Hiba Awar

Hiba Awar

تضامناً مع شعبنا المناضل في تونس ، وتأييداً لحركته الإحتجاجية المطلبية في وجه سلطة الفقر والقمع يدعوكم إتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني إلى وقفة تضامنية مع الشعب التونسي المناضل في سيدي بو زيد وذلك في إعتصام أمام السفارة التونسية في الحازمية يوم الخميس في 30/12/2010 الساعة الثانية عشرة ظهراًالتجمع للإنطلاق الساعة 11 في مركز إتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني الرئيسي - مار إلياس مقابل بنك الموارد

من حقي ان العب -من حقي ان اتعلم - من حقي ان احظى بملجئ -من حقي ان اتعلم بمدرسة بامان تاميدعوكم اتحاد الشباب الديمقراطي فرع عين بعال و كشافة الاتحاد فوج عين بعال للمشاركة بمراثون الاطفال تحت عنوان من حقيالزمان :  نهار الاحد الواقع فيه 2/1/2011 الساعة الثالثة عصراالمكان :عين بعال-مدخل البلدةملاحظة : شروط المشاركة1-الاعمار المشاركة من  خمس سنوات  حتى الخامسة عشر2- ارتداء تيشرت بالون الابيض3- رسم الاشتراك الف ليرة لبنانية على كل طفل مشاركللأستفسار :الرفيق احسان دبوق 71/149273نتمنى المشاركة و شكرا

 

باتت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي نسخة رديئة عن الحكومة. كل قرار فيها يستند إلى حسابات سياسية ومذهبية تدخل في أدق التفاصيل وأصغرها. وعلى هذا المنوال، يُنسج اليوم مرسوما ترقيات الضباط ومنح بعضهم مكافآت

حسن عليق

تُدهشك المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بجديدها كل يوم. لا شيء فيها يسير كما يجب عليه أن يكون. ربما هي المديرية الأكثر شبهاً بالحكومة، لناحية أن كل قرار فيها، مهما كان تافهاً، يحتاج إلى تدخل إلهي لإصداره.محطتها الأخيرة كانت ترقيات الضباط، ومشروع منح أكثر من 40 ضابطاً فيها قدماً استثنائياً للترقية.الترقيات شأن روتيني يتكرر كل عام. لكنه في الأمن الداخلي مناسبة لإظهار العجز المتعمّق يوماً بعد آخر. هذا العام، صدرت جداول الترقية عن المدير العام اللواء أشرف ريفي، لا عن مجلس القيادة المعطّل منذ أشهر بسبب تقاعد أكثر من ثلث أعضائه، وعدم تعيين بدلاء لهم، وأدى ذلك إلى انتقال صلاحياته كاملة إلى المدير العام.وزير الداخلية زياد بارود، المتشكّك في قانونية إحالة جداول الترقية عليه، بعث ما ورده إلى هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، للتحقق من قانونيته. فبارود يخشى أن يتعرض مرسوم الترقيات بعد صدوره للطعن من أحد المتضررين، وخاصة أن الترقيات لا تشمل في العادة جميع الضباط. لكن حجة بارود لا تقنع عدداً كبيراً من هؤلاء الذين يخشون تأخّر الاستشارة، وتالياً تأخير صدور المرسوم إلى ما بعد 31 كانون الأول 2010، ما يعني تأخّرها إلى اليوم الأخير من العام المقبل.وبانتظار حسم هذه القضية، يؤكد بارود أنه لن يعرقل ترقية الضباط، فيما تؤكد مصادر معنية بالملف أن مرسوم الترقيات سيصدر في وقته، إلا إذا بقي أحد الموقّعين عليه (الوزير المختص، ووزير المال، ورئيسا الحكومة والجمهورية) خارج البلاد. والغائب عن الأراضي اللبنانية حالياً هو رئيس الحكومة سعد الحريري الذي أكدت مصادر مقربة منه أنه سيعود بين ساعة وأخرى من نيويورك.الترقيات التي تثير ضجة داخل المديرية ستمرّ إذاً. لكن ما ليس مؤكداً صدوره هو مرسوم القدم الاستثنائي. ففي هذا المشروع، اقترح اللواء أشرف ريفي منح قدم استثنائي لأكثر من 40 ضابطاً، أبرزهم العميد روبير جبور، قائد وحدة القوى السيارة، والعقيد وسام الحسن، رئيس فرع المعلومات. واقترح لكل منهما قدماً استثنائياً مدته عام واحد، فيما رُشّح الضباط الآخرون لنيل قدم استثنائي تراوح مدته بين 3 أشهر و6 أشهر.الأسباب التي تحول دون ولادة سهلة لمرسوم الترقيات متعددة. وزير الداخلية زياد بارود استفزّه الاقتراح الصادر في الوقت الذي كان يتعرض فيه لحملة سياسية عنيفة على خلفية إصداره عقوبة بحق المدير العام. فبارود يكرر في مجالسه أنه يريد توضيح العلاقة بينه وبين المديرية الخاضعة لوصايته، لا أن تُترك الأمور على حالها، ويُكتفى بطلب توقيعه على بعض المراسيم والقرارات، كأنه ليس صاحب القرار بل منفّذه. أضف إلى ذلك، أن ثمة بحثاً في أصل المشروع. فبارود يريد التدقيق في الإنجازات «الخارقة» المنسوبة إلى الأسماء المقترحة مكافأتها.ومن ناحية أخرى، فإن تضمين مشروع المكافأة أسماء أكثر من 40 ضابطاً، أثار العديد من الردود السياسية المستنكرة لهذا الأمر، إذ يمكن أي مراقب لأوضاع المديرية أن يلاحظ أن العدد مبالغ به جداً. فلو افترضنا أن منح الأقدميات حصل بسبب إنجاز بعض الضباط لأعمال «خارقة للعادة» (بحسب ما ينص عليه القانون)، يصبح لزاماً على المديرية أن تحصر الأمر في شقين: مكافحة التجسس الإسرائيلي، ومكافحة الإرهاب. والمطّلعون على أوضاع المديرية يؤكدون أن من كانوا خلف تحقيق هذه الإنجازات لا يزيد عددهم على 16 ضابطاً (عملوا في مجالات التحليل التقني وجمع المعلومات وتحليلها والرصد والتحقيق) إضافة إلى رئيس القطعة التي ينتمون إليها. يُضاف إلى هؤلاء أحد الضباط الذي أصيب أثناء عملية الدهم في شارع المئتين إصابة قاتلة، لكنه نجا منها. وبالتالي، فإن المعايير التي تتحدّث عن أعمال «خارقة للعادة» لم تُحترم أثناء اقتراح أسماء المرشحين لنيل الأقدمية.وبحسب المتابعين للقضية، أضيفت أسماء العديد من الضباط، من دون أن يكونوا قد حققوا أي إنجاز خارج إطار واجباتهم اليومية. وهذه الإضافات كانت السبب الرئيسي في تأليب الكثير من الضباط، وتالياً السياسيين، وخاصة من فريق المعارضة السابقة، ضد المشروع.وأدت الاتصالات التي أجريت مع وزير الداخلية إلى إضافة عثرة جديدة أمام مشروع الأقدميات. ويقول مصدر بارز في المعارضة السابقة إنه «لو التُزم بالمعايير الجدية لانتقاء الضباط، لما كان أحد قد رفع الصوت في وجه المشروع. أما «تكبير الحجر» من دون أسباب موجبة، فلن نوافق عليه».وبناءً على ذلك، فإن الضباط الجديين الذين عرّضوا حياتهم للخطر طوال السنوات الماضية، وأولئك الذين بذلوا جهوداً مضنية خلال عملهم في ملف مكافحة التجسس الإسرائيلي (بغض النظر عما يُقال عن الاستثمار السياسي لعملهم)، يبقون من دون أي مكافأة تُذكر، لا لشيء، إلا لأن مجلس قيادة مديريتهم معطّل، وتشكيلات الضباط لم تُنجَز منذ خمس سنوات، والمدير العام «لا يحكي» مع وزيره، ويحتاجان إلى أصدقاء مشتركين للتواصل في يومياتهما. وآخر «الأصدقاء المشتركين» كان رئيس الحكومة سعد الحريري الذي أوعز، بعد لقائه الوزير بارود، إلى اللواء ريفي والعقيد وسام الحسن بأن يزورا وزير الداخلية في منزله لمصالحته (جرى ذلك قبل ثلاثة أيام). ولأن العدد الأكبر من الضباط واضحو الولاءات السياسية ويجاهرون بها، وبعض القطعات تعمل علناً لمصلحة جهات سياسية، والفساد نخر عود المديرية، ورغم ذلك، فإن المؤسسة التي يزيد عمرها على 140 عاماً، لا ذكر فيها لقرار إجبار ضابط على الانقطاع عن الخدمة (طرد مؤقت أو نهائي) بتهمة الفساد.

العدد ١٣٠١ الثلاثاء ٢٨ كانون الأول ٢٠١٠

- حدث في 28 كانون الأول-

1908- 75 الف قتيل في زلزال ضرب ميسينا في جزيرة صقلية.1915- الحرب العالمية الاولى: قوات التحالف تبدأ الانسحاب من غاليبولي حيث خضعت لحصار تركي انهى حملة الدردنيل وغاليبولي التي بدأت في شباط/فبراير بفشل ذريع.1948- اغتيال رئيس الوزراء المصري محمود فهمي النقراشي باشا.1973- الاديب الروسي المنشق الكسندر سولجنيتسين ينشر كتابه ارخبيل الغولاغ الذي يفضح اوضاع السجون في الاتحاد السوفياتي.2005- مشروع غاليليو الذي يفترض ان يؤمن لاوروبا استقلالها في مجال الملاحة عن طريق الاقمار الاصطناعية يصبح واقعا مع وضع اول قمر اصطناعي في المدار مهمته اختبار تقنيات هذا النظام.

- حدث في 27 كانون الأول-

1934- فارس تغير اسمها الى ايران.1945- موجة من العمليات الارهابية تشنها منظمات يهودية تستهدف المنشآت لعسكريةالبريطانية في فلسطين.1978- دستور جديد في اسبانيا يحولها الى النظام الديموقراطي بعد حكم ديكتاتورياستمر اربعين عاما.1979- القوات السوفياتية تدخل افغانستان بطلب من الحكومة المركزية في كابول.1991- روسيا تشغل للمرة الاولى مقعد الاتحاد السوفياتي في مجلس الامن الدولي.2005- انسحاب الجنود الاوكرانيين والبلغار من العراق.2007- اغتيال رئيسة الوزراء الباكستانية السابقة بنازير بوتو في عملية انتحارية عند مغادرتها مهرجانا انتخابيا في روالبندي ضاحية اسلام اباد.2008- اسرائيل تبدأ هجوما واسعا على قطاع غزة.

بمناسبة عيد الميلاد المجيد اقام اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني فرع عين بعال وكشافة الاتحاد فوج عين بعال حفل عشاء خيري كما و وزعت الهداية و اجرية العاب ترفهية للاطفال مع بابا نويل

- حدث في 24 كانون الأول-

1881- دعوة أول مجلس نيابي مصري للإنعقاد.1847- إستسلام الأمير عبد القادر الجزائري للفرنسيين.1876- تركيا تعلن دستورها الأول.1913- تأسيس البنك المركزي الأميركي.1919- الولايات المتحدة تطلق سفينة للاسعاف الطبي والتي تعتبر ‬أول سفينة بالعالم بهذا المجال تحت اسم "ريليف".1920- ‬ملك إنكلترا جورج الخامس ‬يوقع مرسوم استقلال إيرلندا "تؤلف جزء من بريطانيا" والذي ‬ينص على تقسيمها إلى شطرين شمالي ‬وجنوبي.1921- السلطات الإنجليزية تعتقل سعد زغلول ورفاقه وتنفيهم إلى جزيرة "سيشيل".1940- ‬تشان كاي ‬تشيك ‬يحل كل المنظمات الشيوعية في ‬الصين.1941- القوات اليابانية تستولي على هونغ كونغ وحاكمها يستسلم لهم بعد يومين.1953- إعدام رئيس المخابرات الروسية بيريا "كان قد أقيل من منصبه في 10 يوليو 1953".1955- سوريا تطلب طرد إسرائيل من الأمم المتحدة.1956- إتمام إنسحاب القوات البريطانية والفرنسية عن قناة السويس.1961- الرئيس المصري ‬جمال عبد الناصر ‬يعلن تأميم كل ممتلكات الأجانب ويمنع دخول الفرنسيين إلى مصر بعد اعتقال أربعة منهم بتهمة التجسس والتآمر عليه.1963- جمال عبد الناصر يدعو لمؤتمر قمة عربي طاريء لمواجهة خطر تحويل إسرائيل مياه نهر الأردن.1968- كوريا الشمالية تفرج عن 28 أميركياً من طاقم السفينة الأميركية "‬يوبيلو" وذلك بعد أحد عشر شهراً من احتجازهم بتهمة التجسس.1972- إنضمام رأس الخيمة إلى الإمارات العربية المتحدة.1991- القمة الإسلامية في داكار بالسنغال تسقط بند الجهاد من جدول أعمالها.

جهاز إسرائيلي ضبط مع أحد العملاء عام 2009 ولم تكشف ماهيته بعد (أرشيف)ليس طارق الربعة كغيره من العملاء. تميّز عنهم بالكثير، بدءاً بطريقة التجنيد وطريقة التعامل معه، وصولاً إلى الأموال التي تقاضاها لقاء عمله مع الإسرائيليين. لكن أبرز ما فيه أنه حوّل شبكة الهاتف الخلوي في لبنان إلى خريطة سهلة القراءة بين أيدي الإسرائيليين. وفي ما يأتي، أبرز ما ورد في محاضر التحقيق التي أجرتها معه مديرية استخبارات الجيش حسن عليق

مع طارق الربعة، لم تعد العلاقة بين الاستخبارات الإسرائيلية وعميلها تقتصر على اتصال هاتفي وتحديد إحداثيات موقع تابع للمقاومة أو تصوير جسر، بل تعدّتها إلى أبعد من ذلك بأشواط. كانت الاستخبارات الإسرائيلية ترسُم خططاً لشبكة الاتصالات، فيسعى طارق أقصى جهده لتنفيذها. وعند الحديث عن شبكة الاتصالات مع طارق الربعة، يعني ذلك أن المهندس اللامع يقترح على شركته تثبيت «عمود فقري» للشبكة الخلوية، وينال من الإدارة موافقة على تركيبه. أضف إلى ذلك أنه يتحكم في دفق الاتصالات، (من الضاحية الجنوبية مثلاً)، ليجبره على المرور عبر هذا العمود الجديد الذي طلبت الاستخبارات الإسرائيلية تركيبه في منطقة الحازمية. ما تقدم ليس افتراضاً، بل حدث على أرض الواقع. كان ذلك في أيار 2009. كان ثمة موعد مسبق بين ضابط الاستخبارات الإسرائيلية «ليونيل مارتينيز» وطارق الربعة في فرنسا. اتصل الثاني بالأول، وأبلغه موعد السفر واسم الفندق الذي ينزل فيه. وصل طارق إلى فندقه الباريسي. بعد ساعات، وصلت سيارة أجرة أقله سائقها إلى فندق آخر. ومن الفندق الثاني، سائق آخر إلى فندق ثالث، حيث كان ليونيل ينتظر طارق، مع مهندس اتصالات. طرح الضابط على عميله تنفيذ «مشروع كبير في لبنان»، على أن تكون حصة طارق منه مبلغ 100 ألف دولار أميركي. سأل طارق عن تفاصيل المشروع، ففتح المهندس خريطة جوية للبنان. أظهر لطارق موقعاً في منطقة الحازمية، وبالتحديد في منطقة مار تقلا، طالباً منه زرع «عمود فقري» (back bone) فوق واحد من مباني هذه المنطقة. تحدث طارق والمهندس في التفاصيل التقنية للمشروع، فطلب الأخير أن تركّب أجهزة قديمة فوق هذا العمود الذي يجب أن يكون متصلاً بسنترال ليباتيل في ألفا وسنترال سن الفيل ونقطة ثالثة في موقع لم يحدده. قال طارق إن من الصعب عليه أن يجهّز العمود بمعدات قديمة، لكنّ المهندس أصرّ على ذلك، فوعده طارق خيراً. عاد طارق إلى بيروت، وقصد منطقة مار تقلا. سعى جهده مع عدد من أصحاب المباني في المنطقة، إلا أنه جوبه بالرفض. أبلغ طارق مشغّليه بالنتيجة. إلا أن ذلك لم يحبط من عزيمته. وجد حلاً بديلاً. قصد المنطقة المحيطة بمدرسة «الكرمليت» (الحازمية، يبعد 800 متر عن الموقع الأول)، حيث عثر سريعاً على مالك يقبل تركيب العمود فوق مبناه. هذا عام 2009. أما الطلب الأخير الذي سبق توقيف طارق (يوم 12/7/2010)، فكان البحث عن «عمود فقري» يمكن وصله «بموقع بثّ الهاتف الخلوي الذي يصل ضهر البيدر ببيروت، بهدف التنصّت على المكالمات في البقاع». لم يتمكن طارق من البدء بدراسة هذا المشروع، لأن ليونيل تقاعد. وقبل اللقاء ببديله، أوقفت استخبارات الجيش اللبناني شربل قزي (24/6/2010)، فخاف طارق أن يلقى المصير ذاته، ما دفعه إلى إتلاف أجهزة الاتصال بمشغليه، قبل أن يقبض الجيش عليه.

من هو طارق الربعة، وكيف جُنّد؟

وُلِد طارق في بيروت عام 1970. كان مجدّاً في تحصيله العلمي. في الثالثة والعشرين من عمره تخرّج من الجامعة العربية مهندساً للاتصالات. عقب تخرّجه، عمل في شركة إنتاج تلفزيوني، قبل الانتقال إلى شركة سيليس لتشغيل الشبكة الخلوية عام 1995. بعد خمس سنوات، تولّى مسؤولية القسم الذي يضع تصاميم شبكة «العمود الفقري» في شركة سيليس. وهذه الشبكة اسم على مسمّى. فهي التي تتلقى (وترسل) الاتصالات من (وإلى) محطات الإرسال، فضلاً عن الربط بين المحطات وسنترالات الشركة. عام 2001، تلقّى طارق اتصالاً من خارج لبنان، من شخص عرّف عن نفسه بأنه يدعى ميشال مانيو. قال الأخير إنه مدير شركة توظيف يعمل لحساب شركات عالمية كبيرة، وإنه يريد توظيفه في شركة مهمة جداً. وختم مانيو المكالمة بالقول إن مديرة شؤون الموظفين في الشركة طالبة التوظيف ستتصل به للتحدث معه في التفاصيل. بعد مدة قصيرة، اتصلت به سيدة شرحت له أنها من شركة اتصالات فنلندية، وأنها تريد الاستعانة به في مجال تصميم الشبكات. وعدها طارق خيراً. مرّت أيام قليلة، قبل أن يعاود مانيو الاتصال بطارق، داعياً إياه إلى قبرص، حيث سيلتقيان في فندق حجز له فيه غرفة. جرى ذلك قبل نهاية عام 2001. سافر طارق إلى لارنكا، ونزل في الفندق الذي حدّده مانيو. طلب الأخير منه الانتقال إلى فندق آخر بسيارة أجرة. التقيا في المكان المحدد، فسأل مانيو طارق عن طبيعة عمله في شركة سيليس، ثم عرّفه إلى مديره «ميغيل أيدو». عرّف الأخير طارق على شركته، ثم أجرى مقابلة توظيف معه. زوّده بالموقع الإلكتروني للشركة، ثم طلب منه إعداد دراسة عن نوع محدد من شبكات الاتصالات. أخذ طارق من الرجلين تكاليف إقامته في الفندق، وثمن تذكرة السفر. وعندما عاد إلى لبنان، صار يتباهى أمام أصدقائه بكونه سيتوظف في شركة مهمة في أوروبا. عمل بجدّ لإنجاز الدراسة التي كان يعطيها من وقته ساعتين كل يوم، مدة شهرين. ولما فرغ من إعدادها، بعث برسالة عبر بريده الإلكتروني إلى أيدو الذي طلب من طارق ملاقاته إلى فرنسا، محدداً له اسم الفندق الذي سينزل فيه. نحن في عام 2002. سافر طارق إلى باريس. وفي اليوم التالي، أرسل له أيدو سيارة تاكسي أقلته إلى فندق غير الذي ينزل فيه. التقى بأيدو، وسلمه الدراسة، فأعطاه أيدو مقابلها مبلغ 1500 دولار، فضلاً عن تكاليف السفر والإقامة. عبّر طارق عن امتعاضه من ضآلة المبلغ الذي تقاضاه مقابل الدراسة، وقفل عائداً إلى بيروت. راسله ميشال مانيو بعد أيام قائلاً إن أيدو بهر به وأعجب بعمله. فقال له طارق إنه لا يريد العمل في الشركة. أصرّوا على تجنيده، إذ عاود أيدو الاتصال به معتذراً، طالباً لقاءه في هولندا لحل سوء التفاهم الذ وقع في اللقاء السابق بشأن أتعاب طارق. حجز أيدو لطارق في فندق بالعاصمة الهولندية أمستردام التي قصدها الربعة أواخر عام 2002. تقابل مع «مديره» الذي أعطاه 5000 دولار أميركي لقاء الدراسة، واتفقا على التواصل الدائم. اللقاء التالي بينهما حصل في تايلاند. وكالعادة، حجز الفندق وتذكرة السفر على حساب أيدو. عندما التقيا، صعدا في باص عمومي، وصار أيدو يسأل طارق عن وضع شركة سيليس، مع التركيز على تفاصيل إضافية عن عمله، قبل أن يطرح عليه سؤالاً عن الصعوبات التي يواجهها والخلافات التي تدور داخل الشركة. ردّ طارق بأنه «مغبون ولا يحصل على ترقيات»، وأنه يريد ترك عمله، فأصرّ عليه أيدو أن يبقى فيها، ثم أعطاه مبلغ ألفي دولار أميركي، طالباً منه عدم إخبار أحد بأنهما يتقابلان.

حلف شمالي الأطلسي

لم يفهم طارق سبب هذا الطلب، إلا أن ذلك لم يدفعه إلى الارتياب إلى حدّ قطع العلاقة. وما يثير الاستغراب في إفادته التي أدلى بها أمام محقّقي استخبارات الجيش أنه لم يتوقف أبداً عن تكرار اللقاءات التي لم يطلب منه خلالها أيدو تنفيذ أي مهمات، ونقده خلالها مبالغ مالية لا بأس بها. وعلى سبيل المثال، استدعاه أيدو للقاء في تركيا عام 2003، ودفع له تكاليف السفر والإقامة، ثم أعطاه مبلغ ستة آلاف دولار. ويؤكد الربعة أن اللقاء اقتصر على «التنزّه»، وأنّهما لم يتحدثا في أمر جدّي سوى أن أيدو لمّح له إلى أنه يُخضع من يعملون معه لاختبار كشف الكذب. في العام ذاته، التقيا في فرنسا. لكن هذه الرحلة كانت أكثر جديّة، إذ عرّفه خلالها أيدو على «ليونيل مارتينيز»، قائلاً إن الأخير هو مدقّق الحسابات في الشركة. في العام التالي، حصل اللقاء في فرنسا، لكنه هذه المرة اقتصر على مارتينيز الذي أبلغ طارق أن أيدو قُتل في حادث دراجة نارية، وأنه هو (مارتينيز) من سيتولى التواصل معه. أكثر من عامين، ولم يشك طارق، حسب زعمه في إفادته. لكن هذا اللقاء لم يدع مجالاً للشك. اصطحبه مارتينيز إلى فندق حيث كان في انتظارهما فريق من عدة أشخاص. قال ليونيل لطارق إنه سيخضع لفحص على آلة كشف الكذب. وافق طارق، فسئل عمّا إذا كان قد أخبر أحداً عن لقاءاته بأيدو، وعمّا إذا كان يتعامل مع أحد الأجهزة الأمنية اللبنانية أو مع المقاومة. في نهاية الاختبار، قال ليونيل لطارق: لقد رسبتَ. وللأسف، كنت أريدك أن تعمل معنا. نحن جهاز استخبارات حلف شمالي الأطلسي. لكنك فشلت، ولم نعد بحاجة إليك. قبض طارق تكاليف السفر والإقامة، وعاد إلى بيروت. مجدداً، انقطع تواصله معهم، بحسب زعمه، إلى أن حان شهر آذار 2005. اتصل به ليونيل مارتينيز مجدداً، طالباً ملاقاته إلى العاصمة اليونانية أثينا. لبّى طارق الدعوة. وبعد وصوله إلى الفندق بخمس ساعات، أخبره بأنه سيرسل له سيارة أجرة. الإجراءات ذاتها التي تنفذها الاستخبارات الإسرائيلية مع عملائها: من الفندق بسيارة تاكسي إلى فندق ثان، ومن الفندق الثاني بسيارة أجرة ثانية إلى فندق ثالث. تدابير تهدف في الدرجة الأولى إلى كشف الرصد والتعقّب. كان اللقاء يهدف إلى إعادة إحياء العلاقة مع الربعة. سأله ليونيل، ومهندس كان معه، عن أحوال الشركة (ألفا التي حلّت مكان سيليس)، وعن المناقصة التي تجريها لشراء أجهزة ومعدّات جديدة. أجاب طارق عن الأسئلة، مشيراً إلى أنه سيسعى جهده لترسو المناقصة على شركة «ألكاتيل». عقدت ثلاثة اجتماعات بين الطرفين، قبل أن يسلم ليونيل طارق مبلغ 10 آلاف دولار أميركي، محدّداً له موعداً للقاء لاحق في كوبنهاغن بعد شهرين، معرباً عن أمله أن يُحضر الربعة معه مزيداً من المعلومات. في شهر آب 2005، التقى طارق بليونيل في العاصمة الدنمركية. إجراءات اللقاء الاعتيادية سبقت اصطحاب المشغّل عميلَه للقاء مديره في وكالة الاستخبارات. والأخير، رجل ستيني يستخدم اسم «باتريك انطونيلي». أراد ليونيل طمأنة طارق، طالباً منه بثّ ما يريد من شكوى إلى «مدير الوكالة». أبدى طارق انزعاجه من اختبارات كشف الكذب، طالباً زيادة المخصصات المالية التي يتلقّاها. خفف باتريك من المشاعر السلبية لدى طارق، واعداً إياه خيراً بالنسبة إلى المخصّصات المالية، قائلاً له: «مستقبلك بالعمل معنا». رحل «المدير»، وبقي طارق مع ليونيل والمهندس. أخبرهما أنه عندما عاد من أثينا إلى بيروت، فوجئ بأن شركة ألفا تتجه للتعاقد مع شركة سيمنز التي قدّمت عرض أسعار أدنى من أسعار شركة ألكاتيل. وقال طارق للرجلين إنه واجه مديره، فيليكس واس، طالباً الكشف على أجهزة سيمنز لمعرفة مدّة فعاليتها وقدرتها على تلبية حاجات الشركة. شدّد ليونيل والمهندس على طارق ألّا يقوم بأي عمل يجعله في حالة صدام مع إدارة شركة ألفا، وأن ينفذ كل ما يُطلب منه، قبل أن يعطيه ليونيل 10 آلاف دولار. التقيا بعد شهرين في تايلاند، ثم في ألمانيا. كانا يتحدثان عن أوضاع الشركة وتفاصيل عمله. وفي كل لقاء، كان ليونيل يذكّره بضرورة إبقاء علاقته ممتازة بإدارة الشركة. وفي ألمانيا، علم ليونيل بحصول خلاف بين طارق ومديره، فوجّه له لوماً شديداً. بقيت اللقاءات بينهما تحصل كل شهرين، يتخللها إفراغ ما فيه جعبته عن الشركة وأوضاعها. وفي كل لقاء، كان طارق يحصل على مبلغ لا يقل عن 8000 دولار أميركي. في شباط 2006، التقيا في تشيكيا. أبلغ طارق مشغّله أن الصفقة ألغيت مع شركة سيمنز، وأن الشركة قررت نهائياً الاتفاق مع ألكاتيل. نال عشرة آلاف دولار، وعاد إلى بيروت بعدما قدم شرحاً تفصيلياً عن معدات وأنظمة معتمدة داخل ألفا. بعد شهرين (أيار 2006)، حطّ طارق رحاله في باريس. الغلة هذه المرة 12 ألف دولار أميركي، يقابلها شرح مفصّل عن بنية «العمود الفقري» لشركة ألفا، وخريطة تفصيلية للمحطات وكل المعلومات المتوافرة عنها. التوجيهات ذاتها: ابتعد عن أي خلاف مع الإدارة، وأبلغنا كل جديد يتوافر لديك. خلال حرب تموز 2006، يقول طارق في محضر التحقيق معه، اتصل به ليونيل، ولم يطلب منه سوى التردّد إلى الشركة، لكي «لا تظن الإدارة أنك غير مهتم». نفّذ طارق ما طُلِب منه، فقصد الشركة منتصف الحرب، «لكنني لم أجد أحداً تقريباً، فلم أعد إليها إلا بعدما وضعت الحرب أوزارها». استمرت اللقاءات بوتيرة لقاء واحد كل شهرين. وفي كل مرة دولة جديدة وتبديل فنادق وسيارات. معلومات تقابلها عشرة آلاف دولار أو أكثر. بعد حرب تموز، لم يكن ليونيل مرتاحاً. يصفه طارق بأنه كان متشدداً جداً، وحذراً إلى أقصى الحدود. سأله عن وضع الشركة بعد الحرب، فرد طارق متحدثاً عن الأضرار التي لحقت بالشبكة، فسأله ليونيل بالتفصيل عن المواقع التي تعرّضت للقصف. وكان اللافت في هذا الاجتماع أن المشغل طلب من طارق تزويده برقم تسجيل سيارته التي يستخدمها في لبنان، ففعل ذلك. وفي لقاء لاحق، طلب من طارق أسماء كل الموظفين العاملين في الشركة، والمعلومات المتوافرة كلها عنهم. حصل عليها طارق بعد عودته إلى بيروت، ووضعها على شريحة (USB) سلّمه إياها في اللقاء التالي.

كان يخبرهم عما يجري داخل ألفا لحظة بلحظة (أرشيف)

عام 2007، بدأ طارق بوضع دراسة لتوسيع شبكة ألفا. وضع مخططاً تفصيلياً حمله معه إلى ليونيل في لقائهما في هنغاريا. أخذ مبلغ 12 ألف دولار وجهاز هاتف مع شريحة فرنسية. عاد طارق إلى بيروت، وقدم دراسة للشركة عن توزيع أعمدة الشبكة في الجنوب. رسم خطاً يصل بين دردغيا وصفاريه وعبيه. أجرى مناقصة رست هذه المرّة أيضاً على ألكاتيل. قبل نهاية عام 2007، التقى مشغّليه في تايوان. عقد أكثر من جلسة عمل مع ليونيل والمهندس. زوّدهما بالتفاصيل التقنية للمشروع الجديد. وقبل العودة إلى لبنان، حظي بثلاثة عشر ألف دولار، وأرجع الهاتف إلى ليونيل، طالباً حصر التواصل بالإنترنت لأنه أكثر أمناً. كان طارق يسلّم دفاتر شروط المناقصات لمشغّليه. وبعد تنفيذ أي مشروع، يحيطهم علماً بالتفاصيل التقنية للتجهيزات الجديدة. وفي كل مرة، يطرحون عليه أسئلة عن معدات وتجهيزات أو أقسام في الشركة. بعد اليونان والنمسا، كان الموعد في كانون الثاني 2009 في تركيا. ومع ليونيل حضر مهندس جديد يستخدم اسم «كولين». سأل الأخير طارق عن تفاصيل تتصل بأنظمة تشغيل الشركة. أخبره طارق عن مناقصة لتركيب أجهزة جديدة في الجنوب، وأن أمام الشركة خيارين: إما اللجوء إلى شركة ألكاتيل وإما الحصول على التجهيزات من شركة هواوي الصينية. شدد ليونيل على ضرورة رفض عرض الشركة الصينية، وإبقاء المعدات الموجودة في الجنوب على قدمها، وبالتجديد، معدات ألكاتيل. وتمّ للإسرائيليين ما أرادوه، إذ بقيت محطات الجنوب مجهّزة من شركة ألكاتيل التي زوّدت ألفا بمعدات لعشرات المواقع في بيروت وضواحيها. وخلال أحد اللقاءات التي جمعتهما، شدّد ليونيل على ضرورة إبقاء شبكة الجنوب من دون إضافة أنظمة حماية إليها، لكي «تبقى لدينا القدرة على التنصّت». ردّ طارق بالقول إن حزب الله لا يستخدم الشبكة الخلوية ولا الشبكة الثابتة، وأن لديه شبكته الخاصة، فردّ ليونيل بالقول: لدينا جنود منتشرون في الجنوب، ونريد حمايتهم. استمر الوضع على ما هو عليه، ولم تتأثر وتيرة العمل بين طارق ومشغّليه بعمليات توقيف العملاء التي بدأ الكشف عنها قبل نهاية عام 2008. فقد استمر طارق بالسفر، وبتزويد مشغّليه كل المعلومات المتوافرة لديه. كان كل ما يعرفه عن شبكة الخلوي في لبنان يُنقل إليهم. في أيار 2009 طلبوا منه تركيب محطة في مار تقلا، ولمّا فشل في تركيب «العمود الفقري» في المكان الذي حدّدوه، أصرّوا على معرفة الأسباب. ولم يصدّقوا كل ما قاله. وفي لقاءات لاحقة، أخضعوه لأكثر من اختبار لكشف الكذب، ثم أبلغوه أنه لم ينجح في أي منها. لكنّ فشله لم يغيّر من واقع الحال شيئاً. استمرت العلاقة على المنوال ذاته، حتى نيسان 2010. اتصل ليونيل بطارق طالباً اللقاء به، فأخبره طارق أنه سيسافر إلى مدينة فرانكفورت الألمانية. حجز في فندق هناك، وأخبر ليونيل بالعنوان. أحضر الأخير معه مهندساً جديداً. طلب المهندس من طارق البحث عن عمود إرسال يمكن وصله بموقع ضهر البيدر ـــــ بيروت، بهدف استعماله للتنصّت على المكالمات في البقاع. «وإذا نفذتَ هذا المشروع، فستحصل على مئة ألف دولار». ردّ طارق بأن الأمر صعب، لكنه سيبذل ما في وسعه لتنفيذه. في اليوم التالي، التقى ليونيل وحيداً. أخبره الأخير بأنه سيتقاعد، وبأن شخصاً آخر سيتواصل معه عبر الإنترنت. أعطاه 20 ألف دولار، وودّعه للمرة الأخيرة، على أمل أن يستمر بالتواصل مع خلفه. عاد إلى بيروت، فأوقفت استخبارات الجيش زميله شربل قزي بشبهة التعامل مع الاستخبارات الإسرائيلية. تملّكه الرعب، فأتلف الأجهزة المسلّمة إليه من ليونيل. وبعد 18 يوماً، أوقف طارق الربعة. قبل ذلك، يقول طارق في محضر التحقيق معه إنه شك في أن مشغليه ليسوا من حلف شمالي الأطلسي، بل من الموساد الإسرائيلي. بحث عن أسمائهم على الإنترنت، فلم يجد أيّاً منهم. لكن هذه الشكوك لم تدفعه إلى قطع علاقته. يوم 12 تموز 2010، انقطعت إلى غير رجعة.

يوم شكّ طارق الربعة بشربل قزّي

شربل قزي وطارق الربعة

حتّى اليوم، لم يصدّق بعض أصدقاء طارق الربعة أن صديقهم عميل. الشاب ذكيّ جداً، و«جبان» لا يقدم على المغامرات. أضف إلى ذلك، يقول أحد عارفيه، لم يكن طارق يعاني ضائقة مالية تدفعه إلى التعامل مع جهاز استخبارات، «فأهله ميسورون، وراتبه لا بأس به. وحين كنا نحن نأتي إلى مركز العمل بالسرفيس، كان لدى طارق سائق يهتمّ بتنقلاته»، يقول صديق له بشيء من المبالغة. يضيف أحد زملائه: «كان طارق طموحاً، والمستقبل الواعد ينتظره». لكن ثمة جانباً من شخصية طارق الربعة كشفته محاضر التحقيق، وكان مجهولاً من عارفيه، هو طلبه الدائم للمال. طلب من مشغّليه زيادة المبالغ التي يدفعونها له. ولم يتوقف يوماً عند عواقب ما يفعله، وبقي على تواصل معهم رغم اتهامهم الدائم له بالكذب. خلاصة القول أن طارق الربعة لم يكن لديه أي سبب يدفعه للعمل جاسوساً، ورغم ذلك، فإنه تجنّد للعمل مع الإسرائيليين، سواء كان يعرف هويتهم أو يجهلها. لم يكن طارق غبياً، وهو على سبيل المثال كان يشك في تعامل زميله، شربل قزي، مع جهاز الاستخبارات ذاته الذي يتجسس هو لحسابه. ففي اللقاء الذي جمعه بـ«ليونيل مارتينيز» في سويسرا في أيلول 2009، كان ليونيل والمهندس الذي يرافقه يؤكدان لشربل ضرورة منع تبديل أجهزة ألكاتيل المنشورة في شبكة الخلوي في الجنوب. فسأل طارق ليونيل: هل يعمل شربل قزي معكم؟ رد ليونيل بسؤال: لماذا تسأل؟ قال طارق الربعة: لأن شربل يصرّ على عدم تبديل أجهزة ألكاتيل أيضاً. بالتأكيد، لم يكشف ليونيل لطارق أن زميله في شركة ألفا هو زميله في التجسس أيضاً. أضف إلى ذلك أن طارق هو أحد قلّة من الموقوفين الذين يتنبهون إلى أن الاتصالات الهاتفية هي طريق غير آمن للتواصل، ويطلب من مشغّليه حصر التواصل معه بالإنترنت. منذ توقيفه، لم تتمكن وزارة الاتصالات ولا شركة ألفا من حصر الأضرار التي ألحقها بشبكة الخلوي، وإن كان بعض الأمور في المقدور تغييره، (كتفكيك محطة الإرسال التي وضعها شربل في منطقة الحازمية ـــــ مدرسة «الكرمليت»)، إلا أن تصويب بعض ما فعله لمصلحة الإسرائيليين لا يزال بعيد المنال. ففي الجنوب وبيروت الكبرى، ثمة حاجة إلى مسح المئات من الأجهزة التي كان الإسرائيليون يصرّون على عدم استبدالها. كذلك، فإن بعض «الأعمدة الفقرية» لشبكة الجنوب يحتاج إلى إعادة درس، وخصوصاً لناحية الموقع الجغرافي الذي اختير بطريقة تسهّل للإسرائيليين التنصّت، أو بناءً على طلبهم.

عميل «دلّوع» هو الأكثر تلقّياً للمال

ثمّة الكثير ممّا يميّز طارق الربعة عن غيره من العملاء. ليس الوحيد الذي تجنّده الاستخبارات الإسرائيلية، منتحلةّ صفة جهاز أمني آخر أو شركة تجارية. لكنه، حتى اليوم، من أكثر العملاء تلقّياً للمال، وخصوصاً إذا أُخذت في الحسبان الفترة الزمنية التي عمل فيها معهم حتى توقيفه. فقد فاق ما أقرّ بأنّه تلقّاه من مشغّليه الـ250 ألف دولار أميركي، وهو مبلغ كبير قياساً بما كان يحصل عليه «زملاؤه» الذين أوقفوا حتى اليوم. ومن ميزات طارق الأخرى، أنه كان «مدلّعاً» من الإسرائيليين. فهو من القلّة الذين لم تتناقص الأموال التي يحصلون عليها يوماً بعد آخر، وكان مشغّلوه مهتمين جداً بالحفاظ على صلتهم به، وعلى وتيرة مرتفعة للّقاءات التي كانت تُعقد معه تقريباً كل شهرين. في بعض الأحيان، كان طارق يسافر للسياحة (في هونغ كونغ وتايلاند وألمانيا...). وما إن يبلَّغ مشغّله بذلك، حتى يلاقيه الأخير في الدولة التي يزورها. أضف إلى ذلك أن طارق الربعة هو من القلّة النادرة التي كانت ترسب في اختبار كشف الكذب، وحافظت الاستخبارات الإسرائيلية على صلتها به رغم ذلك. فطارق الربعة خضع لأربعة اختبارات: في النمسا عام 2004، وفي هولندا عام 2005، وفي تشيكيا عامي 2009 و2010. وفي إحدى المرات، أعيد اختباره ثلاث مرات، من دون أن يتمكّن من النجاح في إحداها. وثمّة رأيان لتفسير ذلك. الأول، أن يكون طارق قد فشل فعلاً، وأجرت الاستخبارات الإسرائيلية اختبارات عملية له، فأيقنت أن فشله عائد إلى مشكلات عصبية تمنع التثبت من صحة اختبار كشف الكذب (يحدث ذلك في حالات كثيرة)، وبالتالي، قررت الإبقاء على صلتها به لحاجتها إليه. الرأي الثاني، وهو الأضعف، مفاده أن طارق لم يكن يفشل في اختبار كشف الكذب، بل كان ينجح، وكان مشغّلوه يريدون إبقاءه عرضة لضغط يسمح لهم بالإمساك به دائماً. وحتى اليوم، أظهرت التحقيقات التي أجريت مع موقوفين بجرم التجسس لحساب الإسرائيليين أنهم يخضعون دورياً لاختبارات كشف الكذب، للتحقق بالدرجة الأولى من كونهم ليسوا عملاء مزدوجين، أي أنهم لا يعملون في الوقت عينه لحساب جهاز أمني معاد لإسرائيل. ومعظم العملاء الذين أوقفوا وتحدّثوا عن اختبار كشف الكذب، قالوا إن مشغّليهم وجّهوا لهم أسئلة عما إذا كانوا قد أخبروا أحداً بعلاقتهم الأمنية، وعما إذا كانوا يعملون لحساب جهاز أمن المقاومة، أو استخبارات الجيش اللبناني، أو الاستخبارات السورية (خصوصاً قبل الانسحاب السوري من لبنان). واللافت في محضر التحقيق مع طارق الربعة، هو ما ذكره عن الاختبار الأخير الذي خضع له، إذ أضافت الاستخبارات الإسرائيلية سؤالاً جديداً إلى قائمة أسئلتها: هل تتعامل مع فرع المعلومات؟

مآثر وحكايات من لبنان إلى تايلاند

لم يكن طارق الربعة متحفظاً خلال التحقيق معه. من الجلسة الأولى (يوم 12/7/2010) أفاد المحققين اللبنانيين بملخّص عن علاقته بمشغّليه. إلا أنه كان يدلي بإفادته بـ«التقسيط». في المرحلة الأولى، لم يعترف بأنه استخدم هاتفاً أمنياً للتواصل معهم، لكنه، قبل نهاية الجلسة، «عاد وتذكّر» أن ليونيل زوده برقم هاتف ألماني أو بلجيكي، وبجهاز نوكيا للتواصل معه حصراً على خطه الفرنسي. وقال الربعة إن رقم الهاتف بقي معه لنحو عام، قبل أن يعيده إلى ليونيل. وفي مرحلة لاحقة من التحقيق معه، قال طارق إن ليونيل أعطاه كومبيوتر محمولاً خلال عام 2005، مجهزاً بنظام تشفير خاص. فهو يعمل وفق أي جهاز آخر، إلا أن استخدام شريحة USB خاصة (حصل عليها من ليونيل أيضاً وتلقّى تدريباً على تشغليها) ووضع كلمة السر المطلوبة يفتح برنامجاً خاصاً (يطغى اللون الأحمر على رسومه) يمكّنه من إرسال المعلومات التي يطلبها مشغّلوه وتلقّي طلباتهم. وكانت الرسائل التي يبعث بها أو يتلقّاها تخضع للتشفير، إذ إنها تتحول إلى صورة عادية (صورة لهاتف أو لمنظر طبيعي...). وبعد التشفير، يرسل الربعة المعلومات مستخدماً بريداً إلكترونياً يملك طارق ومشغّله مفتاح المرور إليه. ويقول الربعة إن الكومبيوتر «الأمني» المحمول تعطل بداية عام 2010، فأخذه معه إلى ألمانيا حيث ردّه لليونيل الذي أعطاه بديلاً عنه. ويقول طارق إن الكومبيوتر الأخير بقي معه هو والـUSB لغاية توقيف شربل قزي (حزيران 2010)، حين حطّمهما ورمى أجزاءهما في المرحاض وفي القمامة. وصرح الربعة بأن مشغّليه «أهدوا له» كاميرا تحوي حافظة معلومات كبيرة، كان يضع عليها الدراسات والخرائط التي يطلبونها منه.

■ ■ ■

- عندما طلب منه مشغّلوه تثبيت عمود إرسال في منطقة مار تقلا بالحازمية، قالوا له أن يقترح على إدارة الشركة بناء موقع خاص بها، إلا أن الإدارة رفضت عرض طارق، فكلفه مشغّلوه البحث عن بناء لتركيز العمود على سطحه، محددين له دائرة تضم أربعين مبنى. وقد سعى طارق مع مالكي هذه المباني، فرفضوا جميعاً وضع عمود إرسال فوق أسطح منازلهم. وفي إحدى مراحل التحقيق، قال طارق إن الإسرائيليين كانوا يريدون ربط محطة الحازمية ببيروت وضهر البيدر والباروك!

■ ■ ■

- عام 2008، قابل طارق الربعة مشغّله ليونيل ومهندساً في فرنسا، وأخبرهما أن «الشركة بصدد تغيير كل الأجهزة القديمة والانتقال من نظام SDH إلى نظام pacnet، وأن مديره طلب منه إجراء مناقصة لهذا المشروع»، فطلب ليونيل من الربعة أن يبذل جهده لعدم إجراء هذه المناقصة.

■ ■ ■

- ذكر طارق الربعة في إفادته التي أدلى بها لدى مديرية استخبارات الجيش أن قسم البث في شركة ألفا نظّم محاضرة بعد حرب تموز 2006 لتقويم حجم الأضرار التي لحقت بالشبكة التي تشغّلها الشركة في الجنوب. وكان المحاضر، زياد معلوف، يعرض صوراً لأعمدة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلّة موجّهة إلى لبنان. وكان المدير التقني السابق في الشركة، فيليكس واس، حاضراً مع طارق، فسأله عن ماهية هذه الأعمدة، فردّ طارق بالقول إنها للتنصّت.

■ ■ ■

- استخدم طارق الربعة في إفادته تعبير «جنّ جنونه» لوصف رد فعل مشغّله عندما سمع بأن شركة «هواوي» الصينية قد تفوز في مناقصة لتركيب أجهزة في الجنوب. يضيف الربعة أن مشغّله طلب السعي لإرساء المناقصة على شركة «ألكاتيل» الفرنسية.

■ ■ ■

- كان مشغّلو طارق الربعة يركّزون في بعض اللقاءات أسئلتهم حول جديد نظام الفوترة في شركة ألفا، إضافة إلى التشديد على الـOSS، أي نظام التشغيل الذي يربط غرفة التحكّم العائدة للشركة بالسنترالات. وشرح الربعة للمحققين أن الـOSS يسمح بمراقبة كل محطّات البث الخلوي على الأراضي اللبنانية، ويظهر الترددات والأعطال فوراً، إضافة إلى السماح بالتحكم بمسارات خطوط التوصيل بين السنترالات، ويتيح لمن يتحكمون به التحكم بالخدمات المتوفرة للزبائن، مثل توقيف الخط أو تشغيله. ويمكن من خلاله، حسب إفادة الربعة، تحديد مكان المتصل. وقال إن مراكز تشغيل الـOSS قائمة داخل مبنى شركة ألفا وفي مبنى ليباتيل ـــــ قسم الصيانة.

■ ■ ■

- ذكر طارق الربعة لمشغّليه خلال عام 2008 أن شركة ألفا بصدد تطوير أنظمة تشغيل الشبكة من خلال الاعتماد على نظام IP/MPLS. فسأله المهندس المرافق لمشغّله عن تفاصيل هذا الأمر المرتبط بالدرجة الأولى بتقنيات التعريف في الشبكة.

■ ■ ■

- أواخر عام 2006، وأثناء وجود طارق الربعة في تايلاند للقاء مشغّله ليونيل، وقع انفجار في مكان قريب من الفندق الذي كان ينزل فيه، فطلب منه ليونيل ملازمة الفندق، وحجز غرفة في فندق بمنطقة بعيدة عن العاصمة التايلاندية. ثم انتقل الرجلان إلى هذه المنطقة، حيث عقدا جلساتهما المعتادة.

■ ■ ■

- كثر حديث طارق الربعة خلال التحقيق معه عن لقاءات لم يكلفه خلالها مشغّلوه بأي مهمة، باستثناء الاستماع منه عن كل المعلومات التي في حوزته عن الشركة وشبكة الخلوي وأي تطوير يجري عليها. وذكر طارق أكثر من مرة أنه كان يتنزّه مع مشغّله الذي أهدى له في أحد اللقاءات ساعة يد ماركة TISSOT.

العدد ١٢٩٠ الاثنين ١٣ كانون الأول ٢٠١٠
حسان الزين

تزورنا سهى بشارة مع كتابها الجديد، «أحلم بزنزانة من كرز»، الصادر عن «دار الساقي» كأنّنا أسرى. فكلماتها التي تحاول التقاط أيام الأسر (1988 ـــــ 1998) وتفاصيلها وعاداتها ووجوهها وأسمائها، طالعة من نفسٍ حرّة متصالحة مع تجربتها وواقعها. هكذا، تقدّم سهى كتاباً لا ليُقرأ وحسب، ولا لتُحَبّ نصوصه الحرّة وحسب، ولا لتَروي هي ما حصل معها ومع رفيقاتها وكيف كنَّ يعشن ويتحدّينَ بصمتٍ السجنَ والسجّانَ والعزلَ والمللْ، كأنّها تقدّم إلينا اقتراحاً كيف هو العيش في السجن، أو بالأحرى، كيف هي الأشياء الصغيرة والتفاصيل البسيطة والاختراعات السريّة الأوليّة، التي تعيد الإنسان إلى إنسانيته وتجعله حرّاً حتى ولو في السجن. شعرت وأنا أقرأ تلك العبارات الرشيقة المكتوبة كمَن يقفز فوق الصخور عابراً النهر، وأنا أحتفي مع الصور بمشغولات سهى ورفيقاتها، بأنّ سهى تفتح أمامنا ألبوم حياة نخسرها ونهملها. لا تتحسّر مطلقاً على السجن ولا على عمر مضى، هي حرّة وقد بات الزمن بالنسبة إليها غير ما هو بالنسبة إلينا، نحن المشغولين بأمورٍ أخرى خارج السجن الذي تحكي عنه.تطلّ علينا سهى، بابتسامتها المعهودة، الطيّبة البريئة، كأنْ لتهزأ بما نعيشه. تقول إنّ لديها حياةً وقد استعادتها بعيداً منّا، لأنّها سعت إلى ذلك ولأنّنا ابتعدنا كثيراً عن حياتنا. تضعنا، عبر كتابها، إزاء حياتنا. لعلّها لا تقصد ذلك، هي «تضيّفنا» حياتها وأسماء رفيقاتها المعتقلات وأشياءهنّ الصغيرة. وبؤس حياتنا هو ما يقيم تلك المسافة بين ما نحياه وما هي الحياة... حتى في السجن. وأجمل ما في الكتاب أنه لا يدّعي النضال السياسي. ثمّة نضالٌ إنسانيّ صحيح، وعلّته سهى ورفيقاتها المعتقلات. سهى ورفيقاتها لكونهنّ نساءً جعلنَ المعتقل مكاناً لبدء الحياة، أو لعودة الحياة إلى أوّليّتها، إلى بدايتها. فالرجال، أو الذكور، يأخذون المعتقل إلى السياسة أو إلى قيمها وأيديولوجيّاتها. وها هو الكتاب يبوح بالفرق، لا مديحَ فيه للمعتقل ولا للبطولة، ولا ذكر للسياسة كممارسة أو «فنّ»، وقد اشتغلته سهى بحرية وتواضع وأناقة. وتجدها تحكي الأشياء كما هي، من دون تفسير أو ادعاء، تارةً تروي وأخرى تستسلم للشِعر والرومنسيّة التي تجعلها تحلم بزنزانة من كرز، كأنّ الكرز يحيل الزنزانة شيئاً آخر غير ما هي حقيقةً. كلمات عارية، عادية، تقطف المعنى واللحظة وتقدّمها من دون أيّ سعي إلى أسطرةِ تلك الحياة أو تغليفها حتى بالأدب. فنصوص الكتاب ومشغولاته مخلصة لتلك الحياة التي تستعيدها أو تصوغها سهى ورفيقاتها. وهي حياةٌ بدائيّة مشدودة إلى الخارج بهمومه الشخصيّة والإنسانيّة. والرحلة مع سهى هي دخول إلى حياةِ المعتقلات ويومياتهنّ وأحلامهنّ والعلاقات التي نسجنها في خفية من السجّان، وهذا أرقى ما في الكتاب. وتستطيع سهى التقاط تلك الأبعاد بشفافيّة مَن عاشها وانتمى إليها أكثر ممّا هي ببراعة كاتب يتناول الموضوع من الخارج.تصوغ سهى (وكوزيت إبراهيم) نصوصها وكتابها عموماً بتواضع وانتماء كما كانت تفعل في المعتقل مع تلك المشغولات التي جمع الكتاب بعضها صوراً تقول ما هو العالم الذي أرادته هي ورفيقاتها. هكذا، تعود سهى، ومعها القارئ، إلى تلك الزوايا وأسرارها الشخصيّة والجماعيّة. رحلةٌ حرّة، مُفلْتَرة، تحضر فيها الحياة والأشياء والأشخاص من دون مصادرة أيّ منها ومنهم في سياق سرديّ أو أيديولوجيا، حتى الوطنية التي انطلقت سهى بشارة منها لتنفيذ قرار إعدام قائد الميليشيات المتعاملة مع الاحتلال لا تحضر كتعبير فجّ أو مكرور. حتى كوزيت إبراهيم، رفيقة سهى في الكتاب، سرعان ما تستقيل من الكتابة عن تجربتها في المعتقل، ويتيح لها الكتاب أن تتحرر وتعود إلى حيث تشاء.الكتاب بريء من أيّ إسقاط وشعار. هو صوتٌ إنسانيّ خافت يحكي تلك الحياة ويتذكر أولئك الأشخاص وذاك المكان الذي تزوره سهى مبتسمةً وكأنه رحِمٌ لحياة سعيدة جميلة، من دون عبء الرغبة في التحرّر منه والتخلّص من ذكرياته وكوابيسه. ولم تكن سهى قادرة على ذلك لولا مصالحتها مع نفسها. هذا ما يجعل الكتاب نقيّاً من أيّ دروس أو حِكَم. هو ألبومٌ أنيق شفّاف معبّر يترك القارئ يعيش ويرى حياةً لا شعارات، وإنساناً يقاوم بوجوده ويتحدّى بعوالمه الخاصة التي لا يربكها انتهاء حرب ولا انهيار الاتحاد السوفياتي.

العدد ١٢٩٩ الجمعة ٢٤ كانون الأول ٢٠١٠
الأخبار: اعتصام نقابي ضدّ السياسات الاقتصاديّة الحكوميّة بلا «العمالي»

في بلد الطوائف والمذاهب، تذوب قضايا المواطنين ومشاكلهم في بحر الخلافات السياسية والانقسامات المذهبية، قلّة لا يزالون يرون أن الشارع منفذ للصراخ في وجه السلطة، وهؤلاء القلّة يقلّون تدريجاً، وفي مرحلة التناقص هذه، تختفي إطارات نقابية كانت هي المحرك الأساسي للعمال، فقد تنحّت قيادة الاتحاد العمالي العام عن المشاركة في سلسلة من النشاطات المطلبيّة خلال الأشهر السابقة، وكان آخرها اعتصام، نفذ أمس، يقول المنطق إن الاتحاد العمالي كان يجب أن يكون فيه مبادراً...

رشا أبو زكي

ليسوا كثراً، إنهم بضع مئات، تتّسع لهم بضعة أمتار في منطقة أثرياء سوليدير، تحدّهم السرايا الحكومية من الشمال، ضريح الرئيس الأسبق رفيق الحريري من الجنوب، المجلس النيابي من الغرب، وعلى مدارهم يلتفّ مئات من العسكريين. هنا كل الحدود معادية للفقراء، وهنا يمكن أن تُرفع الصرخة في وجه السياسات السلطوية للحكومات المتعاقبة، التي أدت الى خلق فجوة قسرية بين فقراء كثر، وقلة من الأغنياء...

عنصر الشباب طاغ، ومن شاب شعره حمل لافتة تحمل هي الأخرى همومه المعيشية. هنا قادة لنقابات عمالية، إعلاميون، مصوّرون، عمال، طلاب، أساتذة، موظفو مصارف، سائقون عموميّون، ففي اعتصام اللقاء النقابي الشعبي كان هناك تمثيل لمعظم النقابات المعنية بعنوان الاعتصام «ليس للرغيف هوية، وما مات شعب لديه قضية»... باستثناء قيادة الاتحاد العمالي العام، فهذه القيادة فضلت أن تستمر في «نضال المكاتب»، مرابضة في مبناها على كورنيش النهر، رغم أن المبنى زجاجي ويمكن من خلاله رؤية منطقة كرم الزيتون، حيث بيوت الفقراء تتراكم كجبل باطون بعضها فوق بعض، إلا أنه أمس، غطّت ستائر غرفة القيادة هذا المشهد، وانتصرت «التعليمات» السياسية كما العادة، فلم يخرج بيان الاتحاد العمالي العام عن لغة التهديد والوعيد بالتحرك ليس اليوم ولا غداً ولا بعده... بل في عام 2011!

صوت في وجه السلطة

ثلاثة تفاصيل كانت لافتة، عبارة «فلنرفع الصوت عالياً في وجه السلطة، فلنقل لهم: كلكم شركاء في تقاسم الحصص والنفوذ والصفقات وحماية الاحتكارات»، صوت مارسيل خليفة «مدري كيف حاسس إني زعلان»، ويد جنان التي ترتفع حماسة عند كل شعار يطلقه الشباب وعند كل كلمة تعبّر ولو بصيغة ملطّفة عن وضع الشباب الذي ينتظر تصديره الى دولة ما... يرى رئيس الاتحاد الوطني للنقابات كاسترو عبد الله في كلمته أنه كلما اشتد الصراع السياسي بين أطياف هذه السلطة، أصيبت الطبقة العاملة والكادحة وذوو الدخل المحدود وكل الفقراء الذين يتزايدون كل يوم بفضل وفعل سياسة «التطنيش» المعتمدة من كل أطياف السلطة وبكامل أطرافها عن معالجة الأزمة الاقتصادية والاجتماعية المتمادية والتي وصلت إلى ذروتها من خلال رغيف الخبز (الناشف والمسروق) الذي لم يعد بمقدور الطبقة العاملة والشعب الحصول عليه. ووجد عبد الله وحدة ما في حالة الشعب والسلطة، ففي المعادلة اللبنانية، لم يتوحّد المواطنون في وجه من يفقرهم، بل «توحدت سياسة سلطة المحاصصة ضد شعبها وضد الطبقة العاملة وضد الشباب، فقط هذه الأولويّة عندكم جميعاً، وهموم الناس والوطن في مهبّ الريح بفضل سياستكم». فالطبقة العاملة في لبنان تعيش أصعب الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتتوالى أزماتها وإرهاقها بالضرائب من جهة، وتجاهل مطالبها وحقوقها بالعمل والأجر والسكن والطبابة والتعليم والتأهيل بفعل استمرار نهج الحكومات المتعاقبة، وآخرها «اتحاد حكومة التحاصص الطائفي» في تبنّي سياسات اقتصادية واجتماعية تقوم على زيادة الضرائب والرسوم من الـTVA إلى زيادة أسعار البنزين والمحروقات، وخاصة الآن في فصل الشتاء، ورفع أسعار للمواد الغذائية وآخر «مآثر» السلطة امتدت إلى رغيف الخبز. إنها سياسة الحكومات المتعاقبة، يقول عبد الله، التي أدت إلى إغراق البلاد في مديونية ذات مستويات مرتفعة جداً، إضافة إلى السياسة الضريبية المعتمدة على الضريبة غير المباشرة التي تصيب معظم الشعب اللبناني من عمال وفلاحين وذوي الدخل المحدود والفقراء وكل فئات الشعب وتعفي الرساميل الكبيرة والشركات التابعة لها من هذه الضرائب، في ظل الإمعان بالتغاضي عن الهدر والفساد المستشري في كل الإدارات ومؤسسات القطاع العام بهدف إفلاسه وتبرير بيعه للشركات الخاصة، بعد إيهام الرأي العام بأنه لا سبيل للإنقاذ أو الإصلاح في إدارة القطاع العام إلا ببيعه وخصخصته.

قرار الهجرة لم يعد صائباً

وفي الاعتصام، كان اتحاد الشباب الديموقراطي اللبناني حاضراً كالعادة، وتوجّه أمينه العام علي متيرك الى العمال والطلاب وكل من يرزح تحت خط الفقر الموحش، بصرخة اللقاء الشعبي النقابي في وجه السلطة الجائرة، ورأى أن هذه السلطة دأبت في حكوماتها المتعاقبة منذ عام 1992 على ضرب الاقتصاد الوطني ورهنه لسياسات الصندوق والبنك الدوليين وخدمة لمصارف ذوي النفوذ فأفرغت المؤسسات وأفسدت الإدارات وضربت الإنتاج في الصناعة والزراعة، حتى بات لبنان يستورد كل شيء ولا يصدر سوى شبابه الذين يمثّلون 41 في المئة من القوة العاملة، كما يمثّلون القوة الإنتاجية، فباتوا يتسكعون أمام أبواب السفارات بحثاً عن لقمة العيش التي لم يجدوها في وطنهم الذي دافعوا عنه، واستشهد بعضهم في سبيل تحرير الأرض على أمل تحرير الإنسان. ودعا متيرك الى النضال من أجل رغيف الخبز «الذي سلبه وزير الاقتصاد وزملاؤه في الحكومة غير الموقرة»، وإلى السؤال عن «أغلى فاتورة كهرباء في العالم، في وقت أن معظم المواطنين يعيشون تحت جنح الظلام، وإلى الوقوف في وجه الضرائب على البنزين في بلدٍ الغاز لن يبدأ التنقيب عنه. ودعا طلاب لبنان وطلاب الجامعة الوطنية الى الحفاظ على هذا الصرح «فلا تدعوهم يسلبوه منكم، فلندافع عنه أمام الجامعات والدكاكين الخاصة». ورأى متيرك أن البحث عن فرصة للعمل في الخارج وقرار الهجرة لم يعد صائباً، إذ لا بد من أن يعمل الشباب اليوم على التغيير ومحاسبة الفاسدين والمفسدين، وسارقي المال العام وأموال الناس، والعابثين بكراماتهم، والجالسين في قصورهم على حساب بيوت التنك. وقال متيرك «فليرفع الصوت عالياً، ليحاكموا جميعاً كشهود زور على إفقار الناس وسرقة أموالهم، كي نبقى ندافع عن رغيف الخبز المجبول بعرق الكادحين». وقد جمع الاعتصام كلمات لفاعليات نقابية وإعلامية وحقوقية، دعت الى وقف ممارسات السلطة المتعارضة مع مصالح الشعب اللبناني، وتحقيق مطالب العمال، ووقف نزف هجرة الشباب...

%12

نسبة التضخم في عام 2010، في مقابل تقلّص فرص العمل وازدياد معدلات البطالة إلى ما يزيد على 20 في المئة، إضافة الى ضمور القطاعات المنتجة من صناعة وزراعة وتراجعها لمصلحة تحكم الاحتكارات المالية وشيوع سوق المضاربات المالية والعقارية.

توقعات «العمالي» في 2011

بعد اجتماع عقدته هيئة مكتب المجلس التنفيذي للاتحاد العمالي العام، أمس، أصدرت بياناً جاء فيه «فلتكن مطالب الاتحاد العمالي لـ2011: وجوب تصحيح الأجور أصبح واقعاً حتمياً بعد ازدياد نسبة التضخم إلى سقوف مرتفعة في العامين الأخيرين، وأصبحت أسعار السلع والخدمات الأساسية والضرائب والرسوم فوق طاقة العمال وأصحاب المداخيل المحدودة. إن توفير التوازن المالي في صندوق الضمان الاجتماعي بزيادة نسبة الاشتراكات أصبح أمراً ملحّاً للمحافظة على تقديمات الصندوق وتمكينه من القيام بدوره كأهم مظلّة اجتماعيّة للعمال والمستخدمين».

العدد ١٢٩٧ الاربعاء ٢٢ كانون الأول ٢٠١٠

الأكثر قراءة