محمد نزال «جورج ابراهيم عبد الله، أوقف على الأراضي الفرنسية، وأدين من قبل القضاء الفرنسي وصدر في حقه حكم بالسجن مدى الحياة، وذلك لأنه ارتكب جرائم قتل واغتيال، ولقد تقدم بطلب لإخلاء سبيل في عام 2001، ثم تقدم بطلب مماثل أخيراً، لكن النتيجة كانت سلبية»، بهذه الكلمات ردّت وزيرة الحريات والعدل الفرنسية ميشال إليو ماري على سؤال عن المواطن اللبناني المسجون في فرنسا. فهو وإن كان في نظر الغرب مجرماً، فإنه في نظر جزء كبير من اللبنانيين مقاوماً ضد الاحتلال الإسرائيلي ومن يدعمه. احتاجت الوزيرة للرد على هذا السؤال إلى بعض الوقت للاتصال بالعاصمة الفرنسية والاستحصال على الرد الرسمي حول هذا الموضوع، وفق ما أكد لـ«الأخبار» مسؤولون في السفارة. ولفتت الوزيرة الفرنسية إلى أن لجنة قضائية خاصة نظرت في طلب إخلاء سبيل عبد الله، وذلك في تاريخ 5 أيار 2009، وهي «لجنة لا تجتمع إلا في الحالات الاستثنائية الخاصة، وقد أعطت رأياً سلبياً بشأن إطلاق سراحه». ولكن «ما سبب هذا الرأي السلبي؟» سألت «الأخبار»، فردّت الوزيرة الفرنسية «السبب يكمن في أن جورج عبد الله أعلن أنه لن يتنازل عن الكفاح المسلح والأعمال الإرهابية، وهذا إعلان خطير، وخاصة أنه يقول أيضاً إنه لن يأسف على الضحايا الذين سقطوا»، وأصرّت الوزيرة الفرنسية على أن «عبد الله يفترض أن يبقى في السجن مدى الحياة» وذلك حين سُئلت «هل تحاكمونه على النوايا، فهو لم يخرج من السجن حتى يثبت أنه سيرتكب أعمالاً إجراميّة بنظر القانون الفرنسي». الكلام على المواطن اللبناني الذي يقبع خلف القضبان الفرنسية، جاء خلال لقاء أجرته «الأخبار» مع الوزيرة إليو ماري في منزل السفير الفرنسي في قصر الصنوبر. خلال اللقاء، جرى الحديث أيضاً عن المحكمة الخاصة بلبنان، وهل يتدخل المجتمع الدولي «سياسياً في عمل هذه المحكمة؟ الوزيرة الفرنسية شددت على أنها «لا نملك أي معلومات عن وجود تدخل سياسي في عمل المحكمة»، مضيفة «الأمر الوحيد الذي أعرفه أن أشغال المحكمة مستمرة، وفرنسا كانت وستبقى ساهرة وحريصة على ذلك»، كما ذكرت بأن بلادها دعمت بقوة إنشاء هذه المحكمة. وكررت قناعتها ـــــ والقناعة الرسمية الفرنسية ـــــ بـ«ضرورة معاقبة الأشخاص الذين ارتكبوا هذه الجريمة»، ولفتت إلى أنها ستتحدث عن هذا الموضوع مع رئيس الحكومة سعد الحريري (احتمعا مساء أمس على العشاء في السرايا الكبير). أما في ما يتعلق بالعلاقات اللبنانية ـــــ السورية، فقد قالت الوزيرة الفرنسية إن هذه «العلاقات تسير على نحو جيد، وخطوة فتح السفارات بين البلدين إشارة إيجابية في هذا الإطار، ونحن نشجع تحسن هذه العلاقات». حين سُئلت إليو ماري عن موقف بلادها من الخروق الإسرائيلية للسيادة اللبنانية، أجابت بردّ مختصر قائلة «يجب احترام القرار 1701، لأن هذا الأمر يتعلق بمدى صدقيّة المجتمع الدولي». وكانت الوزيرة الفرنسية قد وصلت بعد ظهر أمس إلى بيروت في زيارة تستمر ليومين فقط، والتقت وزير العدل اللبناني ابراهيم نجار في مكتبه في الوزارة. بعد اللقاء، قال الوزير نجار إن الاجتماع كان «فرصة لاكتشاف مجالات التعاون بين لبنان وفرنسا، ليس فقط على المستوى القضائي، بل في مجالات متعددة، منها فتح المجال لتوقيع اتفاقيات بين البلدين كقضية الزواج المختلط بين لبنانيين وفرنسيين، وبعض المشاكل التي يعانيها بعض هؤلاء الأزواج والزوجات، إضافة إلى بدء تنظيم الميدياتيك التي ستشهدها المدينة القضائية المنتظرة في لبنان»، وتحدث نجار عن اللقاء كـ«فرصة جميلة لتنظيم التعاون بين ضفتي المتوسط ولإعادة بناء ثقافة القانون التي امتاز بها لبنان عبر العصور، لأننا وفرنسا ننظر من المنظار نفسه إلى القيم العليا، وأهمها الحريات».
لا نملك أيّ معلومات عن وجود تدخّل سياسي في عمل المحكمةوأكد نجار، رداً على أسئلة الصحافيين، أنه لم يجر خلال اللقاء تناول موضوع المحكمة الخاصة بلبنان. كلمة الوزيرة الفرنسية، بعد اللقاء، اتسمت هي أيضاً بالمجاملة، ووصفت العلاقات الفرنسية اللبنانية بأنها «علاقات ذات طبيعة استثنائية ترتكز على التاريخ والثقة والصداقة، فضلاً عن كونها موجّهة للمستقبل»، وأوضحت أن الاجتماع استكمل المحادثات التي بدأتها مع الوزير نجار خلال مشاركته في الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة سعد الحريري إلى فرنسا قبل بضعة أشهر، ولفتت الوزيرة الفرنسية إلى أن «البحث تناول كيفية العمل معاً لتحديد مكامن التطور الضروري للقانون، وخصوصاً أن المجتمع يتقدم وعلى القانون أن يتطور ويتكيف، شرط المحافظة على قيمه الأساسية. فعلى الإجراءات القضائية أن تلبي تطلعات المواطنين في أن تكون العدالة أكثر سرعة وعدلاً. ومن المهم، بما أننا نواجه المشاكل نفسها، أن نتعاون في هذا المجال». واكدت إليو ماري أن «للبنان وفرنسا ثقافة قانونية مشتركة، وقد أثبتت فعاليتها في مواجهة الأزمة المالية العالمية، وبحثنا تعزيز التبادل على أكثر من صعيد، بدءاً من القضاة لفترات قد تصل مثلاً إلى سنتين، وإجراء دورات تدريبية للكتاب العدل والمحامين».
لقطةتولّت الوزيرة ميشال أليو ماري أول منصب دبلوماسي لها عام 1992كوزيرةً للشباب والرياضة، قبل أن تُصبح وزيرة للدفاع عام 2002، ثم وزيرة للداخلية 2007 لمدة سنتين، وأخيراً وزيرة للعدل والحريات في فرنسا. ولدت اليو ماري في فرنسا عام 1946 وهي حاصلة على شهادة الدكتوراه في الحقوق. احترفت مهنة المحاماة لفترة طويلة من الزمن، كما عملت أستاذة محاضرة في جامعة باريس. زارت لبنان أول مرّة عندما كانت وزيرة للشباب والرياضة عام 1992، وهي «تعشق لبنان لأن هناك الكثير من المثل المشتركة بينه وبين فرنسا»، حسب قولها. زارت لبنان بعد ذلك مرّات عدّة، وذلك أثناء تولّيها وزارتي العدل والداخلية، وهي ترى أن هناك «علاقات قوية ومميزة تربط لبنان بفرنسا، يجب دائماً تطويرها وتعزيزها عملياً».
جورج عبد الله من القبيات إلى باريسولد جورج إبراهيم عبد الله عام 1951 في القبيّات ـــــ عكار، وناضل في صفوف الحركة الوطنية، ثم مع المقاومة الفلسطينية «دفاعاً عن المقاومة وعن الشعب اللبناني والفلسطيني»، كما يؤكد ذووه والمقربون منه. جُرح في أثناء الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان في عام 1978. اتهمته السلطات الفرنسية بتأسيس «الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية» والتخطيط لمجموعة من العمليات «الإرهابية»، منها: اغتيال الكولونيل تشارلز راي الملحق العسكري في السفارة الأميركية في فرنسا عام 1982، واغتيال ياكوف بارسيمنتوف السكرتير الثاني للسفارة الإسرائيلية في فرنسا في العام نفسه، وتفخيخ وتفجير سيارة رودريك غرانت الملحق التجاري في السفارة الأميركية في فرنسا، إضافة إلى اغتيال الدبلوماسي الأميركي ليمون هانت عام 1984
عدد السبت ٢٤ نيسان ٢٠١٠