في الثامن عشر من آذار المقبل، تتأنق الفتيات. يلبسن فساتين العرس وأبهى حللهن. يصففن شعرهن. يتبرجن، ويتحضرن للّيلة الكبرى. ليلة العمر. في الجهة المقابلة، يلبس الشبان بذلاتهم الرسمية. يشدون ياقات القمصان، ويشبكون ربطات العنق. يحلقون ذقونهم. يعلقون وردة بيضاء على صدورهم، تحضيراً لليلة العمر ذاتها. وعندما تنتهي التحضيرات، يتوجه الجميع للاحتفال بالعرس.. حول مستديرة ساحة النجمة في وسط البلد! لكن الاحتفال بالعرس لن يكتمل. إذ لن تصحّ عليه جميع إجراءات العرس، ولن يجد من يسجّله على الورق. سيظل عرساً «مع وقف التنفيذ» لأن هؤلاء الشبان والصبايا قرروا أن يتزوجوا مدنياً. وفي لبنان، لا قانون مدنيا للأحوال الشخصية. هذا العرس الجماعي الذي تنظمه جمعية «شمل» («شباب مواطنون لبنانيون لاعنفيون»)، ليس الأول لها، أو لسواها من جمعيات المجتمع المدني، في سياق المطالبة بالزواج المدني. فـ«شمل» هي واحد من أربعة مشاريع أطلقتها «الهيئة اللبنانية للحقوق المدنية» التي أسسها كل من د. وليد صليبي وأوغاريت يونان وهي: مشروع «بلاد ـ بيوت اللاعنف اللاطائفية الديموقراطية»، و«الأكاديمية الجامعية للاعنف وحقوق الإنسان»، و«أمهات لاعنفيات». لن يقتصر العرس على شبان وصبايا يحبون بعضهم بعضا، فحسب. وحضوره، من الأصل، لا يحتاج إلى بطاقة دعوة خاصة. فالجميع مدعوون للمشاركة، من عازبين ومتزوجين.. حتى الذين تزوجوا أو يريدون أن يتزوجوا دينياً، ويؤيدون الحق الاختياري بالزواج المدني، مدعوون للمشاركة. ويتضمن العرس أغاني الأفراح، وفرقة دبكة، ومن المفترض أن تشارك فيه وجوه فنية وإعلامية معروفة تؤيد فكرة الزواج المدني. قصة «يوم حرية الاختيار» في الثامن عشر من آذار العام 1998، أقر مجلس الوزراء مشروع قانون مدني اختياري للأحوال الشخصية كان قد تقدم به رئيس الجمهورية الراحل الياس الهراوي، غير أن الإرادة السياسية النافذة آنذاك، وبفعل ضغوطات مارستها السلطات الدينية، طوت الملف ولم تنقل المشروع والقرار وفق الأصول الدستورية إلى المجلس النيابي. فقررت «الحملة الوطنية من أجل قانون مدني للأحوال الشخصية» التي انطلقت في العام 1998 وضمت 70 حزباً وجمعية، أن تحفظ هذا التاريخ في ذاكرة اللبنانيين، بغض النظر عن رأيها بمشروع قانون الهراوي. وأرادت تكريس هذا اليوم كـ«يوم وطني لحرية الاختيار»، ونظمت حوله عدة تحركات لافتة. تسوق الجمعية لنشاطها بالدرجة الأولى من خلال موقع «فايسبوك» عبر مجموعة «بدي إفرح ببلدي». حتى الآن، بات هناك نحو 1300 شاب وصبية، معظمهم من طلاب الجامعات، أكدوا مشاركتهم في النشاط. لكن ذلك لا يعني أن جميع هؤلاء سيحضرون الحفل. وفي المقابل، أبدى عدد منهم اهتماماً إضافياً، فلم يكتفوا بتأكيد الحضور عبر الخدمة الالكترونية، بل اتصلوا بالجمعية لمعرفة المزيد من التفاصيل المتعلقة بالنشاط. يقول طوني داوود، وهو أحد المشاركين في التنظيم، لـ«السفير» إنه «إذا حضر 100 شخص جدّيا، يكون النشاط قد نجح، وكلما ازداد العدد، نعتبر النتيجة أفضل». على حائط الموقع، يدور نقاش حول النشاط، وحول موضوع الزواج المدني عموما، يشارك فيه مؤيدون ومعارضون للاقتراح. فيعلن شاب أنه ضد الزواج المدني، لكنه يؤكد أن «التجمّع حق ديموقراطي. ولبنان مبني على الديموقراطية». ومع ذلك، يضيف الشاب نفسه أنه سيشارك في النشاط لكي «أدبك، وأرقص، وأغنّي!». ولن تكتفي «شمل» بالدعوات الالكترونية. بل تتواصل أيضاً مع جمعيات من المجتمع المدني، والمنظمات الشبابية والطلابية في الأحزاب المهتمة بالموضوع. وسيتم إرسال دعوات لـ128 نائباً في المجلس النيابي اللبناني لحضور العرس، عدد منهم يؤيد الزواج المدني، وعدد آخر منهم تزوج مدنياً بالفعل. و«شمل» التي تنظم النشاط لا تريد أن يرتدي نشاطها الحلة «الفولكلورية» وحدها. في الأصل، النشاط مطلبي وحقوقي. لذلك، وخلاله، يقدم مشروع قانون لبناني للأحوال الشخصية أعدّه صليبي ويونان إلى مجلس النواب، بواسطة النواب الذين سيحضرون النشاط. وكان من المفترض أن ينظّم العرس بين الحادية عشرة صباحاً والواحدة من بعد الظهر، لكن العديد من الشبان والصبايا طلبوا تأخير وقته لأنه يتزامن مع مواعيد الدراسة والعمل، فتم تأخيره إلى ما بين الرابعة والسادسة من مساء 18 الجاري. وعلى الرغم من أن هذا الموعد لا يتزامن مع انعقاد جلسة لمجلس النواب، إلا أنه يضمن للمنظمين إمكانية الوصول إلى ساحة النجمة. ففي الأيام العادية، يمنع الوصول إلى الساحة عند انعقاد جلسة لمجلس النواب. ومن المفترض أن يتضمن العرس، إلى الرقص والاحتفال وتوزيع الملبّس، مفاجأة، يصر أصحابها على تركها لأوانها
يوسف حاج علي -.