رشا أبو زكي منذ فترة، اقترض أحد المواطنين 30 ألف دولار من أحد المصارف في لبنان لمدة عشر سنوات، والمواطن هذا كان يعرف «لعبة المصارف»، وتوقع تغيير أسعار العملات خلال فترة سداد القرض. لذلك أبرم مع المصرف عقد قرض بالدولار بفائدة متحركة نسبتها 5،5% + المعدل العالمي للفائدة على الدولار (ليبور). في السنة الثالثة من سداد القرض، تبيّن للمقترض أن القسط الإجمالي الباقي من أصل القرض هو 24 ألفاً و904 دولارات، بدلاً من أن يصبح 21 ألف دولار، لا بل اكتشف أن الفائدة احتسبت على قيمة المبلغ الجديد. ومن ثم اكتشف أيضاً أنه كان يدفع 500 دولار في نهاية كل عام بحجة أنه تأخر في دفع الأقساط. أما بالنسبة إلى التأمين الذي يفرضه المصرف فقد كانت قيمته تبلغ سنوياً 500 دولار، فيما اكتشف المقترض أن شركات أخرى تؤمن التغطية بكلفة 260 دولاراً! المقترض عرف أن المصرف يخرق بنود العقد، فاضطر إلى الاستعانة بمحاسب ليتبيّن أن الفارق الذي يدفعه المقترض للمصرف من دون أي وجه حق وصل إلى 8 آلاف دولار. وبعد مراجعات وإظهار الوثائق اضطر المصرف إلى الرضوخ وإعادة المبلغ إلى المقترض... «إن هذا المصرف يبتز ويسرق مدخرات المقترض باستخدام وسائل الاحتيال والاختلاس... والحالة عامة»، مثال صغير عرضته الدكتورة في القانون الدولي أحلام بيضون خلال مؤتمر «علاقة المستهلك والمؤسسات المالية»، الذي نظّمته جمعية المستهلك لمناسبة اليوم العالمي للمستهلك، وهذا المثال يختصر معاناة المواطنين اليومية مع المصارف التي لا يريد مسؤولوها أن يسمعوا أو يعلموا ما تتركه مخالفاتهم من آثار على المستهلكين، بحيث لم يحضر الندوة ممثل عن جمعية المصارف ولا عن مصرف لبنان، على الرغم من الدعوات الموجّهة إليهما!
أداء مصرفي سيئ!
فقد رأت بيضون أن المصارف تمثّل إحدى المافيات الكبرى في البلد، وإن كانت القروض تعدّ بمثابة لغز كبير بسبب الغموض الذي يحيط بتفاصيله كلها، فإن آلية احتساب أسعار الفائدة تعتبر اللغز الأكبر. فهو باختصار «نقل مستحقات الفقراء إلى جيوب الأثرياء»، بحيث إن سعر الفائدة يرتفع بحسب حجم الوديعة، ويحصل كبار المودعين على فوائد تساوي أكثر من ضعفي تلك التي يحصل عليها المودع الصغير، على المبلغ نفسه... واحتساب الفوائد الغامض لا يقلق فقط المواطنين، فحتى وزير السياحة فادي عبود قال في كلمته إن النظام المصرفي العالمي يعتمد مبدأ معدل الفائدة السنوية، ما يعني أن على المصرف احتساب كل المصاريف على أشكالها وأنواعها واعتماد آلية احتساب الفوائد بطريقة شفافة. فإذا اعتمد نسبة 9% مثلاً يجب أن تكون الـ9% مجموع كل المصاريف وغيرها، تدفع بعد مرور 365 يوماً، أي سنة على الدين، ولا يحق للمصرف زيادة مصاريف أخرى، أما في لبنان، فقد رأى عبود أن «الفوائد لا تزال غير مفهومة»، لا بل أشار إلى أن لبنان هو البلد الوحيد في العالم الذي لا يشرح للمستهلك معنى الفائدة «الجرّارة»، كما أن المواطن يجهل حقيقة ما يدفعه من فوائد ومصاريف إضافية على الحسابات والقروض... فيما دعت وزيرة المال ريا الحسن إلى مزيد من الشفافية في شروط العقود، بما في ذلك سعر الفائدة الحقيقي والمصاريف الإدارية، وحقوق المؤسسة المالية في حال فشل الاستثمار أو عدم وفاء المستهلك بدينه، مؤكدة الحاجة إلى هيئة لحماية المستهلك في الأسواق المالية، قد تكون من ضمن الأطر القائمة، أو من ضمن إطار جديد ومستقل. ويظهر مسح أجرته جمعية المستهلك طال أكثر من 700 مواطن، أن 62% من المستطلعين لا يدركون قيمة الفوائد الدائنة والمدينة المعتمدة من المصرف على حساباتهم، كما أن 67% لا يعرفون الطريقة التي تم فيها احتساب نسبة الفوائد، ويشير الاستطلاع إلى أن 45% من المقترضين لم يحصلوا على شرح من المصرف حول القرض وتفاصيل العقد قبل توقيعه. وأشار 61 % من المستطلعين إلى أن المصرف لم يوافق على الحسم من الفوائد المدينة عند سداد الدين قبل استحقاقه. وقال 48% من المستطلعين إنهم لا يعرفون أنهم يدفعون عمولات على معاملاتهم المصرفية. وصنف 32 % من المستطلعين الأداء المصرفي بأنه سيئ، فيما قال 26% إنه وسط و33% إنه جيد، و9% فقط قالوا إنه جيد جداً!
المصارف والدولة: سفاح القربى
وهذا الأداء السيئ مع المستهلكين شرحه الخبير الاقتصادي توفيق كسبار، لافتاً إلى أن تاريخ استحقاق الشيكات هو أكبر مصدر ربح للمصارف، إذ إن أيام التأخير ليست سوى آلية لتوظيف الأموال ومراكمة الفائدة عليها لمصلحة المصرف دون غيره. ويشير كسبار إلى
إهانة المستهلكين عبر الإعلانات الخادعة التي تطال الفوائد، بحيث تشير المصارف في إعلاناتها إلى نسب فوائد منخفضة ليكتشف العميل أن النسبة الحقيقية تفوق تلك المعلنة أضعافاً، معتبراً أن المصارف أصبحت نادياً للأثرياء بحيث إن 90% من المقترضين يحصلون على 11% فقط من التسليفات الإجمالية للمصارف، فيما 1% من المقترضين يحصلون على 64% من التسليفات! ويستدرك كسبار «إنه سفاح القربى بين المصارف والحكومة»، إذ إن المصارف تعطي فقط 21% من ميزانيتها للقطاع الخاص، فيما معظم ميزانيتها تصرفها على إقراض الحكومة، والسبب هو المردود الأكبر. لافتاً إلى أن تجزئة الخدمات ووضع رسوم على كل خدمة هما عمل تتفرد به مصارف لبنان. والثغَر والمخالفات لا تنتهي، ومن أبرزها بحسب رئيس جمعية المستهلك زهير برو العقود المصرفية التي تحوي شروطاً تعسفية تكبّل المستهلك، مثل وضع بنود تشترط تخلي المستهلك عن حقه في اللجوء الى القضاء. كما أن الأكثرية الساحقة من المستهلكين لا يترك لهم مجال قراءة العقود أو مناقشتها. وكل هذا يمثّل مخالفة لقانون حماية المستهلك وخاصة المادة 26. كما أنه غالباً ما تفرض بعض المصارف على المستهلك، حين طلبه لقرض ما، عقد تأمين لدى إحدى شركاتها وتربط الموافقة على القرض بهذا التأمين بالذات، وهو ما يخالف بوضوح قانون حماية المستهلك وخاصة المادة 50 التي تمنع ربط سلعة أو خدمة بمنتج آخر. كما تبين لجمعية المستهلك من خلال الخط الساخن والإعلام أن هناك صعوبة كبيرة، بل أحياناً استحالة لدى المستهلكين، لإيصال شكاواهم إلى بعض المصارف.
2.5%هي نسبة الأكلاف والعمولات غير المعلنة التي يدفعها العملاء المصرفيون على قروض استلفوها عليها من المصارف، فيما تصل نسبة الرسوم والعمولات الإضافية التي يدفعها المودع إلى 1.5 في المئة، وهي كذلك لا يُعلَم المودعون بها!
هيئة لمتابعة شؤون المستهلكيندعا رئيس جمعية المستهلك، زهير برو، إلى تأليف لجنة مشتركة مع مصرف لبنان، كهيئة ناظمة للقطاع، لمتابعة شؤون المستهلكين، وإلى تأليف لجنة مشتركة مع المصارف لتطوير العلاقة بين المستهلكين والمؤسسات المالية، تعمل على: معالجة الشكاوى وتعزيز المنافسة بين المؤسسات المالية وإعلام المستهلكين بالعروض التي تتقدم بها، ووضع استمارة مشتركة مع المصارف والشركات المالية لاستطلاع آراء المستهلكين. كذلك ستقترح الجمعية على القطاع المالي تدريب المؤسسات على اعتماد أفضل الممارسات في مجال الخدمات المالية