The Daily Star: France’s envoy to Lebanon Patrice Paoli urged patience Tuesday in the case of the deportation of George Abdallah, a day after delays in the release of the leftist militant sparked protests in front of the French Embassy.
Paoli, speaking to reporters following a meeting with Foreign Minister Adnan Mansour, urged the Lebanese to wait for the decision by French judiciary on Jan. 28.
On Monday, the head of the Lebanese Communist party said Abdallah’s deportation had been delayed to Jan 28. Abdallah had been expected in the country much earlier.
The French envoy acknowledged Tuesday that the French court decision to delay Abdallah’s release had provoked an angry reaction by supporters of the 61-year-old.
Mansour discussed with Paoli the delay in Abdallah’s deportation from France to Lebanon.
Last week, a French court ruled Abdallah be released on condition that he be deported back to Lebanon, but the French Interior Ministry had not signed the order to expel him by Monday.
The prisoner’s brother, Joseph Abdallah, said the only explanation for the delay was that the French judiciary had “succumbed to U.S. pressure.”
Abdallah was arrested in 1984 and later convicted by a French court in the 1982 murders in Paris of Israeli diplomat Yaakov Bar-Simantov and Lt. Col. Charles Ray, an American military attache.
He was also implicated in the attempted assassination of U.S. Consul General Robert Homme in Strasbourg in 1984.
Dozens of relatives and friends of George Abdallah rallied outside the French Embassy in Beirut Monday to protest the delay in his release.
They also briefly blocked the main street leading to the French Embassy and clashed with police after egg- and stone- throwing demonstrators were prevented from storming the mission premises.
Prime Minister Najib Mikati criticized France’s decision and urged Paris to allow the process of Abdallah’s release from prison to proceed.
About a dozen protesters were remained Tuesday in the tent they had set up near a Lebanese Army post opposite the lane of the French Embassy in Beirut.
المنار: لم يوقع وزير الداخلية الفرنسي مانويل فالس على قرار اطلاق جورج ابراهيم عبدالله وأرجأ النظر فيه الى 28 الحالي". وأكد اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني في بيان النبأ، معلنا أنها "معركة الحرية والكرامة وسنكون على مستوى التحدي".
ونقلت الوكالة الوطنية للإعلام عن شقيق الأسير عبدالله، جوزف، أن "هناك ضغطا أميركيا فعل فعله على الادارة الفرنسية في ظل إدارة لبنانية متفرجة، ما يشجع السلطات الفرنسية على الاستهتار بقوانينها وقضائها"، مشيرا إلى أن "الذين كانوا على أهبة الاستعداد لاستقبال جورج في المطار سيتجهون نحو السفارة الفرنسية".
اعتصام امام السفارة الفرنسية
مناصرو المناضل عبد الله اعتصموا امام السفارة الفرنسية في بيروت مهددين بتصعيد احتجاجهم. ووقع اشتباك محدود بين المعتصمين وقوى الامن امام السفارة. وهتف المناصرون : جورج عبد الله- حرية. واكد المشاركون ان هذا الاعتصام مفتوح وسيقومون بنصب الخيم ومستمرون بالتحرك حتى اطلاق جورج عبد الله وعودته حرا الى لبنان . وطالبوا بموقف واضح من الدولة اللبنانية ازاء عدم الافراج عن عبد الله.
وابلغ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي السفير الفرنسي ان التأخير في اطلاق عبد الله خطوة غير مبررة وطالب بالاسراع في اطلاق سراحه وتنفيذ الحكم القضائي بترحيله.
لقاء الاحزاب استنكر قرار فرنسا تأجيل الافراج عن جورج عبدالله
من جهتها استنكرت هيئة التنسيق للقاء الاحزاب والقوى والشخصيات الوطنية اللبنانية في بيان بعد اجتماع عقدته "قرار الحكومة الفرنسية تأجيل اطلاق سراح المناضل الوطني والأممي جورج ابراهيم عبدالله الى الثامن والعشرين من الحالي للنظر في قرار الافراج عنه بعد أن صدر قرار قضائي عن المحاكم الفرنسية باطلاق سراحه".
ورأت "أن هذا القرار بالتأجيل هو قرار سياسي، يأتي في سياق الخضوع الفرنسي لضغوطات واشنطن التي سارعت فور صدور حكم الافراج عن القضاء الفرنسي المختص ، الى التنديد بهذا الحكم وممارسة شتى الضغوطات على باريس لثنيها عن تنفيذه، كما فعلت في مرات سابقة" .
ودعت الهيئة "الحكومة الفرنسية الى الكف عن الرضوخ للمشيئة الاميركية، واثبات استقلاليتها و استقلالية القضاء الفرنسي، وذلك بالمسارعة الى اطلاق سراح عبدالله تنفيذا لقرار الافراج، والى وضع حد لاعتقاله التعسفي غير القانوني" .
النهار: على صعيد آخر اثار ارجاء القضاء الفرنسي امس اطلاق اللبناني المعتقل في فرنسا جورج عبدالله منذ 29 سنة الى 28 كانون الثاني الجاري ردود فعل ساخطة في بيروت حيث نفذ ناشطون يساريون اعتصاما امام السفارة الفرنسية في منطقة الطبية وقطعوا طريق الشام ونصبوا خيمة قبالة السفارة في بداية اعتصام مفتوح.
وحرك ارجاء اطلاق عبدالله القنوات الديبلوماسية اذ ينتظر ان يستوضح وزير الخارجية والمغتربين عدنان منصور السفير الفرنسي باتريس باولي اليوم ظروف ارجاء اطلاق عبدالله.
ونقل مراسل "النهار" في باريس عن الناطق باسم وزارة الداخلية ان قرار اصدار او عدم اصدار قرار الافراج المشروط عن جورج ابرهيم عبدالله قد ارجأته محكمة تطبيق العقوبات في باريس الى 28 كانون الثاني.
وقال وكيل عبدالله المحامي جاك فيرجيس لـ"النهار": "لدي الكثير من الاعجاب بجورج عبدالله لانه رفض الانحناء". واعتبر بقاءه في السجن "كل هذه الفترة فضيحة".
نجلة حمود
لم تستسلم بلدة القبيات يوم أمس لقرار وزير الداخلية الفرنسي بعدم التوقيع على قرار الافراج عن جورج عبدالله وإرجاء الجلسة الى 28 من الشهر الحالي، بل أصرت على استكمال الاستعدادات كما كانت مقررة سابقا من قبل «اللجنة المصغرة» التي تم تعيينها لمتابعة أدق التفاصيل بشأن الاحتفال الشعبي الذي كان من المفترض إقامته في ساحة القبيات يوم وصوله محرراً الى بلدته.
وبالرغم من الغضب الشديد والوجوم الذي شعرت به عائلته الصغيرة عند تلقيها الخبر صباح أمس، حيث أجهشت شقيقاته بالبكاء، خصوصاً أنهن كن قد استكملن الاستعدادات لاستقباله بما يليق به. ولكن سرعان ما عادت العائلة وانتفضت، مؤكدة أن الاستسلام لن يعرف طريقه الى قلوب أفرادها ونفوسهم، بل سيستمرون في الاصرار والنضال حتى الافراج عن جورج، بحسب ما أكدت شقيقته أمال.
فور وصول الخبر الى بلدة القبيات قامت العائلة مع عدد من الأصدقاء والأهالي بالتحرك بطريقة عفوية باتجاه بيروت للمشاركة في التظاهرة أمام السفارة الفرنسية، في حين استمر شباب من أصدقاء جورج باستكمال تعليق اللافتات التي تم تجهيزها ليل أمس الأول فجرى توزيعها في مختلف أرجاء القبيات وفي الساحة العامة.
وتحدث روبير شقيق جورج عن «أننا اعتدنا على ألاعيب السلطة الفرنسية التي ترضخ دائما لاملاءات الأميركي والاسرائيلي، ولكننا لن نستكين حتى الإفراج عن جورج وعودته سالماً الى بلدته».
ولفت مختار القبيات يوسف نادر النظر الى «أن القبيات تعيش خيبة أمل كبيرة بسبب تلاعب القضاء الفرنسي وعدم مصداقيته»، مؤكداً «أن كل يوم إضافي على احتجاز جورج هو انتهاك خطير لحقوق الانسان، ومن المفترض أن يتخلص القضاء الفرنسي من العار اللاحق به، وإنهاء هذه القضية».
وقال مسؤول لجنة المتابعة الأب نسيم قسطون «إن حالة غضب عارمة اجتاحت الأهالي في القبيات وأصدقاء جورج، ولكننا سوف نتابع ترتيباتنا بالنسبة لحفل الاستقبال وكأن أي شيء لم يتغير سوى التوقيت»، مؤكداً «أننا كنا نشعر بوجود عرقلة ما وقد وضعنا احتمال 10 في المئة أن تؤجل المحكمة الفرنسية قرار الإفراج، وللأسف العشرة في المئة طغت وبددت فرحتنا، ولكننا بالتأكيد لن نستسلم للعرقلة، ولكن هذا الأمر لن يحبط من عزيمتنا».
واضاف «نحن نتعامل مع القضية على أساس أن 28 الشهر الجاري تاريخ ثانٍ لإطلاق سراح جورج، ونحن كمسيحيين لدينا رجاء دائم بإطلاق سراحه لأنه شخص مظلوم ويجب أن ينال حقه بالحرية».
وأوضح شقيق جورج الدكتور جوزف عبدالله أن «هناك ضغطاً أميركياً فعل فعله على الادارة الفرنسية في ظل إدارة لبنانية متفرجة، ما يشجع السلطات الفرنسية على الاستهتار بقوانينها وقضائها»، مشيراً إلى أنه «من المحتمل أن نقوم بخطوات تصعيدية في الأيام المقبلة».
مخـاوف مـن عـدم إطـلاق سـراح عبداللـه
علي دربج
مقاومٌ لم يعرف للجهاد أو للكفاح حدودا أو قيودا أو مسافات. قبلته كانت ومازالت فلسطين التي بذل في سبيل قضيتها حريته التي قدمها فداء لها على مذبح النضال. فلم يتزحزح إيمانه بها بالرغم من قساوة السجن الذي فضّله على تلاوة فعل الندامة عن مقارعته الاحتلال والعدوان.
جورج عبد الله المناضل الاممي الذي أضحت قضيته عنوانا للثائرين على درب المقاومة والتحرر، عجزت سنوات السجن التي قاربت الثلاثين سنة عن النيل من عزيمته فبقي ثابتا على مواقفه صلبا كقضبان زنزانته.
بالأمس كان جورج على موعد مع الحرية. غير أن أصابع الشر الخفية حرمت عائلته ورفاق دربه من هذه الفرحة. بعد أن خرجت قضيته من إطارها القضائي لتدخل في دهاليز السياسة تلبية لرغبة أميركية وإسرائيلية مشتركة.
القصة الكاملة لاعتقال عبد الله يرويها لـ«السفير» مصدر مطلع ومواكب لقضيته. فهو كان من المؤسسين لـ«منظمة الفصائل الثورية» التي شكلت في أعقاب الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982. إذ لم يقتصر عملها المقاوم على لبنان فقط. بل اختارت توسيع نشاطها ليشمل ملاحقة العدو في أي مكان تواجد فيه في العالم.
قامت المنظمة بعمليتي اغتيال طالت الملحقين العسكريين الإسرائيلي والأميركي في فرنسا العام 1983. إثر ذلك طلبت الحكومة الفرنسية من نظيرتها الجزائرية التحقق لمعرفة من نفذ هذه العمليات والتوسط لديه لوقفها.
في العام 1984 ذهب جورج الى باريس لإقفال الشقة التي انطلق منها منفذو هذه العمليات. وكان يوجد فيها بعض الأسلحة. فالقي القبض عليه بتهمة تزوير جواز سفر جزائري. علما أن هذا الجواز لم يكن مزورا بل كان شرعيا صادرا عن الحكومة الفرنسية.
وعدت الحكومة الفرنسية حينها أن التهمة لن تتجاوز الستة أشهر كون المخالفة بسيطة جدا. بعد ذلك ادعت الحكومة أنها كشفت المنزل التي كانت الأسلحة مخبأة داخله. وكان حينها يوجد فيه مسدس واحد. فعمد الأمن الفرنسي الى الربط بين المسدس المذكور ووجود مفتاح للشقة بحوزة عبد الله. فألصقت به تهمة الاغتيال المزعومة.
أدت هذه التهم الملفقة الى الحكم عليه بالسجن المؤبد. مع العلم ان القضاء الفرنسي كان يعرف بالأدلة الدامغة أنه لم يشارك في عمليات الاغتيال ولم يكن حاضرا في أي منها.
عندما انتهت فترة السجن الأولى التي دامت 15 عاما. جاءت موافقة من قاضي تنفيذ الأحكام الفرنسي بإطلاق سراحه. غير أن المدعي العام اعترض حينها على ذلك. فمكث في السجن ستة سنوات إضافية عن الموعد الذي وافق عليه القضاء في المرة الأولى لإطلاق سراحه.
في الجلسة الأخيرة لإخلاء السبيل لم يتوان القضاء الفرنسي عن الاعتراف والمجاهرة بسجن عبد الله بسبب موقفه السياسي ورفضه إعلان الندامة عن أفكاره ومواقفه المقاومة. وهذا كان كافيا لتمديد فترة أسره حتى يومنا هذا.
عرف عن جورج تفانيه في سبيل القضية الفلسطينية والدفاع عنها. فكان دائم التردد على مخيم نهر البارد والمبيت فيه بالرغم من الظروف السيئة للمخيم. لمشاركة فصائل المقاومة في كفاحهم ونضالهم ضد العدو الإسرائيلي.
حوّل جورج السجن الى غرفة للمطالعة والكتابة والبحث العلمي.
فتمكن من أن يحوز على ثقافة علمية عالية جدا. تجسدت باتقانه أربع لغات: الانكليزية والفرنسية والاسبانية والايطالية. إذ أن الزنزانة لم تشكل له عائقا من مواصلة نضاله من خلف القضبان. فحرص على الاستمرار في ممارسة نشاطه الإعلامي والنضالي مع العديد من الحركات التحررية والمنظمات الثورية في أوروبا.
اشتهر جورج بالصلابة في جميع الأمور فلم يكن من النوع الذي يسهل تغيير رأيه في أي مسألة كانت. فهو على استعداد للدفاع عن معتقداته والذهاب بعيدا في ذلك متسلحا بلغة المنطق والدليل العلمي الذي ينطلق منه في تحليله الشامل لسياسة الهيمنة الأميركية (الامبريالية الاميركية») التي يعتبرها سبب كوارث العالم. من دون أن يكون مؤيدا للاتحاد السوفياتي السابق الذي لم يتردد في توجيه سهام النقد اليه.
عوامل كثيرة أدت الى القرار القضائي بإطلاق سراحه خصوصا الضغط الإعلامي الذي قامت به الحملة الدولية لإطلاقه التي أحرجت فرنسا، إضافة الى تدخل الحكومة اللبنانية خصوصا رئيسي الجمهورية ميشال سليمان والحكومة نجيب ميقاتي مع المسؤولين الفرنسيين.
ويختم المصدر بالقول «أما رفض وزير الداخلية الفرنسي مانويل فالس التوقيع على قرار الإفراج وإرجاء النظر فيه الى 28 الحالي، فلا يمكن تفسيره إلا كعملية رضوخ للضغوط التي مارستها الإدارة الأميركية على باريس. فهذا الإرجاء يسمح للادعاء الفرنسي بأن يكسر قرار القاضي الذي امر بإطلاق سراحه وبالتالي الاستمرار في الأسر. إذا لم يحصل أي ضغط».
ويبدي المصدر تشاؤمه، إذ انه لا يتوقع ان يطلق سراحه لأن قضيته سياسية بامتياز خارج القضاء والقانون.
علي دربج
لينا فخر الدين
عند مدخل شارع السوديكو في بيروت، تجري الحياة بشكل طبيعي. زحمة السير بشكلها المعهود، الطلاب متوجهون إلى جامعاتهم، القوى الأمنية المولجة حماية السفارة الفرنسية تقف في مكانها الاعتيادي.. كل شيء في واد، وهناك حيث يقف المئات من المعتصمين المنضوين في «اتحاد الشباب الديموقراطي»، واد آخر.
في منتصف شارع السوديكو، في هذه «الرقعة من العالم»، ثورة حقيقية. كان من المفترض أن يكون هؤلاء المعتصمون أمس في مطار بيروت، وكان من المفترض أن يكون جورج عبد الله قد وصل إلى لبنان، وكان من المفترض أن يكون «الملتحي الذي لا يعتذر» مجرداً من أية «أصفاد شكلية» بعد نحو 28 عاماً من الإعتقال. غير أن السلطات الفرنسية ممثلةً بوزير داخليتها مانويل فالس، قد أطاحت بـ«المفترض»، بعد أن رفض الأخير التوقيع على قرار اطلاق عبد الله وأرجأ النظر فيه إلى 28 كانون الثاني الجاري.
منذ الساعة الواحدة ظهراً، وبعد ساعات من صدور القرار الفرنسي، بدأ أعضاء في «الحزب الشيوعي» و«الحزب السوري القومي الإجتماعي» وبعض المتعاطفين مع قضية عبد الله، بالتوافد إلى أمام مقر السفارة الفرنسية، معتبرين أن «القرار سياسي كغيره من الأحكام التي صدرت بحق عبد الله انصياعاً للإملاءات الأميركية». لا شيء يجمع بين هؤلاء، لا أعمارهم، ولا طوائفهم، ولا جنسياتهم، ولا حتى لكنتهم، وحدها الصورة التي كتب في أسفلها «أنا جورج عبد الله» تشي كيف تجمّعت أوصال لبنان المقطّعة طائفياً، في هذا «الشارع الفرنسي»، في معالمه وتفاصيله.
لا مكان للتراجع عند المعتصمين، «كيف لنا أن نتراجع ونحن أحرار»، يردد احدهم، «فهو الذي عانى ظلم الزنازين السياسية المقفلة، أكد من دون مواربة: لن أندم، لن أساوم، لن اعتذر». كل شيء في «هذه الرقعة من السوديكو»، من أشخاص إلى أناشيد، كان يقول «أنا ثورة جورج عبد الله». وفي الثورة أيضاً معاناة وألم، ففي أحد الأركان وتحت الحائط الذي كتب عليه «جورج في غوانتانامو فرنسا»، تقف قريبات عبد الله يبكين «سنوات الظلم»، وكأنهنّ أخبرن للتوّ أن السلطات الفرنسية ألقت القبض على جورج.
في المقلب الآخر، يقف رجل يقود «الثورة». يتجمّع المعتصمون حوله، فهو ينظّم صفوفهم ويؤكد «تمسكنا بالقضية». يلتفت الرجل الخمسيني يميناً، تخاله لبرهة جورج عبد الله، لتعود وتتذكّر أن فرنسا ليست «دولة المفاجآت»، فهي لم تتقصّد الإعلان أن وزير الداخلية لم يوقّع على القرار لتعود وتفاجئ الجميع بأنه تمّ إطلاق سراحه سراً.. إذاً، إنه شقيقه، موريس عبد الله. ولا يتقاسم موريس وجورج فقط ملامح الوجه، بل إن «حطب الثورة» يشتعل أيضاً في داخله. يلتقط الرجل «الميكروفون»، ويبدأ بـ«إلقاء خطابه» الذي يردده المعتصمون، فهو ليس خطاباً عادياً، إنه «نشيد الحرية»، الذي يبدأ بالهجوم الكلامي على فرنسا التي تنصاع للإملاءات الأميركية والصهيونية، ولا ينتهي عند انتقاد رئيس الجمهورية والحكومة ومجلس النواب والسلك الديبلوماسي، فالدولة لم تحرّك ساكناً، يقولها موريس بالفم الملآن.
وبعد دقائق قليلة، يعيد موريس «خطاب الثورة»، ليفعل فعلته عند الشباب المعتصمين، الذين رموا بأجسادهم في الشارع الرئيسي، لتقفل الطريق بشكل نهائي أمام مقر السفارة الفرنسية، وتعمل القوى الأمنية إلى تحويل السير إلى المتحف.
لم ينته الإعتصام هنا، بل اقترب هؤلاء الذين كانوا يعتصمون عند ناصية الشارع، إلى أمام باب السفارة الفرنسية، لم يقصد هؤلاء اقتحامها، ليس فقط لأنهم لا يستطيعون «خلع» الباب الحديدي الكبير، الذي يقف بينهم وبين المسؤولين الفرنسيين في الداخل، وإنما لأن «الإقتحام لن يؤدي إلى إطلاق سراح جورج»، كما يردّد أحدهم.
اكتفى المعتصمون بادئ ذي بدء، برفع أصواتهم لرفضهم «القرارات التعسفية الفرنسية»، وليتطوّر الأمر إلى رشق مقر السفارة بالبيض، ومن ثم محاولة الإقتراب أكثر من الباب الحديدي، حيث جرى تدافع بين المعتصمين والقوى الأمنية، تحوّل إلى تدافع وتلاسن لدقائق معدودة، قبل أن يتدخّل أشقاء عبد الله ومنظمو الإعتصام للوقوف بينهم وبين القوى الأمنية. وبعد هدوء دام أقل من نصف ساعة، حاول أحد المعتصمين كتابة إسم جورج عبد الله على حائط السفارة، فنجح في ذلك غير أن ذلك أنتج تجدّد حالة التدافع بين المعتصمين والقوى الأمنية. وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» عن إصابة عنصرين من قوى الأمن جراء التدافع، ونقلا إلى أحد مستشفيات المنطقة للمعالجة.
وبعدها، حاول شقيق جورج جوزف عبد الله، أن يهدئ المعتصمين ويبعدهم عن باب السفارة، وشدّد على أن «القوى الأمنية تحمينا، وهي معنا وليست ضدنا، ونحن لا نريد أن يظهر هذا الإعتصام غير سلمي فلا تدفعونا إلى ما لا نريد، أي أن نحمي السفارة الفرنسية، ونحن لا نريد ذلك البتة».
وكما ان كلّ شيء في الإعتصام كان عفوياً، قام أحد الشبان بمعاونة صديقه بنصب خيمة في الشارع الرئيسي أمام السفارة، فقال له صديقه: «ضعها مكانها، فماذا سيفعلون، في الحالة القصوى سيطلب منا منظمو الإعتصام وعائلة عبد الله، إبعادها إلى الرصيف».
وهكذا، وبمبادرة فردية تحوّلت الأنظار من أمام السفارة الفرنسية إلى «الخيمة العفوية» التي نصبت عند ناصية الشارع. وبعد الإنتهاء، اقترب جوزف عبد الله، وقال للمعتصمين: «أنا أتحدث الآن باسم اللجنة الدولية لمتابعة قضية الأسير عبد الله»، فالإعتصام يجب أن يكون سلمياً، ولا نريد استفزازات، وكذلك لا نريد أن نستفز الأوساط الشعبية من خلال إقفال الطرقات والتسبّب بإزعاجهم، لذلك علينا فتح الطريق أمام المارة، والإكتفاء بالخيمة عند الرصيف».
ثم عمد المعتصمون إلى إبعاد الخيمة عن نقطة الجيش، لتفتح الطريق بشكل جزئي بسبب كثافة أعداد المعتصمين. ما يعني الدخول في اعتصام مفتوح حتى اطلاق عبد الله وامكانية تنفيذ اعتصامات اخرى في المناطق «حيث توجد لفرنسا مصالح في لبنان».
أين المسؤولون؟
لم تتردّد هذه العبارة على لسان أحد، فالعتب الذي يكون بالعادة «على قد المحبة» لا وجود له في هذا الإعتصام، فهؤلاء فقدوا الأمل منذ عقود بالدولة اللبنانية التي «لم تطالب بإبنها»، بحسب شقيقة جورج.
واقتصر الحضور على الأمين العام لـ«الشيوعي» خالد حدادة، وعضو المكتب السياسي في «حزب الله» غالب ابو زينب وزعيم «رابطة الشغيلة» زاهر الخطيب. برغم ذلك، سيحضر موضوع عبد الله اليوم في زيارة للسفير الفرنسي ابتريس باولي الى وزارة الخارجية للقاء الوزير عدنان منصور.
اليوم، ستقوم السفارة الفرنسية، ربما، بتعليق نشاطاتها، وسيعمد السفير الى الخروج من الباب الخلفي، ولكن ذلك لن يمحو إسم جورج عبد الله، الذي سيبقى مكتوباً على جدران السفارة الحجري. سيبقى «طيف جورج» يلاحق الفرنسيين، فهو لم يعد سجيناً في «بلاد الإليزيه» التي تحاضر بالعدالة، بل أضحى رمزاً للحرية.
وزير الداخلية الفرنسية يماطل بالتحرّك .. وبدء اعتصام أمام السفارة في بيروت
محمد بلوط
جورج إبراهيم عبد الله رهينة لبنان في فرنسا. يبتعد جاك فرجيس الثمانيني في قضية عبدالله عن تحفظ المحامي الباريسي المعتاد، لا شيء في ثوبه الأسود يملي عليه حدوداً في التعبير عن الغضب، حتى في اختيار الألفاظ، لوصف رفض وزير الداخلية الفرنسية التوقيع على قرار ترحيل جورج عبدالله. يقول «الوزير يتصرف كقحبة أميركية». المحامي فرجيس يوسع من قطر دائرة سخطه ليحكم «الأميركيون لم يوافقوا على إطلاق سراح جورج، والوزراء يتناقلون الجمرة الحارقة، لا يريد أحدهم أن يكون من يوقع على قرار إطلاق سراح عبدالله. ووزير الداخلية، صديق إسرائيل والجندي الصغير للولايات المتحدة، لا يريد أن يكون من يوقع قرار الترحيل».
يقول فرجيس إن وزير الداخلية لا يستطيع التذرع بقصر المهلة «فهو يعرف منذ الحادي والعشرين من تشرين الثاني أن المحكمة قد قضت بإطلاق سراح مشروط بالإبعاد».
اليوم الذي كان مكرّساً لإجراءات شكلية لترحيل جورج إبراهيم عبدالله بدأ بمفاجآت، بيّنت عيوباً في التنسيق بين وزارة العدل وقلة حماسة وزارة الداخلية لتنفيذ قرار قضائي، يمليه فصل السلطات البسيط والمبدئي بين القضائي والسياسي. خلال جلسة الاستماع الأخيرة لتبليغه قرار إطلاق سراحه المشروط بالترحيل، فوجئ القاضي بأن وزير الداخلية لم يكن قد بلّغ جورج عبدالله عند التاسعة صباحا كما ينبغي بقرار إبعاده. القاضي استجوب جورج عبدالله لأن الوزير لم يكلف نفسه عناء تبليغ القضاة أنفسهم قراره تجاهل قرارهم. وأصدر القضاة قرارهم المشروط بالترحيل، مرفقا بمهلة تنتهي في الثامن والعشرين من هذا الشهر.
«جورج عبدالله مطمئن ويعرف أنه سيخرج عاجلا جداً إلى الحرية. هو صابر ومعنوياته عالية جداً رغم أنه كان قد وعد نفسه ببيروت اليوم مساءً»، يقول رفيق مقرب منه كان قد هاتفه فور تأجيل الإفراج عنه.
«اللي بيشرب البحر ما بيغص بالساقية» قال جورج لمحدثه. بحر الـ28 عاماً من السجن التي خاضها لن يغص بأيام مزيدة منها. في وقت اشتكت رفيقته سوزان لومونسو من أنه لم يعد يملك كتابا واحداً في زنزانته، التي أفرغتها في حماسة قرار إطلاق سراحه من مكتبته الكبيرة، وأخرجتها إلى الحرية المنتظرة في لبنان.
ولا يمكن التصديق أن تصريحاً أميركياً في اليومين الأخيرين أعاد الحسابات الفرنسية، خصوصا أن قراراً قضائياً قد أخلى ساحة جورج عبدالله من أي محاسبة إضافية لاستبقائه في السجن. وكانت الناطقة باسم البيت الأبيض فيكتوريا نولاند قد طلبت علناً «الإبقاء على جورج إبراهيم عبدالله سجينا». وزيرة العدل الفرنسية كريستيان توبيرا كان لها شجاعة أن تكتفي بما قاله القضاة برد طلبها استئناف ونقض طلب إطلاق سراحه. لم تطلب توبيرا تمييز القرار، أغلقت الملف وفتحت زنزانة جورج عبدالله.
في هذه الأثناء، تلتزم وزارة الداخلية الفرنسية الصمت التام في قضية عبدالله. وبعد وعود بإجراء اتصالات مع مسؤولين لبنانيين أمس لشرح الموقف، قررت تأجيل الموعد حتى الأسبوع المقبل لبحث ملف عبدالله وموقفها من رفض التوقيع على قرار ترحيله. يعني ذلك أنه من غير المنتظر توقع أي تطورات إيجابية في الملف قبل اللقاء وبعده.
وقالت مصادر ديبلوماسية في باريس لمسؤول لبناني، إن المحكمة التي اجتمعت أمس للاستماع لعبدالله، لم تتمكن من تبليغ عبدالله قرار إطلاق سراحه لأن وزير الداخلية لم يف بشروط إعداد السجين اللبناني لإبعاده.
ويعترف مسؤولون في وزارة الداخلية بأن باريس تتعرّض لضغوط أميركية للاحتفاظ بجورج عبدالله في السجن، فيما يقولون إن بإمكان لبنان أن يمارس ضغوطاً معاكسة من جهته، كي يسرّع في تنفيذ قرار القضاء الفرنسي.
وبديهي أن عبدالله قد تحول إلى سجين سياسي على كل المستويات. القضاء الفرنسي يطلب إطلاق سراحه ووزير الداخلية يرفض لأسباب سياسية تسهيل تنفيذ القرار السيادي الذي لا يحق له الاحتجاج عليه أو تعديله. ولا يلزم قرار الترحيل وزير الداخلية بتنفيذه في المهلة المحددة، ومن المحتمل أن تجتمع هيئة المحكمة في الموعد النهائي وتكتفي بملاحظة أن الوزير لم ينفذ القرار، ولن يكون بوسعها بناءً على الفراغ القانوني في هذه النقطة، سوى تمديد المهلة أسبوعين إضافيين إلى أن يشاء وزير الداخلية يوماً ما أن يأخذ على نفسه، رغم ما يكره، أن يوقع على قرار ترحيل رهينته جورج عبدالله إلى وطنه لبنان.
لبنان فوجئ بالخبر وتلقاه بغضب واستنكار كبيرين. وبعد ساعات على رفض وزير الداخلية الفرنسي التوقيع على قرار إطلاق المناضل جورج عبدالله، نظم «اتحاد الشباب الديموقراطي» اعتصاماً أمام مقر السفارة الفرنسية في بيروت، شارك فيه مئات المتضامنين من قوى سياسية عدة، وتخللته كلمة لشقيق جورج، موريس عبدالله ندد فيها بـ«انصياع فرنسا للإملاءات الأميركية والصهيونية».
وقطع المعتصمون الطريق في الاتجاهين لفترة من الوقت، كما حاولوا الاقتراب من مدخل السفارة، لكن القوى الأمنية حالت دون ذلك، فجرى تدافع وتلاسن بين الطرفين، انتهى لدى تدخّل منظمي الاعتصام وأفراد من عائلة عبدالله، حيث أبعدوا المعتصمين عن باب السفارة الرئيسي، مؤكدين سلمية التحرك.
واستعاض المعتصمون عن إقفال الطريق بنصب خيمة لتنفيذ اعتصام مفتوح على الرصيف المقابل لمقر السفارة، إلى حين الإفراج عن عبدالله، إضافةً إلى إمكان تنفيذ اعتصامات أمام مصالح فرنسية في لبنان.
وعلى الجبهة السياسية، علمت «السفير» أن رئيس الجمهورية ميشال سليمان سيثير مع السفير الفرنسي لدى لبنان باتريك باولي قضية عبدالله، على هامش لقاء سليمان مع السلك الديبلوماسي اليوم.
كما اتصل رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي بالسفير باولي مستفسراً عن أسباب إرجاء إطلاق سراح عبدالله، في وقت أكد أن «التأخير في إطلاق المواطن عبدالله خطوة غير مبررة وتمس حقوقه المدنية». وسيستقبل وزير الخارجية عدنان منصور السفير باولي اليوم للغاية نفسها.
فعلها وزير الداخلية الفرنسي مانيول فالس. قرر أن يمارس أقصى درجات التعسّف السياسي والإداري، ممتنعاً عن توقيع قرار يجيز ترحيل الأسير جورج عبد الله إلى لبنان، معيداً رمي الكرة مجدداً في ملعب محكمة تطبيق الأحكام التي تعيد النظر في القضية في 28 الحالي
بسام القنطار
«لا نعتقد أنه يتعين الإفراج عن (جورج عبد الله)، ونواصل مشاوراتنا مع الحكومة الفرنسية بشأن ذلك». الكلام للمتحدثة باسم الخارجية الأميركية فكتوريا نولاند، مساء الجمعة بتوقيت واشنطن. كانت هذه الإشارة أكثر من كافية للحكومة الاشتراكية في باريس لكي تعرقل قرار الإفراج عن الأسير الذي بات بدءاً من يوم أمس رهينة في سجن لانميزان.
عند التاسعة من صباح أمس، كان سيقف جورج عبد الله للمرة الأخيرة أمام القاضي الفرنسي ليبلغ قرار الإفراج المشروط بالترحيل. لكن وزير الداخلية الفرنسي مانيول فالس، كان بالمرصاد. لم يوقّع على الترحيل فعطل الإفراج.
وقال مصدر قضائي إن محكمة تطبيق الأحكام في باريس، التي عقدت جلسة أمس للنظر في الطلب الثامن للإفراج المشروط المقدم من جورج إبراهيم عبد الله «لم تتخذ قراراً بعد في انتظار حجة الطرد».
وفي 21 تشرين الثاني، استجابت غرفة تنفيذ الأحكام في باريس لطلب الإفراج عن جورج إبراهيم عبد الله بشرط طرده، وثبتت محكمة الاستئناف في باريس الخميس الماضي هذا الموقف، رافضة الطعن الذي تقدمت به النيابة العامة الفرنسية لتحسم الجدل بشأن قرارها النهائي والقاطع بالإفراج عن عبد الله.
أسئلة عديدة فجّرتها الخطوة الفرنسية المفاجئة: هل يستطيع وزير الداخلية الفرنسي أن يعطل بالكامل مفاعيل الإفراج المشروط؟ وهل يمكن النيابة العامة الفرنسية أن تطعن مجدداً في قرار الإفراج بعد أن خسرت معركة الاستئناف؟
مصدر قانوني فرنسي متابع لقضية جورج عبد الله في باريس أكد لـ«الأخبار» أن المعطى السياسي يطغى على القانوني في خطوة وزير الداخلية. ففي العادة، تمتنع السلطات عن ترحيل أجنبي من بلادها إذا كانت تتوقع أن البلد الذي سيرحل إليه، سواء كان موطنه أو بلداً ثالثاً، سيعامله بقسوة أو سيتعرض للاعتقال والتعذيب، وهي غالباً ما تحترم رغبة الأجنبي المرحَّل في البقاء قيد الإقامة الجبرية أو في معسكرات اللاجئين، في حال إنهائه فترة محكوميته. وأضاف المصدر: «في حالة جورج عبد الله، المعطيات معاكسة تماماً؛ فمن جهة، الحكومة اللبنانية عبّرت أكثر من مرة عن استعدادها لاستقباله، وهذا الأمر موثَّق، ليس في عام 2012، بل منذ عام 2003 عندما قررت المحكمة الموافقة على إطلاق سراحه قبل أن تلغي قرارها بناءً على طعن النيابة العامة».
وبالنسبة إلى مسألة طعن النيابة العامة في قرار الإفراج مرة جديدة، أكد المصدر القضائي أن هذا الأمر مستبعد، لكن إصرار وزير الداخلية على عدم توقيع قرار الترحيل يعني عملاً تعطيل قرار الإفراج.
هي ليست المرة الأولى التي تختلط فيها الأوراق القانونية بالظروف السياسية التي تجعل من ملف جورج عبد الله «فضيحة العصر» في فرنسا، على حدّ تعبير المسؤول السابق للاستخبارات الفرنسية إيف بونيه. فمنذ عام 1999 يستوفي جورج عبد الله كل الشروط المطلوبة للإفراج عنه، الأمر الذي يدفع السلطات القضائية الفرنسية إلى فتح ملفه لعدة مرات متتالية في السنوات الماضية.
وبالعودة إلى مستلزمات «الإفراج المشروط»، يتبين أنها خمسة، وهي محددة في قانون العقوبات الفرنسي، أولها السلوك الحسن داخل السجن، وهو أمر متوافر بشهادة المحكمة الفرنسية. ثانياً وجود من يقدم المساعدة له في حال الإفراج عنه، وهو شرط متوافر بالمستندات التي قدمتها عائلته بناءً على طلب السلطات الفرنسية، منذ عام 2003. ثالثاً، تأهيله ليتمكن من ممارسة مهنة، وهو شرط متوافر؛ لأن عبد الله بالأساس يعمل مدرساً في ملاك وزارة التربية في لبنان. رابعاً، الوضع النفسي السليم ليتمكن من إعادة اندراجه في المجتمع، وهو شرط متوافر بتقارير الطبيب النفسي المعني. خامساً، أن لا يشكل خطراً على المجتمع الفرنسي، وهو أمر يشترط القضاء توفيره من خلال ضمان ترحيله من قبل وزارة الداخلية الفرنسية إلى لبنان أو بلد ثالث يقبل استقباله. وهذا الشرط استخدمه وزير الداخلية، أمس، بنحو معاكس لتعطيل الإفراج المشروط عن عبد الله.
وكانت «محكمة الإفراج المشروط»، في مقاطعة بو (Pau) الفرنسية، قد اتخذت في 19 تشرين الثاني2003، قراراً بإطلاق سراحه، وحددت تاريخ 15 كانون الأول 2003 موعداً لتنفيذ القرار الجريء وغير المسبوق، الذي أثار النيابة العامة الفرنسية التي سارعت إلى تقديم استئناف فوري له، بناءً على طلب من وزير العدل، ما أوقف قرار محكمة بو (Pau).
وفي 16 كانون الثاني 2004، أعادت النظر في الأمر «المحكمة الوطنية للإفراج المشروط»، وخضعت هذه المحكمة لضغط وزير العدل الفرنسي الذي خضع هو بدوره لضغط أميركي إسرائيلي. وجاء القرار برفض الإفراج.
وفي 27 تموز 2005، عقدت محكمة الإفراج المشروط جلسة استماع للنظر في الإفراج عن جورج عبد الله. وفي 9 أيلول2005 طرحت النيابة العامة الفرنسية في جلسة مخصصة للموضوع موقفاً معارضاً بشدة لأي قرار يقضي بإطلاق سراحه، فلم يُفرَج عنه. وفي 31 كانون الثاني 2006، رفضت المحكمة الإفراج، وكانت حجج النياية العامة الفرنسية: أنّ صورة فرنسا ستهتز أمام الولايات المتحدة وحلفائها إن هي تهاونت وأفرجت عنه، وأنّ ترحيله إلى لبنان لا يشكل ضمانة لعدم قيامه بأعمال كالتي قام بها سابقاً، وأنّ تقرير الطبيب النفسي لا يكفي: هو سليم نفسياً، بشهادة الطبيب النفسي، لكن ما الذي يضمن عدم عودته إلى ممارسة «الإرهاب»؟ وكأن جورج مدمن مخدرات، أو مجرم عادي يُعالَج ليقلع عن إجرامه! كذلك تذرعت النيابة العامة بأنه لم يدفع تعويضات للضحايا تقدرها المحكمة بمبلغ 53357 يورو؛ علماً بأن عائلته تعهدت دفع كل التعويضات المطلوبة.
وفي 6 شباط 2007 تقدم جورج إبراهيم عبد الله للمرة السابعة بطلب الإفراج المشروط عنه. وفي العاشر من تشرين الأول من العام نفسه صدر القرار برفض طلب الإفراج.
استأنف عبدالله الحكم، وعقدت جلسة الاستئناف في 20 كانون الأول 2007، حيث تقرر أن يُعلَن القرار في 31 كانون الثاني 2008. وفي مساء ذلك اليوم، أُعلن أن القرار لن يصدر في هذا الموعد، بل في 17 نيسان 2008، المفاجأة كانت أن القضاة بدل أن ينطقوا بحكم الاستئناف، قرروا نقل ملف عبد الله من محكمة الإفراج المشروط إلى لجنة خاصة للنظر في درجة خطورته، تطبيقاً لقرار وزيرة العدل الفرنسية السابقة رشيدة داتي المعروف باسم «قانون داتي»، على أن يصدر القرار في 4 أيلول 2008.
لم يكن غرض كل هذه المماطلة غير الوصول إلى إقرار «قانون داتي» ومنع محكمة الإفراج المشروط من استكمال دورها. ومرّ أكثر من 15 شهراً على تقدم عبد الله بطلب الإفراج المشروط، وهذا حق سنوي لم يُبَتّ، خلافاً للأصول التي تقضي ببتّ الأمر في مدة سنة واحدة.
والجدير ذكره أن «قانون داتي» الصادر في مطلع عام 2008 يقضي بتمديد بقاء السجين قيد الاعتقال، ولو توافرت شروط الإفراج عنه. وقد لاقى هذا القانون رفض نقابات القضاة والمحامين و«مرصد السجون» ولجنة حقوق الإنسان واعتراضها؛ لأنه ينتهك الحريات العامة الأساسية، ويقضي بالاعتقال دون توافر واقعة جرمية، بل لمجرد الظن بإمكان الإقدام على ارتكاب جرم ما. وهذا ما دفع الصحيفة الفرنسية «لو كانار أنشينيه» إلى نشر القانون، وذيّلته بتوقيع «هتلر العصر».
وفي 17 حزيران 2008 تقرر عملياً نقل ملف الأسير جورج عبد الله إلى «لجنة خاصة» بناءً على أحكام قانون داتي، وتبلّغ رسمياً بذلك، على أن تصدر قرارها في 4 أيلول 2008. لكن هذا الموعد تأجّل إلى 9 كانون الثاني 2009، حيث كررت المحكمة رفضها الإفراج المشروط عن جورج عبد الله.
إنه درب الجلجلة الذي قضاه جورج عبد الله في المحاكم الفرنسية، وجلسة أمس واحدة من أخطر مفترقاته. هل يفجّر جاك فرجيس مفاجأته ويطلب إعادة محاكمة جورج عبد الله؟ بالتأكيد سيفعل إذا لم يفرج عن عبد الله في 28 الجاري.
الثلاثاء ١٥ كانون الثاني ٢٠١٣
قاسم قاسم
كان من المفترض أن يتجمع «رفاق» جورج عبدالله أمس في مطار بيروت الدولي لاستقباله. كان احتمال عرقلة ترحيله الى لبنان وارداً، لكن الأمل بالإفراج عنه كان أقوى. الشيء الوحيد الذي كان مجهولاً بالنسبة إليهم هو ساعة وصول طائرته. هل ستحطّ على أرض المطار ليلاً أم عصراً؟ الجواب لم يكن معروفاً. «اللجنة الدولية لإطلاق سراح جورج عبدالله» أكدت أول من أمس أنها الوحيدة المخوّلة تحديد ساعة وصوله، وذلك ليكون الاستقبال لائقاً به. لكن كل شيء تغيّر صباح أمس، وذلك بعدما رفض وزير الداخلية الفرنسي مانويل فالس التوقيع على قرار الترحيل، وأجّل الموعد الى 28 من الشهر الجاري لبتّ الموضوع. الخبر الذي وصل إلى هواتف الجميع بدّل الأولويات وأصبحت وجهة التحركات السفارة الفرنسية في منطقة المتحف عوضاً عن المطار. الى هناك توجه «الرفاق» وحداناً وزرافات. وقفوا أمام باب السفارة. لم يقطعوا السير. حملوا صور «الأسير » عبدالله. القوى الأمنية تعرفهم جيداً، فهم قد اعتادوا الاعتصام هناك. هذه المرة خالفوا القاعدة ولم يكن اعتصامهم هادئاً كما جرت العادة.
أمس شعر الجميع بالمظلومية ولم يكن عبدالله أو عائلته وحدهما المظلومين. هكذا، وقف العشرات أمام السفارة الفرنسية. حضروا ظهراً. حملوا صور عبدالله. ارتفع صوت الأناشيد الثورية. كل شيء أصبح جاهزاً. حتى عناصر قوى الأمن كانت حاضرة وجاهزة هي أيضاً. إذن عناصر المشهد اكتملت لإعلان بدء الاعتصام المفتوح الى حين الإفراج عن عبدالله.
أمام السفارة لم يملّ الحضور من الهتاف مطالبين بحرية عبدالله، فهذا أقل ما يمكن فعله لمن قبع 28 عاماً خلف قضبان السجن الفرنسي. مرّ الوقت سريعاً وكانت أعداد المتضامنين مع عبدالله تزداد. وبما أن القاعدة العسكرية تقول لكل معتصم ثلاثة عناصر، ازداد عدد رجال الأمن أيضاً. الجدران المقابلة للسفارة أصبحت لوحاً كبيراً. كتب المعتصمون عليها شعارات ضد فرنسا، «جورج عبدالله مخطوف في فرنسا بقرار أميركي صهيوني»، وعبارة محامي عبدالله الشهيرة «فرنسا مومس أميركا».
كل شيء سار على ما يرام، إلى أن قرر المعتصمون قطع الطريق. افترشوا الأرض. منعوا مرور السيارات. القوى الأمنية لم تتدخل وبقيت تراقب ما يجري. تقدم المعتصمون قليلاً إلى أمام باب السفارة مباشرة. هنا استنفرت عناصر مكافحة الشغب. حملوا دروعهم، ورفعوا هراواتهم في انتظار اللحظة المناسبة لإنزالها على رأس أحدهم. لكن ذلك لم يحصل رغم رشق المعتصمين السفارة بالبيض. موظّفو السفارة كانوا يراقبون ما يجري من خلف الزجاج. كان بإمكانهم أن يروا الغضب في عيون الحاضرين، إذ إن دولتهم صادرت حرية إنسان كان من المفترض أن يكون بين أهله. يقترب المعتصمون أكثر من القوى الأمنية وباب السفارة. يصطدم الطرفان ويستمر التدافع بينهما لدقائق.
تتدخل عائلة عبدالله وتطلب من المعتصمين الهدوء والتراجع وعدم الصدام مع القوى الأمنية. تصدح الحناجر مجدداً بالأناشيد اليسارية التي تهاجم القوى الأمنية «... وأفلت كلابك بالشوارع واقفل زنازينك علينا». يتراجع المعتصمون قليلاً مردّدين هذه العبارة. تزداد أعداد الحاضرين أكثر فأكثر. يختلط الحضور، بين شيوعي وقومي، وعروبي. الكل هنا من أجل «القائد الثوري جورج عبدالله»، كما كتب على إحدى الصور.
تسحب الشمس أشعتها. يبدأ المعتصمون بالإعداد لليلتهم الأولى أمام السفارة. يجلبون خيمة كبيرة. يختارون مكان نصبها. تأتي مجموعة كبيرة من الشباب ملتفحين «الكفافي». حضورهم يزيد حماسة الحضور. تصدح الحناجر مجدداً بالشعارات ضد فرنسا. يستغل أحد الناشطين انشغال القوى الأمنية بمراقبة الملثمين، ليكتب اسم جورج عبدالله على حائط السفارة. ينتبه إليه عناصر قوى الأمن. يهجمون عليه. ينتبه رفاق الشاب لما يجري، يتدافعون لحمايته. يتصادم الطرفان مرة أخرى. تتدخل العائلة مجدداً. هذه المرة كان الصدام أقوى. رُشقت القوى الأمنية بالبيض وببعض الوحول. ينتهي الإشكال. ينسحب المعتصمون من أمام باب السفارة الى الرصيف المقابل. يطلب جوزف عبدالله من الحضور عدم الصدام مع القوى الأمنية، فـ«اعتصامنا سيكون مفتوحاً، ولا نريد أن نضطر إلى الدفاع عن السفارة الفرنسية، لذلك لا نريد أن نصطدم بالقوى الأمنية». يتراجع الحضور. يفتحون الطريق أمام حركة المرور. وفي حديث مع «الأخبار»، يقول شقيق عبدالله، جوزف، إنه سيجري «في الأيام المقبلة تحديد طبيعة تحركاتنا المقبلة». هكذا، وبعدما هدأت الأمور والأنفس، عادت الحركة إلى طبيعتها أمام السفارة الفرنسية.
هذا ما جرى على صعيد ردّ الفعل الشعبي. أما على الصعيد الرسمي، فقد طلب رئيس الجمهورية ميشال سليمان من وزير الخارجية عدنان منصور استدعاء السفير الفرنسي باتريك باولي للاستيضاح منه سبب عرقلة إطلاق سراح عبدالله. وسيلتقي منصور اليوم السفير باولي لاستيضاح الأمر منه. وعلمت « الأخبار» أن وزارة الخارجية أعدّت ملفاً قانونياً ستواجه به السفير الفرنسي. وكان منصور قد أجرى اتصالاً بنظيره وزير خارجية فرنسا لوران فابيوس للغرض نفسه. كذلك اتصل وزير العدل شكيب قرطباوي بنظيرته الفرنسية للاستفسار عن الموضوع، فردّ مدير مكتبها عليه قائلاً إنها خارج البلاد وستعاود الاتصال به عند عودتها. من جهته، رأى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بعد اتصاله بالسفير باولي، أن «التأخير في إطلاق عبدالله خطوة غير مبررة». وأصدر الحزب السوري القومي بياناً أكد فيه أن «عدم الإفراج عن جورج عبدالله عملية اختطاف موصوفة». أما حزب الله فقد رأى في بيان أن «عدم إطلاق عبدالله إمعان في مسلسل الظلم الذي يتعرض له». ورأى القيادي المستقبلي مصطفى علوش أن «الضغط الأميركي المتواصل أدى الى تأجيل إطلاق سراح عبدالله».
هكذا، ومهما طال أمد أسر «الفارس الأحمر» جورج عبدالله، «ليس بعد الليل إلا فجر مجد يتسامى».
الثلاثاء ١٥ كانون الثاني ٢٠١٣
بؤس الاشتراكيين الفرنسيين
بيار أبي صعب
هكذا إذاً، اختار وزير الداخليّة الفرنسي مانويل فالس أن يفاجئنا! فضّل عدم التوقيع على قرار إبعاد جورج إبراهيم عبدالله، معرقلاً تنفيذ حكم إطلاق سراحه وتسفيره إلى بلده، ومفضّلاً أن يطيل لأيّام، أو أسابيع، أو أشهر، المسلسل الكابوسي الذي يعيشه المناضل اللبناني منذ أواخر التسعينيات في السجون الفرنسيّة، تحت عنوان: «كافكا في بلاد الفرنسيس». هل هو قرار احترازي مثلاً، أو قرار انتقامي، أو مجرّد موقف رمزي…؟ هل هو مزاج وزير الداخليّة، أم قرار الدولة الفرنسيّة؟ لعلّه علامة ضعف أمام رغبات أميركيّة، أو عجز الاشتراكيين عن طيّ صفحة ذلك الماضي القريب ـــ البعيد، بصفاء وشجاعة؟ ربّما كان من غير المجدي أن نسأل أنفسنا عن أسباب هذا الموقف وخلفيّاته. لكنّ ما جرى يعيدنا مجدّداً إلى إشكاليّة جارحة لكثيرين منّا (خصوصاً أولئك الذي اقترعوا لفرنسوا هولاند في الانتخابات الأخيرة. فالناخبون العرب قوّة مهمّة في صناديق الاقتراع الفرنسيّة). هذه الإشكاليّة هي موقف الحزب الاشتراكي الفرنسي (وبشكل أشمل فرنسا بكل تيّاراتها السياسيّة بعدما دفنت الإرث الديغولي)، من العرب وقضيّتهم المركزيّة: فلسطين.
والوزير مانويل فالس لمن لا يعرفه (راجع مقالة آلان غريش المعرّبة في «الأخبار»، ٧/ ١١/ ٢٠١٢)، يتميّز بتمجيده «النظام» الذي «ليس يسارياً ولا يمينياً» في نظره، لذلك ربّما يفضّل إبقاء جورج عبدالله في السجن. وهو معروف بخياراته السياسيّة التي تضعه على يمين الحزب الاشتراكي المنزلق أساساً إلى ميوعة إصلاحيّة في إدارة الأزمة الاقتصاديّة، مكتفياً من نهج «اليسار» التغييري ببعض المبادرات الأخلاقيّة (مثل مشروع قانون «الزواج للجميع» الذي تظاهر ضدّه الأحد مئات آلاف المحافظين في باريس)، فيما يتفرّج عاجزاً على صعود البطالة وتراجع العدالة الاجتماعيّة، ويتخبّط في مواجهة الأزمة الاقتصاديّة الحادة التي تواجهها فرنسا. ولم يخف الوزير فالس يوماً مشاعر التعاطف مع إسرائيل، مثل معظم أقرانه في الحزب الاشتراكي، بمعزل عن المناورات اللفظيّة وخطب المناسبات، والقول بحل الدولتين وما إلى ذلك. بل إن الرئيس الفرنسي الحالي فرنسوا هولاند الذي يريد من الفلسطينيين أن يعودوا إلى المفاوضات من دون قيد أو شرط (أي على خلفيّة استمرار سياسة إسرائيل العدوانيّة والاستيطانيّة)، تسجّل سياسته الفلسطينيّة تراجعاً عن سلفه ساركوزي (اقرأ مقالة أخرى لآلان غريش، معرّبة في «الأخبار»، ٧/ ١١/ ٢٠١٢). وكان الأخير اكتشف في آخر عهده الرياء لإسرائيل التي تستبعد في العمق أيّ مفاوضات حقيقيّة من أجل حل عادل وشامل في الشرق الأوسط.
واليوم نقف مشدوهين أمام السياسة الخارجيّة لفرنسا التي تعود على أعقابها إلى المستعمرات القديمة. هل هو الحنين إلى زمن الاستعمار؟
بإرساله طائرات الميراج إلى مالي لتضرب مقاتلي «حركة أنصار الدين» في شمال البلاد ووسطها، وتُوقف زحفهم إلى باماكو، مخلّفة عشرات الضحايا من المدنيين، إنما يحظى هولاند بإجماع الطبقة السياسيّة، مؤجّلاً بعض الوقت مواجهة الأزمة الداخليّة وضغط الشارع، وهجمات المعارضة اليمينيّة. لقد أعاد فرنسا إلى دور الدركي في أفريقيا. هذا الدور الذي وعد بالتخلّص منه، ليسجّل انتصاراً سهلاً على المقاتلين الراديكاليين، من دون نيّة معلنة في إعادة السيطرة على الشمال، ويحمي الرئيس الانتقالي ديونكوندا تراووري، ومعه المصالح الاستراتيجيّة الفرنسيّة في أفريقيا الغربيّة من يورانيوم النيجر إلى آلاف الفرنسيين الذين يعملون في المنطقة. لم توضح فرنسا نيّاتها اللاحقة في هذه البقعة من العالم، ولم تُبد انشغالاً بمساعدة أحد أفقر شعوب العالم، شعب رازح تحت نير البنك الدولي يعاني من الحرمان والتخلّف وشبح «القاعدة». بل إن فرنسا التي لعبت دوراً حيويّاً في إسقاط نظام القذّافي (من أجل الديموقراطيّة؟)، هدفها هنا حماية نظام ضعيف، ولعب دور أساسي في المعادلة الجديدة للساحل الأفريقي، بعد انهيار «ملك ملوك أفريقيا» ليرتفع الغطاء عن علبة باندورا، وتنفلت من عقالها الإتنيات والقبائل والجماعات المتطرّفة وعصابات المرتزقة والمهرّبين.
ماذا نقول عن دور فرنسا في الأزمة السوريّة؟ الرئيس الفرنسي ووزير خارجيّته لوران فابيوس ملكيّان أكثر من الإدارة الأميركيّة. سقى الله زمناً كانت فرنسا تقف ضد الخيارات الأطلسيّة، وتدافع عن العرب، أو يستقيل وزير دفاعها (جان _ بيار شوفانمان، ١٩٩١)، رافضاً المشاركة في الحرب على العراق. اليوم الولايات المتحدة تبحث عن حلول تفاوضيّة، فيما فرنسوا هولاند يحورب على أبواب دمشق. يقصف الإسلاميين في مالي، لكنّه يشجّع تقدّمهم في سوريا، واعداً بتسليح المعارضة ما ان تتفق على تأليف حكومتها، وما يستتبع ذلك من «ديموقراطيّة وعدالة وتعدديّة». قد يحتاج خليفة جان جوريز قريباً إلى مساعدة عقاب صقر. يا لبؤس الاشتراكيين الفرنسيين في هذا الخريف المديد.
الثلاثاء ١٥ كانون الثاني ٢٠١٣