محمد بلوط
جلسة رابعة، للشهر الرابع، لقضاة محكمة تطبيق الأحكام الفرنسية للعودة إلى الطريق المسدود نفسه: لا إطلاق سراح لجورج إبراهيم عبدالله، لأن وزير الداخلية مانويل فالس، يرفض توقيع مرسوم ترحيل المعتقل اللبناني.
الكرة في ملعب قرار محكمة التمييز التي ينتظر القضاة ووزير الداخلية منها مخرجاً يحفظ ماء وجه الطرفين: القضاة الذين اختاروا ربط قرار إخلاء سبيل اللبناني بقرار الترحيل المبرم والموقع من وزير الداخلية، من دون وجود سبل قضائية أو قانونية أخرى يمكن طرقها. وزير الداخلية الذي يحتج على استباق القضاة قراره بالترحيل أو عدمه، وتجاوزهم سلطات الداخلية الفرنسية بإلزامها باتخاذ قرار الإبعاد الذي لا يدخل في نطاق اختصاصهم.
القضاة أودعوا مع ذلك، في الأمس، قرارهم ونزاعهم غير المعلن مع وزير الداخلية في عهدة محكمة التمييز. وأصدرت محكمة تطبيق الأحكام الفرنسية قراراً بالعودة للاجتماع في العشرين من آذار الحالي، أي في اليوم الذي تأخذ فيه علماً بقرار محكمة التمييز، على أن تنشر حكمها الأخير في اليوم التالي، أي 21 الشهر الحالي. ولا تنظر محكمة التمييز في مضمون القضاة ودوافعهم إخلاء سبيل جورج إبراهيم عبدالله، وهو قرار لا عودة عنه بأي حال ولا يدخل أصلاً في طلب وزير العدل إلى التمييز، النظر في القرار ولكن التمييز تنظر في الشكل ومطابقة القرار مع القواعد القانونية المعمول بها لإطلاق سراح الأجانب، وستقول ما إذا كان
يمكن للقضاة اتخاذ قرارهم من دون أن يكون وزير الداخلية قد اتخذ قراره بترحيل عبدالله إلى لبنان قبلهم.
وكانت المداولات التي استغرقت ساعة في قصر العدل الباريسي جرت دون كبير سجال، باعتبار أن مصير عبدالله وترحيله إلى لبنان، أصبح في جزء منه معضلة قانونية، يعمل التمييز على حلها، وحل مشكلة تداخل الصلاحيات بين السلطتين القضائية والتنفيذية، وإشكالية رفض وزير الداخلية توقيع قرار الترحيل، بما يسهل تنفيذ قرار القضاة.
وغاب عن الجلسة لدواعٍ مرضية جاك فرجيس محامي جورج عبدالله. وحضر عبدالله الجلسة من سجنه في لانمزان، واجاب للمرة الثامنة على أسئلة قضاته، عبر الفيديو كونفرانس، منبئاً قضاته انه لم يتبلغ بأي قرار من وزير الداخلية بترحيله كما تقتضي الأصول القانونية.
أما جورج كيجمان فلا يتوقع مخارج سهلة لقضاة محكمة التمييز في حل إشكالية جورج ابراهيم عبدالله، وتعيين الحدود بين ما يجوز للقضاة الإيعاز به إلى وزير الداخلية من دون ان يكون القضاة قد تجاوزوا صلاحياتهم، وبين ما يحق لوزير الداخلية أن يرفضه، من دون ان يشكل عقبة امام عمل القضاة بصفته ممثلاً للسلطة التنفيذية.
وقال كيجمان، لـ«السفير»، وهو محامي عائلة الكولونيل الأميركي شارل راي، الذي ادين عبدالله بالتواطؤ في قتله، «لن يكون سهلاً على قضاة التمييز اتخاذ قرار معلل وواضح، بسبب تداخل الصلاحيات بين القضاة ووزارة الداخلية من جهة، ولأنه لم يسبق أن شهدت فرنسا حالة مشابهة لحالة عبدالله يمكن اعتبارها سابقة قانونية يمكن العودة إليها في اتخاذ القرار، إذ لم يسبق أن قرر القضاة إخلاء سبيل أجنبي، قبل أن تكون وزارة الداخلية قد اتخذت قرارها بترحيله».
وكان مسؤول لبناني يتابع ملف عبدالله قد التقى وزير الداخلية مانويل فالس قبل أسابيع في إطار الجهود التي يقوم بها وطن المعتقل اللبناني عبدالله للتدليل على تبنيه رسمياً قضيته، واعتبارها مسألة وطنية وسياسية، بعد 29 عاماً على سجنه في قضية تدخل تحت عناوين المقاومة الوطنية اللبنانية للاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982. وابلغ فالس المسؤول اللبناني أن اتخاذ قرار الإبعاد أصبح في عهدة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند.
أما الهدوء الذي طرأ على جبهة الاعتصام أمام السفارة الفرنسية في بيروت فيبدو عنصراً مساعداً في تسوية جرى إنضاجها على نار تطمينات الخارجية الفرنسية، التي تؤيد إخلاء سبيل عبدالله، بحسب مسؤول لبناني، لكنها تشترط هدنة في رشق جدران السفارة بالبيض، كي لا تظهر عملية الإفراج وكأنها جرت تحت ضغط الحملة الدولية لإطلاق سراح جورج عبدالله، أو نتيجة التعبئة التي أقنعت الخارجية الفرنسية بالتحرك، بعد اقتناعها أنها ستؤدي إلى تسميم العلاقات بين بلدين صديقين. وفي هذا الوقت، يمكث جورج عبدالله في سجنه، وعامه التاسع والعشرين، بانتظار أن تتحقق الوعود.