«بلا لعب يا ولاد»!

خالد صاغية في لبنان، من بات يقلقه فجأةً تحقيق العدالة. دروس أخلاقيّة يوميّة تُتلى على اللبنانيّين عن العلاقة التي لا فكاك منها بين المجتمعات الحديثة والالتزام بمعايير العدالة. وفصول من التاريخ تجري مراجعتها لإثبات سلبيّات التفلّت من العقاب. ومن تعوزه العدّة الأخلاقيّة والفلسفيّة، يلجأ إلى التهديد بعودة الجرائم والاغتيالات السياسيّة ما لم تُترَك المحكمة الدوليّة تأخذ مجراها حتّى النهاية. ولا تقتصر هذه الدروس على الساحة المحليّة، بل تتعدّاها إلى «العالم الحرّ». فترفع الولايات المتّحدة يديها مستسلمةً أمام استقلاليّة القضاء الدولي. وهي، بالمناسبة، الدولة نفسها التي ما زالت عالقة في أوحال غوانتنامو. وهي الدولة التي بإمكانها، عكس ما تدّعي، إلغاء أو إبطال مفاعيل أيّ قرار دوليّ لا يتناسب وسياستها. الغريب حقاً أنّ المتحمّسين في لبنان اليوم لسلطة العدالة، هم من الذين لم تزعجهم سابقاً أحكام العفو العام، ولا أحكام العفو التي صدرت لاحقاً كما جرى مع سمير جعجع مثلاً. عدا عن أولئك الذين لو طُبِّقت عليهم معايير العدالة، لما بقي أحد منهم خارج السجن. فمن لا تطَلْه جرائم الحرب الأهليّة، فهو غارق حتّى أذنيه في مستنقعات الفساد والنهب المنظّم وغير المنظّم. وها نحن نعيش في بلاد ارتضت لنفسها أن يحكمها مجرمو حرب، وأن تطوي ملفّ المجازر من دون محاكمات ولا محاسبة ولا من يحزنون. وقد تمّ كلّ ذلك تحت شعار الحفاظ على التوازنات الطائفيّة، والربط بين الطوائف وزعمائها. الغيارى على العدالة حقاً، مدعوّون لفتح ملفّ حقبتي الحرب الأهليّة و«السلم الأهلي». ولتبدأ المحاسبة وتوزيع المسؤوليّات. لأنّ المواطن والوطن اللذين يقبلان بالتنصّل من كلّ المجازر عبر إلصاقها بـ«حروب الآخرين»، ثمّ بالوصاية السوريّة، هما مواطن ووطن بعيدان تماماً عن أيّ مفهوم للعدالة. لنضع التكاذب جانباً إذاً. نحن أمام ملفّ سياسيّ يدعى «المحكمة الدوليّة». وإذا كان اللعب السياسي مسموحاً، فإنّ حدوده تبقى ضمن إطار الحفاظ على الأمن. وقد لعب كثيرون في السابق بهذا الملف، وتمكّنوا من الاستيلاء على السلطة بواسطته. أمّا وقد بدأ الملفّ يهدّد الاستقرار، فعلى هذا اللعب أن يتوقّف. «بلا لعب يا ولاد»!

عدد الاربعاء ١٣ تشرين الأول ٢٠١٠ |
آخر تعديل على Tuesday, 01 September 2009 11:26

الأكثر قراءة