تونس ــ سفيان الشورابييبدو أن الحكومة التونسية ترفض أن تظل سجونها خاليةً. بعد محمد عبّو، وسليم بوخذير، وتوفيق بن بريك، ها هو إعلامي آخر يُزج في المعتقل. هكذا حُكم على مراسل قناة «الحوار التونسي» الفضائية الممنوعة، الفاهم بوكدوس، بالسجن أربع سنوات بعد بثه تقاريرَ عن الاحتجاجات التي وقعت عام 2008 ضد البطالة وارتفاع كلفة المعيشة في محافظة قفصة (جنوب العاصمة تونس). وتزامن هذا القرار مع تزايد وتيرة الانتقادات ضدّ النظام التونسي بعد مصادقة البرلمان على قانون «الأمن الاقتصادي».وتلك ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها نظام زين العابدين بن علي إلى المعارضة والقوى المستقلّة لإلهاء الناس عن الملفات الكبرى، أي الفساد المستشري ومناهضة التمديد للرئيس الحالي وتدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية.هذه المرة دفع الضريبة الفاهم بوكدوس بعدما أصدرت محكمة الدرجة الثانية حكماً بسجنه رغم تغيّبه عن الجلسة بسبب المرض. إذ يرقد بوكدوس في المستشفى بسبب مشكلات في التنفس. ورفضت المحكمة طلب تأجيل إصدار الحكم، في خرق واضح للقانون الذي يسمح بتأجيله إذا غاب المتّهم لأسباب قاهرة. وقد دفع ذلك «منظمة العفو الدولية» إلى اعتبار بوكدوس سجين رأي، معتقلاً لسبب وحيد هو... حقّه في حرية التعبير. وقالت نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة حسيبة حاج صحراوي إن «جلسات الاستماع كانت محاكمة استعراضية. والفاهم بوكدوس واحد ممن شملتهم الحملة القمعية التي تلت احتجاجات قفصة». وهو ما نفته السلطة القضائية التي قالت إنّ سجن بوكدوس جاء بسبب انخراطه في «عصابة هدفها الاعتداء على الأشخاص والأملاك»!هكذا تحوّلت الممارسة الإعلامية إلى عمل إجرامي، في تجاهل تام للمجرمين الحقيقيين المتمثلين في طبقة الفساد المتغلغلة في السلطة.وفي خطوة قمعية إضافية، صادق البرلمان أخيراً على قانون «الأمن الاقتصادي» الذي يجرّم «التحريض على الأمن الاقتصادي للبلاد عبر اتصالات مع منظمات وجهات أجنبية». وعُدّل المادة 61 مكرر من قانون العقوبات بطريقة تجيز سجن كلّ مَن يتّصل بمنظمات غير تونسية بهدف «إلحاق الضرر بالمصالح الحيوية لتونس، بما فيها الأمن الاقتصادي». وطبعاً، يُتوقّع أن تُسلَّط هذه المفردات الهلامية والضبابية كالسيف على رقاب الصحافيين.وفي هذا الإطار، قال رئيس «الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان» مختار الطريفي إنّ بنود القانون «الغامضة تمثّل تهديداً كبيراً للحقوق الأساسية، وخصوصاً حرية الرأي والتعبير». وهنا يطرح سؤال رئيس: هل بلغ اقتصاد البلاد درجةً من الهشاشة تجعله مهدداً بسبب مقالة تُنشر أو تصريح يُدلى به لوسيلة إعلام أجنبية؟
أميركا قلبها عليناما إن صدر قرار سجن الفاهم بوكدوس حتى قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية مارك تونر للصحافيين إن «الولايات المتحدة قلقة للغاية حيال تراجع الحريات السياسية، وخصوصاً القيود الشديدة على حرية التعبير في تونس». وأضاف أن واشنطن «قلقة» بعد صدور الحكم ضدّ بوكدوس.
كذلك أدان «المعهد الدولي للصحافة» القمع الذي يعانيه الصحافيون في تونس، وقال إنهم يواجهون «مضايقات وربما السجن إذا حاولوا نشر أخبار عن الفساد». من جهتها، رفضت الحكومة التونسية الاتهامات التي ساقتها ضدها الولايات المتحدة، مؤكدة أنّ الفاهم بوكدوس... ليس صحافياً!