو العائلة الممتدة وحوالات المغتربين، ولكن، خصوصاً، من خلال آليات ما يعرف بـ«المناورة الاجتماعية»: عمل تجاري أو خدمي صغير أو عمل إضافي عشوائي الخ. وتعرقل هذه الأنماط من الدخول الإضافية، تبلورَ الوعي الاجتماعي السياسي للعاملين بأجر، وتعوق نشاطهم النقابي النضالي ووعيهم بأنفسهم كجزء من الكتلة العمالية. لكن بالنظر إلى ضعف حوالات المغتربين في المحافظات الأردنية، وضحالة السوق المحلي فيها، وخضوع أبنائها لقيود ثقافية تحد من المناورة الاجتماعية، وتنامي مصاعب الفلاحة الصغيرة، فإنّ قوى المعارضة الاجتماعية تتبلور، هنا بالذات، وتتسع وتحتدّ. ففي 2008، كانت نسبة الفقر في العاصمة نحو 8 بالمئة، بينما كانت في العقبة ــ الأكثر تحديثاً! ــ 37 بالمئة، وفي المفرق نحو 28 بالمئة، وفي الكرك نحو 26 بالمئة، وفي الطفيلة ومعان وعجلون نحو 20 بالمئة، وفي الزرقاء نحو 17 بالمئة، وفي البلقاء نحو 14 بالمئة، وفي مادبا وإربد نحو 12 بالمئة. وليس من دون دلالة أنّ الحركة الاجتماعية الراديكالية، إذن، تتركز في المحافظات.عملت التغييرات النيوليبرالية الحادة والسريعة التي شهدها الأردن على تدمير الأنماط التقليدية والوسيطة من العمل المهني والحرفي والتجاري. فقد تآكلت المؤسسات الشخصية والصغيرة لحساب الشركات الكبرى في المهن الجامعية والحرفية والخدمية. كذلك حلت المتاجر الكبرى والسلاسل الكمبرادورية من المولات والمطاعم والصيدليات الخ، محل المنشآت الفردية والعائلية. وأريد أن أتوقف هنا عند ظاهرة تبلتر (من بروليتاريا) المهنيين الجامعيين من أطباء ومهندسين ومحامين وصيادلة ومحاسبين الخ، ممن كانوا يشكلون قوة مجتمعية فاعلة من البرجوازيين الصغار والمتوسطين العاملين لحسابهم في عيادات ومكاتب وصيدليات خاصة الخ. أصبح هؤلاء، اليوم، من الماضي، ولم يبق منهم سوى جيل يتآكل، بينما المتخرجون الجدد في هذه المهن، يعانون البطالة أو يعملون بالأجر لدى الغير في شركات كبرى ومتوسطة رأسمالية، من المستشفيات وسلاسل الصيدليات وشركات المحاماة والهندسة الخ. وباستثناء أبناء البرجوازية، لم يعد المتخرج المهني يأمل في عمل خاص، وقد تحوّلت شروطه ـ ولكن ليس وعيه بعد ـ إلى شروط عامل بأجر، ينافس في سوق عمل شرسة يحرس سطوتها جيش من المتعطلين.هذا هو الأساس في أنّ النقابات المهنية التي كانت فيما مضى مراكز للقوميين واليساريين من البرجوازيين الصغار الأحرار، تحوّلت إلى سيطرة الإسلاميين الذين يتبنون إطاراً ثقافياً رجعياً منبتّ الصلة، كلياً، بالصراع الاجتماعي. هذه النقابات وقعت تحت سيطرة شبكة مصالح أعضائها المتحولين إلى عناصر كمبرادورية. وقد وجدت هذه العناصر أنّ الإسلام السياسي أقدر من المقاربة القومية اليسارية، على إدارة المصالح الكمبرادورية والتناقضات الطبقية داخل النقابات المهنية. وقد دلتنا التجربة الملموسة أنّ النضال اليساري في هذه النقابات ينصرف إما إلى الفشل، وإما إلى الخضوع للتحالفات الكمبرادورية المسيطرة على الجسم المهني.لأسباب تتعلق بممارسة المهنة، سوف يبقى كادحو المهن منتسبين إلى نقاباتهم إلى أن تتحوّل إلى هيئات علمية ـ تقنية ـ مهنية صرف تحت إدارة مجتمعية، لكن، حالياً، فإنّ عشرات الآلاف من العاملين بأجر من الأطباء والمهندسين والمحامين إلخ. هم بلا أطر نقابية عمالية تدافع عن مصالحهم. وعلى هذا الأساس، أقترح قيام اتحاد عمالي مهني يجمع أولئك الكادحين في منظمة تدافع عن مصالحهم كأجراء. وحتى ذاك، ينبغي على اليساريين الدفع نحو تشكيل لجان نقابية في المؤسسات والشركات المهنية.مثال آخر نلاحظه في تبلتر العاملين من المستويات الدنيا والوسطى في المصارف وشركات التأمين والشركات المالية. لقد تحوّل هؤلاء إلى كادحي مكاتب تعلوهم فئة من المديرين التنفيذيين المتمتعين بامتيازات سخية للغاية. لكن لا يزال الفريقان ينتميان إلى نقابة واحدة فقدت انسجامها الاجتماعي، وبالتالي فاعليتها.تتوزّع قوة العمل الأردنية على المجالات التالية: الصناعة والصناعة التحويلية والمناجم نحو 19 بالمئة، والنقل والتخزين نحو 16 بالمئة، أي أنّ 35 بالمئة من قوة العمل الأردنية تعمل في القطاعات العمالية التقليدية، وربما نضيف إليهم، أيضاً، 17 بالمئة من العاملين في التجارة والخدمات والحرف، ليكون المجموع نحو 52 بالمئة. في القطاع الزراعي، يعمل 2 بالمئة فقط. وليس لدينا إحصاء عن نسبة العاملين منهم بأجر، لكن يرجّح أنّهم مزارعون مالكون يشغّلون نحو 27 بالمئة من العمالة الوافدة المصرية كأجراء زراعيين. لقد دمرت النيوليبرالية الزراعة الفلاحية، وأحلّت محلها زراعة الشركات الرأسمالية وزراعة التصدير القائمة على استيراد المدخلات والعمالة. ولذلك، لم يعد هناك في الأردن قضية فلاحين، بل قضية الفلاحة التي، في إحياء أنماطها التقليدية الرفيقة بالبيئة والمعدة للاحتياجات الاستهلاكية الداخلية، مجال خصب لتوليد فرص عمل إنسانية في الريف. وهذه قضية أساسية بالنسبة للكتلة العمالية التي لها مصلحة مباشرة في تأمين سلة غذاء جيدة النوعية ورخيصة الكلفة في آن. وينتظم جمهور الفلاحين المبعَد عن نشاطه التقليدي والمفقَر، في العشائر، كمنظمات سياجتماعية، وأعلى شكل تنظيمي لهذا الجمهور هو الجيش.في القطاعات الحديثة، يعمل نحو 2 بالمئة في قطاع المعلومات والاتصالات، وأكثر من 2 بالمئة بقليل في القطاع العلمي والتقني، ونحو 12 بالمئة في قطاع التعليم. ويعمل نحو 24 بالمئة في الإدارات الحكومية والقوات المسلحة. ولدى تفحّص هذه الفئة الأخيرة، نلاحظ أنّ بين هؤلاء عمالاً بالمعنى التقليدي، ومنهم عمال زراعة ونقل وخدمات، وعاملون في القطاع الصحي والاجتماعي الخ. وقد بدأ الحراك العمالي في صفوف عمال المياومة الحكوميين بالذات منذ 2007، بينما عبّر المتقاعدون العسكريون، منذ 2010، عن تردي دخول ومستوى معيشة العسكريين الذين يمثلون، سياجتماعياً، التجمعات العشائرية في المحافظات.إذن، يتسع مفهوم العمال (نفضل استخدام الكتلة العمالية بدلاً من الطبقة العمالية) ليشمل العاملين بأجر في قطاعات ووظائف عديدة تقليدية ومستحدثة، وتقع كلّها، في بنية اجتماعية عيانية، يولّد العمل المأجور فيها، بترابطه البنيوي، فائض قيمة محسوباً بمعايير هذه البنية الرأسمالية الكمبرادورية، وسمح ويسمح بمراكمة الأرباح المليارية من السوق المحلي من قبل الرأسمال الأجنبي ووكلائه الكمبرادوريين. وذلك عدا النهب بواسطة عمليات الفساد في الخصخصة والمشاريع الكبرى والاستحواذ على الموارد من أرض ومياه ومعادن الخ. ويعي طلائع العمال تشابك الاستغلال والفساد لدى النخب المسيطرة في تكوين ثرواتها، ويطرحون، بالتالي، مهمات إعادة تأميم شركات القطاع العام، بوصفها مهمات عمالية.من الضروري التذكير بأن الحركة الوطنية الأردنية جددت نفسها اعتباراً من 2009، بواسطة العاملين بأجر، كالحركة العمالية الجديدة ـ المتبلورة اليوم في اتحاد النقابات المستقلة ـ وحركة المعلمين وحركة المتقاعدين العسكريين، واعتباراً من 2011، اللجان الشعبية المتكونة من العاملين بأجر من صفوف الشباب والطلاب في المحافظات. ولذلك، اتخذت الحركة الوطنية، مضموناً اجتماعياً صريحاً يتجلى في شعاراتها وبرامجها، مثلما يتجلى في التكوين الطبقي لقياداتها. والتحدي، اليوم، يكمن في إسباغ الوعي العمالي على تلك الحركة، بحيث تغدو الكتلة العمالية عاملاً سياسياً رئيسياً في البلاد.
الأول من أيار: طيف شربل نحّاس في عمان
ترى أصوات ليبرالية أنّ الأول من أيار، يوم العمال، أصبح عيداً فولكلورياً مستمراً، بحكم العادة، من الماضي. لسنوات قليلة خلت، كان من الصعب، مساجلة هذا الرأي، لكن عيد العمال لسنة 2012، كما عشناه في الأردن، جدد قدرتنا على السجال، من موقع عمّالي. إننا إزاء مناسبة حيّة، نضالية.كأنّ شربل نحّاس (انظر حديثه لـ«الأخبار» في 1 أيار 2012، بعنوان « الظروف اليوم سانحة لفعل تغييري»)، كأنّه هو الذي خطّط الفعاليات الأردنية النوعية، عميقة الدلالة، والتي استمرت لثلاثة أيام متتالية، وجرى خلالها الإعلان عن ولادة اتحاد عمالي جديد (من ست نقابات)، هو اتحاد نقابات العمال المستقلة. إعلان تم في أحد ميادين عمان من دون ترخيص، في ممارسة نضالية لحق منصوص عليه في الاتفاقية الدولية رقم 87 لعام 1948. ومن بين النقابات الجديدة المؤسسة للاتحاد الجديد، نقابات غير مرخصة أيضاً، لكنّها فاعلة ومعترف بها سياسياً (وليس قانونياً) وهي تستند في شرعيتها، كالاتحاد، إلى تلك الاتفاقية، أعني نقابة عمال المياومة في القطاع العام.كانت الطلائع العمالية التي قادت، منذ 2009 وحتى اليوم، مئات الإضرابات والاعتصامات والاحتجاجات العمالية، قد يئست، مبكراً، من بيروقراطية الاتحاد العام لنقابات العمال، المتحوّلة، رغم كونها عمالية ومنتخَبة وكون بعضها محسوباً على اليسار، جزءاً من بيروقراطية النظام السياسي. وقد تبيّن للطلائع العمالية الشابة، بالملموس، أنّ شبكة المصالح والمداخلات السياسية والأمنية، تعرقل إصلاح الاتحاد العام، وتحمي بيروقراطيته من إطاحتها. وهو ما طرح، أخيراً، مهمة تأسيس اتحاد عمالي جديد.عملية من هذا النوع تقع في صلب ما سمّيناه «الديموقراطية المضادة»، أي الديموقراطية من تحت، والتي لا تقيّد نفسها بالأنظمة القانونية السياسية المسيطرة، ليس باتجاه الفوضى، ولكن باتجاه كسر المعيقات القائمة في وجه ولادة التنظيمات النقابية والعمالية والشعبية، وتلافي تعليق المهمات النضالية الاجتماعية على تعديلات قانونية تنجزها المداولات البرلمانية المديدة والمعقدة والمقيّدة والجزئية. والاستراتيجية المتبعة هنا، هي خلق وقائع ميدانية تنال الاعتراف المجتمعي والسياسي، وترْك الإطار القانوني القائم ليتدبر أمره في استيعابها.ما هو الجوهري في النقابة العمالية؟ أليس تنظيم العمال، تنظيم الاحتجاجات والاعتصامات والإضرابات والحصول على تلبية المطالب في اتفاقيات جماعية؟ لقد تبيّن، بالمبادرات النضالية، أنّ القيام بهذه المهمات، خارج الأطر النظامية القائمة، ممكن واقعياً. وهكذا، أصبح اتحاد النقابات المستقلة واقعياً أيضاً.ينبغي التأكيد، هنا، أنّ حرية التنظيم النقابي والاحتجاجات العمالية والاتفاقيات الجماعية بين لجان نقابية غير مرخصة من جهة وبين الحكومة أو الشركات، أصبحت ممكنة على خلفيّة الحراك الوطني الشعبي الذي حقق لنفسه حيثية سياسية لم يعد ممكناً تجاوزها، لكنّنا نلاحظ، بالمقابل، أنّ التحركات العمالية الشجاعة التي شهدها الأردن قبل 2011، مثل حركات عمال الميناء والمياومة والمعلمين، أسهمت، بالتراكم أو مباشرة، في ولادة الحراك الشعبي، ومنحته، منذ البداية، مضموناً اجتماعياً.المنظمات المطلبية الجديدة في الأردن لم تقتصر على العاملين، فقد استطاع المتقاعدون العسكريون (نحو 140 الفاً) تشكيل أطر مطلبية نضالية نظمت احتجاجات واعتصامات واستطاعت أن تحصل على الاعتراف السياسي بها وبالتفاوض على مطالبها مع الجهات الحكومية، بينما هنالك محاولات شبيهة لم تتبلور كقوى في صفوف المتقاعدين المدنيين ومتقاعدي الضمان الاجتماعي.مهمة أخرى اقترحها نحّاس في عيد العمال 2012، كانت طلائع من المثقفين اليساريين، بدأ تحقيقها في اليوم نفسه في عمان، تلك الخاصة بـ«دور النخب في إعادة الثقة للعمال»، لكن المعني هنا، فعلياً، هو النخبة اليسارية، وعلى وجه التحديد، النخبة اليسارية الشابة الجديدة التي تسعى إلى بناء منابرها وبرامجها وحركتها خارج الأطر اليسارية القائمة المقيّدة بمنظورها السياسي الليبرالي، واستسلامها لقدرية الرأسمالية النيوليبرالية وتشابك مصالح قياداتها مع النخب المسيطرة.أشير هنا إلى «اتحاد الشباب الديموقراطي» الذي أعاد تكوين نفسه منظمة شبابية يسارية مستقلة، واختار الأول من أيار، أيضاً، للإعلان عن نفسه هيئة مستقلة. وكانت أولى فعالياته المشاركة في دعم قيام اتحاد النقابات المستقلة، وتنظيم ندوات بمناسبة عيد العمال شاركت فيها شخصيات يسارية، في سياق تأسيس خطاب فكري وسياسي ونضالي يمنح الحركة العمالية الصاعدة، الشرعية والدعم والأطر البرامجية.النشاط الرئيسي للطلائع العمالية ومناضلي المنابر اليسارية الجديدة، كان في محيط مبنى إدارة «شركة مناجم الفوسفات» المخصخصة؛ اعتلى عدد من العمال والطلاب سطحه، وأسدلوا العلم الوطني على واجهته، بينما تعالت الهتافات المطالبة بإعادة تأميم الفوسفات الذي يعد الثروة المنجمية والصناعية الأساسية في البلاد، ويقدّر العائد السنوي المنهوب منها بأكثر من مليار دولار.مرة أخرى، شق الهتاف اليساري عنان السماء في عمان: «المناجم للعمال مش لعصابة راس المال».
نقاش مع سعد الله مزرعاني: معركة التحرر الوطني والديمـوقراطية المضادة خلال تظاهرة مطلبية في عمان نهاية الشهر الماضي (أ ف ب)سعدت بتعليق رفيقنا الكبير، سعد الله مزرعاني، على طروحاتي في «الأخبار»، لكنني انزعجتُ لما ظهر في ذلك التعليق من سوء فهم أجبرني على العودة إلى نصوصي، فوجدتها واضحة ومحكمة، ثم أسفتُ لأنّ رفيقنا، في الحقيقة، ساجل فكرة ليست لي، متجاهلاً الاقتراح الحيّ «للديموقراطية المضادة». وما زلت أودّ، بالطبع، أن ينقد ذلك الاقتراح.في الفقرة الأخيرة من تعليقه، خلط الرفيق مزرعاني الأفكار ببعضها، فلم نعد نعرف ما إذا كانت «منجزات الانتخابات البرجوازية» هي التي يراها الرفيق «ذات طبيعة قيمية مطلقة» ام هي «كرامة الإنسان وحقوقه الأولية والطبيعية»؟ أولاً، إنّ منطلق اطروحتي هو إنهاء هذا النوع من الخلط بين الانتخابات التي ليست، كمنجز تاريخي، ذات قيمة مطلقة، كما يرى الليبراليون، بل موقوتة ومرهونة بشروطها الاجتماعية والسياسية العيانية، وبين قيم الكرامة الإنسانية والحريات، بما فيها حرية العقيدة والفكر والثقافة والسلوك الفردي، كما حرية النقد والاحتجاج والتنظيم المدني السلمي الخ. ولا أعتبر هذه، كماركسي، «قيماً طبيعية»، بل مبادئ اجتماعية تقدمية ينبغي الدفاع عنها دائماً، في ظل حكومة برجوازية أو حكومة عمالية اشتراكية.نزع القداسة عن صناديق الاقتراع هو مهمة اساسية لليسار، لا تتعارض مع المشاركة في الانتخابات والنضال البرلماني، ولا تعني إدارة الظهر لهما، بل استخدامهما، دائماً وفي أسوأ الشروط، وفي ظل أسوأ الأنظمة الانتخابية، منابر للدعاية السياسية والتحشيد وبناء القوة التنظيمية والجماهيرية اليسارية. كذلك، فإنّ النضال لتطوير العملية الانتخابية مهمة مطروحة دائماً بما يسمح بتوسيع تمثيل القوى التقدمية في البرلمان.لكن ما ذهبتُ إليه في أطروحتي هو أنّ البرلمانية ليست ولا يمكن أن تكون محور العمل السياسي لليسار حتى في البلدان التي تتيسر فيها، في شروط تاريخية عيانية، فرص الفوز بالأغلبية النيابية. محور العمل اليساري هو تنظيم الكتلة العمالية وتوطيد أجهزتها السياسية وهيئاتها النقابية وبناء وعي جماهيرها التقدمي والدفاع المستمر عن مصالحها ضد كلّ استغلال وكل امتياز وكل قهر، وتطويرها ثقافياً وجمالياً.أرجو أن تكون الالتباسات قد زالت من فهم الرفيق مزرعاني لنصوصي، فلا يعود يرى فيها «تحريضاً لليسار ضد الديموقراطية»! كيف يا رفيق؟ وما الذي، عند اليسار الحالي، ليفعله ضد الديموقراطية؟نحن نتحدث عن ديموقراطية بديلة، مضادة، أي غير مقيّدة بشروط السياسة البرجوازية، ديموقراطية من تحت، مستمرة تؤصّل الحق الاجتماعي في الاحتجاج حتى، بل تحديداً في ظل حكومة اشتراكية، لأنّني، كمادي، لا أركن إلى أخلاقيات اي بيروقراطية في الإدارة، بل إلى قوة التنظيم الشعبي القادر على النقد والاحتجاج ومنع التعديات. لكنّنا اليوم في مرحلة العدوان المستمر للكمبرادورية على الفئات الشعبية، مرحلة الاستيلاء لا على فائض القيمة فقط، بل على الثروات الوطنية والموارد والأرض والمياه الخ.، وهو عدوان من الشراسة والشمول والإحكام والمثابرة، بحيث لا ينفع معه تركه للبيروقراطيات البرلمانية أو النقابية او الحزبية، وإنما على اليسار أن يؤسس للمستغلين والمُضامين شرعية الحق في الاحتجاج، وتنظيم صفوفهم للدفاع عن حقوقهم وكراماتهم. وهذا ما أسميه الديموقراطية المضادة التي استقينا روحها وشكلها من نضال الهيئات الشعبية في المحافظات الأردنية التي لم تتشكل بالتعيين ولا بالانتخاب، بل بالتطوّع لأداء مهمات نضالية اجتماعية، جنباً إلى جنب مع السعي إلى التعبير عن المطالب ذات الطابع الوطني العام. وحركية تشكيل هذه الهيئات هي صيغة أرقى من الانتخاب، لأنّ الموقع القيادي فيها مرتبط بالقدرة النضالية والالتزام السياسي والأخلاقي، وهو موقع غير دائم وغير محصّن، ويتم شطبه فورياً لدى ظهور علامات التراجع عن المبادئ أو حتى التراجع عن المواقف المجمَع عليها، أو حين يظهر التكاسل أو العزوف الخ.وأختم بملاحظتين، الأولى تتعلق بالدولة المدنية العلمانية، التي أراها شرطاً للحريات ــ ومنها حرية العقيدة والسلوك الشخصي ــ ويرى الرفيق مزرعاني في هذا الربط، «إرادوية». كلا، بل هو ربط موضوعي تجريبي. لا ديموقراطية من دون حريات، ولا حريات في ظل صناديق اقتراع تنتج سيطرة فاشية أو دينية او عقيدية شمولية تقترح على الإنسان طعامه ولباسه وشرابه وأفكاره وجمالياته ورغباته الخ.وتتعلق الملاحظة الثانية بما سماه الرفيق «سلبيات الإمبريالية ووكلائها». ليس للإمبرياليين ووكلائهم سلبيات يا رفيق، بل لهم مخالب عدوانية مدججة بالسلاح، ولسنا معهم في سجال، بل في معركة، هي معركة التحرر الوطني الاجتماعي. وهذه المعركة هي السياق الموضوعي للديموقراطية المضادة، بينما يقترح الليبراليون، بمن فيهم «يساريون»، ديموقراطية منفصلة عن سياقها الوطني والاجتماعي، ديموقراطية هي نهاية التاريخ في ظل السيطرة الإمبريالية والكمبرادورية، بل حتى في ظل الاحتلال.
العدد ١٧٠١ الثلاثاء ٨ أيار ٢٠١٢أعلن الرئيس الفرنسي الجديد فرنسوا هولاند أمس، أنه سيبدأ عهده بالتركيز على القضايا الدولية خلال تلبيته عدداً من دعوات القادة الدوليين، وسيعلن في 15 أيار الحالي اسم رئيس حكومته، أي في اليوم نفسه الذي سيتسلم فيه السلطة، ليسدل الفرنسيون الستار نهائياً على حقبة الساركوزية.
وقال هولاند لدى خروجه من مقره العام «في 15 أيار ستعرفون اسم رئيس الوزراء»، موضحاً أنه يعطي الاولوية الآن للملفات الدولية. وتابع الرئيس الفرنسي المنتخب قائلا إنه «خلال الايام القليلة المقبلة سأركز خاصة على الملفات الدولية، لان الكثيرين من رؤساء الدول والحكومات يريدون التعرف إلي وتقديم عدد من الملفات إلي. وعلي الاستماع اليهم». وكان الاشتراكي فرنسوا هولاند قد فاز الاحد الماضي بالدورة الثانية للانتخابات الرئاسية بـ51,62 في المئة من الاصوات فيما نال خصمه نيكولا ساركوزي 48,38 في المئة. وسيشارك هولاند وساركوزي معاً اليوم في الاحتفالات بذكرى انتهاء الحرب العالمية الثانية في الثامن من أيار 1945. واعتبر هولاند ان مشاركته في هذا الاحتفال جنباً الى جنب مع ساركوزي «هي صورة جميلة» تأتي في سياق سعيه الى «المصالحة» بعد انتهاء المعركة الانتخابية.
وتوالت أمس، ردود الفعل المرحبة بفوز الاشتراكي فرنسوا هولاند بالانتخابات الرئاسية الفرنسية، وتلقى الرئيس المنتخب المزيد من برقيات التهنئة من قادة العالم الذين تركزت أنظار الكثيرين من بينهم، ولا سيما الاوروبيين، على مستقبل النمو الاقتصادي في أوروبا في عهد الرئيس الجديد. وصرح هولاند بعد فوزه في تول في وسط فرنسا «مهمتي من الآن فصاعدا إعطاء الهيكلية الاوروبية بعداً من النمو والازدهار والمستقبل»، مضيفا «هذا ما سأقوله بأسرع ما يمكن لشركائنا الاوروبيين وفي مقدمتهم المانيا».
ويبدو أن نداءه لقي أصداء سريعة، فقد صرح وزير الخارجية الالماني غيدو فسترفيلي «سنعمل معا على ميثاق للنمو من أجل أوروبا»، مشيدا بالانتخاب «التاريخي» للاشتراكي هولاند. وشدد الوزير الالماني على ان «علينا الآن تكريس ميثاق للنمو من أجل إيجاد المزيد من التنافسية»، معرباً عن ثقته في أن الصداقة بين فرنسا والمانيا «ستتعزز أكثر». وكانت المستشارة الالمانية انجيلا ميركل قد رفضت لقاء هولاند خلال الحملة الانتخابية وذلك بسبب معارضته معاهدة الانضباط المالي التي تم التفاوض عليها في مطلع العام بدفع من ألمانيا.
لكن ميركل اتصلت هاتفياً مساء الاحد الماضي بهولاند لتهنئته ودعته لزيارة برلين، بحسب بيان لمكتبها أكد أنهما «اتفقا على أهمية العلاقات الوثيقة بين فرنسا والمانيا وأكدا تطلعهما الى تعاون جيد تسوده الثقة». والاثنين سارعت ألمانيا الى طرح شروطها على الرئيس الفرنسي المنتخب مستبعدة أي تفاوض حول اتفاقية الموازنة الاوروبية وأي مبادرة «للنمو بالعجز». وأكد متحدث باسم ميركل انه «ليس ممكنا إعادة التفاوض على اتفاقية الموازنة» التي سبق ان «وقعت عليها 25 من أصل الدول الـ27 الاعضاء في الاتحاد الاوروبي» وترمي الى تعزيز الانضباط في ادارة المالية العامة.
وخارج أوروبا، توالت ايضا ردود الفعل المرحبة، فقد هنأ الرئيس الاميركي باراك أوباما في اتصال هاتفي الرئيس الفرنسي المنتخب ودعاه لزيارة البيت الابيض لعقد اجتماع ثنائي قبل قمتي مجموعة الثماني وحلف شمال الاطلسي اللتين تستضيفهما الولايات المتحدة في غضون أسبوعين. وقال المتحدث باسم البيت الابيض جاي كارني ان «الرئيس أوباما اتصل بالرئيس الفرنسي المنتخب فرانسوا هولاند لتهنئته بعد الاعلان عن نتائج الانتخابات الفرنسية».
وفي تطرقه الى العلاقات بين باريس وواشنطن، قال المتحدث باسم البيت الابيض جاي كارني ان «هذا التحالف يبقى اليوم قويا كما كان عليه الاسبوع الماضي».
وفي موسكو هنأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هولاند، مبديا استعداده للعمل معه. وكتب بوتين في برقية وجهها الى هولاند ونشرتها وكالة «ايتار تاس» ان «المواطنين الفرنسيين وضعوا ثقتهم بك لقيادة البلاد في فترة صعبة ومهمة جدا»، مؤكدا استعداده «للعمل بنشاط» مع الرئيس الفرنسي المنتخب.
وهنأ رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو هولاند، معربا عن أمله في استمرار العلاقات الجيدة بين البلدين. وقال نتنياهو قبل بدء اجتماع الحكومة «أود أن أتقدم بالتهنئة لفرنسوا هولاند لانتخابه رئيسا لفرنسا... العلاقات بين اسرائيل وفرنسا لطالما كانت جيدة وستبقى كذلك»، مضيفا «انني أتطلع قدما للقاء معه لمواصلة هذه العلاقة المهمة ثنائيا ودوليا».
وفي كابول أعلنت وزارة الدفاع الافغانية الاثنين ان القوات الافغانية قادرة على تحمل مسؤولية الامن في العام 2013، مقللة من شأن المخاطر إذا قرر الرئيس الفرنسي المنتخب فرنسوا هولاند سحب قواته البالغ عديدها 3400 عنصر قبل الموعد المحدد. وفرنسا هي الدولة الخامسة من حيث عدد عناصرها في قوات الحلف الاطلسي بزعامة الولايات المتحدة المنتشرة لمحاربة قوات طالبان في أفغانستان.
من جهتها أعربت ايران عن أملها ان يكون انتخاب هولاند مؤشرا لبدء «عهد جديد» من العلاقات مع فرنسا التي تدهورت كثيرا بسبب موقف فرنسا من البرنامج النووي الايراني منذ العام 2007. وصرح المتحدث باسم وزارة الخارجية رامين مهمانبرست لوكالة الانباء الرسمية «نأمل بدء عهد جديد يستند الى الامكانات القائمة بين البلدين»، مؤكدا ان «هزيمة ساركوزي عقاب على فشل سياساته الخاطئة»، ومن بينها «تماشيه مع السياسة الاميركية التي تحد من تأثير فرنسا على الساحة الدولية» و«عدائيته إزاء الجمهورية الاسلامية في ايران». وأضاف المتحدث الايراني «نأمل ان يحاول هولاند تصحيح هذه الاخطاء من خلال سياسته».
من جهة اخرى، توقع رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان ان يطرأ تغيير في العلاقات بين تركيا وفرنسا بعد انتخاب هولاند رئيسا. وصرح اردوغان أمام صحافيين مساء في انقرة قبل ان يتوجه في زيارة الى سلوفينيا «نأمل ان تكون الحقبة المقبلة في فرنسا مختلفة تماما عما سبق على صعيد العلاقات بين تركيا وفرنسا»، معربا عن أمله ألا «تنعكس الرسائل الشعبوية التي أطلقت خلال الحملة الانتخابية في السياسة لان ذلك سينعكس سلبا على العلاقات بين البلدين».
أما دمشق فرحبت على لسان صحيفة مقربة من الحكومة بهزيمة ساركوزي ووزير خارجيته الان جوبيه الذي أعلن أنه لن يترشح للانتخابات التشريعية المقبلة، التي ستشكل على الأرجح هزيمة جديدة ليمين الوسط الفرنسي. وعنونت صحيفة «الوطن» الخاصة والمقربة من السلطات «الثنائي ساركوزي - جوبيه إلى مزبلة التاريخ ... الاشتراكي فرنسوا هولاند رئيسا للجمهورية الفرنسية».
(أ ف ب، رويترز)
سلام مسافر
«قد تبتسمون إذا قلت إننا سنحقق نجاحات كبيرة خلال الفترة المقبلة». هكذا تحدث فلاديمير بوتين أمام أكثر من ألفي ضيف شهدوا مراسم تنصيب الرئيس الرابع لروسيا منذ انفراط عقد الاتحاد السوفياتي، من حيث الترتيب الزمني للدورات الرئاسية، وهو عملياً الثالث لأن بوتين، كان رئيسا لمرتين، قبل أن يتنازل عن المنصب مؤقتا لديميتري ميدفيديف، ليعود أمس مجددا إلى الكرملين من مبنى مجلس الوزراء الذي يطلق عليه الروس اسم «البيت الأبيض» نسبة إلى حجارة الأجر البيضاء بعد سنوات أربع قضاها رئيسا للحكومة وكان خلالها صاحب القول الفصل في مجمل سياسات روسيا الخارجية والداخلية بالرغم من أن ميدفيديف حاول في بعض الأحيان الظهور وكأنه رجل المرحلة وصانع السياسة الخارجية.
بوتين الذي اخترق للمرة الثالثة حشدا من النخبة الروسية، وضيوفا أجانب وسفراء وقادة فرق في الجيش، لم يخطئ في البروتوكول ولم يتأخر دقيقة واحدة عن سيناريو المراسم، فقد اعتاد على البساط الأحمر منذ أن تنازل المخمور الراحل بوريس يلتسين عن رئاسة روسيا لصالح العقيد السابق في الاستخبارات السوفياتية ( كي جي بي).
وعاد بوتين للتذكير بأنه يريد روسيا «قوية على مساحة شاسعة من بحر البلطيق إلى المحيط الهادئ»، كما قال في خطاب التنصيب، مضيفاً أن «كل شيء مرتبط بإمكاناتنا لنصبح زعماء ومركزا لجذب أوراسيا كلها».
ولم يتقيد كبار موظفي الدولة الروسية أصحاب الحظوة في الكرملين، والمدعوين إلى حفل التنصيب، بالبروتوكول، فمدوا أياديهم لمصافحة بوتين بعدما أدى القسم الدستورية على أنغام الأناشيد الوطنية السوفياتية.
وعلى غير عادته ، ارتبك بوتين أمام غابة الأيادي الساعية لمصافحته، فنسي أن يقبل لودميلا، شريكة حياته التي غابت عن أضواء الكاميرات منذ سنوات، لكنه تدارك الموقف، وقفل عائدا ليطبع قبلة مرتبكة على وجه لم تظهر عليه علامات المسرة، قبل ان يعاجلها بأخرى لعقيلة الرئيس المنتهية ولايته ديميتري ميدفيديف. ثم كرر المشهد أمام عدسات الصحافيين في باحة الكرملين بعد مراسم تسلم قيادة كتيبة الكرملين العسكرية .
وبدا واضحا أن فلاديمير بوتين الذي تنهش أسرته شائعات الطلاق أراد أن ينفي ما تتناقله صحف الإثارة، والتي كان بعض من رؤساء تحرريها ومعلقيها الأشد انتقادا لسياسات بوتين بين الحضور في حفل التنصيب.
وتحدثت تقارير عن محاولة بضع مئات من المعارضين الخروج في تظاهرة احتجاج امتدادا لتظاهرة أمس الأول، والتي أطلق عليها منظموها اسم «تظاهرة الملايين» ضد عودة بوتين إلى الكرملين، وقد حشدت اقل من مئة ألف متظاهر وفق مصادر متطابقة، وانتهت باعتقال قادة المعارضة غير الرسمية أو غير المنتظمة، ومن بينهم نائب رئيس الوزراء السابق بوريس نيمتسوف، وزعيم ما يعرف بجبهة اليسار سيرغي اودالسوف، ورئيس حركة «روسبيل» لمكافحة الفساد المدوّن الكسي نوفالني، وهم سيقضون عطلة احتفالات اعياد النصر في التوقيف الاداري بتهمة تدبير اعمال شغب .
وقبل ان يصل الى مكتبه في الكرملين اصدر بوتين مرسوما بتعيين سلفه في الرئاسة ديميتري ميدفيديف رئيسا للحكومة المقبلة. وبذلك يكون الثنائي الحاكم وفيا لسيناريو تبادل المواقع، الأمر الذي يعتبره المعارضون كارثة على روسيا، وعودة للدكتاتورية، وينعتون بوتين بالقيصر وبالطاغية. فيما يؤمن ناخبو بوتين وانصاره ومريدوه ان الحائز على لقب «ماستر» في لعبة الجودو، والحاصل على حزامها الاسود، اكثر اللاعبين في روسيا قدرة على قيادة البلاد نحو مزيد من الاستقرار. استقرار يرى فيه الليبراليون علامات الجمود والتخلف، ويؤكد اصحاب الحظوة في الكرملين الذين كانت اياديهم تسعى نحو بوتين وهو يخترق صفوف المهنئين على البساط الاحمر انها افضل انجاز للرئيس الرابع لروسيا، فلاديمير بوتين الثالث.
وبعد ساعات من عودته إلى الكرملين، وقع بوتين سلسلة مراسيم تتعلق بتحديث القوات المسلحة والاستثمارات وطوابير الانتظار في المكاتب الإدارية.
وقع الرئيس الروسي مرسوماً ينص على أن موسكو ستسعى لتوثيق علاقاتها مع الولايات المتحدة، لكنها لن تتهاون في التدخل في شؤونها وأنها تريد «ضمانات أكيدة» على أن الدرع الصاروخية الأميركية ليست موجهة ضد روسيا.
كذلك، كلف بوتين وزارة الخارجية، وعبر مرسوم رئاسي، بضرورة العمل على تخطي الأزمات الداخلية في بلدان الشرق الأوسط عبر وقف العنف أياً كان مصدره. ويجب على وزارة الخارجية الروسية، حسب المرسوم، بذل الجهود لتخطي الأزمات الداخلية في دول هذه المنطقة بما فيه من خلال إجراء حوار وطني شامل من دون شروط مسبقة «وعلى أسس احترام السيادة والاستقلال وعدم التدخل في شؤونها الداخلية».
وفي أول ردود الفعل الدولية على تولي بوتين مهام الرئاسة، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، نقلاً عن الرئيس هو جينتاو، إن «الجانب الصيني يعتقد أن الشعب الروسي سيحقق إنجازات أكبر في عملية التنمية الوطنية خلال المرحلة المقبلة»، مشدداً على أن الشراكة بين موسكو وبكين «ستحقق تقدماً جديداً وتفيد البلدين والشعبين، فضلاً عن الإسهام في مزيد من السلام والأمن والاستقرار في المنطقة والعالم».
وهنأ الرئيس السوري بشار الأسد بوتين على توليه منصب الرئاسة. وذكرت وكالة الأنباء السورية «سانا» أن الأسد «عبّر عن خالص تهانيه القلبية للرئيس بوتين متمنياً له النجاح والتوفيق في تحمل مسؤولياته الرفيعة وللشعب الروسي الصديق المزيد من التقدم والازدهار».
السفير: اعتبرت قوى المعارضة البحرينية أن اعتقال الناشط الحقوقي البارز نبيل رجب مساء السبت الماضي جزء من «التصعيد الممنهج» من قبل السلطة «لسياسة الاستبداد والقمع»، مؤكدة أن ذلك لن يحول دون استمرار «ثورة 14 فبراير» والحراك الشعبي المطالب بالديموقراطية، ومشددة على «افتقار» الحكومة البحرينية للشرعية.
وقال عضو مركز البحرين لحقوق الإنسان، الذي يرأسه نبيل رجب، سيد يوسف المحافظة، إن الشرطة ألقت القبض على نبيل رجب خلال عودته إلى البلاد من بيروت مساء السبت الماضي.
وأضاف «ألقت الشرطة القبض عليه قرب باب الطائرة. قالوا إن معهم أمر اعتقال من مكتب المدعي العام... سمح له بالاتصال بأفراد أسرته بعد الاعتقال الذي تم أمس لكن ليس بإمكانهم مقابلته».
وقال المحافظة ان رجب مثل امام المحكمة أمس الأول، بناء على اتهامات سابقة بالدعوة إلى احتجاجات غير مصرح بها والمشاركة فيها. وأضاف المحافظة «لا نعلم بعد ما هي الاتهامات الجديدة.»
واصبح رجب واحدا من اشهر الناشطين على الانترنت في العالم العربي وتضم صفحته على موقع «تويتر» 140 الف متابع.
وفي بيان نشر على الانترنت أكدت وزارة الداخلية البحرينية اعتقال رجب «لارتكابه عددا من الجرائم التي يعاقب عليها القانون». ولم يذكر البيان المزيد من التفاصيل.
وفي بيان لها، أعلنت جمعيات المعارضة البحرينية أن قوى المعارضة «تتوقف عند التصعيد الممنهج عبر اعتقال الشخصية الحقوقية الدولية نبيل رجب رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان (المنحل) ورئيس مركز الخليج لحقوق الإنسان على خلفية تغريداته في (تويتر) وهو ما يؤكد غياب حرية الرأي والتعبير عن البحرين. وإذ تعبر قوى المعارضة عن تضامنها الكامل مع نبيل رجب وتطالب بإطلاق سراحه فوراً باعتباره سجين رأي، فإنها تحذر النظام من التمادي في سياسة اعتقال الشخصيات السياسية والحقوقية المعبرة عن الموقف الشعبي لما يتضمنه ذلك من رد فعل شعبي عفوي ضد هذه السياسات الاستبدادية».
وشددت قوى المعارضة على أن «اعتقال نبيل رجب والقيادات السياسية والحقوقية الأخرى لن يوقف ثورة 14 فبراير والحراك الشعبي المستمر لأكثر من عام والمطالب بالديموقراطية يكشف القناع الاستبدادي لهذا النظام ويجعل من تدخل المجتمع الدولي ضرورياً للضغط عليه من اجل لجم نهجه التسلطي القمعي واحترام تعهداته المحلية والدولية والعودة إلى الحوار لحل الأزمة السياسية».
وشهدت مناطق عديدة في البحرين تظاهرات امس، احتجاجا على اعتقال رجب وطالبت بالإفراج الفوري عنه.
(«السفير»، رويترز، أ ف ب)
مكتب المخدرات «يصفّي» مطلوباً وعائلته
«مجزرة» قتل أحد المطلوبين بتهمة الاتجار بالمخدرات وأفراد عائلته، على أيدي عناصر
مكتب مكافحة المخدرات، أثارت تساؤلات كبيرة في مدينة الهرمل عن ملابساتها، وخصوصاً أن المطلوب كان قد اعتقل قبل أشهر وأطلق في فضيحة رشوة طاولت أحد الرؤوس الأمنية
وفيق قانصوه
«اعتقلوك ثم أطلقوا سراحك برشوة ثم اغتالوك». لافتة ارتفعت على مدخل مدينة الهرمل إثر عملية «تصفية» لا تخلو من «نَفَس ميليشيوي» ارتكبها عناصر مكتب مكافحة المخدرات في حق أحد المطلوبين بتهمة الاتجار بالمخدرات وأفراد عائلته مساء السبت الماضي. العملية أثارت غضباً عارماً في المدينة وبين عشائرها وعائلاتها؛ إذ إن المطلوب حسن علي أسعد علّوه، بحسب كثيرين من أهالي الهرمل، لم يكن متوارياً عن الأنظار، وكان دائم التنقل على مرأى من القوى الأمنية في المنطقة، وكثيراً ما كان يُشاهد في بعض المقاهي برفقة بعض رجال التحري.
واللافت أن علّوه كان قد ألقي القبض عليه قبل أشهر، لكنه ما لبث أن أُطلق سراحه بعد عملية رشوة بلغت قيمتها 50 ألف دولار، أدى انكشافها إلى وقف أحد ضباط استخبارات الجيش عن عمله والتحقيق معه مسلكياً.
واتهمت مصادر في عائلة القتيل مكتب مكافحة المخدرات بـ«تصفية» علّوه؛ «لأن القبض عليه حيّاً كان سيطيح رؤوساً أمنية كبيرة». وقالت: «كان حسن علّوه مطلوباً ميتاً لا حيّاً». وأوضحت أن القتيل كان في حال «استرخاء أمني»، إذ إنه كان متوجّهاً برفقة أفراد عائلته وعاملة من مدغشقر إلى أحد محال الحلويات. وتساءلت: «لماذا لم يعمد العناصر الأمنيون إلى إطلاق النار على إطارات السيارة لتعطيلها ومحاصرة من فيها، ولماذا نقل علّوه بعد إصابته إلى مستشفى رياق الذي يبعد نحو 70 كيلومتراً عن الهرمل، فيما بعض المستشفيات لا يبعد أكثر من 500 متر عن موقع الكمين؟». كذلك أشارت إلى أن المصابين في السيارة المستهدفة تُركوا ينزفون أكثر من نصف ساعة قبل أن ينقلهم شبان من المنطقة إلى المستشفى.
وأوضحت ريما دندش، زوجة القتيل التي أصيبت في خاصرتها، أن أربع سيارات اعترضت سيارة علّوه، وبادر مدنيون ترجّلوا منها بإطلاق النار على السيارة ومن فيها من دون سابق إنذار، رغم أن زوجها أبدى استعداده لتسليم نفسه لتفادي تعريض عائلته للخطر، لكن العناصر تجاهلوا صراخه وواصلوا إطلاق النار بغزارة، ما أدى إلى مقتل والدة زوجته والعاملة المدغشقرية على الفور، فيما أصيب هو بجروح خطرة. وأضافت: «بعدما سحبوا زوجي من السيارة سمعت أحد الأمنيين يأمر العناصر بأن يجهزوا على من في السيارة، فتظاهرت بالموت. بعدها أخذوا ثلاثة أجهزة هاتف خلوية كانت في السيارة ورشاش كلاشنيكوف أطلقوا منه رشقاً نارياً من داخل السيارة».
المعلومات المستقاة من زوجة القتيل ومن أفراد أسرته تتناقض في أكثر من مفصل مع الرواية الرسمية التي أشارت إلى أنه «أثناء قيام قوة من مكتب مكافحة المخدرات في وحدة الشرطة القضائية، بدورية في منطقة الهرمل، اشتبهت في محلة الشواغير قرب جسر العاصي بسيارة مرسيدس 500 لونها كحلي ومن دون لوحات، وعند شروع عناصر الدورية بتخفيف السرعة للتأكد ممّن بداخلها، بادر المطلوب حسن علّوه، أحد أخطر المطلوبين إلى إطلاق النار بغزارة باتجاه الدورية، حيث أصيب رتيبان من عناصرها، فردت القوة بالمثل في محاولة لإجلاء الجريحين وتوقيف الفاعل، وأدى ذلك إلى إصابة مَن كان في سيارة المرسيدس، وهم حسن علّوه (مطلوب بـ 97 مذكرة عدلية وأحكام قضائية بجرائم تجارة وترويج وتعاطي مخدرات، تجارة وحيازة أسلحة حربية، سرقة سيارات ومقاومة رجال قوى الأمن وإطلاق نار عليهم ونحو 83 مذكرة عدلية كانت قد سقطت بمرور الزمن وأُعيد إحياؤها بسبب استمراره بتجارة المخدرات)، نهلا غريب (والدة زوجته)، عاملة إثيوبية مجهولة الهوية (توفوا متأثرين بجراحهم بعد نقلهم إلى المستشفيات)، وزوجته ريما علي دندش التي نقلت إلى أحد المستشفيات للمعالجة».
وأضاف البيان أنه بتاريخ 28/04/2012 وفي محلة الدورة في بيروت، وأثناء قيام دورية من مكتب مكافحة المخدرات المركزي بمطاردة علّوه، بادر بإطلاق النار باتجاه الدورية وفرّ مع مَن كان معه إلى جهةٍ مجهولة». ونبّهت المديرية «المطلوبين كافة إلى أن انتقالهم مع أهلهم أو أصدقائهم، سواء للحماية أو للتمويه يجعل منهم دروعاً بشرية وضحايا أبرياء»!
نائب المنطقة عن كتلة «الوفاء للمقاومة» نوار الساحلي، طالب بـ«تحقيق شفّاف تحت سقف القانون» في العملية، مشدداً على أن من غير المقبول إطلاق النار على النساء تحت ستار ملاحقة مطلوبين. وشدّد على «أننا مع مع إلقاء القبض على المطلوبين ودهم أوكارهم، ولكن من غير المقبول استباحة حرمات الناس وتعريض النساء والأبرياء للخطر تحت هذا الستار». ودان ما ورد في بيان المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي عن تحذير المطلوبين من أن التنقل مع أهلهم يجعلهم دروعاً بشرية، مشيراً إلى أن علّوه لم «يكن متوارياً، وكان يمكن القوى الأمنية توقيفه بأكثر من طريقة، لا بعملية أقرب ما تكون إلى الأساليب الميليشيوية».
وقد خيّم توتر شديد في اليومين الماضيين على الهرمل، التي شهدت أمس إضراباً شاملاً استنكاراً للحادث، شمل المؤسسات الرسمية والمدارس والمصارف والمحال التجارية. وشُيّع الضحايا بمشاركة مئات من أبناء المنطقة تتقدمهم فاعليات دينية وسياسية وبلدية وحزبية ووجهاء العشائر والعائلات وسط أجواء من الحزن والاستنكار. وعقد أول من أمس لقاء لعشائر المدينة وعائلاتها شُدِّد خلاله على «استنكار الجريمة والمطالبة بفتح تحقيق عادل ومحاسبة المرتكبين».
كذلك دفع الحادث وزارة الداخلية والبلديات إلى إرجاء الانتخابات البلدية الفرعية التي كانت مقررة في بلدة الشواغير في قضاء الهرمل.
الثلاثاء ٨ أيار ٢٠١٢