النواب يسلبون ملياري دولار من أُجراء لبنان!

 

70% من أجراء القطاع الخاص غير المسجلين في الضمان، و25% من الأجراء المسجلين، لا يتقاضون أي بدل للنقل. هؤلاء سيبقون بلا بدل نقل إلى أبد الآبدين. أما الذين يتقاضونه، فسيحرَمون مبلغ 10 ملايين ليرة، انتزعه «البرلمان» غصباً من تعويض نهاية الخدمة!

رشا أبو زكي

أقرّ ممثلو الشعب منذ أيام مشروع قانون جديد لبدل النقل. بنده الأول: على صاحب العمل أن يعطي الأجير بدل نقل يحدد بمرسوم في مجلس الوزراء. الثاني: يجاز للحكومة بمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء إعادة النظر ببدل النقل كلما دعت الحاجة. الثالث: يمكن صاحب العمل الذي يوفّر وسائل النقل عدم دفع البدل. الرابع: لا يدخل بدل النقل في حسابات اشتراك الصندوق الوطني الاجتماعي. لا بد من التوقف عند البند الأخير.

فقد انتهت «همروجة» بدل النقل إلى ما أرادته الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام في اتفاقها الشهير. لم يحتسب بدل النقل كعنصر من عناصر الأجر، ولم يحتسب في تعويضات نهاية الخدمة. مهرجان الإصلاح والتغيير لم يفض إلى إصلاح ولا إلى تغيير، انتهى بشعارات واهية، و«ضحك على الذقون». الضحك البهلواني هذا يطاول آلاف الأجراء، يشرعن اغتصاب حقوقهم، يؤكد صوابية مقولة «المزرعة» لا «الدولة»، يزيد فوق الأغطية غطاءً لأصحاب العمل في استغلال عمالهم. كيف؟

يشرح رئيس البحوث والاستشارات كمال حمدان أن دراسة نشرت باسم البنك الدولي (بالتعاون مع المؤسسة) عن سوق العمل في لبنان في عام 2010، تشير إلى أن 43 في المئة من أجراء القطاع الخاص لا يحصلون على بدل النقل من أصحاب العمل. تغطي هذه النسبة كافة القطاعات الاقتصادية. تتوزع هذه النسبة وفق معايير إحصائية مختلفة. بالنسبة إلى معيار الانتساب إلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي: 70 في المئة من أجراء القطاع الخاص غير المسجلين في الضمان لا يتقاضون أي بدل للنقل. في المقابل، 25 في المئة من الأجراء المسجلين في الضمان لا يحصلون على بدل النقل هذا.

هذه النسب تتفاوت صعوداً في نسب المستفيدين من بدلات النقل، وذلك وفق ازدياد حجم المؤسسة. فوفق هذا المعيار، أقل من ثلث الأجراء لا يتقاضون بدل النقل في المؤسسات التي توظف أقل من 10 عمال، وتزيد نسب المستفيدين مع ارتفاع عدد العمال. وفق المعيار القطاعي: نسب المستفيدين من بدل النقل في القطاع الخاص هي متدنية جداً في قطاعات التجارة والصناعة والاتصالات، وتميل إلى الارتفاع في قطاعات التربية والصحة والتأمين والخدمات المالية ومنها المصارف، بحيث تصل في القطاع المصرفي إلى نحو 90 في المئة. وفق معيار شرائح الأجر: إن نسبة المستفيدين من بدل النقل هي الأدنى لدى أصحاب الرواتب الزهيدة التي تراوح بين 500 ألف ليرة و750 ألف ليرة، بحيث تصل إلى أقل من 10 في المئة. وترتفع تدريجاً مع ارتفاع الأجر. بذلك، يمكن الاعتبار أن آلاف الأجراء غير المستفيدين من بدلات الأجر ينتمون بمعظمهم إلى الطبقة الفقيرة. عدد كبير من هؤلاء لن يستفيد من أي إجراء لتصحيح الأجور، لأن غالبيتهم غير مصرح عنهم في الضمان الاجتماعي. أما الذين يتقاضون بدل النقل، فلن يدخل هذا العنصر ضمن احتساب تعويضات نهاية الخدمة.

وزير العمل المستقيل، شربل نحاس، يوضح الآثار السيئة التي سينتجها قانون بدل النقل الأخير على أجراء لبنان. يؤكد أن الفارق في تعويض نهاية الخدمة لأجير عمل لمدة 40 عاماً، يصل إلى 10 ملايين ليرة في حال احتساب بدل النقل من ضمن الأجر. ولأنه يوجد 300 ألف أجير في لبنان مسجلين في الضمان، وبعد عدم إدخال بدل النقل إلى صلب الأجر، يمكن القول إنه جرى «شفط» ملياري دولار من تعويضات الأجراء المضمونين، من خلال إزالة عبارة واحدة من قانون بدل النقل. من جهة أخرى، يصل تعويض نهاية الخدمة كمعدل وسطي إلى نحو 33 مليون ليرة، وبالتالي عدم احتساب بدل النقل (10 ملايين ليرة) كجزء من قيمة التعويض، يعني أنّ كل أجير حُرم زيادة بنسبة 33 في المئة على تعويضه.

أما بالنسبة إلى مقولة «زيادة بدل النقل»، فيشرح نحاس أنها عبارة تخرج عن أي منطق حسابي؛ إذ أنه خلال الأشهر الماضية، أي قبل إقرار القانون في مجلس النواب، كانت بعض المؤسسات تدفع بدل النقل لأجرائها على أنه جزء من الأجر. فقد كانت مراسيم بدل النقل منتهية الصلاحية القانونية، وقانون بدل النقل لم يكن قد أقر في مجلس النواب. وبالتالي، ما قام به مجلس النواب هو _ تحديداً _ نزع مبلغ من الأجر، وهو بدل النقل، ضمن «تخريجة» اطلقوا عليها لقب «زيادة بدل النقل»؛ إذ لا إضافة على الراتب، بل نزع عنصر من عناصر الراتب. يسأل نحاس: «الأجراء المحرومون بدل النقل، وهم بالآلاف، من سيعمل على إعطائهم هذا الحق؟ فمنذ 16 عاماً كانت المراسيم الباطلة المتعلقة ببدل النقل موجودة، وخلال هذه الفترة لم يحصل جزء كبير من الأجراء على بدل النقل. والطريقة الوحيدة للتأكد من أن الأجير يحصل على بدل النقل هو أن يكون الأجير مسجلاً في الضمان، من سيرغم المؤسسات على تسجيل عمالها في الصندوق بعد الآن؟ يستغرب نحاس المعادلات «المقلوبة» في لبنان. يشرح أن الدولة رضخت لقرار اتخذه أصحاب المؤسسات وقيادة الاتحاد العمالي؛ إذ بنت الدولة على قانون خاص لإصدار قانون عام، وعبارة «قوننة بدل النقل» هي عذر أقبح من ذنب؛ إذ كيف لدولة أن تقونن اتفاقات خاصة؟

لم تستكن المواقف الرافضة لقرار مجلس النواب، وعلى الرغم من مرور أيام على «إقفال الملف»، فقد أشار الأمين العام لاتحاد النقابات العمالية للطباعة والإعلام أديب بوحبيب إلى أن مجلس النواب بعد إقراره قانون بدل النقل يكون قد كرس بقانون يخالف القانون. وقال: «جاء في المرسوم رقم 6263 تاريخ 18 كانون الثاني 1995 ما يأتي: إذا كانت المؤسسة تدفع للأجير بدل نقل أقل من ألفي ليرة، يستفيد الأجير من الفرق، أما إذا كانت تدفع أكثر من ذلك، فتبقى حقاً مكتسباً له». ذلك يعني أن بدل النقل كان يُعَدّ جزءاً من المعاش ويدفع عنه اشتراكات للضمان، ويحتسب في تعويض نهاية الخدمة. وإثباتاً لذلك، جاء في المادة 68 من قانون الضمان ما يأتي: إن الكسب الذي يتخذ أساساً لحساب الاشتراكات، يشتمل على مجموع الدخل الناتج من العمل بما فيه جميع العناصر واللواحق، ولا سيما تعويض الساعات الإضافية المدفوع بصورة معتادة، والمبالغ المدفوعة عادة من أشخاص ثالثين (الإكراميات) وكذلك المنافع المقدمة عيناً إلى العامل.

السبت ٢٤ آذار ٢٠١٢

الأكثر قراءة