ميقاتي والصفدي وبواخر الكهرباء بداية افتراق؟

منذ العام 2009، بدت العلاقة بين الرئيس نجيب ميقاتي والوزير محمد الصفدي مبنيّة على «حلف مقدس». لكن شؤون الحكم أفسدت بعضاً مما ربط بين السياسيين الطرابلسيين. فهل هي غيمة صيف «بواخر الكهرباء» أم بداية افتراق؟

عبد الكافي الصمد

هل انكسرت الجرة بين الرئيس نجيب ميقاتي وحليفه الوزير محمد الصفدي؟ لا ينبئ التراشق الكلامي «اللطيف» بينهما بذلك، لكنه يشي بأن ثمة ما كان يجمع الرجلين وقد انكسر.

«رأس جبل» التباين بينهما برز في جلسة الحكومة أول من أمس، عندما اعترض وزير المال على رفض رئيس الحكومة «الموافقة على استئجار بواخر بهدف تأمين التيار الكهربائي»، ما جعل تأويلات عدة تحاول تفسير وشرح ما حصل.

أوساط الصفدي أوضحت لـ«الأخبار» أن الحكومة «اتخذت منذ مدّة قراراً بتشكيل لجنة وزارية، مُكوّنة من رئيس الحكومة ووزراء المال والطاقة والبيئة، تكون مهمتها متابعة الملف ودراسة الطلبات المقدمة من الشركات المعنية، إلى جانب لجنة تقنية استعين بها لهذه الغاية». وكشفت أوساط الصفدي أن «اللجنة أعدّت تقريراً حول شركتين، تركية وأميركية، وأنها كانت تعدّ تقريرها لرفعه إلى مجلس الوزراء وتوصي به بالتعاون مع إحدى الشركتين، إلى أن فوجئ أعضاء اللجنة بموقف ميقاتي الذي تراجع فيه عن الموضوع، ما اعتبر بنظر الأعضاء تخطياً لهم».

أوساط الصفدي رأت في موقف ميقاتي «تجاوزاً لدور اللجنة والحكومة معاً»، نافية أن يكون للتباين بين الرجلين «أي أبعاد سياسية»، ومعتبرة أن «تحفظ الصفدي ربما هو الذي جعل الموضوع يأخذ هذه الأهمية، لأنه جرت العادة في الحكومات السابقة أن يكون رئيس الحكومة ووزير المال متناغمين، عدا أن الرجلين حليفان طرابلسيان».

أوساط وزير المال التي أكدت أن «التباين مع ميقاتي يقف عند هذا الحد»، رأت أن «المخرج يكون بالعودة إلى مجلس الوزراء، إما للموافقة على ما وصلت إليه اللجنة، أو لتشكيل لجنة جديدة لإعادة دراسة الملف».

ولفتت الصفدي إلى أنه «يجب معالجة الموضوع بسرعة قبل فصل الصيف، لإنقاذ البلد مسبقاً من عتمة واسعة ستخيم عليه حسب تحذيرات وزارة الطاقة، إذا استمر وضع قطاع الكهرباء على حاله».

لكن الكلام الرسمي للمقربين يخفي مشكلة اعمق بين الرجلين. للصفدي ملاحظات عديدة على أداء رئيس الحكومة، وعلى طريقة تعامله معه. وبين الرجلين، ملفان اثنان عالقان غير «بواخر الكهرباء»، هما مشروع الموازنة وحسابات الدولة. وقبل ذلك، ثمة شعور لدى الصفدي بأنه وقف إلى جانب حليفه، من دون ان «ينال من طيّب الحكم نصيباً». في مشروع الموازنة، ينتقد الصفدي كيف سحب رئيس الحكومة النقاش إلى دائرته، وقرر وضع أسس الموازنة من دون أي دور لوزير المال. وكذلك الأمر في قطع الحساب. أما سياسياً، فيرى الصفدي أنه دفع ثمناً كبيراً في خيار الوقوف إلى جانب ميقاتي، من دون أن «يحرّك رئيس الحكومة عجلة الإنماء في طرابلس، باستثناء ما يمر عبر ميقاتي شخصياً». وبالتالي، لم يظهر شركاء الحكم في عاصمة الشمال شركاء في أي عمل في مدينتهم التي «تحتاج إلى كل شيء». ويحمّل الصفدي ميقاتي أسباب عدم إنجاز أي أمر في المدينة في عهد الحكومة الحالية، «التي إذا لم تغيّر الواقع السيئ لأحياء طرابلس الفقيرة، فلن يفعله أحد غيرها».

الصفدي ليس نادماً على القرار الذي اتخذه في كانون الثاني 2011، عندما خلع بيعة سعد الحريري. لكنه ينظر دوماً إلى أوضاع الحكومة الحالية بكثير من الأسى، «لأننا أضعنا فرصة تاريخية متاحة امامنا، رغم الإمكانات الضئيلة للدولة». بالتأكيد، يوزع الصفدي المسؤولية بالتساوي عن الجمود التنفيذي بين شركاء الحكومة الحاليين، إلا أنه يحمّل النصيب الأكبر لميقاتي.

في المقابل، وبعيداً عن «القفازات»، لا يكتفي المقربون من ميقاتي بنفي وجود أي خلاف مع الصفدي، وبتنظيم القصائد التي تؤكد أن «العلاقة معه على أفضل ما يرام، وأن كل الأمور نوقشت بإيجابية». فأوساط رئيس الحكومة عاتبة على وزير المال الذي خرج إلى العلن ليتحدث «من دون مبرر». تضع هذه الاوساط قاعدة رئيسية للقضية: «إذا كان البعض يريد رئيس الحكومة ساعي بريد، فهذا ما لا يقبله الرئيس ميقاتي». وقياساً على ذلك، سيعالج ميقاتي قضية بواخر الكهرباء وفقاً للآتي: دولة الرئيس يرأس اللجنة، وسيرفع تقريراً إلى مجلس الوزراء يضمنه رأي اللجنة مجتمعة، التي شارك وزير المال في كافة اجتماعاتها. كذلك فإنه سيعرض على المجلس رأيه الشخصي، وهذا حقه في أي ملف كان. اما بالنسبة إلى مشروع الموازنة، فمن حق رئيس الحكومة أن يطرح رؤيته للخطوط العامة لمالية الدولة، وهو يحترم بالتأكيد حدود دور وزارة المال. وفي قطوعات الحسابات، يرأس «دولة الرئيس لجنة تضم وزير المال الذي شارك في اجتماعاتها، وأخِذ بكل ملاحظاته. فعلامَ الاعتراض؟».

يبدو واضحاً إذاً أن المشكلة ليست في التفاصيل، بل في التوقعات المرتفعة التي كان يضعها الصفدي على الحكومة الحالية، وفي عدم شعوره بكونه شريكاً في الحكم بشكل عام، او في العمل الطرابلسي. لكن «خيبة الامل» لن تؤدي بأحد الرجلين للعودة إلى حلفه السابق مع تيار المستقبل الذي «لم يترك للصلح مطرح». إلا أن «نار الحريري» ليست دافعاً للإبقاء على حلف «ميقاتي ــ الصفدي». فمن يعلم؟ ربما سيقرر أحدهما ترك الآخر وحيداً في استحقاقات مقبلة.

الجمعة ٢٣ آذار ٢٠١٢

الأكثر قراءة