وسام متىهبّت رياح «ثورة الياسمين»، أمس، على مصر. وخرج آلاف المصريين في تظاهرات وصفت بأنها الأكبر منذ السبعينات، للمطالبة برحيل الرئيس المصري حسني مبارك ورفض توريث الحكم لابنه جمال، امتدت من القاهرة الى الاسكندرية والسويس والمحلة والاسماعيلية والمنصورة. ووصف مشاركون في التظاهرة، رفضوا الكشف عن أسمائهم الكاملة، في اتصالات أجرتها معهم «السفير»، هذه التحركات بأنها الأضخم منذ «انتفاضة الخبز» في العام 1979، خلال عهد الرئيس أنور السادات، مشددين على أن «انتفاضة 25 يناير» ليست سوى البداية لحركة شعبية تستهدف «إسقاط مبارك» عبر الشارع، بما يمهّد لـ«تغيير حقيقي» في مصر على غرار ما حدث في تونس. وأجمع المنظمون والمشاركون، حتى أولئك الذين سبق أن أبدوا حذراً في التفاؤل، على أن حجم المشاركة الشعبية في الاحتجاجات تجاوز كل التوقعات، مشيرين إلى أنه كان لافتاً نزول المصريين إلى الشارع بـ«شعارات وطنية موحّدة» خلافاً لما كان يجري خلال تحركات سابقة كانت ترفع خلالها شعارات حزبية وفئوية. وفي القاهرة، قال أحمد، وهو أحد منظمي التظاهرات، لـ«السفير» إن أجهزة الأمن اعتقلت أكثر من 50 متظاهراً في ميدان التحرير، كما اعتدت بالضرب على عشرات آخرين، واستخدمت قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريقهم. وأضاف أن «إجراءات القمع هذه لم تحبط المتظاهرين، الذين عادوا للتوافد إلى ميدان التحرير»، الذي تحوّل إلى «ساحة مواجهة بكل ما للكلمة من معنى». وأضاف أن مواجهات عنيفة وقعت كذلك بين الشرطة والمتظاهرين في باب اللوق، بعدما حاول عناصر الشرطة الاعتداء على أحد المشاركين، فيما تعرض مئات المواطنين للضرب على أيدي قوات الأمن لدى محاولتهم الانضمام إلى المتظاهرين في ميدان التحرير. ووصف سامح، وهو أحد المشاركين في التحرك، ما يجري بأنه «أكبر تظاهرة شعبية في تاريخ مصر». وأوضح لـ«السفير» أن «عشرات الآلاف تجمعوا في أماكن متفرقة في كل أنحاء مصر». واضاف أن «قوات الأمن تعاملت بتحضر مع المتظاهرين في بداية الأمر، لكن سلوكها هذا تبدّل مع توافد الآلاف إلى أماكن التظاهر، إذ صدرت الأوامر بتطويق المتظاهرين، لكن رجال الشرطة عجزوا عن ذلك». وأشار إلى أن مواجهات عنيفة وقعت بين المتظاهرين وقوات الأمن في وسط القاهرة، وتحديداً في ميدان التحرير، مضيفاً أن صمود المحتجين أرغم قوات الشرطة على الانسحاب إلى الشوارع المشابهة، وهو ما أكده شهود عيان آخرين لـ«السفير»، الذين أشاروا الى أن ميدان التحرير شهد «عمليات كر وفر»، موضحين أنه منذ ساعات ما بعد الظهر استخدمت عناصر «الأمن المركزي» القوة بشكل مفرط، لكنهم أوضحوا أن «الأمن يفقد السيطرة على الأمور، إذ بات الاهتمام منصباً في الوقت الحاضر على حماية المقرات الرسمية، وخصوصاً مبنى مجلس الشعب»، الذي حاول المتظاهرون اقتحامه أكثر من مرّة. وكتب متظاهرون على جدران المباني المحيطة بميدان التحرير شعارات «يسقط حسني مبارك»، كما حطموا لافتة كبيرة للحزب الوطني الحاكم، فيما ردد آخرون هتافات «يا مبارك يا مبارك... الملك السعودي في انتظارك»، و«عيش.. حرية... كرامة إنسانية»، فيما شهدت مختلف شوارع القاهرة إجراءات أمنية مشددة، حيث تم إقفال «كبري الجلاء» قرب فندق «شيراتون»، فيما أغلقت محطات مترو الأنفاق بين ميداني سعد زغلول ورمسيس. كما اتخذت السلطات الأمنية إجراءات الكترونية لفرض تعتيم إعلامي على ما يجري، حيث أبلغ العديد من مستخدمي شبكة الانترنت عن حجب موقع «تويتر» ومحاولات قرصنة لعدد من المواقع المعارضة، فيما تم تعطيل شبكة الهاتف الخلوي في ميدان التحرير والمناطق المحيطة به. وفي الاسكندرية، قال جابر، الذي يتولى التغطية الإعلامية للتحرّك عبر صفحتين للرصد على موقعي «فيسبوك» و«تويتر»، لـ«السفير» إن عشرات الآلاف انطلقوا في تظاهرات من نقاط ثلاث باتجاه ميدان سيدي جابر الشيخ، فيما تمكن آخرون من محاصرة مركز شرطة الرمل لمدة نصف ساعة. وذكرت مصادر أن عناصر الأمن اعتدت على المتظاهرين في شارع بور سعيد في الاسكندرية، مضيفة أن تعزيزات ضخمة وصلت إلى المدينة استعداداً للاشتباك مع المتظاهرين. ومساءً، ذكرت وسائل إعلام مصرية أن قوات الأمن استخدمت الرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين في ساحة «مصطفى كامل»، متحدثة عن إصابة 30 شخصاً على الأقل. وأشارت وسائل إعلام مصرية وناشطون معارضون الى أن عشرات الآلاف تظاهروا في مدن المحلة والإسماعيلية والسويس والمنصورة، مؤكدين وقوع مواجهات مع قوات الأمن أسفرت عن إصابة واعتقال العشرات. وتحدثت «جبهة الدفاع عن متظاهري مصر»، وهي منظمة حقوقية، عن توقيف العشرات في مختلف المناطق المصرية، مشيرة إلى أنها تمكنت حتى مساء أمس من توثيق 85 حالة اعتقال، بينها 67 في القاهرة، 7 في بور سعيد، و3 في المنصورة، و3 في أسيوط، و2 في طنطا. وحتى مساء أمس، كانت مختلف أماكن التجمع تشهد تدفقاً لأعداد كبيرة من المتظاهرين. وأصدرت «جبهة شباب مصر» بياناً، حصلت «السفير» على نسخة منه، يؤكد استمرار التحرك حتى تحقيق المطالب، ومن بينها «تنحي حسني مبارك عن الحكم نهائياً»، و«إقالة الحكومة وتشكيل حكومة وفاق وطني»، و«حل مجلسي الشعب والشورى المزورين»، و«إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين»، و«إلغاء قانون الطوارئ»، و«محاكمة كل رموز الفساد». وكان لافتاً في «انتفاضة 25 يناير» أن معظم أحزاب المعارضة التقليدية وجماعة «الأخوان المسلمين» قد قررت أن تنأى بنفسها عن حركة الاحتجاج، وذلك لاعتبارات مختلفة، حيث أعلن معظمها عدم المشاركة رسمياً في التظاهرات، ولكن مع ترك المجال أمام مناصريها للتظاهر بصفتهم الشخصية، لكن أحزاباً وقوى معارضة أخرى كانت حاضرة بقوة وأبرزها «حزب الغد»، و«شباب 6 أبريل»، وجماعة «كلنا خالد سعيد»، و«حزب الكرامة» و«الجمعية الوطنية من أجل التغير». أما الحزب الحاكم، فخير ما عبّر عن موقفه قد جاء في تصريح نسب لأمين الإعلام فيه علي الدين هلال، الذي علق على التظاهرات بالقول إن «الشعب المصري يحتفل بعيد الشرطة... والشرطة تسهر على حمايته!». وفيما تبدو حركة الاحتجاج مرشحة إلى مزيد من التصاعد، كان واضحاً أن ما حدث بالأمس قد فاجأ الكثيرين. ولخص صحافي مصري، كان متردداً في المشاركة «كي لا يحبط» من حجم المشاركة، وسرعان ما انضم للمتظاهرين في ميدان التحرير مساءً، ما يجري في شوارع مصر قائلاً لـ«السفير»: «هناك قاعدة تعلمتها اليوم... وهي أنه لا وجود لقاعدة تحكم الاحتجاجات!».