لست وحدك

حسن خليل

في صالون مشترك جمع أكثر الأحزاب اللبنانية قهقهة واستهزاءً من شربل نحاس:

ــــ متفلسف ومغرور. يريد تعليمنا سياسة نحن أربابها، يريد إفساد تركيبة نتقاسم فيها حصصنا بعد آلاف الضحايا قدمناها في حروبنا. يأتي هذا الساذج الوزير ليعكّر علينا ما رسمناه من واقع في مجتمعاتنا. يريد إيقاظ مَن غسلنا دماغه، وإعادة مَن اغترب يائساً منا... حقيقة أنه غبي!

في كواليس حزب الله همس:

ــــ يا أخي فهمنا أن شربل نحاس صادق وآدمي و و و... ولكن، ألا يعلم أن هناك صراعاً متفجراً مع العدو الصهيوني، وأن لا وقت لدينا لخوض معاركه؟ يا أخي نحن نعلم أن مجتمعنا لم يعد كما أحببناه، ولكن لن نخوض في صراعات جانبية.

في أورقة التيار الوطني الحر، تأفّف وتنهّدات:

ــــ لا نستطيع أن نكون وحدنا في الميدان. حلفاؤنا ليسوا على الموجة نفسها، وأوساطنا الداخلية ليست على توافق، فنحن، كما حزب الله، لدينا في قياداتنا مَن هي نماذج لكل القوى الفاسدة الأخرى. وهناك الواقع المسيحي، هل يريد النحاس أن يكون سمير جعجع وأمين الجميّل أكثر مسيحية منّا؟

أمّا في محيطنا يا شربل نحاس، فاطمئن: أنت لست غبياً بل ثائر حر عصامي أخلاقي مبدئي وأيضاً تطبيقي دستوري، وهم عكس كل هذا. معك أيها النحاس نتذكر هذا التونسي الذي ملّس على رأسه قائلاً: هرمنا.. هرمنا. فلنحدّثهم وإيّاك معاً: لقد هجّرتم المغترب وأذلّيتم المقيم. لذلك نتوجه إليكم برجاء وأنتم حَمَلة السلاح الميليشيوي لا المقاوم، أقوياء علينا أذلّاء أمام السلطة والمال ورجال المال. لقد عرف أجدادي أجدادكم وآباؤنا آباءكم ونحن نعرفكم. رجاءً، لا تحاضروا علينا بالربيع العربي والديموقراطية والحريات واللاطائفية والإصلاح وأنتم مَن لا تفسحون المجال حتى في أحزابكم للنقاش وتقمعون وتشربون من دماء الطائفية والطائفيين.

شربل نحاس أنت لست بيكاً ولا شيخاً ولا «ابن عائلة». لقد واجهتهم في عقر دارهم (حتى رئيسك لم يصدق أنك لن توقع)، يتبادلون دور الدفاع عن موقع رئاسة الجمهورية وبكركي كذباً. ويدافع كل رئيس حكومة عن موقع رئاسته بستار الحفاظ على حقوق الطائفة السنية ولو أن الخليج العربي كله يلعب الروليت الروسية، فتنطلق رصاصة قاتلة في يوم قريب. أترى معنا يا شربل أنهم قزّموا الرئاسة الأولى وتاجروا بالرئاسة الثالثة، واستولوا على حصرية الرئاسة الثانية وأتوا بنواب كالدمى تقف بإشارة وتصفّق بأخرى، كالسمك الصغير يدورون كيفما تدور سمكتهم الكبيرة.

لقد احتقروا الجيش حتى تطاول عليه أصحاب الذقون. وأذلّوا القاضي ليقف أمامهم بأسوأ من حال المتهم بالقتل. لم يسلم الأمن ولا القضاء ولا النقابات ولا الاتحاد العمالي العام ولا الضمان الاجتماعي ولا الدواء ولا الطيران ولا الكازينو ولا انترا ولا الإنماء والإعمار ولا المهجرون ولا مجلس الجنوب ولا البلديات. جعلوا على كل طفل وامرأة وكهل ديناً لأجيال قادمة يئنّون منه حتى بعد أن ينزلوا إلى القبور. تصوّر أيها «الساذج» شربل أنهم هم مَن يعيّنون حتى رؤساء المراقبة من ديوان المحاسبة والتفتيش المركزي وهيئة التأديب ومجلس الخدمة المدنية و و و... وأخطر ما فعلوه أنهم يغطون كل ذلك بشراء صحافة وصحافيين.

شربل نحاس: أنت لست وحدك، فبانتفاضتك ستحرّك مَن بقي عنده الحد الأدنى من الجرأة والأخلاق والوطنية. ميشال عون يكسب بك ولست عبئاً عليه، وحزب الله إنْ اعتبر لمرّة، فسيجعلك مدخلاً لولوجه في خطٍ موازٍ للمقاومة داخلياً لتحصين ساحته. والآخرون إذا لم يتحركوا فلا ضير لأنهم يرضون الذل وبيع الضمير ويسخّرون وطناً حضَنهم من أجل حفنة من المال الرخيص أو المناصب التافهة.

هل يقتصر الربيع اللبناني على وزير وحيد يُبايَع ثم يُترك شريداً؟ أليست الحياة، بما فيها السياسة، أرباحاً وخسائر؟ ألا يدرك التيار الوطني الحر أنّ ترك شربل نحاس بهذه الطريقة يعني الاستمرار في إصدار قرارات غير دستورية تستند فقط إلى توافق سياسي؟ رحم الله رفيق الحريري وأعاد إلينا سعد بالسلامة.

غداً سيُقال: لا بدّ من تسوية. مَن قال لكم إننا نريد تسويات؟ والحمد لله هناك مَن يُخرج أرنباً من القبعة دوماً. ندعو الله أن تموت كل أرانبكم حتى لا تعود هناك تسويات، وتنهار حكوماتكم، لعلّ حينها يستفيق الأغبياء الوحيدون في هذه اللعبة ويتوجهون إليكم بكل وجه إلا كمناصرين.

شربل نحاس.. لست وحدك!

الاربعاء ٢٢ شباط ٢٠١٢

آخر تعديل على Thursday, 23 February 2012 08:01

الأكثر قراءة