سلام مسافر
«قد تبتسمون إذا قلت إننا سنحقق نجاحات كبيرة خلال الفترة المقبلة». هكذا تحدث فلاديمير بوتين أمام أكثر من ألفي ضيف شهدوا مراسم تنصيب الرئيس الرابع لروسيا منذ انفراط عقد الاتحاد السوفياتي، من حيث الترتيب الزمني للدورات الرئاسية، وهو عملياً الثالث لأن بوتين، كان رئيسا لمرتين، قبل أن يتنازل عن المنصب مؤقتا لديميتري ميدفيديف، ليعود أمس مجددا إلى الكرملين من مبنى مجلس الوزراء الذي يطلق عليه الروس اسم «البيت الأبيض» نسبة إلى حجارة الأجر البيضاء بعد سنوات أربع قضاها رئيسا للحكومة وكان خلالها صاحب القول الفصل في مجمل سياسات روسيا الخارجية والداخلية بالرغم من أن ميدفيديف حاول في بعض الأحيان الظهور وكأنه رجل المرحلة وصانع السياسة الخارجية.
بوتين الذي اخترق للمرة الثالثة حشدا من النخبة الروسية، وضيوفا أجانب وسفراء وقادة فرق في الجيش، لم يخطئ في البروتوكول ولم يتأخر دقيقة واحدة عن سيناريو المراسم، فقد اعتاد على البساط الأحمر منذ أن تنازل المخمور الراحل بوريس يلتسين عن رئاسة روسيا لصالح العقيد السابق في الاستخبارات السوفياتية ( كي جي بي).
وعاد بوتين للتذكير بأنه يريد روسيا «قوية على مساحة شاسعة من بحر البلطيق إلى المحيط الهادئ»، كما قال في خطاب التنصيب، مضيفاً أن «كل شيء مرتبط بإمكاناتنا لنصبح زعماء ومركزا لجذب أوراسيا كلها».
ولم يتقيد كبار موظفي الدولة الروسية أصحاب الحظوة في الكرملين، والمدعوين إلى حفل التنصيب، بالبروتوكول، فمدوا أياديهم لمصافحة بوتين بعدما أدى القسم الدستورية على أنغام الأناشيد الوطنية السوفياتية.
وعلى غير عادته ، ارتبك بوتين أمام غابة الأيادي الساعية لمصافحته، فنسي أن يقبل لودميلا، شريكة حياته التي غابت عن أضواء الكاميرات منذ سنوات، لكنه تدارك الموقف، وقفل عائدا ليطبع قبلة مرتبكة على وجه لم تظهر عليه علامات المسرة، قبل ان يعاجلها بأخرى لعقيلة الرئيس المنتهية ولايته ديميتري ميدفيديف. ثم كرر المشهد أمام عدسات الصحافيين في باحة الكرملين بعد مراسم تسلم قيادة كتيبة الكرملين العسكرية .
وبدا واضحا أن فلاديمير بوتين الذي تنهش أسرته شائعات الطلاق أراد أن ينفي ما تتناقله صحف الإثارة، والتي كان بعض من رؤساء تحرريها ومعلقيها الأشد انتقادا لسياسات بوتين بين الحضور في حفل التنصيب.
وتحدثت تقارير عن محاولة بضع مئات من المعارضين الخروج في تظاهرة احتجاج امتدادا لتظاهرة أمس الأول، والتي أطلق عليها منظموها اسم «تظاهرة الملايين» ضد عودة بوتين إلى الكرملين، وقد حشدت اقل من مئة ألف متظاهر وفق مصادر متطابقة، وانتهت باعتقال قادة المعارضة غير الرسمية أو غير المنتظمة، ومن بينهم نائب رئيس الوزراء السابق بوريس نيمتسوف، وزعيم ما يعرف بجبهة اليسار سيرغي اودالسوف، ورئيس حركة «روسبيل» لمكافحة الفساد المدوّن الكسي نوفالني، وهم سيقضون عطلة احتفالات اعياد النصر في التوقيف الاداري بتهمة تدبير اعمال شغب .
وقبل ان يصل الى مكتبه في الكرملين اصدر بوتين مرسوما بتعيين سلفه في الرئاسة ديميتري ميدفيديف رئيسا للحكومة المقبلة. وبذلك يكون الثنائي الحاكم وفيا لسيناريو تبادل المواقع، الأمر الذي يعتبره المعارضون كارثة على روسيا، وعودة للدكتاتورية، وينعتون بوتين بالقيصر وبالطاغية. فيما يؤمن ناخبو بوتين وانصاره ومريدوه ان الحائز على لقب «ماستر» في لعبة الجودو، والحاصل على حزامها الاسود، اكثر اللاعبين في روسيا قدرة على قيادة البلاد نحو مزيد من الاستقرار. استقرار يرى فيه الليبراليون علامات الجمود والتخلف، ويؤكد اصحاب الحظوة في الكرملين الذين كانت اياديهم تسعى نحو بوتين وهو يخترق صفوف المهنئين على البساط الاحمر انها افضل انجاز للرئيس الرابع لروسيا، فلاديمير بوتين الثالث.
وبعد ساعات من عودته إلى الكرملين، وقع بوتين سلسلة مراسيم تتعلق بتحديث القوات المسلحة والاستثمارات وطوابير الانتظار في المكاتب الإدارية.
وقع الرئيس الروسي مرسوماً ينص على أن موسكو ستسعى لتوثيق علاقاتها مع الولايات المتحدة، لكنها لن تتهاون في التدخل في شؤونها وأنها تريد «ضمانات أكيدة» على أن الدرع الصاروخية الأميركية ليست موجهة ضد روسيا.
كذلك، كلف بوتين وزارة الخارجية، وعبر مرسوم رئاسي، بضرورة العمل على تخطي الأزمات الداخلية في بلدان الشرق الأوسط عبر وقف العنف أياً كان مصدره. ويجب على وزارة الخارجية الروسية، حسب المرسوم، بذل الجهود لتخطي الأزمات الداخلية في دول هذه المنطقة بما فيه من خلال إجراء حوار وطني شامل من دون شروط مسبقة «وعلى أسس احترام السيادة والاستقلال وعدم التدخل في شؤونها الداخلية».
وفي أول ردود الفعل الدولية على تولي بوتين مهام الرئاسة، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، نقلاً عن الرئيس هو جينتاو، إن «الجانب الصيني يعتقد أن الشعب الروسي سيحقق إنجازات أكبر في عملية التنمية الوطنية خلال المرحلة المقبلة»، مشدداً على أن الشراكة بين موسكو وبكين «ستحقق تقدماً جديداً وتفيد البلدين والشعبين، فضلاً عن الإسهام في مزيد من السلام والأمن والاستقرار في المنطقة والعالم».
وهنأ الرئيس السوري بشار الأسد بوتين على توليه منصب الرئاسة. وذكرت وكالة الأنباء السورية «سانا» أن الأسد «عبّر عن خالص تهانيه القلبية للرئيس بوتين متمنياً له النجاح والتوفيق في تحمل مسؤولياته الرفيعة وللشعب الروسي الصديق المزيد من التقدم والازدهار».