مكتب المخدرات «يصفّي» مطلوباً وعائلته
«مجزرة» قتل أحد المطلوبين بتهمة الاتجار بالمخدرات وأفراد عائلته، على أيدي عناصر
مكتب مكافحة المخدرات، أثارت تساؤلات كبيرة في مدينة الهرمل عن ملابساتها، وخصوصاً أن المطلوب كان قد اعتقل قبل أشهر وأطلق في فضيحة رشوة طاولت أحد الرؤوس الأمنية
وفيق قانصوه
«اعتقلوك ثم أطلقوا سراحك برشوة ثم اغتالوك». لافتة ارتفعت على مدخل مدينة الهرمل إثر عملية «تصفية» لا تخلو من «نَفَس ميليشيوي» ارتكبها عناصر مكتب مكافحة المخدرات في حق أحد المطلوبين بتهمة الاتجار بالمخدرات وأفراد عائلته مساء السبت الماضي. العملية أثارت غضباً عارماً في المدينة وبين عشائرها وعائلاتها؛ إذ إن المطلوب حسن علي أسعد علّوه، بحسب كثيرين من أهالي الهرمل، لم يكن متوارياً عن الأنظار، وكان دائم التنقل على مرأى من القوى الأمنية في المنطقة، وكثيراً ما كان يُشاهد في بعض المقاهي برفقة بعض رجال التحري.
واللافت أن علّوه كان قد ألقي القبض عليه قبل أشهر، لكنه ما لبث أن أُطلق سراحه بعد عملية رشوة بلغت قيمتها 50 ألف دولار، أدى انكشافها إلى وقف أحد ضباط استخبارات الجيش عن عمله والتحقيق معه مسلكياً.
واتهمت مصادر في عائلة القتيل مكتب مكافحة المخدرات بـ«تصفية» علّوه؛ «لأن القبض عليه حيّاً كان سيطيح رؤوساً أمنية كبيرة». وقالت: «كان حسن علّوه مطلوباً ميتاً لا حيّاً». وأوضحت أن القتيل كان في حال «استرخاء أمني»، إذ إنه كان متوجّهاً برفقة أفراد عائلته وعاملة من مدغشقر إلى أحد محال الحلويات. وتساءلت: «لماذا لم يعمد العناصر الأمنيون إلى إطلاق النار على إطارات السيارة لتعطيلها ومحاصرة من فيها، ولماذا نقل علّوه بعد إصابته إلى مستشفى رياق الذي يبعد نحو 70 كيلومتراً عن الهرمل، فيما بعض المستشفيات لا يبعد أكثر من 500 متر عن موقع الكمين؟». كذلك أشارت إلى أن المصابين في السيارة المستهدفة تُركوا ينزفون أكثر من نصف ساعة قبل أن ينقلهم شبان من المنطقة إلى المستشفى.
وأوضحت ريما دندش، زوجة القتيل التي أصيبت في خاصرتها، أن أربع سيارات اعترضت سيارة علّوه، وبادر مدنيون ترجّلوا منها بإطلاق النار على السيارة ومن فيها من دون سابق إنذار، رغم أن زوجها أبدى استعداده لتسليم نفسه لتفادي تعريض عائلته للخطر، لكن العناصر تجاهلوا صراخه وواصلوا إطلاق النار بغزارة، ما أدى إلى مقتل والدة زوجته والعاملة المدغشقرية على الفور، فيما أصيب هو بجروح خطرة. وأضافت: «بعدما سحبوا زوجي من السيارة سمعت أحد الأمنيين يأمر العناصر بأن يجهزوا على من في السيارة، فتظاهرت بالموت. بعدها أخذوا ثلاثة أجهزة هاتف خلوية كانت في السيارة ورشاش كلاشنيكوف أطلقوا منه رشقاً نارياً من داخل السيارة».
المعلومات المستقاة من زوجة القتيل ومن أفراد أسرته تتناقض في أكثر من مفصل مع الرواية الرسمية التي أشارت إلى أنه «أثناء قيام قوة من مكتب مكافحة المخدرات في وحدة الشرطة القضائية، بدورية في منطقة الهرمل، اشتبهت في محلة الشواغير قرب جسر العاصي بسيارة مرسيدس 500 لونها كحلي ومن دون لوحات، وعند شروع عناصر الدورية بتخفيف السرعة للتأكد ممّن بداخلها، بادر المطلوب حسن علّوه، أحد أخطر المطلوبين إلى إطلاق النار بغزارة باتجاه الدورية، حيث أصيب رتيبان من عناصرها، فردت القوة بالمثل في محاولة لإجلاء الجريحين وتوقيف الفاعل، وأدى ذلك إلى إصابة مَن كان في سيارة المرسيدس، وهم حسن علّوه (مطلوب بـ 97 مذكرة عدلية وأحكام قضائية بجرائم تجارة وترويج وتعاطي مخدرات، تجارة وحيازة أسلحة حربية، سرقة سيارات ومقاومة رجال قوى الأمن وإطلاق نار عليهم ونحو 83 مذكرة عدلية كانت قد سقطت بمرور الزمن وأُعيد إحياؤها بسبب استمراره بتجارة المخدرات)، نهلا غريب (والدة زوجته)، عاملة إثيوبية مجهولة الهوية (توفوا متأثرين بجراحهم بعد نقلهم إلى المستشفيات)، وزوجته ريما علي دندش التي نقلت إلى أحد المستشفيات للمعالجة».
وأضاف البيان أنه بتاريخ 28/04/2012 وفي محلة الدورة في بيروت، وأثناء قيام دورية من مكتب مكافحة المخدرات المركزي بمطاردة علّوه، بادر بإطلاق النار باتجاه الدورية وفرّ مع مَن كان معه إلى جهةٍ مجهولة». ونبّهت المديرية «المطلوبين كافة إلى أن انتقالهم مع أهلهم أو أصدقائهم، سواء للحماية أو للتمويه يجعل منهم دروعاً بشرية وضحايا أبرياء»!
نائب المنطقة عن كتلة «الوفاء للمقاومة» نوار الساحلي، طالب بـ«تحقيق شفّاف تحت سقف القانون» في العملية، مشدداً على أن من غير المقبول إطلاق النار على النساء تحت ستار ملاحقة مطلوبين. وشدّد على «أننا مع مع إلقاء القبض على المطلوبين ودهم أوكارهم، ولكن من غير المقبول استباحة حرمات الناس وتعريض النساء والأبرياء للخطر تحت هذا الستار». ودان ما ورد في بيان المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي عن تحذير المطلوبين من أن التنقل مع أهلهم يجعلهم دروعاً بشرية، مشيراً إلى أن علّوه لم «يكن متوارياً، وكان يمكن القوى الأمنية توقيفه بأكثر من طريقة، لا بعملية أقرب ما تكون إلى الأساليب الميليشيوية».
وقد خيّم توتر شديد في اليومين الماضيين على الهرمل، التي شهدت أمس إضراباً شاملاً استنكاراً للحادث، شمل المؤسسات الرسمية والمدارس والمصارف والمحال التجارية. وشُيّع الضحايا بمشاركة مئات من أبناء المنطقة تتقدمهم فاعليات دينية وسياسية وبلدية وحزبية ووجهاء العشائر والعائلات وسط أجواء من الحزن والاستنكار. وعقد أول من أمس لقاء لعشائر المدينة وعائلاتها شُدِّد خلاله على «استنكار الجريمة والمطالبة بفتح تحقيق عادل ومحاسبة المرتكبين».
كذلك دفع الحادث وزارة الداخلية والبلديات إلى إرجاء الانتخابات البلدية الفرعية التي كانت مقررة في بلدة الشواغير في قضاء الهرمل.
الثلاثاء ٨ أيار ٢٠١٢