في الثامن عشر من آذار المقبل، تتأنق الفتيات. يلبسن فساتين العرس وأبهى حللهن. يصففن شعرهن. يتبرجن، ويتحضرن للّيلة الكبرى. ليلة العمر. في الجهة المقابلة، يلبس الشبان بذلاتهم الرسمية. يشدون ياقات القمصان، ويشبكون ربطات العنق. يحلقون ذقونهم. يعلقون وردة بيضاء على صدورهم، تحضيراً لليلة العمر ذاتها. وعندما تنتهي التحضيرات، يتوجه الجميع للاحتفال بالعرس.. حول مستديرة ساحة النجمة في وسط البلد! لكن الاحتفال بالعرس لن يكتمل. إذ لن تصحّ عليه جميع إجراءات العرس، ولن يجد من يسجّله على الورق. سيظل عرساً «مع وقف التنفيذ» لأن هؤلاء الشبان والصبايا قرروا أن يتزوجوا مدنياً. وفي لبنان، لا قانون مدنيا للأحوال الشخصية. هذا العرس الجماعي الذي تنظمه جمعية «شمل» («شباب مواطنون لبنانيون لاعنفيون»)، ليس الأول لها، أو لسواها من جمعيات المجتمع المدني، في سياق المطالبة بالزواج المدني. فـ«شمل» هي واحد من أربعة مشاريع أطلقتها «الهيئة اللبنانية للحقوق المدنية» التي أسسها كل من د. وليد صليبي وأوغاريت يونان وهي: مشروع «بلاد ـ بيوت اللاعنف اللاطائفية الديموقراطية»، و«الأكاديمية الجامعية للاعنف وحقوق الإنسان»، و«أمهات لاعنفيات». لن يقتصر العرس على شبان وصبايا يحبون بعضهم بعضا، فحسب. وحضوره، من الأصل، لا يحتاج إلى بطاقة دعوة خاصة. فالجميع مدعوون للمشاركة، من عازبين ومتزوجين.. حتى الذين تزوجوا أو يريدون أن يتزوجوا دينياً، ويؤيدون الحق الاختياري بالزواج المدني، مدعوون للمشاركة. ويتضمن العرس أغاني الأفراح، وفرقة دبكة، ومن المفترض أن تشارك فيه وجوه فنية وإعلامية معروفة تؤيد فكرة الزواج المدني. قصة «يوم حرية الاختيار» في الثامن عشر من آذار العام 1998، أقر مجلس الوزراء مشروع قانون مدني اختياري للأحوال الشخصية كان قد تقدم به رئيس الجمهورية الراحل الياس الهراوي، غير أن الإرادة السياسية النافذة آنذاك، وبفعل ضغوطات مارستها السلطات الدينية، طوت الملف ولم تنقل المشروع والقرار وفق الأصول الدستورية إلى المجلس النيابي. فقررت «الحملة الوطنية من أجل قانون مدني للأحوال الشخصية» التي انطلقت في العام 1998 وضمت 70 حزباً وجمعية، أن تحفظ هذا التاريخ في ذاكرة اللبنانيين، بغض النظر عن رأيها بمشروع قانون الهراوي. وأرادت تكريس هذا اليوم كـ«يوم وطني لحرية الاختيار»، ونظمت حوله عدة تحركات لافتة. تسوق الجمعية لنشاطها بالدرجة الأولى من خلال موقع «فايسبوك» عبر مجموعة «بدي إفرح ببلدي». حتى الآن، بات هناك نحو 1300 شاب وصبية، معظمهم من طلاب الجامعات، أكدوا مشاركتهم في النشاط. لكن ذلك لا يعني أن جميع هؤلاء سيحضرون الحفل. وفي المقابل، أبدى عدد منهم اهتماماً إضافياً، فلم يكتفوا بتأكيد الحضور عبر الخدمة الالكترونية، بل اتصلوا بالجمعية لمعرفة المزيد من التفاصيل المتعلقة بالنشاط. يقول طوني داوود، وهو أحد المشاركين في التنظيم، لـ«السفير» إنه «إذا حضر 100 شخص جدّيا، يكون النشاط قد نجح، وكلما ازداد العدد، نعتبر النتيجة أفضل». على حائط الموقع، يدور نقاش حول النشاط، وحول موضوع الزواج المدني عموما، يشارك فيه مؤيدون ومعارضون للاقتراح. فيعلن شاب أنه ضد الزواج المدني، لكنه يؤكد أن «التجمّع حق ديموقراطي. ولبنان مبني على الديموقراطية». ومع ذلك، يضيف الشاب نفسه أنه سيشارك في النشاط لكي «أدبك، وأرقص، وأغنّي!». ولن تكتفي «شمل» بالدعوات الالكترونية. بل تتواصل أيضاً مع جمعيات من المجتمع المدني، والمنظمات الشبابية والطلابية في الأحزاب المهتمة بالموضوع. وسيتم إرسال دعوات لـ128 نائباً في المجلس النيابي اللبناني لحضور العرس، عدد منهم يؤيد الزواج المدني، وعدد آخر منهم تزوج مدنياً بالفعل. و«شمل» التي تنظم النشاط لا تريد أن يرتدي نشاطها الحلة «الفولكلورية» وحدها. في الأصل، النشاط مطلبي وحقوقي. لذلك، وخلاله، يقدم مشروع قانون لبناني للأحوال الشخصية أعدّه صليبي ويونان إلى مجلس النواب، بواسطة النواب الذين سيحضرون النشاط. وكان من المفترض أن ينظّم العرس بين الحادية عشرة صباحاً والواحدة من بعد الظهر، لكن العديد من الشبان والصبايا طلبوا تأخير وقته لأنه يتزامن مع مواعيد الدراسة والعمل، فتم تأخيره إلى ما بين الرابعة والسادسة من مساء 18 الجاري. وعلى الرغم من أن هذا الموعد لا يتزامن مع انعقاد جلسة لمجلس النواب، إلا أنه يضمن للمنظمين إمكانية الوصول إلى ساحة النجمة. ففي الأيام العادية، يمنع الوصول إلى الساحة عند انعقاد جلسة لمجلس النواب. ومن المفترض أن يتضمن العرس، إلى الرقص والاحتفال وتوزيع الملبّس، مفاجأة، يصر أصحابها على تركها لأوانها
يوسف حاج علي -.
هل يعتبر اليوم العالمي للمرأة تكريماً فعلياً لها؟ يدعو الدكتور أسعد أبو خليل في هذا المقال إلى رفض النسويّة الليبرالية، والتلاقي بين مختلف أشكال النضال النسوي الأخرى. عندها فقط، يمكن الاحتفال بيوم للمرأة يمتدّ طيلة العام
أسعد أبو خليل مرّة واحدة في السنة، يحتفل العالم بيوم المرأة العالمي. مرة واحدة في السنة، يتذكّر العالم نصف سكّان الأرض: هؤلاء اللواتي يقُمن بثلثيْ أعمال الكرة الأرضيّة، ويتلقّيْن عشر المدخول العالمي، ويملكن أقلّ من واحد في المئة من الأملاك في الأرض، لا يستحققن إلا يوماً واحداً في السنة، أو أقل. مرّة واحدة في السنة، يقرّر العالم أن يحيّي المرأة. وهذا اليوم يجب أن يُلغى. هو مثل ما يُسمّى في الولايات المتحدة الأميركية «شهر التاريخ الأسود». قرّرت أميركا بعد عقود من الاستعباد ومن التمييز (الذي لا يتوقّف) أن تكرّس (نظريّاً) شهراً لـ«التاريخ الأسود». يجتمع الطلاب في صفوفهم لقراءة خطاب أو خطابيْن للقس مارتن لوثر كنغ، ويلقون بنظرات واجمة على مشاهد من قمع الشرطة البيضاء لتظاهرات السود في الخمسينيات والستينيات، وكفى. يوم المرأة العالمي يهدف لا إلى إلغاء التمييز والجور على أساس الجنس، بل إلى تمييع قضيّة النضال من أجل تحرير المرأة. يوم المرأة العالمي يهدف إلى نسيان المرأة على امتداد السنة، ما خلا يوماً واحداً. إن تكريم المرأة لا يكون عبر تكريس يوم صوري فلكلوري، على طريقة أعياد الطوائف والمذاهب في لبنان. الحلّ يكون في تكريس السنة كلّها للمرأة لا من أجل تكريمها في اضطهادها (على طريقة التعاطف مع المُستَعبَد في استبعادِه) بل من أجل قلب النظام السياسي والاجتماعي والديني والاقتصادي الذي يؤسّس ويديم البنية البطريركية التي تدعم سيادة الرجل المطلقة (أو شبه المطلقة). تكريم المرأة يكون لا في احترامها في موقعها الدوني، بل في التغيير الجذري في النظام السائد، وفي التلاقي بين مختلف أشكال النضال النسوي (النفسي ــــ الوجودي والما بعد حداثي والجذري والاشتراكي والماركسي) معاً، باستثناء النسويّة الليبراليّة التي كانت ولا تزال خير معين للرجل في سيادته، شرقاً وغرباً. فالنسويّة الليبراليّة هي في اعتبار وصول بهيّة الحريري أو نايلة معوّض أو جيلبرت زوين إلى الندوة النيابيّة نصراً مبيناً للمرأة، فيما يمكن اعتبار وصول الثلاث (اللواتي لا علاقة لهن بقضايا المرأة من قريب أو بعيد، كما أن اثنتيْن منهن متحالفتان مع نظام القمع الوهّابي في الرياض الذي سبق طالبان في إنشاء أقسى نظام قمع للمرأة في العالم) مفيداً للرجل لأنه يعطي صورة تمثيل للمرأة في إطار مجالس ومؤسّسات ذكوريّة. أما يوم المرأة العالمي في بلد السيادة الذكوريّة الفاقعة مثل لبنان، حيث تكون القفشات التلفزيونيّة دائماً على حساب المرأة (أو على حساب الشعب السوري الحبيب)، وحيث يتحوّل تكريم المرأة إلى مناسبة لتكريس الدور التقليدي للمرأة، فيُقال فيه كلام عن الأمومة والحضانة وعن الدفء البيولوجي الذي توفّره المرأة للأطفال. وهناك من سيستشهد ببيث الشعر الذي يدعو الرب «لفرش الدنيا لهن»، بالسجاد والورود كي يعمدن إلى تنظيفها في ما بعد. وهناك الجانب الطبقي ليوم المرأة ويوم الأم: تظن وسائل الإعلام الذكوريّة أن المرأة تعني نساء الطبقة الوسطى وما فوق. أي إن الموضوع غير ذي بال للعاملات الأجنبيّات أو للمومسات (ضحايا وحشيّة الرجل الجنسيّة) أو للفلاحات (ومعظم العاملين فيالزراعة اليوم في العالم، هم من النساء، أي إننا نأكل ما تزرع النساء، ثم نأكل ما تطهو النساء، ثم تنظف النساء الصحون، فيما يُصاب الرجل بالتخمة قبل أن يسترخي في قيلولة قد تمتدّ إلى ما بعد موعد تحرير فلسطين). وفي يوم المرأة العالمي يتذكّر الرجل اللبناني الأم والأخت والزوجة في أدوار تقليديّة: وهم في ذلك على مذهب سياسي للإغريق الشهير، بريكليس، الذي أفتى بأنه أفضل للمرأة «ألا يُسمع منها وألا تُرى». وفي لبنان قامت الدنيا ولم تقعد حين طرحت فكرة كوتا النساء، مع أن النظام السياسي قائم على كوتا طائفيّة مُجحفة. يصرّ الطائف على إعطاء من هم نحو 30% من السكّان نصف المقاعد النيابيّة والوزاريّة، فيما ثار أهل الطائف والطوائف ضد إعطاء نصف السكان كوتا بلديّة لا تزيد على 20% فقط. أي إنه يحق للطوائف ما لا يحق للنساء. لكن الحلّ لا يكون بكوتا رمزيّة أو بإعطاء الرجل حق تعيين من يشاء من النساء (الرجال في الغرب والشرق يختارون النساء ثم يزعمون أن المرأة باتت صانعة للقرار ــــ أي إن ريا الحسن أو جيلبرت زوين هما بالفعل صانعتان للقرار). الحلّ هو في رفض تلك الحلول النسويّة الليبراليّة التي تهدف إلى طمأنة الرجل والإبقاء على سيطرته البطريركيّة مقابل مقعد هنا أو هناك، ومقابل وصول امرأة إلى سدّة المسؤوليّة (خارج العالم العربي وخارج أميركا) مرّة كل عقديْن من الزمن. النسويّة الليبراليّة تغزو الأمم المتحدة وتغزو بيوتنا، وهي باتت ذراع السيطرة البطريركيّة. يجب رفض يوم المرأة العالمي وتحويله إلى أسابيع وأشهر وسنوات من الثورة على سلطة الرجل، وذلك عبر تقويض السلطة السياسية والاقتصاديّة والجنسيّة والثقافيّة والدينيّة للرجل. عندها فقط، نستطيع أن نتحدّث عن تكريم حقيقي للمرأة.
احتفال شعبي يعيد الاعتبار إلى العربيّة التي يحتقرها شبان اليوم، أو يخجلون منها في أفضل الأحوال. خلف بهجة العيد، تقف جمعية «فعل أمر» و«مؤسسة الفكر العربي» لدقّ ناقوس الخطر: لا مستقبل من دون لغة
زينب مرعي الأحرف العربيّة المتدليّة من الجسور في بيروت وحولها، والمتربّعة منذ أيّام على لوحات الإعلانات في الفضاء العام، جاءت تمهّد للحدث. ها هو المهرجان يأخذ مواقعه في المدينة، ويعيد اسملاك فضاءاتها. إنّه أول «مهرجان للغة العربية» ينظّم بمبادرة من جمعية «فعل أمر» وبالاشتراك مع «مؤسسة الفكر العربي»، تحت شعار «نحن لغتنا». بين الثامنة من صباح اليوم والحادية عشرة ليلاً، سيعيش شارع الحمرا في بيروت، يوماً «عربيّاً» طويلاً... برنامجه الحافل يدور حول لغة الضاد... وآليات احيائها واعادتها إلى الحاضرة التي استوطنتها الركاكة والهجانة والرطانة تحت وطأة الموضة، وأشكال الاستلاب المستشرية في أوساط الشباب. 150 فناناً سيشاركون في الحدث الذي تتخلّله معارض كتب، وعروض مسرح وحكواتي ورقص معاصر، وموسيقى، وتشكيل، وفيديو، وأدب وشعر.. كلّ ذلك باللغة العربية حصراً.
البرنامج أعدّ خصيصاً للمناسبة، وفق رئيسة جمعيّة «فعل أمر» سوزان تلحوق، وهي تتمحور حول علاقة الإنسان بلغته الأم. يشارك الشاعر والمخرج (وزميلنا الستابق) علي زراقط مثلاً بفيديو «كلام من ضوء»، إلى جانب أحمد غصين الذي يشارك بفيديو «يملي ويضحك». بينما تقرأ سوزان تلحوق، وغسان جواد، ومازن معروف من أشعارهم. غازي عبد الباقي، ومنير الخولي، وتانيا صالح، و«كورال الفيحاء» وغيرهم سيحييون البرنامج الموسيقي لهذا النهار الإحتفالي. فيما تُقدَّم عروض المسرح والرقص المعاصر في «مسرح المدينة»، منها «مجموعة برندا»، و«كلمة وردّ غطاها»، و«عربي بالمشبرح». بالنسبة إلى سوزان تلحوق، فإنّ المهرجان هو بمثابة «دقّ ناقوس الخطر» أمام تقهقر لغة الضاد. هذا الهاجس كان وراء تأسيس جمعيّة «فعل أمر» عام 2009 («الأخبار» ـــ 16 ك2/ يناير 2010). وقد أخذت الجمعيّة الشابّة على عاتقها «نشر الثقافة العربية والحفاظ عليها كلغة وتراث إلى جانب ربط إنتاج الشباب بالإنتاج الإبداعي الثقافي».
ثم التقت «فعل أمر» مع «مؤسسة الفكر العربي» في مشروعها «عربي 21» أو «مشروع الإسهام في تطوير تعلّم اللغة العربية» الذي أطلقته المؤسسة الشهر الماضي. ويركز المشروع على تغيير التوجهات لدى الأطفال والناشئة تجاه اللغة العربية، بحسب الأمينة العامة المساعدة في المؤسسة منيرة الناهض. كما تأتي مبادرة دعم اللغة العربية في إطار السعي لتحقيق أحد الأهداف الأساسيّة للمؤسسة وهو «اعتبار اللغة العربية أحد أهم حصون المقاومة الحضاريّة». تعتبر «فعل أمر» و«مؤسسة الفكر العربي» أنّه ينبغي للمؤسسات الرسميّة والخاصة في العالم العربي أن «تتكاتف لدعم لغتها كأحد عناصر الهويّة في زمن العولمة». وتلفت سوزان تلحوق إلى ظاهرة خطيرة «وهي خجل الشباب العربي بلغته الأم، وعدم إيلائها الأهميّة اللازمة في المؤسسات وأماكن العمل». ويلاحظ سليمان عبد المنعم، الأمين العام لـ «مؤسسة الفكر العربي»، غياب «أي جهد عربي منظّم لجعل اللغة العربية تواكب تطورات العصر. مثلاً، فإنّ آخر تحديث للمعجم «الوسيط» الصادر عن «مجمع اللغة العربية» في القاهرة، جرى في الستينيات». عوامل تضعف كثيراً موقع اللغة العربيّة، وتحثُّ الشباب على اللجوء إلى اللغات الأجنبيّة خصوصاً في الإختصاصات العلميّة. من هنا، يعتبر عبد المنعم أنّه «يجب أن نبدأ عملاً حثيثاً لتطوير لغتنا، من دون أن يتعارض المشروع مع استخدام اللّغات الأجنبية، بل على العكس. إذ إنّ الفجوة المعرفيّة التي تفصل بيننا وبين الغرب حالياً، تحتّم علينا إتقان اللغات الأجنبيّة شرط ألاّ يكون ذلك على حساب اللغة الأم». لكن للمشكلة أيضاً جذور أعمق، تبدأ تحديداً في المؤسسات التربويّة والتعليميّة التي تبدو كالحلقة الأضعف في سلسلة الحفاظ على اللغة. طرق تعليم العربية بحسب المستشارة الدائمة لمشروع «تعلّم اللّغة العربية» في «مؤسسة الفكر العربي» هنادا طه، «ما زالت تعتمد على الأستاذ كمحور للعمليّة التعليميّة، وعلى الحفظ والكتاب المدرسي المقرّر. في حين أثبتت الأبحاث أن الطرق الفضلى لتعلّم اللغات هي عبر إثارة النقاش... إننا نخسر أجيالاً كثيرة بسبب طريقتنا التقليديّة في التعليم». ألى جانب المؤسسة التربويّة المتقاعسة، تأتي وسائل الإعلام لتساهم بشكل أساسي في تشويه اللغة العربية وفق سليمان عبد المنعم. إذ إنّ عدداً من «الفضائيات العربيّة يعتمد العاميّة عوضاً عن اللغة الفصحى، والإعلانات المزروعة في شوارعنا تخاطبنا بمعظمها باللّغات الأجنبيّة». الخطوة الأولى على طريق الحلّ بالنسبة إلى «مؤسسة الفكر العربي»، هي في مشروع «عربي 21» الذي يحاول تبنّي مفاهيم تربوية عالميّة، تتعلّق باللّغة العربية وتعميمها. هذا المشروع، إضافة إلى مهرجان «نحن لغتنا» الذي تطمح «فعل أمر» إلى جعله محطة سنويّة، هما صرخة لإنقاذ لغة الضاد... علّ جمعيات ومؤسسات أخرى تتلقفها وتنضم إلى هذه الحملة التي تحتاج إلى الاستمراريّة والانتشار، وإلى كثير من الجهد والصبر، من التخطيط والتفكير والعمل الميداني.
«نحن لغتنا» من الثامنة صباح اليوم حتّى الحادية عشرة ليلاً ـــ شارع الحمرا ــــ للإستعلام: 71/386042
برنامج للأطفال«مهرجان اللغة العربية» يستهدف أساساً الشباب والأطفال. إذ يريد أن يكرّس في لاوعي الطفل، صورة عن الإبداع بلغته الأم. يشمل «نحن لغتنا» برنامجاً موازياً للأطفال ينتهي عند السابعة مساءً ويتخلله «سباق الأحرف» (الثامنة صباحاً، قرب «مسرح المدينة»)، وافتتاح معرض للكتب مختصّ بكتب الأطفال، توزع بعض الدور خلاله كتباً مجانيّة. كذلك تنظّم هذه الدور أنشطة يتخلّلها عرض خاص بالخط العربي. عند الحادية عشرة، يقدّم الفنان جمال كريّم عرض «جنكوز» عن اللغة العربية وجمالها، بينما يقدّم المخرج كريم دكروب مسرح الدمى «يلّا ينام مرجان» (17:30، «المدينة»). وتشارك «جامعة البلمند» في أنشطة ثقافية تعتمد طرقاً إبداعية مبتكرة في «محترف مع جامعة البلمند» (الثانية بعد الظهر). بالإضافة إلى عروض حكواتي وغناء وموسيقى بينها «كورال اللغة العربية» (17:15، «المدينة») .
عدد السبت ٢٦ حزيران ٢٠١٠ |محمد نزال «جورج ابراهيم عبد الله، أوقف على الأراضي الفرنسية، وأدين من قبل القضاء الفرنسي وصدر في حقه حكم بالسجن مدى الحياة، وذلك لأنه ارتكب جرائم قتل واغتيال، ولقد تقدم بطلب لإخلاء سبيل في عام 2001، ثم تقدم بطلب مماثل أخيراً، لكن النتيجة كانت سلبية»، بهذه الكلمات ردّت وزيرة الحريات والعدل الفرنسية ميشال إليو ماري على سؤال عن المواطن اللبناني المسجون في فرنسا. فهو وإن كان في نظر الغرب مجرماً، فإنه في نظر جزء كبير من اللبنانيين مقاوماً ضد الاحتلال الإسرائيلي ومن يدعمه. احتاجت الوزيرة للرد على هذا السؤال إلى بعض الوقت للاتصال بالعاصمة الفرنسية والاستحصال على الرد الرسمي حول هذا الموضوع، وفق ما أكد لـ«الأخبار» مسؤولون في السفارة. ولفتت الوزيرة الفرنسية إلى أن لجنة قضائية خاصة نظرت في طلب إخلاء سبيل عبد الله، وذلك في تاريخ 5 أيار 2009، وهي «لجنة لا تجتمع إلا في الحالات الاستثنائية الخاصة، وقد أعطت رأياً سلبياً بشأن إطلاق سراحه». ولكن «ما سبب هذا الرأي السلبي؟» سألت «الأخبار»، فردّت الوزيرة الفرنسية «السبب يكمن في أن جورج عبد الله أعلن أنه لن يتنازل عن الكفاح المسلح والأعمال الإرهابية، وهذا إعلان خطير، وخاصة أنه يقول أيضاً إنه لن يأسف على الضحايا الذين سقطوا»، وأصرّت الوزيرة الفرنسية على أن «عبد الله يفترض أن يبقى في السجن مدى الحياة» وذلك حين سُئلت «هل تحاكمونه على النوايا، فهو لم يخرج من السجن حتى يثبت أنه سيرتكب أعمالاً إجراميّة بنظر القانون الفرنسي». الكلام على المواطن اللبناني الذي يقبع خلف القضبان الفرنسية، جاء خلال لقاء أجرته «الأخبار» مع الوزيرة إليو ماري في منزل السفير الفرنسي في قصر الصنوبر. خلال اللقاء، جرى الحديث أيضاً عن المحكمة الخاصة بلبنان، وهل يتدخل المجتمع الدولي «سياسياً في عمل هذه المحكمة؟ الوزيرة الفرنسية شددت على أنها «لا نملك أي معلومات عن وجود تدخل سياسي في عمل المحكمة»، مضيفة «الأمر الوحيد الذي أعرفه أن أشغال المحكمة مستمرة، وفرنسا كانت وستبقى ساهرة وحريصة على ذلك»، كما ذكرت بأن بلادها دعمت بقوة إنشاء هذه المحكمة. وكررت قناعتها ـــــ والقناعة الرسمية الفرنسية ـــــ بـ«ضرورة معاقبة الأشخاص الذين ارتكبوا هذه الجريمة»، ولفتت إلى أنها ستتحدث عن هذا الموضوع مع رئيس الحكومة سعد الحريري (احتمعا مساء أمس على العشاء في السرايا الكبير). أما في ما يتعلق بالعلاقات اللبنانية ـــــ السورية، فقد قالت الوزيرة الفرنسية إن هذه «العلاقات تسير على نحو جيد، وخطوة فتح السفارات بين البلدين إشارة إيجابية في هذا الإطار، ونحن نشجع تحسن هذه العلاقات». حين سُئلت إليو ماري عن موقف بلادها من الخروق الإسرائيلية للسيادة اللبنانية، أجابت بردّ مختصر قائلة «يجب احترام القرار 1701، لأن هذا الأمر يتعلق بمدى صدقيّة المجتمع الدولي». وكانت الوزيرة الفرنسية قد وصلت بعد ظهر أمس إلى بيروت في زيارة تستمر ليومين فقط، والتقت وزير العدل اللبناني ابراهيم نجار في مكتبه في الوزارة. بعد اللقاء، قال الوزير نجار إن الاجتماع كان «فرصة لاكتشاف مجالات التعاون بين لبنان وفرنسا، ليس فقط على المستوى القضائي، بل في مجالات متعددة، منها فتح المجال لتوقيع اتفاقيات بين البلدين كقضية الزواج المختلط بين لبنانيين وفرنسيين، وبعض المشاكل التي يعانيها بعض هؤلاء الأزواج والزوجات، إضافة إلى بدء تنظيم الميدياتيك التي ستشهدها المدينة القضائية المنتظرة في لبنان»، وتحدث نجار عن اللقاء كـ«فرصة جميلة لتنظيم التعاون بين ضفتي المتوسط ولإعادة بناء ثقافة القانون التي امتاز بها لبنان عبر العصور، لأننا وفرنسا ننظر من المنظار نفسه إلى القيم العليا، وأهمها الحريات».
لا نملك أيّ معلومات عن وجود تدخّل سياسي في عمل المحكمةوأكد نجار، رداً على أسئلة الصحافيين، أنه لم يجر خلال اللقاء تناول موضوع المحكمة الخاصة بلبنان. كلمة الوزيرة الفرنسية، بعد اللقاء، اتسمت هي أيضاً بالمجاملة، ووصفت العلاقات الفرنسية اللبنانية بأنها «علاقات ذات طبيعة استثنائية ترتكز على التاريخ والثقة والصداقة، فضلاً عن كونها موجّهة للمستقبل»، وأوضحت أن الاجتماع استكمل المحادثات التي بدأتها مع الوزير نجار خلال مشاركته في الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة سعد الحريري إلى فرنسا قبل بضعة أشهر، ولفتت الوزيرة الفرنسية إلى أن «البحث تناول كيفية العمل معاً لتحديد مكامن التطور الضروري للقانون، وخصوصاً أن المجتمع يتقدم وعلى القانون أن يتطور ويتكيف، شرط المحافظة على قيمه الأساسية. فعلى الإجراءات القضائية أن تلبي تطلعات المواطنين في أن تكون العدالة أكثر سرعة وعدلاً. ومن المهم، بما أننا نواجه المشاكل نفسها، أن نتعاون في هذا المجال». واكدت إليو ماري أن «للبنان وفرنسا ثقافة قانونية مشتركة، وقد أثبتت فعاليتها في مواجهة الأزمة المالية العالمية، وبحثنا تعزيز التبادل على أكثر من صعيد، بدءاً من القضاة لفترات قد تصل مثلاً إلى سنتين، وإجراء دورات تدريبية للكتاب العدل والمحامين».
لقطةتولّت الوزيرة ميشال أليو ماري أول منصب دبلوماسي لها عام 1992كوزيرةً للشباب والرياضة، قبل أن تُصبح وزيرة للدفاع عام 2002، ثم وزيرة للداخلية 2007 لمدة سنتين، وأخيراً وزيرة للعدل والحريات في فرنسا. ولدت اليو ماري في فرنسا عام 1946 وهي حاصلة على شهادة الدكتوراه في الحقوق. احترفت مهنة المحاماة لفترة طويلة من الزمن، كما عملت أستاذة محاضرة في جامعة باريس. زارت لبنان أول مرّة عندما كانت وزيرة للشباب والرياضة عام 1992، وهي «تعشق لبنان لأن هناك الكثير من المثل المشتركة بينه وبين فرنسا»، حسب قولها. زارت لبنان بعد ذلك مرّات عدّة، وذلك أثناء تولّيها وزارتي العدل والداخلية، وهي ترى أن هناك «علاقات قوية ومميزة تربط لبنان بفرنسا، يجب دائماً تطويرها وتعزيزها عملياً».
جورج عبد الله من القبيات إلى باريسولد جورج إبراهيم عبد الله عام 1951 في القبيّات ـــــ عكار، وناضل في صفوف الحركة الوطنية، ثم مع المقاومة الفلسطينية «دفاعاً عن المقاومة وعن الشعب اللبناني والفلسطيني»، كما يؤكد ذووه والمقربون منه. جُرح في أثناء الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان في عام 1978. اتهمته السلطات الفرنسية بتأسيس «الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية» والتخطيط لمجموعة من العمليات «الإرهابية»، منها: اغتيال الكولونيل تشارلز راي الملحق العسكري في السفارة الأميركية في فرنسا عام 1982، واغتيال ياكوف بارسيمنتوف السكرتير الثاني للسفارة الإسرائيلية في فرنسا في العام نفسه، وتفخيخ وتفجير سيارة رودريك غرانت الملحق التجاري في السفارة الأميركية في فرنسا، إضافة إلى اغتيال الدبلوماسي الأميركي ليمون هانت عام 1984
عدد السبت ٢٤ نيسان ٢٠١٠* قرم: جزر بقيادة المستقبل * سابا: إدارة بديلة مهيمنة
جورج قرم: قيود الخزينة متعددة لكنها لم تكن ممكننة (أرشيف ــ بلال جاويش)ملفّ قطع الحساب وحسابات المهمّة الغائبة أو المغيّبة منذ 2001، يفتح الباب أمام الكثير من التساؤلات عن حقيقة ما يجري في وزارة المال، فالوزارة الأكثر أهمية تحوّلت منذ أواخر عام 1992 إلى مجموعة جزر يتحكّم بها فؤاد السنيورة، عبر فرق عمل رديفة تسيطر على مفاصل الإدارة، هذا بعض ممّا يرويه وزيرا المال في حكومتي الرئيسين سليم الحص وعمر كرامي، أي جورج قرم وإلياس سابا، اللذان جاءا الى الوزارة من خارج النادي المهيمن
محمد وهبة قبل نحو 18 سنة، بدأ التأسيس لعهد جديد في وزارة المال على يدي وزير الدولة السابق فؤاد السنيورة، الذي لم تتكشف «إنجازاته» إلا لبعض الوزراء ممن تولّوا الوزارة من خارج النادي «الحريري»، مثل الوزير جورج قرم (مدة ولايته سنتان) في عهد حكومة الرئيس سليم الحص، والوزير إلياس سابا (4 أشهر) في عهد حكومة الرئيس عمر كرامي، أو لبعض كبار الموظفين، مثل عبد اللطيف قطيش، الذي تولى مديرية الخزينة لسنوات... ولكن جزءاً من الملفات بات مفضوحاً بعد فتح مسألة قطع الحساب وضرورة مطابقته مع حسابات المهمّة، وبات الباب مشرّعاً على مصراعيه للمزيد من الفضائح، التي تُظهر وزارة المال كمغارة يجري عبرها ممارسة نوع من الاعتداء المنظّم على المال العام، وعلى أصول المحاسبة العامة، وذلك عبر النظام المعلوماتي الذي كان يتيح التلاعب بالحسابات المالية، فضلاً عن كونه إقطاعات متعددة يسيطر عليها منذ عام 1992 تيار المستقبل.
جزر بقيادة «المستقبل»
لا يمكن إقرار مشروع الموازنة قبل إقرار قطع حساب السنة التي سبقت تنفيذ الموازنة السابقة، وهذا يتطلب بدوره أن تكون مديرية المحاسبة في وزارة المال قد تلقّت من المحتسبين المركزيين حصيلة مفصّلة للعمليات التي أجروها، أي حسابات المهمّة. إلا أن المشكلة الحالية هي أن هذه الحسابات لم تنجز منذ عام 2001 إلى اليوم، فما هي الأسباب الكامنة وراء هذا الأمر، وما علاقته بالهيكل الإداري والتنظيمي في مختلف مديريات وزارة المال؟ يروي وزير المال السابق، جورج قرم، مشهد الأيام الأولى على توليه وزارة المال في نهاية عام 1998، إذ إن الوزارة كانت في حالة يرثى لها، فما أذهله أنها حصلت على كثير من المساعدات، أبرزها وحدة كاملة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي تعمل في الوزارة، إلا أن النظام المعلوماتي فيها (المركز الآلي) لا يعدو كونه عبارة عن جزر مختلفة غير مرتبطة بعضها ببعض، فكانت كل مديرية بمثابة إقطاع أو مملكة بقيادة تيار المستقبل، وذلك منذ أواخر 1992 (باستثناء حكومتي سليم الحص وعمر كرامي)، فلم تكن العمليات المحاسبية ممكننة، وغابت القواعد الصارمة التي تمنع الدخول إلى النظام المعلوماتي... وبالتالي لم تكن هناك أي فعالية في هذا النظام سوى أنه نظام إحصائيّ في ظل فلتان جماعي، إذ كانت قيود الخزينة متعددة للغاية، لكنها غير ممكننة... لهذا، سعى قرم إلى التدقيق بالأمر، فتبيّن له أنه في مجال الواردات لم تكن الأمور ممسوكة أبداً، «أما حسابات المهمّة فقد كادت تكون غير موجودة منذ 10 سنوات، فبدأت بإعدادها وأكملناها حتى عام 1996، لكن كان هناك ضعف تقني في مديرية المحاسبة العامة». وفي هذا الإطار كلّف قرم فريقاً بمتابعة كل حسابات الخزينة في مصرف لبنان، وهو أمر أوقفه لاحقاً السنيورة، «أما ديوان المحاسبة فقد تأخر كثيراً في وضع يده على قضية قطع الحسابات وحسابات المهمة».
الإدارة البديلة تولى وزير المال السابق إلياس سابا، مسؤولية وزارة المال بين نهاية 2004 ومطلع 2005، فاكتشف أن تيار المستقبل كان يقبض على كل المفاصل عبر وسيلتين: الأولى تتعلق بخطف صلاحيات المدير العام، والثانية مرتبطة بخلق فرق عمل رديفة للعلاقات الداخلية للوزارة وعلاقاتها الخارجية أيضاً. في الوسيلة الأولى، يشير سابا إلى وجود «فوضى عارمة، فلا أحد ملتزم بهرمية الإدارة وهرمية المسؤوليات، بدليل أن المدير العام للوزارة لم يكن يقوم بأي عمل، لأن الوزير فؤاد السنيورة شلّ كل أعماله واستحوذ عليها، فلا يُستشار ولا يُسأل عن رأيه، علماً بأن هذا الأمر واجب قانوناً. وبذلك عطّلت قمة الهرم الإداري، ما أدى إلى انفلات الوزارة، فيما كان مديرون مدعومون سياسياً من مراجع سياسية يشغلون مديرياتها الحساسة». بالتزامن مع هذا التعطيل، أوجد السنيورة إدارة بديلة عبر توسيع المركز الآلي، ووضع نبيل يموت على رأسها، فأسس الأخير نظام محاسبة «على ذوقه»، وبات سلطانه يفوق المدير العام، فاضطر المرؤوسين ومختلف مديريات الوزارة الى الانصياع لما يطلبه يموت، وقلّة فقط رفضت فجرى «خنقها».
اضطر المرؤوسون في الوزارة إلى الانصياع لما يطلبه يموت وقلّة فقط رفضت «فخُنقت»من جهة ثانية، خلق السنيورة فريقاً رديفاً، «هو مكتب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الوزارة، ليتولى كل العلاقات الخارجية للوزارة، أي مع المؤسسات المانحة والبنك الدولي والدول الصديقة... علماً بأن المكتب مموّل بجزء كبير من الخزينة اللبنانية، وعيّن رئيساً له آنذاك، جهاد أزعور، ثم انتشرت ظاهرة مكاتب برنامج الأمم المتحدة في الوزارات». هذان الأمران أدّيا إلى سيطرة السنيورة وفريق عمله برئاسة يموت على كل مديريات وزارة المال، وأبرز مظاهر هذه السيطرة يتمثّل بترك الحسابات المالية مفتوحة لسنوات طويلة، وهذا يعني بحسب سابا أن «إمكان التزوير قائم، إذ إن أي خطأ بمليون ليرة، يُعَدّ محاسبياً خطأً يوازي 100 مليار ليرة، فمن يسرق دجاجة يسرق جملاً».
مفاتيح السيطرة
ويعرض مدير الخزينة السابق، عبد اللطيف قطيش، تجربة إضافية في وزارة المال ذات دلالة واسعة، فيقول إن «نبيل يموت كان يمسك بمفاتيح كل الحسابات في النظام المعلوماتي منذ فترة طويلة ويديرها كما يرتئي، إذ بإمكانه أن يوقف عمل الموظفين الآخرين لأنه كان ممسكاً بمفاتيح النظام، ومتحكماً بالمسألة كلها»، ويؤكد أن قانون المحاسبة العمومية ومراسيم تنظيم الحسابات الصادرة في عام 1965، والتي لا تزال قائمة إلى اليوم تؤكّد أن دفاتر الحسابات يجب أن تكون «من دون حكّ ولا تطريز وبياض...»، وذلك بهدف عدم حصول أي تزوير. إلا أن قطيش يرى أن ديوان المحاسبة هو المسؤول قبل وزارة المال، فهو يُعَدّ مراقب عقد النفقات الأساسي، ويعمل تماماً كما تعمل مديرية الموازنة ومراقبة النفقات، «لا بل هو مراقب من الطراز الأول لأن سلطته أوسع، فإذا تجاوزت المبالغ التي تنفق حدّاً معيناً، تؤول سلطة الموافقة عليها إلى ديوان المحاسبة... وفي ضوء هذه السلطات وغيرها، كيف وافق ديوان المحاسبة على إنفاق متواصل لنحو 4 سنوات من دون أي موازنة وعلى القاعدة الاثني عشرية؟».
2.4 مليار ليرةهي قيمة التمويل الذي يحصل عليه مكتب الـUNDP في وزارة المال من خزينة الدولة، في مقابل 50 ألف دولار من الأمم المتحدة، أي إن هذا المكتب ليس سوى إدارة موازية صمّمت لتوظيف أمثال نبيل يموت وجهاد أزعور (سابقاً) برواتب عالية
احترام الهرميةيعتقد الوزير إلياس سابا (الصورة) أن الهرمية التسلسلية في وزارة المال هي الأساس، فيجب أن تعود إلى وضعها القانوني والنظامي، «ولا يجوز أن يبقى قسم كبير وأساسي مثل المركز الآلي مبنياً على موظفين بالتعاقد»، فيما يرى الوزير جورج قرم أنه يمكن تصحيح الواقع الحالي لنظام المعلوماتية من طريقين: «الطلب إلى شركة خارجية متخصصة لتطوير النظام المعلوماتي بما يتلاءم مع الأنظمة والتشريعات المحاسبية التي يجب أن يعاد النظر ببعضها أيضاً، أو أن تُرفع كفاءة جهاز المعلوماتية الخاص بالوزارة. لكن في كلتا الحالتين يجب أن تخضع الوزارة والموظفون لإعداد طويل وتدريب».
عدد الثلاثاء ١٢ تشرين الأول ٢٠١٠أنجزت الوحدة النقابية للأساتذة الثانويين والمهنيين ثلثي مطلبهم، أي الأربع درجات ونصف الدرجة، من دون أن تعيد لهم حقهم المكتسب كاملاً. الحل ــ التسوية خرج من السرايا الحكومية، ولا يصبح نافذاً إلّا بعد موافقة مجالس المندوبين واللجان الفاحصة في الامتحانات الرسمية التي ينتظر أن تتخذ اليوم قراراً بالعودة إلى التصحيح، ابتداءً من يوم غد السبت
فاتن الحاج جاء الحل ــ التسوية بين رابطتي الأساتذة الثانويين والمهنيين ورئيس الحكومة سعد الحريري اعترافاً علنياً أمام الرأي العام والمسؤولين والسلطة السياسية وإقراراً صريحاً بأن الرابطتين لم تطالبا بزيادات غلاء معيشة ولا بتصحيح أجور، بل بحقهما المكتسب في ما بقى لأساتذتهما من الـ60% بموجب القانون 66/53، أي 35% (7 درجات) لقاء الزيادة في ساعات العمل. تحقق ثلثا المطلب، أي أربع درجات ونصف درجة، والباقي يستكمل بالنضال النقابي في بلد تنتزع فيه الحقوق ولا تعطى. هكذا، لم يتعنّت الأساتذة في الحصول على حقوقهم كاملة، كما كانت السلطة تحاول تصوير الأمور، بل ذهبوا إلى منتصف الطريق عبر المطالبة بالأرقام الوسطية، في سبيل نجاح الحوار وعدم ضياع العام الدراسي على طلابهم وأولادهم. وقدّموا تساهلات كثيرة إن في مبادرات حسن النية المتمثلة بالتراجع عن مقاطعة التصحيح في الشهادة المتوسطة ومراقبة الامتحانات المهنية. أثبت الأساتذة أنّهم نموذج يحتذى وخط الدفاع الأخير عن الحركة المطلبية في لبنان التي جهدت السياسة في تفتيتها. وخرج «النقابيون»، وإن كانوا لا يملكون حق التنظيم النقابي من معركة مقاطعة أسس التصحيح والتصحيح في امتحانات شهادة الثانوية العامة كما دخلوها موحدين متماسكين، لينتصروا بذلك على محاولات بعض القوى السياسية لشق صفوفهم على خلفية «ما بدنا وجع راس وليش ما كل جهة بتسحب جماعتها من رابطة الثانويين اللي هي صورة مصغرة عنا». هذه المحاولات لم تتوقف حتى في الجلسات الدستورية بامتياز، مراهنة على ضعف وحدة الأساتذة وتراجعهم، لكن الصمود كان أقوى من مراهناتهم. أما النقطة المضيئة التي يمكن الخروج بها من المعركة أنّه لا يزال هناك مكان للعمل النقابي الديموقراطي المستقل بدليل سقوط تهمة التسييس. فالأساتذة على اختلاف تلاوينهم السياسية، وبغض النظر عن هامش التحرك في هذا المجال، لا يترددون بالتمرد على قياداتهم السياسية عندما تتعارض تدخلات هؤلاء مع مصالحهم الوطنية والنقابية، والأمثلة كثيرة بدليل فشل كل الزيارات الميدانية التي كانت تقوم بها القيادات، في محاولة لإقناع قواعدها في المناطق بالعدول عن قرار المقاطعة، بحجة المشاكل التي تسببها مع القطاعات الأخرى، ولا سيما أساتذة الجامعة. ومع ذلك حظي التحرك بموافقة الجمعيات العمومية ومجالس المندوبين وتواقيع الأساتذة من أقصى لبنان إلى أقصاه. كذلك، أفشل هؤلاء محاولات استفراد أي قطاع من القطاعات التعليمية لخرق قرار مقاطعة التصحيح، فكانوا جسماً تعليمياً واحداً في القطاعين الرسمي والخاص. هكذا، التزم جميع معلمي المدارس الخاصة قرار نقابتهم، رافضين أن يكونوا متاريس في وجه زملائهم في الثانويات والمهنيات الرسمية. أما النقابة فلم تتردد في القيام في دور الوسيط بين رابطتي الأساتذة الثانويين والمهنيين والسلطة السياسية، وكرر رئيسها نعمه محفوض مراراً أنّ «وحدة الأساتذة أهم من المطلب ولا مكان للاختراق النقابي وبيننا». إذاً، بعد 15 يوماً من مقاطعة التصحيح، حصل التوافق الذي أُعلن من السرايا برعاية رئيس الحكومة ومشاركة وزير التربية والتعليم العالي حسن منيمنة وحضور وفد مشترك من الهيئة الإدارية لرابطة أساتذة التعليم الثانوي برئاسة حنا غريب، ورابطة أساتذة التعليم المهني والتقني الرسمي برئاسة جورج قالوش ونقابة معلمي المدارس الخاصة برئاسة نعمة محفوض. الوزير زفّ إلى اللبنانيين التوافق باعتباره إعلان نهاية مقاطعة تصحيح الامتحانات، وبدء التصحيح ابتداءً من صباح غد السبت. وشكر «كل من رافقنا في التوصل إلى هذا الحل، ولا سيما رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان والرئيس الحريري ومجلس الوزراء مجتمعاً الذي أعطى باستمرار اهتماماً كبيراً لهذا الموضوع بمناقشته أكثر من ثلاث مرات داخل المجلس، إضافة إلى الجهد الذي بذله الرئيس الحريري في لقاءاته المتكررة مع الرابطة، وتفهّمه لجملة المطالب، وتفهم الرابطة للأوضاع العامة. كل ذلك أدى إلى هذه النتيجة التوافقية». وأمل منيمنة «أن ينفّذ الأساتذة وعدهم السابق بالإسراع في التصحيح لتعويض الأيام التي مرت نتيجة تعليق التصحيح، بحيث يبقى إصدار النتائج في مواعيدها». ووصف غريب الاتفاق بالتسوية التي تمكنت من خلالها الرابطة من استرجاع ثلثي مطلب الدرجات السبع. لكن الاتفاق لن يكون نافذاً، كما قال، ما لم توافق عليه اللجان الفاحصة غداً (اليوم) مع مجلس المندوبين المركزي والمصححين الذين يعقدون جمعية عمومية، عند الحادية عشرة صباحاً، في ثانوية عمر فروخ الرسمية. هكذا لم تقرر الهيئة الإدارية للرابطة تعليق مقاطعة التصحيح، بل أوصت بذلك، تاركة، وفق الأصول النقابية، لمجلس المندوبين اتخاذ القرار بالعودة إلى التصحيح، ابتداءً من يوم غد السبت. أما محفوض فرأى أنّ «الأساتذة لم يحصلوا على كامل حقوقهم، وما توصلنا إليه حل وسط يضمن من جهة جزءاً من حقوق المعلمين ويتيح من جهة ثانية حصول الطلاب على شهاداتهم في أسرع وقت ممكن ويأخذ الوضع الاقتصادي في البلاد بالاعتبار من جهة ثالثة. وأثنى النقيب على تفهم الرئيس الحريري لموقع الأستاذ في المرحلة الثانوية وأهميّته. وبالنسبة إلى مترتبات الأمر على الأقساط في المدارس الخاصة، تحدث محفوض عن دراسة أولية «أعددناها في حال إعطاء المعلمين خمس درجات لا أربع درجات ونصف درجة، وتبين لنا أن هذه الزيادة ترتب على التلميذ على مدى العام الدراسي الكامل زيادة قدرها 27 ألف ليرة لبنانية، هذه الدراسة أعدها اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة لا نقابة المعلمين، وأعتقد أن مبلغ 25 إلى 27 ألف ليرة عن كل تلميذ لن يكون كبيراً، وخصوصاً أنّه معلوم أنّ الجسم الثانوي في القطاع الخاص صغير. رئيس رابطة أساتذة التعليم المهني والتقني الرسمي جورج قالوش قال إنّ الحل جزء بسيط من مطالبنا الكبيرة في التعليم المهني والتقني الرسمي، لكنّه يؤكد أن العمل النقابي حر وليس مسيساً، كما كان يقال في بعض الأحيان.
التسويةيتضمن الاتفاق بين رابطتي أساتذة التعليم الثانوي والمهني الرسمي ووزير التربية حسن منيمنة ورئيس الحكومة سعد الحريري إعطاء الأساتذة 4 درجات ونصف درجة كالآتي: كذلك يبدأ التناقص في ساعات العمل ابتداءً من السنة السادسة عشرة لعمل الأستاذ بعدما كانت في السنة الخامسة عشرة. 4 درجات في صلب الراتب موزعة على سنتين: درجتان ـــــ درجتان، وتقديم التدرج على جدول سلسلة الرواتب سنة واحدة (نصف درجة)، على أن يبدأ مفعول هذه الدرجات من 1/1/2010 بدلاً من 1/7/2011. ويأخذ الاتفاق في الاعتبار الأساتذة الذين سيتقاعدون هذا العام إما بسبب الوفاة أو بسبب بلوغهم السن القانونية بأن يحصلوا على 4 درجات ونصف درجة دفعة واحدة.
خالد صاغية حرب تمّوز لم تقع. الانتخابات النيابيّة لم تُجرَ. رفيق الحريري لم يُغتَل. الجيش الإسرائيلي لم يدخل لبنان ذات يوم. ميشال سليمان ليس رئيساً للجمهوريّة. سعد الحريري لم يصافح بشّار الأسد. الدَّين العام لم يتخطَّ الخطّ الأحمر. أسعار العقارات لم ترتفع ارتفاعاً خياليّاً. النظام الطائفي لم يقفل نفسه بنفسه. جورج بوش لم يغادر البيت الأبيض. الجيش الأميركي لم يتكبّد الخسائر في العراق. مشروع الشرق الأوسط الجديد لم يكن موجوداً أصلاً، ولم يُهزَم. المعارضة اللبنانية لم تعِد بسياسات اقتصادية واجتماعية مختلفة. لبنان لم يلتزم شرعة حقوق الإنسان. الجيش السوري لم يخرج من لبنان. ما من سفارة سوريّة في بيروت. الحقوق المدنيّة ليست حقاً للفلسطينيين المقيمين في لبنان. وسط المدينة لم يُنهَب. معدّلات الفقر لم ترتفع. المصارف لم تجنِ ما يكفي من الأرباح. 7 أيّار تاريخ مفقود. لم يطبّل أحد للفتنة المذهبيّة. ما من شبكات تجسّس إسرائيليّة في لبنان. حين تحضر الطوائف، يختفي التفاوت الاجتماعي. تلفزيون لبنان مؤسسة غير موجودة وغير ضروريّة. الليبرالية الجديدة لم تفشل في تحقيق التنمية. المحاصصة في التعيينات لم تشلّ الإدارة. العمّال في لبنان لا يتعرّضون للامتهان. ما من عمّال في لبنان. الرشوة لم تخترق الإعلام والثقافة. لا حاجة لجامعة وطنية في ظلّ الجامعات الخاصّة. ما من جدار فولاذيّ يبنى بين فلسطين ومصر. ما من قضيّة تدعى فلسطين. ما من مفقودين في الحرب الأهلية اللبنانية. القوى الأمنية لا ترتكب تجاوزات. قطاع الاتصالات ليس حيوياً لمداخيل الدولة. جوزف صادر لم يُخطَف، ومصيره لا ينتظره أحد. الضرائب لا تزعج عامة الناس. المدارس الرسميّة لزوم ما لا يلزم. نموذج دبي ليس في أزمة. النقل المشترك لا يفيد أحداً. ما من معتقلين سياسيّين في السجون العربية. ما من فساد في مؤسسات الدولة. ما من ثكنة في مرجعيون. لا تخمة سيّارات في بيروت. المواطنون لا ينتظرون شيئاً من الدولة. تشايكوفسكي لم يفقد صديقه. لم يكتب له «تريو» موسيقياً. لم يُعزَف أمس في بيروت. لم ينتهِ بلحن الموت. لم يبكِ أحد في القاعة.
يبحث مجلس الوزراء مجدداً، في جلسته اليوم، تقرير اللجنة الوزارية المكلّفة اقتراح خطّة لإدارة النُّفايات الصُّلبة في جميع المناطق، فهذا البند أُجِّل بتُّه من جلسة سابقة إثر موجة غضب اعترت رئيس الحكومة سعد الحريري سببها سؤال «غير بريء» وجهه إليه وزير السياحة فادي عبّود عن القيمة الفعلية لعقود سوكلين ومثيلاتها، ولا سيما أن هذه القيمة تُصنّف الأعلى على مستوى العالم اكتفى رئيس الحكومة سعد الحريري في جلسة مجلس الوزراء السابقة بإعلان نجاحه في خفض عقود شركة سوكلين بنسبة 4%، إلا أنه رفض أن يُفصح أمام الوزراء عن قيمة هذه العقود التفصيلية قبل الخفض وبعده، ما أدّى إلى تأجيل بتّ تقرير اللجنة الوزارية، التي يرأسها الحريري نفسه، المكلّفة اقتراح خطّة تتعلّق بإدارة النفايات الصُّلبة في جميع المناطق اللبنانية. إلا أن غضب الحريري في الجلسة الماضية لن يمنع بعض الوزراء من الإصرار على طلب توضيحات كافية في جلسة اليوم عن كلفة عقود سوكلين ومثيلاتها، ولا سيما في ضوء المعلومات التي تفيد بأن كلفة كل طن من النفايات تتراوح ما بين 120 و155 دولاراً، أي إن خفضها بنسبة 4% فقط أمر يثير الريبة، وينمّ عن تواطؤ ما على حساب المال العام؛ إذ إن مجلس الوزراء نفسه كان قد بحث في جلسة له في تشرين الثاني من عام 2007 خطّة لإدارة النفايات الصلبة تتضمن خيارات عدّة لتنفيذها، وقد بيّنت هذه الخطّة أن كلفة طن النفايات يمكن أن تتراوح ما بين 46.30 دولاراً في حال اعتماد المناقصة العمومية و67.88 دولاراً في حال اعتماد عقود الـ BOT الممولة بقروض مصرفية. في الواقع، يعتقد أكثر من وزير أن طلب وزير السياحة فادي عبّود من الرئيس الحريري الإفصاح عن قيمة العقود ليس السبب الوحيد لتأجيل هذا البند إلى جلسة اليوم. فالتقرير الذي عرضه الحريري لم يتضمّن أي خطّة أصلاً، بقدر ما يحاول تعميم تجربة سوكلين على قطاع النفايات برمّته، وفي جميع المناطق والبلديات، تحت عنوان «الشراكة مع القطاع الخاص»، مع إضافة بعض الأفكار العامّة في شأن استخدام النفايات في إنتاج الكهرباء عبر القطاع الخاص أيضاً. فتقرير اللجنة الوزارية، التي ألّفها مجلس الوزراء منذ آذار الماضي، يستغرق في وصف الواقع القائم من دون تحديد المسؤوليات عنه، ويذهب بعيداً في التبرير عبر التركيز على ضعف الإمكانات لدى البلديات والإدارات الحكومية، وهو ما أدّى، بحسب التقرير، إلى تلزيم شركة سوكلين ومثيلاتها عمليات الكنس والجمع والفرز والحرق والتسميد والطمر بعقود التراضي، وذلك من دون أي تقويم لهذه العقود وجدواها وكلفتها. وقد جاء في التقرير أن الخطة الطارئة، التي بدا تنفيذها في عام 1997، صُممت على أساس 1700 طن من النفايات المنزلية يومياً، مع احتياطي 250 طناً يومياً. لكن عوامل عدة أربكت وعطّلت أجزاءً من هذه الخطّة، أهمّها: ويشيد التقرير بخدمات جمع النفايات (سوكلين) التي شهدت تطوراً ملموساً خلال السنوات العشر الأخيرة، إلا أنه يقرّ بأن خيار الطمر لا يزال هو المعتمد أساساً، وهذا لا ينطبق فقط على البقايا غير القابلة للتدوير أو التخمير، بل على معظم المواد العضوية التي ترسل إلى المطامر، حتى بعد تخميرها، ما يُعَدّ هدراً.
1ـــــ ارتفعت كمية النفايات إلى 3000 طن يومياً، في الذروة، أي ضعفي ما كان ملحوظاً في الخطة تقريباً. 2ـــــ خفض عمليات التسميد من 1000 طن يومياً إلى 300 طن يومياً، وذلك لعدم تمكّن الإدارة من توفير أراضٍ شاسعة في منطقة بيروت وجبل لبنان لإجراء هذه العملية. 3ـــــ توقيف عمليات الحرق في العمروسية والكرنتينا، ما أدى إلى إرسال هذا الفائض إلى مطمر الناعمة، واستنزاف قدرته الملحوظة في سنتين بدلاً من عشر سنوات. 4ـــــ عدم قدرة الإدارة على توفير المواقع الإضافية للمعالجة ومطامر بديلة لمطمر الناعمة.
ويستعرض التقرير بالأرقام واقع قطاع النفايات الصلبة في لبنان، إذ إن خدمات الإدارة المتكاملة للنفايات الصلبة متوافرة حالياً في 19% من الأراضي اللبنانية فقط، ولنحو 60% من عدد السكان الإجمالي. ففي طرابلس تُرمى النفايات ضمن مكبٍّ مراقب بلا أي عمليات فرز وتسبيخ. أمّا في زحلة، فتُطمَر النفايات مع فرز دون تسبيخ، وفي بيروت وجبل لبنان، باستثناء قضاء جبيل وبعض القرى (1342 كلم مربعاً)، توفّر شركة سوكلين ـــــ سوكومي الخدمة لـ345 بلدية، أي ما يقارب 2.2 مليون مواطن، بمعدل 2500 طن في اليوم الواحد، وتقوم الشركة بأعمال الفرز، وتسبيخ كمية لا تتعدى300 طن يومياً، وتعمد إلى الطمر في مطمر الناعمة، الذي كان من المفترض أن يقفل في شهر آب. أما في المناطق الأخرى، فالمكبات العشوائية هي الطاغية، ما جعل كلفة التدهور البيئي السنوية الناتجة من سوء إدارة النفايات الصلبة تُقدّر بنحو 15 مليون دولار في حد أدنى (تقديرات البنك الدولي في عام 2002). يبلغ عدد المكبات العشوائية 200 مكبّ، منها 27 مكباً تتسم بالخطورة، هي: صيدا، تعلبايا، حبالين، الصرفند، سعد نايل، حامات/ البترون، الغازية، قب الياس، مزيارة، رأس العين، النبي شيت، عشاش، صريفا، جب جنين، كفرحبو، جبعا، كيال، جديدة/ ببنين، كفرتبنيت، هرمل، كوسبا، تربل الجرد، الفاكهة، صرار، دير الغزال الجرد، مزار صنين، فنيدق، قموعة. ويخلص التقرير إلى الدعوة لاعتماد التفكّك الحراري وتحويل النفايات إلى طاقة في المدن الكبرى وتكليف وزارة الطاقة والمياه اقتراح نصّ تشريعي يضمن حق القطاع الخاص في إنتاج الطاقة المنتَجة من تفكّك النفايات وبيعها. ويدعو التقرير إلى إشراك القطاع الخاص وتسهيل مهماته بإدارة النفايات الصلبة، على أن تجري عملية إشراكه من خلال الـTum Key (من الجمع إلى المعالجة النهائية) أو من خلال 2Different Operations (1 جمع 2 معالجة). ويطالب بتكليف مجلس الإنماء والإعمار وبالتنسيق مع وزارة البيئة بالتعاقد مع استشاري عالمي لـ: * اختيار الحل والآلية الأمثل الملائمة للواقع اللبناني (من روحية الخطة). * وضع دفاتر الشروط الفنية للتصنيف الأوّلي لشركات التفكّك الحراري (Due diligence to short list only proven technologies). * تقويم الشركات وتصنيفها. * وضع دفاتر الشروط الفنية للمناقصة النهائية. * تقويم العروض. * مراقبة التنفيذ. وأخيراً، يطالب التقرير بمنح رئاسة الحكومة صلاحيات مراقبة سير عمل التنفيذ وتوفير التمويل للتنفيذ. (الأخبار)
1.5 مليون طنهي كمية النفايات الصلبة التي ينتجها لبنان سنوياً، ينتهي 40 في المئة منها في مكبات عشوائية، و50 في المئة في مطامر، ولا يُدوَّر أكثر من 10 في المئة، وهذا يُعَدّ هدراً فاقعاً يوازي الهدر المحقق في عقود سوكلين الباهظة، ويترك آثاراً بيئية وصحيّة خطرة.
خيارات عامةعلى الرغم من الصورة السوداوية لواقع النفايات في لبنان، يكتفي تقرير اللجنة الوزارية برئاسة سعد الحريري، باقتراح خطّة لا تتضمن سوى أفكار عامّة وشعارات، منها: * إن أي عملية للتخلص من النفايات الصلبة المنزلية في المدن المكتظة يجب أن تراعي خصوصية هذه المدن، وأهمها ندرة الأراضي، ما يجعل من المطامر الصحية والتسبيخ غير المستحبة. * إن التسبيخ والطمر الصحي في حال توافُر الأراضي والأبعاد الملائمة يبقى اختياراً بيئياً ومادياً مثالياً يتجانس مع طبيعة الحال في معظم الأرياف اللبنانية.
محمد نزال«بقرار من النيابة العامة، سيُستدعى كاتب المقال إلى مديرية الاستخبارات ليُسأل من وراءه، أكان جهازاً أم شخصاً قدّم هذه المعلومات المدسوسة. كائناً من كان وراءه، سنرسل فرقة من المكافحة لتوقيفه». هكذا تكلّم وزير الدفاع إلياس المر في مؤتمره الصحافي قبل نحو أسبوع، قاصداً بكلامه الزميل حسن علّيق، الذي استُدعي بالفعل إلى مديرية الاستخبارات وحُقق معه لمدّة 6 ساعات، قبل أن يُطلق سراحه.بعيداً عن السياسة، وعن الآداب والأعراف التي طبعت العلاقة بين الإعلاميين والأجهزة الأمنية، هل تُعدّ خطوة الاستدعاء التي طلبها الوزير المرّ جائزة من الناحية القانونية؟ وهل يحق للوزير المذكور وللمدّعي العام لدى محكمة التمييز القاضي سعيد ميرزا الإيعاز إلى مديرية الاستخبارات لاستدعاء وتوقيف أيّ من المواطنين، فضلاً عن الصحافيين والإعلاميين؟ ليس هناك في نص المادة 38 من قانون أصول المحاكمات الجزائية أيّ ذكر لمديرية الاستخبارات في الجيش كأحد أشخاص الضابطة العدلية، وبالتالي فإن تكليفها من قبل النيابة العامة هو أمر «غير قانوني»، بحسب ما أكد عدد من الخبراء القانونيين. تنص المادة المذكورة على أنه «يقوم بوظائف الضابطة العدلية، تحت إشراف النائب العام لدى محكمة التمييز، النواب العامون والمحامون العامون. ويساعد النيابة العامة، ويعمل تحت إشرافها في إجراء وظائف الضابطة العدلية، كلّ في حدود اختصاصه المنصوص عليه في القانون، الآتي ذكرهم:إذاً، فإن تكليف مديرية الاستخبارات من قبل النيابة العامة أمر «غير قانوني إطلاقاً»، وفق تعبير نقيب محامي طرابلس والشمال السابق فادي غنطوس، الذي رأى أن «الزجّ بالجيش في هذا الموضوع أمر في غير محلّه، ومن يفعل ذلك يكن هو من يسيء إلى الجيش لا الآخرون». واستغرب غنطوس في حديث مع «الأخبار» تبجّح بعض الوزراء بالتعاطي مع الناس، والتعامل مع الضباط «كأجراء يعملون لديه. فهل أصبح الجيش أو القوى الأمنية دكاناً لدى هؤلاء حتى يقولوا نرسل الفرقة الفلانية لتوقيف فلان. هذا كلام معيب. ألم يسمع بعض المسؤولين بالعمل المؤسساتي مثلاً؟». وختم غنطوس قائلاً: «غريب أمر هذا الصمت تجاه التجاوزات للقانون التي حصلت في قضية توقيف الصحافي، والتي يمكن أن تتكرر مع سواه لاحقاً. ولذلك أخشى أن يصبح الصمت أمراً تشجيعياً لنهج قمعي يترسخ شيئاً فشيئاً».بدوره، أكّد الرئيس الأسبق لمجلس شورى الدولة، القاضي يوسف سعد الله الخوري، أن هناك اجتهاداً معروفاً لدى مجلس شورى الدولة، يشير إلى عدم اعتبار أيّ من أفراد الجيش اللبناني كأحد أشخاص الضابطة العدلية، وبالتالي فإن تكليف مديرية الاستخبارات بمهمة التوقيف والتحقيق أمر «غير قانوني، وهذه مسألة قد تعرّضت لها بالشرح ملياً في كتابي «القانون الإداري العام»، وبالتالي لا يمكن أن يكلف بمساعدة القضاء الجزائي عدلياً إلا الضابطة العدلية». 1 ـــــ المحافظون والقائمقامون. 2 ـــــ المدير العام لقوى الأمن الداخلي وضباط قوى الأمن الداخلي، والشرطة القضائية، والرتباء العاملون في القطاعات الإقليمية، ورؤساء مخافر قوى الأمن الداخلي. 3 ـــــ المدير العام للأمن العام، والضباط ورتباء التحقيق في الأمن العام. المدير العام لأمن الدولة ونائب المدير العام، والضباط ورتباء التحقيق في أمن الدولة. 4 ـــــ مختارو القرى. 5 ـــــ قادة السفن البحرية وقادة الطائرات والمركبات الجوية».
وفي السياق نفسه، فإن فرقة المكافحة في الجيش اللبناني ليست ذات صلاحية لتوقيف أو تبليغ أي مواطن، وذلك وفقاً لما نصّت عليه المادة 147 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، إذ تشير إلى أنه «تبلّغ أوراق الدعوى والمذكرات والأحكام والقرارات الصادرة عن القضاء، وتنفذ التدابير القضائية، بواسطة مفارز أمنية خاصة تكون تابعة مباشرة للنائب العام ولقاضي التحقيق الأول ولرؤساء الهيئات والمحاكم المختصة».من جهته، شدد الخبير القانوني المحامي ماجد فياض على أن القانون لم يورد الشرطة العسكرية ولا المكافحة كأحد رجال الضابطة العدلية المساعدين، وبالتالي لا يمكنهما القيام بمهمات التوقيف. ولفت فياض في حديث مع «الأخبار» إلى أن المرسوم الاشتراعي 77/ 104 الذي عدّل قانون المطبوعات، «أوضح بما لا يقبل الالتباس، أنه لا يجوز التوقيف الاحتياطي في قضايا المطبوعات، وذلك بحسب المادة 28 منه». وأشار إلى أن بعض الفقه القانوني يذهب إلى أنه «لا يجوز حتى إصدار مذكرة إحضار أو توقيف غيابية بحق الصحافي، ما دام التوقيف الاحتياطي غير جائز بحسب هذا القانون الاستثنائي، ويذهب البعض أيضاً إلى عدم جواز فترة الاحتجاز الإداري التي تكون سابقة على التوقيف الاحتياطي، لأنه متى مُنع الأصل مُنع الفرع».
لقطةاتصلت «الأخبار» بالمدّعي العام لدى محكمة التمييز، القاضي سعيد ميرزا، الذي كان قد أوعز إلى مديرية الاستخبارات في الجيش اللبناني لاستدعاء الزميل حسن عليق والتحقيق معه، وسألته على ماذا استند قانوناً في تكليف الاستخبارات في هذه المهمة، فيما هي لا تُعدّ من أشخاص الضابطة العدلية والمساعدين المذكورين في المادة 38 من قانون أصول المحاكمات الجزائية. أجاب ميرزا بأن «هناك مرسوماً صادراً منذ نحو 10 سنوات، وهو ينص على أن استخبارات الجيش من ضمن الضابطة العدلية ويمكن تكليفها»، ولكن ما هو رقم هذا المرسوم؟ سألت «الأخبار»، فأجاب القاضي بأنه ليس في باله في الوقت الراهن، ولكن «في كل الأحوال ما حصل كان قانونياً، وثغر كهذه لا تفوتنا».
منصور: من حق علّيق تقديم شكوىرأى وزير الدفاع الأسبق البير منصور، أن «ردّ فعل الوزير المرّ لم يكن متناسباً على الإطلاق مع حجم الموضوع، فلقد كنا وزراء ولم نفعل مثل هذه الأفعال، كان يمكنه الاكتفاء بنفي ما قيل، ولكن أن تُستخدَم المؤسسات والأجهزة لخدمة مصالح الوزراء فهذا أمر غير مقبول». وأشار منصور في حديث مع «الأخبار» إلى أنّ بإمكان الزميل علّيق «تقديم شكوى قضائية ضد الوزير المر بتهمة التشهير والقدح والذم، وذلك عندما اتهمه بالعمالة لمصلحة إسرائيل، فهذا أمر لا يرضاه أحد، فضلاً عن أنه لا يجوز أن يُستدعى الصحافي ويجري توقيفه بهذه الطريقة»، رافضاً «ادعاء الوزير أنّ الصحافي أساء إلى الجيش، فعلى العكس قرأت المقال ولم أجد فيه أيّ اتهام للجيش».
رشا أبو زكي منذ فترة، اقترض أحد المواطنين 30 ألف دولار من أحد المصارف في لبنان لمدة عشر سنوات، والمواطن هذا كان يعرف «لعبة المصارف»، وتوقع تغيير أسعار العملات خلال فترة سداد القرض. لذلك أبرم مع المصرف عقد قرض بالدولار بفائدة متحركة نسبتها 5،5% + المعدل العالمي للفائدة على الدولار (ليبور). في السنة الثالثة من سداد القرض، تبيّن للمقترض أن القسط الإجمالي الباقي من أصل القرض هو 24 ألفاً و904 دولارات، بدلاً من أن يصبح 21 ألف دولار، لا بل اكتشف أن الفائدة احتسبت على قيمة المبلغ الجديد. ومن ثم اكتشف أيضاً أنه كان يدفع 500 دولار في نهاية كل عام بحجة أنه تأخر في دفع الأقساط. أما بالنسبة إلى التأمين الذي يفرضه المصرف فقد كانت قيمته تبلغ سنوياً 500 دولار، فيما اكتشف المقترض أن شركات أخرى تؤمن التغطية بكلفة 260 دولاراً! المقترض عرف أن المصرف يخرق بنود العقد، فاضطر إلى الاستعانة بمحاسب ليتبيّن أن الفارق الذي يدفعه المقترض للمصرف من دون أي وجه حق وصل إلى 8 آلاف دولار. وبعد مراجعات وإظهار الوثائق اضطر المصرف إلى الرضوخ وإعادة المبلغ إلى المقترض... «إن هذا المصرف يبتز ويسرق مدخرات المقترض باستخدام وسائل الاحتيال والاختلاس... والحالة عامة»، مثال صغير عرضته الدكتورة في القانون الدولي أحلام بيضون خلال مؤتمر «علاقة المستهلك والمؤسسات المالية»، الذي نظّمته جمعية المستهلك لمناسبة اليوم العالمي للمستهلك، وهذا المثال يختصر معاناة المواطنين اليومية مع المصارف التي لا يريد مسؤولوها أن يسمعوا أو يعلموا ما تتركه مخالفاتهم من آثار على المستهلكين، بحيث لم يحضر الندوة ممثل عن جمعية المصارف ولا عن مصرف لبنان، على الرغم من الدعوات الموجّهة إليهما!
أداء مصرفي سيئ!
فقد رأت بيضون أن المصارف تمثّل إحدى المافيات الكبرى في البلد، وإن كانت القروض تعدّ بمثابة لغز كبير بسبب الغموض الذي يحيط بتفاصيله كلها، فإن آلية احتساب أسعار الفائدة تعتبر اللغز الأكبر. فهو باختصار «نقل مستحقات الفقراء إلى جيوب الأثرياء»، بحيث إن سعر الفائدة يرتفع بحسب حجم الوديعة، ويحصل كبار المودعين على فوائد تساوي أكثر من ضعفي تلك التي يحصل عليها المودع الصغير، على المبلغ نفسه... واحتساب الفوائد الغامض لا يقلق فقط المواطنين، فحتى وزير السياحة فادي عبود قال في كلمته إن النظام المصرفي العالمي يعتمد مبدأ معدل الفائدة السنوية، ما يعني أن على المصرف احتساب كل المصاريف على أشكالها وأنواعها واعتماد آلية احتساب الفوائد بطريقة شفافة. فإذا اعتمد نسبة 9% مثلاً يجب أن تكون الـ9% مجموع كل المصاريف وغيرها، تدفع بعد مرور 365 يوماً، أي سنة على الدين، ولا يحق للمصرف زيادة مصاريف أخرى، أما في لبنان، فقد رأى عبود أن «الفوائد لا تزال غير مفهومة»، لا بل أشار إلى أن لبنان هو البلد الوحيد في العالم الذي لا يشرح للمستهلك معنى الفائدة «الجرّارة»، كما أن المواطن يجهل حقيقة ما يدفعه من فوائد ومصاريف إضافية على الحسابات والقروض... فيما دعت وزيرة المال ريا الحسن إلى مزيد من الشفافية في شروط العقود، بما في ذلك سعر الفائدة الحقيقي والمصاريف الإدارية، وحقوق المؤسسة المالية في حال فشل الاستثمار أو عدم وفاء المستهلك بدينه، مؤكدة الحاجة إلى هيئة لحماية المستهلك في الأسواق المالية، قد تكون من ضمن الأطر القائمة، أو من ضمن إطار جديد ومستقل. ويظهر مسح أجرته جمعية المستهلك طال أكثر من 700 مواطن، أن 62% من المستطلعين لا يدركون قيمة الفوائد الدائنة والمدينة المعتمدة من المصرف على حساباتهم، كما أن 67% لا يعرفون الطريقة التي تم فيها احتساب نسبة الفوائد، ويشير الاستطلاع إلى أن 45% من المقترضين لم يحصلوا على شرح من المصرف حول القرض وتفاصيل العقد قبل توقيعه. وأشار 61 % من المستطلعين إلى أن المصرف لم يوافق على الحسم من الفوائد المدينة عند سداد الدين قبل استحقاقه. وقال 48% من المستطلعين إنهم لا يعرفون أنهم يدفعون عمولات على معاملاتهم المصرفية. وصنف 32 % من المستطلعين الأداء المصرفي بأنه سيئ، فيما قال 26% إنه وسط و33% إنه جيد، و9% فقط قالوا إنه جيد جداً!
المصارف والدولة: سفاح القربى
وهذا الأداء السيئ مع المستهلكين شرحه الخبير الاقتصادي توفيق كسبار، لافتاً إلى أن تاريخ استحقاق الشيكات هو أكبر مصدر ربح للمصارف، إذ إن أيام التأخير ليست سوى آلية لتوظيف الأموال ومراكمة الفائدة عليها لمصلحة المصرف دون غيره. ويشير كسبار إلى
إهانة المستهلكين عبر الإعلانات الخادعة التي تطال الفوائد، بحيث تشير المصارف في إعلاناتها إلى نسب فوائد منخفضة ليكتشف العميل أن النسبة الحقيقية تفوق تلك المعلنة أضعافاً، معتبراً أن المصارف أصبحت نادياً للأثرياء بحيث إن 90% من المقترضين يحصلون على 11% فقط من التسليفات الإجمالية للمصارف، فيما 1% من المقترضين يحصلون على 64% من التسليفات! ويستدرك كسبار «إنه سفاح القربى بين المصارف والحكومة»، إذ إن المصارف تعطي فقط 21% من ميزانيتها للقطاع الخاص، فيما معظم ميزانيتها تصرفها على إقراض الحكومة، والسبب هو المردود الأكبر. لافتاً إلى أن تجزئة الخدمات ووضع رسوم على كل خدمة هما عمل تتفرد به مصارف لبنان. والثغَر والمخالفات لا تنتهي، ومن أبرزها بحسب رئيس جمعية المستهلك زهير برو العقود المصرفية التي تحوي شروطاً تعسفية تكبّل المستهلك، مثل وضع بنود تشترط تخلي المستهلك عن حقه في اللجوء الى القضاء. كما أن الأكثرية الساحقة من المستهلكين لا يترك لهم مجال قراءة العقود أو مناقشتها. وكل هذا يمثّل مخالفة لقانون حماية المستهلك وخاصة المادة 26. كما أنه غالباً ما تفرض بعض المصارف على المستهلك، حين طلبه لقرض ما، عقد تأمين لدى إحدى شركاتها وتربط الموافقة على القرض بهذا التأمين بالذات، وهو ما يخالف بوضوح قانون حماية المستهلك وخاصة المادة 50 التي تمنع ربط سلعة أو خدمة بمنتج آخر. كما تبين لجمعية المستهلك من خلال الخط الساخن والإعلام أن هناك صعوبة كبيرة، بل أحياناً استحالة لدى المستهلكين، لإيصال شكاواهم إلى بعض المصارف.
2.5%هي نسبة الأكلاف والعمولات غير المعلنة التي يدفعها العملاء المصرفيون على قروض استلفوها عليها من المصارف، فيما تصل نسبة الرسوم والعمولات الإضافية التي يدفعها المودع إلى 1.5 في المئة، وهي كذلك لا يُعلَم المودعون بها!
هيئة لمتابعة شؤون المستهلكيندعا رئيس جمعية المستهلك، زهير برو، إلى تأليف لجنة مشتركة مع مصرف لبنان، كهيئة ناظمة للقطاع، لمتابعة شؤون المستهلكين، وإلى تأليف لجنة مشتركة مع المصارف لتطوير العلاقة بين المستهلكين والمؤسسات المالية، تعمل على: معالجة الشكاوى وتعزيز المنافسة بين المؤسسات المالية وإعلام المستهلكين بالعروض التي تتقدم بها، ووضع استمارة مشتركة مع المصارف والشركات المالية لاستطلاع آراء المستهلكين. كذلك ستقترح الجمعية على القطاع المالي تدريب المؤسسات على اعتماد أفضل الممارسات في مجال الخدمات المالية