ليس مفهوما السبب الذي يمنع توحيد قوّة الضغط من اجل اقرار حق المرأة بمنح جنسيتها لابنائها. امس، انقسمت الناشطات والناشطون بين اعتصام في ساحة رياض الصلح، وآخر في المتحف، عشرات الأمهات توزعن بين المكانين احتجاجا على سلبهن حق إعطاء الجنسية لأبنائهن. قررن الاحتفال بعيدهن اعتصاما ورفضا لقانون ذكوري مجحف، ينتقص من أمومتهن ويشرعن التمييز ضدهن
هديل فرفور - الاخبار
بتوقيت شبه متزامن، أقيم اعتصامان، أمس، للمطالبة بإقرار حق المرأة منح الجنسية لأبنائها. ضمن حملة «جنسيتي كرامتي»، نظّمت جمعية المبادرة الفردية لحقوق الإنسان اعتصاما امام المتحف الوطني، فيما أقامت حملة «جنسيتي حق لي ولأسرتي» اعتصامها بالقرب من السرايا الحكومية في ساحة رياض الصلح. صرخة الأمهات التي علت في المكانين، نابعة من احساسهن بالغبن على يد نظام طائفي ذكوري يمعن في الانتقاص من كرامتهن، فكان الاحتجاج واحدا والمطلب موحدا: إقرار حق مكرس في الدستور والتزام المواثيق الدولية.
خلف شجرة صغيرة في الساحة المواجهة للمتحف، جلست أسماء (15 عاما)، تحمل الفتاة لافتة «حقوق امي مش للتفاوض»، تحدثك بانفعال بارز وبجرأة واضحة وتجاهر بمظلوميتها في «بلدها لبنان». تطمح الفتاة لدراسة المحاماة، الا انها تدرك جيدا انها لن تستطيع ان تحقق رغبتها ما لم تحصل على الجنسية. «ما فيني انتسب للنقابة ولا ممارسة اي مهنة محمية قانونا»، تقول أسماء بانفعال واضح، وتضيف «بعرف انو الدستور اللبناني يقر للمرأة حقوقها كلها، كيف فيهن ما يخلو امنا تعطينا الجنسية؟». تشكو الفتاة من مضايقات زملائها الذين لا ينفكون يلومون أم أسماء «لأنها تزوجت سوريا»، «بيقولولي الحق ع امك لانها تزوجت اجنبي، بس انا بقلن ممنوع الواحد يتجوز اللي بيحبو؟». معظم الأمهات اللواتي حضرن الى المتحف أمس، أبدين أسفهن لما اطلقن عليه «التدخل بخيار المرأة اللبنانية الشخصي»، ووضعن المقاربة التالية: يحق للرجل أن ينتقي شريكة حياته أنى كانت جنسيتها، أما المرأة اللبنانية، فتحرم حق منحها الجنسية لأولادها عقابا لها لأنها خرجت من عباءة الذكر اللبناني، «وكأن الزوج هو من يمنحها هذا الحق «، وفق ما تقول ام وسام (60 عاما). تستند الناشطات والناشطون في القضية في الحديث عن «ذكورية قانون الجنسية» الى المادة الأولى من قانون الجنسية الصادر بالقرار الرقم 15 تاريخ 19 كانون الثاني 1925 التي تنص على التالي: «يعد لبنانيا كل شخص مولود من اب لبناني (من دون الإشارة الى الأم)»، إضافة الى «كل شخص مولود في اراضي لبنان الكبير، ولم يثبت انه اكتسب بالبنوة عند الولادة تابعية اجنبية وكل شخص يولد في اراضي لبنان الكبير، من والدين مجهولين او والدين مجهولي التابعية». «أي قانون هذا الذي يمنحني الجنسية ان استطعت ان اثبت انني ابن غير شرعي (يقصد من خارج الزواج المعترف به قانونا) ولا يمنحني اياها اذا كانت والدتي لبنانية؟»، يتساءل محمد (23 عاما) ويضيف: «كنت احلم في صغري بأن أكون ضابطا في الجيش اللبناني، وعندما كبرت عرفت انني محروم انتمائي للبلد الذي ولدت فيه».
«أنا لبناني أكثر من كل اللبنانيين، وهذا لا يحتاج الى ورقة إثبات»، يجد الشاب العشريني ان المشكلة تكمن في الوعي الذكوري المستفحل في المجتمع، الذي ينص على التدخّل في خيارات المرأة الشخصية ومعاقبتها. «هم يتذرعون بالعوامل الديموغرافية والطائفية، الا ان هذا ليس الا أداة من ادوات إخضاع المرأة لسلطة الرجل». تعلّق حملة «جنسيتي حق لي ولأسرتي» على توصيات اللجنة الوزارية التي تشكلت في آذار 2012 لدراسة تعديل قانون الجنسية، والتي خلصت الى «عدم منح المرأة حقها بإعطاء جنسيتها لأسرتها»، وتقول ان قرار اللجنة يستند إلى «جملة من المغالطات والحجج غير المقنعة». من ضمن هذه المغالطات، بحسب الحملة، أن «الإحصاءات التي نشرت لا تظهر بتاتا الخلل الديموغرافي الطائفي الناتج عن تبني تعديل قانون الجنسية وبأحسن الحالات تظهر وجود نسبة 6% فقط من النساء اللبنانيات المتزوجات بفلسطينيين، وهذا يؤكد أن فزاعة التوطين لعدم إقرار الحق ضعيفة وواهية”. ورأت الحملة أن قرار اللجنة ضرب جملة من الاساسيات، أبرزها الدستور الذي نص على ان المواطنين سواسية في الحقوق المدنية والسياسية (..)، فضلا عن المعاهدات الدولية في موضوع الجنسية، بحجة الدستور والقوانين اللبنانية و»التضحية بالحقوق الفردية وحقوق المواطن لحساب حقوق الطوائف». « لمن علمتهم انا؟»، تسأل صباح (49 عاما)، المرأة الأرملة والمعيلة لثلاثة أبناء، يعز على هذه المرأة ان تُمنح امرأة أجنبية الحق في حمل الجنسية اللبنانية وفي إعطائها الى ابنائها من زيجاتها السابقة (من ازواج غير لبنانيين)، فيما تبقى المرأة اللبنانية عاجزة عن منح ابنائها من زوج اجنبي هويتها اللبنانية. تقول المحامية زينة مصري، الناشطة في حملة «جنسيتي كرامتي»، إن المفارقة تكمن في المادة الرابعة من قانون الجنسية، التي تنص على انه إذا انتهت العلاقة بين الزوج اللبناني والمرأة الأجنبية، يحق للأجنبية منح الجنسية اللبنانية لأبنائها من غير الزوج اللبناني. «يحطو قوانين وقواعد واللي بدن ياه، بس يضمنولي انو ولادي ما يتبهدلو بعد ما موت»، تقول ام وسام ردا على ما تسميه «فلسفات وتعقيدات النواب لاقرار هذا الحق». معظم الأمهات ذكرن مراسيم التجنيس التي صدرت في العامين الماضيين لاعتبارات طائفية وتساءلن «هل اجريت لهم فحوص وتبين انهم لبنانيون اكثر منا؟». في هذا الصدد، ذكرت حملة «جنسيتي حق لي ولأسرتي» بهذه المراسيم: بتاريخ ايلول 2013، اصدر رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، مرسوم التجنيس الرقم 10214، الذي قضى بتجنيس 112 شخصاً عربياً واجنبياً، بصورة سرية كشفت عنه احدى الوسائل الاعلامية، دون ان ينشر في الجريدة الرسمية. بتاريخ أيار 2014، اصدر رئيس الجمهورية مرة ثانية مرسوما، قضى بتجنيس نحو 700 شخصاً عربيا» وأجنبيا»، وايضا جرى تسريبه ونشره في الصحف. وأضافت الحملة: «تأكيداً لما سبق؛ فانه في عهد رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان، جرى عبر مرسومين، آخرهما في الاسبوع الاخير من ولايته، تجنيس أكثر من الف شخص من جنسيات مختلفة، الذي جاء وفقاً لاعتبارات طائفية بحتة ومصلحية ضيقة مسقطا كل الحجج التي يرفعها المسؤولون لاعتراض تعديل القانون».