هيئة التنسيق النقابية: تجربة ضائعة

هيئة التنسيق النقابية: تجربة ضائعة
30 Mar
2015

عادت هيئة التنسيق النقابية إلى نقطة الصفر. لم تستطع أن تقرّ خطة بعيدة المدى للتحرك، مكتفية في الفترة المقبلة بالدعوة الى اعتصام «خجول» ينفّذ يوم غد. لم تعد الهيئة تحمل أي موقف نقابي يحثّ الأساتذة والموظفين على متابعة نضالهم، الذي بدأ منذ ثلاث سنوات، وهي اليوم أشبه بالاتحاد العمالي العام، لا تلعب سوى دور الأداة في قمع التململ والاحتجاج والاعتراض

 

حسين مهدي - الاخبار

 

 

دعت هيئة التنسيق النقابية «إلى اقفال المدارس الرسمية والخاصة والإدارات العامة بدءاً من الساعة الثانية عشرة من ظهر يوم الثلاثاء (غداً)، للمشاركة في اعتصام تنظمه عند الساعة الواحدة من بعد ظهر اليوم نفسه أمام وزارة التربية والتعليم العالي في بيروت، وأمام المناطق التربوية في مراكز المحافظات والاقضية». هذه الدعوة الى تحرك خجول ومغال في رمزيته، تندرج في اطار تراجع خطاب الهيئة الى سقف لا يتجاوز «التذكير بالمطالب»، بحسب ما يؤكد أعضاء الهيئة، الذين أقروا التحرّك في اجتماعهم الأخير كعمل «اعلامي»، يحاول لملمة آثار ما حصل ويحصل في رابطة اساتذة التعليم الثانوي ونقضها الالتزام بسقف المطالب المتفق عليها في السابق.

 

لماذا التحرّك الآن؟ وهل عادت الهيئة عن تقييمها الذي استندت إليه لتبرير الاطاحة بحنا غريب، والذي رأت فيه ان التحرّكات في الشارع والسقف المرتفع لم يسفرا عن اي نتيجة؟ في الواقع، خسرت هيئة التنسيق النقابية أوراق ضغط عدة لديها، من دون أن تفكر بخلق أوراق ضغط جديدة، لا سيما أن خيار العودة «الجدّية» إلى الشارع بات مستبعداً، في ظل تكرار التعهّدات الحزبية بعام دراسي هادئ وابتعاد الروابط كثيراً عن قواعدها والآليات الديمقراطية لاتخاذ القرارات فيها. النقاشات داخل الهيئة لم تعد تنتج سوى المزيد من الخلافات، بعضها «مفتعل»، يهدف الى زعزعة وحدة هيئة التنسيق النقابية ومنعها من توسيع قاعدتها التمثيلية. وبعضها «أصلي»، يتصل بالطبيعة الفئوية لمطالب الهيئة وارتكازها إلى «نقابوية» ضيقة مترافقة مع «تبعية» مفرطة للأحزاب في السلطة.

 

ماذا بقي من هيئة التنسيق النقابية؟

 

الاجتماع ما قبل الأخير لهيئة التنسيق النقابية اظهر أنها لم تعد موحدة وأن مكوناتها تتخبّط. أزمة الهيئة ظهرت الى العلن في اليوم الذي عقدت فيه اللجان النيابية المشتركة جلستها المخصصة لمناقشة مشروعي قانوني سلسلة الرتب والرواتب والتعديلات الضريبية. في صباح ذلك اليوم، وقبيل دقائق من سقوط كل الاوهام بإمكانية تمرير زيادة أجور الموظفين العامين والمعلمين والعسكر كمكافأة على التفريط باستقلالية الهيئة عن احزاب السلطة، كان رئيس رابطة الاساتذة في التعليم الثانوي الرسمي عبده خاطر، الذي أخذ محل حنا غريب، يزجّ بالهيئة في نزاعات «صبيانية» بين ابناء البيت «العوني» الواحد. كانت الأوهام تشير الى «توافق» حصل مع رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة على تمرير مشروع لجنة النائب جورج عدوان. تنافس وزير التربية الياس بو صعب ورئيس لجنة المال والموازنة ابراهيم كنعان على أخذ الصورة مع قيادة الهيئة قبل دخول الجلسة. دعاها كنعان للاجتماع معه قبل ترؤوسه جلسة اللجان ومرافقته لها، فسارع بو صعب الى دعوة قيادة الهيئة الى فنجان قهوة في مقهى «اتوال» المواجه لمبنى البرلمان. اصطحب خاطر زملاءه في الرابطة إلى «اتوال» ومعهم رئيس رابطة المعلمين في التعليم الاساسي الرسمي محمود ايوب، فيما ذهب الآخرون الى مكتب كنعان. برر عدد من أعضاء الرابطة ما حصل بـ»سوء تفاهم وتنسيق»، بينما قال رئيس نقابة المعلمين في المدارس الخاصة، نعمة محفوض، إنه «لن يسمح لأحد أن يصادر قرار الهيئة»، فيما اجتمعت الهيئة مساء اليوم نفسه لتقييم ومناقشة ما حصل في محاولة منها لتدارك التصدّع الكبير في صورتها وموقعها. هذا الحادث لم يكن عابراً أو مجرد صدفة أو سوء تنسيق، وكانت هناك صعوبة في تداركه. يقول مصدر من داخل هيئة التنسيق النقابية إن الهيئة «تنشغل دائماً بأخبار رابطة التعليم الثانوي التي تفاجئنا دائماً بطروحات جديدة ومستغربة داخل الاجتماعات»، آخر هذه الطروحات بحسب المصدر كان إضافة مطالب جديدة خاصة بالرابطة تتمثل برفع الدرجة التي يتعيّن فيها الأستاذ الثانوي الى 25 درجة، بعدما اتفق سابقاً على أن تكون 21 درجة بفارق 6 درجات عن التعليم الأساسي، وسبق لرابطة الثانوي أن رفعت مذكرة بمطالب جديدة الى النواب في السابع عشر من آذار، من دون الرجوع الى الهيئة.

هذه المطالب استهلكت ساعات من النقاش داخل الهيئة في اجتماعها ما قبل الأخير بالتحديد. «فبدل أن يتركّز النقاش على كيفية صوغ خطة تحرك طويلة الأمد في حال استمر تقاعس السياسيين عن إقرار السلسلة، عادت الهيئة الى ما قبل نقطة الصفر، فهل القصد هو تضييع الوقت عمداً لتضيع بوصلة النقاش؟» يضيف المصدر، مشيراً الى أن كل هذه الممارسات كانت محط استغراب شديد من قبل أعضاء الهيئة. مصدر آخر من داخل رابطة التعليم الثانوي يقول لـ»الأخبار» إن ما تطرحه الهيئة الادارية للرابطة «إيجابي جداً في سبيل الحفاظ على موقع الأستاذ الثانوي»، إلا أن توقيته «مستغرب جداً، فلم لم تقم الهيئة الادارية للرابطة بتقديم هذا الطرح بعد تسلمها مهماتها أو على الأقل قبل انعقاد اللجان النيابية المشتركة؟»، مصدر آخر داخل هيئة التنسيق يقول: «مش عم نقدر نفهم شو بدن (رابطة الثانوي) فعلياً، ويبدو أن هناك من يقصد لعب دور سلبي داخل الهيئة بهدف تعطيلها». إلا أن عبده خاطر قال إن «الاستاذ الثانوي وجد غبناً بحقه في هذه السلسلة، ولذلك قدمنا هذه المطالب لأن الرئيس نبيه بري في اجتماعنا معه طلب منا تقديم ملاحظات على مشروع السلسلة». يجيبه باقي أعضاء هيئة التنسيق بأن إبداء الملاحظات يتعلق بالبنود الموجودة في مشروع القانون وليس تقديم مذكرة جديدة في سلة من المطالب. ويعتبر خاطر أيضاً أن له الحق في طرح المطالب التي يريد على النواب لأنهم أصحاب القرار، بصرف النظر عن رأي باقي مكونات هيئة التنسيق النقابية. يعترف عدد من أعضاء الهيئة بأن المشهد السياسي طغى على معظم مكونات الهيئة وعملها النقابي، «حتى لو ظهرت معالمه في التعليم الثانوي أكثر من غيره»، فقد بدأت المزايدات من ناحية رفع سقف المطالب الخاصة بكل قطاع، «فكل ما تقوم به الهيئة حالياً يمكن وضعه في سياق الحفاظ على ما تبقى من رصيد للهيئة عند الناس، إلا أنني أرى أن الهيئة ذاهبة باتجاه التفكك»، يقول أحد أعضاء الهيئة. عضو آخر في الهيئة أيضاً يقول «في السابق كان هناك سقف واحد للمطالب، وكانت المطالب الخاصة بكل رابطة منظّمة داخل اطار الهيئة، ولو وجدت بعض التباينات، أما اليوم فالهيئة ابتعدت عن قواعدها ولم تعد تستمد قراراتها وخطواتها من الجمعيات العمومية ومجالس المندوبين بعدما تحالفت القوى السياسية للسيطرة على قيادات الروابط بدءاً من الثانوي والمهني، لتمتد حالياً الى التعليم الأساسي، اذ انطلقت أخيراً انتخابات المندوبين الممهدة لانتخابات الهيئة الادارية». محمود حيدر، رئيس رابطة موظفي الادارة العامة، يربط بين الأدوات الضاغطة، التي يمكن للهيئة استخدامها في مواجهة السلطة، ودور الحزبيين داخلها، فيعتبر أن «الحزبيين مطالبين بأن يكونوا أكثر جرأة في مواقفهم ليكسبوا مواقف داعمة من أحزابهم في سبيل التسريع في اقرار سلسلة من دون ألغام وبنود تخريبية»، ويرى أن الأساس في هذه المرحلة هو العودة الى قواعد الروابط عبر الجمعيات العمومية ومجالس المندوبين. «ما في حدن يستمر من دون ما يحكي باسم القاعدة الشعبية، والعمل النقابي عمل معارض»، يقول نعمة محفوض، تعبيراً عن انفصال الهيئة عن قواعدها وتفريطها بآلياتها الديمقراطية، بخاصة أن عدداً من الروابط تتعمد تأجيل الدعوة الى الجمعيات العمومية ومجالس المندوبين. لكن، حتى مع وجود «مواقف نقابية» داخل هيئة التنسيق النقابية، إلا ان وزن هذه المواقف، بحسب مصدر في الهيئة، لا يبدو مؤثراً في التصدّي لفصل جديد من خطة ضرب رأس الحربة فيها، أي رابطة التعليم الثانوي.

 

 

يلتزم التيار النقابي المستقل المشاركة في الاعتصام انطلاقاً من تنفيذ القرار النقابي الموحد، رغم العديد من الملاحظات على شكل وطبيعة التحرك، الذي جاء بحسب النقابي حنّا غريب من دون العودة الى الجمعيات العمومية ومجالس المندوبين. يرى غريب ضرورة طرح خطة تصعيدية لتأكيد جدية التحرك وأهدافه. لا يظهر في كلام غريب أن هناك آمالاً من تحرك هيئة التنسيق، وبات ملحاً طرح مشروع بديل بعدما «وضعت الأحزاب يديها على الهيئة، وجرى ضرب قرارها المستقل». غريب يرى أن المكونات الموجودة حالياً كانت سابقاً تخضع لسلطة أحزابها، ولكنها بفعل النهج الذي اتبع سابقاً وضغط الشارع كانت تقف في مواجهة أحزابها، ويضيف: «الخضوع الأكبر حصل في الانتخابات حيث وقفوا في وجه من يطالب لهم بحقوقهم (...) أما اليوم فهم يريدون السلسلة المسخ ونحن نطالبهم بالتركيز على محاربة البنود التخريبية داخل مشروع السلسلة والتمسك بنسبة زيادة واحدة لكل القطاعات وهذه هي نقطة الخلاف بين هيئة التنسيق والتيار النقابي المستقل.

الأكثر قراءة