مارلين خليفة
«بعد كلام وزيرة خارجية قبرص إيراتو كوزاكز ماركوليس عبر «السفير» في الأسبوع الفائت، وإعلانها أن بلادها لن تعمد الى تعديل الاتفاقية الثنائية مع إسرائيل التي تقضم زهاء 850 كلم من المنطقة الاقتصادية الخالصة الخاصة بلبنان، وإثر زيارة المنسق الأميركي الخاص لمنطقة الشرق الأوسط فريديريك هوف الى بيروت، فإن ملف النفط بات عرضة لمفاوضات جديدة على صعيد الدول المعنية، ولكن هذه المرة بوساطة أميركية يسعى أكثر من طرف للإستعانة بها علها تغير بعضاً من البنود المبرمة بين قبرص وإسرائيل».
هذا ما تقوله أوساط متابعة لهذا الملف في معرض تفسير كلام ماركوليس من ناحيتين قانونية وسياسية.
وتلفت الأوساط المتصلة بمراجع قانونية دولية الانتباه الى أنه من الناحية القانونية وبما أن قبرص أبلغت أنها مرتبطة باتفاقيتين الأولى مع لبنان والثانية مع إسرائيل وأنها ليست دولة معنية بتصحيح الخطأ ازاء الاتفاقات المعقودة، صار يترتب على الجانب اللبناني معالجة الموضوع فورياً عبر نقض الاتفاق غير المبرم مع قبرص، ولا سيما أن ماركوليس أشارت الى أن قبرص لن تقبل بأن تعدّله إلا في ضوء اتفاق بينها وبين لبنان وإسرائيل. أما ضرورة النقض فتردها الأوساط المتابعة الى الأسباب الآتية:
- يحدد الاتفاق اللبناني القبرصي في مادته الأولى آلية ترسيم خط الفصل بما يتعارض مع المبادئ العامة للقانون الدولي وقانون البحار والأحكام الصادرة عن المحاكم الدولية ذات الصلة لمصلحة قبرص بحيث تحتسب خط الوسط من النتوءات على شاطئ كلّ دولة.
- يقتطع الاتفاق مناطق لبنانية في الجنوب والشمال.
- يشير الاتفاق الى أنه اذا وقع أي نزاع، تطبق المادة 74 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار التي تنص في فقرتها الرابعة على الالتزام بأحكام الاتفاق الثنائي عند حلّ النزاعات، وبالتالي، في ما لو اتفق الطرفان على حل النزاع أمام محكمة التحكيم أو محكمة العدل الدولية، لا يمكن أن يصدر الحكم إلا بما يتوافق مع أحكام الاتفاق الثنائي أي بتأكيد تنازل لبنان عن حقوقه في 850 كيلومتراً مربعاً لإسرائيل ومثلها لقبرص و2380 كلم2 لسوريا.
وتتابع الأوساط المتابعة لملف النفط «بما أن مجلس النواب اللبناني لم يجز للحكومة عدم إبرام الاتفاق، وبما أن الاتفاق يحتّم على قبرص إبلاغ لبنان والتشاور معه لدى الدخول باتفاق تحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة مع دولة ثالثة، وبما أن قبرص تدعي بأنها أبلغت لبنان بأنها ستتفق مع إسرائيل على تحديد حدود المنطقة الاقتصادية بينهما ابتداء من النقطة (1)، وبما أن قبرص لم تتشاور مع لبنان في الموضوع، تكون قبرص بالتالي قد خالفت أحكام الاتفاق وهذا ما يعتبر أحد الأسباب التي تجيز نقضه عملاً بأحكام اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات فكم بالحري إذا كان الاتفاق غير مبرم بعد».
سياسياً، تشير الأوساط المذكورة الى ما سبق زيارة الرئيس نبيه بري الى قبرص من جولة قام بها الموفد الأميركي فريديريك هوف الذي عاد وزار لبنان بعد زيارة وزيرة خارجية قبرص، وبالتالي فإن الموضوع خاضع لمتابعة حثيثة من قبل الجانب الأميركي الذي قد يبادر الى طرح دور الوسيط بين لبنان والدول المعنية لفرض الحل الأنسب لمصلحته، لا سيما أن شركة «نوبل إنرجي» الأميركية (بالاسم فقط)، قد حصلت على عقود مشتركة من قبرص وإسرائيل في المياه المتاخمة للمنطقة الاقتصادية الخالصة الخاصة بلبنان، وقد تكون هذه الشركة أو سواها من الشركات الأميركية مهتمة بالحصول على عقود استثمار من الجانب اللبناني أو حتى مشتركة مع بقية الأطراف لاستثمار الآبار المشتركة بين الدول المعنية.
ثمة دولتان لهما كلمتهما في هذا الملف أيضاً هما تركيا وروسيا. وتشير الأوساط المتابعة الى أن تركيا قدّمت إلى الجانب اللبناني دراسة قانونية وتقنية تبيّن الأخطاء المقترفة في ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة مع قبرص والتي إذا أعيد ترسيمها تعطي لبنان أكثر من ألفي كيلومتر مربع إضافية.
وتعتبر الأوساط نفسها أن تركيا «ليست مهتمة بمصلحة لبنان بالمطلق إلا أنها مهتمة بالموارد النفطية والغازية في شرق المتوسط وإمكان نقلها إلى أوروبا من خلال المنشآت القائمة على الشاطئ التركي بدلاً من الاستثمار بمنشآت جديدة تقام في لبنان أو قبرص».
تضيف «روسيا من جهتها تبني جزءاً كبيراً من استراتيجيتها في الشرق الأوسط وأوروبا استناداً الى منظور النفط والغاز الطبيعي الذي أصبح ركيزة لأمنها القومي من الناحية الاقتصادية، والمعلوم بأن الشركات الروسية تتوسع غرباً مستفيدة من الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها أوروبا. طريقة التدخل الروسي في سوريا تذكّر بتدخلها العسكري في جورجيا للسيطرة على أنابيب توزيع النفط في أوروبا». والسؤال المطروح اليوم، تختم الأوساط المتابعة: «إذا كانت قبرص قد قامت بالمستحيل لتأمين أقصى حدّ من مصالح اقتصادية واستراتيجية على حساب لبنان، فكيف يجب أن يواجه لبنان هذه الحنكة الدبلوماسية والقانونية سواء القبرصية أم الإسرائيلية»؟