أنان يحظى بدعم مجلس الأمن لخطته ... وينتظر الاختبار على الأرض

تبنى مجلس الأمن الدولي بيانا رئاسيا، أمس، يطالب الحكومة السورية والمعارضة بأن تطبقا «فورا» الخطة التي عرضها المبعوث الخاص للأمم المتحدة والجامعة العربية كوفي انان لحل الأزمة، بجوانبها الامنية والسياسية والانسانية. وأعلنت موسكو وبكين أن موقفهما لم يتغير من الازمة، فيما طالبت واشنطن الرئيس السوري بشار الاسد بالالتزام بما جاء في البيان او «مواجهة المزيد من الضغوط والعزلة».

ولا يأتي البيان الرئاسي لمجلس الامن على ذكر «المبادرة العربية» التي تنص على نقل الرئيس السوري بشار الأسد صلاحياته الى نائبه، ويدعو في المقابل إلى «الالتزام بالعمل مع المبعوث (انان) في إطار عملية سياسية جامعة بقيادة سورية لمعالجة التطلعات المشروعة للشعب السوري وشواغله، والالتزام، لهذه الغاية، بتعيين محاور تخول له كل الصلاحيات عندما يدعوه المبعوث إلى القيام بذلك».

وكانت نسخة سابقة من البيان تهدد سوريا باتخاذ الأمم المتحدة «إجراءات جديدة» إذا لم تلتزم دمشق بالمطالب خلال سبعة أيام وهو ما قال دبلوماسيون إن روسيا اعتبرته إنذارا، وتم اسقاطه واستعيض عنه بعبارة اتخاذ «تدابير اخرى» التي لم يحددها في حالة عدم التزامها باقتراحات انان.

وفي باريس، كتب مراسل «السفير» محمد بلوط، ان تركيا تهدف إلى إعادة ترتيب أوضاع المعارضة السورية، ولا سيما «المجلس الوطني السوري» وإضفاء شرعية حصرية عليه، واستباق أي تغييرات قد تطرأ على مواقف الجامعة العربية، بعد حلول العراق محل قطر في رئاسة اللجنة الوزارية العربية.

وقال مصدر عربي في باريس إن الأتراك يتحركون لإنجاح مؤتمر «أصدقاء سوريا» في اسطنبول، ويجرون اتصالات واسعة، تهدف إلى تلافي تكرار الفشل الذي لقيه المؤتمر في تونس. وسيوصي المؤتمر في اسطنبول باعتبار قراراته مرجعية سياسية جديدة لحل الأزمة السورية، ونقل الثقل الدبلوماسي إليه من الجامعة العربية، التي تنتقل رئاستها من قطر إلى العراق خلال أيام، واستباقا لأي تغيير في توجهات الجامعة العربية في ظل رئاسة عراقية اقل صدامية من القطريين في مواجهة النظام السوري.

وقال المصدر العربي إن المجموعة الرائدة ستبدأ اجتماعاتها في 31 الحالي لإقرار «خريطة الطريق» العامة للمؤتمر ومقرراته. ورجح أن تجري تغييرات في عضوية الكتلة العربية المؤلفة من الأردن وقطر والسعودية وتونس والمغرب ودولة الإمارات. وكشف المصدر أن الإمارات تبدي ترددا في البقاء ضمن المجموعة. وقال إن مساعي تركية وعربية تجري مع الأردن لتسهيل إنشاء المعسكرات على أراضيه، وإدخال الأسلحة عبر الجنوب السوري.

البيان الرئاسي

وبعد مفاوضات مكثفة بين القوى الكبرى، وافقت

روسيا والصين على النص الذي قدمته فرنسا ويدعو الحكومة السورية إلى العمل في اتجاه وقف العنف وانتقال ديموقراطي. ويقدم البيان، الذي ليس له قوة قرار صادر عن مجلس الأمن، دعما قويا لأنان والخطة الواقعة في ست نقاط التي عرضها خلال محادثاته مع الأسد في دمشق.

وينص على ان مجلس الامن «سينظر في اتخاذ تدابير اخرى» اذا لم يلتزم الاسد بتطبيق خطة انان، التي تدعو الى وقف القتال وسحب القوات الحكومية والاسلحة الثقيلة من المدن التي تشهد احتجاجات وإرساء هدنة انسانية لمدة ساعتين يوميا لإفساح المجال لوصول العاملين الإنسانيين الى المناطق المتضررة من اعمال العنف، على ان يعمل انان على الحصول على ضمانات من المعارضة والمسلحين لوقف العنف.

كما دعا البيان الرئاسي «للالتزام بالعمل مع المبعوث في إطار عملية سياسية جامعة بقيادة سورية لمعالجة التطلعات المشروعة للشعب السوري وشواغله، والالتزام، لهذه الغاية، بتعيين محاور تخوله كل الصلاحيات عندما يدعوه المبعوث إلى القيام بذلك». وأهاب مجلس الأمن «بالحكومة السورية والمعارضة أن تعملا بحسن نية مع المبعوث من اجل التسوية السلمية للازمة السورية والتنفيذ الكامل والفوري لخطته ذات النقاط الست. ويطلب إلى المبعوث أن يطلع المجلس بانتظام، وفي الوقت المناسب على ما يحرزه من تقدم في مهمته. وفي ضوء هذه التقارير سينظر مجلس الأمن في اتخاذ تدابير أخرى».

كما وافق مجلس الأمن على بيان صحافي اقترحته روسيا ويدين التفجيرات في دمشق وحلب. وجاء في البيان الثاني ان «اعضاء مجلس الامن يدينون بأشد التعابير الهجمات الارهابية التي وقعت في دمشق بسوريا في 17 و19 آذار وفي حلب في 18 آذار ما تسبب بعشرات القتلى والمصابين». وأضاف «انهم يعبرون عن تعازيهم الحارة لعائلات ضحايا هذه الاعمال الشنيعة».

وأعلن دبلوماسيون ان دولا أوروبية لا تزال ترغب في استصدار قرار ملزم في مجلس الأمن حول سوريا. وقال المندوب البريطاني مارك ليال غرانت، الذي تترأس بلاده مجلس الامن لهذا الشهر، إن البيان يبعث «برسالة قوية وموحدة إلى الحكومة وكل اللاعبين الآخرين في سوريا بأنهم بحاجة إلى الاستجابة فورا» لمقترحات انان لحل الازمة.

وقال المندوب الفرنسي لدى الأمم المتحدة جيرار ارو، تعليقا على البيان، «انه خطوة صغيرة من قبل مجلس الأمن في الاتجاه الصحيح».

ونقلت وكالة انباء الصين الجديدة (شينخوا) عن مندوب الصين الدائم في الامم المتحدة لي باودونغ قوله «ندعو المجتمع الدولي الى دعم جهود الوساطة التي يقوم بها انان، وخلق ظروف مواتية لعمله». وأضاف ان «الصين تأمل في ان تقدم الحكومة السورية والاطراف المعنية الدعم الفعلي لمهمة انان والتنسيق معها، ووقف العنف فورا، وإبداء الارادة السياسية وإطلاق الحوار السياسي بالسرعة الممكنة من اجل التوصل الى تسوية سياسية مبكرة للازمة السورية». وأكد الموقف الصيني بمعارضة اي تدخل عسكري اجنبي في سوريا، مشددا على ان الشعب السوري هو الذي يجب ان يقرر إدارة شؤونه.

ودعا وزيرا خارجية الصين يانغ جيتشي ومصر محمد كامل عمرو، في بكين، إلى ضرورة الالتزام بحل سياسي للقضية السورية. وطالبا «المجتمع الدولي بضرورة احترام اختيار الشعب السوري، ودعم جهود الوساطة التي يقوم بها انان».

وأكد المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين أن موقف موسكو من الملف السوري لم يتغير، وهو يعكس «تصور روسيا للوضع السوري وتفهمها لضرورة وقف جميع أنواع العنف في أقرب وقت ممكن، وإشراك كل الأطراف في الحوار، ودعم العملية السياسية التي يقودها السوريون أنفسهم».

وأشار تشوركين إلى أهمية مضمون البيان الذي اقترحت مسودته فرنسا وهو «دعم جهود كوفي انان، الذي لا تزال روسيا على اتصال وثيق جدا معه». وأشار الى أن «محادثات مجموعة الخبراء التي بعثها انان إلى دمشق لمناقشة آلية المراقبة على وقف إطلاق النار تجري بشكل جيد جدا، حسب المعلومات المتوفرة لدى الجانب الروسي».

وأكد تشوركين أن «الجهود الرامية إلى إشراك المعارضة السورية وجماعاتها المسلحة في العملية السياسية لم تتوج بالنجاح حتى الآن»، مشددا على «أهمية تحقيق هذه المهمة لإطلاق العملية السياسية على أساس نشاط بعثة انان». وأعرب عن قلقه حيال تهريب الأسلحة إلى سوريا، مشيرا إلى أن «وقف عملية عسكرة النزاع السوري يعد أحد الشروط الرئيسية لنجاح مهمة انان». وقال «يجب وقف العنف والعمليات القتالية، وبطبيعة الحال، لا يسهم تهريب السلاح إلى سوريا في تحقيق ذلك، بل بالعكس، يجعل الأمور تتحرك إلى الوراء».

وأعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، قبيل تبني البيان، ان مشروع بيان مجلس الامن لا يتضمن تهديدات ولا إنذارات وقال «من المهم انه ليست هناك اية انذارات اخيرة وأية تهديدات وإشارات الى من يتحمل الذنب اكثر».

وأشار لافروف، في مؤتمر صحافي في برلين، الى ان نص مشروع البيان بشأن سوريا يكاد ينسخ حرفيا اقتراحات انان التي سلمها الى السلطة السورية والمعارضة. وقال «انا مرتاح جدا لكون شركائنا قد تخلوا في نهاية المطاف عن توجيه انذارات اخيرة وتهديدات والقيام بمحاولات لحل المشكلة عن طريق طرح مطالب أحادية الجانب على الحكومة السورية. ونظرا لان مجموعة كبيرة من المسلحين تقاتل ضد الحكومة السورية فمن الساذج ان نعول على ان يطلب مجلس الامن سحب القوات الحكومية من المدن الكبيرة من دون ان تتخذ خطوات مماثلة للتأثير على المعارضة».

أنان وبان كي مون

وناشد انان، في بيان، دمشق «الرد ايجابا» على دعوة مجلس الامن الدولي للسلطات السورية الى تطبيق خطة الست نقاط التي طرحها لحل الازمة. وقال المتحدث باسمه احمد فوزي ان «الدعم المتضامن لمجلس الامن في ما يتعلق بجهوده شجعه (انان) وهو يناشد السلطات السورية الرد ايجابا على خطته».

وقال فوزي ان الخبراء الذين ارسلهم انان الى سوريا التقوا مسؤولين سياسيين كبارا في دمشق الاثنين والثلاثاء، مشيرا الى ان انان لم يقرر بعد موعد عودته الى سوريا.

وذكرت وكالة الانباء السورية (سانا) ان بعثة تقييم المساعدات الانسانية الدولية في سوريا زارت مدينة ادلب التي سيطر عليها الجيش قبل اسبوع. وقالت ان «وفدا مشتركا من الامم المتحدة ومنظمة التعاون الاسلامي قام بزيارة الحي الشمالي والضبيط والناعورة في مدينة ادلب وأبدى ارتياحه لواقع المدينة حيث بدت الحياة طبيعية هادئة والخدمات متوفرة».

وأشـــارت الى ان الوفــد التقى محـــافظ ادلــــب ياسر الشوفي الذي لفت «الى اهـــمية زيارة الوفـــد في الاطلاع على حقيـــقة ما يجري على ارض الواقع وأن يســـتمع الى المواطنين المتـــضررين من ارهـــاب المجموعات الارهابية المسلــحة وممارساتها الاجرامية».

ونقلت عن رئيس الوفد بين بن هاربر قوله ان «الجولة تندرج في اطار زيارة سوريا للوقوف على الواقع في المناطق المتوترة التي شهدت ضررا في البنية الاقتصادية» اضافة الى لقاء المواطنين والاستماع لوجهات نظرهم ومقترحاتهم في هذا الجانب».

ووصف الامين العام للامم المتحدة بان كي مون البيان الرئاسي بأنه «إشارة واضحة وموحدة هدفها الوقف الفوري لجميع أنواع العنف وانتهاكات حقوق الإنسان وتوفير إمكانية تقديم المساعدات الإنسانية، وتشجيع الحوار السياسي بين الحكومة السورية وكل قوى المعارضة في البلاد».

وكان بان كي مون اعتبر، في العاصمة الاندونيسية جاكرتا، أن الأزمة السورية بالغة الخطورة ولها «تداعيات هائلة» على العالم. وقال «لا نعرف كيف ستتطور الأحداث، لكن ما نعرفه هو اننا جميعا نتحمل مسؤولية العمل من أجل حل هذه الأزمة العميقة البالغة الخطورة».

وكان يفترض ان يصرح بان كي مون في نسخة من خطابه تم توزيعها مسبقا انه يتوقع «عودة (انان) الى دمشق قريبا». لكن في النسخة التي القاها في النهاية لم يلمح الى اي امكانية من هذا القبيل. وأوضح المتحدث باسمه مارتن نيسيركي ان انان «ما زال ينتظر المزيد من التفاصيل (من فريق خبرائه في دمشق) قبل اتخاذ قرار حول برنامج زياراته الممكنة».

واشنطن

ووصف المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني البيان «بالإيجابي والمهم، إلا أنه خطوة متواضعة». وقال إنه «يدل على حقيقة أن هناك إجماعا في مجلس الأمن لدعم مهمة كوفي انان، ويدل على بناء تجمع من الأصوات على الساحة الدولية يصر على أن الرئيس بشار الأسد يجب أن يوقف حملته الوحشية ضد شعبه». وأضاف «من الواضح أن هذا شيء جيد».

وقالت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون ان «الخطوة التي اتخذها مجلس الامن المنقسم حيال الازمة في سوريا «ايجابية». وأضافت «نقول نحن والمجتمع الدولي للرئيس الاسد ونظامه، اسلك هذا الطريق والتزم به، وإلا فإنك ستواجه المزيد من الضغوط والعزلة».

ودعت كلينتون، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيرها الافغاني زلماي رسول في واشنطن، «جميع السوريين الذين يحبون بلدهم ويحترمون تاريخه ويدركون القدرات الهائلة الكامنة في العمل معا» إلى تنفيذ الخطة. وتابعت «نعتقد انه من المهم جدا اننا متحدون جميعا الآن وراء مهمة انان».

واعلنت ان «الولايات المتحدة تعمل مع المعارضة السورية على الاعداد لمرحلة انتقال السلطة المحتملة في سوريا». وأضافت «نحن ندعو الجيش السوري كذلك الى رفض الاوامر بإطلاق النار على المواطنين ابناء وطنهم، كما ندعو مجتمع الأعمال الذين ما زالوا يؤيدون النظام الى العمل على تطبيق بيان مجلس الامن ومهمة انان».

ورحب وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ بالبيان الرئاسي. وحثّ السلطات السورية على «انتهاز هذه الفرصة لوقف إراقة الدماء وإظهار التزامها بتنفيذ خطة انان ذات النقاط الست، بما في ذلك سحب الجيش من داخل المراكز السكانية وحولها».

ميدانيات

وقال المرصد السوري لحقوق الانسان، في بيانات، «قتل 23، وأصيب العشرات، في قصف على حي الخالدية في مدينة حمص، واشتباكات في حي السلطانية المجاور لحي بابا عمرو، ومحافظات ادلب وحماه ودرعا». وقال المتحدث باسم «الهيئة العامة للثورة السورية» في حمص هادي العبدالله «عثر ناشطون على 39 جثة مشوهة في حي الرفاعي».

وقال عضو «المكتب الاعلامي لمجلس قيادة الثورة في ريف دمشق» مرتضى رشيد «وقعت اشتباكات بين القوات النظامية وعناصر منشقين عند مدخل مدينة حرستا، اعقبها دخول القــوات النظامية الى المدينة». وأضاف «انسحب مقاتلو الجيش الحر الى المزارع خارج حرستا».

وذكرت وكالة الانباء السورية (سانا) «قتل وجرح عدد من المدنيين وعناصر من قوات حفظ النظام اثر تفجير انتحاري استهدف مساء الثلاثاء قوات لحفظ النظام في ريف درعا».

(«السفير»، سانا، أ ف ب، أ ب، رويترز، أ ش أ)

الأكثر قراءة