مخـاوف مـن عـدم إطـلاق سـراح عبداللـه
علي دربج
مقاومٌ لم يعرف للجهاد أو للكفاح حدودا أو قيودا أو مسافات. قبلته كانت ومازالت فلسطين التي بذل في سبيل قضيتها حريته التي قدمها فداء لها على مذبح النضال. فلم يتزحزح إيمانه بها بالرغم من قساوة السجن الذي فضّله على تلاوة فعل الندامة عن مقارعته الاحتلال والعدوان.
جورج عبد الله المناضل الاممي الذي أضحت قضيته عنوانا للثائرين على درب المقاومة والتحرر، عجزت سنوات السجن التي قاربت الثلاثين سنة عن النيل من عزيمته فبقي ثابتا على مواقفه صلبا كقضبان زنزانته.
بالأمس كان جورج على موعد مع الحرية. غير أن أصابع الشر الخفية حرمت عائلته ورفاق دربه من هذه الفرحة. بعد أن خرجت قضيته من إطارها القضائي لتدخل في دهاليز السياسة تلبية لرغبة أميركية وإسرائيلية مشتركة.
القصة الكاملة لاعتقال عبد الله يرويها لـ«السفير» مصدر مطلع ومواكب لقضيته. فهو كان من المؤسسين لـ«منظمة الفصائل الثورية» التي شكلت في أعقاب الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982. إذ لم يقتصر عملها المقاوم على لبنان فقط. بل اختارت توسيع نشاطها ليشمل ملاحقة العدو في أي مكان تواجد فيه في العالم.
قامت المنظمة بعمليتي اغتيال طالت الملحقين العسكريين الإسرائيلي والأميركي في فرنسا العام 1983. إثر ذلك طلبت الحكومة الفرنسية من نظيرتها الجزائرية التحقق لمعرفة من نفذ هذه العمليات والتوسط لديه لوقفها.
في العام 1984 ذهب جورج الى باريس لإقفال الشقة التي انطلق منها منفذو هذه العمليات. وكان يوجد فيها بعض الأسلحة. فالقي القبض عليه بتهمة تزوير جواز سفر جزائري. علما أن هذا الجواز لم يكن مزورا بل كان شرعيا صادرا عن الحكومة الفرنسية.
وعدت الحكومة الفرنسية حينها أن التهمة لن تتجاوز الستة أشهر كون المخالفة بسيطة جدا. بعد ذلك ادعت الحكومة أنها كشفت المنزل التي كانت الأسلحة مخبأة داخله. وكان حينها يوجد فيه مسدس واحد. فعمد الأمن الفرنسي الى الربط بين المسدس المذكور ووجود مفتاح للشقة بحوزة عبد الله. فألصقت به تهمة الاغتيال المزعومة.
أدت هذه التهم الملفقة الى الحكم عليه بالسجن المؤبد. مع العلم ان القضاء الفرنسي كان يعرف بالأدلة الدامغة أنه لم يشارك في عمليات الاغتيال ولم يكن حاضرا في أي منها.
عندما انتهت فترة السجن الأولى التي دامت 15 عاما. جاءت موافقة من قاضي تنفيذ الأحكام الفرنسي بإطلاق سراحه. غير أن المدعي العام اعترض حينها على ذلك. فمكث في السجن ستة سنوات إضافية عن الموعد الذي وافق عليه القضاء في المرة الأولى لإطلاق سراحه.
في الجلسة الأخيرة لإخلاء السبيل لم يتوان القضاء الفرنسي عن الاعتراف والمجاهرة بسجن عبد الله بسبب موقفه السياسي ورفضه إعلان الندامة عن أفكاره ومواقفه المقاومة. وهذا كان كافيا لتمديد فترة أسره حتى يومنا هذا.
عرف عن جورج تفانيه في سبيل القضية الفلسطينية والدفاع عنها. فكان دائم التردد على مخيم نهر البارد والمبيت فيه بالرغم من الظروف السيئة للمخيم. لمشاركة فصائل المقاومة في كفاحهم ونضالهم ضد العدو الإسرائيلي.
حوّل جورج السجن الى غرفة للمطالعة والكتابة والبحث العلمي.
فتمكن من أن يحوز على ثقافة علمية عالية جدا. تجسدت باتقانه أربع لغات: الانكليزية والفرنسية والاسبانية والايطالية. إذ أن الزنزانة لم تشكل له عائقا من مواصلة نضاله من خلف القضبان. فحرص على الاستمرار في ممارسة نشاطه الإعلامي والنضالي مع العديد من الحركات التحررية والمنظمات الثورية في أوروبا.
اشتهر جورج بالصلابة في جميع الأمور فلم يكن من النوع الذي يسهل تغيير رأيه في أي مسألة كانت. فهو على استعداد للدفاع عن معتقداته والذهاب بعيدا في ذلك متسلحا بلغة المنطق والدليل العلمي الذي ينطلق منه في تحليله الشامل لسياسة الهيمنة الأميركية (الامبريالية الاميركية») التي يعتبرها سبب كوارث العالم. من دون أن يكون مؤيدا للاتحاد السوفياتي السابق الذي لم يتردد في توجيه سهام النقد اليه.
عوامل كثيرة أدت الى القرار القضائي بإطلاق سراحه خصوصا الضغط الإعلامي الذي قامت به الحملة الدولية لإطلاقه التي أحرجت فرنسا، إضافة الى تدخل الحكومة اللبنانية خصوصا رئيسي الجمهورية ميشال سليمان والحكومة نجيب ميقاتي مع المسؤولين الفرنسيين.
ويختم المصدر بالقول «أما رفض وزير الداخلية الفرنسي مانويل فالس التوقيع على قرار الإفراج وإرجاء النظر فيه الى 28 الحالي، فلا يمكن تفسيره إلا كعملية رضوخ للضغوط التي مارستها الإدارة الأميركية على باريس. فهذا الإرجاء يسمح للادعاء الفرنسي بأن يكسر قرار القاضي الذي امر بإطلاق سراحه وبالتالي الاستمرار في الأسر. إذا لم يحصل أي ضغط».
ويبدي المصدر تشاؤمه، إذ انه لا يتوقع ان يطلق سراحه لأن قضيته سياسية بامتياز خارج القضاء والقانون.
علي دربج