36000 ليرة

خالد صاغية كان الزرّ مضاءً بالأحمر. خزّان السيارة يكاد يخلو من البنزين. بدأ العدّاد عمله. وللمرّة الأولى، يتجاوز المئة ألف ليرة. طبعاً، فبخفّة ورشاقة، تماماً كما يفعل «عنكبوت النونو» حين يطلع إلى السطح، وصل سعر صفيحة البنزين إلى 34000 ليرة. فحين كان المشاركون في الحكومة يهيّجون طوائفهم بعضها ضدّ بعض، تولّى فؤاد السنيورة مهمّة تثبيت الضرائب والرسوم على صفيحة البنزين. فالسنيورة لا يحبّ الطلعات والنزلات. أسواق النفط متقلّبة، وهو يريد ضمان حصّة الخزينة. حسم الأمر، وباتت حصّة الدولة من كلّ صفيحة بنزين حوالى 12500 ليرة. وفي عام واحد، حقّقت الدولة 666 مليون دولار من البنزين. إنجاز هائل. برافو فؤاد. يكبر قلب المواطن فعلاً حين يدفع ورقة المئة ألف لعامل المحطّة، وهو يعلم أنّ حوالى 36000 ليرة منها ستذهب مباشرة إلى خزينة الدولة. فالمواطن الصالح لا بدّ من أن يسهم في سدّ العجز في الموازنة، وفي مساعدة الدولة التي أرهقت نفسها بالديون. المواطن الصالح سيتجاوز أسئلة من نوع: لماذا أصبح الدَّين بهذا الحجم؟ ماذا فعلت الدولة بالأموال التي استدانتها ما دامت الكهرباء ما زالت تعتمد على «موتور» الحي، ومياه الشرب لا تجري في الحنفيات؟ سيتجاوز تلك الأسئلة وغيرها، لكنّ سؤالاً واحداً يبقى ملحّاً: حين يحصل صاحب المحطّة على المئة ألف ليرة، ويقتطع منها ثمن البنزين وأرباحه ثمّ يدفع للدولة حصّتها، ماذا تفعل الدولة بتلك الحصّة؟ في الواقع، الـ36000 ليرة التي سُحبت من جيبي ستذهب مباشرةً إلى السيّد الحريري، والسيّد عودة، والسيّد الأزهري... إضافة إلى كبار المودعين في مصارفهم. فما إن تحطّ الـ36000 ليرة في خزينة الدولة، حتّى تدفعها دون تباطؤ لتلك المصارف فوائدَ على الدين العام. قد يبدو الأمر فظيعاً نظراً لقلّة عدالته. لكنّه، رغم ذلك، يبعث على الزهو بعض الشيء. فها أنا أفتح محفظتي وأُخرج منها أوراقاً ماليّة سيتدافع أثرى أثرياء البلد لتناتُشها. أستطيع أن أتفرّج عليهم وهم يتدافعون للبقاء في السلطة حتّى يتمكّنوا من الاستيلاء على الـ36000 ليرة خاصّتي. واليوم، حين يجتمع مجلس الوزراء، سيتكالب ممثّلو المصارف داخل الحكومة للدفاع عن النظام الضريبي القائم، وعن مشروع الموازنة الذي صُمِّم خصّيصاً لنهب الـ36000 ليرة.
آخر تعديل على Tuesday, 01 September 2009 11:26

الأكثر قراءة