غريبة هي صورة جورج حاوي بين الصور الأخرى. كأن يداً مجهولة دسّت وجهه على ملصق «القوات اللبنانية» الأخير. الحزب الشيوعي قرر إزالة صورة أمينه العام الأسبق عن الملصق، فيما ردت «القوّات» برفع دعوى قضائية على أمين سرّ «شبيبة جورج حاوي»، رافي مادويان، بتهمة التحريض، متهمةً «حزب الله بالوقوف وراء إزالة الصور»! الشباب، في الحزب الشيوعي اللبناني، هم أوّل من شعر بالاستفزاز. لكن لم يكن بوسعهم التحرّك خارج الإطار الحزبي. لذلك، كانت ذكرى انطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، في 16 أيلول، مناسبة لاتخاذ موقف واضح. وفي ذلك اليوم تحديداً، قرر الحزب إزالة صورة أمينه العام الأسبق عن ملصقات القوات بالقوة، إذا لم تقم الجهات الرسمية بذلك. الأمر يتعدى الصورة. لكنّ تظهير أصحاب الوجوه بأنهم فريق واحد ينتمي إلى مقاومة واحدة، يبدو تفصيلاً مقصوداً يتعدى المبالغة في إعلان المشاعر الوطنية، على طريقة «ساتشي آند ساتشي» في ملصقات «أنا أحب الحياة» الشهيرة. وبرأي المتابعين في الحزب الشيوعي، لا يحتاج «أبو أنيس» إلى تعريف. بيان انطلاقة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية يحمل توقيعه. الأفكار الإصلاحية والحوارية التي كان يحملها لا تشبه السلطات وممارستها. المواقع التي شغلها كانت خالية من الكراسي المريحة. قاتل الإسرائيليين ولم يقابلهم. هكذا، تراكم الزخم النفسي في أوساط الحزب الشيوعي. توزعوا مجموعات على المناطق، وتولّوا إبعاد صورة «الرفيق جورج عن الصور الأخرى. أخذ التحرك الطابع «النوستالجي». فهو يذكر بالعمل السري القديم للمجموعات اليسارية التي كانت تزرع الشعارات على الجدران، وتوزع المناشير. لكن الأمور مختلفة اليوم. ففي الجبل مثلاً، خطر في بال بعض الطلاب أنهم قد يواجهون مشكلة. الملصق معلّق في مواجهة مخفر الدرك في منطقة عاريّا هذه المرة. لم تكن الخيارات كثيرة، فبرأي المشاركين، بقاء ملصق واحد، يعني بقاء الملصقات الأخرى. وبالفعل، وعلى مرآى من رجال الأمن، أزيلت صورة جورج حاوي. رسم الطلاب منجلاً ومطرقة عوضاً عنها. وفي عاريّا أيضاً، حيث مديرية الشؤون الجغرافية في الجيش اللبناني، حدث الأمر نفسه. ووفقاً لأحد الشباب المشاركين، فإن الملصقات جميعها في جبل لبنان تقريباً، باتت خالية من صورة القائد الشيوعي القديم. ردت القوات بخجل. فقد تعرضت ملصقات الحزب الشيوعي الداعية إلى الاحتفال بانطلاقة المقاومة على مداخل بلدة رشميا للتمزيق. في الكحالة، حيث تحظى القوات اللبنانية بحيثية ما، شعر الطلاب الشيوعيون ببعض التحركات لمراقبتهم. وبموازاة التحرك الشيوعي، لفت مصدر مطلع في الحزب الاشتراكي، إلى أن الاشتراكيين كانوا سيقومون بالأمر نفسه، أو أكبر منه، لو «زُرعت» صورة كمال جنبلاط في الملصق المذكور. لن يسمح الحزب الإشتراكي بتعكير حساباته السياسية من أجل صورة «توضع في غير مكانها وزمانها». هكذا، ونظراً للاعتبارات السياسية السائدة الآن، يبدو غياب صورة جنبلاط عن الملصق مفهوماً، رغم ورود اسمه على لسان رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية، في خطابات سابقة.
ميدانياً، في أوساط المواطنين، حرب الملصقات هذه ليست سوى إثبات جديد، على وجود ثقافتين، ومقاومتين. مقاومة بدأت في 1982 واستمدت وجودها من إرث يساري متعاطفة مع القضية الفلسطينية، ومقاومة أخرى تحمل طابعاً يمينياً صرفاً. هنا، يلتقط أحد المتابعين في الحزب الشيوعي فكرة حاسمة، فيسأل أحد المتابعين: أين كان جورج حاوي؟ وعلى أي ملصق يجب أن تكون صورته؟ لو كنا في بلد آخر، لكانت الإجابة أسهل بكثير. برأي المتابع، الاستفزاز الحقيقي يكمن في «استمرار الإيغال بمصادرة الرموز الشيوعية»، وخصوصاً أن الطرف المصادر هذه المرة، على موقع النقيض تماماً. القوات لن ترد على تشويه ملصقاتها مباشرة وعبر وسائل الإعلام. المصادر المعنية في الحزب، تؤكد أن «الرد سيكون في المهرجان يوم السبت المقبل»، مشيرة إلى أن الحرب انتهت، وأن بيان بهيج حاوي، شقيق جورج حاوي، الذي نشره موقعها الرسمي «كافٍ لتبيان وجهة نظر العائلة الحقيقية». المجريات التي اتخذت على الأرض، مخالفة، تقريباً، لما يهمس به المقربون من جعجع. ففي السياق نفسه، وفي خطوة غير متوقعة، تقدمت القوات اللبنانية بشكوى قضائية على مادويان بعد حديث له على إحدى القنوات المحلية أعلن فيه أنه «سيزيل صورة جورج حاوي بالقوة إذا لم تُزلها القوات». أما عن الطريقة التي ورد فيها الخبر المتعلق بإزالة صورة حاوي، على موقع القوات اللبنانية الرسمي، الذي اتهم «حزب الله بالوقوف خلف المجموعات المخربة»، فيشير مقربون من جعجع إلى أن القوات مقتنعة بأن «كل ما يحدث في لبنان اليوم هو من مسؤولية حزب الله». على أبواب المهرجان، القواتي، يرى المقربون أن إعادة الحديث عن وجود جورج حاوي في 14 آذار اليوم تحديداً هو «جزء من الحملة على القوات اللبنانية، لكن لا شيء يقف في وجه القوات ومشروعها». طبعاً لن يقف شيء في وجهها. سيقام المهرجان، وسترتفع بعض الصلبان المشطوبة كما في كل مرة. وستلقى خطابات في مديح بشير الجميّل «عرّاب» ما يسمى «المقاومة اللبنانية». وبشير الجميّل هو نفسه مَن قال عنه جورج حاوي في وثائقي «حرب لبنان» الذي عرضته قناة الجزيرة الفضائية أواسط العقد الأخير: «هذا الرجل كان يجب أن يموت، لأنه كان رجلاً في غير مكانه وزمانه». بشير الجميّل هو الرجل نفسه الذي يبدو عملاقاً على ملصق القوات، وتبدو الصور الأخرى إلى جانبه، بما فيها صورة جورج حاوي، صغيرة جداً، وبلا ملامح.
أحمد محسن