جعفر العطارالوجوه ذاتها التي توافدت إلى السفارة التونسية بدعوة من تجمعات يسارية متنوعة، منذ أن أشعل بوعزيزي النار في جسده قبل شهر تقريباً، اتفقت على اللقاء قبالة السفارة المصرية، يومي أمس وأمس الأول. لمّا وقف هؤلاء أمام سفارة تونس، كانوا يحملون أحلامهم في قلوب خائفة تراهن على تحقيق العدالة. كانوا يقولون عبارة واحدة «ثورة.. ثورة.. حتى النصر».الوجوه ذاتها التي رفع أصحابها قبضات عالية في الهواء، وأعلاماً حمراء، وشعارات ثورية، انتقلوا إلى سفارة أخرى، كأنهم ينتقلون إلى بلادها: يقولون للشعب المصري الثائر إنهم يقفون إلى جانبهم. يشاركونهم برفض الظلم والفقر. يقولون: «قم يا محمد.. قم با بولس.. بكرة مصر ح تبقى تونس»...الوجوه ذاتها، وقد انضم إليها آخرون، وغاب عنها كثيرون، وقفت تهتف في بيروت لنصرة شعب مصر، تحت المبنى المكلل بالعلم المهيب لجمهورية مصر العربية، في الشارع المقابل للحيّ الشهير الذي استضاف على امتداد سنوات خلال القرن الماضي، الثورة الفلسطينية، قضية العرب المركزية، برموزها وتقلباتها.تحت المطر، تظاهر مؤمنون بالـ«البهية»، بينهم لبنانيون وبينهم مصريون جاؤوا على أمل أن يتمكنوا من المشاركة، ولو من هنا، إخوانهم الذين هناك، الانتفاضة على الظلم.تلك لم تكن دموع فرح.مصباح بدوي، الرجل الثلاثيني الذي وقف يراقب الجموع المحتشدة قبالة مبنى السفارة المصرية، كان يبكي بصمت، وقد وقف إلى جانبه شاب عشريني اسمه محمد سيف. كان مصباح يبدو كمن يصرخ باكياً.قبل ثماني سنوات، تخرّج مصباح من كلية الحقوق في القاهرة. الشاب الأسمر كان يحلم، كبقية زملائه، بأن يفتتح مكتباً للمحاماة. كان يحلم. ولمّا استيقظ من الحلم، التحق بركب أترابه من قرية كفر الشيخ، متوجهاً إلى لبنان.«ثورة.. ثورة حتى النصر، في كل شوارع مصر» يردد المحتشدون بصوت مدوٍّ، لكن مصباح متوجس من «الثورة». يشرح أنه خائف من «اللي بيحصل. فين الأمن؟؟ الرّيس بقول يا أنا يا الفوضى! هوّا بيحرق مصر، ما يفلّ بقى! ما حدّش عايزو! هوّ ما عندوش كرامة ولّا إيه؟!».كُره مصباح للنظام المصري، بكافة رموزه، كسر الحاجز الذي يسكنه ما إن انتفضت الناس في مصر: «لقد تغرّبت عن أهلي بسببهم. تعلّمت، والآن أعمل نقّاش (دهّان). كل ده بسبب طاغية اسمه حسني مبارك»، يتحمس شاب يقف إلى جانبه ويقول مستطرداً «مبارك سينام في خيمة في السعودية، وليس في قصر، لأن بن علي سبقه».تتردد في الأفق شعارات كثيرة، باللكنة المصرية، مطالبةً الرئيس حسني مبارك بالرحيل. الصحافي التونسي منصف بن علي وصل للتوّ، وقد سبقه إدريس المليتي، الذي أصبح «رمزاً» للثورة التونسية في لبنان. علما مصر وتونس يرفرفان في الهواء الطلق، وبينهما صور للزعيم الراحل جمال عبد الناصر، والثائر الأممي أرنستو تشي غيفارا.أمس الأول، طغت أعداد اللبنانيين على أعداد المصريين، فهؤلاء لم يعرفوا بخبر الاعتصام. أما أمس، فقد كان الحضور الأول والأخير لهم: «ارحل رحل يا عميل.. إنت بعت فلسطين» كانوا يرددون بغضب عارم. المصريون الغاضبون لا يريدون لمبارك أن يرحل فحسب، بل أن يُحاكم على ثلاثين عاماً من «الحكم الظالم الذي تقاسمه مع ابنه جمال ورموز النظام الفاسد. فالرّيس لم يحجب عنا العيش (الخبز) فقط، وإنما باع فلسطين لإسرائيل أيضاً. جعلنا نبكي في منازلنا على أهلنا في غزة» يقول «شحاتة» الذي ثبت على صدره لافتة تقول «بحبك يا مصر».يبدأ الحديث، مع المصريين، بهدوء يروم شرح ما يدور في صدورهم إزاء الأحداث الراهنة، لكن الغضب سرعان ما يمتلك المتحدثين، غبن السنوات الطوال يخرج في لحظات، بكلمات صارخة، حانقة، كانت مدفونة وممنوعة من الخروج إلى العلن خوفاً وظلماً. في مصر، كما في تونس، كما في دول العرب كافة، خوف وظلم ينتظران من يكسر الصمت والتمرد على الطاغية، كل على «طاغيته».بهدوء، يقول محمد، الطالب الجامعي الذي وصل إلى بيروت آتياً من المنصورة قبل شهر، إن «في لبنان توجد حرية تعبير مقابل انعدام وجود الأمن. وفي سوريا، ثمة مستوى مقبول من الأمن والمعيشة، لكن من دون وجود حرية. أما «في مصر، فلا يوجد لا هذا ولا ذاك. والناس سئمت، وملّت، فانتفضت».يُكسر الهدوء، ويخرج محمد عن تحفظه متسائلاً: «المضحك المبكي في الموضوع هو أن نسبة 95 في المئة من ممثلي الشعب هم من الحزب الحاكم، فكيف لهم المطالبة بحقوقنا؟ وأين المليون و200 ألف عنصر من الأمن المركزي؟».يتفق مصباح ومحمد، ومعهما «الحاج الشافعي» المصري المقيم في صيدا منذ أربعة عقود، على أن الفلتان الأمني المترافق مع الانتفاضة الشعبية، مرده أن مبارك نفذ خطة تشبه خطة الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي تتمثل في إطلاق سراح المسجونين بتهم خطيرة، وتوجيههم لافتعال أعمال السرقة والشغب، كي تعبّر الناس عن حاجتها للأمن، وبغية الوقوف ضد المحتجين.غير أن الخطة، كما يقول المصريون الثلاثة، لن تؤت ثمارها، لأن المحتجين، والأهالي، كما كل الناس، باتوا على علم ودراية بما يحصل، فشكلوا لجاناً شعبية في الأحياء تعمل على حراسة العمارات والأملاك الخاصة. لقد شكّلوا، وفقاً لتوصيف محمد، «بوليس» شعبياً لقمع التعدّيات «هذه هي مصر» يقول بحماسة متزنة.ترتفع، من بين الحشود، لافتة تحمل صورة لعبد الناصر مصافحاً غيفارا، تدانيها صورة لمبارك مصافحاً نتنياهو. وثمة عبارة تتوسط الصورتان «الفارق.. الكرامة».تنتقل الحشود من أمام السياج الذي وقف خلفه عناصر قوات مدرعة من الأمن، إلى الرصيف المحاذي للشارع العام. يبقى رجل أربعيني واقف ومعه علم كبير يطل منه وجه غيفارا.يحرّك الرجل العلم يمنة ويسرة، بقوة ساعد تشبه ساعد لاعب كرة المضرب، فيما رجال الأمن يسخرون منه ضاحكين. يستكمل الرجل حركته، بقوة أكبر، تزامناً مع ارتفاع دوّي الشعارات الثورية، متجاهلاً ضحكات «الأمن». وبحركة سريعة، يولي الرجل ظهره لهؤلاء، مستكملاً «طقسه» الذي اختاره لنفسه.يقول صديق محمد، وهو شاب تخرّج من كلية الزراعة في القاهرة، إن الفساد في مصر يبدأ من العسكر وينتهي في الزراعة. يستشهد الشاب بحادثة لا ينفك عن استذكارها وقعت قبل عشر سنوات: «لقد زفّ لنا الدكتور في الكلية الزراعية آنذاك عبد السلام جمعة، خبر استنباطه لصنف من أصناف القمح يولّد 270 حبة قمح، فيما السنبلة العادية تولد مئة حبة. كان خبراً خيالياً واكتشافاً رائعاً».وبعدما سجّل الدكتور تفاصيل مشروعه في المراكز المعنية، عرف طلابه أنه توقف عن مهنة التعليم، وصار موظفاً كبيراً في إحدى الوزارات، تزامناً مع «دفن» مشروعه في أدراج الدولة. يعتبر الشاب أن «الولايات المتحدة الأميركية لا تريد لنا أن نصدّر القمح، بل أن نستورده دائماً. وهي إرادة رموز السلطة في مصر أيضاً، وهذا نموذج زراعي فقط». ملاحظة: متخرج كلية الزراعة يعمل، في لبنان، «نقاشاً» أيضاً، أي «دهّان».يصرخ المتظاهرون، بصوت متقطّع، «الشعب.. يريد.. إسقاط النظام». تختفي السيارات من البقعة المربعة، ويتبين أن القوى الأمنية أحكمت إغلاق المنفذ المؤدي إلى المدينة الرياضية من جهة «الكولا». يهتف المتظاهرون، بشعار آخر: «حسني مبارك يا واطي.. إنت بنيت السدّ الواطي. وعبد الناصر يا عالي.. إنت بنيت السدّ العالي».يقول كل من باسم شيت، وهو من منظمي الاعتصام، ورنا الحركة الناشطة في «اتحاد الشباب الديموقراطي»، إن «الشارع اللبناني لم يكن مستوعباً لثورة تونس في بداياتها، أما الآن فبدا متحمساً لما يحصل في مصر، خصوصاً أن سقوط النظام المصري له تأثير مغاير على كل الشعوب العربية».يحمل إدريس لافتة صغيرة، كُتب عليها بخط محترف «فرحانين، فرحانين. كل ثورة وإحنا دايمن فرحانين. طلاب، وعمال، وفلاحين». كأنما الثورة، التي دفعت الطالب التونسي للبكاء منذ أن أضرم البوعزيزي النار في نفسه، صارت واقعاً تتنقل أماكن الاحتفاء به.عندما انتفض الشعب في تونس، كان إدريس مؤمناً بنجاحها. يقول الشاب ان الثورة في تونس بدأت الآن، وهي العبارة ذاتها التي قالها غيفارا بعدما تحررت كوبا من الطاغية باتيستا.يقول إدريس إن «القضية واحدة: مصر وتونس»، فيعلّق شاب مصري قائلاً: «تتردد عبارة طريفة بيننا اليوم، مفادها أنه لو نجح الثائرون في مصر في طرد مبارك خلال الأيام القليلة، فإننا سنتأهل إلى النهائي مع تونس». يقولها مبتسماً ابتسامة متوجسة، ثم يضيف بجدية حماسية «هم السابقون، ونحن اللاحقون...».
النهار: رفع "اتحاد الشباب الديموقراطي اللبناني" وقطاع الشباب والطلاب في الحزب الشيوعي شعار "دافع عن لقمة عيشك"، وانطلقا في مسيرة من منطقة الكولا (ساحة الشهيد جورج حاوي)، مروراً بمار الياس والبسطة، وصولاً الى ساحة رياض الصلح، على "مرمى حجر" من السرايا الحكومية.بعد النشيد الوطني، شدد رئيس الاتحاد علي متيرك على ان التحرك هو "للتعبير عن رفض النظام السياسي الطائفي، ولمصلحة الشعب اللبناني الذي عانى الحرب والتهجير والدمار والضياع ولا يزال، ونتيجة للتحديات الكبيرة والهواجس الكثيرة التي يعيشها المواطن اللبناني بفعل السياسات الاقتصادية التي أنتجت مديونية هائلة تجاوزت كل الخطوط الحمر"، مشيراً الى ان إعادة بناء الوطن واقتصاده "لا يقوم على سياسة الضرائب وخدمة المصارف لاصحاب ذوي النفوذ وضرب القطاعات العامة وتغييب دور الدولة الناظم ومنع الاصلاح الاقتصادي والسياسي وضرب التعليم الرسمي. فأساس اي بناء اقتصادي لا يقوم الا على اعادة الاعتبار للصناعة والزراعة ودعمهما لتوفير استمرارية العمل والعدد الاكبر من الوظائف للشباب اللبناني ووضع حد للهجرة الدائمة".ورأى مسؤول قطاع الشباب في الشيوعي أدهم السيد ان "النظام اللبناني احترف الفتن والحروب الاهلية، وبعد كل جولة من الاقتتال ندخل تسوية شعارها دائما، لا غالب ولا مغلوب، ونجدد لهذا النظام العفن. فمنذ التسوية الكبرى، الطائف، الى تسوية الدوحة الى الـ "سين – سين"، نرى كيف ان القيمين على هذا النظام يتقاسمون الحصص، فلكم الاقتصاد ولنا المقاومة. وهذا الشعار مرفوض وهذه الممارسات في حق المقاومة مرفوضة. المقاومة ليست حصة لأحد، هي ملك لجميع اللبنانيين ويدافع عنها ويحميها ويقف بجانبها جميع اللبنانيين، وانتصاراتها تعني الجميع".
السفير: جعفر العطاركانوا، بالأمس، يثورون على فقرهم كما في كل مسيراتهم. يتظاهرون على رموز نظامهم في بلادهم. لقد ناموا على ثورة في تونس، واستيقظوا على أخرى في مصر، ثم تذكّروا واقعهم كلبنانيين. لكن مسيرة الأمس، لم تكن كسابقاتها: فقد ضمّت المئات من ناشطي «اتحاد الشباب الديموقراطي» يهتفون، في شوارع بيروت «الشعب.. يريد.. إسقاط النظام».في مسيرات الاتحاد الدورية، والتي تنوعت عناوينها بين «أنت في خطر» وبين «دافع عن لقمة عيشك» و«دفاعاً عن الرغيف المسلوب»، كان المارة يقابلونهم بنظرات استغراب وشفقة، كأنهم يقولون لهم «مساكين أنتم. هذا لبناننا وسيبقى هكذا». أما هم، العشرات، فكانوا يبتسمون ابتسامات الطموح، والجموح عن الفساد، والثورة على النظام.بالأمس، انطلقوا من أمام تمثال الشهيد جورج حاوي، وجابوا شوارع بيروت مروراً بمار إلياس، وصولاً إلى مبنى السرايا الحكومية. وقبل يوم واحد، كانوا يشاركون في نصرة الشعب المصري الثائر على نظامه، بشعارات ثورية رفعوها قبالة السفارة المصرية. هناك، طالبوا بـ«العيش»، رغيف خبز المصريين، وهنا يطالبون بخبزهم.من شرفاتهم، أطلّ الأهالي بحثاً عن مصدر الصوت. حيّوا الشبان ولاقوهم. منهم من نزل والتحق بهم، ومنهم من ردّد الشعار «الشعب.. يريد.. إسقاط النظام». المئات يمشون تحت زخات المطر القوية، وهناك سيدات طاعنات في السنّ يوزّعن قصاصات من الورق بعنوان «إلى شباب لبنان».تقول قصاصة الورق المبتلة بالمطر: «لأننا نبحث عن أجوبة حول واقعنا، ولأننا لسنا أبناء طوائف، ولسنا منخرطين في الصراعات المذهبية والطائفية التي لا تخدم إلا الطبقة السياسية الحاكمة، غير العابئة بهموم الناس ومشاغلها الحقيقية، فإننا نبحث عن أفق وإمكانيات تحسينه».محاصرون بالقوى الأمنية، وأمطار غزيرة، استكملوا سيرهم وسط نظرات وزعها المارة، كأنها تتضامن معهم. نظرات أمل زُرع بعد ثورة «الياسمين» وانتفاضة أبناء عبد الناصر. «يكفينا جوع.. ويكفينا ذل» يردّدون، ومعهم رغيف خبز يعلو في الهواء مبتلاً بحبّات المطر.يصدح صوت الزغاريد، متداخلاً مع أصوات الأناشيد الثورية. تدلّ وجوه الشبان على ثقة بالنفس ازدادت إلى رصيدهم، فازدانت بثوب طويل يضمّ المئات. ثوب يستطيع أي «زعيم» لبناني أن يحيك ما هو أكبر منه حجماً، ما إن يرفع قبضته عالياً ليطالب برحيل «زعيم» خصم له. وما إن يرفع قبضته، حتى يضمّ الآلاف في داخله. غير أن مئات الأمس، كانوا يطالبون برحيل كل «الزعماء».ينضم إلى المسيرة، عند مار الياس، شبان مصريون كان قد سبقهم الصحافي التونسي منصف بن علي. تغرورق عينا سيدة أربعينية بالدموع، وقفت للتو عند مدخل مبنى قديم. تقول، بصوت حزين «الله يحميكن». يزداد هطول المطر، وتشتد قوة العواصف، ويزداد معهما عدد المشاركين.ينتصف النهار، مع مرور ساعة من السير. يشبه المشهد، في أسلوب سيرهم وطريقة تعبيرهم عما يعانون وماذا يريدون، مشهد نزول أبناء محافظة سيدي بوزيد في تونس. تصل الحشود إلى النفق المحاذي للسرايا الحكومية، حيث انتشرت عناصر القوى الأمنية بأعداد مضاعفة للمسيرات السابقة. كأنهم كانوا يعرفون بأن ثورة مصر ستدفع بعض من كان يلازم المنازل، إلى النزول إلى الشارع، من دون انتظار تلويحة يد من «الزعيم».يقول رجل ستيني، التحق بالمسيرة من مار الياس، لصديقه: «أبناء الطوائف والمذاهب يلازمون منازلهم، وينتظرون أوامر أحزابهم». يقولها بنبرة تعبّر عن فرحة، كمن يميّز نفسه عن أولئك. يسأل الرجل شاباً عشرينياً: «من سيسقط النظام؟»، فيجيبه مبتسماً «نحن.. نحن!».يطلب أحد منظمي التظاهرة من المتظاهرين، أن يقفوا قبالة نوافذ السرايا «حتى يشاهدونا». يرتفع صوت النشيد اللبناني. ثمة حماسة واضحة على وجوه المشاركين. يتأملون وجوه بعضهم البعض.تبدأ الكلمات، مطالبة «الزعماء» بالرحيل وإلغاء النظام الطائفي. كلمات تتوعد ببناء وطن على ركام «الطغاة». يتحدثون بحماسة تحمل في حروفها ثقة بالنفس وإيماناً بالتغيير. فهؤلاء، تعودوا على النزول إلى الشارع وحدهم، بالعشرات.يقولون إنهم يتحركون «نتيجة للتحدّيات الكبيرة والهواجس الكثيرة التي يعيشها المواطن اللبناني، بفعل السياسات الاقتصادية التي يشوبها الكثير من الخلل، والتي أنتجت مديونية هائلة تجاوزت كل الخطوط الحمر الاقتصادية».من الهمّ اللبناني، انتقلت كلمة «الاتحاد» إلى تونس ومصر: «نجتمع اليوم وفي جعبتنا بعض الرسائل. أولها للوزير الأول الغنّوشي، فنقول له لا مكان أمثالك في تونس بعد الثورة. وثانيها لحسني مبارك. فنسأله ماذا نقول فيك، والرئيس عبد الناصر خرجت لأجله الملايين عندما قرر التنحي عن الحكم، مطالبين بعودته».بالأمس، حملوا رغيف خبزهم، ومشوا في شوارع بيروت. لم يكونوا عشرات. ولم يرددوا اسم «زعيم» ما يزال متربعاً على «عرشه».تنفسوا هواء مصر، وأريج «الياسمين»، فسكنت الحماسة في نفوسهم. رفعوا رغيف خبزهم، ثم حملوه إلى السفارة المصرية، كمن يبحث عن وطن...
"خبز، حرية، كرامة وطنية"، "عيشتوني بالتعتير، ضاريبكم عالفقير/ ما بنخلص من هالحالة/ إلا بتحقيق التغيير"، " يا حكومة جوعتينا/ تنحمل ما عاد فينا/ من الربطة سرقتي رغيف/ وأصلاً ما بتكفينا"، "يا شباب التموا التموا/ بيكفينا فقر وتعتير والدولة بلا ضمير/ بيكفينا ذل وجوع/ وعن مطلبنا ما فيه رجوع" ، "بيقولوا في سرقة كتير/ ما حكموا ولا حرامي/ العامل كيف بدو يرتاح؟هو ورفقيه الفلاح". بهذه الشعارات علّت صرخات الاتحاديون والشيوعيون لتكسر صمت ساحات لبنان الآذارية. حيث نظم قطاع الشباب والطلاب في الحزب الشيوعي اللبناني واتحاد الشباب الديموقراطي اللبناني ، مسيرة حاشدة بعنوان "دافع عن لقمة عيشك"، انطلقت من منطقة الكولا - ساحة الشهيد جورج حاوي، مروراً بالاونيسكو، مار الياس والبسطة حتى السراي الحكومي في ساحة رياض الصلح.التظاهرة كانت قد أقرت في عهد حكومة الحريري، وبالرغم من إقالتها، إلا ان المتظاهرون يعلمون مسبقاً ان سياسات الحكومة اللبنانية لم ولن تنصفهم يوماً، لذلك نضالهم مسمتر .لم تشكل برودة الطقس والأمطار الغزيرة عائقاً أمام مشاركة المتظاهرين، بل ان لهيب ثورات تونس ومصر زادتهم حماسة وأصراراً. أتوا من مختلف المناطق رافعين الرايات الحمراء ويافطات منددة بالسياسات الحكومية المجحفة، والوضع الاقتصادي المتأزم، منها"يا حاكم لبنان، بن علي ناطر حكام"، و"بو عزيزي ضحى وقال: لا ذل ولا استغلال"،.. هتفوا وصرخوا على أمل ان يستفيق الشعب اللبناني من كبوته. فهل يستجيب شعب لبنان، كما استجاب شعب تونس و مصر لنداء الحياة ؟ متيركبعد النشيد الوطني، ألقى رئيس منظمة اتحاد الشباب الديمقراطي علي متيرك كلمة مشيراً الى أن "هذا التحرك يعبّر عن رفض النظام السياسي الطائفي لما فيه مصلحة الشعب اللبناني الذي عانى الحرب والتهجير والدمار والضياع ولا زال"، وقال: "تحركنا هذا نتيجة للتحديات الكبيرة والهواجس الكثيرة التي يعيشها المواطن اللبناني بفعل السياسات الاقتصادية التي أنتجت مديونية هائلة تجاوزت كل الخطوط الحمر. ان اعادة بناء الوطن واقتصاده لا تقوم على سياسة الضرائب وخدمة المصارف لأصحاب ذوي النفوذ وضرب القطاعات العامة وتغييب دور الدولة الناظم ومنع الاصلاح الاقتصادي والسياسي وضرب التعليم الرسمي، فأساس أي بناء اقتصادي لا يقوم إلا على إعادة الاعتبار لقطاعي الصناعة والزراعة ودعمهما من أجل تأمين استمرارية العمل وتوفير أكبر عدد من الوظائف للشباب اللبناني ووضع حد للهجرة الدائمة والمستمرة لطاقات الوطن المنتجة".وأضاف "أن التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تستدعي حركة احتجاجية على هذه السياسات الرسمية المتبعة ،عبر فرض بديل حقيقي ذات مشروع انقاذي يقع فيها على الشباب اللبناني مهمة التغيير وإعادة البناء على أسس سليمة لا على أساس تغيير الوجوه". واعتبر أن "فشل او انتكاس التجارب الاقتصادية والاجتماعية التي حاولتها الحكومات السابقة، أو ستعمل على أساسها الحكومة المقبلة، يعود بفعل الارتباط العضوي للنظام اللبناني وتأثره بكل العوامل والمستجدات التي تحصل على المستويين الدولي والاقليمي".وختم متيرك كلمته بالاصرار على متابعة النضال "سنبقى نرفع راية الناس في كل الأوقات وفي كل ساحات الوطن بعيداً من أي قسر وافتعال. هكذا فعل الشعب التونسي وبذلك سينتصر الشعب في مصر، وهكذا يتجدد الأمل".السيد بدوره ألقى مسؤول قطاع الشباب والطلاب في الحزب الشيوعي اللبناني أدهم السيد كلمة رأى فيها أن "النظام اللبناني احترف الفتن والحروب الأهلية، وبعد كل جولة من الاقتتال ندخل تسوية شعارها دائماً، لا غالب ولا مغلوب. هذه التسويات التي تجدد لهذا النظام العفن، فمنذ التسوية الكبرى، الطائف، الى تسوية الدوحة الى الـ " س. س"، نرى كيف ان القييمين على هذا النظام يتقاسمون الحصص، فلكم الاقتصاد ولنا المقاومة. وهذا الشعار مرفوض وهذه الممارسات في حق المقاومة مرفوضة. المقاومة ليست حصة لأحد، هي ملك لكل اللبنانيين ويدافع عنها ويحميها ويقف بجانبها كل اللبنانيين، وانتصاراتها تطال الجميع".وأشار الى أن "السياسات الاقتصادية الفاشلة تجعل فاتورة الكهرباء الأغلى في العالم، وسعر صفيحة البنزين وصلت الى عتبة الـ 36000 ل.ل، وهذه السياسات الاقتصادية لا توفر للشباب أي فرصة عمل، فلا يكون امامهم إلا السفارات أو السعي عند حاشيتكم".وختم السيد كلمته بدعوة الحكومة الجديدة إلى العمل على "تأمين حقنا في ان نتعلم وتوفير فرص العمل والحياة الكريمة".وختمت التظاهرة بكلمة التجمع اليساري الذي ألقاها كميل داغر.
أقام اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني مؤتمراً صحافياً في مركز الاتحاد في شارع مار الياس اليوم الجمعة الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر وذلك للاعلان عن المسيرة المقررة نهار الاحد 30-1 الساعة الحادية عشرة والنصف من الكولا باتجاه ساحة رياض الصلح.
وسام متىهبّت رياح «ثورة الياسمين»، أمس، على مصر. وخرج آلاف المصريين في تظاهرات وصفت بأنها الأكبر منذ السبعينات، للمطالبة برحيل الرئيس المصري حسني مبارك ورفض توريث الحكم لابنه جمال، امتدت من القاهرة الى الاسكندرية والسويس والمحلة والاسماعيلية والمنصورة. ووصف مشاركون في التظاهرة، رفضوا الكشف عن أسمائهم الكاملة، في اتصالات أجرتها معهم «السفير»، هذه التحركات بأنها الأضخم منذ «انتفاضة الخبز» في العام 1979، خلال عهد الرئيس أنور السادات، مشددين على أن «انتفاضة 25 يناير» ليست سوى البداية لحركة شعبية تستهدف «إسقاط مبارك» عبر الشارع، بما يمهّد لـ«تغيير حقيقي» في مصر على غرار ما حدث في تونس. وأجمع المنظمون والمشاركون، حتى أولئك الذين سبق أن أبدوا حذراً في التفاؤل، على أن حجم المشاركة الشعبية في الاحتجاجات تجاوز كل التوقعات، مشيرين إلى أنه كان لافتاً نزول المصريين إلى الشارع بـ«شعارات وطنية موحّدة» خلافاً لما كان يجري خلال تحركات سابقة كانت ترفع خلالها شعارات حزبية وفئوية. وفي القاهرة، قال أحمد، وهو أحد منظمي التظاهرات، لـ«السفير» إن أجهزة الأمن اعتقلت أكثر من 50 متظاهراً في ميدان التحرير، كما اعتدت بالضرب على عشرات آخرين، واستخدمت قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريقهم. وأضاف أن «إجراءات القمع هذه لم تحبط المتظاهرين، الذين عادوا للتوافد إلى ميدان التحرير»، الذي تحوّل إلى «ساحة مواجهة بكل ما للكلمة من معنى». وأضاف أن مواجهات عنيفة وقعت كذلك بين الشرطة والمتظاهرين في باب اللوق، بعدما حاول عناصر الشرطة الاعتداء على أحد المشاركين، فيما تعرض مئات المواطنين للضرب على أيدي قوات الأمن لدى محاولتهم الانضمام إلى المتظاهرين في ميدان التحرير. ووصف سامح، وهو أحد المشاركين في التحرك، ما يجري بأنه «أكبر تظاهرة شعبية في تاريخ مصر». وأوضح لـ«السفير» أن «عشرات الآلاف تجمعوا في أماكن متفرقة في كل أنحاء مصر». واضاف أن «قوات الأمن تعاملت بتحضر مع المتظاهرين في بداية الأمر، لكن سلوكها هذا تبدّل مع توافد الآلاف إلى أماكن التظاهر، إذ صدرت الأوامر بتطويق المتظاهرين، لكن رجال الشرطة عجزوا عن ذلك». وأشار إلى أن مواجهات عنيفة وقعت بين المتظاهرين وقوات الأمن في وسط القاهرة، وتحديداً في ميدان التحرير، مضيفاً أن صمود المحتجين أرغم قوات الشرطة على الانسحاب إلى الشوارع المشابهة، وهو ما أكده شهود عيان آخرين لـ«السفير»، الذين أشاروا الى أن ميدان التحرير شهد «عمليات كر وفر»، موضحين أنه منذ ساعات ما بعد الظهر استخدمت عناصر «الأمن المركزي» القوة بشكل مفرط، لكنهم أوضحوا أن «الأمن يفقد السيطرة على الأمور، إذ بات الاهتمام منصباً في الوقت الحاضر على حماية المقرات الرسمية، وخصوصاً مبنى مجلس الشعب»، الذي حاول المتظاهرون اقتحامه أكثر من مرّة. وكتب متظاهرون على جدران المباني المحيطة بميدان التحرير شعارات «يسقط حسني مبارك»، كما حطموا لافتة كبيرة للحزب الوطني الحاكم، فيما ردد آخرون هتافات «يا مبارك يا مبارك... الملك السعودي في انتظارك»، و«عيش.. حرية... كرامة إنسانية»، فيما شهدت مختلف شوارع القاهرة إجراءات أمنية مشددة، حيث تم إقفال «كبري الجلاء» قرب فندق «شيراتون»، فيما أغلقت محطات مترو الأنفاق بين ميداني سعد زغلول ورمسيس. كما اتخذت السلطات الأمنية إجراءات الكترونية لفرض تعتيم إعلامي على ما يجري، حيث أبلغ العديد من مستخدمي شبكة الانترنت عن حجب موقع «تويتر» ومحاولات قرصنة لعدد من المواقع المعارضة، فيما تم تعطيل شبكة الهاتف الخلوي في ميدان التحرير والمناطق المحيطة به. وفي الاسكندرية، قال جابر، الذي يتولى التغطية الإعلامية للتحرّك عبر صفحتين للرصد على موقعي «فيسبوك» و«تويتر»، لـ«السفير» إن عشرات الآلاف انطلقوا في تظاهرات من نقاط ثلاث باتجاه ميدان سيدي جابر الشيخ، فيما تمكن آخرون من محاصرة مركز شرطة الرمل لمدة نصف ساعة. وذكرت مصادر أن عناصر الأمن اعتدت على المتظاهرين في شارع بور سعيد في الاسكندرية، مضيفة أن تعزيزات ضخمة وصلت إلى المدينة استعداداً للاشتباك مع المتظاهرين. ومساءً، ذكرت وسائل إعلام مصرية أن قوات الأمن استخدمت الرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين في ساحة «مصطفى كامل»، متحدثة عن إصابة 30 شخصاً على الأقل. وأشارت وسائل إعلام مصرية وناشطون معارضون الى أن عشرات الآلاف تظاهروا في مدن المحلة والإسماعيلية والسويس والمنصورة، مؤكدين وقوع مواجهات مع قوات الأمن أسفرت عن إصابة واعتقال العشرات. وتحدثت «جبهة الدفاع عن متظاهري مصر»، وهي منظمة حقوقية، عن توقيف العشرات في مختلف المناطق المصرية، مشيرة إلى أنها تمكنت حتى مساء أمس من توثيق 85 حالة اعتقال، بينها 67 في القاهرة، 7 في بور سعيد، و3 في المنصورة، و3 في أسيوط، و2 في طنطا. وحتى مساء أمس، كانت مختلف أماكن التجمع تشهد تدفقاً لأعداد كبيرة من المتظاهرين. وأصدرت «جبهة شباب مصر» بياناً، حصلت «السفير» على نسخة منه، يؤكد استمرار التحرك حتى تحقيق المطالب، ومن بينها «تنحي حسني مبارك عن الحكم نهائياً»، و«إقالة الحكومة وتشكيل حكومة وفاق وطني»، و«حل مجلسي الشعب والشورى المزورين»، و«إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين»، و«إلغاء قانون الطوارئ»، و«محاكمة كل رموز الفساد». وكان لافتاً في «انتفاضة 25 يناير» أن معظم أحزاب المعارضة التقليدية وجماعة «الأخوان المسلمين» قد قررت أن تنأى بنفسها عن حركة الاحتجاج، وذلك لاعتبارات مختلفة، حيث أعلن معظمها عدم المشاركة رسمياً في التظاهرات، ولكن مع ترك المجال أمام مناصريها للتظاهر بصفتهم الشخصية، لكن أحزاباً وقوى معارضة أخرى كانت حاضرة بقوة وأبرزها «حزب الغد»، و«شباب 6 أبريل»، وجماعة «كلنا خالد سعيد»، و«حزب الكرامة» و«الجمعية الوطنية من أجل التغير». أما الحزب الحاكم، فخير ما عبّر عن موقفه قد جاء في تصريح نسب لأمين الإعلام فيه علي الدين هلال، الذي علق على التظاهرات بالقول إن «الشعب المصري يحتفل بعيد الشرطة... والشرطة تسهر على حمايته!». وفيما تبدو حركة الاحتجاج مرشحة إلى مزيد من التصاعد، كان واضحاً أن ما حدث بالأمس قد فاجأ الكثيرين. ولخص صحافي مصري، كان متردداً في المشاركة «كي لا يحبط» من حجم المشاركة، وسرعان ما انضم للمتظاهرين في ميدان التحرير مساءً، ما يجري في شوارع مصر قائلاً لـ«السفير»: «هناك قاعدة تعلمتها اليوم... وهي أنه لا وجود لقاعدة تحكم الاحتجاجات!».
تحوّل «يوم الغضب» المصري، أمس، من مجرّد دعوة وجهها معارضون غير حزبيين على شبكة الانترنت إلى حركة احتجاج لم تعرفها مصر منذ سنوات طويلة، حيث خرج الآلاف إلى شوارع القاهرة وكبرى المدن في تظاهرات للمطالبة بالإطاحة بالرئيس حسني مبارك، في وقت بدا أن الاحتجاجات مفتوحة على احتمالات التصعيد، بعدما أصر المتظاهرون على البقاء في الشارع، متحدين دعوة السلطات المصرية إلى انهاء تحركهم. وبُعيد منتصف ليل أمس، فرّقت الشرطة حوالى 10 آلاف متظاهر اعتصموا في ميدان التحرير وسط القاهرة بواسطة القنابل المسيلة للدموع. وتفرّق المتظاهرون الذين كانوا معتصمين ولجأوا إلى الشوارع المتفرعة من ميدان التحرير. وكان آلاف المتظاهرين احتشدوا في الميدان، وأماكن تجمع أخرى في الاسكندرية والسويس والإسماعيلية والمحلة والمنصورة وغيرها من المدن، وذلك بعد سلسلة مواجهات بين المتظاهرين وقوات الأمن انتهت بمقتل متظاهرين في السويس وشرطي في القاهرة، وإصابة واعتقال العشرات في مختلف مواقع الاحتجاج. أضخم التظاهرات كان في القاهرة، وتحديداً في ميدان التحرير، حيث قدر عدد المشاركين بما بين 40 إلى 50 ألفاً. وشهد الميدان، منذ الساعة الثانية من بعد الظهر، مواجهات عنيفة، حتى بدا أن قوات الأمن قد فقدت السيطرة على الموقف بعدما أبدى المتظاهرون تماسكاً لافتاً، محاولين نقل احتجاجاتهم إلى الشوارع المجاورة، التي يقع فيها معظم المقرات الرسمية بما في ذلك مقر البرلمان، الذي حاول المئات اقتحامه. وذكرت مصادر إعلامية وسياسية مصرية أن المواجهات أسفرت عن إصابة العشرات بجروح وحالات إغماء نتيجة لاستخدام قوات الأمن الهراوات والقنابل المسيلة للدموع لقمع المتظاهرين، فيما تم اعتقال أكثر من 50 شخصاً. ولم يكن الوضع مختلفاً في الاسكندرية حيث وقعت مواجهات بين آلاف المتظاهرين وقوات الأمن أسفرت عن إصابة واعتقال العشرات، وكذلك الحال في مدن السويس، حيث قتل شخصان وأصيب العشرات، وباقي المدن الكبرى. وردد المتظاهرون شعارات موحدة من بينها «ارحل ارحل يا مبارك»، و«يا مبارك يا مبارك... الملك السعودي في انتظارك»، و«عيش... حرية... كرامة إنسانية»، فيما كتب آخرون على الجدران شعارات «يسقط حسني مبارك». ووصفت هذه التظاهرات بأنها الأكبر منذ «انتفاضة الرغيف» في العام 1979، وقد أجمع العديد من الناشطين والصحافيين، الذين تحدثت إليهم «السفير» على أن حجم المشاركة قد تجاوز كل التوقعات. (تفاصيل ص. 14) وبحلول الليل، كان المتظاهرون مصرين على استمرار التحرك، حيث توافد المئات إلى أماكن التجمع، مشددين على عدم مغادرة الشارع إلى حين تنفيذ المطالب، وابرزها تنحي مبارك، وحل الحكومة والبرلمان، وإلغاء قانون الطوارئ. ودعت وزارة الداخلية المصرية الى انهاء التظاهرات، متهمة جماعة «الاخوان المسلمين»، التي لم تتخذ قراراً رسمياً بالمشاركة على غرار باقي أحزاب المعارضة الرسمية، بالقيام بأعمال شغب. وفي واشنطن، علقت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون على هذه التظاهرات قائلة «انطباعنا هو ان الحكومة المصرية مستقرة». وقالت كلينتون «نحن ندعم الحق الاساسي في التعبير عن النفس والتجمع لجميع الناس، ونحث جميع الاطراف على ممارسة ضبط النفس وتجنب استخدام العنف... ولكن الانطباع لدينا هو ان الحكومة المصرية مستقرة». («السفير»، أ ف ب، أ ش أ)
السفير: ريتا إبراهيم فريد25/01/2011"الجوع ما إلو طايفة. والغلاء لا دين له"، شعار المسيرة التي ستنطلق الأحد المقبل من الكولا نحو السرايا الحكومية. وقد دعا إليها اتحاد الشباب الديموقراطي، بالتعاون مع قطاع الشباب في الحزب الشيوعي، للاحتجاج على الأوضاع المعيشية السيئة."دافع عن لقمة عيشك"، هو عنوانها. "تحرّك" بمواجهة الفقر والفساد والبطالة والمحسوبيات والضرائب... وهي بالدرجة الأولى من أجل دفاع الشعب عن حقوقه. ومن أجل التأكيد أن هناك عددا كبيرا من المواطنين يهمّهم أن يعيشوا بكرامة قبل أي شيء آخر، بحسب ما ورد في الدعوة.عرفت رين نجم عن موعد المسيرة من خلال الـ"فايسبوك". وعمدت إلى تشكيل مجموعة كبيرة للمشاركة فيها من خلال دعوة أصدقائها. تقول إن هذا الموضوع يجب أن تكون له الأولوية بالنسبة للجميع. وتضيف: "ما بقى رح نسمحلهن يستغلونا. ونحنا كشباب حقنا نختار الحياة يللي بدنا ياها".روجيه عوطة يستفيض أكثر بالشرح. يقول إن هذا التحرك هو من أجل زعزعة البنية الاجتماعية المعقدة في لبنان. وهذه البنية، بحسب رأيه، هي التي تجمع ما بين الإيديولوجي وثقافة السلطة، في هويات مهمتها الأساسية إبعاد الناس عن واقعهم. روجيه، ابن البقاع، سوف يشارك في المسيرة التي يعتبر بأنها يجب أن تكون خطوة جدية في سبيل تدمير كل الفساد السائد، من أجل بناء شيء جديد. "لدينا رغبة في الصراخ. وهذا الصراخ لا يكون إلا من خلال الشارع!". وبكثير من الحماسة، يضيف روجيه الذي يعلن بوضوح ثورته: "بتمرّدنا اللانهائي سوف نحوّل المستحيل إلى واقع!".في المقابل، يظهر نوع من "اليأس" عند بعض الأشخاص. "هذه المسيرة لا بتقدّم ولا بتأخّر، وإذا نزلنا وشاركنا ما رح يتغيّر شي". هذا النوع من التعليقات ظهر على موقع "فايسبوك"، على حائط المجموعة الداعية للمسيرة. آخرون تبنّوا الفكرة من حيث المبدأ، واعتبروها حاجة وضرورة في ظل الصراعات الحالية. هكذا كان موقف كارلا الزايد مثلاً. لكن كارلا تحفظت على المشاركة، عندما علمت بالجهة المنظمة للتحرك. وسبب تحفظها التخوف من تسييس هذه المسيرة، كما تقول، فتتحوّل المطالبة بكلمة "خبز" إلى المطالبة بـ"فلسطين" مثلا!تخوّف آخر أبداه البعض بسبب الوضع الأمني القلق في البلاد، والأجواء المشحونة والانقسامات. لهذه الأسباب ترفض ماريا حداد المشاركة. فبالرغم من تأييدها للمطالب المذكورة، والحاجة للانتفاض ضد الغلاء، تعتبر أن الوضع السياسي الحالي غير مناسب. تسأل: "ضد مين بدنا نعتصم؟ ما الحكومة مش موجودة، والوقت مش مناسب أبدا، لأنو أي تحرّك بالشارع ممكن يودّي للمشاكل ويشعّل الفتنة!".الدعوة إلى المسيرة تمت بشكل أساسي عبر موقع "فايسبوك". رغم ذلك، لم يسمع البعض بها، كحال نسيب أبو أنطون. وإذا كان نسيب غير معني بالمشاركة، كما يوضح، إلا أن آخرين أبدوا اهتماما بها، بمجرد أن عرفوا بالتحرك. إيلي عطية مثلاً لم يتلقّ الدعوة عبر الفايسبوك. لكن عندما عرف بالتحرك أظهر حماسة بالغة للمشاركة. "لازم ننزل لأنو ما حدا عم بيفكّر بمستقبلنا. وحتى لو ما لقينا نتيجة، بس لازم نعمل شي لنوصّل صوتنا".وفي هذا الإطار، يؤكد أحمد ضناوي الذي ينتسب إلى اتحاد الشباب الديموقراطي، بأن الدعوات إلى المسيرة لم تتم فقط من خلال الفايسبوك، بل تضمنت أيضا تعليق ملصقات إعلانية في كافة المناطق. وربما تحصل كذلك دعوة إعلامية بواسطة التلفزيون والراديو.ويوضح أحمد بأن هذه المسيرة هي ضدّ سياسات كل أطراف الحكومة (السابقة) أو السلطة، بما فيها حزب الله والمعارضة. فبالنسبة إليه كيساري، لا اختلاف جوهري بين هذه الأطراف عندما يتعلق الأمر بالوضع الاقتصادي والمعيشي. كذلك يرى أحمد أن الجميع يشكلون الصيغة اللبنانية الطائفية، أي "صيغة المزارع". ولا وجود لحل جذري لمشاكل لبنان إلا من خلال الخلاص من هذه الصيغة. ويضيف: "أنا شخصيا لا أتوقع تحقيق نتيجة مباشرة من خلال هذه المسيرة وحدها، فهي ليست إلا جزءا من نضال طويل لن يعطي نتيجة إلا على المدى البعيد"، بحسب قوله.
السفير: حياة الحريري25/01/2011 مرة أخرى، يقف مسؤولو المنظمات الشبابية في الأحزاب اللبنانية على مفترق، في ما يخص دورهم وفاعليتهم واستقلاليتهم في بعض القضايا التي ترتبط مباشرة بحياتهم. لم يكن النقاش معهم حول حكومة «الوحدة الوطنية»، أو حكومة ما يسمى المعارضة أو ما يسمى الموالاة. ولم يكن النقاش يهدف إلى مهاجمة هذا الزعيم أو ذاك، أو إلى المجابهة بالولاء للحزب أو الطائفة أو الوطن. لم تحضر السياسة بشكل مباشر، فالقضية هنا هي قضية شعب حكم على نفسه بمعاناة اقتصادية واجتماعية دائمة عبر إنتاجه في كل استحقاق انتخابي الطبقة السياسية نفسها التي ساهمت بشكل أو بآخر، أكانت موالية أو معارضة، بالوضع الاقتصادي الذي وصلنا إليه اليوم. العنوان إذا: تحرك شعبي للدفاع عن لقمة العيش. الزمان: 30 كانون الثاني 2011. هي مسيرة دعا إليها «اتحاد الشباب الديموقراطي»، رفضا للغلاء المعيشي والفساد والبطالة والفقر والضرائب. حاور ملحق «شباب السفير» بعض ممثلي المنظمات الشبابية حول مشاركتهم في هذه التظاهرة أو ما يشبهها من حيث العنوان، باعتبار أن هؤلاء الشباب سيختلفون ربما في مقاربتهم للأمور عن أحزابهم، وسيتخذون المبادرة لإعادة تصويب المشكلة الحقيقة التي تمس حيواتنا بالدرجة الأولى، وهي الأحوال المعيشية والوضع الاقتصادي. لكن هذه الآراء كانت نسخة عن منطق مسؤولي أحزابهم، في اللغة التحريضية حينا وفي الهروب من المسؤولية أحياناً، فيما امتنع «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» عن المشاركة في النقاش، رغم ملاحقة «الملحق» المتكررة لممثلي المنظمات الشبابية فيهما. كذلك لم يشارك «تيار المستقبل»، نظرا للعجز عن بلوغ مسؤول الشباب فيه. «أمل»: ندعم.. ولكن «يؤيد» رئيس دائرة المنظمات الشبابية في «حركة أمل» حسان أشمر، «أي تحرك مطلبي». يؤيد، لكنه لن يشارك في مسيرة «تحرّك». لازمة التأييد هذه، يعزوها إلى أن منظمة الشباب في «حركة أمل» لا تقوم بأي تحرّك إلا ضمن إطار المنظمات الشبابية. «نبحث مع المنظمات الشبابية التي تشكل أغلبية الأحزاب، وإذا تم التوافق على تحرك ما، عندها نقوم به». وعند تذكير أشمر بأحقية المناسبة، وبأنها لا تحتاج ربما إلى دعوة رسمية، وبأنها تمسّ كل الناس، بمن فيهم قواعد الحركة، يؤيد كذلك، ويؤكّد على أحقية المناسبة، ولكنه يعود ليتهرب أو يبرر عدم المشاركة، بأن «الموضوع لم يطرح في اجتماعات المنظمات الشبابية على الرغم من أن «اتحاد الشباب الديموقراطي» و«الحزب الشيوعي» يشاركان فيها». هذا في الإطار العام، يقول أشمر. أما السبب الرئيسي، بحسبه، فهو «أن منظمة الشباب في حركة «أمل» تنضوي تحت تنظيم الحزب، وبالتالي لا نمثل قطاعات عمالية». ولكن، أين دور الحركة في القضايا المعيشية؟ «نحن نلبي ما تدعو إليه القطاعات العمالية»! إذاً، يكتفي الشباب في «حركة أمل» بتأييد المطالب والتحركات.. لا يتعدّون الخط الذي رسم لهم، ولا يتجاوزون «المهام»، إذ في الحركة مكتب عمالي يهتم بالقضايا المطلبية، والشباب يقتصر دورهم على التأييد، فقط! ماذا عن شباب الحركة؟ يرفض أشمر مشاركة مؤيدي الحركة وقواعدها في التظاهرة، أو «أي تظاهرة إذا لم تتم دعوتهم إليها». وهنا، يحمّل أشمر أي مشارك من الحركة مسؤولية أي خلل يمكن أن ينتج عن هذه المشاركة. «الاشتراكي»: نشارك.. لا نشارك لا يعلم مسؤول «منظمة الشباب الديموقراطي» ريان الأشقر تفاصيل التحرك لسفره في الفترة الأخيرة. لا يعلم، ولكنه يؤكد «أن من واجب «منظمة الشباب الديموقراطي» المشاركة في أي تظاهرة لها عنوان مطلبي»، معتبرا «أن هذه الأمور هي من أدبياتنا وتاريخنا، وأحد أهم أهداف كمال جنبلاط هو أن يعلو صوت الشباب في المطالبة بحقوقه». حماسة، ولكن.. يعود الوضع السياسي الراهن إلى الواجهة. «في هذا الوضع الدقيق، هناك هاجس موجود عند كل الشباب، من ضمنهم «اتحاد الشباب الديموقراطي» أن يتحول هذا التحرك إلى تظاهرة سياسية». القرار لم يحسم بعد عند الأشقر: «سوف نتأنى قبل المشاركة في أي تحرك يتحول إلى عنوان سياسي. هل عندما يحين موعد التظاهرة ستكون قد شكلت حكومة جديدة، أم لا؟ هل ستكون التظاهرة موجّهة إلى الحكومة الجديدة أم المستقيلة؟». وعندما نلفت انتباه الأشقر إلى أن التظاهرة موجهة إلى كل الطبقة الحاكمة، من كل الأطياف، والتي شاركت في الحكومات المتعاقبة، يؤكد أنه «لا يدعو إلى تأجيل التظاهرة، ولكن بسبب وجود أزمة سياسية كبيرة جدا، يجب أن نتأنى في المشاركة في أي تظاهرة قد تأخذ طابعا سياسيا ومن ثم نطالب بقضايانا المحقة». القوات: كذبة.. مشبوهة لا مجال لفصل السياسة عن الاقتصاد عند رئيس «مصلحة الطلاب» في «القوات اللبنانية» شربل عيد. بحماسة واثقة، يجزم أنه لا يوجد في لبنان حركات عمالية ومطلبية، بل جماعة تحاول أن توجه رسائل سياسية». عند عيد، لا يعني هذا الأمر «أننا نتحسس من هذه الأمور»، لكن عيد لا يستطيع أن يتجاوز 7 أيار. «كانت شرارة 7 أيار التحركات المطلبية، ولم نر أي حركات مطلبية، بل رأينا السوري القومي يعلق صور بشار الأسد». معادلة «لا تقبل النقاش»، يطرحها عيد: «إن أكبر فرصة نعطيها للبنانيين تكون في أن نخلق مناخا لجلب الاستثمارات والفرص». ومرة أخرى يجد عيد في المناسبة منبرا للمناكفات السياسية. «لكي تحصل هذه الاستثمارات، يجب أن يكون لبنان دولة سيادية، وليس دويلة تورطه وتأخذ القرارات وحدها. أعتبر أننا أمام غزّة ثانية!». إذاً، ليس الوقت مناسبا لتظاهرة مطلبية، بل «أتمنى أن يتظاهروا ضد الحكومة التي ستتشكل، لأنها سوف تجلب العزل والعقوبات لأنها سوف ترفض المحكمة الدولية». نعود ونصوّب الحديث. نوضح لعيد أن «اتحاد الشاب الديموقراطي» لا ينتمي إلى أي حزب أو طائفة. يوافق، نسبيا، عبر تبرئة الاتحاد من أي شبهة سياسية. «أنا لا أقول إن الاتحاد بالذات لديه غاية ليست بريئة، ومن الممكن جدا أن تكون هذه التظاهرة فعلا مطلبية، ولكننا ملوّعون من هذه الدعوات». ويضيف، «بوجه من نصرخ اليوم؟». ولكن، لماذا لا تتضامن «القوات» مع هؤلاء الشباب كون شباب «القوات» يعانون من الغلاء المعيشي ذاته؟ يجيب عيد بغضب بأن منظمة الشباب في «القوات» أول مرة تسمع بهذه التظاهرة. «لكي نتضامن معهم، يتفضلوا ويحكونا»، من دون أن ينسى أن يميّز في الأسلوب بالتعاطي مع المسألة. «القضايا المعيشية هي جزء من ثقافتنا، لكننا نتعامل بجدية مع المواطنين وليس بغوغائية. إنه لأمر طفولي أن أشارك فقط لأصرخ، إذ ماذا يجدي الصراخ في الساحات من دون أن يكون لديّ بديل؟». من هنا، الحل سياسي بحت عند عيد. غير أن عيد كان الأقرب إلى الواقعية في رده على أن التظاهرة هي موجهة للطبقة السياسية بأكملها. «هذه كذبة كبيرة. الطبقة التي تحكم تأتي من الشعب. فليتفضل الشعب ويغيّر هذه الطبقة. هي لم تهبط على اللبنانيين، بل انتخبها الشعب في أكثر من انتخابات». الكتائب: لن نشارك.. ولكن يبدو مسؤول الشباب في «الكتائب اللبنانية» إيلي معلوف أكثر تصالحا مع نفسه في رفضه للمشاركة في تظاهرة «تحرك». بهدوء تام، يكشف أن شباب «الكتائب» «لم يتداولوا بعد في الموضوع، ولم يفكروا أصلا في المشاركة». وبضحكة تكشف عن سخرية يقول، «مش عبالنا»، إذ وكما في كل مرة، «وضع البلد لا يسمح بهذه الأشياء»!، و«بصراحة أكثر»، يتضح أن أحد أسباب القرار بعدم المشاركة عند «الكتائب» نابع من أنهم لم يتلقوا أي دعوة للمشاركة، «لا يوجد اتصال بيننا وبين الاتحاد، ولا معرفة مسبقة، ولم نلتق يوما ونتناقش في أي قضية. لقد سمعنا بالتظاهرة من دون أن نعلم ما هو مضمونها». وأيضا، بعد محاولة لفت الانتباه إلى أن المطالب المعيشية لا تحتاج إلى دعوة رسمية، تحضر السياسية بقوة في النقاش. بالنسبة للكتائب، «إن أفضل طريقة لتصحيح الوضع الاقتصادي هي عبر المؤسسات». حقيقة، لا تصبح قائمة عند معلوف إلا «عندما ترفع المعارضة يدها عن مؤسسات الدولة!». ويقول: «تصوّر المعارضة الأمر وكأن 14 آذار هم الذين يحكمون بأمرهم، في حين أن المسؤولية هي وطنية وتقع على الجميع». إذاً، قد تكون هناك نقطة تلاق. لكن لا، فهي سرعان ما تتبدد حين يعتبر معلوف «أن المشكلة الأساسية هي في أي لبنان نريد. ومن ثم نتباحث في النظام الاقتصادي الأنسب». ومنعا لأي «التباس» في أهمية العامل الاقتصادي عند «الكتائب» يلفت معلوف إلى أن شباب «الكتائب» كانت قد «عملت على المشاريع التي يقدمها النواب إلى البرلمان، لكن المعارضة لم تسمح لنا بالعمل!».