صباح جلول -السفير
وفكّرنا بس بإنّو نعبّر عن نفسنا ببساطة. نحسّ الإشيا، ولازم نقولها.. صرنا نقولها." - عاصي حسناً، لقد سمعنا على امتداد سنوات جميع أنواع التهم الجاهزة لزياد الرحباني حتى الملل. خلال السنتين الأخيرتين، لم يوفّر الرحباني فرصة لإقامة حفلة موسيقية إلا اغتنمها، وضاعف معدّل إطلالاته الإعلامية ومقابلاته مرّات، بعد انقطاع شبه تام. وجد الجميع فرصة لإعادة الرحباني إلى دائرة "الموضوعات الساخنة"، وهو غالباً لم يخرج منها أصلاً. لا يملك أحد موقفاً حيادياً منه، خاصةً بعد الموضوع السوري. الناس الذين يعرفونه، ويعرفون نتاجه الفني وأخباره الشخصية ومواقفه السياسية منقسمون دائماً بشكل حاد. فئة تراه "العبقري" الرحباني السابق لزمانه، وفئة تحاكمه على أنه "خائن" للشعب والثورة، وما بينهما فئات تجتهد أيضاً، فتراه ضحية أو أعجوبة أو ممثّلاً يسعى لدور الضحية. كل هذا معروف، لكنّنا ننتبه الآن إلى أن كلّ هذا غير مهم عندما نقف أمام باب زياد المفتوح بالكامل، والذي تدلف منه موسيقى مارفين غاي المتسائل باستمرار "What's Going On?". حقاً، ما الذي يحدث في عالمنا؟ الآن، ربما نتكلّم قليلاً عن الموسيقى، لا أكثر ولا أقل، إذا سمح لنا قضاة السّلوك والأفكار ومنظّرو التعليب بأن نكون عاطفيين قليلاً تجاه مَن منحنا الكثير في المكتبة الموسيقية والمسرحية، وفي الوعي السياسي والاجتماعي والفكري، والأهم تجاه مَن منحنا الكثير من الفرح والحب والأحلام والرفقة الطيبة في مختلف مراحل حياتنا الممجوجة الشديدة الابتذال في هذه الجمهورية العجيبة. رغم كل التعقيدات الحياتية، وبعيداً عن الفلسفات والإشكاليات، ووسط "عجقة" الأغراض و "السيديهات" والكتب والصور في غرفة صالونه، ثمّة انطباع مُلحّ بأن كلّ الأشياء في عالم زياد الرحباني، بدءاً من لحظة الإبداع الموسيقي ووصولاً إلى الأعمال اليومية العادية كصنع فنجان شاي، هي أكثر بساطة وتلقائية ممّا يعتقد أيّ منا. بساطةٌ تذكّر بقول عاصي أعلاه، بمعنى عفويّة أن نقول ما نشعر، لمجرد أنّنا شعرنا به وأن من حقّنا أن نعبر عنه، كما هو، تاماً، حقيقياً، جارحاً، جميلاً، مزعجاً، مباشراً كما هو. كلّنا نغار من زياد قليلاً، لأنه يقول ما يفكّر فيه من دون مواربة، وهذا ما جعله دائماً عرضة للهجوم والمحاكمة الرخيصة أحياناً، بعيداً عن النقد الصادق المباح. هذه حقيقة أوليّة، والحقيقة الأُخرى هي أنّه لا يشبه أبداً ما يُرسم من صور مكبّرة لرجل يائس أو مهزوم. هذا رجلٌ يحاول، يحاول فعلاً. يقيم الحفلات ويكتب المقالات ويؤلّف الموسيقى ويفتتح موقعاً إلكترونياً ويسعى للسفر من أجل العمل، ويحاول إعادة ترتيب أموره. يحاول مصالحة والدته، والتواصل مع حزب الله ومع المستقبل، ومع الناس، مع الجميع مبدئياً. يعمل من أجل الحزب الشيوعي وللجريدة وفي الأستوديو وفي المسرح وفي البيت، في لبنان وألمانيا وروسيا وأبعد، إن لزم الأمر. اليائس يكفّ عن المحاولة، لكن هذا الرجل يحاول. أكثر منّا جميعاً، يحاول. رغم كل شيء، يبدو أكثر حياةً ممّا نتوقّع نحن، وأكثر جمالاً مما يعتقد هو. المقابلة أدناه محاولة لاستعادة الموسيقي من أسلاك السجالات الشائكة إلى مربّعه الأول: الفن.
- كيفك؟ الحمدلله، بلّشت صير منيح لأنو عارف إنو قلّلو الإيام اللي باقيهن هون. رغم أن الإنسان لا يمكن أن يكون سعيداً لمغادرة بلاده، لكن ما بيكون وضع البلد هيك كذا سنة. أمارس حقّاً مارسه جميع اللبنانيين. أتغرّب وأعود عندما يتوفّر عمل هنا، لأنه لم يعد مقبولاً أن يبقى الإنسان هنا سنة كاملة يعمل خلالها شهراً أو شهرين فقط. هناك الكثير من الوقت الميت. - في أسطوانة "إلى عاصي" كتب منصور عن عاصي: "كان دائم القلق، لا يرتاح إلا حين يستغرق في التأليف، لينسى، ولو مؤقتاً ذلك الهدير الداخلي المتصاعد سؤالاً، إلى أين؟". هل ورثت هذا النوع من القلق الدائم؟ لا أعلم ماذا كان يقصد عمّي، رحمه الله، بكلمة "الهدير"، لكن هذا أمر لم نكن نلاحظه لدى والدي قبل المرض. لم يكن يتوقّف عن العمل أساساً لنلاحظه، لكن بدأ هذا الأمر بعد أن رأى الموت وعاد منه أكثر من مرّة. خضع لعمليات دقيقةٍ جدّاً وخرج منها. ما كان متل الأول، بس ما كنّا متوقعين ولا حدا كان هلقد متأمّل إنو يتحسّن. في الفترة بعد العملية كان يسأل عن الإيمان: في الله؟ ما في الله؟ شغلتو ومشغلتو، وبالفضاء الخارجي شو في؟ يعني صار عاطيه جزء من وقته. يقعد مع ناس مطّلعين بمجالات معيّنة. وكان أحياناً يؤمن وأحياناً يشكّك، وعندما يشكّك يكون ميت رعبة، يقللي "ما هيئتو فيه شي، يعني.. متل ما الله بيريد". - هل تُبقي مسافةً بينك وبين هذه الأسئلة؟ أعتقد أن كل إنسان يصل ليسأل هذه الأسئلة في مرحلة معيّنة من حياته. بس إنو ما كتير تاخد من الوقت. - لديك حاجة دائمة للتأليف؟ بالموسيقى، إي. دون أن يطلب منّي أحد شيئاً. إذا ألّفت، يكون عادةً موسيقى، وليس كلاماً. من 10 أشياء، تكون تسعة موسيقى وواحدة كلمة. لكن بسبب العمل في الصحافة، أكتب، لكن لا يكون الكلام خارجاً بسهولة الموسيقى. - متى يكون التأليف أسهل والإنتاج أغزر، في حالات الحرب أم في حالات السلم؟ وماذا يحصل في مثل حالتنا، عندما تكون الأشياء معلّقة بين الاثنين؟ لا أعرف ما هو السبب، لكنّ معظم ما اشتغلته كان في فترات ذروة التوتّر. ليس من الضروري أن تكون كلّها أشياء جيدة، لكن عندما تكون الأوضاع مائلة نحو "الرواق"، بيصير الواحد متل الوضع. هلأ عم نشتغل. منذ سنة، سنتين، نعمل في ظروف "عاطلة كتير". لكن نعمل على مشاريع صغيرة قدر الإمكان، لا تكون فيها مغامرات. نعزف في أماكن يرتادها 100 شخص، مثلاً. لكن معظم العمل في التأليف. ونلعب موسيقى فقط لنبقى قادرين أن نجمع أربعة أو خمسة موسيقيّين ونجد كل أسبوع أو اثنين مكاناً صغيراً لنعزف فيه، يعرف عنها الناس عبر الـ "sms" أحياناً، لا إعلانات حتى. - في فيلم "همسات" لمارون بغدادي، تقول بأنّ الأشياء في الحرب تكون أوضح، هل تعني الانقسامات، الصح والخطأ؟ مزبوط. الناس يكونون أكثر صراحة أيضاً. يعني عم يعبّروا عن شو حاسّين أكتر من وقت السلم والكذب.
- قمت بتأليف موسيقى تصويرية لأفلام مثل "وقائع العام المقبل"، "نهلة"، "طيارة من ورق"... من أحسن الأفلام كان "وقائع العام المقبل" لسمير ذكرى، لكنّه لم يكن شعبياً، ولم يُعرض في لبنان، لا أعرف لماذا. ليس من السهل إيجاده. فيلم "نهلة"، أقدم فيلم في الحرب. فيه خرجت أغنية "وحدن" لأوّل مرة، كان طولها دقيقة واحدة. رونزا طنب غنّت عن الممثلة. وأغنية "خدني معك يا حب" أيضاً، والتي غنّتها لطيفة لاحقاً. ستكون كل هذه الأمور مرفوعةً على الموقع الرسمي، لأنّ كميّة الأمور المطبوعة لا تشكّل أكثر من ثلاثين في المئة ممّا ألفته. كلّها طلعت أشياء لا تهمّ المنتجين ليطبعوها. موسيقى فيلم "طيارة من ورق" لرندا الشهال، الله يرحمها، وكان قد ربح جوائزاً، لا تهمّ موسيقاه أحداً. وهناك قبله فيلم "متحضّرات" لرندا، عملت على موسيقاه. لكنّه لم يُعرَض أصلاً، لأن جميل السيد منع عرضه بسبب جملة اعتبر أنّها تحوي شتائم "طائفية". عرض للصحافيين، ولم ينزل إلى الصالات. موسيقاه مشغولة بآلات قليلة، لكن بطريقةٍ جيّدة. - هل يختلف تأليف الموسيقى للصورة عن التأليف دون قيود القصة والمشهدية؟ لا يختلف كثيراً بالنسبة لي. ليش ليكذّب الواحد، أحياناً يكون هناك قطع موجودة، يعطونك فيلماً، نسمعهم الموسيقى، هل هي مناسبة؟ بيقولولك إي هيدي فظيعة معمولة ع القدّ. بتكون معمولة مش لوَلا سبب، بس بتزبط، لأنّ الموسيقى مطاطة كثيراً. مثال على ذلك، إذا استمعت إلى قطعة موسيقية اسمها "الخريف"، لكنّك لا تعرفين عنوانها، وقيل لك إنّها "الربيع"، فستعطيك انطباعاً بأنّها الربيع. لا أستطيع أن أثبت لكِ أنّها الخريف، هذا ما أقصده بأن الموسيقى مطاطة. وإذا أتينا بثلاثة أو أربعة موسيقيين وطلبنا منهم التأليف للصورة نفسها، من الممكن أن يخرجوا بنتائج قريبة أو بنتائج مختلفة بعيدة تماماً. - في أسطوانة "كيفك إنتَ" يوجد تراك عبارة عن تسجيل لبروفة الأغنية. في أغنية "سلّملي عليه" تقول فيروز: "أنا عم غنّي المذهب، ولمّا بغنّي ردّوا عليه". هل هذه الإضافات هي إضافات مقصودة، بغرض تقريب فيروز من الناس؟ بروفة "كيفك إنت" أخدت شغل قدّ الأسطوانة كلّها، لأنّ فيروز لا تتكلّم. لم تكن مقصودة كثيراً، لكن ممكن أن نقول ذلك. عم نقول عم نسجّل، وهيدي غنية مش مأساة يعني. لم يكن هناك سبب غير أن يسمع الناس فيروز قليلاً وهي على طبيعتها، لأنّها لا تطل في الإعلام. ليسمعوها تتكلّم. وهي ما معها خبر، سمّعتها ياها بس خلصت، وأخدت معي وقت منيح، كلّها قص وتلزيق لأنّو. كانت تسجّل صوتها على الأغنية، وقمت بأمور عدّة كي لا تنتبه هي، وكي تضطر للتكلّم. أسألها: "كيف سامعة حالك؟"، فتجاوب. جلست كمهندس صوت معها، وقلت لجوزف سمور، رحمه الله، خلّيك أنا بسجّلها اليوم، لأنه كان سيُتفضح، فأبقيت مسجّلة جانباً وغطّيتها. ثمّ صرت أسألها: "منيح هيك؟"، فتقول لي: "إي، إي تمام". أنا لم يكن صوتي مسموعاً في التسجيل، فأعدت تسجيل كلامي لاحقاً، عندما خرجت هي، وألصقته. شو المفاجأة، إنو بس سمّعتا ياهن، ولا كلمة هي، قاعدة، صارت تتبسّم وتجرّب تخبّي.. إنو عجبتها وما بدها تقول، بس خلصت قالت لي: "بتعرف كانت بتطلع أحسن لو عارفة". قلت لها: "والله؟"، وأنا عارفها ما بتحكي كلمة ع الميكروفون. مثلاً تقول "مرّق" مش "مرّق الشريط"، بتصير تختصر. عندها انطباع إنو حتى أنا ممكن سجّلها شي برّاني، ما بتأمّن لحدا يعني. فنفدت فيها هي وقتها. في وقت ما تقول: "في من مجاميعو"، وهي تضحك. لا أحد ولا أنا فهم ما تقصده، لكنه كان عكس صورتها عموماً. حتى قليل ما عندها صورة مبتسمة فيروز. - هذا يعطي صورةً أقرب وأكثر حميميّةً عنها أمام الناس، كأنّها تجلس معهم. نعم، وهذا كان في وقت يوجد حملة على الكلام، وعلى "كيفك إنت" تحديداً. اتّهمونا بأننا أدخلنا كلاماً مسفّاً. كلمة "كيفك إنت" عملوا عليها قصّة. كيف بتقول شي زقاقي لهالدرجة، هيك سمّوه وهيك انكتب بصحف. وبما أنّنا كنّا متهمين في كل الأحوال، اسمعوها كيف تتكلّم أيضاً. كانت هذه ممنوعات، إحدى الجرائد كتبت أنّ الأغنية تشجّع على الخيانة الزوجية. يا خيي قصّة هيدي كلها، غنيّة، وفي غنيّة تانية بتصير ملكة بترا، هي ذاتها. - دائماً ما يُقال بأنّك "مثيرٌ للجدل". بعض الأشخاص يسمعون كلمة ويبدأون بنقلها عن بعض. بدنا نشوف أول واحد قايلها ليه قايلها. جدّ، في ناس بيجي سلف بيقلّك: "إنت مثير للجدل". وين سامعها هيدي؟ - هل يكون الحب بمثالية أغنية مثل "بلا ولا شي" مثلاً، التي يحبها الناس كثيراً؟ أنا بحسّها مزبوطة. لو كانت الحياة بهذه البساطة، لكانت المشاكل أقل. بالنهاية، شخصين بدّن يعيشوا مع بعضن رح يكونوا مع بعض بتكّة، بوضع كتير حميم، رح يكونوا بلا كل شي. غريبة هذه الأغنية، عندما أدّيناها في سوريا، اشتهرت في لبنان. عندما ذهبنا في العام 2008، كانوا قد وضعوا لائحة بأغانٍ يتمنون أن نضمّنها الحفل، وكانت على رأس اللائحة. سألتهم لماذا، فقالوا إنّ هذه الأغنية يطلبها الناس في كلّ الأعراس هناك. هذا في الوقت الذي أتى إليّ أحدهم في لبنان، منذ سنتين فقط، ليقول لي: "السنة أحسن غنيتين عاملهم هنّي سلّملي عليه وبلا ولا شي". شو بدك تقوليله؟ يا ريت ما قلّلي عن هالنوع من الإعجاب. - الجمهور السوري هو الأقرب إلى أعمالك وأعمال فيروز؟ أكيد. الأقرب لشغل الرحابنة. علاقتهم بالموسيقى كلها، يوجد دولة ويوجد معهد. يسمعون فيروز في كل مكان.
زياد وبيروت
- قدمت إليها في عمر السابعة عشرة، كما قمت بنقل نفوسي إلى هنا، وانتبهت بعد 30 عاماً أنّني عشت هنا أكثر بكثير من أنطلياس. انتظرت سنتين حتى تمّ نقل النفوس، يدرسون ديموغرافياً التوازن الطائفي، وأنا شخص واحد! يعني زاد واحد روم أرثوذكس على منطقة راس بيروت، بدن يشوفوا كيف بدي أثّر ع التعايش، والله العظيم، شي ما بيتصدق. نعم، متعبة الحياة في بيروت، لكن محيط الحيّ هنا كتير لذيذ، مخلوط كتير، وفي ناس بقيت ما تركت كل الحرب. - قال زياد مرّة: "أنا ما عم جرب غيّر البلد ولا عم جرّب غيّر شي، أنا عم جرّب بس ما خلّي هالبلد يغيرني. هيدي وحدها إذا بتزبط معي يعني انتصار لنفسي أولاً". زياد لا يريد أن تغيّره البلد، ويضيف: استأجرت خارج بيروت، لأنّني شعرت أنّها ممكن أن تغيّر. حسيت إنو رح بلّش صير كذّاب، بتقولي هي الكذبة بتمرقيها، والموبايل بيعوّد عالكذب كمان. تقول هذه كذبة بيضاء، 3-4 كذبات بيض بعدين بيبلّش يغيّر لونهم. استأجرت خارج بيروت، في الجبل، أفضل بكثير. أولاً لا يوجد زحمة ناس كما هنا، ولا يأتون ليطرقوا الباب بلا موعد.
الأخلاق والحب
عن التعبير الأمثل عن الأخلاق، يقول الرحباني: آه صعبة، القاعدة الأساس. في الفلسفة يقولون لنا هناك أنا والآخرون. الأخلاق قاعدة الأساس التي لا يختلف عليها الماديون ولا الروحيون ولا غيرهم. وإلا يأكل الناس بعضهم البعض. إذا أردت أن تصفي لبنان لأجنبي، لنخبره شو إشبو البلد، كارثة إنو نخبره عن الوضع، ومن وين بدك تبلّشي، بتقوليله: "الأخلاق". لأنها مشتركة في كل المجالات. المشترك الفاشل هو الأخلاق. ناس متل سليم الحص مثلاً بتلاقيهن بيغيبوا وبيرجعوا، وإذا بدن يحكوا شي، بيبلشوا بهَي. بتحسيهن عم يوعظوا، بس مزبوط. لا يوجد شيء آخر يسبب ما نراه. يعني قليلة السيارة الوحيدة اللي بتوقّفلك إذا طالعة من صفّة هي اللي بدها تصف محلّك؟ ثم عن التعبير الأمثل عن الحبّ، يجيب تلقائياً: والله، ما فيني قلّك شي. كنت أعرف كذا تعبير، طلعوا كلّن ما بيطعموا خبز. لكن الأكيد أن الحياة بتكون أحسن بوجوده. شي بحسّه متل الخبز والمي المفروض يكون، بس أنا الحمد لله ماشي ريجيم. وبيصير ينغرم بالجملة الواحد، للحاجة لأن يحب، بيصير مين ما شاف بيقول آه هيدا هوّي. كل إنسان يعيش الوحدة أو الفراغ في مرحلة ما، يصير يُغرم بأكثر من شخص بالوقت نفسه.
البيانيست زياد الرحباني
نذكّر زياد بما قاله للجمهور في حفلة صور، بشيء من الانفعال: "أنا مش فرخ البط عوّام، ولا مسبّع القارات.. بتمنّى بس دقّ ع هالبيانو". عن أمنيته الحقّة، يقول: كان طموحي بداية الحرب أن أصبح "بيانيست"، وليس مؤلفاً. كنا نصيّف في بكفيّا، كان جارنا يعزف بيانو، كلاسيك، اسمه وليد عقل، رحمه الله. وجار آخر، اسمه وليد حوراني، درس في موسكو. فكان حلمي أن أكون مثلهما وأكمل دراستي في الخارج لأكون عازف بيانو. لم أكن أفكّر بالتأليف حينها. وبعدني لهلأ أكتر شغلة بحسّ فيا، أحسن من التأليف وأقل وجع رأس، هي أنك تعزف مع غيرك، ترافق حدا عم بيغنّي، تعزف مع فرقة. هذا الأمر الأكثر سلاسة. من الناحية العملية، جدّ، نياله اللي بيعرف آلة. لأنه مع آلة لا ينتبه المرء للوقت. أتمنى لو يعرف كل مواطن آلة، أكيد الأزمات بتكون أخفّ عليه. لأنّك تكتشفين أن هذا الأمر، الذي لا أحرف فيه، تفهمه كل الشعوب على بعضها البعض، حتى إن لم يفهموا لغوياً. شغلة منّا هينة.