خرجت نقابة المعلمين في المدارس الخاصة من إضراب هيئة التنسيق من دون أن تعلق عضويتها في الهيئة. أما المعلمون والموظفون في القطاع العام، فمستمرون في تحركهم المفتوح ضد المماطلة وكسب الوقت
فاتن الحاجمدّ الموقف القديم الجديد لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي من سلسلة الرواتب انتفاضة هيئة التنسيق النقابية بجرعات إضافية من العزيمة على المضي في الإضراب المفتوح في التعليم الثانوي والأساسي والمهني الرسمي وشل القطاع العام. سيعتصم المعلمون والموظفون، العاشرة من صباح اليوم أمام وزارة الصناعة في العدلية، بالتزامن مع اعتصامات تقررها لجان الإضراب في المناطق، كذلك سيعقدون جمعيات عمومية في المدارس والثانويات مع طلاب الشهادات الرسمية وأهاليهم، استعداداً لمشاركتهم في التحرك.
أمس، ترك تقديم موعد جلسة مجلس الوزراء من الأربعاء إلى الثلاثاء انطباعاً في صفوف المتابعين بأن السبب قد يكون إمكان إحالة السلسلة على المجلس النيابي، إلاّ أنّ مصادر وزارية مطلعة نفت الأمر، من دون أن تستبعد طرح الموضوع على الجلسة من خارج جدول الأعمال.وبناءً عليه، فقد قررت هيئة التنسيق استبدال الاعتصام الذي كان مقرراً الثلاثاء أمام وزارة الطاقة، باعتصام مركزي تنفذه على مفرق القصر الجمهوري في بعبدا، عند العاشرة صباحاً، تزامناً مع جلسة مجلس الوزراء.وسواء أخطأت نقابة المعلمين في المدارس الخاصة بدخول الإضراب المفتوح أو استدرجت إليه بقناعة، فإنّها خرجت منه في اليوم الرابع عشر، وسط علامات استفهام بشأن إمكان أن تمهد مثل هذه الخطوة إلى فصل التشريع بين القطاعين التعليميين الرسمي والخاص، أي عدم استفادة المعلمين في القطاع الخاص من السلسلة ومن أي قانون آخر ينتزعه المعلمون الرسميون في ما بعد. وإذا كان قرار الفصل محسوماً لدى وزراء في الحكومة، ولا سيما أنّ وزيراً أساسياً قال إنّ «الأمر بات وراءنا»، وهو بند يهوّل به أيضاً اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة، فهل يدرك المعلمون أنّ انسحابهم من الإضراب قد يجعلهم يخسرون هذا الحق المكتسب لهم منذ 50 عاماً؟ينفي نقيب المعلمين نعمه محفوض «أن يكون خيار فصل التشريع وارداً وإلّا لما وعدنا رئيس الجمهورية بإحالة السلسلة في الجلسة الأولى لمجلس الوزراء برئاسته بعد عودته من أفريقيا في 20 الجاري»، لكن هل هذا يضمن فعلاً عدم الفصل ويبرر تجميد تحرك المدارس الخاصة؟اللافت أنّ النقيب بدا مطمئناً للوعد، مؤكداً أنّ قرار النقابة تغيير في أسلوب التحرك لا انسحاب من الهيئة التي لا تزال موحدة، على حد تعبيره. يبرر الخطوة بالقول إنّها «رد تحية إلى الرئيس الذي طلب منا مهلة لإراحة الأجواء المتوترة بين المعلمين وإدارات المدارس وحماية قسم كبير من المعلمين الذين لم يقبضوا رواتبهم حتى الآن، وتوجيه رسالة ضغط إلى مؤسسات حزب الله وحركة أمل والعرفان بأنّ المدارس الكاثوليكية لا يجوز أن تكون وحدها في الميدان». الواقع أنّ كل المؤسسات التربوية الخاصة المنضوية في الاتحاد خرقت الإضراب المفتوح، بما فيها المدارس الكاثوليكية، وما كان إعلان الأخيرة الإضراب ليوم واحد فقط سوى نوع من التناغم مع موقف البطريرك بشارة الراعي، الذي دعا الحكومة إلى إحالة السلسلة وتلبية مطالب الأساتذة. معنى ذلك أنّ النقابة لم تنخرط بالمستوى المطلوب في التحرك وشاركت فيه من باب رفع العتب، فهي لم تشكل لجان إضراب فعلية في المدارس الخاصة لتقفلها وتفرض على المعلمين المشاركة لانتزاع حقهم. كذلك فإنّ القوى السياسية لم تخض معركة هيئة التنسيق ولم تقف ضدها في الوقت نفسه.كذلك فإنّ وعد رئيس الجمهورية لم يترجم في كلام ميقاتي بعيد لقائه هيئة التنسيق. الأخير كان واضحاً في تصريحه، إذ أكد أن استكمال درس السلسلة ــــ لا إحالتها ـــ على المجلس النيابي سيجري في أول جلسة يعقدها مجلس الوزراء برئاسة رئيس الجمهورية بعد 21 الجاري، متمنياً على هيئة التنسيق العودة عن الإضراب وإرجاء تحركاتها. وحده محفوض تلقى رسالة نصية على هاتفه تشير إلى أن الرئيس ميقاتي عاد وصوّب تصريحه لجهة أنّه قصد الإحالة لا استكمال البحث، إذ لم ينشر مثل هذا التوضيح في الإعلام، بل إن تتمة التصريح تؤكد متابعة الدرس، إذ قال ميقاتي: «عندما أقررنا السلسلة كانت نسبة النمو في لبنان 5 في المئة، بينما هي اليوم 1،5 في المئة. وهناك تطورات في الأوضاع الاقتصادية. صحيح أننا اتفقنا معهم في شهر حزيران على تفاهمات معينة، لكن الظروف تغيرت».المفارقة أنّ لقاء هيئة التنسيق بميقاتي جاء بناءً على طلب من رئيس الجمهورية للأخير باستقبال الهيئة، بعد توسط المستشار القانوني لنقابة المعلمين الوزير السابق زياد بارود، لدى الرئيس في الكواليس، وبعيداً عن الإعلام. وقد رفض بارود الإفصاح لـ «الأخبار» عن أي من تفاصيل هذه الوساطة.إلى ذلك، أعادت خطوة الانسحاب من الإضراب المفتوح إلى الأذهان ما جرى تداوله بشأن اللقاء بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ومحفوض ذات أحد، ونقل عن الأخير قوله للرئيس بما معناه: «البقاء في الشارع ورطة لنا وللجميع، والحل بيدك، ما يهمنا إحالة السلسلة على مجلس النواب، ولا هم إذا جرى تقسيط السلسلة أو خفض قيمتها بنسبة 10 في المئة».وكانت نقابة المعلمين قد عقدت بعد ظهر أمس جمعيات عمومية في بيروت والمحافظات لتحديد أشكال التحركات المقبلة، ولفت محفوض إلى أننا «سنعتمد أساليب أخرى للتحرك لا تضرّ بالتلامذة، إذ من الممكن أن نعلم حتى الساعة الواحدة ظهراً ونضرب بعد ذلك ونشارك في التحركات الكبيرة»، مشيراً إلى أنّ «القطاع الخاص يختلف عن القطاع العام، فرب العمل مباشر وليس كالدولة».أما إذا لم تحل السلسلة بحسب الوعود، فتعهد النقيب العودة إلى الأسلوب القديم، بل ذهب إلى أبعد من ذلك ليقول إنه «يمكن أن نلعب ورقة الانتخابات النيابية، فلا انتخابات نيابية لان رؤساء الأقلام هم الموظفون والأساتذة، ولا امتحانات رسمية أيضاً». وأكد أنه «لم يحصل أي إقفال بالقوة للمدارس، لكنّ المعلمين تعرضوا للعنف».ومساءً عقدت هيئة التنسيق اجتماعاً أعقبه مؤتمر صحافي، أكدت فيه قياداتها في التعليم الرسمي الاستمرار في الإضراب المفتوح حتى إحالة السلسلة. وجزم محفوض أنّ التعليم الخاص مكون أساسي من الهيئة وسيشارك بكثافة بكل تحركاتها. أما رئيس رابطة موظفي الإدارة العامة محمود حيدر، فشرح كيف أنّ ميقاتي لم يتلقف المخرج الإيجابي، أي الالتزام بقرار مجلس الوزراء الصادر في 6 أيلول والاتفاق الذي جرى بينه وبين رئيس مجلس النواب نبيه بري لجهة إقرار السلسلة ابتداءً من 1 تموز 2012 وعدم المس بحقوق المتقاعدين، وعندها ترى الهيئة ما إذا كانت تقبل هذا الطرح أو لا، لكن ميقاتي لم يقدم شيئاً. يذكر أنّ هيئة التنسيق تبحث كيف تحوّل عيد المعلم، الخميس المقبل، إلى يوم غضب.
العدد ١٩٤٦ الاثنين ٤ شباط ٢٠١٣