uldy

uldy

خالد صاغية في لبنان، من بات يقلقه فجأةً تحقيق العدالة. دروس أخلاقيّة يوميّة تُتلى على اللبنانيّين عن العلاقة التي لا فكاك منها بين المجتمعات الحديثة والالتزام بمعايير العدالة. وفصول من التاريخ تجري مراجعتها لإثبات سلبيّات التفلّت من العقاب. ومن تعوزه العدّة الأخلاقيّة والفلسفيّة، يلجأ إلى التهديد بعودة الجرائم والاغتيالات السياسيّة ما لم تُترَك المحكمة الدوليّة تأخذ مجراها حتّى النهاية. ولا تقتصر هذه الدروس على الساحة المحليّة، بل تتعدّاها إلى «العالم الحرّ». فترفع الولايات المتّحدة يديها مستسلمةً أمام استقلاليّة القضاء الدولي. وهي، بالمناسبة، الدولة نفسها التي ما زالت عالقة في أوحال غوانتنامو. وهي الدولة التي بإمكانها، عكس ما تدّعي، إلغاء أو إبطال مفاعيل أيّ قرار دوليّ لا يتناسب وسياستها. الغريب حقاً أنّ المتحمّسين في لبنان اليوم لسلطة العدالة، هم من الذين لم تزعجهم سابقاً أحكام العفو العام، ولا أحكام العفو التي صدرت لاحقاً كما جرى مع سمير جعجع مثلاً. عدا عن أولئك الذين لو طُبِّقت عليهم معايير العدالة، لما بقي أحد منهم خارج السجن. فمن لا تطَلْه جرائم الحرب الأهليّة، فهو غارق حتّى أذنيه في مستنقعات الفساد والنهب المنظّم وغير المنظّم. وها نحن نعيش في بلاد ارتضت لنفسها أن يحكمها مجرمو حرب، وأن تطوي ملفّ المجازر من دون محاكمات ولا محاسبة ولا من يحزنون. وقد تمّ كلّ ذلك تحت شعار الحفاظ على التوازنات الطائفيّة، والربط بين الطوائف وزعمائها. الغيارى على العدالة حقاً، مدعوّون لفتح ملفّ حقبتي الحرب الأهليّة و«السلم الأهلي». ولتبدأ المحاسبة وتوزيع المسؤوليّات. لأنّ المواطن والوطن اللذين يقبلان بالتنصّل من كلّ المجازر عبر إلصاقها بـ«حروب الآخرين»، ثمّ بالوصاية السوريّة، هما مواطن ووطن بعيدان تماماً عن أيّ مفهوم للعدالة. لنضع التكاذب جانباً إذاً. نحن أمام ملفّ سياسيّ يدعى «المحكمة الدوليّة». وإذا كان اللعب السياسي مسموحاً، فإنّ حدوده تبقى ضمن إطار الحفاظ على الأمن. وقد لعب كثيرون في السابق بهذا الملف، وتمكّنوا من الاستيلاء على السلطة بواسطته. أمّا وقد بدأ الملفّ يهدّد الاستقرار، فعلى هذا اللعب أن يتوقّف. «بلا لعب يا ولاد»!

عدد الاربعاء ١٣ تشرين الأول ٢٠١٠ |

جنود اسبان خلال مشاهدتهم لمباراة منتخب بلادهم في كأس العالم (أرشيف  ــ أ ف ب)

يتضح من خلال مراجعة الأحداث المتعلّقة باليونيفيل في الجنوب، أن هناك خلفيات قانونية وسياسية تجعل الأمور أعقد من خلاف على عمليات تصوير واستطلاع، أو حق دورية في عبور حارة في إحدى قرى الجنوب. لذا، نستعيد ما جرى في أروقة الأمم المتحدة بشأن تطوير عمليات حفظ السلام والطروحات التي قدمت لتغيير قواعد الاشتباك

نيويورك ــ نزار عبود منذ عام 2006 أصبحت اليونيفيل مثيرةً للجدل. فمعظم قواتها من الدول الثرية، أي دول من حلف الناتو الأوروبية. والمعلوم أن الدول التي تشارك في القوات الدولية مجموعتان، الثرية والأخرى التي تقدّم ما نسبته 85% من القوات. واليونيفيل من أكثر عمليات حفظ السلام ديناميكية وتبدلاً بين مثيلاتها. وليس هناك من قوة أخرى تسهم الدول الثرية فيها بهذه القوة. وبالتالي جرى تبنيها من الجوانب كلّها. في اجتماعات اللجنة 34 التي عقدت في 2006/2007 كان التركيز على مسألة سلامة أمن عناصر قوة حفظ السلام. ومن بين المقترحات التي قدمتها دائرة حفظ السلام في الأمم المتحدة كانت ضرورة العمل على 3 نقاط من أجل الأمن. الأولى تتعلق بمشاركة قوات حفظ السلام في عمليات التحقيق (الجنائية) التي تجريها السلطات الوطنية في مناطق انتشار القوات. أي إن دور قوات اليونيفيل يمتد إلى مخافر الشرطة، ويتعيّن على القوة متابعة تفاصيل حتى الجرائم الصغيرة التي تقع في البلدات والقرى. أمر رفضته الدول كلّها، ولم تقبله إلا سيراليون. الثانية تتعلق بالمحافظة على سلامة القوات وتوزيع عناصر مراقبة تهريب السلاح إلى منطقة العمليات، وهذا يعني توظيف فرق تجسّس محليّة، ووضع مراقبين على نقاط الحدود مع سوريا في حالة اليونيفيل، ولم يجري تبني هذه الاستراتيجية بفضل معارضة العديد من الدول العربية. الثالثة برزت في ما يعرف بـ«وثيقة الأفق الجديد» التي تمّت المدافعة عنها بقوة في الأمم المتحدة، وكانت ثمرة شراكة بين مراكز بحث في الأوروغواي وكندا. وفي اجتماع عقد في جنيف شارك فيه تيري رود لارسن، بصفته رئيساً لأكاديمية السلام الدولية، عُرضت الوثيقة الخاصة. وفيها دمجت الوثائق السابقة مع إضافة نقطة عدّها البعض في منتهى الخطورة لما تتضمنه من احتمالات تغيير في قواعد اللعبة. تقول النقطة إنه في ضوء التوسّع الكبير والمكثف في مهمّات حفظ السلام، وفي ضوء تغير مفهوم عمليات حفظ السلام لتشمل حماية المدنيين وحماية حقوق الإنسان، «أصبحت تغطية عمليات حفظ السلام بالوسائل التقليدية مستحيلة». هذه الفقرة كانت تعني ضمناً الدعوة إلى اتباع أسلوب عملية «إيساف» في أفغانستان، حيث الأمم المتحدة تغطي عمليات حلف شماليّ الأطلسي وتشاركه. وتضمن الوثيقة إلى جانب الشراكة مع الناتو أموراً بالغة الخطورة تنال من سيادة الدول واستقلالها. ورد فيها أنه لا جيش في العالم من دون جهاز استخبارات رئيسي، وبالتالي لا بد من إنشاء وحدات استخبارات لعمليات حفظ السلام، أسوة ببعثات السلام الأخرى. وعُرضت مسألة أخرى، تتعلق بطلب حرية تنقل اليونيفيل في جنوب لبنان من دون عرقلة، كانت ضمان «سلاسة انتقال الجنود في مناطق التوزع وفق الاحتياجات التي تقررها البعثة نفسها من دون عودة إلى السلطات المحلية». أمر يتعارض صراحة مع مبدأ موافقة الدول المضيفة لقوة حفظ السلام. لكن ما يثير الغرابة هو إدخال مفهوم «المخربين» للمرة الأولى. لبنان عارض هذه الفقرة في شباط الماضي، لكنه تغيب عن الجلسات الأخرى. ومن الأمور الخطيرة التي طُرحت، مشاركة القوات الدولية في إدارة الموارد الطبيعية في إطار ضمان التوزيع العادل لها، وهذا يشمل الكهرباء والماء والثروات الأخرى كالغاز والنفط والذهب. ورغم أن الوثيقة لا تذكر اليونيفيل تحديداً، وتتحدث عن استراتيجية حفظ سلام شاملة، إلا أن اليونيفيل تأتي في صلب أفكار واضعيها، علماً بأن دائرة حفظ السلام تكرر صراحة أن قوّة اليونيفيل هي الأكثر تعقيداً وتبدلاً، وتستوجب تغيير عملياتها تباعاً. وكانت الدائرة قد قدمت وثيقة شهيرة تعرف بوثيقة «حجر الأساس» بالتعاون مع مركز أبحاث أوسترالي. وكانت هذه الوثيقة مثار جدل، إذ التفّت على أربع ركائز في أي عملية حفظ سلام، هي: الحياد، وعدم استخدام القوة إلا دفاعاً عن النفس، والحفاظ على السيادة، والحصول على رضى السلطات المحليّة في الدولة المضيفة. وقد رفضت حركة عدم الانحياز الوثيقة، لأنها تعتدي على المبادئ الأساسية السيادية لعمليات حفظ السلام. يلاحظ أن الدول الأوروبية المشاركة في اليونيفيل بكل ثقلها رفضت الشهر الماضي تحميل إسرائيل نفقات التدمير المتعمد لمعسكر قانا في نيسان 1996 وقتل أكثر من مئة مدني لاذوا إليه وفق تحقيقات الأمم المتحدة. وغير صحيح أن قوات اليونيفيل لم تكن تعرف أن دخول الأحياء والأزقة في القرى الحدودية سيثير غضب السكان، ولقد عبّر كبار ضباطها عن حذرهم من ارتكاب خطأ من هذا النوع مباشرة بعد انتهاء حرب تموز ودخولهم القرى. وفي عبارة لافتة قال المتحدث الرسمي لليونيفيل: «عندما تحدل الدبابات في القرى فإن الأهالي يشعرون بأنه عمل عدواني... وعند إدخال مدرعات كهذه في مرحلة مبكرة، تبدو الأمم المتحدة كأنها تحاكي الانتشار الذي أجرته قوات الناتو في كوسوفو عام 1999». دول كثيرة فضلت الانسحاب من اليونيفيل، مثل الأيرلندية والفنلندية والقطرية، وغالباً لكون حكوماتها ترفض تغيير قواعد الاشتباك. بعضها، ولا سيما الأيرلندية، لم ينسَ ما حصل في نيسان عام 1980 عندما قتلت قوات سعد حداد ثلاثة من جنودها. كانت الولايات المتحدة قد عارضت في البداية توسيع اليونيفيل، وفضلت عليها قوات مصرية ـــــ تركية تتولى نزع سلاح حزب الله بالقوة. لكن مصر وتركيا لم تشاطراها هذا التصور. من هنا كان البديل قوات يونيفيل معزّزة يقودها حلف الناتو تحت مظلة الأمم المتحدة (فرنسية، ألمانية، إسبانية، إيطالية، تركية... وقوات إقليمية وغير إقليمية أقل وزناً). هذه القوة كانت مختلفة عن اليونيفيل الأولى (1987ـــــ2006)، فهي أكبر من أي قوة حفظ سلام في العالم من حيث الكثافة في الكيلومتر المربع، وأكثرها تجهيزاً وأشدها عتاداً وخبرات قتالية، بل إنها لا تشبه قوات حفظ السلام في كون طابعها الغالب كان أطلسياً إلى حد أثار خشية بعض ضباطها من مستقبل مهمّاتها في وقت مبكر من عملها. لذا رأى مراقبون متابعون في التحرك الفرنسي على الأرض في جنوب لبنان عملية جسّ نبض لسيناريو تعده القوة في حال نشوب نزاع مسلح. نزاع، إذا وقع بين المقاومة وإسرائيل فسيضع قوات اليونيفيل على المحكّ لكي تختار الطرف الأقرب إلى عقيدتها وتوجهاتها الاستراتيجية. هنا، لا بد من التذكير بالخطط السرّية التي أعدتها اليونيفيل، بعلم وتنسيق عسكري إسرائيلي، تقضي بتقطيع الجنوب ومنع الحركة بين قراه، وإيجاد قواعد على الأراضي اللبنانية تسمح بإنزال قوات تدخل سريع في حال اندلاع حرب جديدة («الأخبار» 7/8/2009). تعتمد اليونيفيل على الفقرة 12 من القرار 1701 في تبرير نشاطها وخططها المستقبلية، وجاء فيها: «يسمح لقوات اليونيفيل القيام بكل التحركات الضرورية في مناطق نشر قواتها وفي إطار قدراتها، للتأكد من أن مناطق عملياتها لا تستخدم للأعمال العدائية بأي شكل».

وقد أنهت اليونيفيل في وقت مبكر من العام الماضي نشر قوة عسكرية مستقلة في حد ذاتها تتولى توفير المعلومات والرصد والتحرك باستقلالية عن القيادة العامة وعن الجيش اللبناني. وهذا مخالف للمبادئ الأساسية لعملها. وتقضي خطة الطوارئ بنشر قوات تستقدم من الدول المساهمة عبر موانئ ومطارات داخلية وإقليمية. وهناك خطوط عامة تقضي بتنسيق آليات النشاط العملي مع كل من الجيشين اللبناني والإسرائيلي «بشكل ثنائي وثلاثي». والتنسيق الثنائي لا يعني الشفافية الدولية المطلوبة والحياد المبدئي في النزاعات.

الخطة استخدمت تعبير قوات المخربين رغم عدم اعتماد التعبير في لجنة حفظ السلام. حيث يذكر في خطة الطوارئ، «توضع قوات أمن دولية للحراسة والمراقبة والتنظيف المنتظم، منعاً لأي نشاطات تخريبية». وقد نشرت اليونيفيل قوة تدخل سريع جاهزة كقوة احتياط متنقلة. وقائد القوة هو الذي يحدد الأولويات الأمنية على الأرض وفي البحر ولا علاقة للجيش اللبناني بنشاطه. فإذا حدث تصعيد عسكري، يتولى فتح الطرق، ويضمن بقاءها مفتوحة، وينشئ مرافئ للاستقبال والإنزال. وسيكون للقوة أجهزة اتصال استراتيجية. وتخضع الفرق لإشراف الخلية العسكرية الاستراتيجية التي أنشأتها دائرة حفظ السلام خصيصاً لهذه الغاية. ووضعت أيضاً بنوداً تتعلق بتوفير الاكتفاء الذاتي لكل وحدة على حدة.

خليّة خاصّة

قيادة اليونيفيل لا تشبه أي قيادة لقوة حفظ السلام في العالم. فهي تتمتع بما يعرف بالخلية العسكرية الاستراتيجية الخاصة التي توجه عمل اليونيفيل من نيويورك خارج إطار الأمم المتحدة ودائرة حفظ السلام. تضم الخلية 28 ضابطاً من الدول المساهمة والدائمة العضوية في مجلس الأمن. لكنّ النسبة الكبرى، أي ثلثي الضباط، من الاتحاد الأوروبي. تتمتع الخلية بسلطات ميدانية واسعة لم تُختَبَر حتى الآن. أما تعرضها لعمليات إرهابية من منظمات سرية، فلا يمثّل تحدياً بعيد المدى، وبالتالي يمكن احتواؤه مع السلطات اللبنانية. أما إذا وقع تدهور ميداني واسع في الجنوب، فإن تصرفها سينطلق من الاستراتيجية التي ترسمها القوى الكبرى المساهمة في تركيبتها ـــــ الناتو. وإذا فعلت ذلك، فإن القوات الأخرى الأصغر حجماً والأقل تأثيراً ستجد نفسها مضطرة إلى الانكفاء. وعندما تصبح قوات اليونيفيل أطلسية قلباً وقالباً، فإن دولاً مشاركة رمزياً مثل الصين قد تستخدم نفوذها في مجلس الأمن الدولي لتصحيح الوضع.

عدد الجمعة ٩ تموز ٢٠١٠

تعديل لوحات «القوّات» الإعلانيّة في الجيّة (خالد الغربي) غريبة هي صورة جورج حاوي بين الصور الأخرى. كأن يداً مجهولة دسّت وجهه على ملصق «القوات اللبنانية» الأخير. الحزب الشيوعي قرر إزالة صورة أمينه العام الأسبق عن الملصق، فيما ردت «القوّات» برفع دعوى قضائية على أمين سرّ «شبيبة جورج حاوي»، رافي مادويان، بتهمة التحريض، متهمةً «حزب الله بالوقوف وراء إزالة الصور»! الشباب، في الحزب الشيوعي اللبناني، هم أوّل من شعر بالاستفزاز. لكن لم يكن بوسعهم التحرّك خارج الإطار الحزبي. لذلك، كانت ذكرى انطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، في 16 أيلول، مناسبة لاتخاذ موقف واضح. وفي ذلك اليوم تحديداً، قرر الحزب إزالة صورة أمينه العام الأسبق عن ملصقات القوات بالقوة، إذا لم تقم الجهات الرسمية بذلك. الأمر يتعدى الصورة. لكنّ تظهير أصحاب الوجوه بأنهم فريق واحد ينتمي إلى مقاومة واحدة، يبدو تفصيلاً مقصوداً يتعدى المبالغة في إعلان المشاعر الوطنية، على طريقة «ساتشي آند ساتشي» في ملصقات «أنا أحب الحياة» الشهيرة. وبرأي المتابعين في الحزب الشيوعي، لا يحتاج «أبو أنيس» إلى تعريف. بيان انطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية يحمل توقيعه. الأفكار الإصلاحية والحوارية التي كان يحملها لا تشبه السلطات وممارستها. المواقع التي شغلها كانت خالية من الكراسي المريحة. قاتل الإسرائيليين ولم يقابلهم. هكذا، تراكم الزخم النفسي في أوساط الحزب الشيوعي. توزعوا مجموعات على المناطق، وتولّوا إبعاد صورة «الرفيق جورج عن الصور الأخرى. أخذ التحرك الطابع «النوستالجي». فهو يذكر بالعمل السري القديم للمجموعات اليسارية التي كانت تزرع الشعارات على الجدران، وتوزع المناشير. لكن الأمور مختلفة اليوم. ففي الجبل مثلاً، خطر في بال بعض الطلاب أنهم قد يواجهون مشكلة. الملصق معلّق في مواجهة مخفر الدرك في منطقة عاريّا هذه المرة. لم تكن الخيارات كثيرة، فبرأي المشاركين، بقاء ملصق واحد، يعني بقاء الملصقات الأخرى. وبالفعل، وعلى مرآى من رجال الأمن، أزيلت صورة جورج حاوي. رسم الطلاب منجلاً ومطرقة عوضاً عنها. وفي عاريّا أيضاً، حيث مديرية الشؤون الجغرافية في الجيش اللبناني، حدث الأمر نفسه. ووفقاً لأحد الشباب المشاركين، فإن الملصقات جميعها في جبل لبنان تقريباً، باتت خالية من صورة القائد الشيوعي القديم. ردت القوات بخجل. فقد تعرضت ملصقات الحزب الشيوعي الداعية إلى الاحتفال بانطلاقة المقاومة على مداخل بلدة رشميا للتمزيق. في الكحالة، حيث تحظى القوات اللبنانية بحيثية ما، شعر الطلاب الشيوعيون ببعض التحركات لمراقبتهم. وبموازاة التحرك الشيوعي، لفت مصدر مطلع في الحزب الاشتراكي، إلى أن الاشتراكيين كانوا سيقومون بالأمر نفسه، أو أكبر منه، لو «زُرعت» صورة كمال جنبلاط في الملصق المذكور. لن يسمح الحزب الإشتراكي بتعكير حساباته السياسية من أجل صورة «توضع في غير مكانها وزمانها». هكذا، ونظراً للاعتبارات السياسية السائدة الآن، يبدو غياب صورة جنبلاط عن الملصق مفهوماً، رغم ورود اسمه على لسان رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية، في خطابات سابقة.

ميدانياً، في أوساط المواطنين، حرب الملصقات هذه ليست سوى إثبات جديد، على وجود ثقافتين، ومقاومتين. مقاومة بدأت في 1982 واستمدت وجودها من إرث يساري متعاطفة مع القضية الفلسطينية، ومقاومة أخرى تحمل طابعاً يمينياً صرفاً. هنا، يلتقط أحد المتابعين في الحزب الشيوعي فكرة حاسمة، فيسأل أحد المتابعين: أين كان جورج حاوي؟ وعلى أي ملصق يجب أن تكون صورته؟ لو كنا في بلد آخر، لكانت الإجابة أسهل بكثير. برأي المتابع، الاستفزاز الحقيقي يكمن في «استمرار الإيغال بمصادرة الرموز الشيوعية»، وخصوصاً أن الطرف المصادر هذه المرة، على موقع النقيض تماماً. القوات لن ترد على تشويه ملصقاتها مباشرة وعبر وسائل الإعلام. المصادر المعنية في الحزب، تؤكد أن «الرد سيكون في المهرجان يوم السبت المقبل»، مشيرة إلى أن الحرب انتهت، وأن بيان بهيج حاوي، شقيق جورج حاوي، الذي نشره موقعها الرسمي «كافٍ لتبيان وجهة نظر العائلة الحقيقية». المجريات التي اتخذت على الأرض، مخالفة، تقريباً، لما يهمس به المقربون من جعجع. ففي السياق نفسه، وفي خطوة غير متوقعة، تقدمت القوات اللبنانية بشكوى قضائية على مادويان بعد حديث له على إحدى القنوات المحلية أعلن فيه أنه «سيزيل صورة جورج حاوي بالقوة إذا لم تُزلها القوات». أما عن الطريقة التي ورد فيها الخبر المتعلق بإزالة صورة حاوي، على موقع القوات اللبنانية الرسمي، الذي اتهم «حزب الله بالوقوف خلف المجموعات المخربة»، فيشير مقربون من جعجع إلى أن القوات مقتنعة بأن «كل ما يحدث في لبنان اليوم هو من مسؤولية حزب الله». على أبواب المهرجان، القواتي، يرى المقربون أن إعادة الحديث عن وجود جورج حاوي في 14 آذار اليوم تحديداً هو «جزء من الحملة على القوات اللبنانية، لكن لا شيء يقف في وجه القوات ومشروعها». طبعاً لن يقف شيء في وجهها. سيقام المهرجان، وسترتفع بعض الصلبان المشطوبة كما في كل مرة. وستلقى خطابات في مديح بشير الجميّل «عرّاب» ما يسمى «المقاومة اللبنانية». وبشير الجميّل هو نفسه مَن قال عنه جورج حاوي في وثائقي «حرب لبنان» الذي عرضته قناة الجزيرة الفضائية أواسط العقد الأخير: «هذا الرجل كان يجب أن يموت، لأنه كان رجلاً في غير مكانه وزمانه». بشير الجميّل هو الرجل نفسه الذي يبدو عملاقاً على ملصق القوات، وتبدو الصور الأخرى إلى جانبه، بما فيها صورة جورج حاوي، صغيرة جداً، وبلا ملامح.

 

أحمد محسن

تونس ــ سفيان الشورابييبدو أن الحكومة التونسية ترفض أن تظل سجونها خاليةً. بعد محمد عبّو، وسليم بوخذير، وتوفيق بن بريك، ها هو إعلامي آخر يُزج في المعتقل. هكذا حُكم على مراسل قناة «الحوار التونسي» الفضائية الممنوعة، الفاهم بوكدوس، بالسجن أربع سنوات بعد بثه تقاريرَ عن الاحتجاجات التي وقعت عام 2008 ضد البطالة وارتفاع كلفة المعيشة في محافظة قفصة (جنوب العاصمة تونس). وتزامن هذا القرار مع تزايد وتيرة الانتقادات ضدّ النظام التونسي بعد مصادقة البرلمان على قانون «الأمن الاقتصادي».وتلك ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها نظام زين العابدين بن علي إلى المعارضة والقوى المستقلّة لإلهاء الناس عن الملفات الكبرى، أي الفساد المستشري ومناهضة التمديد للرئيس الحالي وتدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية.هذه المرة دفع الضريبة الفاهم بوكدوس بعدما أصدرت محكمة الدرجة الثانية حكماً بسجنه رغم تغيّبه عن الجلسة بسبب المرض. إذ يرقد بوكدوس في المستشفى بسبب مشكلات في التنفس. ورفضت المحكمة طلب تأجيل إصدار الحكم، في خرق واضح للقانون الذي يسمح بتأجيله إذا غاب المتّهم لأسباب قاهرة. وقد دفع ذلك «منظمة العفو الدولية» إلى اعتبار بوكدوس سجين رأي، معتقلاً لسبب وحيد هو... حقّه في حرية التعبير. وقالت نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة حسيبة حاج صحراوي إن «جلسات الاستماع كانت محاكمة استعراضية. والفاهم بوكدوس واحد ممن شملتهم الحملة القمعية التي تلت احتجاجات قفصة». وهو ما نفته السلطة القضائية التي قالت إنّ سجن بوكدوس جاء بسبب انخراطه في «عصابة هدفها الاعتداء على الأشخاص والأملاك»!هكذا تحوّلت الممارسة الإعلامية إلى عمل إجرامي، في تجاهل تام للمجرمين الحقيقيين المتمثلين في طبقة الفساد المتغلغلة في السلطة.وفي خطوة قمعية إضافية، صادق البرلمان أخيراً على قانون «الأمن الاقتصادي» الذي يجرّم «التحريض على الأمن الاقتصادي للبلاد عبر اتصالات مع منظمات وجهات أجنبية». وعُدّل المادة 61 مكرر من قانون العقوبات بطريقة تجيز سجن كلّ مَن يتّصل بمنظمات غير تونسية بهدف «إلحاق الضرر بالمصالح الحيوية لتونس، بما فيها الأمن الاقتصادي». وطبعاً، يُتوقّع أن تُسلَّط هذه المفردات الهلامية والضبابية كالسيف على رقاب الصحافيين.وفي هذا الإطار، قال رئيس «الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان» مختار الطريفي إنّ بنود القانون «الغامضة تمثّل تهديداً كبيراً للحقوق الأساسية، وخصوصاً حرية الرأي والتعبير». وهنا يطرح سؤال رئيس: هل بلغ اقتصاد البلاد درجةً من الهشاشة تجعله مهدداً بسبب مقالة تُنشر أو تصريح يُدلى به لوسيلة إعلام أجنبية؟

أميركا قلبها علينا

 ما إن صدر قرار سجن الفاهم بوكدوس حتى قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية مارك تونر للصحافيين إن «الولايات المتحدة قلقة للغاية حيال تراجع الحريات السياسية، وخصوصاً القيود الشديدة على حرية التعبير في تونس». وأضاف أن واشنطن «قلقة» بعد صدور الحكم ضدّ بوكدوس.

كذلك أدان «المعهد الدولي للصحافة» القمع الذي يعانيه الصحافيون في تونس، وقال إنهم يواجهون «مضايقات وربما السجن إذا حاولوا نشر أخبار عن الفساد». من جهتها، رفضت الحكومة التونسية الاتهامات التي ساقتها ضدها الولايات المتحدة، مؤكدة أنّ الفاهم بوكدوس... ليس صحافياً!

«وحدُن» الذين حضروا حفلات فيروز في بيت الدين 2003 يعرفون ما معنى هذه الليلة. «وحدُن» يعيشون شعوراً مشتركاً وفريداً. فليس سهلاً أن تسمع أربع أغنياتٍ جديدة لفيروز وتنتظر أكثر من سبع سنوات لتسمعها من جديد. «وحدُن» عانوا الخيبة عندما بلغ التشويق ذروته، يومَ أشيع أن ألبوم فيروز الجديد سيصدر في أيلول (سبتمبر) 2009. «وحدُن» ملّوا الانتظار. «وحدُن» قالوا: «في أمل، إيه في أمل، أوقات بيطلع مِن مَلل». كل ذلك «وحدُن»؟ ربما. لكن، بالتأكيد كلنا سنبكي عند سماع «إيه في أمل» الأغنية. فـ «إيه في أمل» بات عنواناً واحداً لثلاثة إنجازات فنية منتظرة: أولاً الأغنية، وبعدها الألبوم والحفلة. غير أن الأغنية هي الأساس. هي التي تعالج كل الوقائع، من خلال واقعٍ عاطفيّ. الواقع الذي لم يردْ عاشقٌ أن يقتنع بقسْوَته في حضرَة جماله، لمجرّد أنه يجمعُ أعلى نقيضَيْن في الوجود. وليس مجرّد مصادفة أن تكون هذه الأغنية، موسيقياً، رعوية المزاج، حزينة ومتمايلة (إيقاع فالس) في آنٍ واحد، لأن مهمّتها الاقتراب قدْر الإمكان من الطبيعة. فالحب أقرب مشاعر الإنسان إلى الطبيعة. فيه الفراشة ومعها الأسد. فيه النسمة العليلة ومعها البركان الحارق. الحب أكثر مشاعر المرْء جدَليّة. لذا، ينجح دوماً زياد، انطلاقاً من خلفيّته الفكريّة (الماركسية) والموسيقية (الشاملة)، بشرْحه نصاً وموسيقى... ومن خلاله يقدِّم شرحه لكل شيء. إذاً، بعد الانتظار، ها نحن ننال هديَّتَيْن من فيروز: حفلتان في الـ «بيال» مساء اليوم وغداً، وأسطوانة. أسهمت ظروف كثيرة في جعل هذا الموعد مفاجأة غير متوقعة. فالكلام عن «منع فيروز من الغناء» وعن صدور جديدها، عمل في هذا الاتجاه. الحفلة عرف الجميع بها قبل فترة، لكن الألبوم أيضاً سيكون، بالتأكيد، متوافراً هذا المساء في الـ«بيال». في الحفلة مفاجآت البرنامج الذي انفردت فيروز في إعداده. الألبوم الجديد سيكون حاضراً جزئياً في البرنامج. وما بقي من الأمسية، يتألف أولاً من قديم زياد/ فيروز، ومن قديم فيروز.

بالعودة إلى «إيه في أمل»، يتضمّن هذا الألبوم 12 محطة، بينها مقطوعتان موسيقيّتان. أربع أغنيات منه سمعها الجمهور في بيت الدين، نسمعها اليوم في تسجيل استوديو وهي «قال قايل»، و«قصة زغيري كتير»، و«الله كبير»، و«ما شاورت حالي» (جزءٌ من لحن الأغنية الأخيرة هو من موسيقى كتبها زياد في الثمانينيات). المحطتان الموسيقيّتان هما «ديار بكر» و«تلّ الزعتر» (أو MEA). أما الأغنيات الأخرى، فلكل منها قصة. «كبيرة المزحة هاي»، نعرفها في تسجيل حيّ (بيت الدين ـــــ 2000)، نسمعها الآن في تسجيل استوديو. «كل ما الحكي»، رائعةٌ لا يعرف لحنها سوى مَن سمِع شريط «حكايا» الذي خصّصه زياد للأطفال. هنا، نسمع نصاً جديداً، لأغنية كان اسمها في السابق «كلّ الصِّفات فيك». وأيضاً، «الأرض لكم» التي يعرفها المتابعون، ولمْ تصدر مِن قبْل. «البنت الشلبية»... لا تعليق. «بكتب أساميهُن»... أيضاً لا تعليق، لأسباب كثيرة. بقِيَ «إيه في أمل» وهي الأغنية التي لم يسمعها أحدٌ من قبْل، وتتمتّع بالمواصفات التي تجعلها جديرة بالتربع على عرش الحدث.

في ما يخص الحفلة، نشير إلى أمرَيْن مهمَّيْن: لقد بات مرجّحاً أن زياد ليس شريكاً في البرنامج، ولن يكون على المسرح. ولم تتسرّب أي معلومة عن سبب هذا الغياب. أما في ما يتعلق بالوضع الصحّي لزياد الذي غذّى عشرات الشائعات، فكل الكلام المتداول عار من الصحّة حسب معلوماتنا المستقاة مباشرةً من صاحب العلاقة. ورسالة الرحباني الابن إلى جمهوره ومحبّيه في الوطن العربي الكبير: «أنا بخير». في الختام لا بدّ من الإشارة إلى أن هذا الموعد العظيم الذي ينتظره الجميع، سيمثّل ذروة في مسار السيّدة... لكنّه ليس بالضرورة المحطّة الأخيرة. نتمنّى أن تحيي فيروز حفلات كثيرة مقبلة في بيروت وخارجها... وننتظر أسطوانات مقبلة أيضاً. سنبقى مدمنين هذا الحلم الجميل. الحلم الفريد.

8:30 من مساء اليوم وغداً في الـ«بيال» ـــــ للاستعلام: 01/999666www.fairouz.com

بشير صفير

عدد الخميس ٧ تشرين الأول ٢٠١٠ |

خالد صاغية كان الزرّ مضاءً بالأحمر. خزّان السيارة يكاد يخلو من البنزين. بدأ العدّاد عمله. وللمرّة الأولى، يتجاوز المئة ألف ليرة. طبعاً، فبخفّة ورشاقة، تماماً كما يفعل «عنكبوت النونو» حين يطلع إلى السطح، وصل سعر صفيحة البنزين إلى 34000 ليرة. فحين كان المشاركون في الحكومة يهيّجون طوائفهم بعضها ضدّ بعض، تولّى فؤاد السنيورة مهمّة تثبيت الضرائب والرسوم على صفيحة البنزين. فالسنيورة لا يحبّ الطلعات والنزلات. أسواق النفط متقلّبة، وهو يريد ضمان حصّة الخزينة. حسم الأمر، وباتت حصّة الدولة من كلّ صفيحة بنزين حوالى 12500 ليرة. وفي عام واحد، حقّقت الدولة 666 مليون دولار من البنزين. إنجاز هائل. برافو فؤاد. يكبر قلب المواطن فعلاً حين يدفع ورقة المئة ألف لعامل المحطّة، وهو يعلم أنّ حوالى 36000 ليرة منها ستذهب مباشرة إلى خزينة الدولة. فالمواطن الصالح لا بدّ من أن يسهم في سدّ العجز في الموازنة، وفي مساعدة الدولة التي أرهقت نفسها بالديون. المواطن الصالح سيتجاوز أسئلة من نوع: لماذا أصبح الدَّين بهذا الحجم؟ ماذا فعلت الدولة بالأموال التي استدانتها ما دامت الكهرباء ما زالت تعتمد على «موتور» الحي، ومياه الشرب لا تجري في الحنفيات؟ سيتجاوز تلك الأسئلة وغيرها، لكنّ سؤالاً واحداً يبقى ملحّاً: حين يحصل صاحب المحطّة على المئة ألف ليرة، ويقتطع منها ثمن البنزين وأرباحه ثمّ يدفع للدولة حصّتها، ماذا تفعل الدولة بتلك الحصّة؟ في الواقع، الـ36000 ليرة التي سُحبت من جيبي ستذهب مباشرةً إلى السيّد الحريري، والسيّد عودة، والسيّد الأزهري... إضافة إلى كبار المودعين في مصارفهم. فما إن تحطّ الـ36000 ليرة في خزينة الدولة، حتّى تدفعها دون تباطؤ لتلك المصارف فوائدَ على الدين العام. قد يبدو الأمر فظيعاً نظراً لقلّة عدالته. لكنّه، رغم ذلك، يبعث على الزهو بعض الشيء. فها أنا أفتح محفظتي وأُخرج منها أوراقاً ماليّة سيتدافع أثرى أثرياء البلد لتناتُشها. أستطيع أن أتفرّج عليهم وهم يتدافعون للبقاء في السلطة حتّى يتمكّنوا من الاستيلاء على الـ36000 ليرة خاصّتي. واليوم، حين يجتمع مجلس الوزراء، سيتكالب ممثّلو المصارف داخل الحكومة للدفاع عن النظام الضريبي القائم، وعن مشروع الموازنة الذي صُمِّم خصّيصاً لنهب الـ36000 ليرة.
عاد ليموت في القاهرة

خلال محاضرة ألقاها في «الجامعة الأميركية في بيروت» نيسان/ أبريل  2008 (أرشيف ــ مروان طحطح)أفلت من محاولات القتل المعنوي، ورفض تصنيم النصوص، مدافعاً عن المسافة الضروريّة بين الجامع والجامعة... ثم جاء مرض غامض ليضع حداً لمشروعه المميّز وهو في عزّ العطاء

وائل عبد الفتاح الفيروس الإندونيسي اختار نصر حامد أبو زيد (1943ـــــ2010). تسرّب إلى خلايا المخ واستولى بغموضه القاتل على من فشل قنّاصة التفكير في تحويله إلى أيقونة الكفر الحديثة. شهوة القناصة اشتعلت ضدّ نصر، وعلّقوا له المشانق، وأقاموا متاريس التحريم لمنعه من الوصول إلى منصات أعلى تأثيراً. العقاب على الخروج من البحيرة الراكدة إلى البحيرة المحرّمة، لم يكن عقاباً إدارياً، بل محاولة قتل معنوي (عبر اتهامه بالكفر وتطليقه من زوجته باعتباره مرتدّاً عن الإسلام)، والتحريض على القتل بيد مجنون مهووس بإسالة الدماء، ليثبت نقاوة عقيدته. انتصر أبو زيد وبقي حياً، بعدما أصبح رمزاً في معركة بين التجديد والتخلّف في الجامع، بين عبادة النص والتفكير فيه وفهمه. دخل أبو زيد عش الدبابير الفقهية، من دون أقنعة ولا ملابس تنكرية. دخله بملابس المثقف الحديث، ونافس كهنته بالعدّة الحديثة. هتفوا ضده: «مرتدّ... مرتدّ»، وحاسبوه بقيم الثقافة الشفاهية وثقافة الطاعة في الجامع، لا قيم الكتابة وثقافة الأسئلة والشك في الجامعة. مصر زارته في الكوابيس الليلية حين خرج في التاسعة والنصف من مساء 23 تموز (يوليو) 1995 من بيته في الحي المتميز في مدينة 6 أكتوبر إلى مطار القاهرة، ومنه إلى أمستردام، لتبدأ رحلة الغربة، التي كانت أقرب إلى «منفى ثقافي»، بعدما اتفق جميع الأطراف (الحكومة والمثقفون والإسلاميون) على أنّ خروجه من مصر كان الحل المثالي حتّى لا يتورط أحد في الصراع، وتستمر اتفاقات التوازن الهشّة. خروجه كان في ذكرى الاحتفال بثورة الضباط الأحرار. وكان هذا مجال ضحك كبير بيننا، فهو ابن جيل تربّى وعيه على التناقض بين الإخلاص للمشروع السياسي والحرية... وبين فتح الطريق أمام أحلام الإنسان العادي لتجاوز واقعه، وتحكّم السلطة في كل المقدّرات الشخصية لأيّ مواطن. وبنفسية مقاتل لازمته في مراحل حياته، كانت محطة هولندا مرحلة انطلاق جديدة للتفكير... والانفتاح على أفكار عالم صاخب بالأفكار والحيوية المدهشة (شغل في جامعة برلين كرسيّاً خاصاً يحمل اسم فيلسوف عربي آخر عانى الاضطهاد، هو ابن رشد). في قريته قحافة، عَرَف نصر أبو زيد المسؤولية في سنّ مبكرة بعد موت الأب، حيث أصبح المسؤول عن العائلة. اكتفى وقتها بنصيب متوسّط من التعليم، وبدأ البحث عن عمل (كانت مطافئ طنطا أكثر هذه الأعمال استقراراً)... تعرّف إلى الإخوان المسلمين، وبدأ يخطب الجمعة، وظلّ يُعرف هناك حتّى وقت قريب باسم «الشيخ نصر». كانت الجامعة بالنسبة إليه ملعباً من ملاعب انتصاره في الحياة والحرية. دخلها عام 1968 في سنّ متقدمة حين كان في الخامسة والعشرين. تفوّق وتخرّج بامتياز ومرتبة شرف، وكاد يضيع حقه في التعيين في السلك الجامعي (بسبب أحلام رشاد رشدي في بسط هيمنة قسم الإنكليزي على الجامعة). لكنه قابل رئيس الجامعة، وظل يلحّ في الدفاع عن حقه حتى ناله هو وزملاء دفعته... ثمّ، عندما اختار فرع الدراسات الإسلامية ليكون محور دراساته العليا، اعترض مجلس القسم (كانت بداية سيطرة الوعّاظ وعمائم ضيّقي الأفق)... وخرج نصر من المعارك باحثاً متميزاً، يؤمن بحرية البحث العلمي. ورغم أنه لم يخرج عن حدود الإيمان، إلى درجة أنه وُصف أحياناً بأنّه أصولي و«شيخ...»، فإنّ تصديقه فكرة الجامعة، وانحيازه إلى قيمة التفكير، جعلاه يتجاوز الخطوط الحمر، في عصر لا تهتم الجامعة فيه إلّا بتخريج جيوش من الجهلة الحاملين لشهادات علمية. «الشيخ نصر» عاد ليموت في القاهرة. سيرة انتهت بالفيروس الإندونيسي، الذي لم يكن في حسبان الهارب من مصائد التفكير...

خالد صاغيةوليد جنبلاط، هذه المرّة، على حقّ: القرار 1559 هو الذي خرب لبنان. ويمكن القول إنّ الاتهامات المتبادلة باغتيال الرئيس رفيق الحريري باتت كلّها تدور حول هذا القرار.فجوهر اتّهام سوريا أو حزب اللّه بالاغتيال هو أنّ الحريري شريك في صنع هذا القرار، وقد تواطأ بالتالي مع جهات غربيّة من أجل إخراج الجيش السوري من لبنان ونزع سلاح المقاومة. فجاءه الردّ سريعاً: سيّارة ميتسوبيشي بيضاء محمّلة بما يعادل 1800 كلغ من الـ تي. أن. تي.أمّا جوهر اتّهام إسرائيل أو أجهزة استخبارات غربيّة بالاغتيال، فهو أنّ صدور القرار 1559 قد ترافق مع تصميم دولي على تنفيذه. لكنّه تصميم ما كان يمكن ترجمته من دون زلزال كبير كاغتيال الرئيس الحريري.أيّ تفسير سياسيّ هو الأصحّ؟ هل كان الحريري بطل الـ1559 أم ضحيّته وحسب؟ للإجابة عن هذين السؤالين، من العبث انتظار المحكمة الدولية كي تصدر حكمها. وهذا ما يعرفه جيّداً «أولياء الدم» قبل غيرهم.فسوريا خرجت فجأةً من الصورة. وقبل تبرئتها رسمياً، نام «ابن الشهيد» نوماً هنيئاً في سرير الرئيس السوري بشار الأسد. وحين توجّه الاتّهام صوب حزب اللّه، رفض الحزب كلّ العروض التخفيفيّة التي تحدّثت عن «عناصر غير منضبطة». وبات واضحاً أنّ البلاد لن تحتمل قراراًَ اتهامياً في هذا الاتجاه، فما بالك بانتظار سنوات حتّى صدور الحكم النهائي الذي يبرّئ الحزب أو يثبت إدانته. أمّا بالنسبة إلى اتهام إسرائيل أو جهاز استخبارات غربيّ، فالجميع يعلم أنّ «العدالة الدوليّة» ليست هنا كي تدين هؤلاء، مذنبين كانوا أو بريئين.وإذا كانت المحكمة قد باتت عاجزة حقاً عن أداء دورها، وهذا ما هو حاصل فعلاً، فعلينا أن نطوي مرحلة المزايدات بشأن الحقيقة والعدالة، وأن نروّج لحقيقة (قد تكون حقيقيّة) تناسب هذا البلد الواقف على فوهة بركان.ليس السؤال إذاً هل إسرائيل هي التي اغتالت الحريري. السؤال هو هل يمكن توجيه الاتهام صوب إسرائيل؟ هذا السؤال الأخير هو ما أجاب عنه السيّد حسن نصر اللّه أمس. ولعلّ هذا مغزى تأكيده أنّه لا يقدّم أدلّة بل معطيات. المعطيات وحدها كافية لإنقاذ البلد. الوثائق التي قُدِّمت، أمس، تقول فقط: نعم، يمكن إعادة توجيه الاتهام صوب إسرائيل. وهذا وحده مخرج لائق للجميع. مخرج لمفبركي شهود الزور. مخرج للمتّهمين عن حقّ. مخرج للمتّهمين عن باطل. ومخرج لأولياء الدم.الساعة الآن الثانية بعد منتصف الليل. فلنتّهِمْ إسرائيل، وليذهب بلمار إلى النوم.
أثارت خطبة إمام حاروف الشيخ حسين أيوب بشأن ما سمّاه إزاحة «أصنام المجلس البلدي القديم» من «بلدة الإسلام والشهداء» بلبلة في أوساط الأهالي، فيما تعلن البلدية الجديدة أنّها تسير على خطى القديمة

كامل جابر استبق الشيخ حسين علي أيوب، إمام بلدة حاروف في محافظة النبطية، تسلّم المجلس البلدي الجديد مهماته، بتفجير نقاش بشأن «وضع الأصنام في بلدة أمّ العلماء».mahdi-harouf هكذا، دعا الشيخ المقرّب من حركة أمل، في خطبة ألقاها منذ نحو أسبوع، إلى تحطيم «الأصنام التي صنعتها البلدية السابقة وتركتها»، منتقداً «عدم تسمية الشوارع في البلدة بأسماء إسلامية، أو بأسماء من خدموا الإسلام». هذا الكلام أثار بلبلة في صفوف أبناء البلدة، وقد عمد عدد منهم إلى توزيع بيان ليليّ، ردّ فيه على خطبة الشيخ بعبارة «اقطعوا لسان البوم والغراب، حاروف ليست قندهار...». لكن سرعان ما سُحب البيان من التداول، تفادياً لأيّة ردّات فعل، من دون التأكّد من هوية القوى التي عملت على ذلك، والتي تردّد أنها حزب الله. وتبيّن أنّ المقصود بالأصنام هي تلك المجسّمات التي اتخذ المجلس البلدي السابق في حاروف، برئاسة الطبيب أحمد عياش، قراراً بوضعها في شوارع البلدة، ومنها ما يجسّد بطولات المقاومة، وجداريات تحمل توقيع «حنظلة»، وتعليقات للفنان الكاريكاتوري الراحل ناجي العلي، إضافةً إلى تسمية بعض شوارع البلدة بأسماء مبدعين، كابن حاروف المفكّر حسن حمدان، المعروف باسم مهدي عامل، وشاعر الأغنية الشعبية عبد الجليل وهبي. ومن منبر مسجد البلدة، وجّه أيوب رسالة تحمل صيغة كلامه الذي عاد وأكّده في حديث لـ«الأخبار». كما قال إنّه ينتظر «الاجتماع الأول للمجلس البلدي الجديد، ليكون قرار إزاحة هذه الأصنام من مدخل بلدة حاروف، أمّ 18 عالماً، البند الأول على جدول أعماله». وإذا لم يُتّخذ القرار قريباً، يعلن الشيخ أيوب أنّه «سيحطّم هذه الأصنام بيده تماماً كما فعل النبي إبراهيم»، على حد تعبيره، وخصوصاً أنّه كان قد أبلغ بذلك المسؤولين في حزب الله وحركة أمل. ويلفت الشيخ إلى أنّه سيفعل ذلك «للدفاع عن بلدة الشهداء وعزّة الإسلام والعرب».

يستدرك: «حاروف بلدة الإسلام والعلماء والأدباء وليست بلدة الأصنام، ونحن كمؤمنين أُمرنا بأن نحطّم كل الأصنام، البشرية منها والحجرية». وينتقد الشيخ أيوب ما سمّاه علمانية الرئيس السابق لبلدية حاروف «التي يريد أن يتباهى بها أمامنا». يقول بثقة: «نؤيّد العلمانيين إذا كانوا بشراً، ولسنا معهم إذا كانوا بقراً، وهذا الكلام أقوله عبر مئذنة المسجد التي يصل صوتها إلى كل الجوار». وبينما ينفي أيوب أنه دعا إلى إزالة اسم الشهيد مهدي عامل عن شارعه، واضعاً ذلك في خانة «الحرتقات التي ينسجها بعض المغرضين»، يؤكّد أنه طالب «بتسمية الشوارع بأسماء إسلامية، وأسماء أشخاص خدموا الإسلام». أما رئيس البلدية الجديد حسن حرقوص، فيصف ما يشاع بالحرتقات، فيما يبدو، كما قال لـ«الاخبار»، حريصاً على البدء من حيث انتهى المجلس البلدي القديم. ويعلّق على الضجة التي أثارها أيوب بالقول: «لا يوافق أيٌّ من أعضاء المجلس البلدي الحالي على إزالة اسم المفكّر مهدي عامل، عن أحد شوارع البلدة، فالشهيد ابن بلدتنا، وله تاريخ حافل في عالم الفكر والأدب، ولن نقدِم على نسف ما قامت به البلدية السابقة». ويشدّد حرقوص على «أننا سنحترم آراء الجميع وكل القيادات، ومنهم إمام البلدة». من جهته، يشير الرئيس السابق لبلدية حاروف أحمد عياش إلى أنّ قرار وضع المجسّمات عند مدخل البلدة لا يعدو كونه مبادرة تكريميّة للمقاومة. يضيف: «حين أردنا أن نزيّن جدران البلدة لم نجد أفضل من رسم جداريّتين للفنان ناجي العلي، تستحضران المقاومة، وتعكسان موقفاً واضحاً من العدو الإسرائيلي». أما ما فعلته البلدية بالنسبة إلى مهدي عامل، فكان تسمية الشارع الذي يسكنه أهله منذ عشرات السنوات باسمه. ويُدرِج عيّاش إنجازات بلديته في خانة نشر الوعي الثقافي، مستغرباً كيف «نسعى إلى دفع حاروف باتجاه جعلها بلدة نموذجية، فيما يروّج أعداء الثقافة لثقافة طالبان»، خالصاً إلى القول: «حاروف ليست قندهار». وبعيداً عن بلدية حاروف، لم يُخفِ عياش استياءه من إقصاء المتعلّمين في الوسط الشيعي عن المجالس البلدية الجديدة.

إستقالة العميد وفيق شقير من رئاسة أمن المطار تشير إلى احتجاجه على  أوضاع المطار (أرشيف)ألقت حادثة وصول الشاب فراس حيدر، على نحو غامض، إلى طائرة سعودية تمكّن من دخول حجرة الإطارات فيها، الضوء على أمن المطار. وإذ استقال قائد جهاز الأمن، فإن ذلك لا يعني أن المسألة قد حُلّت، ولا سيما أن الجهات المعنيّة بـ«أمن» المطار أكثر من الوزارات الأربع والإدارات الخمس المعنيّة

حسن عليق استقال قائد جهاز أمن المطار العميد وفيق شقير. وبكلمات أدق، طلب إعفاءه من مسؤوليته في الجهاز. أما الأسباب، فتبدأ من استعداده لتحمّل المسؤولية المعنوية عن التقصير الذي أدى إلى دخول الشاب فراس حيدر فجر السبت الفائت إلى حرم المطار ووصوله إلى طائرة سعودية تمكن من دخول حجرة الإطارات فيها، قبل أن يصل جثة أو أشلاء جثة إلى الرياض. قرر شقير تحمل المسؤولية، فوضع في عهدة وزير الداخلية زياد بارود تقريراً مفصّلاً عن التحقيقات الأولية التي أجراها جهاز أمن المطار في الحادثة، طالباً في نهاية التقرير إعفاءه من خدماته. بارود لم يقبل، حتى مساء أمس، الموافقة على طلب التنحية، بل إنه منح شقير مأذونية من عمله. فوزير الداخلية يرى في شقير واحداً من أفضل الضباط الذين تعامل معهم منذ وصوله إلى وزارة الداخلية. أضف إلى ذلك أن الرجل، بحسب مقربين من الوزير، أدى عمله طوال السنوات الماضية وتمكّن من الحفاظ على أمن المطار، رغم كل ما جرى في البلاد. وبحسب بعض من التقاهم شقير خلال اليومين الماضيين، فإن رئيس جهاز أمن المطار يعلن في طلب إعفائه من خدماته احتجاجه على الأوضاع في مطار رفيق الحريري الدولي، حيث تغيب المرجعية الواضحة في المجالات كلها. في البداية، يقول أحد من التقاهم شقير، إنّ جهاز أمن المطار يضم ضباطاً لا يُستشار رئيس الجهاز قبل نقلهم إليه. فهم من عديد ضباط الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام. وتنقلهم قياداتهم إلى المطار من دون أي تنسيق مع شقير. إضافة إلى ذلك، ثمة أربع وزارات على الأقل تتدخل في المطار. وزارة الداخلية التي يتبع لها جهاز أمن المطار، وزارة الدفاع التي تتبع لها كتيبة المدافعة في الجيش التي تؤلف جزءاً من جهاز الأمن، وزارة الأشغال العامة والنقل ووزارة المال التي تتبع لها الجمارك. وفي الفترة الماضية، دخل وزير السياحة على الخط من باب الشرطة السياحية ومسؤولية جهاز الأمن عن سيارات الأجرة التي تعمل في المطار. هذا في الوزارات. أما في الإدارات العامة، فثمة خمس على الأقل: من المديرية العامة للنقل، إلى مديرية الطيران المدني، فالجمارك والأمن العام والأمن الداخلي. كل ذلك والعديد الممنوح لجهاز الأمن لا يكفي لسد الحاجات الأمنية. وفي مطار رفيق الحريري الدولي، ثمة من يفصّل المسؤوليات عن الحادثة. يقول بعض العاملين في المطار إن السياج الأمني، رغم وجود بنية تحتية لتركيب كاميرات مراقبة فيه، إلا أن الكاميرات لم تزرع في مكانها. أما أبراج المراقبة التي ينبغي أن تكون في عهدة جهاز الأمن، فإن عدداً كبيراً منها يبقى معظم الأحيان فارغاً من رجال الأمن والعسكر، رغم وجود تمديدات كهربائية وهواتف ثابتة وإنارة داخل الأبراج. في المبدأ، يقول عدد من العاملين في المطار إن ثمة تقصيراً كبيراً في جهاز أمن المطار، مكّن الشاب من تخطي السياج والوصول إلى الطائرة. لكن ثمة مسؤولية أخرى تقع على اثنتين من الشركات التابعة لطيران الشرق الأوسط. فشركة الشرق الأوسط للمناولة الأرضية (ميغ) تتولى دفع الطائرات إلى بداية المدرج، قبل أن تتولى شركة الصيانة (ماسكو) إجراء كشف نهائي على الطائرة، ثم إبلاغ القبطان بأن بإمكانه الإقلاع. وخلال عمل طاقمي الشركتين، يكون أحد أفراد جهاز أمن المطار برفقتهما. ولتحديد المسؤوليات، ينبغي انتظار نتائج التحقيق القضائي الجاري حالياً. العميد شقير أقرّ بمسؤولية معنوية، إلا أن وزير الداخلية لن يقبل طلبه إلى حين انتهاء التحقيق. فمن يدري، قد «أكون أنا مسؤولاً أيضاً»، يقول زياد بارود في أحد مجالسه الخاصة. ويُنقل عن وزير الداخلية قوله إنه يرى شهامة في تصرف شقير الذي قرر تحمّل مسؤولية معنوية، رغم أن التحقيق القضائي الذي تجريه النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان لم يصل إلى خواتيمه بعد. ويرى بارود أن في قبوله طلب إعفاء شقير استباقاً لنتائج التحقيق، علماً بأن عدداً من عارفي شقير يؤكدون أن إقدامه على طلب الإعفاء من المسؤولية ليس من باب المناورة أبداً، وخاصة أنه لم يعد قادراً حتى على سماع كلمة «مطار»، وهو الذي لم ينل إجازة من عمله منذ سنوات. وقد أجرى وزير الداخلية مشاورات مع رئيسي الجمهورية والحكومة، لاستمزاج رأيهما في استقالة شقير، ومن المنتظر أن يبحث مجلس الأمن المركزي في اجتماعه العادي اليوم قضية الأمن في مطار رفيق الحريري الدولي.

يرى بارود في قبوله طلب إعفاء شقير استباقاً لنتائج التحقيق

وفي حال الموافقة على طلب تنحية شقير، ثمة أكثر من مرشح لخلافته، أبرزهم العقيد علي مهنا (من الجيش)، الذي كان يرأس سابقاً كتيبة الجيش في جهاز أمن مجلس النواب. وكانت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة قد أقالت العميد وفيق شقير من رئاسة جهاز أمن المطار يوم 5 أيار 2008، في اليوم الذي أصدرت فيه قراراً بتكليف الجيش نزع شبكة الاتصالات الخاصة بالمقاومة، وأدى القراران المذكوران إلى اندلاع أحداث ما بات يعرف بمعارك 7 أيار، قبل تراجع الحكومة ذاتها عن القرارين، وتوقيع اتفاق الدوحة. وخلال اليومين الماضيين، صدرت ردود فعل عدة منتقدة تقصير «جهاز أمن المطار» الذي أدى إلى وقوع الحادث. واللافت أن معظم الذين أنحَوا باللائمة على جهاز الأمن هم من قوى 14 آذار. أما المكتب السياسي لحزب الكتائب، فاكتفى بالتوقف «أمام الحادث الخطير الذي شهده مدرج مطار بيروت الدولي نهاية الأسبوع الماضي، والذي أظهر أن أمن المطار وسلامة الطيران المدني مكشوفان». وطالب المكتب السياسي الكتائبي «الأجهزة الأمنية بالتعاطي مع الموضوع بجدية بالغة وإطلاع الرأي العام بشفافية كاملة على نتائج التحقيقات التي تجري واتخاذ إجراءات واضحة ومشددة تحول دون تكرار حوادث من هذا النوع».

عدد الثلاثاء ١٣ تموز ٢٠١٠ |

الأكثر قراءة