أربكت طائرة استطلاع «مجهولة» القيادتين السياسية والأمنية في إسرائيل بعد تحليقها في عمق فلسطين المحتلة، وصولاً الى ما فوق المنشآت والقواعد العسكرية، قبل أن تسقطها. وتوزعت الاتهامات على أكثر من جهة بإرسال الطائرة، حتى رست على حزب الله
يحيى دبوق
اخترقت طائرة تجسس عسكرية، من دون طيار، أجواء إسرائيل السبت الماضي، ونجحت في التحليق لمسافة وصلت الى مئة كيلومتر فوق المنشآت والقواعد العسكرية التابعة للجيش الإسرائيلي. المتهم، بحسب التقديرات والمؤشرات: هو حزب الله. أهداف الخرق: جمع معلومات استخبارية، وكشف نقاط ضعف الدفاعات الجوية في إسرائيل. أما مدة التحليق، فغير مسبوقة: ما يزيد على نصف ساعة، الى أن جرى اعتراضها وإسقاطها. والدلالة الأساسية، التي أغفلت إسرائيل الحديث عنها، هي الفشل والإخفاق الاستخباري والعملياتي.
وسبّب خرق الطائرة، غير المسبوق لجهة حجمه ومدته ومساره، إرباكاً وبلبلة شديدين في المؤسستين السياسية والعسكرية في إسرائيل، إذ تفاوتت الأنباء وتناقضت، الى أن استقرت أخيراً على اتهام حزب الله بالوقوف وراء عملية إطلاق الطائرة وتسييرها. وأشار عدد من المراسلين العسكريين الى أن حزب الله تلقى في الفترة الأخيرة «طائرات متطورة غير مأهولة، وصلت إليه عبر الجيش السوري، ومنشأها إيران وروسيا».
ووصف وزير الدفاع الإسرائيلي، إيهود باراك، الحادث بـ«الخطير جداً»، متوعداً بأن إسرائيل ستدرس الرد على من أرسل الطائرة، من دون أن يوضح طبيعة الرد الموعود. أما رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، فتطرق في بيان مقتضب الى الحادث، مثنياً على الجيش الإسرائيلي في التشخيص السريع والعمل الناجح، وقال «سنواصل الدفاع عن حدودنا في البر والبحر والجو من أجل أمن مواطني إسرائيل». أما رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، بني غانتس، فسارع الى عقد جلسة لتقويم الوضع في الأركان العامة. ونقل المراسلون العسكريون تقارير أفادت بأن الجلسة خصصت «لفهم أشمل لصورة الخرق، وأيضاً من أجل درس كل طرق العمل الممكنة، ومن بينها القيام برد إسرائيلي، على من أرسل الطائرة».
ورغم تهديد باراك بالرد، إلا أن مصدراً أمنياً إسرائيلياً رفيع المستوى استبعد الرد من أساسه، وقال لموقع «واللا» الإخباري العبري على الإنترنت إن الرد يجب أن يدرس بعناية، إذ لا يمكن التسبب بمواجهة أو حرب إقليمية، على خلفية هذا الحادث، بينما أشارت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، الى أن «إسرائيل ما زالت تتخبط إزاء شكل رد فعلها على هذا الحدث، ومن الجائز أن تظهر ضبطاً للنفس بسبب الوضع الحساس في المنطقة، الذي يمكن لأصغر عمل عسكري أن يؤدي إلى انفجار كبير».
وكانت القناة العاشرة في التلفزيون العبري قد نقلت عن مصادر أمنية إسرائيلية قولها إن «الجيش يواصل البحث ودراسة الحادث. وبعدما كان الاعتقاد بأن الطائرة كانت قد أقلعت من قطاع غزة، تبيّن بعد الفحص الذي أجراه الجيش أنها لم تنطلق من القطاع، ويرجحون في المؤسسة الأمنية بأن يكون حزب الله هو الجهة التي أطلقتها»، فيما قالت مصادر أمنية إسرائيلية أخرى لموقع «واللا» الإخباري العبري إن «التقدير السائد هو أن حزب الله يقف خلف إرسال الطائرة». وهذا ما عادت وأكدته الإذاعة العسكرية التي أشارت أمس الى أن «الاعتقاد يتعزز لدى الجيش الإسرائيلي بشأن وقوف حزب الله وراء اختراق الطائرة للأجواء الإسرائيلية».
وقالت مصادر عسكرية إسرائيلية للقناة العاشرة إن «كل المؤشرات تدل على أن الطائرة انطلقت من لبنان، وسواء كان الإيرانيون هم من أطلقوها، أو حزب الله، فالفارق ليس كبيراً». وبحسب المصادر، فإن «الواضح أن مهمة الطائرة كانت جمع معلومات استخبارية، ويتبين من مسارها أنها تجاوزت الدفاعات الجوية، ودخلت الى إسرائيل من البحر، من ساحل منطقة عسقلان. وقد شخّصتها أجهزة المراقبة في هذه المنطقة، لكن الأمر تطلب وقتاً للتعرف عليها». فيما أشارت تقارير إعلامية أخرى، الى أن «أحد السيناريوهات التي يقوم الجيش بالتحقيق فيها، هو أن الطائرة كانت في طريقها للتسلل الى منطقة مفاعل ديمونا النووي، لفحص دفاعاته، تمهيداً لإمكان ضربه في أي حرب مستقبلية».
وأفاد موقع صحيفة معاريف على الإنترنت، بأنه اتضح من التحقيقات التي أجرتها المؤسسة الأمنية أن الطائرة تحركت فوق البحر المتوسط، من خارج الأراضي الإسرائيلية، وتحديداً من الشمال الى الجنوب، وعندما وصلت الى منطقة غزة توجهت شرقاً، ومرّت فوق القطاع ودخلت الى إسرائيل، الى أن تم اعتراضها وإسقاطها بالقرب من الخليل.
وأشار المعلق الأمني لصحيفة يديعوت أحرونوت، الى وجود ترجيحات «عالية جداً» بأن حزب الله هو من أطلق الطائرة وسيّرها، وتحديداً من لبنان، وبرعاية من الإيرانيين، وقال إن «الهدف من إطلاق الطائرة كان فحص نجاعة رادارات الجيش الإسرائيلي، والإجراءات المتبعة من قبل الدفاعات الجوية»، مضيفاً إن «الطائرة أطلقت بداية من لبنان باتجاه الغرب، بعيداً فوق مياه المتوسط، ثم عادت واتجهت جنوباً، ومن ثم سلكت مساراً محدداً فوق قطاع غزة، الذي يعد ممراً تسلكه الطائرات الإسرائيلية من دون طيار»، منوّهاً بأن «هذا المسار جرى اختياره بدقة وعناية فائقتين، ويدل على حرفية عالية لدى من قام بتسيير الطائرة وتشغيلها، وهم على ما يبدو، عناصر من حزب الله».
وأشارت صحيفة يديعوت أحرونوت، أمس، الى أن اختراق الطائرة للأجواء الإسرائيلية من لبنان ليس إلا إنذاراً لإسرائيل بأنها ستشهد في المستقبل، إذا وقعت الحرب بينها وبين حزب الله، دخولاً كثيفاً لطائرات كهذه، والتي قد تكون محملة بمواد متفجرة، مضيفة إنه لا يمكن أن نتجاهل أن «الطائرة حلقت غير بعيد من مفاعل ديمونا النووي، الأمر الذي سيكون مدعاة لاحتفال (الأمين العام لحزب الله السيد حسن) نصر الله والإيرانيين».
وكشفت الصحيفة «أنهم في إسرائيل يُعتّمون عمداً على المعلومات المتعلقة بدخول الطائرة الى الأجواء الإسرائيلية، لأنهم في لبنان وإيران ينتظرون أي معلومة تصدر من إسرائيل، إزاء كل ما يتعلق بحادثة الطائرة، كي يستخلصوا العبر العملياتية، ومن بينها أين توجد نقاط ضعف الدفاع الجوي الإسرائيلي». وأشارت الى أنه «يفترض بالإسرائيليين أن يعرفوا أن الطرف الثاني يبحث طوال الوقت عن نقاط ضعف (لدى إسرائيل)، وهو ما يسمّيه نصر الله، سلاح المفاجأة، الذي يهدف الى سحق أعصاب دولة إسرائيل».
العدد ١٨٢٨ الاثنين ٨ تشرين الأول ٢٠١٢