يصعب على من لا يعرف رئيس هيئة التنسيق النقابية حنا غريب إلا نجماً على الشاشة أن يفهم معنى الفراغ الذي خلّفه هذا المشاغب لدى تلامذته. لن يفهم بالتأكيد ماذا تعني «يده الثقيلة». هنا، بعض من حنّا الأستاذ بعيون طلابه
راجانا حمية8 ساعات كيمياء بلا حنا غريب. الأمر صعب فعلاً. هناك، في مدرسة مار الياس ـ بطينا، التي صار اسمها من قصد «مدرسة حنا غريب»، عرف المشاغب كيف يخلّف الفراغ. تفصيل صغير فهمه تلامذة الصف الثانوي الأول من غيابه عنهم، هو أنهم «اشتاقوا». ولهذا، صار البعض منهم يشارك في التظاهرات عقب انتهاء الدوام، وفي بالهم هدف واحد هو «رؤية الإستاذ حنا».هذا المكان الذي يفتقد فيه التلامذة الأستاذ حنا، هو نفسه الذي يعاني من «فوبيا حنا غريب». فقد منعت الإدارة تلامذتها من «التطرّق مع الإعلام لموضوعات سياسية». وعيد المعلم؟ هو الآخر ممنوع «لأنهم سيتطرّقون إلى الحديث عن حنا غريب والإضراب والاعتصامات»، يقول أحد الأساتذة سراً. هكذا، صار غريب «ممنوعاً». مع ذلك، يعرف تلامذته، الجدد منهم أو القدامى، أن عيد المعلم هذا العام لا يمكن أن يمرّ من دون تحية له. ولو «بالسرقة». أي بلا اسم.باسم أو من دونه، هذا هو حنا غريب في عيون طلابه.. قبل وبعدما أصبح نجماً. الأستاذ الذي لا «يغيّره شيء، مهما مرّ من العمر»، يقول نديم خوري، الطالب الذي تعلم في مار الياس قبل عشر سنوات، ورأى أستاذه على الشاشة بعد كل هذا الغياب. حينها، قال الطالب الذي صار أستاذاً هو الآخر، «هيدا هو حنا غريب، ما تغيّر»، وبابتسامة لا تخلو من بعض المرح، يتساءل «هيدا الأستاذ، بس وين جاكيت الجلد؟».بعد عشر سنوات، لم يتغيّر في حنا إلا «الجاكيت». تعاقب السنين لم يغيّر في المشاغب شيئاً. حتى لكنة ريفه الهاربة منه بعفوية.ثمة ما يميّز غريب، بعيون طلابه: صدقه وعطاؤه بلا منّة. يعرفون أنه في تلك اللحظات التي يكون فيها مطالباً في الشارع، «يكون صافياً بلا خلفيات ويعطي من قلبه تماماً كما يشرح لنا درسنا». يتذكر خوري الكثير من أستاذه، ما يختبره تلامذة غريب اليوم. يذكر أنه «ولا مرّة خلّصنا الحصة قبل رنّة الجرس، على قدّ ما بيشرح». وهذا كافٍ في ذاكرة طالب ليحفظ اسم أستاذ «أعطانا الكثير من قلبه، بلا منة». الأمر نفسه يختبره طلاب كثيرون اليوم يفتقدون غريب في الصف «بعدما اكتشفنا أن الكيمياء لا تليق إلا له»، يقول ربيع. هذا الاكتشاف يأتي، برغم «إيد أستاذ حنا الثقيلة اللي آخذة على الناقص، فيها شوية لؤم». تلك اليد التي يشبهها رفاق ربيع «بالبورصة الهابطة باستمرار». يشرح ربيع ما تعنيه كلمة البورصة، فيقول «يعني أقل غلطة -2، وانتبهي الناقص دغري بتاخديه، على عكس الزائد الذي يحتاج لجهد كبير لم أصل إليه يوماً، وإن وصلت إليه لاحقاً فتأكدي أنه سيكون إنجازاً». لكن، هذه اليد ليست دائماً ثقيلة، «ففي إحدى المرات، قام بجولة على دفاترنا ووضع علامات زائدة على فروضنا، لنكتشف بعدها أننا مقصرين في امتحاناتنا وبهذا حاول مساعدتنا»، يتابع.هذه الحادثة، غيّرت «الجدي الدائم» في نظر ربيع، فصار له صفة أخرى «حنون وحريص علينا». وقد اكتشف الطالب هذا الحرص في فورات الغضب «ففي تلك اللحظات، لا يضرب، بل يقول لنا: شوفوا أهلكن أديش عم يدفعوا عليكن، أكتر من دم قلبهن». لكن، لا يتلقى الأستاذ كل الفورات بهذا الهدوء «ففي لحظات التعصيب القوية يصبح من الصعب الأخذ والعطا معه، ويصبح السكوت هو أفضل الحلول خوفاً من شي ناقص علامتين»، يقول كريم، طالب مدرسة الوطى الرسمية التي يدرّس فيها غريب أيضاً. يتذكر كريم أنه في إحدى المرات، كاد غريب أن يخرج عن طوره «عندما قال لأحد زملائنا قوم طلاع على اللوح، فما كان من الأخير إلا أن عربش على اللوح». وفي أحيان كثيرة، قد يكتفي غريب برمي «طبشورة في وجه الطالب المشاغب أو على طاولته». مع ذلك، ثمة جانب من «الهضامة في شخصيته، خصوصاً عندما يلاحظ أن الصف قد انطفى، وغالباً ما يكون مضحكاً في نكاته والألقاب التي يطلقها على حين غفلة والتي عادة ما تكون صائبة، مثلاً يا أبو شهاب تفضل على اللوح». أما أجمل ما في غريب، فهو ما اكتشفه الطلاب بعدما صار نجماً يرونه على الشاشة، وهو «تلك اللكنة الجبلية التي لم نكن نسمعها في الصف». أما الاكتشاف الجديد فهو أن الأستاذ «يتكلم العربية، وقد اكتشفت ذلك عندما سمعته على التلفزيون، لأنه في الصف يشرح الدرس ويكلمنا باللغة الفرنسية». ويبقى الأطرف في كل هذه الروايات، ما فعله بعض الطلاب في مدرسته، عندما رأوه للمرة الأولى على الشاشة. صار الأستاذ نجماً وراحوا يطلبون منه «توقيع أوتوغراف»... على ذمة طلاب واعين، اعتادوا رؤية أستاذهم «منجّماً دائماً».
السبت ٩ آذار ٢٠١٣