هي الحكاية نفسها. حكاية توزيع الحلوى. تركيا تحاول استلحاق نفسها. قبلت بالمجيء إلى طاولة المفاوضات بمعيّة إيران. همّها تجنّب مصير «صفر امتيازات». لعلع الرصاص. اقتنعت بأن حلفاءها لن يقفوا معها. أدركت أن الكفة تميل إلى الحلف المدعوم من روسيا. هي ترقب كيف يستعد الأميركيون والأوروبيون للحوار والتسوية. وحدها سوريا وشعبها دفعا الثمن، قتلاً وتشريداً وتدميراً، والأهم إضعافاً للدولة والكيان
إيلي شلهوب
كشفت مصادر إيرانية وثيقة الاطلاع عن أن رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان، وافق، خلال لقائه الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد في باكو بداية هذا الأسبوع، على مسار مفاوضات لحل الأزمة السورية تحت سقف الرئيس بشار الأسد، «ليس حبّاً بالرئيس السوري بل كخيار الفرصة الأخيرة»، تجنّباً للوصول إلى نتيجة «صفر امتيازات»، بدلاً من «صفر مشاكل»، على ما كان يرغب منظّر السياسة الخارجية التركية أحمد داوود أوغلو. تفاهم شكّل خلفية اقتراح أردوغان بشأن منظومات الحل أو لجان الاتصال، تمهيداً لـ«طائف سوري» متوقع بعد انتخابات الرئاسة الأميركية، تتصارع الأطراف المعنية حالياً حول طبيعة الجهات التي لها حق المشاركة فيه. وتتحدث المصادر السالفة الذكر عن «وجود تقدير لدى الأميركيين والغربيين عموماً، يعلم به الأتراك، بأنهم عاجزون عن إسقاط الأسد، لأسباب متعددة، أولها الصمود الداخلي السوري، والخط الأحمر الذي وضعته روسيا والصين وإيران، التي ترفض جميعاً مناقشة أي صيغة تتضمن رحيل الأسد، لكون سقوطه، بالنسبة إليها، يساوي سقوط الدولة والكيان السوريين، ومن يدفع نحو ذلك إنما يريد أن ينشر الفوضى في المنطقة»، مشيرة إلى أن «العراق يدعم الترويكا تلك في توجهها هذا، وهو يقوم بالكثير في هذا الإطار، بينه ما هو معلن، وما هو غير معروف. الإجراءات العقابية بحق أنقرة وصفقة الأسلحة مع روسيا ليستا سوى فتات من ظاهر هذا الدعم».
وتستشهد المصادر بكلام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أخيراً أمام وزراء الاتحاد الأوروبي في العشاء الذي جمعه بهم منتصف هذا الشهر. لقد قالها من دون أي مواربة: الأسد لن يرحل أبداً.
وتضيف المعلومات الواردة من طهران أنه في ذلك اللقاء الذي استمر 40 دقيقة على هامش قمة منظمة التعاون الاقتصادي، يوم الثلاثاء الماضي، استعاد نجاد المقاربة الإيرانية لملفات المنطقة. قال لأردوغان إن الولايات المتحدة تريد إحداث تغيير في المنطقة، لكنها تشترط عدم تكرار أي من النماذج الثلاثة، الأفغاني والعراقي والليبي. وأضاف أن واشنطن يبدو واضحاً أنها كلّفت السعودية وقطر بقيادة النظام الأميركي الجديد في المنطقة وإشعال الأزمات إقليمياً، وتوكيل أفرقاء لإطاحة فلان أو علّان من زعماء المنطقة. وفي حال العجز، يكون قد تم إضعافه بما يسمح بجلبه إلى طاولة التفاوض للإذعان للشروط الأميركية.
في الموضوع السوري، تضيف المصادر، «أوكلت واشنطن الإدارة الميدانية اللوجستية إلى تركيا، على أن تتولى السعودية وقطر تأمين المال والسلاح والمقاتلين الإسلاميين الذين يبدو واضحاً أن الولايات المتحدة وحلفاءها يريدون تفريغ الخليج والأنظمة الجديدة الحليفة منهم. فهم إما أن ينجحوا في إسقاط النظام في سوريا، وهذا مكسب بالنسبة إلى هذا الفريق، أو يتم التخلص منهم في سوريا حيث يؤدون دور الحطب في النار السورية، وهذا مكسب أيضاً».
تقديرات القيادة الإيرانية تضع الانتخابات الأميركية موعداً مفصلياً في مسار الأمور. أمل الغرب بأن ينجح في إسقاط الأسد قبل هذا التاريخ، ولو اغتيالاً. وفي حال عدم تحقق هذا الهدف، على ما ترجّحه التطورات، ستدعو الولايات المتحدة الأطراف الكبرى، والحديث عن روسيا والصين، إلى تفاهم حول سوريا التي تكون واشنطن قد حققت أول أهدافها بإضعاف هذا البلد وتمزيق نسيجه الاجتماعي وضرب بنية نظامه وتدميره وتدمير اقتصاده. صيغة التفاهم، ترجح طهران أن تكون «طائفاً سورياً» على شاكلة مؤتمر الطائف اللبناني، ينتهي بنتيجته علويّو سوريا، على ما تأمل واشنطن وحلفاؤها، إلى حال تحاكي حال موارنة لبنان، بإيلائهم رئاسة البلد مفرغة من الصلاحيات، على أن توضع السلطة التنفيذية في رئاسة الحكومة وتعطى للسنّة.
وبحسب التقدير نفسه، فإن الصراع حالياً يدور حول فكرة إشراك المجموعات المسلحة في هذا المؤتمر باعتبارها أطرافاً أساسية، وهو ما يرفضه الأسد وإيران وروسيا، الذين وضعوا فيتو على مشاركة كل من تلوّثت يداه بالدماء، في وقت تسعى فيه كل من واشنطن والدوحة والرياض إلى الإكثار من هذه التنظيمات والفصائل تحت عنوان رفع نسبة مندوبيها إلى المؤتمر العتيد بما يعطيهم اليد الطولى فيه.
وتؤكد المصادر الإيرانية أن تركيا أدركت بما لا يقبل الشك بأنها في نهاية المطاف ستجد نفسها وحيدة في ساحة المعركة في حال فلت الوضع من عقاله واشتعلت النيران عبر الحدود. لا الولايات المتحدة ولا الأوروبيون ولا حتى حلف الأطلسي، سيتدخل نصرة للعثمانيين الجدد. كذلك الأمر في حال التوجه نحو مؤتمر ينتهي إلى تسوية. ترى أنقرة أن ما آلت إليه الأمور سيجعلها تخرج من الحفلة بلا قطعة حلوى حتى. وتضيف المصادر أن التقدير التركي يفيد بأنه في حال الاتجاه نحو تسوية، فإن الإطار الوحيد الموجود حالياً هو «وثيقة جنيف»، التي اتفقت عليها الأطراف كلها ما عدا إيران، وفيها الكثير من النقاط التي تحاكي توجهات الجمهورية الإسلامية، باستثناء «بند مفخخ، هو البند التاسع الذي ينص على سلطة انتقالية رأى الغرب أن شرطها استقالة الأسد، فيما رأى الروس والصينيون أن هذا التفسير الغربي خاص بهم ولم يُتفق عليه في جنيف. وإصرار الغرب على هذا التفسير هو الذي دفع لافروف في العشاء الأوروبي إلى التأكيد، لمرة واحدة وأخيرة، أن أي شيء سيجري سيكون تحت سقف بشار الأسد».
يشار إلى أن طهران سبق أن تقدمت بورقة تنص على وقف إطلاق نار يليه حوار وطني بين جميع الأطراف، باستثناء المجموعات المسلحة، يؤدي إلى مصالحة فانتخابات برلمانية تحت سقف الأسد، تؤدي إلى انتخابات رئاسية. كما تشمل الورقة تأليف لجنة رباعية إيرانية مصرية سعودية تركية للإشراف على هذا الحل.
وتقول المصادر إن الأتراك أدركوا، على ما يبدو، أن الورقة الإيرانية هي الوحيدة المتكاملة، وتحظى بدعم روسيا والصين، وأن الولايات المتحدة ستتفاهم مع موسكو وبكين في نهاية الأمر على وثيقة جنيف وفقاً لتفسيرهما لها بعدما باتت الكفة الروسية والصينية في سوريا أعلى بفعل الصمود الداخلي والدعم الإيراني والعراقي، فضلاً عن أن الورقة الإيرانية حظيت بقبول الرئيس المصري محمد مرسي، حتى بعدما خرجت السعودية منها، وبقبول أوّلي من المبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي الذي يتحرك، مذ تسلم مهماته بشأن الأزمة السورية، وفي ذهنه الطائف اللبناني. بل هناك من يقول إن أصل تعيين الإبراهيمي، الذي يسعى إلى الاستفادة من الورقة الإيرانية ومن اتفاق جنيف، بضوء أخضر أميركي، كان مؤشراً على إمكان قبول واشنطن بصيغة على طريقة الحل اللبناني.
في تفسير طهران لخلفية قبول أردوغان ببدء التفاوض على حل سوري تحت سقف الأسد، تفيد المصادر نفسها بأن «أنقرة وجدت أن الأفضل لها في ظل هذه الهندسة للقوى الإقليمية والدولية الذهاب إلى طاولة التفاهم في نهاية الحرب السورية، مصحوبة بطهران التي لم تقطع معها يوماً، لا وحدها مخافة الانتهاء بصفر امتيازات بدلاً من صفر مشاكل. تريد أن تخرج من المستنقع السوري بدعم إيراني، في الوقت الذي أدى فيه تورط السعودية في مستنقعَي البحرين والقطيف إلى خروجها من المعادلة».
في ذلك اللقاء في باكو، قال أردوغان لنجاد «ما دام الوضع على هذه الحال، تعال نؤلف لجنة اتصال، إيرانية تركية مصرية أو إيرانية تركية روسية، أو كليهما». لم يُعط الرئيس الإيراني جواباً واضحاً. قال «عسى خيراً. لكننا سنتحرك بورقتنا». وأضاف «إن كنتم ستتحركون بوثيقة جنيف، فإن التفسير الغربي لها سيترككم بلا مكاسب. عليكم بالتفسير الروسي الإيراني. كل شيء ممكن وقابل للتحقق تحت سقف الأسد وبمشاركة كل الأطراف المعنية غير الملوثة أيديها بالدماء»، علماً بأن أردوغان أشار، في المؤتمر الصحافي الذي عقده في أنقرة بعد عودته من باكو، إلى لجنة ثالثة مقترحة تضم تركيا ومصر والسعودية.
ويؤكد المعنيون في طهران أن الرهان القطري والسعودي على تركيا يتقلص يوماً بعد يوم. وهما تخطبان ودّ فرنسا على أمل أن تكون رافعة لهما في المعادلة الإقليمية. تسعيان، بدعم باريس على ما يبدو، إلى إيجاد مشروعية لإجلاس المسلحين السوريين إلى طاولة المفاوضات.
و بناءً على ذلك، يبدو واضحاً أن أردوغان قبل مكرهاً بخيمة الإيراني على أمل أن ينجو من مصير «صفر امتيازات»، بعدما تبيّن أن المسار يتجه نحو التسوية وليس الحسم، على قاعدة أن واشنطن _ والغرب عموماً الذي يدير المعركة _ تسعى إلى استنزاف الجميع ليأتوا إلى طاولة التفاوض ضعفاء. في هذه الأثناء، يخوض الجميع سباقاً محتدماً لحصد العدد الأكبر من أوراق القوة في الميدان لصرفها بعد الانتخابات الأميركية على طاولة التفاوض التي لا أحد يعلم ماذا ستكون طبيعتها: طائفاً سورياً كاملاً أو مفخّخاً أو مرقطاً... من دون أن يعني ذلك استبعاد المفاجآت التي لا يمكن استثناؤها من الحسابات، من دون القدرة على قياسها بدقة، كأن ينجح الأسد في حسم ميداني كامل، أو أن يجنّ أحد في تل أبيب.
أنان: طهران مع رحيل الأسد انتخابيّاً
أعلن وسيط الأمم المتحدة السابق في سوريا، كوفي أنان، أن إيران ستقبل سقوط الرئيس السوري بشار الاسد في حال جاء هذا السقوط نتيجة انتخابات في البلاد. وقال أنان، خلال زيارة لواشنطن، «لهم جميعاً نفس الرسالة. عندما سألتهم بإلحاح قالوا نقبل أن يرحل الأسد، ولكن يجب أن يقرر الشعب السوري هذا الأمر من خلال انتخابات، حتى وإن نظّمت تحت سلطة الأمم المتحدة». وأضاف، خلال مؤتمره في معهد بروكينكز حيث يقدم أطروحته (تدخلات حياة في الحرب والسلم)، «إحدى العبارات المختارة التي قالوها لي هي الديموقراطية هي الحل. الديموقراطية هي الرد في سوريا». وندّد أنان بإرسال السلاح الى سوريا التي أصبحت كما قال «على شفير حرب بين طوائف» قد تمتد الى خارج البلاد. وحسب الأمين العام السابق للأمم المتحدة، فإن إيران تؤيد أيضاً حلاً ديموقراطياً في البحرين.
(أ ف ب)
السبت ٢٠ تشرين الأول ٢٠١٢
عبد الله هاشم
لا تترك الهيئات الاقتصادية هذه الأيام مناسبة إلا وتؤكد تكرار رفضها سلسلة الرتب والرواتب للموظفين في القطاع العام. والخطير أنّ هذا الرفض يدخل في سياق معركة يخوضها موظفو القطاع العام لتأكيد حقهم في الحصول على السلسلة وغير مقسطة، فيما الحكومة تماطل في إقرارها وتحويلها في مشروع قانون إلى مجلس النواب. وربما ينتهي عمر هذه الحكومة مع استحقاق الانتخابات النيابية المقبلة، فتطير السلسلة أو ترحّل إلى العهد المقبل.
لقد كان مفهوماً أن تتصدى الهيئات الاقتصادية لتصحيح أجور موظفي القطاع الخاص، باعتبار أنّ هذه الأجور نظرياً تدفعها الهيئات مباشرة (وفعلياً تحمّلها لأسعار السلع والخدمات)، كما هو مفهوم أن تتصدى الدولة لعملية تصحيح الأجور برمّتها، باعتبارها رب العمل الأكبر في البلد.
فما هي قضية الهيئات الاقتصادية مع سلسلة الرتب والرواتب لموظفي القطاع؟ طالما أنّ هؤلاء الموظفين يعملون في الإدارة العامة، والدولة اعترفت على ألسنة مختلف مسؤوليها بأن رواتبهم هزيلة وتحتاج إلى تصحيح، وأن من شأن هذه السلسلة أن تزيل بعض الغبن عن أجورهم؟ ولا سيما أن معظم عمل موظفي هذا القطاع يذهب في خدمة الهيئات الاقتصادية بمؤسساتها وشركاتها. وهل القضية يمكن حصرها بـ«أجور مقبولة» من جانب هذه الهيئات، أم أن القضية تتجاوز ذلك إلى جوهر العلاقة التي تربطها بمؤسسة الدولة وفلسفة «دور» الدولة بقيادة البلد وتنظيم سير قطاعاته المختلفة؟ وهل حقاً تهدد كلفة السلسلة هذه الاقتصاد الوطني، فيما تمارس الهيئات الاقتصادية مع «أركان» الدولة حرصاً غير مسبوق لحماية الاقتصاد الوطني وتفادي تعريضه لأزمات أو انتكاسات؟
يكاد من يقرأ بيانات الهيئات الاقتصادية ومعهم أركان الدولة «الحريصون» على الاقتصاد الوطني أن يحار فعلاً في أمر هؤلاء، ولا سيما أنّ ممارساتهم في إدارة العملية الاقتصادية في البلد تتميز «بشفافية» مطلقة.
أولاً: يختلط باستمرار عندهم نشاطهم في القطاع الخاص بنشاطهم في القطاع العام. فالاثنان عندهم يصبح واحداً. وهنا نعرف أن مشاريعهم الخاصة في الالتزام من الدولة فوق القانون، ومشاريع الدولة هي مشروعاتهم التي تدرّ عليهم ذهباً من العمولات والأكلاف التي تتجاوز كل منطق وكل اعتبار.
من أنشأ «ليبان بوست» مثلاً؟ وكيف حلّت في خدماتها محل وزارة البريد والبرق والهاتف؟ ولماذا استمرت الدولة بدفع رواتب وتعويضات موظفي الوزارة الذين كانوا يناهزون الألف موظف، فيما أعمالهم تقوم بها جهة ثانية؟
ومن أنشأ شركة الخلوي؟ وبأموال من أنشئت هذه الشركات (معروفة بقصة الـ 500 دولار عن كل خط)؟ وكيف رخص لها باستخدام الفضاء اللبناني؟ فيما السائد أن كل رخصة يجب أن يعود حق استثمارها بمئات ملايين الدولارات على الخزينة؟ وكيف تجاوزت الأنظمة والعقود المبرمة معها مجاناً؟ وكيف؟ وبأي كلفة تم فسخ العقود معها؟ ومن دفع؟ ولحساب من؟!
ومن وضع يده على قطاع النفط؟ وكيف؟ وبأية عائدات على الدولة تم ذلك، وهو حق حصري «بالدولة»؟ وكيف استمرت الدولة بدفع رواتب وأجور وتعويضات العاملين في هذا القطاع؟ وكيف تركت مصفاتا الزهراني وطرابلس تهترئان، وقد وضع البعض يده على الكثير من خزاناتها واستخدمها لحسابه الخاص؟
ثانياً: من يتعدي صبح مساء على حقوق الخزينة والمالية العامة؟ أليسوا بالتكافل والتضامن أركان الدولة والفعاليات الاقتصادية؟!
من نظّم إيجارات عقارات تعود للدولة لـ 99 سنة ببدلات لا تساوي قيمة الطوابع الأميرية الملصقة عليها؟ ومن أصدر التشريعات والقوانين بالإعفاءات والتهرّب من دفع الضرائب للشركات الكبرى؟ ولحساب من؟ من أصدر القوانين والأحكام باستملاك عقارات البلد وردم البحر ووضع اليد على أملاك الناس بأسعار شبه مجانية؟ من وضع يده على الشواطئ البحرية والنهرية وقام بشفط الرمول منها وبيعها؟ ومن شرّع ورخّص لأصحاب الكسارات بتدمير جبالنا وتفتيت صخورها، ولقاء أية عائدات للدولة؟ ومن أصدر الأحكام بتعويض بعضهم بعشرات ملايين الدولارات، مقابل هذه «الإنجازات»؟ ومن ترك القضاة يذهبون الى بيوتهم معززين مكرمين، وفي جيوبهم شيكات الرشى أو التهديدات بالقتل؟ من حقق مع من؟ ومن حمى من؟!
ثالثاً: من هي الجهات التي تسبّبت بفشل نظام حماية المسنّين، بضرب قانون الشيخوخة، وتمتنع عن دفع حقوق المضمونين وتهدد صناديق الضمان الاجتماعي بالعجز والإفلاس...
ومن سرق ويسرق أموال وزارة الصحة ومرضاها معاً، وبعد ذلك يطلع علينا أصحاب المستشفيات في كل مناسبة بالتهديد بوقف استقبال المضمونين ومرضى الوزارة إذا لم ترفع الفاتورة... ومن الذي يروّج للأدوية الفاسدة والمزوّرة والمنتهية الصلاحية، ومن الذي يبيع المواد الغذائية الفاسدة، وكلنا يذكر فضائح اللحوم والأسماك الفاسدة... وإلى أية نتيجة انتهت الأمور؟
رابعاً: من الذي يستولي على معظم مشاعات الدولة؟ ومن الذي استولى على الفضاء اللبناني وأنشأ محطاته التلفزيونية؟ وبأي حق؟ وبأي مردود للدولة أو عائدات؟ ولأي القوانين تخضع هذه المحطات التي تطرق على رؤوسنا في كل وقت تبشّر بالانقسام والفتن والحرب على ألسنة هذه الجهات نفسها؟
خامساً: من الذي يزوّر المعاملات للتهرّب من دفع أموال الجمارك في المرافئ الجوية والبحرية وعلى الحدود؟ ومن الذي يتهرّب من دفع بدلات الخدمات من ماء وكهرباء وهاتف و... ومن يلهب الأسواق بالمضاربات المالية والعقارية ويشتري الشقق والمحالّ ويتلاعب بأموال المودعين ويمارس الإفلاس الاحتيالي وحتى... الهرب بأموال المودعين إلى الخارج؟ أليسوا هم المصرفيون وأصحاب الشركات المالية والعقارية؟ ألا يهدد ذلك الاقتصاد الوطني ويحمّل بالتالي الخزينة قيمة الودائع إذا كانت المؤسسة التي تم إفلاسها مصرفاً؟ وبالتالي، ما هو المردود الاقتصادي لكل هذه العمليات (في حال كانت سليمة) على مالية الدولة؟
سادساً: من الذي يزوّر في دفاتره وسجلاته تهرباً من دفع الضرائب المستحقة عليه للدولة، ويقدم للدولة دفتراً ويحتفظ بدفتره الأصلي؟!
سابعاً: من الذي أفلس البلد ورتّب عليه ديوناً تتجاوز الـ 60 مليار دولار؟ وهذه الأموال أليست في جيوبهم وفي صناديق مؤسساتهم؟!
بربكم، اسألوا من تزيّن أبراجه مدخل العاصمة الجنوبية، وتتهيأ ناطحة سحابه بعشرات الطبقات لحراسة مدخلها الشمالي؟ اسألوا هل دفع كل الضرائب المترتبة على هذه الصروح وغيرها في غير منطقة؟ واسألوه أيضاً، وهو إلى جانب كونه صاحب نظرية في الاقتصاد (أين منها نظرية كارل ماركس في عزّها) هل دفع متوجبات الخمس والزكاة على هذه الأموال، وهو المعروف أنه التقي الورع؟ أم أنّه هدد بقطع يده قبل أن يدفع، كما هدد بقطع اليد ذاتها قبل أن يوّقع قرار خفض سعر البنزين لسائقي السيارات العمومية؟!
ثامناً: وهل القطاع الخاص بهيئاته الاقتصادية في حالة «رضىً كامل» عن الدولة ودورها ووضعها، أم أنه يراها فاسدة، مترهلة، وعاجزة وفاشلة وقاصرة؟ وهل يريدونها غير ذلك؟!
تاسعاً: هل تريد الفعاليات الاقتصادية أن تكون الدولة قوية، قادرة وعادلة وتمتلك رؤى وإمكانيات على التنظيم للنهوض بكل جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والتربوية والاجتماعية؟! وكيف تقوم هذه الدولة برأي الهيئات الاقتصادية، فيما تقف هذه الهيئات بالمرصاد لكل مشروع اقتصادي ذي أبعاد اجتماعية حقيقية وواضحة إذا طاولت أكلافه نسبة من مساهماتها مثل ضمان الشيخوخة... إلى مشروع سلسلة الرتب والرواتب، الذي من شأن تنفيذه تصحيح أوضاع أكثر من 180 ألف موظف وعائلاتهم؟
إن مسيرة اللبنانيين الطويلة مع دولتهم وفعالياتهم الاقتصادية لا تشير مطلقاً إلى صدق ما يزعمه هؤلاء من حرص على اللبنانيين واقتصادهم الوطني. ولا يرون في ذلك إلا كذباً مفضوحاً بممارساتهم الخارجة عن كل قيد وكل مألوف. وإن أية مخالفة يرتكبها هؤلاء، وما أكثر مخالفاتهم، كفيلة بتغطية كلفة السلسلة زيادة. إن القضية الفعلية عند الفعاليات هي أنهم إنما يريدون أن يأكلوا وحدهم وأن يخدمهم موظفو القطاع العام والقطاع الخاص من دون أن يحصلوا حتى على الفتات! فرفقاً بنا، كفى دجلاً وفجوراً.
* صحافي لبناني
السبت ٢٠ تشرين الأول ٢٠١٢
من مرات نادرة لا يكون إلى جانبه، لم يكن وسام الحسن في موكب الرئيس رفيق الحريري يوم اغتياله. برّر في ما بعد غيابه بأنه كان يتقدّم لامتحان جامعي. البارحة اغتيل بطريقة مشابهة. كأنها الطريقة نفسها. أو كأنه ــ بعد سبع سنوات ــ اغتيل في موكب الرئيس الراحل
نقولا ناصيف
في المرحلة الأخيرة، أجرى وسام الكثير من التبديل في حياة استثنائية كان يعيشها منذ أضحى رئيساً لفرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي. باع بيته في الصنائع وكرّس بقاء عائلته في باريس. اعتاد لسنوات أن يعيش وحده، فيما عائلته هناك. يزورها من حين إلى آخر، ثم يعود إلى مكتبه الأنيق في جناح فرع المعلومات في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، يلزمه معظم الوقت.
قلّما يتوقع أي أحد أن يرفع في مكتبه صورة لا تمت بصلة إلى منصبه أو وظيفته. ثمّة ما كان يُبرّر وجود صورة رئيس الجمهورية فوق طاولته، وصورة المدير العام في جانب آخر. لكن ما لا يُفسَّر إلا لدى وسام صورة الرئيس رفيق الحريري. لمّا يزل الحريري في صلب منصبه ومهمته، وقضيته.
لم يحظَ بدور كالذي آل إليه قبل اغتيال الرئيس الراحل. أقرب مرافقيه إليه، مسموع الكلمة لديه، والأكثر التصاقاً بمزاجه وقراراته. لم يسهل مرة الوصول إليه من دون المرور بوسام. بعد اغتيال الحريري، استقال من قوى الأمن الداخلي وقرّر الذهاب إلى بيته. أعاده الرئيس فؤاد السنيورة كي يحمله إلى حقبة جديدة مثّلت مجازفة حياته.
مع اللواء أشرف ريفي أشهَرَ وسام عداءً مفضوحاً وعلنياً لسوريا منذ اتهمها باغتيال الرئيس الراحل. في سابقة غير مألوفة، لم يجارها الجيش، وضعت قوى الأمن نفسها في المقلب الآخر مع نظام الرئيس بشّار الأسد. في المقلب المعاكس للحكومة اللبنانية التي هادنت دمشق مرة، وصالحتها أخرى، وتعاونت معها في معظم الأحيان، في حكومتي الرئيسين فؤاد السنيورة وسعد الحريري. في هذا المكان فقط لم يتصوّر وسام ــ ولا يتصوّر اللواء أشرف ريفي اليوم كما قبلاً ــ أن قوى الأمن هي جزء من الدولة اللبنانية في هذا الخيار. ذاك ما كان يعنيه أنهما لا يصغيان إلا إلى اغتيال الحريري الأب. قيل أحياناً إن وسام أوسع نفوذاً من المدير العام، وقيل أيضاً إن للمدير العام من حصانة الدور ما يمكّنه من رفض أمر رئيس الجمهورية. قيل إن الاثنين لا يتبعان وزير الداخلية، بل هو الذي يتبعهما. معهما أصبحت قوى الأمن على صورة قوى 14 آذار، وإلى حدّ بعيد جيشها.
لم يُخفِ وسام مرة القول إنه في قلب تيّار المستقبل، وإنه رجله القوي في قوى الأمن. لأنه كذلك، أصبح رئيساً لفرع المعلومات الذي يحتاج إليه السفراء جميعاً، ووزراء التيّار وقوى 14 آذار ونوابهما جميعاً. لا أحد بين نظرائه على رأس أجهزة الاستخبارات طلبت استخبارات العرب والغرب التعرّف إليه، وزيارته إياها، والحصول على المعلومات المتوافرة لديه، والتنسيق معه. ولا أحد سواه وفرعه أعطي التجهيزات والأموال والقدرات التي مكّنته من كشف شبكات تجسّس وخلايا إرهابية، والتحوّل قوة ضاربة.
كان على وسام أن لا يكتفي بضمان سلامة قوى 14 آذار، بل أن يطمئنها إلى أنه يحميها. كلما بلغته معلومات أو تقديرات باحتمال الاعتداء على أحد منها سارع إلى تنبيهه. يذكر له الرئيس أمين الجميّل والنائب سامي الجميّل وسمير جعجع وآخرون كثيرون هذا الفضل.
عندما تصالح الحريري الابن مع الأسد، علم قليلون بأن وسام زار دمشق واجتمع بالرئيس السوري الذي رغب في التعرّف إليه. قيل إن الأسد سأل عنه في لقائه الثاني برئيس الحكومة آنذاك. كتم وسام موعد اللقاء، وأفصح أنه استغرق أكثر ممّا كان متوقعاً. أكثر من ساعة. سأله الأسد عن الكثير من مهنته وحادثه بلطف في مسائل شخصية تتصل بحياته وعائلته. عندما عاد إلى بيروت، وأطلع بعض أصدقائه على الزيارة تلك، لم يُوحِ أبداً بأنه فتح صفحة جديدة مع سوريا، وتخلّص من عدائه لها، ومن اعتقاد مسبق ليس سهلاً تبديده فيه، أنها لم تنتزع منه الرئيس الراحل. لم يصدّق كذلك أن الحريري الابن تصالح مع سوريا.
لم توحِ قسماته الهادئة بأنه يهوى اصطياد الحيوانات الضارية. ولم ينتبه من اليوم الأول، ككل ضابط استخبارات محترف، أن في غابة مهنته ضراوة. من مرافق لرئيس الحكومة بنى شبكة واسعة من العلاقات العامة إلى ضابط استخبارات تغلغل في كل الإدارات والمؤسسات، في بيوت السياسيين وأسرارهم، وفي هذا الكمّ من الملفات والتقارير التي تختلط فيها أوراق مخبريه بوثائق سفارات متعاونة. في مكتبه حيوانان ضاريان مُصبّران. اصطادهما وسام قبل سنوات في أفريقيا وجلبهما إلى مكتبه. أسد وفهد ضخمان. عدّهما دائماً فأل خير من أجل أن يكسب مواجهة ضارية أخرى يخوضها.
هكذا في مهنة جمع المعلومات والاستقصاء، في فرع ظلّ حتى اللحظات الأخيرة في حياته غير قانوني، تحوّل وسام إلى لاعب في لعبة لم يكن يسعه أن يُقدّر ـ ولا أي أحد سواه ـ أنها ستقوده وقوى 14 آذار، من معركة قاسية هي كشف قاتل الحريري الأب إلى أخرى تهزّ نظاماً برمته.
ربط اغتيال وسام بكشف خطة الوزير السابق ميشال سماحة، نقل عبوات من سوريا إلى لبنان، قد يكون قليلاً. وقف هذا الرجل عند التقاطع الخطير الذي وقفه قبله الحريري الأب، وقبله الرئيس رينيه معوّض، وقبله الرئيس بشير الجميّل، وقبله كمال جنبلاط. قد يكون كثيراً على ضابط أن يضع نفسه عند هذا التقاطع الخطير.
العدد ١٨٣٩ السبت ٢٠ تشرين الأول ٢٠١٢
أقام اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني حفل التخرج المركزي لطلاب الاتحاد نهار الأحد 14 تشرين الأول في قصر الأونيسكو في بيروت.
تخلل الحفل كلمات وتحيات، بدأت مع كلمة للطلاب ألقاها الطالب جاد دياب شدد فيها على أهمية الثقافة والعلم عند كل الطلاب وشكر فيها الاتحاد على مبادرته، ثم كلمة بإسم الأساتذة والمعلمين ألقاها د. عماد سماحة تطرق فيها إلى موضوع سلسلة الرتب والرواتب وحقوق المعلمين وموظفي القطاع العام، كما طلب من الخريجين الجامعيين الانخراط في سلك التعليم الرسمي لأهميته التربوية. ثم كانت كلمة الاتحاد ألقاها رئيس الاتحاد علي متيرك عرض فيها للواقع السياسي الذي يمر به البلد والذي يفرض على الشباب ظروف معيشية صعبة تدفعهم إلى الهجرة، ودعا الطلاب إلى النضال من أجل حقوقهم وتحقيق تغييرات في بنية النظام القائم.
بعد ذلك استمع الحضور إلى تحية فنية قدمتها فرقة الاتحاد ثم تلاها توزيع الشهادات على الخريجين الجدد.
ثم توجه الطلاب بالتعاون مع حملة "الشعب ضوا راسو" إلى وزارة التربية حيث أقاموا اعتصاماً أمام مبنى الوزارة وألقى الطالب أحمد ابراهيم كلمة باسمهم عدد فيها مطالبهم من الدولة ووزارة التربية حيث طالبوا بمراقبة أسعار الكتب وتحديد الأقساط وتطوير وسائل التعليم الحديثة في المدارس الرسمية وتأمين التجهيزات المختبرية والصفية اللازمة، كما أيدوا مطالب الأساتذة والمعلمين في موضوع سلسلة الرتب والرواتب وأبدوا الدعم الكامل لهم.
«لن تكون الأخيرة، ليست المرة الأولى». طائرات الاستطلاع التابعة للمقاومة في لبنان حلّقت، وستعاود التحليق، فوق الأرض المحتلة. هذه المعطيات كشفها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله أمس، متبنّياً الطائرة التي أسقطها الجيش الإسرائيلي قرب ديمونا قبل يومين
عودة إلى فلسطين. وهذه المرة إلى سمائها. الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله كان مفاجئاً أمس. الطائرة التي أعلن الجيش الإسرائيلي خرقها أجواء فلسطين المحتلة قبل ثلاثة أيام لم تعد مجهولة المصدر. أطلقتها المقاومة من لبنان. جمعها المقاومون، بعدما صنعت في إيران. كذلك أعلن تسميتها باسم الشهيد حسين أيوب، وهي ليست الأولى التي تخرق فيها المقاومة الأجواء الفلسطينية، ولن تكون الأخيرة. إعلان نصرالله أمس سيترك أثراً كبيراً على المواجهة المفتوحة مع إسرائيل. فعادة المقاومة أنها عندما تكشف عن واحدة من مفاجآتها، تخفي خلف ما تكشف عنه مستويات أعلى من القدرات التقنية والعسكرية. وأهمية الطائرة التي وصلت إلى سماء فلسطين المحتلة تكمن في تطورها، وقدرتها على حمل أجهزة الرصد والتصوير والتوجيه والبث، كما قدرتها على حمل أوزان كبيرة. وبالتالي، فإن البعد الاستطلاعي لهذه الطائرة يخفي بعداً عملياتياً عسكرياً سيفتح أفقاً جديداً أمام المقاومة في أي حرب مقبلة. وبحسب بعض المطلعين على التكنولوجيا الإيرانية، فإن محركات هذا النوع من الطائرات وأجهزة البث والتحكم الموجودة فيها تمكنها من التحليق على ارتفاع آلاف الأمتار، والوصول إلى مئات الكيلومترات. ويبرز هنا تلميح نصرالله إلى أن بإمكان الطائرة الوصول إلى جزيرتي صنافير وتيران السعوديتين اللتين احتلتهما إسرائيل عام 1967، والواقعتين جنوبي شبه جزيرة سيناء. وهذه الطائرة قادرة على التقاط صور دقيقة حتى للأشياء الفائقة الصغر، علماً بأنها حلقت فوق مواقع إسرائيلية شديدة الحساسية. وهي تبث ما تلتقطه من صور مباشرة، أي إن مستخدميها لا ينتظرون إعادتها لتفريغ ما صوّرته.
ويكشف هذا الخرق الذي حققته المقاومة واقع القدرات الردعية الإسرائيلية، بعد الدعاية التي قامت بها قوات الاحتلال لمشروع «القبة الفولاذية» الذي قيل إنه سيحمي إسرائيل من أي خرق صاروخي أو جوي بشكل عام. وسبق أن صورت إسرائيل هذا المشروع _ الذي نُفّذ بمشاركة تقنية ومالية أميركية (مئات ملايين الدولارات) _ لجمهورها كأنه أداة حماية غير قابلة للخرق. لكن الخرق وقع، ولا بد أن يترك أسئلة لدى هذا الجمهور، فضلاً عن أثره السلبي على الصناعات العسكرية الإسرائيلية (والأميركية ضمناً، ربطاً بالتقنية المستخدمة في المشروع، وبشبكة الرادارات التي تغطي فلسطين المحتلة وشرقي المتوسط) التي سبق لها أن تلقت ضربة تسويقية كبيرة في حرب تموز 2006، حين اختبر ميدانياً الجيل الأحدث من دبابات الميركافا وأظهر عيوباً قاتلة.
من جهة المقاومة، فإن إطلاق الطائرة نحو فلسطين المحتلة يعيد ترتيب الأولويات لناحية إشارة الأمين العام لحزب الله أمس إلى أن القوة الرئيسية من المقاومة لا تزال تصبّ جهدها في المكان نفسه، أي في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. كذلك فإنه يفتح الباب أمام المقاومة لإرساء معادلة جديدة في الصراع مع الاحتلال، مفادها أن الخرق الجوي للبنان يقابله الخرق الجوي لسماء فلسطين المحتلة.
وأشار نصرالله إلى أن حديثه هو بمثابة إعلان وتبنّي لطائرة الاستطلاع، معتبراً العملية نوعية ومهمة جداً في تاريخ المقاومة في لبنان والمنطقة، و«القصة أجمع الإسرائيليون على أهميتها ودلالاتها». وأوضح أن المقاومة أرسلت طائرة استطلاع متطورة _ أكثر من طائرة الاستطلاع «مرصاد» التي كشف عنها سابقاً _ من الأراضي اللبنانية باتجاه البحر، «وسيّرتها مئات الكيلومترات فوق البحر، ثم اخترقت إجراءات العدو الحديدية ودخلت جنوب فلسطين وحلقت فوق العديد من المواقع المهمة قبل أن يتم اكتشافها من قبل سلاح الجو الإسرائيلي».
وأكد نصرالله أن الطائرة «أقلعت وسارت في المسار المحدد لها عشرات الكيلومترات، وهي صناعة إيرانية، وليست روسية، وهي من تجميع شباب من حزب الله»، وأنها المرة الأولى التي يجري فيها استخدام طائرة من هذا النوع، وتصل الى هذا العمق وتلك المنطقة الحساسة.
ولفت السيد إلى أن إسقاط الطائرة «أمر طبيعي ومتوقع»، وأن الإنجاز هو أن تسير مئات الكيلومترات في منطقة مليئة بالرادارات. و«في كل الأحوال، بعض الاسرائيليين تحدثوا عن فشل موضوعي بالقول إن الفخر الإسرائيلي بأن المجال الجوي غير مخترق، تصدّع».
ونوّه نصرالله بالمجاهدين، وتوجه إليهم بالشكر لأنهم «سخّروا عقولهم وجهدهم في سبيل الدفاع عن أهلهم وأمتهم». وترك السيّد للإسرائيليين «البحث عن قدرات الطائرة الاستخبارية والعملانية، خصوصاً أنها تمكنت في التجربة الأولى من السير فوق الماء، وكلنا يعرف ماذا يوجد فوق الماء، ومن السير فوق اليابسة وكلنا يعرف ماذا يوجد فوق اليابسة».
وأشار نصرالله إلى أن ما حصل يكشف جزءاً من قدرات المقاومة، ولا ينتقص من حجم المفاجآت التي لديها، بل تكشف هذه العملية «أننا نملك القدرة على إخفاء قدراتنا، وعلى إظهارها في الوقت المناسب، وبعث الرسائل المناسبة في الوقت المناسب، ومن حقنا الطبيعي أن نسيّر رحلات استطلاع متى نشاء، وهذه الرحلة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، ومع هذا النوع من الطائرات نستطيع الوصول الى أماكن كثيرة».
وأطلق السّيد على هذه العملية اسم الشهيد حسين أيوب، «الذي كان من أوائل المؤسسين لهذا السلاح في الحزب»، وعلى الطائرة اسم «أيوب»، مؤكّداً أن هذا العمل وهذه القدرة استغرق إعدادهما وقتاً طويلاً، و«هذا يؤكد أن فريقنا الأساسي لا يشغله عن العدو الاسرائيلي أي شيء، مهما كانت النزاعات الإقليمية والمحلية كبيرة».
وتوقّف الأمين العام لحزب الله عند حادثة انفجار مخزن للسلاح في بلدة النبي شيت البقاعية، والتي استشهد فيها ثلاثة مقاومين، مؤكّداً أنه «لا يمكن الحديث في لبنان عن جبهة أمامية وجبهة خلفية، والجبهة الأمامية هي كامل مساحة عمل العدو». وأشار نصرالله إلى أن من يتحدث عن المخازن في النبي شيت تحدث أيضاً عن حادثة خربة سلم، «فمشكلتهم ليست مع المخازن، بل مع أصل وجود مقاومة تقاتل العدو الاسرائيلي وتقف بوجه مشروعه في المنطقة». وقال إنه «لا توجد أي مقاومة في العالم تضع كل إمكانياتها في المنطقة الحدودية، أو في الجبهة الأمامية، فهذا الأمر غير منطقي، ومن الطبيعي أن تكون قوات الدفاع موجودة ومنتشرة في كامل المساحة، وأن يكون سلاحها ومخازنها كذلك، لأنه إذا جمعنا كل سلاحنا في عدد قليل من المخازن، يمكن اكتشافها وقصفها بسهولة». وأشار نصرالله إلى أن مخازن المقاومة يجب أن تكون سرية وتتبع فيها إجراءات، لكن من الممكن أن يحصل أي خلل تقني أو بشري كما حصل في النبي شيت.
الجمعة ١٢ تشرين الأول ٢٠١٢
أربكت طائرة استطلاع «مجهولة» القيادتين السياسية والأمنية في إسرائيل بعد تحليقها في عمق فلسطين المحتلة، وصولاً الى ما فوق المنشآت والقواعد العسكرية، قبل أن تسقطها. وتوزعت الاتهامات على أكثر من جهة بإرسال الطائرة، حتى رست على حزب الله
يحيى دبوق
اخترقت طائرة تجسس عسكرية، من دون طيار، أجواء إسرائيل السبت الماضي، ونجحت في التحليق لمسافة وصلت الى مئة كيلومتر فوق المنشآت والقواعد العسكرية التابعة للجيش الإسرائيلي. المتهم، بحسب التقديرات والمؤشرات: هو حزب الله. أهداف الخرق: جمع معلومات استخبارية، وكشف نقاط ضعف الدفاعات الجوية في إسرائيل. أما مدة التحليق، فغير مسبوقة: ما يزيد على نصف ساعة، الى أن جرى اعتراضها وإسقاطها. والدلالة الأساسية، التي أغفلت إسرائيل الحديث عنها، هي الفشل والإخفاق الاستخباري والعملياتي.
وسبّب خرق الطائرة، غير المسبوق لجهة حجمه ومدته ومساره، إرباكاً وبلبلة شديدين في المؤسستين السياسية والعسكرية في إسرائيل، إذ تفاوتت الأنباء وتناقضت، الى أن استقرت أخيراً على اتهام حزب الله بالوقوف وراء عملية إطلاق الطائرة وتسييرها. وأشار عدد من المراسلين العسكريين الى أن حزب الله تلقى في الفترة الأخيرة «طائرات متطورة غير مأهولة، وصلت إليه عبر الجيش السوري، ومنشأها إيران وروسيا».
ووصف وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، الحادث بـ«الخطير جداً»، متوعداً بأن إسرائيل ستدرس الرد على من أرسل الطائرة، من دون أن يوضح طبيعة الرد الموعود. أما رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، فتطرق في بيان مقتضب الى الحادث، مثنياً على الجيش الإسرائيلي في التشخيص السريع والعمل الناجح، وقال «سنواصل الدفاع عن حدودنا في البر والبحر والجو من أجل أمن مواطني إسرائيل». أما رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، بني غانتس، فسارع الى عقد جلسة لتقويم الوضع في الأركان العامة. ونقل المراسلون العسكريون تقارير أفادت بأن الجلسة خصصت «لفهم أشمل لصورة الخرق، وأيضاً من أجل درس كل طرق العمل الممكنة، ومن بينها القيام برد إسرائيلي، على من أرسل الطائرة».
ورغم تهديد باراك بالرد، إلا أن مصدراً أمنياً إسرائيلياً رفيع المستوى استبعد الرد من أساسه، وقال لموقع «واللا» الإخباري العبري على الإنترنت إن الرد يجب أن يدرس بعناية، إذ لا يمكن التسبب بمواجهة أو حرب إقليمية، على خلفية هذا الحادث، بينما أشارت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، الى أن «إسرائيل ما زالت تتخبط إزاء شكل رد فعلها على هذا الحدث، ومن الجائز أن تظهر ضبطاً للنفس بسبب الوضع الحساس في المنطقة، الذي يمكن لأصغر عمل عسكري أن يؤدي إلى انفجار كبير».
وكانت القناة العاشرة في التلفزيون العبري قد نقلت عن مصادر أمنية إسرائيلية قولها إن «الجيش يواصل البحث ودراسة الحادث. وبعدما كان الاعتقاد بأن الطائرة كانت قد أقلعت من قطاع غزة، تبيّن بعد الفحص الذي أجراه الجيش أنها لم تنطلق من القطاع، ويرجحون في المؤسسة الأمنية بأن يكون حزب الله هو الجهة التي أطلقتها»، فيما قالت مصادر أمنية إسرائيلية أخرى لموقع «واللا» الإخباري العبري إن «التقدير السائد هو أن حزب الله يقف خلف إرسال الطائرة». وهذا ما عادت وأكدته الإذاعة العسكرية التي أشارت أمس الى أن «الاعتقاد يتعزز لدى الجيش الإسرائيلي بشأن وقوف حزب الله وراء اختراق الطائرة للأجواء الإسرائيلية».
وقالت مصادر عسكرية إسرائيلية للقناة العاشرة إن «كل المؤشرات تدل على أن الطائرة انطلقت من لبنان، وسواء كان الإيرانيون هم من أطلقوها، أو حزب الله، فالفارق ليس كبيراً». وبحسب المصادر، فإن «الواضح أن مهمة الطائرة كانت جمع معلومات استخبارية، ويتبين من مسارها أنها تجاوزت الدفاعات الجوية، ودخلت الى إسرائيل من البحر، من ساحل منطقة عسقلان. وقد شخّصتها أجهزة المراقبة في هذه المنطقة، لكن الأمر تطلب وقتاً للتعرف عليها». فيما أشارت تقارير إعلامية أخرى، الى أن «أحد السيناريوهات التي يقوم الجيش بالتحقيق فيها، هو أن الطائرة كانت في طريقها للتسلل الى منطقة مفاعل ديمونا النووي، لفحص دفاعاته، تمهيداً لإمكان ضربه في أي حرب مستقبلية».
وأفاد موقع صحيفة معاريف على الإنترنت، بأنه اتضح من التحقيقات التي أجرتها المؤسسة الأمنية أن الطائرة تحركت فوق البحر المتوسط، من خارج الأراضي الإسرائيلية، وتحديداً من الشمال الى الجنوب، وعندما وصلت الى منطقة غزة توجهت شرقاً، ومرّت فوق القطاع ودخلت الى إسرائيل، الى أن تم اعتراضها وإسقاطها بالقرب من الخليل.
وأشار المعلق الأمني لصحيفة يديعوت أحرونوت، الى وجود ترجيحات «عالية جداً» بأن حزب الله هو من أطلق الطائرة وسيّرها، وتحديداً من لبنان، وبرعاية من الإيرانيين، وقال إن «الهدف من إطلاق الطائرة كان فحص نجاعة رادارات الجيش الإسرائيلي، والإجراءات المتبعة من قبل الدفاعات الجوية»، مضيفاً إن «الطائرة أطلقت بداية من لبنان باتجاه الغرب، بعيداً فوق مياه المتوسط، ثم عادت واتجهت جنوباً، ومن ثم سلكت مساراً محدداً فوق قطاع غزة، الذي يعد ممراً تسلكه الطائرات الإسرائيلية من دون طيار»، منوّهاً بأن «هذا المسار جرى اختياره بدقة وعناية فائقتين، ويدل على حرفية عالية لدى من قام بتسيير الطائرة وتشغيلها، وهم على ما يبدو، عناصر من حزب الله».
وأشارت صحيفة يديعوت أحرونوت، أمس، الى أن اختراق الطائرة للأجواء الإسرائيلية من لبنان ليس إلا إنذاراً لإسرائيل بأنها ستشهد في المستقبل، إذا وقعت الحرب بينها وبين حزب الله، دخولاً كثيفاً لطائرات كهذه، والتي قد تكون محملة بمواد متفجرة، مضيفة إنه لا يمكن أن نتجاهل أن «الطائرة حلقت غير بعيد من مفاعل ديمونا النووي، الأمر الذي سيكون مدعاة لاحتفال (الأمين العام لحزب الله السيد حسن) نصر الله والإيرانيين».
وكشفت الصحيفة «أنهم في إسرائيل يُعتّمون عمداً على المعلومات المتعلقة بدخول الطائرة الى الأجواء الإسرائيلية، لأنهم في لبنان وإيران ينتظرون أي معلومة تصدر من إسرائيل، إزاء كل ما يتعلق بحادثة الطائرة، كي يستخلصوا العبر العملياتية، ومن بينها أين توجد نقاط ضعف الدفاع الجوي الإسرائيلي». وأشارت الى أنه «يفترض بالإسرائيليين أن يعرفوا أن الطرف الثاني يبحث طوال الوقت عن نقاط ضعف (لدى إسرائيل)، وهو ما يسمّيه نصر الله، سلاح المفاجأة، الذي يهدف الى سحق أعصاب دولة إسرائيل».
العدد ١٨٢٨ الاثنين ٨ تشرين الأول ٢٠١٢
ديما شريف
حين عدت من قبرص بعد زواجي المدني هناك في حزيران الماضي، اعتقدت أنّ أكثر الأمور إزعاجاً قد ولى، أي ما واجهته في السفارة اللبنانية هناك. لم أكن أعرف أنّه ستمر 4 أشهر، وأنا لا أزال غير قادرة على الحصول على إخراج قيد يفيد بأنّي متزوجة. إذ طال انتظاري في السفارة أكثر من مراسم الزواج نفسه. ساعة ونصف الساعة من أجل تصديق 3 نسخ من عقد الزواج وإيداع نسخة رابعة في السفارة، انتهت بأن غادرت أنا وزوجي من دون الحصول على إيصال دفع رسوم التصديق لأنّهم لم يستطيعوا إيجاد الموظف المسؤول (اللبناني طبعاً)!
بعدما وصلت وثيقة الزواج من قبرص (متأخرة أسبوعين)، حاولت أن أحصل من «الخارجية» على رقم تحويلها إلى «الداخلية». لكني كنت كلّما اتصلت، وطلبت الحديث مع من يساعدني في الموضوع، كان يقال لي إن الشخص المعني غير موجود. صباحاً، ظهراً وقبل نهاية الدوام، هذا الشخص غير موجود، إلى أنّ تكرمت علي إحدى الموظفات باعطائي المقسم الداخلي له، ليتضح أنّ المقسّم لا يعمل! في النهاية وجدت الشخص المعني فعلياً (وهو غير الشخص الشبح الذي بحثت عنه لأسبوعين). الموظفة اللطيفة أعطتني ايصالاً توجهت به إلى دائرة المغتربين في وزارة الداخلية. هناك رحّب بي الموظف كثيراً إلى أن قلت له عبارة «زواج مدني»، فأصبح لون وجهه رمادياً. بحث قليلاً في حاسوبه ثم أعطاني تاريخ الوثيقة ورقم تحويلها إلى دائرة النفوس في طرابلس (حيث سجلي) وقال «مع السلامة». سألته «ماذا أفعل هناك؟». أجاب «اذهبي الى طرابلس وهم يفسّرون لك... مع السلامة».
في دائرة النفوس في طرابلس، ترحّمت على «لطافة» المسؤول في دائرة المغتربين. إذ ما إن سمع الموظف الطرابلسي الأصيل كلمة زواج مدني حتى بدأ بالصراخ بأنّ الموضوع ليس من صلاحياته، وأني أعطله وأنّ علي أن أذهب إلى الشباك الثاني حيث يتم التعاطي مع الزواج. عبرت «مسافة» المتر ونصف المتر التي تفصل بين الشباكين، لأفسّر للموظفة التي تقف وراء الشباك الثاني ما أريده. «لا زواج مدنياً في لبنان، لا يمكنني مساعدتك»، قالت، وقفلت عائدة إلى الغرفة الخلفية!
هنا أدركت أنّه حان وقت «فش خلقي» بموظفي السفارة والخارجية والداخلية في هذه «المعترة». ناديتها، وقلت لها إنّه إذا لم أقابل فوراً رئيس الدائرة «رح أعملكن مصيبة، ورح أرجع على الوزارة ببيروت وفرجيكون شو بعمل... هذا حقي ولا أطلب منكم سوى تطبيق القانون»، رغم أنّني لا أعرف فعلياً كيف «سأخرب بيتهم». ويبدو أن الصوت العالي ينفع، إذ استدعت زميلتها التي فسّرت لي أنّ علي العودة إلى الشباك الأول، لأن الوزارة أرسلت الوثيقة من بيروت الى ذاك الشباك تحديداً، وشرحت لي أنه «ما إن تنتقل الوثيقة من الشباك الأول إلى الثاني سيسجّل الزواج». عدت إلى الشباك الأول ليعيد الموظف المعزوفة نفسه. فأعدت أنا كل ما قلته للموظفة بصوت أعلى من قبل. حينها أصبح الموظف، بقدرة قادر أيضاً، لطيفاً. وسرعان ما وجدت نفسي في مكتب السجلات مع موظفة متفرغة لمساعدتي!
لكن مهلاً، الأمر لم ينته بعد. فقد اتضح أنّ وثيقة زواجي وصلت بالفعل إلى طرابلس، وتم تسجيلها في السجلات، لكن يحتاج الأمر إلى أسبوعين لنقلها من الشباك الأول إلى الثاني، وهو ما لم يحصل بعد! هكذا أنا لا أزال «تحت نصيبي»، وذلك حتى إشعار آخر.
الاثنين ٨ تشرين الأول ٢٠١٢
في مقابلته مع قناة الميادين، علق الفنان المبدع زياد الرحباني على قدرة حزب الله من خلال مقاومته لإسرائيل أن يغير التفكير بعدم إمكانية هزيمة إسرائيل وقوتها العسكرية. وقد لفت الرحباني أن المجتمع الدولي اليوم واقف بحيرة امام مسألتين، الأولى أنه غير موافق على حزب الله وسلاحه، كما غير موافق على إدانة إسرائيل، أي أن المجتمع الدولي اليوم يقف خارج القواعد التي يعمل بها عادة ويقوم برؤية الأمور على أساس خرق بخرق.
وشدد الرحباني أنه ليس موافقاً على سلاح حزب الله معتبراً أنه خرق بكونه سلاحاً أكبر من سلاح الجيش اللبناني، متسائلاً "من يجب أن يسلح الجيش اللبناني، أهو حزب الله أو الحكومات التي تتعامل مع الدولة اللبنانية، ولماذا ترفض الدولة أن تتسلح من روسيا أو من غيرها؟".
اليكم الحديث المفصل.
محمد عنان - السعودية بصراحة : بعد مرور عدة سنوات على غيابه عن الشاشة اختار المبدع اللبناني زياد الرحباني قناة الميادين ليطل عبرها في لقاء استثنائي ضمن برنامج "في الميادين" مع الاعلامي غسان بن جدو.
تحدث زياد في بدايه الحلقة عن الصمت او "الانقطاع كما وصفه" الذي خيّم على علاقته بالاعلام طيلة السنوات السابقة رغم النشاطات التي كان يقوم بها خارج بيروت، واكد ان قرار الصمت الحقيقي اتى مع بدايه الربيع العربي، اما عن الموسيقىى واللون الجدلي الذي يتميّز به وعلاقة ما يقدمه بانتمائاته، عبر زياد عن قناعته بعدم وجود رابط بين الانتماء ونوعية الموسيقى بدليل انه من اقل الاشخاص الذين لم يقدموا اعمالاً مباشرة تتعلق بالقضية الفلسطينية وعجزه عن التعبير عن ذلك فنياً رغم كونه مناضلاً في هذه القضية ليستحضر بعد ذلك المرحلة التاريخية التي انتقل بها الى الانتماء اليساري وخيار المقاومة، واعلن ان سبب عودته الى جريدة الاخبار اللبنانية هو كونها خلاصة الاشخاص الذين ما زال بالامكان التعاطي معهم بموضوع الانتماء.
ووصف زياد ما يحصل اليوم في العالم العربي قائلاً: "ما يحصل الان شي عرمرمي مألف من شي 100 نوع صراع"، وتطرق للحديث عن الوضع الحالي في مصر بالقول "قليلة بمصر تصير تفتش عن العروبيين، مصر هلق مش هيدي هيي صورتها" وانه يفضل في حال حصل صدام في الشارع المصري مع الجزء الرئيسي من الاشخاص الذين قاموا بالثورة ولم يفوزوا بالانتخابات، ان يتجه الوضع نحو "الحسم" او هناك حل آخر يكمن بضبط المال والاعلام الخارجي لأنه خطير، واضاف قائلاً: "يا الاميركان بدن يصيروا ياخدوا دورات عن الفكر الاسلامي وفكر الاخوان ليفهوا عليهن عطول".
وكشف زياد عن استيائه من الاعلام اللبناني الحالي بسبب تخطيه كل الحدود واصفاً اياه بالقول "شي وقح وفالت ما عندو حدود واخلاق المهنة"، وتحدث عن انزعاجه من النمط الاعلامي الحالي ومن بعض الظواهر الغربية كارتداء بعض الاعلاميين صليباً بحجم عائلي "بحجة اعتقاده ان مذيعات تلفزيون المنار اللواتي يرتدين حجابا يفعلن ذلك ضده"، وعن ظاهرة التقليد قال الرحباني "في كذا محطة عم يقلدوا محطة lbc بالبرامج “التوك شو” وعم يقلدوا شخص واحد مفكرينو هوي ذروة النجاح وماشيين بهالاتجاه وهيدا الزلمة بالذات عندو نسبة وقاحة بالتعاطي مع السياسيين ومع القضايا ما شايفينا بالعالم بعد"،
اما اخطر ما صرح به زياد حينما ربط حل مشكلة الاعلام بالجيش فقال "الو حلة الاعلام وحلة الاعلام بتجي مع غيرو من المجتمع، في تدابير لازم ياخذها قائد الجيش تشمل الاعلام" مقترحاً اجراء استفتاء شعبي حول ما يفعله الاعلام.
وعبّر زياد عن موضوع اهانة الاديان من قبل الدول الخارجية بالقول "التحركش بالاديان واهانه الاديان مقصودة وعارف ابعادها بس حاسس حالو حاكم العالم".
وعلى صعيد آخر تحدث زياد عن ثقافة الجاز والالوان الاخرى في الموسيقى التي يقدمها وعن كرهه لموسيقى البلوز الذي يوازي كرهه لاحد المعارضيين الحاليين الموجوديين خارج بيروت والذي يحمل مسؤولية الاخوان المسلميين مسترشداً بشعار الرئيس سليم الحص الذي اطلقه في انتخابات العام 2000 "ما بصح الا الصحيح" وتمنى لو انه قام بتسجيله كعلامة تجارية ليقوم بعد ذلك بانتقاد تيار المستقبل بالقول "ليش المستقبل بخلوك تلبس شي ازرق او تعمل شي ازرق" وعندما رد عليه غسان "حضرتك لابس ازرق" اجابه زياد "هيدا مش ازرق تبعن وبعدين يبلطوا البحر انا ابن فيروز".
استكمل الاعلامي "غسان بن جدو" ليلة الجمعة الجزء الثاني من الحوار مع الفنان زياد الرحباني ضمن برنامج "في الميادين" الذي يقدمه عبر قناة الميادين.
في المحور الاول من الحلقة تحدث زياد عن انتماءه للحزب الشيوعي وعن الرابط بين هذا الانتماء وتأييده لحزب الله قائلا في البداية "انا مع الحزب الشيوعي بس ما معي بطاقة وما عندي مشكلة يكون عندي بطاقة "، واضاف ان العلاقة مع حزب الله اتت متأخرة بعد انتمائه للحزب الشيوعي، ثم تحدث عن الياس عطالله الذي وصفه بالـ"رفيق السابق " بسبب انشقاقه عن الحزب الشيوعي وتركه ليبيا والعراق وانضمامه لميزانية شركة "اوجيه" و"سوليدير" و"سوكلين" وصولا الى "زيتونة باي" معلقًا "مش عم بعرف الفظها لهلق لان لفظها عبري" منتقدا بعد ذلك المجموعات التي انشقت عن اليسار لتشكل خطاً يعرف بالـ"يسار الديموقراطي" بالقول "ليش مين قلن انو نحنا مش ديمقراطية وشو كان عم بفشخ كل هالوقت" خاصة بعد انضمامهم للمقلب الآخر الممول من قبل معونات الاميركيين من خلال مؤسسات غير حكومية وميزانيات هائلة واصفًا اياها بـ "جمهورية اسرح وامرح" .
وفيما يخص المقاومة صرح "الرحباني" ان الحزب الشيوعي لم يعد باستطاعته التفرغ لمشروع المقاومة بسبب بعض الظروف وقلة التمويل مشيرًا في سياق الحديث الى وليد جنبلاط الذي وصفه قائلا "داهية، ما فيك تعرف شو رح يعمل" والذي كشف انه كان سدًا بين الحزب الشيوعي والسوريين، اما عن انتقاد البعض له بسبب تواجده في مهرجان الانتصار عام 2006 وحضوره في مهرجان "الوعد الاجمل" بمناسبة انتهاء اعادة اعمار الضاحية الجنوبية مؤخرا فعلق زياد على حضوره بالمناسبة الاولى قائلاً "بدنا نحتفل بهالنهار لانو لبنان انتصر وبعدو ولانو على قلة العادة ما بتروح الخبرية بسرعة لانها نادرة بتاريخك القصير المعاصر" مؤكدا اقتناعه بان لبنان انتصر وغير كل التفكير الاسرائيلي، اما عن المناسبة الثانية فقال "رحت مع جمهور الناس وكان في ممثل لكل سلك من الاسلاك الامنية" وبالتالي ان سبب حضوره كلن بالاحتفال باعادة بناء الضاحية بهذه السرعة الفظيعة بعد الصواريخ التي دمرتها والمجازر التي حصلت فيها.
اما عن تقربه من حزب الله والسيد حسن نصرالله رغم كونه مسيحيًا وعلمانيًا فقال الرحباني "انا مش "حزب الله" انا بموقع الحزب الشيوعي اللي بدو نفضة "والسيد حسن نصرالله" مش من فوق لتحت كلو دين بالعكس هو اقل خطيب يستعمل الاستشهاد بالاقوال الدينية والقرآن (رغم خطاباته الطويلة) بعكس بعض النواب"، مضيفًا "السيد حسن نصرالله اعطاني جرعة من الاطمئنان واعاد مفاهيم اننا لا نقدر على اسرائيل"، واكد انه لم يدعِ انه سيغير دينه لأن الدين شغلة خاصة بالانسان وان من يحاكمه على اساس الدين فانه يتحدث عن امورًا خارجة عن الموضوع".
اما عن الربيع العربي فابدى الرحباني استغرابه بهذا المسمى قائلا "الربيع ما بشوف فيه الا البلان اللي بيعملك حساسية وتعطيس وبكرا بيضيع لان في ورائه صيف، الربيع العربي بلش يحقق فوضى جذرية اخدتنا مدري لوين"، وعن رؤيته لما يحصل حاليا في سورية اجاب الرحباني: "بكل منطقة شي في مناطق ثورة وفي مناطق فلتت من النظام وفي مناطق مبسوطة بهالشي وفي مناطق عشاير متمسكة بالنظام اكتر من النظام نفسو وفي مناطق ما تأثرت وفي شي اسمو الجيش السوري الحر ثلاث ارباع الحرب بسوريا حرب اعلامية "، مثنيًا على ما فعتله قناة "الميادين" في هذا التوقيت بالوقوف في وجه اقوى قناتين منتقدًا قناه الجزيرة "طلعتها كلها هيدي القطرية كانت مريبه"، ليصف بعد ذلك " الاستاذ ابراهيم الامين" – رئيس تحرير جريدة الاخبار اللبنانية – بانه نموذج عن الفاجومي (اي الانسان المقتحم)، وعن حاجة الحزب الشيوعي لامثاله.
وروى زياد قصة انتقاله الى منطقة بيروت الغربية اثناء الحرب وارجع السبب بذلك الى الامورالخطيرة التي اكتشفها من خلال النقاشات السياسية والاجتماعات التي كانت تحصل في صالون عائلته (كونهم نجوم ولديهم صداقات فنية وسياسية)، والتي كانت تجمع بين الوفد المؤلف من كريم بقدروني وميشال سماحة (والذي كانت يتردد الى سوريا ممثلا حزب الكتائب) وبين الوفد السوري المؤلف من (ناجي جميل علي دوبا وعلي المدني) وانه كان يحضر معهم احيانا كلا من عاصم قانصو وزوجته وتزامن هذه الاجتماعات مع الحرب في مخيم تل الزعتر، وصرح انه كان يرفض دعوة والده للمشاركة بهذه الجلسات وانه كان يقرأ جرائد وانه كشف امرًا خطيرًا حينما قال " كنت سجلهن شو يحكو كنت ممدد اجهزة صوت غير مرئية، وشغلت اختي المرحومة ليال بالمشاركة بهذه التسجيلات"، واضاف ان هذه المعلومات لا تعرفها العائلة ولا حتى والدته السيدة فيروز معلقًا بالقول: "الله يطول بعمرها امي يمكن الليلة ترتعب على هالخبرية مع انو الخبرية خلص مفعولها وما بقا تأثر".
تحدث زياد ولاول مره عن والدته السيدة فيروز، وعن انتمائها السياسي قال "فيروز عندا رأي بالسياسة رح يفاجئ الناس كتير، رأيها بالسياسة اقرب لرأي وانتمائي من الطرف التاني وهيدا الشي لازم تنبسط فيه لان هيدا شي انساني اكتر، ولفت الى ان الرئيس سليم الحص هو من اعز اصدقائها، وتابع ليكشف بعض تفاصيل حياتها اليومية قائلا "امي بتتابع اخبار وسياسة وما بتعمل شي تاني بتفرد جرايد وبتدور تلفزيونين، في راديو بالمطبخ شغال عصوت الشعب وراديو بالصالون عصوت لبنان الاصلية، وراديو بغرفة النوم على "بي بي سي عربي"، وعم بتتابع الميادين لانني شجعتها على ذلك، كان مشغول فكرها عالحديث بس مبارح تلفنتيلي وكانت مبسوطة بالجزء الاول واعتبرت ما في تهور".
اما على مستوى الموسيقى وعن الثورة التي احدثها بتغيير نمط اعمال السيدة فيروز، اكد زياد بان ذلك ليس ثورة بل تكملة لاعمال الرحابنة بدليل انه قدّم لها العديد من الاعمال والتي يظنها الناس انها للرحابنة ابرزها "قديش كان في ناس"، "سالوني الناس"، وحينما طلب منه غسان وصف والدته بكلمة اجاب زياد "رهيبة صعبة اختصارها بكلمة كانسانه بتعبر بتألف وبتكتب بصوتها".
وختم الرحباني اللقاء بالحديث عن اغنية "ايه في امل" التي صرح ان البعض فسرها على نحو آخر يتعلق بالبلد بينما هو يعتقد انه لا يوجد امل على الاطلاق بهذا البلد واضاف "خلينا نقول هيك وبعدين العالم يبصقوا بوجنا، غلط انو يوعدوا الناس لان ما بيتحملوا نكسات وخليه يسمحولهن يدخنوا لان ما وقفت عالدخان".
أعلنت روسيا منع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية USAID (يو أس إيد) من ممارسة نشاطاتها على الأراضي الروسية ابتداءً من الأول من تشرين الأول المقبل، متهمةً المنظمة بالتدخل في الحياة السياسية الروسية. وأوضحت وزارة الخارجية الروسية، أمس، أن هذا القرار «اتخذ بشكل رئيسي؛ لأن عمل مسؤولي الوكالة في بلادنا بعيد كل البعد عن الأهداف المعلنة للمساعدة على التنمية والتعاون الإنساني الثنائي». وأضافت: «نحن نتحدث هنا عن محاولات للتأثير على العمليات السياسية من خلال تقديم منح. لقد بات المجتمع المدني الروسي ناضجاً بما يكفي ولم يعد يحتاج إلى إدارة خارجية». وأكدت الوزارة أن موسكو حذرت واشنطن مرات عدة من أن روسيا قلقة من أنشطة المنظمة، ولا سيما في منطقة شمال القوقاز التي تشهد تمرداً إسلامياً مسلحاً.
من جهتها، أكدت الناطقة الرسمية باسم وزارة الخارجية الأميركية، فيكتوريا نولاند، أن واشنطن فخورة بما حققته الوكالة في روسيا خلال السنوات العشرين الماضية. وشددت على أن الوكالة ستنجز جميع برامجها في روسيا بشكل مسؤول أو ستسلم مهمة تنفيذها لمنظمات أخرى. وقالت: «على الرغم من أن وجود الوكالة في روسيا يوشك على الانتهاء، إلا أننا لا نزال متمسكين بدعم الديموقراطية وحقوق الإنسان وتنمية المجتمع المدني القابل للحياة في روسيا. وننتظر بفارغ الصبر مواصلة التعاون مع المنظمات غير الحكومية الروسية».
بدوره، دعا السيناتور الجمهوري جون ماكين، أمس، إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى إدانة قرار موسكو إغلاق مقر الوكالة في روسيا. وأضاف بيان لماكين أن القرار «يمثل إهانة بالنسبة إلى الولايات المتحدة وضربة لإدارة أوباما التي كانت دائماً تتحدث عن النجاح المزعوم لسياسة إعادة تشغيل العلاقات مع موسكو».
بالمقابل، أعلن الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الروسية، ألكسندر لوكاشيفيتش، أمس، أن الوكالة كانت تحاول التأثير في العمليات السياسية الجارية في روسيا.
وفي معرض تعليقه على إعلان وزارة الخارجية الأميركية وقف عمل الوكالة على الأراضي الروسية بعدما حظرت موسكو نشاطها، أكد لوكاشيفيتش أن أعمال الوكالة لم يتطابق في إحيان كثيرة مع أهدافها المعلنة، أي المساهمة في تطوير التعاون الثنائي في المجال الإنساني. وأوضح أن الحديث هو عن محاولات الوكالة للتأثير في العمليات السياسية بما فيها الانتخابات بمختلف مستوياتها وتطوير مؤسسات المجتمع المدني، وهذا عبر تقديم منح (للباحثين). وتابع: «كان عمل الوكالة في الأقاليم الروسية، وبالدرجة الأولى في شمال القوقاز، يثير تساؤلات كبيرة، ونحن حذرنا زملاءنا الأميركيين بهذا الشأن مراراً».
ويرى خبراء أن قرار موسكو قد يسيء إلى العلاقات الروسية الأميركية المتوترة أصلاً بسبب خلافات بشأن الأزمة السورية وانتقادات واشنطن لمبادرات عدة للكرملين مثل قانون أخير يصف المنظمات غير الحكومية التي تحظى بتمويل أجنبي بأنها «عميلة للخارج» ويضعها تحت مراقبة وثيقة.
وشدد المحلل فيكتور كريمينيوك في تصريح لوكالة «الصحافة الفرنسية» أن «هذا القرار بادرة تؤدي إلى تدهور العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة»، لافتاً إلى أن ذلك ليس «تحولاً عادياً في موقف موسكو في السياسة الدولية».
بدوره، استطرد الخبير يوري كورغونيوك أن «الكرملين يواصل خطه المتشدد ويتبع طريق لوكاشنكو»، في إشارة إلى الرئيس البيلاروسي الكسندر لوكاشينكو. كذلك عبرت منظمات غير حكومية روسية عدة عن تخوفها من المستقبل بعد إعلان وقف أنشطة يو أس إيد، وذكر رئيس «ميموريال»، أرسيني روغينسكي، أن مساعدتها المالية كانت «كبيرة» لهذه المنظمة المتخصصة في الدفاع عن حقوق الإنسان وتاريخ عمليات القمع في الحقبة الشيوعية.
(الأخبار، أ ف ب)
الخميس ٢٠ أيلول ٢٠١٢
ما زال غسان سعيد يعيش في أحلام الزمن الجميل. يستحضره دائماً. رَكَلَ المُقاوِم الشيوعي الظروف السياسية والإقليمية ملتحقاً بشعارات حزبه في ذلك الزمن. يعلّل «فعلته» بالصدق والوعي؛ لكن أيكفي الصدق وحده لتحرير وطن!؟ أراد مجابهة العدو الإسرائيلي مع بعض الرفاق من دون مال أو سلاح، «بلا ولا شي». فكان الأسير الأحمر الأخير
ربى أبو عمو
صاليما، حيث يقطن الأسير المحرر من السجون الإسرائيلية غسان سعيد اليوم، تحفظ لابنها إرثه المقاوم. يتماثلان. تمسكت بالصفات التي تجعل منها قرية نموذجية لم تلوّثها الأفكار المدينية، فيما أبى هو التخلّي عن بطاقته الحزبية الحمراء. الماضي حاضرٌ بقوة في كليهما. عند مدخل بلدته لافتة: بلدة المقاوم غسان سعيد. نسأل عاملاً في محطة لبيع الوقود عن منزله، فيسأل بدوره: دمكم أحمر؟ كأن البلدة استعانت به جواز عبور الى المحيط. كان حظّ سعيد جيداً. لم يضطر إلى اللجوء إلى أبواب السفارات والسياسيّين لدى تحريره من معتقل الخيام. ترك وراءه بيتاً في ذلك الجبل، وتمكّن من استئجار محل لتصليح السيارات. عاد المقاوم عاملاً ميكانيكياً، لا يؤمن قوته من أمجاد الماضي.
بعض أهالي البلدة ما زال يسبح في الأحمر، منهم سعيد. ورغم عدم توافر الإمكانيات المادية واللوجستية لتنفيذ أي عملية ضد العدو الإسرائيلي لدى سلوكه هذا الخيار، فهو لا يعتبر فعلته طيشاً. «كنت في الثلاثينيات وقتها». يسأل طفلته: «هل أخطأت»؟ تجيب: «لا». كأنها «تطبطب» عليه. يقول: «أرأيتِ؟». يتناسى ربما الأطفال في هذه السن عاجزون عن بلورة موقف سياسي خاص بهم بعد. ميشال، اسمه الحركي، كان مقتنعاً بكل ما قام به.
بدأ سعيد مقاومته العسكرية من خلال الحزب الشيوعي منذ عام 1982، حيث عمل على إطلاق مضادات للطائرات في كل من عاليه وبحمدون وفالوغا وحمانا. وعام 1983، ساعد المقاومين من خلال تأمين الحاجيات اللوجستية من سلاح وطعام وغيرهما من الأمور، قبل أن يتمركز في الجنوب (عيتا الشعب، يارين، مروحين، ياطر، بلاط). يقول إنه «خلال عامين ونصف العام، شاركت في أكثر من 50 عملية استطلاع ومراقبة وتنفيذ».
فجأة، ومن دون سابق إنذار، ترك كل شيء وسافر إلى الكويت. خلع الزي العسكري الأحمر مرحلياً، من دون أن يترك العمل السياسي. يعزو السبب إلى الحرب الأهلية، وحاجته إلى مساعدة أهله. فكّر في أنه أدى قسطه من الواجب، وبات ممكناً ترك المهمة لغيره. دقّ ذلك الجرس الذي ذكّره بأنه حان وقت «تكوين المستقبل». عمل في الخليج حتى عام 1996، حين قرّر العودة إلى لبنان. كأن هذا الرجل قادر على الانتقال من مرحلة إلى أخرى بانسيابية مطلقة. بدا أنه لم ينفصل عن الحزب أبداً. عاد إليه من حيث تركه. لم يخمد نفسه المقاوم، بل خذله الحزب في الخمول الذي وجده فيه. وضع الظروف السياسية المحلية والإقليمية جانباً. تناسى تغيّر المرحلة. أراد إحياء التاريخ. قرر أن المقاومة يمكن أن تُخلق من العدم، تكفيها الإرادة. وهكذا كان. تمادى في حلمه، ووضع نُصب عينيه تحرير الأسرى. أزعجته خيانة الحلفاء وبحثهم عن مصالحهم الشخصية.
لم يكن سعيد وحده، بل شاركته مجموعة من المتحمسين القدامى والجدد. بدأ الإعداد للعملية التي حملت اسم سهى بشارة، وكانت ستنفذ في 16 أيلول عام 1998، ذكرى انطلاق جبهة المقاومة، لولا الكمين الذي تعرض له ورفيقه الشهيد بيار في الرحلة الاستطلاعية الثالثة. حافظ على شعارات المرحلة السابقة. قال إن العملية تهدف إلى «التحرير والتغيير الديموقراطي في البلد»، و«استكمال العمل النضالي والمقاوم الذي أسسه الحزب الشيوعي»، و«الرد على محاولة إنشاء سرايا المقاومة اللبنانية والالتفاف على الجبهة التي كانت مقاومتها وطنية علمانية، وعلى الطوائف وسلطة السوريين ورأس المال». كان على المتحمسين الدفع من جيبهم الخاص. أمّنوا 8 آلاف دولار لثلاث رحلات استطلاعية.
يقول سعيد إن هدف العملية كان أسر رجل استخبارات إسرائيلي وبدء عملية التفاوض لمبادلته بجميع الأسرى في معتقل الخيام والأراضي المحتلة. ويذكر أنهم في الرحلة الاستطلاعية الثالثة كانوا على بعد 150 متراً من موقع زغلة الإسرائيلي في حاصبيا، قبل أن يشتبك ورفيقه بيار مع نحو 20 جندياً إسرائيلياً أثناء عودتهما. استشهد الأول، فيما أصيب هو في أماكن عدة وأسر وأودع معتقل الخيام. ويشرح أن المجموعة الاستطلاعية كانت تضمّ شخصين إضافيين تمكّنا من إتمام مهمتهما والعودة إلى الديار، والاستفادة من المعلومات التي جمعاها وتنفيذ عمليتين ضد العدو.
خضع سعيد لقصص التعذيب ذاتها التي رافقت كل معتقل. لكنه لم يعترف بشيء. قال فقط إن بيار هو المسؤول، وقرّرنا معاً تنفيذ العملية. حمى باقي المجموعة، علماً بأن هاتف أحدهم وقع في يد الجيش الإسرائيلي من دون أن يتمكنوا من الحصول منه على معلومات إضافية. لكن مشروع العملية حقق مبتغاه. تحررت بشارة بعد 21 يوماً من أسره. برأيه، أرادت إسرائيل إسكات الشيوعيين وإبعادهم.
لا يزال سعيد شيوعياً وحزبياً فقط. لا مجال للمقاومة العسكرية اليوم. فالعدو أصبح بعيداً. يؤيّد بقاء سلاح حزب الله، لكنه يرى أن الأخير أزاح النزعة الوطنية للصراع.
السبت ١٥ أيلول ٢٠١٢