ادمون صعب
«يكون في آخر الزمان قرّاء فَسَقَة،
ووزراء فَجرة، وأمناء أَخوة، وعرفاء
ظُلمة، وأمراء كَذبة».
عبد الله بن عمر
ارتاح شربل نحاس و«ريّح»؟ هكذا بدت الصورة أمس لبعض الذين حاربوا شربل نحاس وزيراً للاتصالات.
كذلك بدا ان الذين أراحتهم استقالة نحاس من وزارة العمل يلتقون والذين كانوا قد ارتاحوا من إزاحته في الحكومة التالية من وزارة الاتصالات إلى وزارة العمل، بصرف النظر عن توجهاتهم السياسية ومبادئهم الاقتصادية ونظرتهم إلى المواطن ـ الإنسان الذي أراد نحاس خدمته في وزارة العمل والمحافظة على حقوقه، وكذلك استرجاع ما سلب منها، كمثل بدل النقل الذي كان يُعطى خلال الخمس عشرة السنة الماضية من خارج الراتب واستنسابياً، بينما هو جزء من الراتب، وقد شكّل القشة التي قصمت ظهر البعيد. وقد أجمع فقهاء القانون، وفي مقدمهم المحامي الدكتور بهيج طبارة على أن «المبلغ الذي يُدفع كبدل نقل يجب أن يدخل في صلب الأجر»، مضيفاً أنه «عندما تقرر الحكومة زيادة غلاء المعيشة، فإنها تكون قد أخذت في الاعتبار الزيادة الطارئة على بدل النقل».
وبما أن الحكومة هي ائتلاف مال وأعمال وأمراء حرب، فقد أصرت على التصويت على مشروع مرسوم غير قانوني في هذا الشأن، ووضعت رقبة نحاس تحت المقصلة: توقّع أو نقطع رأسك! فأجاب: «لن أوقّع، وسيبقى رأسي مرفوعاً».
وكان ان تبارى أمس «الغيارى» على الدولة، وصلاحيات رئيس الحكومة وكذلك فعل الحرصاء على موقع «رئاسة الجمهورية» في الإعلان عن ربحهم معركة دفعه إلى الاستقالة ورفضه توقيع مرسوم يعتبره مخالفاً للقانون، من دون أن يُعطى فرصة لعرضه على مجلس شورى الدولة. ومن هو الخاسر.
البعض وضع الرئيسين ميشال سليمان ونجيب ميقاتي في خانة الرابحين، في مقابل خاسر كبير، إلى الآن، هو العماد ميشال عون، رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» الذي كان دعا نحاس إلى تمثيله في الحكم استناداً إلى اعتبارات علمية ومهنية وأخلاقية، ثم تخلّى عنه بطريقة غير لائقة، لا تشجع نظراء لنحاس على سلوك طريق الرابية إلا إذا كانوا من المستوزرين المتلهّفين للقب واللوحة إضافة إلى المرافقين، وما تفتحه الوزارة أمامهم من أبواب الاسترزاق، مع الأزلام والأتباع.
وإلى عون وتياره الذي تعرض للقضم يومياً، خصوصاً من جانب «القوات اللبنانية» التي كان رئيس هيئتها التنفيذية سمير جعجع يعلن شرعتها السياسية، استكمالاً لتنظيم حزبه، في الوقت الذي كان هناك في الرابية من يحاول سحب البساط من تحت قدمي شربل نحاس والتنكر للعهود التي قطعها له عون بعدم التخلي عنه وإن أدى ذلك إلى انفراط عقد الحكومة، في إشارة واضحة إلى عدم ثبات عون على مواقفه، والى خفة وتسرّع أحياناً في مواقف كان بعضهم يجدون فيها أعذاراً انطلاقاً من تقديرهم لشجاعته ونزاهته ونظافة كفه، وهي صفات غير كافية للقيادة السياسية التي تحتاج إلى تعقّل وضبط أعصاب ولسان، لما فوق الزنار وما تحته، فضلاً عن القدرة على اجتراح الحلول التي تنسجم مع القوانين ولا تخالف الدستور، كما تحترم الرأي الآخر، ولا تذهب بالحق في الاختلاف إلى فرض مواقف فيها الكثير من الانتقاص من الكرامة والحطّ من القدر العلمي والأخلاقي للإنسان. بعد عون وتياره، هناك الدولة، أي المجتمع الذي يضم جميع المنتجين، فكراً وغلالاً وصناعة، إلى العمال الكادحين والعاطلين عن العمل، وربات البيوت، والطلاب والطالبات، والشباب والشابات الطامحين إلى دولة تحترم القانون، وتحافظ على الحقوق، ولا سيما حقوق الكسبة الفقراء.
كذلك هناك الأحزاب ذات التوجه اليساري والديموقراطي ـ الاجتماعي المسلم والمسيحي، والمجتمع المدني الذي ينشط أفراده في المناطق المهمشة حيث الفقر يسحق.
وبمقدار ما خيّب عون آمال محبيه ومريديه، وأفرح أخصامه وأراح منتقدي سياساته ومواقفه، فإن شربل نحاس بتصرفه النبيل قد أنعش الآمال في نفوس مجموعات كبيرة من اللبنانيين الذين كانوا يراهنون على أمثاله ممن يضعون القانون فوق كل اعتبار، ولا يساومون على المصلحة العامة. وقد فاز هؤلاء في الرهان.
لقد وضع نحاس صدقية عون على المحك.
يبقى سؤال جوهري: ماذا؟ ومن أوصل البلاد إلى هذه الحال من التردي والتسيّب والشلل؟
ثمة جواب يُعتقد أنه شاف يعطيه أعضاء «لجنة العتالة» في الطائف، أي النواب الذين شاركوا في صوغ الميثاق الوطني الجديد الذي تحوّل دستوراً، وفي مقدمهم الوزيران السابقان ألبير منصور وادمون رزق العضو في «لقاء الوثيقة والدستور» الذي يضم 12 نائباً ممن شاركوا في الطائف، وهو ان المسؤولية الأساسية تقع على عاتق رئيس الجمهورية، ثم بدرجة أقل على رئيس مجلس الوزراء.
ويقول هؤلاء إن رئيس الجمهورية لم تكن له يوماً صلاحيات فعلية كتلك التي أعطيت له في الطائف، لأن الصلاحيات التي زُعم انها انتزعت منه وأُعطيت إلى مجلس الوزراء مجتمعاً، كانت مقررة للمفوض السامي الفرنسي أيام الانتداب، ولم تمارس إلا نادراً بعد الاستقلال.
ويرون «ان اتفاق الطائف قد جعل لرئيس الجمهورية مقاماً دستورياً أعلى، ومرجعية سامية، لكن الممارسة حولت الرئاسة إلى فريق (منذ عهد الرئيس الياس الهراوي) وعرّضتها للتشكيك وهزّت مكانتها، فصدمت أماني الشعب وخيّبت آماله». ويضيفون: «إن رئاسة الجمهورية هي القيمة الثابتة في رصيد الأمة، وليس لأحد التفريط بها، أو الافتئات عليها».
والرئيس في الطائف «ليس عضواً في فريق، بل هو مرجع لكل الافرقاء، على قمة السلطات جميعها»، وان صلاحية الاطلاع على جدول أعمال مجلس الوزراء «قد وضعت حرصاً على التوافق المفترض ان يكون قائماً بين الشركاء في السلطة، على اختلاف درجاتهم». أما في موضوع الجدل حول الصلاحيات التي يطالب الرئيس بأن تعطى له حتى يستطيع فرض الحلول، على ما يردد، فيقول «العتالة»، ان هذا الموضوع هو «مجرد ملهاة»، لأن الرئيس هو «مرجع كل السلطات، وله ان يحتكم إلى الأمة في أزمات الحكم وقضايا المصير، فلا يمكنه التنصل مما يحصل في عهده بأي حجة أو ذريعة». كما أنه هو الذي يشكّل مجلس الوزراء مع الرئيس المكلف.
ويشيرون، في باب الصلاحيات، إلى «ان تعطيل دور المحاسبة في مجلس النواب، وشل القرار في مجلس الوزراء، وتزاحم الرؤساء على الصدارة والحصص والنفوذ (...) قد شكل نقضاً عملياً لمبدأ الفصل بين السلطات. فبدت المؤسسات أشبه بإقطاعات شخصية، وتحولت الوزارات والإدارات محميات حزبية ومذهبية. وبات كل مترئس يعتبر نفسه رئيساً أوحد، مما أسقط فكرة الدولة الموحدة».
ويأخذ «العتالة» على رئيس مجلس الوزراء سوء تقديره لصلاحياته الدستورية «فهو حيناً لا يمارس صلاحياته، وأحياناً يأخذ صلاحيات غيره، كما يتجاوز صلاحيات الوزراء».
ويرى الوزير السابق ألبير منصور، ان ما طبق منذ إقرار الإصلاحات الدستورية عام 1992 ليس الطائف الذي شارك في صوغه، إذ «أُحدثت بدعة الترويكا، فاختصرت المؤسسات، وجرى تحالف بين المال والسلاح، وتحول الوزراء موظفين عند الرئيس رفيق الحريري وأدى ذلك إلى قيام حكم خارج مجلس النواب، ومورس تشبيح لمصادرة الصلاحيات من فريق خلق كيانية رئاسية حلت محل الرئيس الذي يعترف الدستور به وحده.
وأوضح ان النظام الحالي ليس هكذا إذ اننا في «نظام قبلي، طائفي، ومذهبي، لا يساوي بين اللبنانيين، وهو تالياً بعيد عن نظام المواطنة».
واختصر أزمة الطائف بحجر كريم وأُعطي إلى سمكري بدل إعطائه إلى «جوهرجي»! والحل؟
بتطبيق الطائف الحقيقي، من دون زيادة أو نقصان، إذا شئنا ألا تتكرر مأساة شربل نحاس
حسن خليل
في صالون مشترك جمع أكثر الأحزاب اللبنانية قهقهة واستهزاءً من شربل نحاس:
ــــ متفلسف ومغرور. يريد تعليمنا سياسة نحن أربابها، يريد إفساد تركيبة نتقاسم فيها حصصنا بعد آلاف الضحايا قدمناها في حروبنا. يأتي هذا الساذج الوزير ليعكّر علينا ما رسمناه من واقع في مجتمعاتنا. يريد إيقاظ مَن غسلنا دماغه، وإعادة مَن اغترب يائساً منا... حقيقة أنه غبي!
في كواليس حزب الله همس:
ــــ يا أخي فهمنا أن شربل نحاس صادق وآدمي و و و... ولكن، ألا يعلم أن هناك صراعاً متفجراً مع العدو الصهيوني، وأن لا وقت لدينا لخوض معاركه؟ يا أخي نحن نعلم أن مجتمعنا لم يعد كما أحببناه، ولكن لن نخوض في صراعات جانبية.
في أورقة التيار الوطني الحر، تأفّف وتنهّدات:
ــــ لا نستطيع أن نكون وحدنا في الميدان. حلفاؤنا ليسوا على الموجة نفسها، وأوساطنا الداخلية ليست على توافق، فنحن، كما حزب الله، لدينا في قياداتنا مَن هي نماذج لكل القوى الفاسدة الأخرى. وهناك الواقع المسيحي، هل يريد النحاس أن يكون سمير جعجع وأمين الجميّل أكثر مسيحية منّا؟
أمّا في محيطنا يا شربل نحاس، فاطمئن: أنت لست غبياً بل ثائر حر عصامي أخلاقي مبدئي وأيضاً تطبيقي دستوري، وهم عكس كل هذا. معك أيها النحاس نتذكر هذا التونسي الذي ملّس على رأسه قائلاً: هرمنا.. هرمنا. فلنحدّثهم وإيّاك معاً: لقد هجّرتم المغترب وأذلّيتم المقيم. لذلك نتوجه إليكم برجاء وأنتم حَمَلة السلاح الميليشيوي لا المقاوم، أقوياء علينا أذلّاء أمام السلطة والمال ورجال المال. لقد عرف أجدادي أجدادكم وآباؤنا آباءكم ونحن نعرفكم. رجاءً، لا تحاضروا علينا بالربيع العربي والديموقراطية والحريات واللاطائفية والإصلاح وأنتم مَن لا تفسحون المجال حتى في أحزابكم للنقاش وتقمعون وتشربون من دماء الطائفية والطائفيين.
شربل نحاس أنت لست بيكاً ولا شيخاً ولا «ابن عائلة». لقد واجهتهم في عقر دارهم (حتى رئيسك لم يصدق أنك لن توقع)، يتبادلون دور الدفاع عن موقع رئاسة الجمهورية وبكركي كذباً. ويدافع كل رئيس حكومة عن موقع رئاسته بستار الحفاظ على حقوق الطائفة السنية ولو أن الخليج العربي كله يلعب الروليت الروسية، فتنطلق رصاصة قاتلة في يوم قريب. أترى معنا يا شربل أنهم قزّموا الرئاسة الأولى وتاجروا بالرئاسة الثالثة، واستولوا على حصرية الرئاسة الثانية وأتوا بنواب كالدمى تقف بإشارة وتصفّق بأخرى، كالسمك الصغير يدورون كيفما تدور سمكتهم الكبيرة.
لقد احتقروا الجيش حتى تطاول عليه أصحاب الذقون. وأذلّوا القاضي ليقف أمامهم بأسوأ من حال المتهم بالقتل. لم يسلم الأمن ولا القضاء ولا النقابات ولا الاتحاد العمالي العام ولا الضمان الاجتماعي ولا الدواء ولا الطيران ولا الكازينو ولا انترا ولا الإنماء والإعمار ولا المهجرون ولا مجلس الجنوب ولا البلديات. جعلوا على كل طفل وامرأة وكهل ديناً لأجيال قادمة يئنّون منه حتى بعد أن ينزلوا إلى القبور. تصوّر أيها «الساذج» شربل أنهم هم مَن يعيّنون حتى رؤساء المراقبة من ديوان المحاسبة والتفتيش المركزي وهيئة التأديب ومجلس الخدمة المدنية و و و... وأخطر ما فعلوه أنهم يغطون كل ذلك بشراء صحافة وصحافيين.
شربل نحاس: أنت لست وحدك، فبانتفاضتك ستحرّك مَن بقي عنده الحد الأدنى من الجرأة والأخلاق والوطنية. ميشال عون يكسب بك ولست عبئاً عليه، وحزب الله إنْ اعتبر لمرّة، فسيجعلك مدخلاً لولوجه في خطٍ موازٍ للمقاومة داخلياً لتحصين ساحته. والآخرون إذا لم يتحركوا فلا ضير لأنهم يرضون الذل وبيع الضمير ويسخّرون وطناً حضَنهم من أجل حفنة من المال الرخيص أو المناصب التافهة.
هل يقتصر الربيع اللبناني على وزير وحيد يُبايَع ثم يُترك شريداً؟ أليست الحياة، بما فيها السياسة، أرباحاً وخسائر؟ ألا يدرك التيار الوطني الحر أنّ ترك شربل نحاس بهذه الطريقة يعني الاستمرار في إصدار قرارات غير دستورية تستند فقط إلى توافق سياسي؟ رحم الله رفيق الحريري وأعاد إلينا سعد بالسلامة.
غداً سيُقال: لا بدّ من تسوية. مَن قال لكم إننا نريد تسويات؟ والحمد لله هناك مَن يُخرج أرنباً من القبعة دوماً. ندعو الله أن تموت كل أرانبكم حتى لا تعود هناك تسويات، وتنهار حكوماتكم، لعلّ حينها يستفيق الأغبياء الوحيدون في هذه اللعبة ويتوجهون إليكم بكل وجه إلا كمناصرين.
شربل نحاس.. لست وحدك!
الاربعاء ٢٢ شباط ٢٠١٢
غسان سعود
فاديا عجور إحدى الناشطات الكسروانيات في التيار الوطني الحر اللواتي لا يترددن أبداً في القول إن اللبن أسود إذا قال العماد ميشال عون ذلك. هي غالباً ما توافق على مضض في النقاشات على أن ثمة ثغراً في تنظيم التيار وأن بعض المواقف العونية ــــ لا سيما المزايدة في اللاعلمانية ــــ لا توافق تطلعاتها. لكنها تدعو إلى غضِّ النظر عن كل الهفوات لمصلحة «وحدة الصف» وعدم السماح للآخرين بأن «يشمتوا فينا». لكن عصر أمس، طرأ «أمر ما» على فاديا. كتبت فجأة على جدارها الفايسبوكيّ: «العار العار لأمة يستقيل فيها شربل نحاس. والعار الأكبر أن يقبل هذه الاستقالة من وقف وتحدى العالم قائلاً إن العالم يستطيع سحقي لكنه لن يحصل على توقيعي»
صديقتها ريتا كاشادور التي تعدّ إحدى أبرز الناشطات العونيات إلكترونياً «ليّكت» عبارة عجور وأضافت عندها تذكيراً بقول الجنرال سابقاً: «ما في نحاس = ما في ميقاتي».
فعل شربل نحاس إذاً ما عجز كثيرون ــ داخل التيار وخارجه ــ عنه. فإلكترونياً وبشرياً، كانت السجالات تستعر أمس بين الناشطين في تقييم موقف الجنرال. ثمة عونيون شككوا علانية أمس ولأول مرة منذ وقعوا في عشق الجنرال، في إمكان دخول عون في تسويات جانبية. ثمة من دافع عن «منطق التسوية» ومن عارضه بشدة. ثمة من نظّر لـ«الثورة الشاملة» ومن دفع بمبدأ «الواقعية السياسية». بدا أمس في لحظة عونية نادرة أن تداول كل الأفكار مباح. لم يكن النقاش يتناول موقفاً تنظيمياً أو قراراً إدارياً، بل أكثر من ذلك بكثير: خيار الجنرال السياسي. الأمر الذي لم يكن موضع بحث بين العونيين، حتى غداة التحولات العونية الكبرى كالتفاهم مع حزب الله والتصالح مع سوريا.
عدم تأسيس نحاس حالة ذاتية داخل التيار ــ إضافة إلى اقتناع جميع نواب التكتل وأبرز قيادييه بأن الفرص التي أعطيت لنحاس لم تعطَ لعونيّ في السابق ــ يحول دون الرهان على إمكان تفاعل حدث أمس أكثر داخل التيار. لكن وفي ختام التجربة النحاسية في «الوطني الحر»، بدا أن «الضيف» أثّر في الجمهور العوني أكثر من الكثيرين من ابنائه، وأنّ تفاعل الجمهور العاطفي بامتياز مع الأكاديمي الماركسي كان أكثر بكثير من تفاعله مع جنرالات غادروا التيار من دون أن يذرف مناضل واحد دمعة عليهم.
الاربعاء ٢٢ شباط ٢٠١٢
سطر واحد كان كفيلاً باسدال الستارة على فصل كامل من وعد «التغيير والاصلاح»، او ما يحب بعض اللبنانيين تسميته بـ «الثورة من فوق». سطر واحد شديد الايجاز، ولكنه كثيف بدلالاته، جاء فيه «اتقدّم باستقالتي من عضوية مجلس الوزراء ـ الامضاء شربل نحّاس»، حمله النائب الان عون ظهر امس كـ «أمانة» ليسلّمه الى رئيس تكتّل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون... وما كان على الرسول الا البلاغ
لم يكن وزير العمل يرغب بتقديم استقالته بـ «الواسطة»، فهو ما انفك يعبّر عن حرصه على البقاء الى جانب ميشال عون في كل معاركه «الاصلاحية» وفي اي موقع داخل الحكومة او خارجها، الا ان دروب الرابية كانت قدّ سدّت امامه منذ الاثنين الماضي، عندما حمل هاتفه واتصل يطلب موعداً لأمر ملح وضروري، فاذا بالمجيب يبلغه ان «الجنرال» مشغول اليوم (الاثنين) وغداً (الثلاثاء). فهم نحّاس الرسالة جيّداً، وهي كانت قد بلغته عبر اكثر من قناة اتصال، ومفادها: «وقّع ثم اعترض».
كان نحّاس قد توصّل الى صيغة اراد ان يطرحها على عون في لقاء ثنائي يجمعهما معاً (وحدهما)، حسبما اوضح بعض الذين عملوا على خط التواصل بينهما، اذ قرر بعد تفكير مضن ان يذهب الى الرابية ومعه ورقتان، الاولى سمّاها «الوفاء» لعون وتحمل توقيع وزير العمل على مرسوم بدل النقل تنفيذاً لتعليمات رئيس التكتّل الذي سمّاه لتولّي حقيبة وزارة العمل وقبلها حقيبة وزارة الاتصالات، والثانية سمّاها «الكرامة» وتحمل استقالته من مجلس الوزراء لانه مؤمن بأن عون يفهم تماما معنى هذه الكلمة على عكس الكثيرين ممن يحسبون انفسهم «براغماتيين»، فهو الذي اعلن انه لا يوقّع على صك استسلامه عندما بدأت الحرب لاخراجه من قصر بعبدا بعد ابرام اتفاق الطائف والتسليم الدولي بالوصاية السورية على لبنان. بل اوضح هؤلاء، ايضاً، ان نحّاس كان ينوي ان يودع عون مسودة مشروع القانون الذي كلّفه باعداده مجلس الوزراء وعمل عليه لاكثر من شهر ووضعه تحت عنوان «تحديد مفهوم الاجر وشروط حمايته وصونه» بدلا من «تحديد قيمة بدل النقل».
يقول بعض المطّلعين ان عون، ربما، لم تبلغه نوايا نحّاس كما هي، او ربما لم يلتقط من الرسائل المتبادلة سوى رغبة «وزيره» بعدم التوقيع على مرسوم يخالف القوانين ويثبّت ممارسات شائنة منذ عام 1995 حتى اليوم (وهي ممارسات يعتبر رئيس الجمهورية ميشال سليمان أنها صارت كالعرف واكتسبت قوّة القانون)... ولهذا قرر عون ان يقفل الباب امامه على قاعدة «لا كلام الا بعد توقيع المرسوم»، ولعل هذا «الالتباس» هو الذي دفعه، بعد اجتماع التكتّل امس، الى التعليق على حدث «الاستقالة» بأن «القصة فاجأتنا في مرحلتها الأخيرة».
هل فوجئ عون فعلاً؟ يعود المطّلعون في سرد القصّة الى جلسة مجلس الوزراء المنعقدة في 18/1/2012 عندما تُرك نحّاس وحيداً يصوّت لصالح مشروعه المتعلّق بتصحيح الاجور، في حين ان الجميع، بمن فيهم وزراء التيار الوطني الحر، صوّتوا لصالح المشروع الآخر الذي يقونن ما سمّي بـ «الاتفاق الرضائي»، فحرموا الاجراء من مكاسب كثيرة على صعيد قيمة الاجر وحصانته القانونية. يومها اعلن نحّاس في الجلسة، وقبل التصويت على «بدل النقل»، انه لن يوقّع على المرسوم لأن ثلاثة آراء صدرت عن مجلس شورى الدولة تعتبر ان لا وجود لعنصر خارج الاجر يسمّى «بدل النقل»، فضلاً عن قرارات اولية اصدرها المجلس اخيراً تقضي بابطال كل مراسيم بدل النقل والمنح التعليمية الصادرة منذ عام 1995 بناء على 32 مراجعة طعن تقدّمت بها هيئات اصحاب العمل... وقد سانده في موقفه يومها وزير العدل شكيب قرطباوي والامين العام لمجلس الوزراء القاضي سهيل بوجي اللذان لفتا نظر المجلس الى ان مشروع المرسوم، كما يطرحه الرئيس نجيب ميقاتي، يتضمن اقراراً واضحاً بالمخالفة، باعتبار ان اول جملة في مادّته الاولى تقول حرفياً «بانتظار صدور قانون عن المجلس النيابي، تُحدد قيمة بدل النقل بكذا»، ما يعني ان مجلس الوزراء يتخذ قراراً وهو مدرك تماماً ان لا قانون يجيز له ذلك!.
الا ان الرئيس ميقاتي اصر على طرح مشروع المرسوم على التصويت ففاز بـ19 صوتاً، بينهم وزراء حركة امل وتيار المردة، في حين صوّت وزراء التكتّل وحزب الله ضده. عندها همّ نحّاس بمغادرة قاعة مجلس الوزراء، فتدخّل الوزير محمد فنيش وطرح تسوية قضت بأن يعدّ نحّاس مشروع قانون في هذا الشأن كمخرج من هذا المأزق، وهو ما عدّ بمثابة حل يقوم على اقرار القانون اولاً، ثم التوقيع على المرسوم ثانياً. لكن نحّاس لم يكن مرتاحاً لما الت اليه تلك الجلسة، فقد سبقها قبل ساعة اجتماع ضمّه الى الوزراء جبران باسيل وعلي حسن خليل ومحمد فنيش، وقد فهم من هذا الاجتماع ان هناك توافقاً يقضي بأن يتم تمرير «تصحيح الاجور» وفقا لـ «الاتفاق الرضائي»، من دون ان يعني ذلك انه سيحظى بأصوات التيار الوطني الحر وحزب الله، كما فهم ان وزيري حركة امل، بالاضافة الى وزيري حزب الله، سيقفان مع وزراء تكتّل التغيير والاصلاح (اي اكثر من ثلث الوزراء) لتطيير نصاب الجلسة في حال أصرّ ميقاتي على طرح بدل النقل على التصويت، الا أن اياً من الامرين لم يحصل في ما يمكن وصفه بالخديعة، ففكر نحّاس بالاستقالة جدّياً، لكنه سرعان ما تراجع عن هذا «التفكير» عندما التقى عون الذي ابلغه بوضوح انه «يدعمه بعدم توقيع مرسوم يخالف القانون ويهدد حقوق الاجراء»... اكتفى نحّاس بهذا الموقف معتبراً ان عون لم يتراجع الا تكتيكياً وهو مستمر في معركته للاصلاح.
بعدها غاب الكلام عن ضرورة توقيع مرسوم بدل النقل، بل عُقدت اكثر من جلسة لمجلس الوزراء، وخاض فيها شربل نحّاس اكثر من معركة باسم تكتّل التغيير والاصلاح، الى ان حصل الصدام في شأن التعيينات، وأعلن ميقاتي تعليق الجلسات حتى رضوخ عون، فاذا بالمفاجأة الفعلية تكمن بتحويل نحاس الى عنوان الخلاف، ويصبح توقيعه على المرسوم قبل جلسة مجلس النواب الشرط الالزامي لدعوة مجلس الوزراء للانعقاد مجدداً، فبدأت الضغوط تنهال من كل حدب وصوب، بما في ذلك اعلان رئيس الجمهورية عن النيّة باقالة نحّاس او تبديل حقيبته، وهو ما اثار حفيظة عون فأعلن قبل 9 ايام ان نحاس خط أحمر ورأسه يساوي رأس الحكومة.
بقي نحّاس مطمئناً الى موقف عون الى ان التقاه في حفل عشاء اقامه مهندسو التيار في عيد ميلاد الجنرال، السبت الماضي، اي بعد يوم واحد من غداء عين التينة. ابلغ عون وزيره بضرورة التوقيع على المرسوم، علماً ان عون نفسه كان قد اعلن في كلمته في الحفل نفسه ان اي مرسوم لن يُوقع الا بعد «قوننته»، ففوجىء نحّاس، وبدأت رحلة البحث عن المخارج وصولاً الى اقتراح صيغة تقضي بأن يوقّع على المرسوم ويحيله على مجلس شورى الدولة لابداء الرأي فيه، فوافق نحّاس يوم الاحد على ان يكون كتاب الاحالة الى مجلس الشورى ونص مشروع المرسوم متصلين، بما يمنع اي استخدام لتوقيعه قبل صدور رأي المجلس، الا ان قنوات الاتصال بين نحّاس وعون أبلغته الاثنين بأن الاخير لم يوافق لانه التزم مع الرئيس نبيه بري على توقيع المرسوم مباشرة، وعليه ان يلتزم بذلك. وبعد ذلك حصل ما حصل وصولا الى الاستقالة.
بعد ذلك حصلت وساطات من جانب اعضاء في التكتل، ولكن نحاس كان يتلقى الرسالة نفسها، بأن عليه احترام قرار عون اولا، علماً ان الاخير لم يطلع نحاس على حقيقة ما تم في اجتماعه مع بري، وهو الاتفاق الذي تبين ان الرئيس ميقاتي كان قد اطلع عليه فور الانتهاء من اجتماع عين التينة. وما زاد في تعقيد الامر، عدم تحديد موعد لنحاس في الرابية. كان على نحاس اتخاذ القرار الاقرب الى عقله ثم الى قلبه.
(الاخبار)
الاربعاء ٢٢ شباط ٢٠١٢
إذا سار كل شيء حسب المخرج المبتكر في عين التينة، فإن وزير العمل سيوقّع اليوم مرسوم بدل النقل ويحيله على مجلس شورى الدولة، لتأتي الخطوة الثانية من مجلس النواب غداً بتشريع هذا البدل، لتعود عجلة الحكومة إلى الدوران
... وأخيراً ظهر المخرج لأزمة مرسوم بدل النقل، الذي يرضي نظرياً كل أطراف الأزمة: من يطالب بتوقيع المرسوم قبل الجلسة التشريعية لمجلس النواب، وكذلك من يرفض وضع اسمه على ما يراه غير قانوني، إضافة إلى أنه يسحب من التداول السجالات بشأن من أوّلاً: بيضة قرار الحكومة، أم دجاجة إقرار اقتراح قانون الحل في مجلس النواب؟
المخرج السحري اهتُدي إليه في واحدة من الجلسات الماراتونية التي عقدت في عين التينة، والتي ضمّت إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، رئيس لجنة المال والموازنة النيابية إبراهيم كنعان المكلف من النائب ميشال عون بمتابعة هذا الملف، حيث عثر في المادة 57 من قانون تنظيم مجلس شورى الدولة على مخرج يقضي عملياً بأن يوقّع وزير العمل شربل نحاس مرسوم بدل النقل، ويحيله على مجلس الشورى (تنص المادة المذكورة على أن تأخذ السلطة التنفيذية برأي المجلس). وبذلك، يصبح القرار في يد هذا المجلس، فإما أن يقول إن المرسوم مخالف للقانون، أو أن «يأخذها القاضي شكري صادر على عاتقه، ويقول إن المرسوم قانوني».
وبحسب مصادر مطّلعة، فإن هذا المخرج حظي بموافقة جميع المعنيين، إذ باركه بري وكذلك النائب ميشال عون. وبحسب مصادر مقرّبة من وزير العمل، فإن الأخير رأى في هذا المخرج «الاحتمال الثاني الممكن بعد احتمال عدم التوقيع على المرسوم، واستمرار الأزمة الحكومية». وقالت مصادر عين التينة «إن ما يهمنا من هذا المخرج هو الحفاظ على كرامة العماد عون». وقد أكدت مصادر الرابية أن نحاس سيوقّع المرسوم صباح اليوم ويحيله على مجلس الشورى.
ورأت مصادر وزارية من قوى 8 آذار، أنه بهذا الحل يكون رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قد نال «حصته»، فيما وضع تكتل التغيير والإصلاح الأمر في عهدة مجلس الشورى. وجزمت بأن هذا الحل سيفتح الباب أمام مجلس النواب لإقرار اقتراح قانون يجيز للحكومة تحديد بدل النقل، بناءً على اقتراح وزير العمل، في الجلسة التشريعية غداً، كاشفة أن بري أجرى اتصالات شملت كلاً من رئيس الحكومة والنائب وليد جنبلاط، من أجل الاطمئنان إلى سير الجميع بهذا التوجه.
وعلى الجانب الآخر من عين التينة، كانت مصادر الرئيس ميقاتي تعكس عدم معارضة لهذا المخرج، من خلال قولها إن التوقيع على المرسوم قبل موعد الجلسة التشريعية سيتيح التوافق على القضايا الأخرى، وتالياً تحديد جلسة لمجلس الوزراء في أقرب فرصة ممكنة. وبعدما كان قد تردد سابقاً أن ميقاتي لا يزال مصرّاً على سحب اقتراح قانون بدل النقل من مجلس النواب لتبدي الحكومة رأيها فيه، لكون مجلس الوزراء كان قد كلف وزير العمل بإعداد مشروع قانون بهذا الشأن، استبعدت مصادر ميقاتي هذه الخطوة، مؤكدة أن «مجلس النواب سيد نفسه، ويعود إليه حق بحث أي اقتراح قانون أو إحالته على الحكومة لإبداء الرأي».
من جهة أخرى، لفتت مصادر بري إلى أن رئيس المجلس معني بتحصين موقف عون في الفترة المقبلة، ودعمه في مطالبه الوزارية، وعلى رأسها ملف التعيينات، وقالت إن «الثقة بين الأستاذ والجنرال وصلت بعد اللقاء الأخير بينهما إلى مستوى غير مسبوق في تاريخ العلاقة بينهما».
ومع جزم معظم المصادر بأن أزمة مرسوم بدل النقل وصلت إلى خواتيمها، فإن بعض المعنيين بهذه القضية كانوا حتى ساعة متأخرة من ليل أمس حذرين في الإفراط في التفاؤل بانتظار أن يروا توقيع نحاس، وكذلك بانتظار معرفة وجهة أصوات كتلتي ميقاتي وجنبلاط في الجلسة التشريعية غداً، وسط توقعات بأن يكون هذا الموضوع الطبق الرئيسي على مائدة عشاء في كليمنصو، جمعت مساء أمس رئيس الحكومة ورئيس جبهة النضال الوطني، إضافة إلى مواضيع أخرى، خصوصاً بعد الهجوم العنيف الذي شنّه جنبلاط أمس على النظام السوري، ولم يوفر فيه الموقف اللبناني الرسمي.
ففي موقفه الأسبوعي لجريدة الأنباء، حكم جنبلاط على معظم بنود مشروع الدستور السوري الجديد بعبارة «بدعة جديدة»، مستغرباً إجراء استفتاء «مع روائح الجثث». وانتقد تأييد دول كبرى لـ«هذه المسرحية»، مشيراً بنحو خاص إلى روسيا «الأصدقاء القدامى» وإيران. ولم يوفر الدول الغربية التي اتهمها بالتراجع والانحدار، مشبّهاً مواقفها الأخيرة بالموقف اللبناني الرسمي «السخيف والمتفلسف تحت شعار «النأي بالنفس»، معتبراً أن السبب الرئيسي لهذه المواقف «كان وسيبقى أمن إسرائيل التي تمتّعت بهدوء تام على جبهة الAffinityCMSن المحتلة منذ 39 عاماً».
ومع رفضه المسبق للاستفتاء السوري، بدا كأنه يستدرج استفتاءً بشأن الزعامة الدرزية، بقوله إنه حانت ساعة «الفرز داخل طائفة الموحدين الدروز في لبنان وسوريا بين من يدعمون النظام السوري وهم مستعدون لأن يكونوا بمثابة المرتزقة في خدمته، وبين من يؤيّدون الشعب السوري في نضاله المستمر نحو سوريا ديمقراطية متنوعة»، مضيفاً أن أهل جبل العرب مع العروبة، و«لن يسمحوا لبعض الشبيحة من جبل لبنان أو من قبل النظام أن يوقعوهم في الفخ الذي يُرسم لهم». وختم: «حذار أيها المناضلون العرب في جبل الدروز الانجرار خلف زمرة من الشبيحة والمرتزقة الذين يوزعون عليكم السلاح ويريدون وضعكم في مواجهة مع إخوانكم في سوريا، ويسعون إلى جعلكم تشبهون حرس الحدود مع إسرائيل».
وردّ الوزير السابق وئام وهاب على جنبلاط، داعياً إياه، في حديث إلى قناة «الجديد»، إلى «عدم نقل المعركة إلى داخل الطائفة الدرزية»، وتساءل «هل يهددنا جنبلاط بعين دارة جديدة؟». وقال: «جنبلاط يعرف دول الارتزاق وأبوابها أكثر مني. وأقول له: لا تذهب بعيداً في ساعات التخلي».
وفي حديث إلى تلفزيون «المنار»، انتقد النائب سليمان فرنجية تهجّم جنبلاط على سوريا، وقال إن الأخير «في 14 آذار وأقرب إلى الوسط، وعندما يتحدث عن أنه مع المقاومة وضد النظام السوري يحاول التذاكي». وذكر أن الرئيس السوري «مطمئن ومرتاح أكثر منّا، وهو كان يعرف أن الطريق طويلة». وفي الشأن الداخلي، رأى أن رئيس الجمهورية ميشال سليمان يطالب بما هو أكبر من حجمه، ويعمل على أساس مستقبله بعد الرئاسة، لكنه لم يستبعد التوصل إلى مشروع مشترك ونقاط مشتركة انتخابياً مع سليمان إذا لم يكن الأخير «صاحب مشروع إقليمي». ورفض دعوة الرئيس سعد الحريري إلى الحوار «ما داموا يعتبروننا ضعفاء، وإذا لم نضعف فتعالوا لنتحاور».
الثلاثاء ٢١ شباط ٢٠١٢
7 أسئلة | محمد الصفدي - 15% ضريبة عقارية وزيادة TVA 1% تدقيق الحسابات المالية يُنجز خلال 3 أشهر
موازنة 2012 في نسختها الثانية أصبحت منجزة. حجم الإيرادات الضريبية سيصل إلى نحو 15 ألفاً و800 مليار ليرة. أهم الإجراءات المطروحة: استحداث الضريبة العقارية بنسبة 15% وزيادة الـ TVA إلى 11% والضريبة على الفوائد المصرفية إلى 8%. هذا ما قاله وزير المال محمد الصفدي في مقابلته مع «الأخبار»
رشا أبو زكي
1- ما هي أبرز نقاط المشروع الثاني لموازنة العام 2012 الذي سترفعه إلى الحكومة؟
عندما ارسلت مشروع الموازنة الاول لم يُنظر الى شقه الايجابي، وجاءت التعليقات على المشروع بطريقة وكأن المشروع كله ضرائب. على اي حال، طلبت استرجاع المشروع لأسباب عديدة اهمها تضمين موازنة العام 2012 الزيادات التي طرأت على الأجور وهي بقيمة 1500 مليار ليرة. كذلك اضفنا بعض البنود التي جاءت ضمن اقتراحات الوزراء ومقاربة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وقد اصبح المشروع بصيغته الجديدة جاهزاً إن كان لجهة الافكار او لجهة الارقام، وسيتضمن زيادات ضريبية لن تطاول ذوي الدخل المنخفض.
2- ما هي هذه الزيادات؟ اي ضرائب ستطال؟ وما هو جحم الايرادات المتوقع منها؟
تتوزع الضرائب على عناصر مختلفة، اذ سنقترح وضع ضريبة على التحسين العقاري بنسبة 15 في المئة، وانا مع زيادتها اكثر ولكن بطريقة تدريجية، اما ايرادات هذه الضريبة فستكون حوالى 350 مليار ليرة. وللتوضيح، هذه الضريبة تصيب فقط المضاربين وتجار الاراضي وليس الشركات العقارية. وسنقترح زيادة ضريبة الربح المقطوع على البناء من 10 الى 15 في المئة. كذلك، سنقترح زيادة الضريبة على ارباح الفوائد البنكية من 5 الى 8 في المئة وهذا بند يدخل ضمن قناعاتنا، ولا يمكننا استثناء المودعين الاجانب من هذا الاجراء بسبب السرية المصرفية، ومن المفترض ان يؤمن هذا الاجراء ايرادات بقيمة 400 مليار ليرة. وأيضاً، سنقترح زيادة الضريبة على القيمة المضافة TVA بنسبة واحد في المئة (من 10% الى 11%) لتؤمن ايرادات بقيمة 350 مليار ليرة. وسنقترح زيادات ضريبية على بعض السلع التي تعتبر من الكماليات والتي ستؤمن ايرادات بحدود الـ100 مليار ليرة.
من جهة اخرى سنقترح خفض ضريبة الدخل على الصناعيين الى نحو ثلث الضريبة الحالية، فنحن لا نستطيع كوزارة الدخول في مشروع خفض الضرائب على التصدير لأننا حسابياً لا يمكننا معرفة كلفة الصناعة التي تصدّر وتلك التي تباع داخلياً.
الخفض الضريبي الثاني سيطاول الفنادق خارج بيروت الكبرى التي تعاني الكثير، بحيث سنقترح إلغاء ضريبة الدخل كلياً او خفضها بنسب كبيرة لمدة 5 سنوات، بحيث نساعدها على استعادة نشاطها وتحريك المناطق الواقعة فيها.
3- هل هذه الاجراءات ستؤمن توازناً بين المدفوعات والايرادات في العام 2012؟
كلا، فمع كل هذه البنود حجم الموازنة سيكون 21 الف مليار ليرة مع انفاق «مبهدل» على الاستثمار، وسنعمل خلال النقاشات في مجلس الوزراء على بحث امكان خفض الانفاق في بعض البنود لزيادتها على ارقام الاستثمارات. اذ سيبلغ العجز في المشروع الذي سنقدمه 5300 مليار. حيث لدينا 5353 مليار ليرة خدمة الدين العام، و7277 مليار ليرة رواتب وأجوراً، 3161 ليرة عجز كهرباء. اما مداخيل الدولة مع كل الاجراءات الضريبية المقترحة في مشروع موازنة 2012 فهي 15800 مليار ليرة.
4- هل توافق على اقرار الموازنة قبل قطع حساب السنوات الماضية، وفق ما ورد في الرؤية التي طرحها الفريق الإقتصادي لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي حول موازنة 2012؟
لست مع ما طرح في هذه المقاربة والمتعلق بأن تضع الحكومة مشروع قانون استثنائياً يجيز لمجلس النواب إقرار موازنة 2012 قبل إجراء قطع الحسابات القانونية على الموازنات السابقة، نحن نرى انه يوجد فرصة لتصحيح حسابات الدولة، ويمكننا القيام بهذه الخطوة حتى لو تأخر اقرار
الموازنة. الوزارة تقوم بجهد كبير لتصحيح الحسابات المالية منذ العام 1993 حتى العام 2010، ونسعى إلى ارساء نظام يؤمن ديمومة في انتظام هذه الحسابات، وهذا الجهد ينبغي أن يستكمل لا أن يتعرض لأي اهتزاز.
وأنا لا أقول إن طرح فكرة القانون الاستثنائي تتقصد وقف هذه العملية، وأعلم أن إقرار الموازنة يسهل العمل وخاصة على وزارة المال، وقد سارعت إلى تقديم الموازنة ضمن المهلة القانونية، ولكن أنا عملياً مع تصحيح الحسابات، ووقف المسار السابق في اعداد الحسابات والتدقيق بها.
5- هل عدم قيام اي وزير مال في السابق بالتدقيق في الحسابات المالية، له خلفيات تتعلق بالاستفادة من الفوضى القائمة؟
يمكن القول ان من الاسهل على الوزير الذي يمتلك امكانات وحزبه لديه امكانات أن يأتي الى الوزارة بكادر من الموظفين التابعين له للعمل في الملفات الوزارية بدلاً من العمل على تحسين الادارة الموجودة، في حين أنني مقتنع بأن من واجب الوزير أن يقوم بتحسين اداء الوزارة واعادة بناء قدراتها... هذا ما لم يحصل في السنوات السابقة. حالياً قمنا باختيار افضل 50 موظفاً في المحاسبة المالية من ادارات عدة تابعة للوزارة من اجل العمل على انجاز مهمة التدقيق المالي في الحسابات منذ العام 1993. وقد طلبنا من البنك الدولي ومؤسسة خاصة ( اوراكل) اجراء دراسات تقييمية للمركز الآلي في الوزارة، وقد صدر تقريران متشابهان من مصدرين مختلفين، كلاهما يؤكدان أن طريقة العمل على الحسابات خلال السنوات السابقة حتى اليوم تسمح للقيام بأعمال مخالفة وبكل سهولة. وقد رفعنا التقريرين الى مجلس الوزراء، وطلبنا من ديوان المحاسبة الاطلاع على العمل الذي نقوم به لمواكبتنا. ليس من مهمتنا القول انه يوجد متهمون ومستفيدون من الفوضى التي كانت سائدة، فقد اعلنا أن احتمال حصول مخالفات موجود، ويوجد اخطاء محاسبية، تبدأ منذ العام 1993 أي حين الاعلان عن تصفير الحسابات، أما مهمة تحديد المسؤولين والمخالفين فهي تعود الى المدعي العام المالي لا إلى الوزارة.
6- متى ستعلن الوزارة الانتهاء من التدقيق في الحسابات؟ وماذا بعد هذه الخطوة؟
نتوقع أن ننتهي من التدقيق في الحسابات خلال شهرين او ثلاثة أشهر حداً أقصى. اما بالنسبة الى ما بعد هذه الخطوة، إن مجلس الوزراء قام بخطأ عدم الموافقة على مشروع وزارة المال الذي يجيز عقد اتفاق مع شركة «برايس ووتر هاوس كوبرز» لتحسين أداء الممارسات المحاسبية. فالوزارة بلا آليات اجرائية للقيام بالحسابات المالية، ويمكن القول انه لا يوجد احد مسؤول، ولا يوجد فعلياً مدقق مالي. وبالتالي وزارة المال لم يكن لديها مدقق مالي داخلي بسبب غياب الآليات الاجرائية لمتابعة سير العمل. وبعدما اوضحنا الموضوع في مجلس الوزراء، تراجعت الشركة عن القبول بالتعاقد مع الوزارة لكونها لا تريد الدخول في اي صراع سياسي، وهذا الرفض انسحب على كل الشركات التي يمكنها القيام بالعمل ذاته. في الخلاصة، نحن سائرون في عملية التدقيق المالي وسنصدر الارقام الصحيحة، ولكن بعد انتهاء التدقيق، من الممكن ان يعود العمل الى الفوضى إذا لم يسمح لنا بالحصول على الادوات اللازمة لتنظيم هذه الوزارة.
7- كيف يمكن اقرار موازنة العام 2012 ما دامت الحسابات قيد الاعداد وبالتالي لا يمكن اجراء قطع حسابات السنوات الماضية؟
نعمل على تدقيق الحسابات بين اعوام 2004 و2010 لعرضها على مجلس النواب. وبذلك سأقوم بعرض مشروع الموازنة في مجلس الوزراء، وسنجهد في الوزارة لإنجاز حسابات الاعوام السابقة، ويمكنني القول ان التدقيق في هذه الحسابات يتطلب جهداً كبيراً وعملاً دقيقاً جداً.
لست في أيّ فريق
انا من فريق الحكومة الاقتصادي ولست من ضمن الفريق الاقتصادي لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي. أما الورقة او الموازنة او المقاربة التي قدمها الفريق الاقتصادي التابع لرئيس الحكومة فقد جاءت من دون تنسيق مباشر مع وزارة المال، وقد طرحت عليّ بعد اعلانها في الصحف.
الاثنين ٢٠ شباط ٢٠١٢
تدعوكم شبيبة حزب الوحدة الشعبية ومجموعة من القوى الشبابية والطلابية للمشاركة في الاعتصام التضامني مع الاسير في سجون الاحتلال الصهيوني خضر عدنان الذي يستمر في اضرابه لما يزيد عن الشهرين داخل سجون الاحتلال في ظل صمت عربي ودولي وغياب لمنظمات حقوق الإنسان مع استمرار حالته الصحية في التدهور.
يقام الاعتصام في تمام الساعة الخامسة من مساء يوم غد الإثنين 20 شباط 2012 أمام مقر الصليب الأحمر/ دير غبا
25 عاماً على اغتيال المفكر الشيوعي حسين مروة
"زيدوا ثقافتكم يا رفاقي.. نظّموا، أكثر، عملية التثقيف، حتى تتزايد شعلة الضياء تأججاً وسط الظلام الذي يريد أن يطغى."، كانت هذ وصية الشهيد حسين مروة (أبو نزار) لرفاقه في المؤتمر الوطني الخامس للحزب الشيوعي اللبناني .
لمناسبة الذكرى الـ25 لاستشهاد المفكر الشيوعي حسين مروة، الذي اغتيل في 17 شباط 1987 اليوم الذي أعلن يوماً للمثقف العربي، أقامت منطقية بيروت في الحزب الشيوعي اللبناني لقاءً حوارياً حاشداً مع نائب الامين العام للحزب الشيوعي اللبناني د. ماري ناصيف – الدبس، د. أحمد مروة نجل الشهيد حسين مروة، الكاتب محمد دكروب، المفكر الياس شاكر، في 17 الجاري في مقر الحزب الرئيسي. حضره الامين العام للحزب الشيوعي اللبناني د. خالد حدادة واعضاء من المكتب السياسي وأفراد عائلة مروة وحشد من الشيوعيين.
أدار اللقاء د.خليل سليم مرحباً بالحضور الذي وقف دقيقة تصفيق تحية لمروة.
الدبس
استهلت د. ماري الدبس كلمتها بالحديث عن حسين مروة الانسان والرفيق المعطاء والمثقف "نادراً ما تجتمع كل صفات الانسان الانسان في شخص واحد. الذكاء المتوقد والثقافة والمعرفة والثبات ووضوح الرؤية الى جانب العطاء اللا متناهي الذي يؤدي بك الى نكران الذات... حتى الشهادة".
وتناولت الدبس جانبين من صورة مروة ؛ جانب المناضل الشيوعي، وجانب المقاوم للعدو والظلامية. مستعينة بأحد كتاباته الذي توجه فيها لرفيقيه بعد استشهادهما سهيل الطويلة وخليل نعوس "جراحنا عميقة، عميقة.. وحزننا كبير، كبير.. لكن الاعتزاز بحزبنا أعمق وأكبر.. انه الاعتزاز بنهجه السياسي الصائب، وبفكره الثوري الطليعي، وبنضاله المبدئي البطولي... انه الاعتزاز بوجهه الصريح، الناصع، الساطع: وجهه الوطني، القومي، الطبقي، الأممي..
من نبعة واحدة، من جذر واحد، من مرجع واحد، تنبع ملامح هذا الوجه الصريح الناصع الساطع لحزبنا الشيوعي اللبناني... كل ملامحه هذه تتكامل وتتناغم وتتناسق بفضل الفكر الثوري الطليعي، وبفضل العلم الماركسي – اللينيني، وبفضل التطبيق الخلاّق لهذا الفكر وهذا العلم.
لكن النهج السياسي – الفكري – الايديولوجي الذي اخترناه اختياراً طوعياً، هو أعمق من الجراح وأكبر من الحزن... وأنتم أدرى أن القابض على هذا النهج في عصر الحالة الاسرائيلية – الفاشية – الظلامية، كالقابض على الجمر... وأنتم أدرى أننا ارتضينا القبض على هذا الجمر حتى يموت الجمر وتحيا القضية وإن احترقت أيدينا... ذلك شرفنا وأنتم العنوان الوهاج لهذا الشرف.". شارحة "ان مروة في هذا المقال يبدو وكأنه يرد بعين اليوم على بعض الذين يحاولون تشويه صورة الحزب والتخفيف من اهميته. يحدد وجهة الحزب المستند الى الماركسية اللينينية من جهة والحزب الذي يساند ويقاوم. ويؤكد على ان الحالة الدينية المتخلفة هي نتاج لفكر البرجوازية ولا فرق بالتالي بين هذه وتلك".
ثم تطرقت الى معرفتها بمروة في السبعينيات عندما كان يتردد على جريدة النداء، ويناقشهم ويحث كل شيوعي على زيادة المعرفة وتطوير الثقافة، "كان متواضعاً رغم اهميته الفكرية والثقافية. كان مؤمناً بالحزب الذي ارتضيناه طوعياً بناءً على موقف سياسي وموقف فكري.. وهذه المسائل تعلمناها من أبي نزار وكان يمارسه طوال فترة حياته..".
ثم تناولت دور مروة بين عامي 81 و82 واطلاق جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية (جمول)، وكيفية مساندته لابطال جمول في مقالاته التي كانت تشد من عزيمتهم وتحثهم على متابعة الكفاح. كتب انذاك عدة مقالاات ابرزها المقال العظيم "كنا سبع جزر وأصبحنا بحيرة".. ان اغتياله كان لكل ذلك كونه كان ماركسياً شيوعياً لينينياً.. وكان جدير ليحمل لقب شيخ الشيوعيين"
الياس شاكر
بدوره وجه الياس شاكر تحية لرفيقه الشهيد أبي نزار متطرقاً الى"اهمية العمل الفكري والادبي الذي قدمه أبو نزار وأهمية القدوة الانسانية التي كان يشكلها ويعرفها الجميع. والتي ما زالت مستمرة رغم هذا الجمود. القيمة الفكرية لمقالاته ما زالت مستمرة وستستمر حتى اليوبيل الفضي"، متحدثاً عن اسهامات مروة بمجلة "الطريق" وكيفية تصويبه للامور ومساعدته وتشجيعه للكتاب الاخرين.
دكروب
بدوره تناول دكروب قيمة الوقت الذي كان يقدسه ابي نزار ، متطرقاً الى اختصاص الدكتورة الذي كان يعدها حسين مروة بمعهد العلوم الاجتماعية بموسكو والتي نتج عنها كتاب "النزعات المادية في الفلسفة العربية الاسلامية"، شارحاً كيفية الضغط الزمني الذي تعرض له لانجاز تلك الدراسة "كان يزعجه لأنه يعتبر الدراسة أمراً هاماً جداً ويجب أن يستوفي حقه كاملاً دو أن (يسلق)"، كما تحدث دكروب عن بعض المراسلات بينه وبين مروة حول موضوع الكتاب وعن مضمون الدراسة واقسامها..
أحمد مروة
بدوره تناول أحمد نجل مروة سيرة والده "كأبٍ لتسعةِ أبناء ، كزوجٍ عاشق مخلص ، وأخٍ محبّ، الأب الصديق، والصديق الأب.."، متطرقاً الى حياتهم في النجف، و الناصرية ، وبغداد. ثم عودته عام 1949 إلى لبنان. وتحدث عن عمله في "الحياة" و مع محمد دكروب في مجلة " الثقافة الوطنية "..وقال "علّمنا أبو نزار أنّ المعرفةَ ينبوعٌ لانهاية له ولا قرار .. علّمنا أنها نهرٌ جارٍ يتّسع كلّما سرتَ معه. علّمنا أنّ السِّن لايقف حاجزاً أمام طالبي العلم والمعرفة ، فالعلم والمعرفة ليسا ملكاً للمرء وحكراً له ، بل يجب أن يعطيهما لطالبيهما.. هذه كانت من أهمّ خصاله . كما إنه كان يظلّ حريصاً على صداقاته مع الجميع: لم يكن في قلبه وفي وجدانه مكانٌ للحقد والضغينة وللحسد ، فيسعَد حينما يبرز كاتبٌ مبدع أوشاعرٌ ملهم أو مفكِّر متعمِّق في لبنان وغير لبنان فيطير له فرحاً.". خاتماً حديثه عن يوم اغتيال الشهيد حسين مروة "لكن أبا نزار بقي حيّاً فيها بروحه وبقي حيّاً فينا ، نحن أبنائه، وبقي وسيبقى فكره منارةً لكلِّ محبيه..".
وختاماً، تحدثت حفيدة مروة، رانية مروة عن مرارة خبر اغتيال جدها "ظنوا ان بقتله يمسحون المعرفة، يخفون زيفهم، يكسرون المرآة التي تظهر عريهم، يرتاحون من خطر سحب الستار عن كواليسهم ويتخلصون من خطر كشف لعبتهم القاضية بغسل أدمغة الناس.أن يعرف الناس فهذا أمر مقلق. وأن يكون الناس مثقفين فهو أمر خطير. أما ان يكون الناس أحراراً، فهذا يستدعي.. اغتيالاً".
فداء عيتاني
في عام 1971، أُحرج الوزير إميل البيطار حتى أُخرج من الحكومة مستقيلاً، فرسم بيار صادق في الصفحة الأخيرة من «النهار» كاريكاتوره، معلّقاً «إميل طلاع من الصف». تلك الحكومة التي تألّفت عام 1970، برئاسة صائب سلام، كانت تهدف الى «بعض التعديلات حتى لا تتم أية تعديلات» في البلاد، وتحاول استيعاب الموجة الهائلة من المدّ، الذي بدأ يطلّ برأسه على لبنان، وأعدّت لانتخابات عام 1972، وانتهت الأمور بعد ثلاثة أعوام بالوصول الى الانفجار والحرب الأهلية.
إميل البيطار حينها كان، وبصفته وزيراً للصحة، قد صدق أن المطلوب إجراء تعديلات، فراح المسكين يعمل على ملفات الاستشفاء والدواء، وحاول تحديد الأرباح والاستيراد في الأدوية، وكبح الهوامش، فانتهى به الأمر مستقيلاً، بعدما اصطدم بالممسكين الفعليين برأس النظام.
اليوم، وصلت الحكومة الى النتيجة نفسها، لكن الحكومة الحالية، والنادي الحاكم، في وضع أكثر راحة بما لا يقاس من حكومة عام 1970، فلا فئات عمالية منظمة، ولا أحزاب، ولا إميل البيطار من الحزب الديموقراطي، ولا يسار يخرج في تظاهرات اعتراضية، ولا من يحزنون، لكن هناك ما يزعج الصورة. فها هو شربل نحاس لا يخرج من الصف، بل يقف فيه ويشاغب كل الوقت على صفاء الحكم والسلطة، ويرفض التوقيع.
ربما لم تنطل الحيلة على رئيس مجلس النواب، نبيه بري، الذي يكرر أنه لم يقتنع بأسباب الأزمة الحكومية ليتدخل في مفاوضات تعيد الحكومة الى سكة الانعقاد، فراح يتأمل من بعيد، وهو ربما الوحيد الذي لن يلعب لعبة التذاكي الدائرة اليوم بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، وإن كان لا يسرّ بري وجود نحاس في صف الحكومة ونادي السلطة، لكنه لن يجاري الرئيسين في لعبة الغميضة مع النظام السوري، التي يفترض أن يبررها دائماً وجود نحاس في الحكومة.
فمن أجل الهروب من الموقف في سوريا وحولها، يغمض رئيس الجمهورية عينيه، حتى عن مصادرة صلاحياته من قبل رئيس الحكومة، الذي فضّ المجلس وأعلن إغلاق قاعة الاجتماعات ووضع المفتاح في جيبه، بحضور وترؤس رئيس الجمهورية للجلسة الوزارية الأخيرة. رئيس الحكومة فضل تعليق البلاد وإغلاق الحكومة الى حين بسبب التصليحات، وإغماض عينيه عن مطالبات سوريا بدور جدي للبنان في الداخل، عبر ضبط حدوده، وفي الخارج عبر موقف حاسم في الجامعة العربية ومجلس الأمن الدولي، ورئيس الحكومة جاهز دائماً ليقول إن «الحق على شربل» الذي لولا مشاغباته ورفضه مخالفة القانون لانتظمت جلسات مجلس الوزراء، واستكمل نأي لبنان بنفسه عن الأزمات بموقف ملتبس آخر على الحدود وفي المحافل العربية والدولية. وبكلمة أخرى، فور إحراج لاعبي الغميضة، سيفتحون أعينهم ويقولون «شفتك شربل شفتك، طلاع من الصف».
لم ينس أحد ربما أن الأزمة الحكومية انفجرت على خلفية التعيينات الإدارية، لا على خلفية عدم توقيع شربل نحاس على مرسوم بدل النقل، الذي يعدّ بكل المقاييس مخالفة قانونية صريحة، وأن نحاس لم يعترض على التعيينات، بل اعترض عليها ميشال عون عبر جبران باسيل، وأن المغادر الأول لقاعة الاجتماعات كان باسيل، وأن المشكلة أن رئيس البلاد (الحكَم والوسط وصاحب التعهد قبل انتخابه غير الدستوري بأن يكون على مسافة واحدة من الجميع وألا يشكل كتلة سياسية لمصلحته خلال فترة حكمه) كان يسعى الى حصة كاملة في التعيينات الإدارية. وبالتالي، فإن شربل نحاس لم يكن له ناقة ولا جمل عملياً في قرار إغلاق مجلس الوزراء وإرسال الوزراء الى مكاتبهم الى حين. ولكن صار الأمر مثل الحظ السيئ الذي يصيب شربل، إذ إن كل رئيس حكومة يشارك فيها يقف في جلسة عامة ويقول له «ليك يا شربل يا نحاس». سعد الحريري قالها، وأضاف «الله لا يخلّيني إذا بخلّيك»، وطبعاً لم تدع إرادة الله سعد في الحكومة طويلاً من بعدها، وها هو نجيب ميقاتي يكررها، مضيفاً «لست أنت من تعلّق الجلسات، بل أنا من سيعلّقها»، والله يعلم بإرادته بعد هذه العبارة من سيكون رئيس الحكومة.
من بعد حكم غازي كنعان ورستم غزالي للبنان، يكتشف كل من تناوب على النظام في البلاد أن وجود المرشد الروحي السوري للنظام كان ضرورة، وأن البلاد من دون هذا الإرشاد تذهب الى انحرافات خطيرة، حتى إن أناساً مثل شربل نحاس قد يصلون الى الوزارة، وأن الطائف الذي لم يطبق يوماً قد يصبح أمراً واقعاً، وأن مجنوناً ما قد يطالب بتطبيق الطائف والقوانين حتى، متجاوزاً فتاوى كنعان وغزالي.
لحسن الحظ أن في البلاد رئيس جمهورية يمكنه دائماً ضبط الإيقاع بعبارات ذهبية من وزن أن «بإمكان رئيس الحكومة مناقشة الوزراء، لكن لا يحق للوزير مناقشة رئيس الحكومة»، ضارباً عرض الحائط بالطائف وتعديلاته، كما أن من حسن الحظ أن «شربل ما طلع من الصف» حتى يتسنّى للكل تعليق كل المشكلات على وجوده في الحكومة.
الجمعة ١٧ شباط ٢٠١٢
BEIRUT: Around 150 activists from the Union of Lebanese Democratic Youth held a sit-in Wednesday in front of the French Embassy in Beirut calling for the release of George Abdullah who has been imprisoned in France for 28 years despite his sentence ending in 1999.
The protesters raised banners and chanted in support of Abdullah, who remains in French custody after entering prison in 1984 on charges of killing Israeli and American military officials.
Activist Mohammad Jammoul spoke in the name of the protesters and said that the French government has been holding Abdullah in arbitrary detention since the end of his sentence in 1999 and has ignored all calls for his release.
Jammoul added that previous Lebanese governments have not addressed Abdullah’s case with France for fear of losing its political support.