أذكره قبل نحو ربع قرن. في الصف الثانوي الأول. دخل حنّا غريب الصف في ثانوية صيدا للصبيان. أستاذ جديد لمادة الكيمياء. كان علينا أن نترقّب الرجل لمعرفة نقاط ضعفه، حتى نتعبه ونجعله يهرب بأقل الأكلاف. لكنني، بخلاف الزملاء، كنتُ واضح الارتباك. فمن جهة، أنا لا أخالف رأي الغالبية بأنها أيام النضال لا أيام الدراسة. ومن جهة ثانية، كان في اعتقادي، أنا المتدرّج نحو العضوية في الحزب الشيوعي، بأنني سأكون محظياً لأنّ «الرفيق حنّا» سيدرّسنا، رغم أن الرفيق مأمون، الذي أبلغني سابقاً بوصول حنّا، حذّرني من مناداته بلقب «رفيق»: اسمع، إنه صاحب شخصية صعبة. قد يغضب وتصبح خصماً له، وهو يفصل تماماً بين دوره كأستاذ وبين صفته الحزبية.فهمت أنني لن أستطيع المجاهرة أمامه بهويتي السياسية. كان همّي يومها كيف أستغلّ وجوده أمام باقي الزملاء، فكانت حيلتي أن أحمل معي جريدة «النداء»، وأن أظهرها بطريقة ما كي يلتفت إلى الأمر، علّه يأخذ في الاعتبار أنني رفيق. ولو لم يتصرّف علناً على أساس ذلك.لم يطل الوقت، حتى أدركتُ وزملائي أن الأمر معقّد بعض الشيء. داخل الصف، لا مجال لـ«الزناخة»، على حدّ تعبير المختار (حالياً) خالد السنّ. ومتابعة الدرس تتطلّب تركيزاً لأن الرجل يصعب تجاهل ملاحظاته. وفوق ذلك كله، كان حنّا عبوساً وقاسياً إلى حدّ ما. في تلك الأيام (أعادها الله على الشيوعيين بخير) لم يكن ممكناً التقدم بشكوى أو طلب استرحام. أذكر أننا، في السنة التالية، طردنا أحد التلامذة من «حلقة الأصدقاء» لأنه رسب في صفّه. كان عاراً علينا أن يكون بيننا طالب شيوعي لا يقوم بواجباته الدراسية.مرّت الأيام والسنوات، والتقيت حنّا مجدداً في بيروت. كان منخرطاً في العمل نفسه. أواخر الثمانينيات ترك تفرّغه لقطاع الشباب والطلاب، وانصرف لمتابعة ملف المعلمين. ومنذ ذلك الزمن وهو منخرط تماماً، وكليّاً، في المعركة المطلبية الشاملة لتحسين ظروف التعليم الرسمي في لبنان، إدارةً وأساتذة وتلاميذ ومناهج مدرسية.الأسابيع القليلة الماضية أتاحت لغالبية اللبنانيين التعرف إلى حنّا غريب، الأستاذ والنقابي والمناضل، بعدما تعرّف عليه جيلان من الأساتذة، وعدد غير قليل من وزراء التربية والمالية، ورؤساء حكومات تعاقبوا على إدارة فاشلة للقطاع العام. ومن كلّ هؤلاء تسمع الرواية نفسها:ـــ رفاقه في النقابة يتحدثون عن مثابرته، وعن جديته والتزامه العمل من دون توقّف لتحصيل الحقوق. والذين يوجّهون له الانتقادات، إنما يشكون صرامته وعناده، ومَن منهم لا يجد سبيلاً إلى اكتشاف خلل في إدارته، يتحدث عن فرديّته وعناده.ـــ أهل الحكم يشكون «رأسه اليابس». وأحد الوزراء قال مرّة أمامي: «إنه وقح، لا يوفّر المقامات الرسمية، وينسى أنه موظف في حضرة المسؤول عن الإدارات العامة».يتبيّن أن كل هؤلاء يشكون من أنهم غير قادرين على التلاعب معه أو أمامه.ميزة حنّا الأساسية أنه صار بارعاً في ملفّه، يعرفه بكل تفاصيله. ربّما يعرف أكثر من المسؤولين في وزارة المالية لائحة أسماء الأساتذة وكيفية تدرّجهم. وهو، فوق ذلك، يعرف التمييز بين المطالب المحقّة والواقعية، وبين المطالب التي تطحنها السياسة فتودي بها في زواريب المساومات. ولحنّا قدرة على فرض منطقه على زملائه، بحيث يصعب على أحد اختراق جسمه النقابي. لا مجال لأي تهديد. فحنّا، هنا، أقوى من كل الميليشيات، ولا مجال لإغراء، لأن تحقيق المطالب يمثّل الإغراء الأكبر لهؤلاء الأساتذة.لكن الميزة الحاسمة لحنّا، والتي تجعله هذه الأيام شخصاً مختلفاً، تعود إلى عقله وصورته عن البلد.حنّا ابن عكار، هذا القضاء الذي يتعلق بالدولة كل يوم رغم أنها تهرب منه. ابن العائلات المستورة التي تعرف قيمة القطاع العام والدولة الراعية لأفرادها.حنّا، ابن البيئة غير الطائفية التي لا تعرف التمييز بين هذا وذاك ربطاً بطائفته أو مذهبه أو معتقده.حنّا، ابن الدولة الخائف عليها من العصابات المسيطرة على مقدّرات البلد والساعي إلى إعادة الاعتبار اليها كسقف يحمي جميع المواطنين.عدا ذلك، فإن حنّا غريب، النقابي العنيد، الشيوعي غير المنسلخ عن بيئته الاجتماعية، الوطني العابر للمناطق والطوائف، والذي لم يمنعه حاجز طائفي من العبور إلى هنا أو هناك... هذا هو حنّا، القادر على تقديم نموذج منطقي، واقعي، عادل، إنساني، على أنّ البلاد قادرة على إنتاج أكثر المضادات الحيوية فعالية في وجه الطائفية والمذهبية واللصوص والمجرمين.في حالة حنّا غريب، وعلى شكل صورته غير القابلة للتشويه، لا يبقى مجال لكل أنواع الابتزاز، ترغيباً أو ترهيباً، ولا مجال لقمعه باسم «اللحظة الحساسة» و«الظرف غير المناسب»، كما لا مجال لثنيه تحت وطأة ضغوط الأحزاب والقوى المتداخلة مصالحها مع مصالح أهل السلطة.حنّا غريب، يمثّلني!
الاثنين ١١ آذار ٢٠١٣غالباً ما تجد النساء، ضحايا العنف الأسري أو الاغتصاب صعوبة في التبليغ بسبب المجتمع البطريركي الذي يمتدّ إلى ممارسة الدولة. وفي المخافر تعاني النساء من جهل عناصر قوى الأمن في هذه القضايا، لكن المشكلة الأكبر لا تزال في غياب القانون الذي يحمي المرأة من العنف الأسري
زينب مرعيعندما طرقت فاطمة (اسم مستعار) باب منزلها، جاءها صوت ابنها، منزعجاً، من خلف الباب وهو يطلب منها أن تعود لاحقاً، لأنه لا يريدها أن تدخل المنزل في الحين. لكن فاطمة التي تعرف ابنها جيداً، توسّلت وبكت كي يفتح الشاب ابن الثانية والعشرين عاماً الباب. عندما فعل أخيراً، وقفت فاطمة أمام «مذبحة». لقد قام ابنها بتشطيب نفسه، ثم عمد إلى تكسير العبوات الزجاجية في المنزل بين يديه، ليجهز بعدها على قطع الأثاث المتبقية في المنزل.
دخلت فاطمة فملأت رائحة الدم أنفها. أمام مشهد المنزل المحطّم، والدم الذي يسيل من ابنها وعلى الأثاث، شعرت بأنها تقف وسط مذبحة. هذه هي مذبحة فاطمة العائليّة. نظرت إلى ابنها بيأس من أدركت أنّه لم يعد بمقدورها أن تفعل شيئاً لتخلّصه أو تخلّص نفسها، فالولد ابن أبيه، وهذا الوحش الصغير هو ابن ذاك الكبير. وإن كانت فاطمة تخلّصت، بعد جهد جهيد، من زوجها الذي يقال بالطرق اللائقة أنّه يعنّفها، فكيف ستتخلّص من فلذة كبدها؟ تقول إنّه لن يكون لها خلاص سوى بالرحيل عن هذه الدنيا.فاطمة هي امرأة ولدت وعاشت أعوامها السبعة والأربعين في دوّامة من العنف، وهي مثال عن أيّ امرأة لبنانيّة تعيش فصول العنف الأسري في بيت العائلة ثم في بيت الزوج. في صغرها كانت والدتها تحكم البيت بقبضة ذكوريّة. فمنعت بناتها الستّ من التعلم وجنّدتهنّ جميعاً للعمل في الخياطة منذ نعومة أظافرهنّ، وحرّمت عليهنّ الزواج كي لا تفقد مصدر رزقها، وطلبت من أبنائها الخمسة أن يضربوهنّ متى خالفن أوامرها. فتقول فاطمة «وعيت على كفّ جايي وكفّ رايح». رغم أنّ الأم حرّمته، إلا أنّ فاطمة فكّرت أنّ خلاصها الوحيد هو في الزواج. فهربت في أحد الأيام مع أحد الجنود السوريين، المتواجدين آنذاك في لبنان. تزوّجت فاطمة الرجل، وأرسلت لأهلها من يخبرهم أنّها تخلّصت أخيراً منهم. لكن الحياة الحلوة لم تكن بانتظار فاطمة هنا أيضاً. فبعد عشرين يوماً فقط من الزواج، بدأ زوجها وعائلته بتعنيفها. ومع وصول أطفالها الأربعة، توسّعت دائرة العنف لتشملهم أيضاً. وأصبح «للأتلة» أسماء مختلفة، «أتلة الفروج»، التي يقيّد فيها الطفل على عصا بين سريرين أو «أتلة الصليب» التي يقيّده فيها هذه المرّة على خشبة على شكل صليب، ثم إلى مغطس الماء حين يغمى عليه، ليعاود مسلسل الضرب مجدداً. ابن فاطمة البكر تحوّل منذ الحادية عشرة من عمره إلى أداة أبيه. يتركه وصياً عليها وعلى ابنتيها وابنها الصغير كلّما سافر إلى سوريا، فينصّبه «رجل العائلة» في غيابه ليكمل مسلسل العنف ضدّ العائلة. وفي نفس ابنتيها عشّش العنف أيضاً، فكان يتفجّر على شكل شجار دائم بينهما وتعنيف معنوي ولفظي للأم. أمّا ابنها الصغير، فهو في حالة خوف دائمة، تجعله يعيش ملتحماً بأمّه. أما هي، فقد حاولت الانتحار 4 مرّات على الأقل!في حياتها لم تشهد فاطمة سوى هدنتين قصيرتين. الأولى كانت عند دخول زوجها السجن لخمس سنوات، والثانية عند استدعاء ابنها للخدمة العسكريّة في سوريا، فغاب لثلاث سنوات. فصول العنف في حياة فاطمة أكثر من أن تحصى، وهي لم تنجح بالتخلّص من زوجها إلا عندما قرّر البقاء في سوريا ليتّخذ لنفسه هناك زوجة أخرى تونسية تعيش في بريطانيا.إلى بلاد الإنكليز طار زوج فاطمة السابق، تاركاً خليفته، ابنه البكر، وراءه. وإن كان زوج فاطمة السابق قد حافظ على طباعه السيئة في بريطانيا واعتماده على عمل زوجته، إلا أنّه لم يستطع أن يمارس هواياته العنيفة عليها وعلى أطفالها هناك، ونسي «الأتلات» التي اخترعها وأسماءها، ليس لأنّه عاد إلى رشده أو تغيّر بل لأنّه في ذلك الجزء من العالم هناك قانون يحمي المرأة. في بريطانيا، لأنّه لم يعجب الزوجة اعتماد زوجها المالي الدائم عليها وبقاؤه في المنزل، حصلت على الطلاق واحتفظت مع أولادها بالمنزل، بينما خرج هو ليبحث عن عمل وشقّة. تقول فاطمة بحسرة: «كيف لو عمل فيها ربع لعملوا فيني؟». إذ لا يهمّ إن كنّا نأتي إلى هذه الدنيا خيّرين وتفسدنا مجتمعاتنا من بعدها، كما يقول الفيلسوف السويسري روسو، المهم أنّ القانون يجبرنا على أن نكون بشراً.بعد موجات العنف والضرب كانت فاطمة تخرج مع أطفالها الأربعة إلى الشارع. يتابع هو مشاهدة التلفاز بينما تخرج هي إلى الشارع لتبات الليلة من دون مأوى مع أولادها. إذ في لبنان لا قانون يحمي المرأة من العنف أو يضمن حقوقها. لنستمع إليها تروي ما حصل حين حاولت اللجوء للقانون؟في ليلة ظلماء، بعدما كان زوجها قد بدأ بضربها في السادسة مساء، وهي حامل، وتركها قطعة لحم مهشّمة العظام في الرابعة صباحاً، حملت تقاريرها الطبيّة التي تفيد بضرورة بقائها في السرير لشهر كامل وتقارير طبيّة أخرى تصف وضع أولادها الصحّي، وذهبت إلى بعبدا لتتقدّم بشكوى ضدّ زوجها. «تقدّمت بدعوى وانتظرت. أخبروني أنّهم سيرسلونها إلى المخفر وعليّ أن أتابعها هناك. مرّت ستة أشهر وأنا أسأل تارة في المخفر وتارة في بعبدا عن دعواي. في المخفر يقولون لي لم تصلنا الدعوى بعد وفي بعبدا يقولون لي، لا شغل لك هنا سنرسلها نحن إلى المخفر». خلال الستة أشهر تلك، ذاقت فاطمة المزيد من عنف زوجها، وملّت من قضاء وقتها بين المخفر وبعبدا من دون جدوى. عندما كان يضيق بها الحال، كانت تقصد المخفر لتقدّم شكوى. في المخفر، حيث يشربون الشاي، كان العناصر يسخرون منها تارة ويرسلونها للنوم في الشارع مع أولادها تارة أخرى. «لا دخل لنا بين الزوج وامرأته» يقولون لها أو «إذا ما ربّيتي ابنك نحن بدنا نربّيلك ياه»! حتى أنّهم كانوا يطلبون منها أن تذهب وتشكوه إلى حزب الله! «الدولة طلبت منّي أن أتقدّم بشكواي لدى حزب الله! مع ذلك فعلت فأخبروني أنّهم ليسوا الدولة لأقدم شكواي لديهم».هكذا تقضي فاطمة سنواتها في العنف من دون أن تمتد لها يد الدولة. تقول منسقة حملة تشريع حماية النساء من العنف الأسري في منظمة «كفى عنف واستغلال» فاتن أبو شقرا إنّ بعض الاتصالات التي ترد إلى المخافر للتبليغ عن حالة عنف أسري يتمّ الردّ عليها بـ«نحن ما خصّنا، بس تموت ارجعوا اتصلوا فينا»! بالنسبة إليها، يأتي ردّ قوى الأمن سلبياً لأنّهم غير ملزمين بالتحرّك في هذه القضايا بعد. ليس هناك إلزامية للتحرّك أو التبليغ. فلا يبلّغ أيضاً عن حالات العنف ضدّ المرأة إلّا من هو متعاطف مع هذه القضية، فمثلاً الطبيب ليس مجبراً على التبليغ عن حالات العنف التي يعاينها مهما كانت صعبة. وتضيف «في مشروع قانون «حماية النساء من العنف الأسري» الذي صار اسمه «قانون حماية النساء وسائر أفراد الأسرى من العنف» طلبنا قطع قوى أمن متخصصة، في مختلف المناطق، فيها أشخاص مدرّبون على كيفيّة التعاطي مع السيدة التي تعرّضت لعنف، اغتصاباً أو عنفاً أسرياً، كيف يتمّ التحقيق معها، كيفية الحفاظ على خصوصيّتها لتشجيعها على التبليغ. إذ إنّ الكثير من النساء اليوم لا يبلّغن، خاصة في حالات الاغتصاب، بما أنّها ما إن تخرج من المخفر حتى يكون أحد العناصر قد تكفّل بنشر الخبر في القرية مثلاً. كما أنّ المخافر غير مجهّزة. فإذا أراد الطبيب الشرعي أن يفحصها عليه أن يفعل ذلك على سرير العنصر الخاص في المخفر»!بسبب الشكاوى التي كانت ترد عن تصرفات قوى الأمن في المخافر، يقول رئيس شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي المقدّم جوزف مسلّم إنّهم عمدوا إلى إصدار مذكّرة في العام 2010 وموضوعها حسن استقبال المواطنين وكيفيّة التعاطي مع الضحايا بشكل عام. وقد تمّ تدريب العناصر على هذا الموضوع بحسب مسلّم. ويضيف «نحن الآن بصدد تحضير مذكّرة لتلبية نداءات الاستغاثة لضحايا العنف الأسري. في المذكّرة شقّان، نظري وتطبيقي. يشمل الشقّ النظري الاتفاقات الدوليّة عن العنف ضدّ المرأة والإطار العام للعنف الأسري، والجزء العملي هو في كيفيّة تلقي اتصال المرأة المعنّفة، كيفية التحقيق في هذه القضايا وتقديم المعلومات عن الخدمات التي تؤمنّها الجمعيات المدنيّة في هذا الإطار، من المساعدة القضائيّة إلى الإيواء». ويضيف مسلّم أنّه سيبدأ تدريب العناصر على هذه المذكّرة قريباً. لا شكّ أنّ الخطوة إيجابية لكن تبقى العبرة في التنفيذ.مؤخراً قامت فاطمة وسيدة أخرى بإرسال رسالتين إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، تخبرانه فيهما قصّتيهما باختصار شديد. ما كان ردّ دولة الرئيس؟ الردّ نشر في صحيفة «النهار» وجاء فيه «أنّه فور تلقيه الرسالتين كلّف (الرئيس بري) مستشاره الإعلامي علي حمدان الاتصال بممثلات الهيئات النسائية وشرح لهن تأييد رئيس المجلس لهذا القانون رغم الملاحظات النيابية عليه. وأوضح بري أنه ينتظر التئام الهيئة العامة في مجلس النواب لعرض هذا القانون على التصويت «وأن لا إمكانية في مثل هذه الظروف لانعقاد الهيئة في هذه الأيام والبلد غارق في مشروع قانون الانتخاب». أولاً تقول «كفى» إنّ المستشار الإعلامي لبري علي حمدان، لم يتّصل أو يحاول التواصل معهم، حتى الساعة، بأي شكل من الأشكال. ثم يفيدنا مصدر في مجلس النواب، عندما نسأله عن الرسالتين، بأنّ الرئيس بري يتلقى يومياً الكثير من الرسائل! فعلاً؟! تصله إذاً رسائل كثيرة مصبوغة بهذه المعاناة؟ من أين جاءه إذاً كلّ هذا الصبر؟ عشرون عاماً، في رئاسة المجلس ولم يحرّك ساكناً من أجل قانون يحمي المرأة من العنف، والآن يخبرنا بأنّه يؤيّد هذا القانون لكن للانتخابات الأولويّة؟! معظم الأحزاب أعلنت أيضاً تأييدها لهذا القانون. لكن الخوف من أن يكون تأييدهم له يشبه تأييدهم لهيئة التنسيق أو إسقاط النظام الطائفي!يعرف الرؤساء كم سنة قضوا على الكرسي ويتحسّرون عليها، فسنوات الكرسي جيدة من دون شك، أمّا سنوات العنف فكيف تقاس؟ لا يمكنك أن تسأل فاطمة عن السنة التي ولدت، تزوجّت أو رفعت دعوى فيها... أو تلك التي نالت فيها أول كفّ وأول ورم. فهي لا تعرف ولا تعرف ولا تعرف...لم يكن لديها الوقت ولم تكن واعية لتحسبها، هي تريد فقط لهذا العمر أن ينتهي في أقرب وقت ممكن.
عدم التبليغ = عدم الثقة
كلّما تحسّن أداء القوى الأمنيّة واحترمت خصوصيّة مقدّم الشكوى ارتفع معدّل الإبلاغ، خاصة في حالات العنف ضدّ النساء. الأرقام التي اطلعنا عليها رئيس شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي المقدّم جوزف مسلّم تثبت عدم الثقة في التبليغ لدينا. ففي العام 2011، تمّ التبليغ عن 8 حالات اغتصاب فقط، من بينها قضية ميريام الأشقر التي شغلت الإعلام، بالتالي فإنّ الحالات التي تمّ التبليغ عنها هي فعلياً هي سبع! وتضع الإحصاءات العالميّة تسهيل عمليّة التبليغ للضحيّة في أعلى سلّم الحدّ من العنف ضدّ النساء. وتشير إحصاءات شملت 57 دولة أنّ امرأة واحدة من عشر فقط، تبلّغ عن اعتداء جنسي تعرّضت له. كما تشير الدراسات إلى أنّ مستوى التبليغ عن جرائم الجنس التي تتعرّض لها المرأة يرتفع بنسبة ملحوظة إذا ما كان في المخافر عناصر من الشرطة النساء جاهزات للتعامل مع قضايا الاغتصاب خصوصاً. في هذا المجال برزت البرازيل كمثال، سرعان ما اعتمتدته الدول اللاتينيّة الأخرى. إذ إنّ البرازيل أنشأت منذ العام 1985 مخافر مكوّنة من عناصر نسائيّة فقط. في لبنان يقول مسلّم إنّ «التدريبات الجديدة تشمل جميع العناصر من رجال ونساء، لكن انضمام حوالي 1000 رتيب من النساء مؤخراً إلى قوى الأمن، أمر إيجابي بالنسبة إلينا. إذ نحن لسنا فقط بحاجة إلى رتباء من النساء، لكن أيضاً البيئة التي أتى منها الرتيب، رجلاً كان أم امرأة. لذا يجب أن يكون هناك عمل أساسي على تطوير المجتمع بالتزامن مع حركتنا. مهمّتنا أن ندرّب العنصر لكن أيضاً على النساء اللواتي يتعرّضن للاغتصاب مثلاً أن يبادرن إلى التبليغ لأنّ المغتصب شخص عادة ما يكرّر جريمته». في تقريرها عن أحوال النساء في العام 2011، شدّدت الأمم المتحدة أيضاً على القوانين التي تجرّم الاغتصاب والعنف الأسري بما أنّ لا شيء يكبح هذا النوع من الجريمة سوى اليقين بوجود العقاب.
العدد ١٩٥١ السبت ٩ آذار ٢٠١٣يصعب على من لا يعرف رئيس هيئة التنسيق النقابية حنا غريب إلا نجماً على الشاشة أن يفهم معنى الفراغ الذي خلّفه هذا المشاغب لدى تلامذته. لن يفهم بالتأكيد ماذا تعني «يده الثقيلة». هنا، بعض من حنّا الأستاذ بعيون طلابه
راجانا حمية8 ساعات كيمياء بلا حنا غريب. الأمر صعب فعلاً. هناك، في مدرسة مار الياس ـ بطينا، التي صار اسمها من قصد «مدرسة حنا غريب»، عرف المشاغب كيف يخلّف الفراغ. تفصيل صغير فهمه تلامذة الصف الثانوي الأول من غيابه عنهم، هو أنهم «اشتاقوا». ولهذا، صار البعض منهم يشارك في التظاهرات عقب انتهاء الدوام، وفي بالهم هدف واحد هو «رؤية الإستاذ حنا».هذا المكان الذي يفتقد فيه التلامذة الأستاذ حنا، هو نفسه الذي يعاني من «فوبيا حنا غريب». فقد منعت الإدارة تلامذتها من «التطرّق مع الإعلام لموضوعات سياسية». وعيد المعلم؟ هو الآخر ممنوع «لأنهم سيتطرّقون إلى الحديث عن حنا غريب والإضراب والاعتصامات»، يقول أحد الأساتذة سراً. هكذا، صار غريب «ممنوعاً». مع ذلك، يعرف تلامذته، الجدد منهم أو القدامى، أن عيد المعلم هذا العام لا يمكن أن يمرّ من دون تحية له. ولو «بالسرقة». أي بلا اسم.باسم أو من دونه، هذا هو حنا غريب في عيون طلابه.. قبل وبعدما أصبح نجماً. الأستاذ الذي لا «يغيّره شيء، مهما مرّ من العمر»، يقول نديم خوري، الطالب الذي تعلم في مار الياس قبل عشر سنوات، ورأى أستاذه على الشاشة بعد كل هذا الغياب. حينها، قال الطالب الذي صار أستاذاً هو الآخر، «هيدا هو حنا غريب، ما تغيّر»، وبابتسامة لا تخلو من بعض المرح، يتساءل «هيدا الأستاذ، بس وين جاكيت الجلد؟».بعد عشر سنوات، لم يتغيّر في حنا إلا «الجاكيت». تعاقب السنين لم يغيّر في المشاغب شيئاً. حتى لكنة ريفه الهاربة منه بعفوية.ثمة ما يميّز غريب، بعيون طلابه: صدقه وعطاؤه بلا منّة. يعرفون أنه في تلك اللحظات التي يكون فيها مطالباً في الشارع، «يكون صافياً بلا خلفيات ويعطي من قلبه تماماً كما يشرح لنا درسنا». يتذكر خوري الكثير من أستاذه، ما يختبره تلامذة غريب اليوم. يذكر أنه «ولا مرّة خلّصنا الحصة قبل رنّة الجرس، على قدّ ما بيشرح». وهذا كافٍ في ذاكرة طالب ليحفظ اسم أستاذ «أعطانا الكثير من قلبه، بلا منة». الأمر نفسه يختبره طلاب كثيرون اليوم يفتقدون غريب في الصف «بعدما اكتشفنا أن الكيمياء لا تليق إلا له»، يقول ربيع. هذا الاكتشاف يأتي، برغم «إيد أستاذ حنا الثقيلة اللي آخذة على الناقص، فيها شوية لؤم». تلك اليد التي يشبهها رفاق ربيع «بالبورصة الهابطة باستمرار». يشرح ربيع ما تعنيه كلمة البورصة، فيقول «يعني أقل غلطة -2، وانتبهي الناقص دغري بتاخديه، على عكس الزائد الذي يحتاج لجهد كبير لم أصل إليه يوماً، وإن وصلت إليه لاحقاً فتأكدي أنه سيكون إنجازاً». لكن، هذه اليد ليست دائماً ثقيلة، «ففي إحدى المرات، قام بجولة على دفاترنا ووضع علامات زائدة على فروضنا، لنكتشف بعدها أننا مقصرين في امتحاناتنا وبهذا حاول مساعدتنا»، يتابع.هذه الحادثة، غيّرت «الجدي الدائم» في نظر ربيع، فصار له صفة أخرى «حنون وحريص علينا». وقد اكتشف الطالب هذا الحرص في فورات الغضب «ففي تلك اللحظات، لا يضرب، بل يقول لنا: شوفوا أهلكن أديش عم يدفعوا عليكن، أكتر من دم قلبهن». لكن، لا يتلقى الأستاذ كل الفورات بهذا الهدوء «ففي لحظات التعصيب القوية يصبح من الصعب الأخذ والعطا معه، ويصبح السكوت هو أفضل الحلول خوفاً من شي ناقص علامتين»، يقول كريم، طالب مدرسة الوطى الرسمية التي يدرّس فيها غريب أيضاً. يتذكر كريم أنه في إحدى المرات، كاد غريب أن يخرج عن طوره «عندما قال لأحد زملائنا قوم طلاع على اللوح، فما كان من الأخير إلا أن عربش على اللوح». وفي أحيان كثيرة، قد يكتفي غريب برمي «طبشورة في وجه الطالب المشاغب أو على طاولته». مع ذلك، ثمة جانب من «الهضامة في شخصيته، خصوصاً عندما يلاحظ أن الصف قد انطفى، وغالباً ما يكون مضحكاً في نكاته والألقاب التي يطلقها على حين غفلة والتي عادة ما تكون صائبة، مثلاً يا أبو شهاب تفضل على اللوح». أما أجمل ما في غريب، فهو ما اكتشفه الطلاب بعدما صار نجماً يرونه على الشاشة، وهو «تلك اللكنة الجبلية التي لم نكن نسمعها في الصف». أما الاكتشاف الجديد فهو أن الأستاذ «يتكلم العربية، وقد اكتشفت ذلك عندما سمعته على التلفزيون، لأنه في الصف يشرح الدرس ويكلمنا باللغة الفرنسية». ويبقى الأطرف في كل هذه الروايات، ما فعله بعض الطلاب في مدرسته، عندما رأوه للمرة الأولى على الشاشة. صار الأستاذ نجماً وراحوا يطلبون منه «توقيع أوتوغراف»... على ذمة طلاب واعين، اعتادوا رؤية أستاذهم «منجّماً دائماً».
السبت ٩ آذار ٢٠١٣تجاهر الحكومة بمخالفة الدستور والقوانين عبر فصل تصحيح سلسلة الرواتب عن الموازنة. إلا ان صيغة مشروع موازنة عام 2013 التي احالها وزير المال اخيرا تجاهر بما هو ابعد من ذلك بكثير:القضاء على ما بقي من الدولة ولها
محمد زبيبيصحّ وصف المشروع الجديد لموازنة عام 2013 (المتأخّر تقديمه 6 اشهر عن موعده الدستوري، وفي ظل عدم وجود موازنة للدولة منذ عام 2006) بأنه «مشروع فاجر». فعلى الرغم من انه يتضمّن اجراءات ضريبية جديدة تدرّ ايرادات اضافية للخزينة العامّة بقيمة 1410 مليارات ليرة (معظمها رسوم وضرائب على الاستهلاك والخدمات، ولا سيما الاتصالات ووسائل النقل واالاجهزة الالكترونية والكهربائية)، الا انه لم يلحظ سوى 750 مليار ليرة لتسديد سلفة غلاء المعيشة للموظّفين والمعلّمين والمتعاقدين (الذين ينفّذون اضرابا مفتوحا للاسبوع الثالث)
، وترك بقية كلفة تصحيح سلسلة الرواتب البالغة نحو 700 مليار ليرة (بحسب المشروع القديم) معلّقة خارجه، علما ان المشروع نفسه تضمّن كل الاقتراحات المتداولة لتمويل هذه الكلفة، ما عدا الاقتراح «السيئ الذكر» الرامي الى زيادة عامل استثمار البناء (او ما يُعرف بطابق ميقاتي)! كما انه اطاح قسماً مهماً من الانفاق الاستثماري (الغاء نحو 535 مليار ليرة كانت مخصصة لمشاريع حيوية) وعطّل الاثر الايجابي المُفترض من تكليف الريوع بالضريبة عبر مسايرة مصالح الريعيين، واعفائهم في معرض تكليفهم (ولا سيما الضريبة على ارباح البيوعات العقارية التي صممت للتهرّب منها، وكذلك تخفيض الغرامات على احتلال الاملاك العامّة البحرية بنسبة 60% دفعة واحدة)!
ماذا في مشروع الموازنة الجديد؟
يتضمن المشروع نفقات عامّة بقيمة 21 الفا و229 مليار ليرة في مقابل ايرادات عامّة تقدّر بنحو 15 الفا و984 مليار ليرة، اي إن العجز سيبلغ نحو 5245 مليار ليرة، وما نسبته 24.7% من مجمل النفقات. وتقدّر خدمة الدين العام الملحوظة في الموازنة (وهي لا تمثّل كل كلفة الدين العام) بنحو 5700 مليار ليرة، اي ما نسبته 27% من النفقات، و35.7% من مجمل الايرادات. وهذا يعني ان المشروع يستهدف تحقيق فائض اولي بقيمة 455 مليار ليرة، اي إن الدولة ستجبي ايرادات من المقيمين اعلى من نفقاتها عليهم من دون احتساب كلفة خدمة الدين العام، التي تجسّد الشكل الابشع لاليات التوزيع بالمقلوب، التي تنطوي على تحويل للثروة من جيوب ذوي الدخل الادنى الى جيوب ذوي الدخل الاعلى (المكتتبون بالدين العام والمصارف على رأسهم).وخلافاً لتهويلات اصحاب الرساميل وممثليهم في الحكومة، تبلغ المخصصات والرواتب والاجور وملحقاتها في مشروع الموازنة الجديد (بما فيها التقديمات والاشتراكات) نحو 4903 مليار ليرة، يضاف اليها نحو 1850 مليار ليرة لمعاشات التقاعد (1500 مليار ليرة) وتعويضات نهاية الخدمة (350 مليار ليرة)، اي ما مجموعه 6753 مليار ليرة، او ما نسبته 31.8% من النفقات الاجمالية (وهي نفقات لا تعبّر باي حال من الاحوال عن المهمات المطلوبة من الدولة حالياً بسبب الضغوط الممارسة لمصادرتها، وجني الريوع الطائلة منها)، ولا تبلغ حصّة الاجور والرواتب من دون معاشات التقاعد وتعويضات نهاية الخدمة سوى 23.09% من النفقات الاجمالية، اي اقل من خدمة الدين العام التي لا يريد أحد في الحكومة مقاربة كلفتها، علما ان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة اعلن مرارا ان كل 1% من الفائدة المدفوعة على الدين العام يساوي نحو 900 مليار ليرة على الخزينة العامّة سنويا، بمعنى ان اجبار المصارف وبقية الدائنين (وهو ما فعلته دول عدّة) على تخفيض الفائدة على الدين العام القائم بنسبة 1.5% يوفّر نحو 1350 مليار ليرة، وهو مبلغ كاف لتمويل كلفة تصحيح سلسلة الرواتب وتسديد غلاء المعيشة، وبالتالي يفسح في المجال لاطلاق برنامج استثمارات عامّة لتطوير البنى التحتية وشبكات الحماية الاجتماعية عبر فرض ضرائب «معتبرة» على ارباح الريوع المالية والعقارية وتغريم محتلي الاملاك العامّة (ثم ازالتها لا قوننتها) وجباية الضرائب المستحقة على الارباح والمداخيل، اذ تقدّر الايرادات الممكنة من هذا النوع من الضرائب والاجراءات بما لا يقل عن 3 الاف مليار ليرة سنويا عدّاً ونقدا، وهذا هو المطلوب اليوم لمواجهة المخاطر التي تهدد اللبنانيين بفعل المتغيّرات المحلية والاقليمية، فالمعروف ان هذا النوع من الضرائب وتخصيصه للتنمية الاقتصادية والاجتماعية سينطوي على تعديل مهمّ في نمط الاقتصاد اللبناني والنظام السياسي، كما ينطوي على نقل جزء من الثروة الريعية وتوزيعه على اكثرية اللبنانيين، وفقا لمفهوم «الأجر الاجتماعي» الذي طرحه وزير العمل المستقيل شربل نحّاس في العام الماضي، ولا سيما مشروع التغطية الصحّية الشاملة، وخط سكّة الحديد من الناقورة الى عكّار، وهما مشروعان يمكن ان يؤسسا لنمو اقتصادي هائل مع استثمارات ضرورية في الكهرباء والمياه والاتصالات والصرف الصحي!
الخيارات القاتلة
لا تريد هذه الحكومة ان تكون مختلفة، بل تمعن في الاساءة الى الدولة والمجتمع من خلال اصرارها على تمثيل مصالح اصحاب الرساميل والثروات الريعية، إضافة الى مصالح «المقاطعجية» الحاكمين، فبدلاً من اللجوء الى خيارات التصحيح المتاحة عبر مشروع الموازنة للرد على «التهويل» بالانهيار اذا جرى تصحيح الاجور (تراجعت حصّة الاجور من الناتج المحلي من 55% في السبعينيات، الى 35% في التسعينيات، الى اقل من 25% حالياً، وبالتالي ارتفعت حصّة الارباح والريوع من 45% الى 75%)، تعمد الى ما يلي، بحسب ما جاء في مشروع الموازنة الجديد:اولا- إلغاء اعتمادين بقيمة 1450 مليار ليرة وآخر بقيمة 70 مليار ليرة (للمؤسسات العامّة) جرى لحظهما سابقاً لتغطية كلفة تصحيح سلسلة الرتب والرواتب، والاكتفاء بلحظ مبلغ 750 مليار ليرة ضمن باب الاحتياطي، وذلك لدفع غلاء معيشة لعام 2013 لموظفي الإدارات العامة، ومبلغ 50 مليار ليرة للمؤسسات العامة للغاية نفسها.ثانيا- تخفيض الانفاق الاستثماري والاجتماعي، منها اعتماد بقيمة 90 مليار ليرة من الاعتماد المخصص لتنمية مختلف المناطق. وإلغاء المساهمة المخصصة لإعادة بناء خزانات النفط في طرابلس والزهراني، والبالغة 37.5 ليرة. وتخفيض اعتمادات الأعمال الإضافية بنسبة 50%، وتخفيض نفقات الاستشفاء في القطاع الخاص لوزارة الصحة بحوالى 85.9 مليار ليرة. وتخفيض بند التجهيزات بمختلف نبذاته لغالبية الإدارات العامة بنسبة 75%، وإلغاء قانون البرنامج المتعلق بتوسيع شبكة الغاز الطبيعي ضمن الأراضي اللبنانية والبالغ 255 مليار ليرة لعام 2013، إضافة إلى إلغاء قانون برنامج في وزارة الداخلية والبلديات لمعالجة مشكلة مكب النفايات في صيدا وبناء الحاجز البحري.
الإجراءات الجديدة: دعم الريع في معرض تكليفه بالضريبةالتعديلات التي أُدخلت على النفقات في مشروع الموازنة الجديد ضحّت بحاجات اساسية بهدف مسايرة «الريعيين». ليس في هذا الحكم اي مبالغة او مغالاة، فقد ادّت هذه التعديلات (انظر التقرير اعلاه) إلى تخفيض إجمالي النفقات المقدرة لعام 2013 نحو 1779 مليار ليرة مقارنة بالمشروع السابق، لكن في المقابل جاءت التعديلات على جانب الايرادات بالمقلوب تماما، أي إنها رتّبت اعباءً على ذوي الدخل الادنى ومنحت الريعيين مكاسب لم يحلموا بها سابقاً، كيف؟يقتصر المشروع على إجراءات ضريبية لا تصيب فعلياً الثروات المتراكمة بفعل المضاربات المالية والعقارية والاحتكارات وريوع احتلال الاملاك العامّة والاستحواذ على العقود والامتيازات... وعلى الرغم من ذلك ستحقق هذه الاجراءات ايرادات اضافية تقدّرها وزارة المال بنحو 1410 مليارات ليرة (علماً ان زيادة الايرادات الاجمالية ستبلغ 1973 مليار ليرة مقارنةً بالمحصّل في العام الماضي، وهي زيادة كبيرة جدّاً والمصدر الاساسي الضرائب على الاستهلاك، وبنيت على فرضية تحقيق نمو اقتصادي فعلي بنسبة 2.5% ومعدّل تضخم بنسبة 3.6%).من أين ستأتي الإيرادات الإضافية؟يتضمن المشروع الجديد كل الاجراءات (تقريباً) التي جرى عرضها بحجّة تمويل كلفة تصحيح سلسلة الرواتب التي بقيت خارج الموازنة، وهذا يمثّل خطرا فعليا على السلسلة، اذ إن البحث عن مصادر تمويلها سيضيق اكثر فاكثر، وستتعزز الحجج المستخدمة لتأجيل تنفيذها الى العام المقبل، وهو ما تطالب به هيئات اصحاب العمل والرساميل.هذه الاجراءات تتوزّع على 39 مادّة في المشروع المعروض، واكثرها يحتاج الى تدقيق كبير لكونه ينطوي على تعديلات في القوانين الضريبية الاساسية، الا أن بعض هذه الاجراءات واضح جدّا في مراميه، إذ إنّه بذريعة البحث عن تمويل اضافي للخزينة يجري اقتراح رزمة من الضرائب «الخبيثة»، اهمّها:- قوننة سلوك المضاربين العقاريين الذين يتهرّبون من تسديد رسوم التسجيل لدى الدوائر العقارية عبر فرض رسم بنسبة 2% من قيمة اتفاقيات وعقود البيع العقاري المنظّمة لدى كتاب العدل او غيرهم، وينص المشروع على حسم هذا الرسم من رسم التسجيل الاساسي بدلا من ان يكون بمثابة غرامة اضافية لفرض التسجيل حصراً لدى الدوائر العقارية.- تسوية مخالفات البناء من 1/1/1994 الى 31/12/2010، وهو ما يمثّل هدية دسمة للمخالفين على حساب الملتزمين بالقوانين.- اخضاع ارباح التفرّغ عن العقارات (المبيعات العقارية) لضريبة بمعدّل 15%، الا ان المشروع يطيّر مفاعيل هذه الضريبة من خلال عدم اخضاع الخاضعين للضريبة على الدخل وتجّار العقارات، ومن خلال السماح للجميع باعادة تقويم استثنائية لقيمة عقاراتهم وتخفيض الضريبة المتوجبة على هذه العملية الى ما بين 1.5 و3% فقط، ما يعني ان الارباح التي ستترتب عليها الضريبة لاحقا ستكون قد هُرّبت من خلال اعادة تقويم اسعار العقارات قبل بيعها.- تخفيض الغرامة على احتلال الاملاك العامّة البحرية من 5 اضعاف قيمة الرسم المتوجب على المرخّص له بإشغال مثل هذه الاملاك الى ضعفي القيمة فقط، مع امكانية التقسيط لثلاث سنوات (انظر النص في مكان اخر من الصفحة).4- توسيع شطور الايرادات الصافية الخاضعة لضريبة الاملاك المبنية على نحو تستفيد منها الشطور العليا اكثر من الدنيا، إذ على سبيل المثال لا الحصر، تستحق حاليا ضريبة بنسبة 11 % على الشطر الذي يراوح بين 60 مليون ليرة و100 مليون ليرة، ثم ترتفع الضريبة الى 14% على الشطر فوق الـ100 مليون ليرة. الا ان المشروع يقترح توسيع الشطر الذي تصيبه الضريبة بنسبة 11% ليبلغ سقفه 200 مليون ليرة.- زيادة الضريبة على ربح الفوائد من 5% الى 7% والابقاء على اعفاء المصارف نفسها من موجب تسديد هذه الضريبة، علما ان هذه الضريبة لا تزال دون معدّل الضريبة على الارباح والاجور.- زيادة الضريبة على القيمة المضافة من 10% الى 15% على اجهزة الهاتف الخلوي والادوات الكهربائية والسيارات الجديدة والمستعملة (وقطع الغيار) والسلمون والقريدس والكافيار في حين لا تزال المجوهرات واليخوت معفاة على سبيل المثال. والمعروف ان اثر رفع هذه الضريبة على اجهزة الاتصال والالكترونيات يؤثّر سلباً في نشاطات اقتصادية واسعة، ولا سيما أنها تترافق مع فرض رسوم ثابتة بقيمة 1500 ليرة على كل فاتورة شهرية للهاتف الثابت والانترنت، و2500 ليرة على كل فاتورة شهرية للهاتف الخلوي.- زيادة رسوم الطابع على اختلافها ورفع رسم الطابع على رخصة البناء والرسوم على استهلاك المشروبات الروحية ورسوم كتابة العدل والمغادرة عبر المطار والبحر.- تنزيل مبلغ 9 ملايين ليرة بدلا من 6 ملايين ليرة من الايرادات الصافية الخاضعة لضريبة الاملاك المبنية.
غرامات على الإشغال غير القانوني للأملاك العمومية البحرية
يفرض على كل مَن شغل أو مَن يشغل خلافاً للقانون، أملاكاً عمومية بحرية، تسديد غرامات عن كامل فترة شغله المخالف للقانون دون أن يمنحه تسديد تلك الغرامات أي حق أو مكسب من أي نوع كان، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر اعتباره مرخصاً له بالشغل.تفرض تلك الغرامات عن كل سنة، اعتباراً من تاريخ الشغل، وتحدد قيمتها بما يعادل ضعفَي قيمة الرسوم المتوجبة على الإشغالات المماثلة المرخص لها.لا تخضع هذه الغرامات لأي تسوية من أي نوع كان، ويجب تسديدها في مهلة لا تتجاوز ستة أشهر من تاريخ نفاذ هذا القانون، وتستحق غرامة تحصيل بمعدل 2% شهرياً من قيمة المبالغ غير المسددة اعتباراً من انتهاء المهلة المشار إليها أعلاه، ويعدّ كسر الشهر شهراً كاملاً.يمكن تقسيط هذه الغرامات لمدة ثلاث سنوات غير قابلة للتمديد. تحدد قواعد ودقائق تطبيق هذه المادة بموجب مرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير المالية ووزير الأشغال العامة والنقل.
زيادة الضريبة على القيمة المضافة
يعدّل نص المادة 25 من القانون رقم 379 تاريخ 14/12/2001 (الضريبة على القيمة المضافة) بحيث يصبح كما يلي: إن معدل الضريبة هو عشرة في المئة (10%)، وخلافاً لأي نص آخر، تخضع للضريبة بمعدل 15% العمليات والخدمات التالية:1 ـ عمليات استيراد وتسليم:ـ الأجهزة الخلوية وقطع الغيار العائدة لها.ـ السلمون والقريدس والكافيار على جميع أنواعها.ـ كافة الأدوات الكهربائية وقطع الغيار العائدة لها باستثناء تلك المستعملة لغايات صناعية فقط.2 ـ عمليات استيراد المركبات البرية المستعملة وغير المستعملة وقطع الغيار العائدة لها.تحدد دقائق تطبيق هذه المادة بموجب قرار يصدر عن وزير المالية.
ضريبة على الأرباح من تفرغ الأشخاص المعنويين
أولاً: تخضع للضريبة بمعدل خمسة عشر في المئة (15%) أرباح التفرغ عن العقارات التي تعود لأشخاص طبيعيين أو معنويين غير خاضعين للضريبة على الدخل، أو كانوا يتمتعون بإعفاءات دائمة أو خاصة أو استثنائية من تلك الضريبة، كما تخضع لهذه الضريبة أرباح التفرغ عن العقارات التي تعود لأشخاص طبيعيين خاضعين للضريبة على أساس الربح المقدر أو المقطوع أو الحقيقي ولا تشكل هذه العقارات أصلاً من أصول مهنتهم أو موضوع متاجرة بالنسبة إليهم.تستثنى من الضريبة أرباح التفرغ عن منزل السكن الأساسي للشخص الطبيعي.يستحق على الأشخاص المشار إليهم أعلاه، عند التفرغ عن أي عقار، التصريح عن عملية التفرغ وتسديد الضريبة المستحقة عنها خلال مهلة شهرين من تاريخ التفرغ.يجوز لهؤلاء الأشخاص الحقيقيين والمعنويين ولمرة واحدة وضمن مهلة سنة من تاريخ نفاذ هذا القانون، إجراء إعادة تقويم استثنائية لتلك العقارات لتصحيح آثار التضخم النقدي الناتج عن التغيير في قيم تلك العقارات اعتباراً من سنة 2006، وتخضع القيمة المخمنة الناتجة عن إعادة التقويم للضريبة وفقاً لما يلي:ـ 3% من القيمة المخمنة للعقارات غير المبنية المملوكة بتاريخ سابق لأول كانون الثاني من سنة 2007.ـ 2.5% من القيمة المخمنة للعقارات المبنية المملوكة بتاريخ سابق لأول كانون الثاني من سنة 2007.ـ 2% من القيمة المخمنة للعقارات غير المبنية المملوكة في الفترة الممتدة ما بين 1/1/2007 وتاريخ نشر هذا القانون.ـ 1.5% من القيمة المخمنة للعقارات المبنية المملوكة في الفترة الممتدة ما بين 1/1/2007 وتاريخ نشر هذا القانون.يجب أن لا تزيد قيمة العقارات المعاد تقويمها عن سعر السوق بتاريخ صدور هذا القانون.ثانياً: تخضع للضريبة وفقاً للأصول العادية المحددة في قانون ضريبة الدخل أرباح التفرغ عن العقارات المبنية وغير المبنية التي تعود لأشخاص طبيعيين ومعنويين خاضعين للضريبة على الدخل على أساس الربح الحقيقي أو المقطوع، وتمثل هذه العقارات أصلاً من أصول مهنتهم أو موضوع متاجرة بالنسبة إليهم، كما تخضع لهذه الأصول أرباح التفرغ عن العقارات التي تمثل أصلاً بالنسبة إلى مكلفي الربح المقدر.ثالثاً: يرفع معدل الضريبة على الربح الناتج عن إعادة تخمين عناصر الأصول الثابتة للمؤسسات المشار إليها في البند أولاً من المادة 45 من قانون ضريبة الدخل من 10% إلى 15%.رابعاً: يرفع معدل الضريبة على ربح التحسين المشار إليه في البند ثالثاً من المادة 45 من قانون ضريبة الدخل، الناتج عن تفرغ المكلفين، مهما كانت طريقة تكليفهم، كلياً أو جزئياً عن أصولهم الثابتة من 10% إلى 15%.عند مخالفة أحكام هذه المادة تفرض الغرامات المنصوص عليها في القانون رقم 44 تاريخ 11/11/2008 (قانون الإجراءات الضريبية).تحدد دقائق تطبيق هذه المادة بقرار يصدر عن وزير المالية.
الاثنين ١١ آذار ٢٠١٣الرفيق، القائد، المناضل، الرئيس الثائر... ألقاب عديدة تركها خلفه الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز، الذي أعلنت وفاته أمس بعد صراع طويل مع مرض السرطان، بعدما طبع مرحلة سياسية فريدة من عمر أميركا اللاتينية، أعادت إلى القارة مدها اليساري وتعاطفها مع قضايا المستضعفين في العالم. لم يكن تشافيز مجرّد رئيس، بل مثّل حالة أخذت بالتمدد، وبالتأكيد لن تتوقف بوفاته
معمر عطوي
قد يكون الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز خسر معركته مع الجسد، بعدما تمكن مرض السرطان أمس من التغلب عليه إثر صراع طويل، لكن الأكيد أن «الكومنداتي» ربح معركة أكبر ستحفر في التاريخ تاريخاً جديداً يمتد إلى سنوات وسنوات مقبلة. الرفيق الراحل شهد خلال حياته على إرهاصات هذه المرحلة التي لن تنتهي برحيله، فالحالة لم تعد فنزويلية، بعدما تخطى الراحل حدود وطنه إلى عموم القارة اللاتينية. ولعل الشخصيات المتربعة على رئاسة العديد من الدول في القارة تشهد على أن «الحالة التشافيزية»، التي حاولت الولايات المتحدة وحلفاؤها احتواءها، باتت ظاهرة عصيّة على التدجين.
الخسارة ليست، ولن تكون لاتينية، بل أممية، وفق ما أراد الرئيس الراحل، الذي سعى إلى مناصرة قضايا المظلومين في العالم، وعمد إلى مواجهة غزوات الإمبريالية الأميركية العسكرية والسياسية والاقتصادية. ولعل الخسارة العربية ستكون الأبرز. كيف لا والرجل كان المدافع الأول عن القضية الفلسطينية وحق المقاومة، حتى أنه اعتبر نفسه ناصرياً، إلى حد أطلق عليه وصف «فتى العروبة الأغرّ».
«تشافيز مات... آخر خبر على الراديوهات». جملة كان من الممكن أن يغنيها الشيخ إمام لو كان لا يزال حياً، تكريماً للرفيق الراحل، كما كرّم الثائر الأممي أرنستو تشي غيفارا. في تلك الأغنية، التي كتبها الشاعر أحمد فؤاد نجم، نعي للمناضل الأرجنتيني، لعله ينطبق تماماً على الراحل الفنزويلي. «مات المناضل المثال... يا ميت خسارة عالرجال»، تعبير يليق بالرئيس العصامي الثائر، الذي شق طريقه نحو الرئاسة الفنزويلية بمسيرة نضالية طويلة، بدأها مبكراً من صفوف الجيش، وأدت به المنفى والسجن والانقلاب والانقلاب المضاد، قبل أن يصبح شخصيّة أممية يبكيها المستضعفون في العالم من أقصاه إلى أقصاه.
تشافيز ليس مجرد ضابط نجح في الانقلاب على النظام السابق ليتولى زمام الأمور، ولا هو رجل سياسي أتى ليُنفّذ برامج دول أو منظمات خارجية على غرار العديد من زعماء دول العالم. فهوغو رافاييل تشافيز فرياز، أصبح في كانون الأول عام 1998 أصغر رئيس في تاريخ فنزويلا ليحوّلها الى جمهورية بوليفارية ثورية تحاكي كوبا، قلعة قائده الروحي فيدل كاسترو.
صاحب القميص الأحمر الشهير، الذي وُلِد في 28 تموز عام 1954 في الكوخ الطيني لجدته روزا إنيز تشافيز في قرية سابانيتا الفقيرة المعدَمة، ظل وفيّاً للفقراء الذين عايشهم في أفقر أحياء بلد يعوم على النفط. فمنذ تسلّمه السلطة بعد انتخابات ديموقراطية في 6 كانون الأول عام 1998، عكف تشافيز على تشكيل دستور جديد للبلاد يستوحي أفكار محرر معظم دول أميركا اللاتينة من الاحتلال الإسباني سيمون بوليفار (1783 – 1830).
هذا الانجاز، الذي استمر حتى الآن رغم ما تعرض له حكمه من محاولات انقلاب واحتجاجات وضغوط أميركية، لم يكن وليد لحظته، إذ إن الجنرال الأحمر عمل عليه لسنوات طوال. فالطفل، الذي تكفلت جدته روزا بتربيته لانشغال والديه بمهنة التدريس، كان مولعاً بالبيسبول، ولم يكن يستخدم في هذه اللعبة، بسبب فقره المدقع، سوى الأخشاب المصنوعة باليد كعصي لضرب الكرة. وقد يكون حبّه لهذه الرياضة أحد أسباب التحاقه بالأكاديمية العسكرية لكراكاس عام 1970، حيث تخرّج منها عام 1975برتبة مقدّم وحصل على شهادة «ليسانس» في العلوم والفنون العسكرية. ثم ترفع لرتبة عقيد في الجيش عام 1990.
شخصية الثائر الأممي بدأت تتشكل في الجيش. فالرجل عُرف بحبه الشديد للقراءة، وتأثر بالأفكار الاشتراكية، وخصوصاً التجربة الكوبية. لذلك كان يحاول دائماً المزاوجة بين نظريته في الاشتراكية العلمية وانتمائه للديانة المسيحية، حتى أنه اعتبر المسيح أول اشتراكي في التاريخ.
وفيما كانت الطبقة الحاكمة وكبار الضباط في الجيش يتقاسمون ما ينهبونه من عوائد النفط الذي تشتهر به فنزويلا، كان الضابط الذي تربى على حكايات أبطال التحرير، التي كانت جدته ترويها له منذ نعومة أظفاره، يساهم في تشكيل حركة عسكرية سرية أطلق عليها جيش تحرير الشعب الفنزويلي (ELPV). كما أسس في العام 1982، «الحركة الثورية البوليفارية» MVR وهي حركة يسارية تعلن أنها الناطق السياسي باسم فقراء فنزويلا.
ماركس الملهم
المفارقة الجميلة في حياة الضابط الأحمر، أنه بدلاً من أن يطيع أوامر ضباطه في قمع حركات الاحتجاج الشعبية على الفساد، كان يدعم هذه الحركات. ولعل ذهنيته المعارضة، التي تأسست على معايشة معاناة الشعب الفنزويلي، رغم الثروة الطبيعية من الذهب الأسود، هي التي ساهمت في تشكبل وعي الشاب الطموح الذي استفاد من برنامج إعادة هيكلة الأكاديمية العسكرية. برنامج كان يعتمد على تثقيف الضباط بدراسة متعمقة لبيان الحزب الشيوعي، ومعظم المؤلفات الماركسية، بهدف مواجهة الحراك الشيوعي في المنطقة آنذاك، إلا أن الأمر جاء على نحو مختلف مع تشافيز الذي خضع لدراسة مقارنة بين ما كان يقرأه من أفكار شيوعية تحررية وما روته له روزا عن الأبطال المحررين للبلاد من الاستعمار وناهبي الثروات القومية.
فتاريخ الزعيم الثوري كان النبع الأول الذي نهل منه، ليؤسس في ما بعد علاقات قوية وواسعة مع مجموعة من الأحزاب الشيوعية واليسارية، ويساهم في تشكيل الخلايا الانقلابية السرية، بدءاً بجيش تحرير المجتمع الفنزويلي، ومروراً بالحركة الثورية البوليفارية، وانتهاءً بحركة الجمهورية الخامسة، التي ترأسها في العام 1997، بالتزامن مع تسلمه وزارة الداخلية التي لم يدم فيها طويلاً اذ سرعان ما تحوّل الى المعارضة بسبب بعض الخلافات مع السلطة.
لعل نقطة الصفر في سياق نضال الرجل من أجل تغيير السلطة بدأت في 4 شباط 1992. يومها ترأس تشافيز حركة الضباط الشباب للقوات المسلحة، ليعلن تمرده على نظام اجتماعي وسياسي كان ينخره الظلم والفساد. بيد أن امكاناته الذاتية والظروف الموضوعية لم تسمحا له بإطاحة حكومة الرئيس السابق كارلوس أندرياس بيرس. لذلك كان مصيره السجن الذي قضى فيه عامين تمكن خلالهما من تشكيل نواة شبابية لعمله الثوري من وراء القضبان.
في العام 1994، كان خروجه من السجن مناسبة ليتنفس هواء العمل الثوري بشكل منظم، بتشكيل حزب سياسي سماه «حركة الجمهورية الخامسة» (1997–2008).
من الواضح أن نشاطه الحزبي كان أفعل من كونه ضابطاً في الجيش، فقد أهله في السادس من كانون الأول عام 1998، ليُنتخَب رئيساً لجمهورية فنزويلا وليصبح أصغر رئيس في تاريخ البلاد، بنسبة تفوق 56 في المئة من الأصوات التي حصل عليها تحالفه اليساري «القطب الديموقراطي»، منهياً أربعين عاماً من هيمنة حزب الاجتماعيين الديموقراطيين على الحكم.
لكن هذا التحول في حياته سبقته إرهاصات سياسية ساهمت في إقناعه بضرورة خوض التجربة الانتخابية، وخصوصاً بعد فوز زميله في قيادة الانقلاب السابق، زميل السجن، فرانشيسكو أرياس كارديناس، في منصب المحافظ لولاية زوليا الغنية بالنفط عام 1997.
«الحسناء والوحش»
وكانت تجربة صعبة للضابط المغضوب عليه من السلطة في أن يخوض منازلة انتخابية رئاسية، وخصوصاً ضد منافسته الشقراء الفاتنة، ملكة جمال العالم السابقة، آيريني ساييز، رئيسة بلدية كاراكاس. وبدأت الصحافة تتحدث يومها عن منافسة حامية بين «الحسناء والوحش»، بيد أن حظوظ «الوحش» كانت أفضل بكثير من «الحسناء» التي تكلمت فنطقت كفراً، كاشفة خواءها الفكري، ربما لأنها لم تعمل وفق المثل الفرنسي (كوني جميلة واصمتي).
واستطاع تشافيز في انتخابات رئاسية عام 2000 ترسيخ رئاسته لست سنوات، بعد أن أحرز 60 في المئة من الأصوات. لكن بعد فترة قصيرة من ذلك التاريخ وقع الانقلاب الفاشل الذي رتبته طبقة رجال الأعمال وزعماء النقابات العمالية القدامى، الذين فقدوا امتيازاتهم بسقوط الأحزاب السياسية المرتبطة بالخارج، إلا أن هذا الانقلاب لم يدم أكثر من 48 ساعة، ليعود تشافيز زعيماً شعبياً بامتياز.
وبدا الالتفاف الشعبي حول الثوري البوليفاري بشكل أوضح عام 2004، حين حاولت المعارضة إحراجه بطرح استفتاء على رئاسته. إلّا أن الضربة ارتدت سلباً على المعارضة نفسها، بعد أن صوّت 59 في المئة من الشعب لمصلحة بقاء تشافيز في السلطة.
وتواصلت رحلة المظلي السابق مع كرسي الحكم، في الدورة الرئاسية الثالثة التي فاز بها في انتخابات عام 2006. فوز كان مناسبة ليعيد الرجل تحديث آليات العمل الثوري عبر حلّه لحركة الجمهورية الخامسة وتأسيس الحزب الاشتراكي الفنزويلي الموحد. ويمكن القول إن بداية الفترة الرئاسية الثالثة كانت المنعطف الأبرز في مسيرة البوليفارية، حيث بدأت الحكومة بتطبيق نظام اجتماعي قائم على المساواة والعدالة الاجتماعية في إطار نظام اشتراكي يتناسب مع ظروف الفنزويليين وحياتهم.
ولتجديد الحياة السياسية، أعلن تشافيز في 2007 عدداً من الاصلاحات الاقتصادية والسياسية ضمن حملة للتطهير، معلناً الانتصار على البرجوازية. وتمكن تشافيز بعد تعديل الدستور من التمتع بفترة رئاسية رابعة، حين فاز في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في 7 تشرين الاول 2012 على منافسه إنريكه كابريليس، بفارق نحو 10 في المئة من الأصوات.
مسيرة الرجل الحافلة بالنشاطات السياسية والطموحات الثورية في عالم تغلب عليه سيطرة القطب الواحد، أثارت حفيظة الولايات المتحدة، التي تنظر إلى أميركا اللاتينية على اعتبارها حديقتها الخلفية، ولا سيما وهي ترى أن الرجل بات له تأثير على الدول الأخرى، التي انتخبت رؤساء على شاكلته، بدءاً من إيفا موراليس في بوليفيا، مروراً برفاييل كوريا في الإكوادرو، وصولاً إلى خوسيه موخيكا في الأورغواي. محاولات كثيرة عمدت إليها واشنطن لمحاصرة نفوذ الرئيس الراحل، إلا أنها فشلت في هزيمة كاريزما الرجل، الذي لم يوفّر فرصة لمناكفة «زعيمة الإمبرالية العالميّة». قد تكون واشنطن اليوم مغتبطة لرحيل تشافيز، لكنها تدرك أنه سيبقى رمزاً لأجيال، وأنه سيترك إرثاً لن تمحوه بسهولة.
«سائق الشاحنة»
مع رحيل تشافيز، باتت الأنظار معلقة على نائبه نيكولاس مادورو، الذي كلفه الرئيس الفنزويلي بإدارة البلاد في الفترة الأخيرة من مرضه. «هو ثوريٌّ، رجل ذو خبرة كبيرة على الرغم من شبابه، يعمل بتفانٍ كبير ولديه القدرة على العمل». بهذه العبارة، قدّم تشافيز إلى أنصاره اسم المرشح لخلافته.
مادورو، ابن الخمسين عاماً، ولد في كاراكاس وأتمّ دراسته الثانوية فيها، ولم يكمل دراسته الجامعية. أول حضور سياسي لمادورو، عندما كان يعمل سائق شاحنة، بدأ بالعمل النقابي غير الرسمي في مترو كاراكاس في سبعينيات القرن العشرين وثمانينياته، حين كان العمل النقابي في المترو محظوراً.
وتعود صداقته مع تشافيز إلى 1992 حين كان يحاكم الأخير بتهمة تدبير الانقلاب الفاشل. حينها كان مودورو معه في الزنزانة. وبعد خروجه ساهم بنضاله السياسي في إطلاق سراح تشافيز في 1994 وتوطدت العلاقة بينهما إلى أن شارك مادورو منسقاً سياسياً إقليمياً خلال حملة تشافيز الانتخابية في سنة 1998.
الاربعاء ٦ آذار ٢٠١٣
طوت فنزويلا أمس صفحة حكم الرئيس هوغو تشافيز لتبدأ منذ اليوم معركة خلافة القائد. فتشافيز الذي ادرك مآل وضعه الصحي، اختار نائبه نيكولاس مادورو لخلافته في السلطة، فيما المعارضة التي توحدت في الانتخابات الرئاسية الاخيرة خلف إنريكي كابريليس رادونسكي تستمر في رهان عليه.
خلافة تشافيز ستضع البلاد أمام تحديات كبيرة اهمها إن كان مادورو قادراً على خلافة تشافيز وملء الفراغ الذي خلفه، وأن يكون موضع اجماع قادة الحزب الاشتراكي الموحد الحاكم، ام أن المعارضة ستستفيد من غياب القائد لتنفذ إلى قيادة البلاد نحو مرحلة جديدة؟
رحلة الغموض حول الوضع في البلاد بدأت مباشرة بعد إعلان مادورو خبر الوفاة في التلفزيون الرسمي. وقال مادورو وهو يبكي «تلقينا الخبر الاكثر مأسوية وحزناً الذي يمكن أن نعلنه للشعب. عند الساعة 16,25 (20,55 ت غ) اليوم الخامس من آذار توفي قائدنا الرئيس هوغو تشافيز فرياس». وأرفق مادورو الخبر بإعلان أن الحكومة الفنزويلية قررت نشر الجيش وقوات الشرطة في البلاد من اجل «ضمان السلام». وقال بيان لمادورو الى كل وسائل الاعلام في البلاد إن «كل القوات الوطنية المسلحة البوليفارية والشرطة الوطنية البوليفارية تنتشر في هذا الوقت لمواكبة وحماية شعبنا وضمان السلام».
بدوره، اعلن وزير الدفاع دييغو موليرو أن القوات المسلحة الفنزويلية تعهدت باحترام الدستور ورغبة الرئيس هوغو تشافيز، في إشارة إلى اختياره مادورو. وقال موليرو، في مداخلة نقلتها كل وسائل الاعلام وإلى جانبه عدد من كبار ضباط الجيش، «اننا موحدون لاحترام والعمل على احترام الدستور ورغبة زعيمنا هوغو رافاييل تشافيز فرياس».
بالمقابل، دعا زعيم المعارضة الفنزويلية هنريكي كابريليس رادونسكي الفنزويليين إلى «الوحدة» بعد وفاة تشافيز.
واعلن عبر حسابه على موقع «تويتر» تضامنه «مع كل عائلة وانصار الرئيس هوغو تشافيز، اننا ندعو الى وحدة الفنزويليين».
وفور اعلان وفاة تشافيز، ابدى حلفاء الراحل في اميركا الجنوبية أسفهم الشديد على رحيله. ووصفت الاكوادور رحيل تشافيز بأنه «خسارة لا تعوض» بالنسبة لاميركا اللاتينية. واعربت حكومة الرئيس الاشتراكي رافاييل كوريا، وهو حليف مقرب من الرئيس الفنزويلي، عن «حزنها العميق» بعد الاعلان عن وفاة تشافيز، مؤكدةً أنه كان «زعيم حركة تاريخية» وكان «ثورياً يستحق الذكر»، بحسب بيان نشرته وزارة الخارجية في كيتو.
بدورها، اعربت كولومبيا عن «حزنها العميق» لوفاة تشافيز، مذكرة بأنه قدم دعماً مهماً لعملية السلام مع متمردي حركة فارك. وقالت وزيرة الخارجية الكولومبية، ماريا انغيلا هولغوين في بيان، «نشعر بحزن عميق. لقد عملنا بشكل جيد مع الرئيس تشافيز. اعتقد أن هذا الامر كان خلال العامين الماضيين علاقة جيدة ولقد تقدمنا كثيراً».
من جهته، وفي اول تعليق اميركي بعد اعلان وفاة تشافيز، اكد الرئيس الاميركي باراك اوباما دعم بلاده للفنزويليين. واعرب عن الامل في اقامة «علاقات بناءة» مع الحكومة الفنزويلية الجديدة في «فصل جديد» من تاريخها.
وكان مادورو، الذي اختاره تشافيز ليخلفه في الحكم، قد عقد مشاورات مع العديد من الوزراء والمسؤولين العسكريين ونحو 20 حاكماً من الحزب الحاكم، بحسب تلفزيون «في تي في». واتهم مادورو «أعداء فنزويلا التاريخيين» بالتسبب في اصابة الرئيس هوغو تشافيز بمرض السرطان.
كما أعلن مادورو طرد ملحق القوات الجوية الأميركي الكولونيل ديفيد ديلمونيكو في السفارة الاميركية في كراكاس بعد اتهامه بمحاولة الاتصال بمسؤولين عسكريين فنزويليين لاقتراح «مشاريع تزعزع استقرار» البلاد. وأكد مادورو أنه «تم منحه 24 ساعة لترتيب حقائبه ومغادرة فنزويلا».
وفي اول تعليق على اتهامات مادورو لواشنطن وقبيل اعلان وفاة تشافيز، رفضت الولايات المتحدة الاتهامات بالتآمر،
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية باتريك فانتريل «القول بأن الولايات المتحدة ضالعة بشكل ما بما يسمى مرض الرئيس تشافيز هو امر عبثي ونحن نرفض بشدة هذا الاتهام».
واضاف فانتريل في بيان «نرفض بشدة ادعاءات الحكومة الفنزويلية التي قالت إن الولايات المتحدة ضالعة في مؤامرة لزعزعتها». وأوضح أنه على الرغم من الخلافات العميقة بين البلدين، فإن الولايات المتحدة سعت إلى اقامة علاقات منتجة ولكن «التأكيدات الخاطئة» التي تستهدف واشنطن تظهر أن كراكاس لم تكن «معنية بتحسين هذه العلاقات».
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)
الاربعاء ٦ آذار ٢٠١٣
يعرف السفير الفرنسي بارتيس باولي أن إبعاد الاعتصامات الاحتجاجية أمام سفارة بلاده عشرة امتار لن يغيّر من مشهد طريق الشام التي أطلق عليها مؤخراً «طريق جورج عبد الله». جدران السفارة المبنية بالحجر الرملي لا تزال مطلية بلوحات الغرافيتي التي خطها الناشطون المطالبون بحرية الأسير اللبناني المعتقل تعسّفاً في السجون الفرنسية. يعرف باولي أن من غير المجدي أن يفتح ورشة تنظيف هذا الجدار، ما دامت سلطات بلاده مستمرة في احتجاز عبد الله، الذي أصدر القضاء الفرنسي قراراً مشروطاً بالافراج عنه، فعطّلت الحكومة الفرنسية قرار ترحيله ودخلت في دوامة استئنافات لا تنتهي.اما خيمة الاعتصام التي فكت قبل شهر، إفساحاً في المجال أمام الجهود الدبلوماسية التي تعهدت بها الحكومة اللبنانية، فمن المرجح أن تنصب مجدداً فيما لو استمر سيناريو تأجيل جلسات المحاكمة. ومن المقرّر أن تنظم الحملة اعتصاماً احتجاجياً بالتزامن مع مؤتمر رابطة القضاء العالي لمحاكم النقض الناطقة بالفرنسية المزمع عقده في بيروت في ١٣ آذار الجاري، على أن تعتصم امام السفارة الفرنسية في ١٧ منه. ومن دبلن الى باريس وعمان ورام الله وبيروت تتصاعد حملة الاحتجاجات المطالبة بإطلاق سراح عبد الله فيما باتت الحكومة الفرنسية محرجة امام سؤال الاعتقال التعسفي غير المبرر. «اطلع يا قمرنا، وهل وضوّي على رام الله، ما خلقنا تنعيش بذل، خلقنا نحرر عبد الله» لم يكل الناشطون من الهتاف لساعة متواصلة امام السفارة، امس، حاملين صور عبد الله ولافتات تطالب بحريته. فيما اختار الفنان قاسم اسطنبولي أن يقدّم عرضاً مسرحياً تحية لجورج. الشاب المولود لأم فلسطينية وأب لبناني اختار مجموعة من النصوص المسرحية، التي تعتمد على الفضاء المفتوح، ليطلق صرخة الحرية من داخل قفص خشبي أمام الحاجز الأمني الذي وضع قرب مدخل الجامعة اليسوعية. ويعد هذا العمل المسرحي الثاني من نوعه بعد مسرحية «أكره الأحد مساء» للفنانة ايزابيل فالاد الناشطة في الحملة الدولية لإطلاق سراح جورج عبد الله. وتصف المسرحية حياة العائلات التي تزور أبناءها في سجن لانميزان في العطلات الأسبوعية بعدما راقبتهم لسنوات طويلة وهي تزور المناضل عبد الله.
الاثنين ٤ شباط ٢٠١٣تعد لجان الإضراب في بيروت والمناطق بأنّ الاعتصام اليوم على مفرق القصر الجمهوري سيكون «عظيماً»، لكون اللقاء مع رئيس الحكومة ترك غضباً عارماً في صفوف المعلمين والموظفين. فهل يتلقف رئيس الجمهورية طلب هيئة التنسيق بإحالة سلسلة الرواتب، أم أنّ حقوق مئات الآلاف من المواطنين ليست على أجندة المسؤولين؟ وماذا عن ترجمة القوى السياسية لتصريحاتها الإعلامية إلى مواقف فعلية؟
فاتن الحاجهل تموّه القوى السياسية موالاة ومعارضة مواقفها الفعلية من إضراب هيئة التنسيق النقابية؟ وهل خروج نقابة المعلمين في المدارس الخاصة من التحرك مجرد موقف تقني عابر أم أنّ له معنىً سياسياً مع إشاعة أنّ القرار اتخذ بإجماع كل المكونات النقابية والحزبية للمجلس التنفيذي؟طفت هذه الأسئلة على السطح في اليومين الأخيرين من دون أن تغيّر كثيراً في حركة المعلمين والموظفين المتصاعدة، فبقيت «ولعانة» على الأرض. بل أكثر فإنّ الموقف السلبي لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي في اللقاء الأخير مع هيئة التنسيق من سلسلة الرتب والرواتب وانسحاب النقابة من التحرك، استفزا القواعد إيجاباً باتجاه تعزيز المشاركة في التحركات. فهل ستنعكس هذا الحماسة حضوراً كثيفاً في الاعتصام المركزي، العاشرة من صباح اليوم، على مفرق القصر الجمهوري تزامناً مع جلسة مجلس الوزراء، على غرار «الزحف» إلى السرايا الحكومية الأسبوع الماضي؟يستبعد بعض المراقبين أن يكون الحشد اليوم أكبر من تظاهرة الأربعاء بفعل الإرباك الناتج من الموقف الصادم لنقابة المعلمين الذي قد يؤثر أيضاً على عدم انخراط الأساتذة الثانويين الرسميين الذين يدرسون في المدارس الخاصة من جهة وغياب الأفق السياسي للحل من جهة ثانية.لكن التواصل مع المعلمين والموظفين لا يعكس هذه الفرضية بل يشي بغضب عارم في صفوفهم. هؤلاء لا يترددون خلال جمعياتهم العمومية في القول لسياسييهم: «قفوا معنا قبل أن تعزوا بنا»، في إشارة إلى النواب والوزراء الذين لا يتذكرونهم إلا في المآتم. ويؤكد رؤساء لجان الإضراب أن المشاركة لن تكون أقل زخماً من التظاهرة بدليل الإقبال على طلب توفير الباصات لنقل الراغبين في النزول إلى العاصمة. يعدون «بيوم عظيم متعهدين أنّ الحركة النقابية لن تنكسر، وخصوصاً أنهم يشعرون بأنّهم متروكون وحدهم ومن أجل سد الفراغ الذي يمكن أن تحدثه المدارس الخاصة».ببساطة، كانوا ينتظرون من رئيس الحكومة أن يتلقف مخرج هيئة التنسيق بعد تدخل من رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ورئيس مجلس النواب نبيه بري، لكن «سلتهم طلعت فاضية». فهل يتلقف سليمان نداء رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي حنا غريب الذي وجهه إليه في اعتصام وزارة الصناعة أمس، فيتدخل لإحالة السلسلة، وخصوصاً أنّها الجلسة الأخيرة التي يرأسها قبل سفره إلى أفريقيا، وبالتالي فإنّ أي تحرك قبل عودته في 20 الجاري سيكون في الوقت الضائع؟هيئة التنسيق، على الأقل، طلبت موعداً للقاء الرئيس على هامش الاعتصام المركزي اليوم. وعلمت «الأخبار» أن الوزير السابق زياد بارود هو من يعمل أيضاً على خط الوساطة. في هذه الأثناء كان نقيب المعلمين نعمه محفوض يشارك إلى جانب الأمين العام للمدارس الكاثوليكية بطرس عازار في لقاء مجلس المطارنة الموارنة بناءً على طلب من عضو المجلس رئيس اللجنة الأسقفية التربوية المطران كميل زيدان، وهو بالمناسبة كان أميناً عاماً سابقاً للمدارس الكاثوليكية. وشرح محفوض لـ«الأخبار» أن الهدف كان الاستماع إلى الطرفين والخروج ببيان لا يزعج المؤسسات التربوية الخاصة ويرضي النقابة على حد سواء. ومما جاء في الفقرة المتعلقة بالسلسلة، التي نالت موافقة النقيب: «أعرب المطارنة عن خشيتهم دخول البلاد في أزمة جديدة تكون تداعياتها خطيرة على القطاعات كلها وقد توصلها إلى حال من الإفلاس، محملين الحكومة مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع وتراكم المفاعيل الرجعية، والعمل على إيجاد أجواء هادئة للحوار والتقارب في المواقف في شأن السلسلة وغلاء المعيشة والمفعول الرجعي كي يعطى كل ذي حق حقه العادل في أسرع وقت ممكن».إلى ذلك، ينتظر المعلمون والموظفون أن يترجم الوزراء تصريحاتهم الإعلامية مواقف فعلية لأنّهم أعضاء في هذه الحكومة وليسوا مراقبين. يعوّلون على ما قاله أمس وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية محمد فنيش، في حديث إذاعي بـ«أنه لا يمكن التهرب من إقرار السلسلة»، مشدداً على أنّ «التأخير لا يخدم الدولة وسيؤدي إلى أضرار اقتصادية كبيرة جداً لا تقل عن أضرار السلسلة». وأضاف: «هيئة التنسيق وُعدت ولم يتم الالتزام بالوعود، وهناك من يعتبر أنه أسلوب بالسياسة ونحن لا نوافق عليه لا بالجملة ولا بالتفصيل». وأوضح أنّ «حزب الله لا يستطيع فرض جدول أعمال على مجلس الوزراء، لافتاً إلى أنّ من الظلم تحميله مسؤولية أكبر من الصلاحيات والمهمات التي يملكها وزراؤه». ورأى أن أبرز الإيجابيات في تحرك هيئة التنسيق، أنها بدت هيئة نقابية معزولة عن التدخلات السياسية والطائفية.ويجزم المسؤول التربوي المركزي في حركة أمل د. حسن زين الدين بأن «الحركة آخر من يوافق على الانسحاب، فنقابيونا يلتزمون قرار هيئة التنسيق، رغم ملاحظاتنا على تحرك الهيئة بالشكل والمضمون».أما بالنسبة إلى المدارس الخاصة التي تدور في فلك حركة أمل، أي مؤسسات أمل التربوية، فهي تندرج ــ بحسب زين الدين ــ ضمن منظومة المدارس الإسلامية ولها استقلاليتها؛ «إذ إن المكتب التربوي لا يمون عليها وإن كان يقوم كل ما بوسعه لحماية معلميها إذا قرروا المشاركة في الإضراب».من جهته، يؤكد مسؤول هيئة التعليم الرسمي في التيار الوطني الحر خليل السيقلي أنّ الهيئة تقف إلى جانب معلميها في كل الخطوات التي تقررها هيئة التنسيق، من دون أن يخفي أن «خطوة خروج نقابة المعلمين كانت صادمة بالنسبة إلينا».ميدانياً، رست أمس خطة التحركات المتنقلة عند وزارة الصناعة في منطقة العدلية، حيث سار المعلمون والموظفون باتجاه وزارة الشؤون الاجتماعية فبيت المحامي، وصولاً إلى مقر الضريبة على القيمة المضافة (TVA).
الثلاثاء ٥ آذار ٢٠١٣خرجت نقابة المعلمين في المدارس الخاصة من إضراب هيئة التنسيق من دون أن تعلق عضويتها في الهيئة. أما المعلمون والموظفون في القطاع العام، فمستمرون في تحركهم المفتوح ضد المماطلة وكسب الوقت
فاتن الحاجمدّ الموقف القديم الجديد لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي من سلسلة الرواتب انتفاضة هيئة التنسيق النقابية بجرعات إضافية من العزيمة على المضي في الإضراب المفتوح في التعليم الثانوي والأساسي والمهني الرسمي وشل القطاع العام. سيعتصم المعلمون والموظفون، العاشرة من صباح اليوم أمام وزارة الصناعة في العدلية، بالتزامن مع اعتصامات تقررها لجان الإضراب في المناطق، كذلك سيعقدون جمعيات عمومية في المدارس والثانويات مع طلاب الشهادات الرسمية وأهاليهم، استعداداً لمشاركتهم في التحرك.
أمس، ترك تقديم موعد جلسة مجلس الوزراء من الأربعاء إلى الثلاثاء انطباعاً في صفوف المتابعين بأن السبب قد يكون إمكان إحالة السلسلة على المجلس النيابي، إلاّ أنّ مصادر وزارية مطلعة نفت الأمر، من دون أن تستبعد طرح الموضوع على الجلسة من خارج جدول الأعمال.وبناءً عليه، فقد قررت هيئة التنسيق استبدال الاعتصام الذي كان مقرراً الثلاثاء أمام وزارة الطاقة، باعتصام مركزي تنفذه على مفرق القصر الجمهوري في بعبدا، عند العاشرة صباحاً، تزامناً مع جلسة مجلس الوزراء.وسواء أخطأت نقابة المعلمين في المدارس الخاصة بدخول الإضراب المفتوح أو استدرجت إليه بقناعة، فإنّها خرجت منه في اليوم الرابع عشر، وسط علامات استفهام بشأن إمكان أن تمهد مثل هذه الخطوة إلى فصل التشريع بين القطاعين التعليميين الرسمي والخاص، أي عدم استفادة المعلمين في القطاع الخاص من السلسلة ومن أي قانون آخر ينتزعه المعلمون الرسميون في ما بعد. وإذا كان قرار الفصل محسوماً لدى وزراء في الحكومة، ولا سيما أنّ وزيراً أساسياً قال إنّ «الأمر بات وراءنا»، وهو بند يهوّل به أيضاً اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة، فهل يدرك المعلمون أنّ انسحابهم من الإضراب قد يجعلهم يخسرون هذا الحق المكتسب لهم منذ 50 عاماً؟ينفي نقيب المعلمين نعمه محفوض «أن يكون خيار فصل التشريع وارداً وإلّا لما وعدنا رئيس الجمهورية بإحالة السلسلة في الجلسة الأولى لمجلس الوزراء برئاسته بعد عودته من أفريقيا في 20 الجاري»، لكن هل هذا يضمن فعلاً عدم الفصل ويبرر تجميد تحرك المدارس الخاصة؟اللافت أنّ النقيب بدا مطمئناً للوعد، مؤكداً أنّ قرار النقابة تغيير في أسلوب التحرك لا انسحاب من الهيئة التي لا تزال موحدة، على حد تعبيره. يبرر الخطوة بالقول إنّها «رد تحية إلى الرئيس الذي طلب منا مهلة لإراحة الأجواء المتوترة بين المعلمين وإدارات المدارس وحماية قسم كبير من المعلمين الذين لم يقبضوا رواتبهم حتى الآن، وتوجيه رسالة ضغط إلى مؤسسات حزب الله وحركة أمل والعرفان بأنّ المدارس الكاثوليكية لا يجوز أن تكون وحدها في الميدان». الواقع أنّ كل المؤسسات التربوية الخاصة المنضوية في الاتحاد خرقت الإضراب المفتوح، بما فيها المدارس الكاثوليكية، وما كان إعلان الأخيرة الإضراب ليوم واحد فقط سوى نوع من التناغم مع موقف البطريرك بشارة الراعي، الذي دعا الحكومة إلى إحالة السلسلة وتلبية مطالب الأساتذة. معنى ذلك أنّ النقابة لم تنخرط بالمستوى المطلوب في التحرك وشاركت فيه من باب رفع العتب، فهي لم تشكل لجان إضراب فعلية في المدارس الخاصة لتقفلها وتفرض على المعلمين المشاركة لانتزاع حقهم. كذلك فإنّ القوى السياسية لم تخض معركة هيئة التنسيق ولم تقف ضدها في الوقت نفسه.كذلك فإنّ وعد رئيس الجمهورية لم يترجم في كلام ميقاتي بعيد لقائه هيئة التنسيق. الأخير كان واضحاً في تصريحه، إذ أكد أن استكمال درس السلسلة ــــ لا إحالتها ـــ على المجلس النيابي سيجري في أول جلسة يعقدها مجلس الوزراء برئاسة رئيس الجمهورية بعد 21 الجاري، متمنياً على هيئة التنسيق العودة عن الإضراب وإرجاء تحركاتها. وحده محفوض تلقى رسالة نصية على هاتفه تشير إلى أن الرئيس ميقاتي عاد وصوّب تصريحه لجهة أنّه قصد الإحالة لا استكمال البحث، إذ لم ينشر مثل هذا التوضيح في الإعلام، بل إن تتمة التصريح تؤكد متابعة الدرس، إذ قال ميقاتي: «عندما أقررنا السلسلة كانت نسبة النمو في لبنان 5 في المئة، بينما هي اليوم 1،5 في المئة. وهناك تطورات في الأوضاع الاقتصادية. صحيح أننا اتفقنا معهم في شهر حزيران على تفاهمات معينة، لكن الظروف تغيرت».المفارقة أنّ لقاء هيئة التنسيق بميقاتي جاء بناءً على طلب من رئيس الجمهورية للأخير باستقبال الهيئة، بعد توسط المستشار القانوني لنقابة المعلمين الوزير السابق زياد بارود، لدى الرئيس في الكواليس، وبعيداً عن الإعلام. وقد رفض بارود الإفصاح لـ «الأخبار» عن أي من تفاصيل هذه الوساطة.إلى ذلك، أعادت خطوة الانسحاب من الإضراب المفتوح إلى الأذهان ما جرى تداوله بشأن اللقاء بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ومحفوض ذات أحد، ونقل عن الأخير قوله للرئيس بما معناه: «البقاء في الشارع ورطة لنا وللجميع، والحل بيدك، ما يهمنا إحالة السلسلة على مجلس النواب، ولا هم إذا جرى تقسيط السلسلة أو خفض قيمتها بنسبة 10 في المئة».وكانت نقابة المعلمين قد عقدت بعد ظهر أمس جمعيات عمومية في بيروت والمحافظات لتحديد أشكال التحركات المقبلة، ولفت محفوض إلى أننا «سنعتمد أساليب أخرى للتحرك لا تضرّ بالتلامذة، إذ من الممكن أن نعلم حتى الساعة الواحدة ظهراً ونضرب بعد ذلك ونشارك في التحركات الكبيرة»، مشيراً إلى أنّ «القطاع الخاص يختلف عن القطاع العام، فرب العمل مباشر وليس كالدولة».أما إذا لم تحل السلسلة بحسب الوعود، فتعهد النقيب العودة إلى الأسلوب القديم، بل ذهب إلى أبعد من ذلك ليقول إنه «يمكن أن نلعب ورقة الانتخابات النيابية، فلا انتخابات نيابية لان رؤساء الأقلام هم الموظفون والأساتذة، ولا امتحانات رسمية أيضاً». وأكد أنه «لم يحصل أي إقفال بالقوة للمدارس، لكنّ المعلمين تعرضوا للعنف».ومساءً عقدت هيئة التنسيق اجتماعاً أعقبه مؤتمر صحافي، أكدت فيه قياداتها في التعليم الرسمي الاستمرار في الإضراب المفتوح حتى إحالة السلسلة. وجزم محفوض أنّ التعليم الخاص مكون أساسي من الهيئة وسيشارك بكثافة بكل تحركاتها. أما رئيس رابطة موظفي الإدارة العامة محمود حيدر، فشرح كيف أنّ ميقاتي لم يتلقف المخرج الإيجابي، أي الالتزام بقرار مجلس الوزراء الصادر في 6 أيلول والاتفاق الذي جرى بينه وبين رئيس مجلس النواب نبيه بري لجهة إقرار السلسلة ابتداءً من 1 تموز 2012 وعدم المس بحقوق المتقاعدين، وعندها ترى الهيئة ما إذا كانت تقبل هذا الطرح أو لا، لكن ميقاتي لم يقدم شيئاً. يذكر أنّ هيئة التنسيق تبحث كيف تحوّل عيد المعلم، الخميس المقبل، إلى يوم غضب.
العدد ١٩٤٦ الاثنين ٤ شباط ٢٠١٣محمد بلوط
جلسة رابعة، للشهر الرابع، لقضاة محكمة تطبيق الأحكام الفرنسية للعودة إلى الطريق المسدود نفسه: لا إطلاق سراح لجورج إبراهيم عبدالله، لأن وزير الداخلية مانويل فالس، يرفض توقيع مرسوم ترحيل المعتقل اللبناني.
الكرة في ملعب قرار محكمة التمييز التي ينتظر القضاة ووزير الداخلية منها مخرجاً يحفظ ماء وجه الطرفين: القضاة الذين اختاروا ربط قرار إخلاء سبيل اللبناني بقرار الترحيل المبرم والموقع من وزير الداخلية، من دون وجود سبل قضائية أو قانونية أخرى يمكن طرقها. وزير الداخلية الذي يحتج على استباق القضاة قراره بالترحيل أو عدمه، وتجاوزهم سلطات الداخلية الفرنسية بإلزامها باتخاذ قرار الإبعاد الذي لا يدخل في نطاق اختصاصهم.
القضاة أودعوا مع ذلك، في الأمس، قرارهم ونزاعهم غير المعلن مع وزير الداخلية في عهدة محكمة التمييز. وأصدرت محكمة تطبيق الأحكام الفرنسية قراراً بالعودة للاجتماع في العشرين من آذار الحالي، أي في اليوم الذي تأخذ فيه علماً بقرار محكمة التمييز، على أن تنشر حكمها الأخير في اليوم التالي، أي 21 الشهر الحالي. ولا تنظر محكمة التمييز في مضمون القضاة ودوافعهم إخلاء سبيل جورج إبراهيم عبدالله، وهو قرار لا عودة عنه بأي حال ولا يدخل أصلاً في طلب وزير العدل إلى التمييز، النظر في القرار ولكن التمييز تنظر في الشكل ومطابقة القرار مع القواعد القانونية المعمول بها لإطلاق سراح الأجانب، وستقول ما إذا كان
يمكن للقضاة اتخاذ قرارهم من دون أن يكون وزير الداخلية قد اتخذ قراره بترحيل عبدالله إلى لبنان قبلهم.
وكانت المداولات التي استغرقت ساعة في قصر العدل الباريسي جرت دون كبير سجال، باعتبار أن مصير عبدالله وترحيله إلى لبنان، أصبح في جزء منه معضلة قانونية، يعمل التمييز على حلها، وحل مشكلة تداخل الصلاحيات بين السلطتين القضائية والتنفيذية، وإشكالية رفض وزير الداخلية توقيع قرار الترحيل، بما يسهل تنفيذ قرار القضاة.
وغاب عن الجلسة لدواعٍ مرضية جاك فرجيس محامي جورج عبدالله. وحضر عبدالله الجلسة من سجنه في لانمزان، واجاب للمرة الثامنة على أسئلة قضاته، عبر الفيديو كونفرانس، منبئاً قضاته انه لم يتبلغ بأي قرار من وزير الداخلية بترحيله كما تقتضي الأصول القانونية.
أما جورج كيجمان فلا يتوقع مخارج سهلة لقضاة محكمة التمييز في حل إشكالية جورج ابراهيم عبدالله، وتعيين الحدود بين ما يجوز للقضاة الإيعاز به إلى وزير الداخلية من دون ان يكون القضاة قد تجاوزوا صلاحياتهم، وبين ما يحق لوزير الداخلية أن يرفضه، من دون ان يشكل عقبة امام عمل القضاة بصفته ممثلاً للسلطة التنفيذية.
وقال كيجمان، لـ«السفير»، وهو محامي عائلة الكولونيل الأميركي شارل راي، الذي ادين عبدالله بالتواطؤ في قتله، «لن يكون سهلاً على قضاة التمييز اتخاذ قرار معلل وواضح، بسبب تداخل الصلاحيات بين القضاة ووزارة الداخلية من جهة، ولأنه لم يسبق أن شهدت فرنسا حالة مشابهة لحالة عبدالله يمكن اعتبارها سابقة قانونية يمكن العودة إليها في اتخاذ القرار، إذ لم يسبق أن قرر القضاة إخلاء سبيل أجنبي، قبل أن تكون وزارة الداخلية قد اتخذت قرارها بترحيله».
وكان مسؤول لبناني يتابع ملف عبدالله قد التقى وزير الداخلية مانويل فالس قبل أسابيع في إطار الجهود التي يقوم بها وطن المعتقل اللبناني عبدالله للتدليل على تبنيه رسمياً قضيته، واعتبارها مسألة وطنية وسياسية، بعد 29 عاماً على سجنه في قضية تدخل تحت عناوين المقاومة الوطنية اللبنانية للاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982. وابلغ فالس المسؤول اللبناني أن اتخاذ قرار الإبعاد أصبح في عهدة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند.
أما الهدوء الذي طرأ على جبهة الاعتصام أمام السفارة الفرنسية في بيروت فيبدو عنصراً مساعداً في تسوية جرى إنضاجها على نار تطمينات الخارجية الفرنسية، التي تؤيد إخلاء سبيل عبدالله، بحسب مسؤول لبناني، لكنها تشترط هدنة في رشق جدران السفارة بالبيض، كي لا تظهر عملية الإفراج وكأنها جرت تحت ضغط الحملة الدولية لإطلاق سراح جورج عبدالله، أو نتيجة التعبئة التي أقنعت الخارجية الفرنسية بالتحرك، بعد اقتناعها أنها ستؤدي إلى تسميم العلاقات بين بلدين صديقين. وفي هذا الوقت، يمكث جورج عبدالله في سجنه، وعامه التاسع والعشرين، بانتظار أن تتحقق الوعود.