وزير الداخلية الفرنسية يماطل بالتحرّك .. وبدء اعتصام أمام السفارة في بيروت
محمد بلوط
جورج إبراهيم عبد الله رهينة لبنان في فرنسا. يبتعد جاك فرجيس الثمانيني في قضية عبدالله عن تحفظ المحامي الباريسي المعتاد، لا شيء في ثوبه الأسود يملي عليه حدوداً في التعبير عن الغضب، حتى في اختيار الألفاظ، لوصف رفض وزير الداخلية الفرنسية التوقيع على قرار ترحيل جورج عبدالله. يقول «الوزير يتصرف كقحبة أميركية». المحامي فرجيس يوسع من قطر دائرة سخطه ليحكم «الأميركيون لم يوافقوا على إطلاق سراح جورج، والوزراء يتناقلون الجمرة الحارقة، لا يريد أحدهم أن يكون من يوقع على قرار إطلاق سراح عبدالله. ووزير الداخلية، صديق إسرائيل والجندي الصغير للولايات المتحدة، لا يريد أن يكون من يوقع قرار الترحيل».
يقول فرجيس إن وزير الداخلية لا يستطيع التذرع بقصر المهلة «فهو يعرف منذ الحادي والعشرين من تشرين الثاني أن المحكمة قد قضت بإطلاق سراح مشروط بالإبعاد».
اليوم الذي كان مكرّساً لإجراءات شكلية لترحيل جورج إبراهيم عبدالله بدأ بمفاجآت، بيّنت عيوباً في التنسيق بين وزارة العدل وقلة حماسة وزارة الداخلية لتنفيذ قرار قضائي، يمليه فصل السلطات البسيط والمبدئي بين القضائي والسياسي. خلال جلسة الاستماع الأخيرة لتبليغه قرار إطلاق سراحه المشروط بالترحيل، فوجئ القاضي بأن وزير الداخلية لم يكن قد بلّغ جورج عبدالله عند التاسعة صباحا كما ينبغي بقرار إبعاده. القاضي استجوب جورج عبدالله لأن الوزير لم يكلف نفسه عناء تبليغ القضاة أنفسهم قراره تجاهل قرارهم. وأصدر القضاة قرارهم المشروط بالترحيل، مرفقا بمهلة تنتهي في الثامن والعشرين من هذا الشهر.
«جورج عبدالله مطمئن ويعرف أنه سيخرج عاجلا جداً إلى الحرية. هو صابر ومعنوياته عالية جداً رغم أنه كان قد وعد نفسه ببيروت اليوم مساءً»، يقول رفيق مقرب منه كان قد هاتفه فور تأجيل الإفراج عنه.
«اللي بيشرب البحر ما بيغص بالساقية» قال جورج لمحدثه. بحر الـ28 عاماً من السجن التي خاضها لن يغص بأيام مزيدة منها. في وقت اشتكت رفيقته سوزان لومونسو من أنه لم يعد يملك كتابا واحداً في زنزانته، التي أفرغتها في حماسة قرار إطلاق سراحه من مكتبته الكبيرة، وأخرجتها إلى الحرية المنتظرة في لبنان.
ولا يمكن التصديق أن تصريحاً أميركياً في اليومين الأخيرين أعاد الحسابات الفرنسية، خصوصا أن قراراً قضائياً قد أخلى ساحة جورج عبدالله من أي محاسبة إضافية لاستبقائه في السجن. وكانت الناطقة باسم البيت الأبيض فيكتوريا نولاند قد طلبت علناً «الإبقاء على جورج إبراهيم عبدالله سجينا». وزيرة العدل الفرنسية كريستيان توبيرا كان لها شجاعة أن تكتفي بما قاله القضاة برد طلبها استئناف ونقض طلب إطلاق سراحه. لم تطلب توبيرا تمييز القرار، أغلقت الملف وفتحت زنزانة جورج عبدالله.
في هذه الأثناء، تلتزم وزارة الداخلية الفرنسية الصمت التام في قضية عبدالله. وبعد وعود بإجراء اتصالات مع مسؤولين لبنانيين أمس لشرح الموقف، قررت تأجيل الموعد حتى الأسبوع المقبل لبحث ملف عبدالله وموقفها من رفض التوقيع على قرار ترحيله. يعني ذلك أنه من غير المنتظر توقع أي تطورات إيجابية في الملف قبل اللقاء وبعده.
وقالت مصادر ديبلوماسية في باريس لمسؤول لبناني، إن المحكمة التي اجتمعت أمس للاستماع لعبدالله، لم تتمكن من تبليغ عبدالله قرار إطلاق سراحه لأن وزير الداخلية لم يف بشروط إعداد السجين اللبناني لإبعاده.
ويعترف مسؤولون في وزارة الداخلية بأن باريس تتعرّض لضغوط أميركية للاحتفاظ بجورج عبدالله في السجن، فيما يقولون إن بإمكان لبنان أن يمارس ضغوطاً معاكسة من جهته، كي يسرّع في تنفيذ قرار القضاء الفرنسي.
وبديهي أن عبدالله قد تحول إلى سجين سياسي على كل المستويات. القضاء الفرنسي يطلب إطلاق سراحه ووزير الداخلية يرفض لأسباب سياسية تسهيل تنفيذ القرار السيادي الذي لا يحق له الاحتجاج عليه أو تعديله. ولا يلزم قرار الترحيل وزير الداخلية بتنفيذه في المهلة المحددة، ومن المحتمل أن تجتمع هيئة المحكمة في الموعد النهائي وتكتفي بملاحظة أن الوزير لم ينفذ القرار، ولن يكون بوسعها بناءً على الفراغ القانوني في هذه النقطة، سوى تمديد المهلة أسبوعين إضافيين إلى أن يشاء وزير الداخلية يوماً ما أن يأخذ على نفسه، رغم ما يكره، أن يوقع على قرار ترحيل رهينته جورج عبدالله إلى وطنه لبنان.
لبنان فوجئ بالخبر وتلقاه بغضب واستنكار كبيرين. وبعد ساعات على رفض وزير الداخلية الفرنسي التوقيع على قرار إطلاق المناضل جورج عبدالله، نظم «اتحاد الشباب الديموقراطي» اعتصاماً أمام مقر السفارة الفرنسية في بيروت، شارك فيه مئات المتضامنين من قوى سياسية عدة، وتخللته كلمة لشقيق جورج، موريس عبدالله ندد فيها بـ«انصياع فرنسا للإملاءات الأميركية والصهيونية».
وقطع المعتصمون الطريق في الاتجاهين لفترة من الوقت، كما حاولوا الاقتراب من مدخل السفارة، لكن القوى الأمنية حالت دون ذلك، فجرى تدافع وتلاسن بين الطرفين، انتهى لدى تدخّل منظمي الاعتصام وأفراد من عائلة عبدالله، حيث أبعدوا المعتصمين عن باب السفارة الرئيسي، مؤكدين سلمية التحرك.
واستعاض المعتصمون عن إقفال الطريق بنصب خيمة لتنفيذ اعتصام مفتوح على الرصيف المقابل لمقر السفارة، إلى حين الإفراج عن عبدالله، إضافةً إلى إمكان تنفيذ اعتصامات أمام مصالح فرنسية في لبنان.
وعلى الجبهة السياسية، علمت «السفير» أن رئيس الجمهورية ميشال سليمان سيثير مع السفير الفرنسي لدى لبنان باتريك باولي قضية عبدالله، على هامش لقاء سليمان مع السلك الديبلوماسي اليوم.
كما اتصل رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي بالسفير باولي مستفسراً عن أسباب إرجاء إطلاق سراح عبدالله، في وقت أكد أن «التأخير في إطلاق المواطن عبدالله خطوة غير مبررة وتمس حقوقه المدنية». وسيستقبل وزير الخارجية عدنان منصور السفير باولي اليوم للغاية نفسها.